4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 لماذا وليد جنبلاط الآن؟

نديم قطيش
الشرق الاوسط السعودية
تحكم لبنان، في المفاصل الأساسية، معادلة الرؤساء الثلاثة زائدين واحداً، أي رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، زائدين وليد جنبلاط. هو جزء من معادلة صناعة القرار السياسي الكبير في لبنان، وعضو في ناديه لا ينوب عنه أحد.
ينوب «حزب الله» مثلاً عن الوزير سليمان فرنجية لو اضطر لذلك. يأكل الموارنة حصة الأرثوذوكس في القرار السياسي من دون رفة جفن، بعد أن تزعم الأرثوذوكس النطق باسم المسيحيين طوال حقبة الوصاية السورية على لبنان، مكان الموارنة المبعدين إلى باريس، كما هي حال الرئيس أمين الجميل وقائد الجيش السابق ميشال عون، أو الساكنين في أقبية سجن وزارة الدفاع اللبنانية، كما كانت حال رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
إلا وليد جنبلاط حين يقرر، هو زعيم «الهنود الحمر» كما قال عن الدروز، في إشارة إلى تضاؤلهم الديموغرافي في لبنان، وهو زعيم بحجم بلاد حين يشم رائحة الفرصة أو يقرأ مخاطر وجودية عليه أو على البلاد.
عام 2005، كان يمكن لاغتيال الرئيس رفيق الحريري أن يمهد للإطباق السوري الإيراني الكامل على لبنان، لولا وليد جنبلاط. كان الرجل بدأ منذ عام 1998 يشعر بأن لبنان مقبل على صدام مع النخبة السياسية الجديدة الصاعدة في سوريا بشخص «الدكتور» بشار الأسد، الذي ورث أباه بعدها بسنتين. وبدأ منذ ذلك التاريخ يبني الحاضنة الاستراتيجية للالتفاف على «سوريا الجديدة» قيد الولادة، منفتحاً على المسيحيين، واصلاً إلى مصالحة الجبل التاريخية عام 2000، مراهناً على رياح التغيير التي بدأت تهب على عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ثم إسقاط نظام البعث في العراق ربيع عام 2003، حتى إذا جاء اغتيال الحريري، وقف جنبلاط صارخاً بقولٍ لأبيه: «لم نعد وحدنا في هذا العالم، إنما المطلوب هو الصمود».
بهذا المعنى شكل وليد جنبلاط الرافعة الحية للاستقلال الثاني، الذي صار رفيق الحريري رافعته الشهيدة. قاد اللبنانيين في لحظة قاتمة من اليأس والخوف إلى قلب النور والضوء، بكل ما له وما عليه في هذه القيادة التي في سجلها كثير من التناقضات والأخطاء وأنصاف المواقف؛ لكن هذا بحث آخر.
يعرف «حزب الله» هذه الحقيقة، ويعرف أن وليد جنبلاط، وليس الرئيس سعد الحريري أو الدكتور سمير جعجع، هو الوحيد القادر في أي لحظة دولية مواتية الآن، على أن يشكل نقطة التقاء داخلية بين مختلف قوى وجماهير «14 آذار» الكامنة، وقيادتها نحو موجة جديدة من طلب السيادة والاستقلال عن وصاية «سلاح حزب الله» هذه المرة. وهو البقعة الأخيرة التي ما تم ترويضها في العمق، والزعامة التي بنتيجة الخصوصية الدرزية ما زالت تمسك بعصب بيئتها وشرعية تمثيلها الحاسم، وتتمتع بقدرة تجيير كل ذلك لصياغة حالة وطنية تتجاوز الدروز إلى ما هو أبعد.
بإزاء هذه المعطيات التي يعرفها «حزب الله»، تصدَّر الأمين العام للحزب حسن نصر الله شخصياً معركة كسر وليد جنبلاط، أياً يكن الثمن، في حين أن جنبلاط يتصرف على قاعدة أن المواجهة التي يخوضها قد تكون الأخيرة.
