4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 هل هدأت سوريا؟ د. محمد حسين المومني
الغد الاردنية

يشغل معالي الدكتور محمد حسين المومني حالياً موقع رئيس مجلس ادارة صحيفة الغد اليومية، كما شغل سابقا وزير دولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي بإسم الحكومة في الفترة من اذار عام 2013 لغاية حزيران 2018، كما شغل سابقاً وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية في الفترة من آذار إلى آب عام 2013. درّسَ الدكتور المومني مادة النظام السياسي الأمريكي في جامعة شمال تكساس ومساقات في الاقتصاد السياسيّ والسياسة المقارنة والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط والديمقراطية والتحول للديمقراطية في جامعة رايس بمدينة هيوستن الأمريكية، كما يعمل أستاذا مشاركا في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك ومستشاراً سابقا لرئيس الوزراء الأردني. وعمل الدكتور المومني مساعدا سابقا لعميد كلية الآداب في جامعة اليرموك، ونائبا سابقا لعميد مركز الملكة رانيا للدراسات الأردنية في جامعة اليرموك، وقد عمل مديرا تنفيذيا للمركز الإقليمي للأمن الإنساني، ومستشار سياسات في وزارة التنمية السياسية. شغل الدكتور المومني منصب كبير مستشاري السياسات ونائب مدير برنامج تعزيز السلطة التشريعية التابع لمركز التنمية الدولية في جامعة ولاية نيويورك. وعمل محاضراً غير متفرغ في مجلس التبادل التعليمي الدولي والمعهد الدبلوماسي الأردنيّ، ومستشارا لرئيس المعهد الدبلوماسي ومديرا للتدريب والتعليم في ذات المعهد. عمل الدكتور محمد حسين المومني مستشارا سابقا لمساق المقارنة السياسية في نظام الامتحان التعليمي الدولي في الولايات المتحدة، ونشر العديد من الكتب والدراسات والأبحاث في المجلات العلمية المحلية والدولية ومراكز الأبحاث الدولية، وتلقّى العديد من المنح والجوائز منها جائزة أفضل إنجاز أكاديمي في جامعة شمال تكساس، وعضو هيئة التحرير في مجلة الشؤون الدولية في المعهد الدبلوماسي الاردني. شارك الدكتور محمد المومني كمتحدّث في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والإقليمية والدولية في الشؤون السياسية والاستراتيجية، وهو أيضاً عضو جمعية الشؤون الدولية، والجمعية الأردنية للعلوم السياسية الأردنية وعضو مجلس إدارتها السابق، وعضو سابق أيضاً لمجلس المعهد الدبلوماسي، والجمعية الأمريكية للعلوم السياسية والجمعية الدولية للعلاقات الدولية، وعضو مجلس إدارة مركز الملكة رانيا للدراسات الأردنية وخدمة المجتمع، وعمل كاتباً في صحيفة الغد الأردنية ومعدّ ومقدّم برنامج “قضايا الساعة” في الإذاعة الأردنية وسابقاً لبرنامج شؤون سياسية في التلفزيون الأردني.
2 الثورة والعظم
سمير عطا الله الشرق الاوسط السعودية