حين فرضت واشنطن عقوبات على «حزب الله» طالت رئيس كتلته البرلمانية ونائب الحزب عن العاصمة بيروت، وأحد أبرز قادته الأمنيين السياسيين، تفرد وليد جنبلاط بالصمت. رفضها رئيسا المجلس والجمهورية مباشرة. حتى رئيس الحكومة سعد الحريري اضطر لإصدار بيان عن العقوبات، وإن اختار له لغة غائمة تقصَّد منها ألا يُفهم من البيان شيء. إلا وليد جنبلاط، ظل على صمته إزاء العقوبات على «حزب الله». وكان قد سبق ذلك أن أعاد جنبلاط طرح مسألة مزارع شبعا ولبنانيتها، وهو الاسم الحركي لمعركة نزع الشرعية الوطنية عن سلاح «حزب الله»؛ حيث إن المقاومة يبررها الاحتلال ويبددها التحرير إذ يكتمل نصابه السيادي.
ليست هذه المواقف من نوع التفاصيل التي يمكن لـ«حزب الله» أن يهملها؛ لكن الفارق كبير بين التوقف عندها، وبين الاستثمار فيها لتصعيد الاشتباك مع وليد جنبلاط إلى الحدود الراهنة.
في «علم التفسير»، أن «حزب الله»، وفي ضوء تصاعد الاشتباك الإقليمي بين إيران وأميركا وحلفائها الخليجيين وإسرائيل في المنطقة، قرر مغادرة مربع التهدئة في لبنان، و«احتجاز» البلاد في «مضيق» التشنج، أو بالحد الأدنى بعث برسالة عبر «تأديب» جنبلاط إلى كل من يعنيهم الأمر، ألا تراهنوا على استثمار ما يحصل في المنطقة لصالح تغيير التوازنات السياسية في لبنان، والمختلة لصالح «حزب الله».
وفي «علم التفسير» أيضاً، أن جنبلاط هو من قرر أن يصيب عصفورين بحجر واحد: أولاً أن يخرج من بيت الطاعة المفروض عليه منذ قانون الانتخابات، ثم تشكيل الحكومة، وما أديا إليه من «اختراع» مراكز قوى جديدة في الجبل، يعتقد أنه أطاح بها منذ حادثة قبرشمون في 30 يونيو (حزيران)، وكسَرَ شوكة حلفاء «حزب الله» الدروز فيها. وثانياً أن يكون شريكاً في لعبة حصار «حزب الله»، من خلال إرباك قبضة الحزب على لبنان وإشغاله بمؤشرات ولادة جبهة داخلية ضده، في لحظة هو أحوج ما يكون فيها إلى أوسع التفاف لبناني حوله، وأعلى درجات السكينة في الداخل اللبناني.
أياً تكن الأسباب، وليد جنبلاط يخوض معركة وجود، خطيرة، لا نجاة مضمونة في ختامها.
2 عن عودة «داعش» المفاجئة في العراق
أمل عبد العزيز الهزاني الشرق الاوسط السعودية

تنتهي اليوم المهلة التي حددها رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، لإعادة هيكلة «الحشد الشعبي». و«الحشد» عبارة مجاميع عسكرية مستقلة بقياداتها وتنظيمها. وطبقاً للمرسوم المتفَق عليه من الرئاسات الثلاث فإن على «الحشد» أن يكون تابعاً للقوات المسلحة بقيادة القائد العام، دون ولاءات متعددة لأي قيادة سياسية أخرى. المرسوم تضمّن أيضاً منح الفصائل المسلحة الأخرى غير المرتبطة بـ«الحشد»، خيارين؛ التوجه إلى العمل السياسي، أو ستتم ملاحقتهم من الجهات الأمنية.
قرار رئيس الوزراء العراقي صائب، لحصر السلاح بيد الدولة فقط، وهو أمر طبيعي لحفظ سيادة الدولة وهيبتها ومسؤوليتها أمام النظام الدولي. لكن علينا أن نعود قليلاً إلى الوراء لفهم كيف تمت شرعنة وجود «الحشد الشعبي» وإطلاق يده في الأراضي العراقية. كان ذلك في عام 2015 ومن خلال البرلمان العراقي، الذي رأى أن قوات «الحشد» المدعومة من إيران بالسلاح والأفراد، هي القوة التي يمكن للدولة الاعتماد عليها للقضاء على تنظيم «داعش» الذي استولى على نحو ثلث الأراضي العراقية، ومنها احتلال الموصل المعروف في صيف 2014. ورغم دور الطائرات الأميركية الأساسي في القضاء على «داعش» داخل تخومه، ودور التحالف الدولي الذي أسسته واشنطن، والجيش العراقي، للقضاء على «داعش»، فإن قوات «الحشد» هي التي أخذت النصيب الأكبر من الدعاية الإعلامية بتصوير نفسها القوة المخلّصة. «الحشد الشعبي» فصائل مسلحة بولاءات مختلفة تدين في غالبيتها للمركز، وهو نظام الحكم في طهران، وتستمد شرعيتها من البرلمان العراقي، واستدامتها من وجود «داعش».
قبل نحو شهر، اقتحم مسلحون السفارة البحرينية في بغداد، وقاموا بتخريب المقر وإنزال العلم البحريني بحجة رفضهم استضافة المنامة ورشة تم فيها عرض الشق الاقتصادي لخطة السلام التي تعمل عليها الإدارة الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بعد أيام قليلة من هذه الحادثة، كشفت واشنطن أن طائرة الدرون التي استهدفت خلال شهر رمضان الماضي محطات ضخ أنابيب تابعة لشركة «أرامكو» في محافظتي الدوادمي وعفيف وسط غرب السعودية، انطلقت من العراق لا من اليمن كما ادّعت جماعة «أنصار الله» الحوثية. هذه المواقف التي ارتكبها «السلاح المنفلت» في العراق أحرج الحكومة العراقية، ودفعها إلى اتخاذ قرار إعادة هيكلة التنظيمات المسلحة بدمجها مع الجيش النظامي أو توجيهها للانخراط في العمل السياسي وفق قانون الأحزاب. لم يتجاوب مع هذا القرار علناً سوى مقتدى الصدر الذي أعلن انفكاكه عن فصيل «سرايا السلام» الذي قام بتشكيله إبان الحرب على «داعش».
المتغير اليوم، هو ظهور «داعش» المفاجئ وهجومه على حقول نفطية في محافظة صلاح الدين. وهو الهجوم الأول منذ إعلان الدولة العراقية تحرير أراضيها من التنظيم في عام 2017، وكشف المخابرات العراقية عن خطة واسعة للتنظيم كانت تستهدف بغداد وبعض محافظات الجنوب وإقليم كردستان.
لماذا عادت الحياة لتنظيم «داعش» بعد هذه السنوات؟ هل كان موجوداً ومتوارياً؟ أم تسللت عناصره مع اللاجئين القادمين من سوريا؟ أم تلقوا مساعدات وإسناداً من جهة ما؟ والسؤال الأبرز: ما الخطر الحقيقي الذي يهدد العراق ويقف في سبيل عودته لمحيطه العربي وإنعاش اقتصاده وتنميته.. هل هي التنظيمات المسلحة المدعومة من طهران أم «داعش»؟
لا شك أن العراق يواجه تهديدات أمنية كبيرة، ورغم أنه في أفضل حالاته منذ سقوط نظام صدام حسين، من جهة علاقاته العربية والدولية، فإن الحالة الأمنية تراوح مكانها ما بين التنظيمات المسلحة المتطرفة الشيعية والسنية. لا أريد أن أقول إن سبب ظهور «داعش» المفاجئ هو محاولة إعادة الهيبة والحاجة إلى قوات «الحشد الشعبي»، ولكن الإجراءات التنفيذية التي أعلنتها حكومة عبد المهدي مؤخراً تتلخص في غلق مقرات قوات «الحشد» وإخراجها إلى معسكرات بعيدة عن المدن، وهذه الإجراءات تختلف عن نص المرسوم الرئاسي الذي كان يحتّم على قوات «الحشد» أن تأتمر بأمره بصفته قائد القوات المسلحة. المقرات البعيدة التي تنوي الحكومة إبعاد قوات «الحشد» إليها ستزيد من نفوذها ولن تقلصه كما يعتقد، لأنها ستشكل معسكرات خارجة عن الدولة وبعيدة عن أعين الدولة. اليوم تقول الفصائل المسلحة الشيعية إن الدولة في خطر بعد استعادة «داعش» قدراته الهجومية. وبالتالي من المستبعد أن يتم تحجيم قوات «الحشد» أو تحييدها، لكنه يوضح مدى ترابط المصالح بين التنظيمات المتطرفة، وأنها تشترك في أهداف واحدة، أهمها عملها ضد سيادة الدولة.
في الواقع، كان من غير المتوقع أن ينهي رئيس الحكومة نفوذ «الحشد الشعبي» من خلال مرسوم، لأن الحضور الإيراني في المشهد أكبر من قدرة الرئاسات الثلاث على اتخاذ قرار بهذا الحجم وتنفيذه، لكن يظل العراق بظروفه المعقدة محل تفهم الدول العربية خصوصاً المجاورة، لكن الذي لا يمكن تفهمه ولا قبوله أن يكون العراق أرضاً لاستهداف جيرانه، مهما كانت المبررات.
3 أم كلثوم في بغداد

خالد القشطيني
الشرق الاوسط السعودية

قامت أم كلثوم في مطلع نجوميتها عام 1932 بزيارة العراق لأداء مجموعة من آخر أغانيها. استقبلها سائر الأدباء والشعراء والوزراء وزعماء البلاد وحتى بعض شيوخ العشائر. ما زالت عوائلهم تحتفظ وتعتز بالتصاوير الفوتوغرافية التي أخذوها مع سيدة الطرب العربي. وهناك في دواوين الشعراء، ومنهم عبود الكرخي، قصائد تذكارية نظموها عنها ونشروها في الصحف الوطنية في هذه المناسبة. كان منهم بعض رجال الدين وشعراء الغري وعلى رأسهم العلامة الخاقاني الذي تغنى بصوت السيدة أم كلثوم فقال فيها:
قمرية الدوح يا ذات الترانيم
مع النسور على ورد الردى حومي
من شأن العراقيين ربط أي موضوع بالسياسة، وهكذا ربط مثقفوهم بين زيارة أم كلثوم وغنائها بما كانت تعصف في بلدها مصر من مشاكل، والسياسات الحزبية لحزب الوفد. كان العراقيون يؤيدون حزب الوفد على اعتباره الحزب الوطني الذي يقارع الاستعمار البريطاني. فقال أحدهم وهو يخاطب أم كلثوم في مقطوعة رباعية فيقول:
فهيا أيتها الغادة
وغنيني على العادة
خذي قلمي إلى الوفد
فإني في الهوى وفدي
بيد أن العلامة محمد بهجة الأثري رحب في قصيدة أخرى بمجيء أم كلثوم للعراق فقال:
روح من الملأ الأعلى يناجينا
أم بأغمام من ضياء الخلد يشجينا
سل ساري النجم عنه كيف قيده
حيران يسمع منه السحر تلحينا
وكان من الشعراء الذين قالوا الشعر عنها جميل صدقي الزهاوي في قصيدة مطلعها:
الفن روض أنيق غير مسؤوم
وأنت بليلة يا أم كلثوم
بيد أن الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي نظم قصيدة باللهجة العامية على عادته ومنهجه خلط فيها بين المدح والذم. وكما قلت أعلاه لا ينفك العراقيون من الربط بين أي موضوع بالسياسة. استهل الشاعر قصيدته بالترحيب بأم كلثوم قائلاً:
يا هلا بست الغواني
الكاملة وحلوة معاني
يعجز بمدحك لساني
وكذلك أهل قطري
ثم ينطلق الشاعر في هجوها بأنها لم تأتِ للعراق إلا لنهب فلوس العراقيين. يرى زميلنا رشيد الخيون أن المقصود بهذا الهجاء ذم الحكومة! نعم هكذا كل شيء عند العراقيين سياسة.
4 الحاجة الماسة إلى الإستراتيجية الإدارية للمنشآت التجارية حسين عمر
راي اليوم بريطانيا

إنني في بحثي هذا لا أريد التحدث عن الأوضاع الإقتصادية المتردية في الأردن ولا أريد التطرق الى المشاريع التي أعلنت فشلها ولا عن الفساد الإداري ولا عن إرتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ولا عن ظروف الثورات العربية التي تحيط بنا ولن أتطرق الى أطماع إسرائيل في تهويد وضم الضفة الغربية وآثار مثل هذا الضم على الأردن ولا أريد التحدث عن الحرب الخفية للسيطرة على منابع النفط والغاز في منطقتنا العربية ولن أتحدث عن آثار احتلال العراق للكويت وعودة أكثر من مليون أردني الى الأردن ولا عن قيام الولايات المتحدة بغزو واحتلال العراق ونزوح مئات الآلاف من المهجرين الى الأردن . ولا عن الحرب الأهلية المستعرة في سوريا وهروب أكثر من ثلاثة ملايين لاجىء سوري إلى الأردن معظمهم لم يتم تسجيلهم في قوائم اللاجئين التابعة للأمم المتحدة . ولا أريد أن أتحدث عن الشرخ الذي يتعاظم بين إيران ودول الخليج ولا أريد أن أتحدث عن صفقة القرن التي لم تطالعها عين أي مسؤول عربي . ولكنني وبكل وضوح أريد أن أتحدث عن افتقار المسؤولين في قمة الهرم الأردني وعلى رأسهم وزارة التخطيط ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية وكل القيمين على مئات المشاريع الى أبسط معاني التخطيط الإداري . وسوف أحاول عرض مفهوم الإستراتيجية الإدارية ومجالات تطبيقها بدءاً بتأهيل المسؤولين عن مصائر أبناء هذا الشعب الأردني الطيب
مفهوم الإستراتيجية الإدارية:
لقد شهدت العقود الأخيرة في الدول المتقدمة صناعيا الكثير من الممارسات والتطبيقات الإدارية من أجل رفع مستوى الإنتاج وإعطاء الدافع والحافز والتأمين والضمان ورفع مستوى المواطن وبالذات العمال وزيادة كفاءتهم وتحسين قدرتهم على الإنتاج. ولقد كان لتوزيع الموارد البشرية وإقامة علم مستقل بإدارة المنشآت يبحث في أفضل الوسائل لتحقيق أفضل استخدام وتحقيق أفضل نتائج وهو ما تعارف عليه في الوقت الحاضر بمسمى الإستراتيجية الإدارية.
وهناك أكثر من تعريف للإستراتيجية الإدارية تختلف من حيث الصياغة والشمول ولكنها تتفق إجمالا في المضمون والمحتوى ونورد على سبيل المثال لا الحصر بعضا منها
1: الإستراتيجية عبارة عن تحديد الأهداف الرئيسية بعيدة المدى للمؤسسة والمنشأة وتبني الخطط وتخصيص الموارد الضرورية لتنفيذ هذه الأهداف
2: الإستراتيجية عبارة عن مدخل محدد لتحقيق أهداف معينة يتم عادة في الأمد البعيد وفي ظل حالات المنافسة
3: الإستراتيجية خطة موحدة تتصف بالتكامل والشمول بين قدرات المنشأة الإيجابية وتحديات البيئة المحيطة وتهدف الى تحقيق أهداف أساسية
4: تتمثل الإستراتيجية في جوهرها في إيجاد مركز تنافس دائم للمنشأة يكفل لها الربح والإستمرار
ويمكن القول بأن الإستراتيجية في إطار الفكر الإداري المعاصر عبارة عن خطة إدارية على مستوى المنشأة ككل . تنبثق عن سلسلة من القرارات بعيدة الأثر وتستهدف تحديد رسالة المنشأة وتبيان هويتها وتوجيه مواردها في سبيل الوصول الى أهداف محددة مرسومة وهي ترتقي الى مستوى الإستراتيجية حال قبولها من قبل الإدارة العليا وتخصيص الموارد الضرورية من أجل تطبيقها وتنفيذها على مستوى الواقع
مراحل إعداد الإستراتيجية:
من الممكن إيجاز مراحل إعداد الإستراتيجية وتنفيذها كما يلي
أ: تحديد الأهداف
تتمثل المرحلة الأولى من إعداد استراتيجية معينة في بلورة هدف أو مجموعة أهداف مترابطة تسعى المنشأة الى تحقيقها خلال مدة زمنية محددة فالمنشأة ليست هدفا وإنما وسيلة لتحقيق غايات أو أغراض معينة والأهداف هي النهايات التي تتجه الأنشطة كافة في نطاق المنشأة لتحقيقها. والمنطق يقتضي أن يكون الهدف الشامل للمؤسسات وبالذات المنشآت التجارية ضمن إطار الهدف العام للنظام الإقتصادي الذي تؤدي المنشآت في ظله دورها. وهذا يعني تقديم السلع والخدمات كما ونوعاً . بما يتلاءم واحتياجات المستهلكين بإقتصاد وكفاية . وتوضع الأهداف عادة لتشمل عدة مجالات متعددة منها . تحقيق مركز تنافسي مرغوب فيه للمنشأة في ميدان إنتاج السلع أو تقديم الخدمات أو الإرتقاء بمستوى جودتها . وتحقيق الكفاية الإنتاجية في المجالات الإدارية التشغيلية. وتحقيق التطوير الإداري وتنمية قدرات العاملين ومهاراتهم والإهتمام بفعاليات البحث والتطوير وتخصيص جزء من الأرباح لهذه الغاية وأخيرا توثيق الروابط والصلات بالمجتمع من خلال الإسهام بمشاريع خيرية أو تقديم خدمات إجتماعية.
ب: دراسة الإمكانات وتحليلها
بعد أن يتم تحديد الأهداف التي ترغب المنشأة في تحقيقها فإن المرحلة اللاحقة تتركز حول دراسة وتحليل الإمكانات البشرية والمادية المتاحة والمؤمل الحصول عليها وتستهدف هذه الدراسة الوقوف على البيئة الداخلية للمنشأة من أجل الحصول على المعلومات المتعلقة بمواقع القوة ومواطن الضعف فيها. فالإمكانات هي بمثابة المحددات التي تجابه المنشأة وتشير الى ما يمكن والى ما لايمكن القيام به. وبالتالي تشكل قيودا على البدائل المتاحة المتوافرة لها ويتم عادة دراسة الإمكانات وتحليلها من خلال الإجابة على مجموعة من التساؤلات. ما هو المركز المالي والتنافسي للمنشأة. هل الموارد البشرية كماً ونوعاً كافية لتحقيق الأهداف المرسومة. ما هو مستوى الكفاية الإنتاجية وما هي درجة استغلال الطاقة المتاحة. هل الأساليب المستخدمة في مضمار الإنتاج أو التسويق أو التطوير الإداري ملائمة للوصول الى الأهداف المنشودة.
ج: دراسة الظروف المحيطة وتحليلها
إن الغرض الأساسي من دراسة الظروف البيئية المحيطة وتحليلها هو تشخيص الفرص المتاحة والتحديات التي تجابه المنشأة والمخاطر والعقبات التي قد تتعرض إليها . وتمثل العوامل او المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والتقنية مجمل الظروف البيئية التي هي خارج نطاق المنشأة وتؤثر على مسيرتها وقراراتها تأثيرا حاسماً ويمكن إيجاز هذه العوامل والظواهر كما يلي .
1: مجموعة العوامل الإقتصادية وتتضمن ما يلي
مستوى الدخل القومي. المستوى العام للأسعار وحدة المنافسة . حجم الطلب المتوقع واتجاهاته. واقع الصناعة والإستخدام ومستوى وهيكل الأجور.
2: مجموعة العوامل الإجتماعية وتشمل ما يلي
العادات والتقاليد والقيم الإجتماعية السائدة. الأنماط الإستهلاكية السائدة . مستوى مشاركة المرأة.
3: مجموعة العوامل السياسية وتشمل ما يلي
الإتجاه السياسي للدولة . درجة الإستقرار السياسي . القوانين والأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بالإستثمارات والمنشآت.
4: مجموعة العوامل التقنية
التطورات المحتملة في مضمار الإختراعات والإكتشافات. إحتمالات تطبيق تقنيات جديدة في مجال الإنتاج أو التسويق أو الإدارة وتؤدي الأساليب العلمية دورا بارزا متميزا سواء على صعيد دراسة الإمكانات المتوافرة وتحليلها من خلال دراسة أساليب التنبؤات الإقتصادية وتحليل شبكة الأعمال والميزانيات التقديرية والبرمجة الرياضية وتحليل جداول المداخلات – المخرجات ونظرية اتخاذ القرارات ودراسات الجدوى الإقتصادية
د: صياغة الإستراتيجية
بعد عمليتي التقييم الداخلي والخارجي ” للظروف المحيطة” يتم وضع الإستراتيجية أو الإستراتيجيات الملائمة. فالإستراتيجية في صيغتها النهائية ينبغي أن تنطلق من السعي في كيفية تحقيق الإستثمار الأفضل لموارد المنشأة وتنميتها في ظل الظروف السائدة والمحتملة. وفي إطار التعامل مع الأنظمة الأخرى من مستهلكين ومنشآت منافسة ومؤسسات حكومية وموردين من عمال وما الى ذلك .
ومن الطبيعي أن استراتيجيات الوحدات الإدارية أو الدوائر على مستوى المنشأة تنطلق في أهدافها وأساسياتها من الإطار الشامل لإستراتيجية المنشأة ككل وتصب هذه الإستراتيجيات الفرعية في نهاياتها في المجرى العام للإستراتيجية العريضة وصولا للإهداف الموضوعة. وتنصرف استراتيجيات الوحدات الإدارية الى الوظائف الأساسية والمساعدة للمنشأة وتلبي احتياجاتها كما في حال الإستراتيجيات المتعلقة بالإنتاج والتسويق والقوى العاملة والمالية والنقل والخزن والتأمين وما غير ذلك.
ه: تقييم الإستراتيجية وتنفيذها
من المؤكد أنه من المتعذر إصدار قرار موضوعي ونهائي خاص بتقدير مدى سلامة استراتيجية إدارية معينة وبمدى نجاحها دون إخضاعها الى التنفيذ . ومن ثم تقييم الآثار الإيجابية والسلبية التي تنجم عنها. فالإستراتيجية تستهدف إحداث تغيير بما يتضمنه هذا التغيير من مخاطر وعدم تأكد. ومع ذلك فإنه من الممكن القول بأن هناك عددا من المتغيرات التي تعتبر بمثابة مؤشرات يمكن الإستئناس والإسترشاد بها في تمييز الإستراتيجيات الفعالة والجيدة عن غيرها من الإستراتيجيات . وتتركز هذه المؤشرات حول معرفة مدى ملاءمة الإستراتيجية المختارة في تحقيق الأهداف المرسومة ومدى واقعيتها في تشخيص الظروف البيئية المحيطة. والموارد المتاحة للمنشأة إضافة الى مدى التزام الإدارة العليا بتنفيذها ومتابعتها. ومستوى مشاركة المديرين في بلورتها وإعدادها.
وكما هو واضح فإن الإستراتيجية تتمثل في برنامج عمل هادف يرمي الى تحقيق غايات معينة في إطار موارد تتسم بالمحدودية . إضافة الى ذلك فإنها تمثل واقعا يتصف بعدم التأكد وكما أشرنا آنفا فإنه من الضروري أن تكون أهداف الإستراتيجية مرنة وقابلة للتعديل أو التغيير طبقاً لما قد يستجد من ظروف غير متوقعة إضافة الى إخضاع تنفيذها الى توقيت زمني دقيق . ولا تخفى أهمية مشاركة المديرين في بلورة الإستراتيجيات وتطويرها لضمان قبولها وتنفيذها فالمشاركة الفعالة تسهم في رفع معنويات المديرين وتؤدي دوراً هاماً في تحقيق الإستخدام الأقصى لعقول المنظمة وقدراتها.
فوائد الإستراتيجية
تعد صناعة الإستراتيجية وظيفة أساسية في العملية الإدارية وتشكل حجر الزاوية لها . فهي الوظيفة التي تسبق جميع الوظائف الأخرى . وبدونها تصبح المنشأة غير هادفة وقد أدرك رجال الفكر والمختصون في الشؤون الإدارية ضرورة الإستراتيجية وفوائدها . ويمكن إنجاز الفوائد بما يلي
1: تساعد الإستراتيجية في بلورة الأهداف المعينة للمنشأة وتحديدها ووضع سياسات وإجراءات مستقرة لدوائرها وأقسامها المختلفة . وبالتالي ضمان استمرار فعالياتها وفقاً لأسس ثابتة بعيداً عن العشوائية والعفوية.
2: تساعد الإستراتيجية في عملية التنسيق والترابط بين وظائف المنشأة إضافة الى تطويرها وفقا لما تقتضيه الظروف واحتياجات المستقبل.
3: تسهم الإستراتيجية في زيادة الكفاية والفاعلية في مضمار العملية الإدارية كما أنها تؤدي الى تحقيق الإستخدام الأفضل لللموارد البشرية والمادية للمنشأة.
4: تساعد عملية إعداد الإستراتيجية في معرفة عوامل القوة في المنشأة والعمل على تقويتها وفي تحديد مواضع الضعف فيها لإتخاذ ما يلزم لتلافيها.
5: تعتبر عملية تخطيط الإستراتيجية مسؤولية إدارية يشارك فيها وبدرجات متفاوتة مديرون في مستويات مختلفة في الهيكل الإداري لذلك فإنها تؤدي الى زيادة ولائهم وتعميق انتمائهم للمنشأة.
6: نظراً لأن الإستراتيجية تتضمن صياغة أهداف ووضع معايير محددة لقياس الإنجاز المتحقق ومقارنته مع الإنجاز المخطط له فهي تساعد في إعداد أسس الرقابة وأحكامها في إطار المنشأة كما تساهم في اتخاذ القرارات الضرورية لمعالجة الإنحرافات وتقصي مسبباتها.
7: تتعلق الإستراتيجية بالإستعداد والتهيؤ للمستقبل بما يتضمنه من أحداث وما يتصف به من غموض وعدم تأكد. لذلك فإنها تسهم في تشخيص الفرص المتاحة والإستفادة منها وفي التصدي للمشكلات المتوقع حدوثها ومعالجتها.
8: الإستراتيجية تجعل هيكل المنشأة أكثر مرونة نظراً لما تحتويه القدرة على التجاوب مع الظروف المختلفة.