كُتبت تفاصيل مجزرة 1958 في العراق في شهادات ومرويات كثيرة، خصوصاً قصة هرب رئيس الوزراء نوري السعيد في ثوب امرأة، ثم اكتشاف أمره بسبب حذائه الرجالي. وأجمعت الروايات على أن مهاجميه «قصَّبوه»؛ بدءاً بأعضائه الذكرية، قبل أن يعلقوا جثمانه المفرّغ على عمود كهرباء، انتصاراً للثورة المجيدة وقائدها الزعيم عبد الكريم.
هل كان هذا كل شيء؟ يبدو أن الثورات العربية لا تكتفي بالتقصيب. والقصّاب، كما هو معروف، هو اللحّام. فمن أجل أن تحقق الثورة أهدافها العظيمة، فلا بد من العظم أيضاً. ولذلك، دخلت التاريخ العربي برقية علي صالح السعدي الشهيرة: «اسحقوهم حتى العظم».
هل كان هذا كل شيء؟ عُرف عن الصحافي الفلسطيني الشهير ناصر الدين النشاشيبي صداقته للعائلة المالكة في العراق وتأييده «حلف بغداد»، الذي انقسم العرب حوله انقساماً شديداً. وبعد رحلة عمل في الأردن ولبنان وفلسطين، جاء ناصر إلى مصر وعمل في «الأهرام» و«أخبار اليوم»، ورئيساً لتحرير «الجمهورية»؛ جريدة الثورة.
كان ناصر بارعاً في كل شيء، متفوقاً في صنع العداوات في كل مكان. ووفق مذكراته الجذابة «الحبر أسود… أسود» صحيحها وأعذبها، على قاعدة «أعذب الشعر أكذبه»، فإنه طُرد من جميع الدول العربية، ولم يبقَ له سوى مصر. ثم عاداها وجلس في لندن وجنيف وباريس، يتأوّه على أيامها، ويكتب «مذكراته» عنها، وهي قائمة على قاعدتين: كم كان عبد الناصر يحبه، وكم كان محمد حسنين هيكل يكرهه ويغار منه.
توفي النشاشيبي في مدينته ومفخرته؛ القدس، عن 92 عاماً أمضاها في مصادقة الملوك والزعماء، ومن ثم في مهاجمتهم. لكن أكثر حملاته وأشدها تركزت على الصحافيين. ولم يترك صحيفة، أو صحافة عمل فيها، إلا وسرح في عدائها كما سرح من قبل في مديحها. وعمل في الديوان الأردني والجامعة العربية و«المكتب العربي» الفلسطيني. وحده الأخير نجا من قلم ناصر ولسانه وكرهه لكل من له نجاح وموضع وأسرة. والذين عرفوا مراراته يبررون له، أما الذين عرفوا مواهبه وجذوره وأصوله، فلا يسامحون.
في أي حال، تعرض ناصر خلال عمله في مصر لغيرة البعض وحسدهم، خصوصاً أعداء «حلف بغداد». وروى في «الحبر أسود… أسود»: «لم يمضِ أسبوع واحد على وجودي في القاهرة حتى دخل عليّ أحد محرري (آخر ساعة)… وفي يده مظروف… وكان المحرر المذكور قد عاد قبل ساعات من بغداد. وبحركة دراماتيكية، فتح المظروف بيده وأخرج قطعة من العظام البشرية. وصحت به صارخاً. ما هذا؟ فقال مقهقهاً: إنها قطعة عظم من جثة نوري السعيد».
3 الأخوان الكويتي.. من ملاهي بغداد إلى البلاط الملكي

عبدالله المدني
الايام البحرينية

استيقظ العرب والإسرائيليون في فبراير 2009 على خبر مفاده أن مجلس بلدية تل أبيب استجاب لطلب من «شلومو صالح الكويتي» لتغيير اسم أحد الشوارع القريبة من منزل العائلة في جنوب تل أبيب، وإطلاق اسم «شارع الأخوين الكويتي» عليه، الأمر الذي أثار علامات استفهام في أوساط الأجيال الجديدة، مثلما أثار السخط في أوساط اليمين الإسرائيلي المتشدد كون الاسم الجديد عربيًا. غير أن الأجيال القديمة لم تعبأ كثيرًا لأنها كانت على علم بخلفيات القصة.
وقبل أن ندخل في التفاصيل إليكم ما كتبه الكاتب العراقي خالد القشطيني في أحد أعمدته المنشورة في 4/‏12/‏2008 والتي جاء فيه ما مفاده أن العراقيين كانوا لا يعرفون من الموسيقى غير أغاني المقام الكلاسيكية، والأغاني الريفية، بمعنى أنه لم تكن هناك موسيقى تفي بحاجة الطبقة المتوسطة الناشئة حديثًا في العراق من أهل النفط والتجار وضباط الجيش وأصحاب المهن المختلفة. وظل الحال كذلك إلى أن جاء صالح الكويتي الذي ملأ الفراغ بأغانٍ ذات نكهة مختلفة، وموسيقى معبرة عن مشاعر أبناء الطبقة البرجوازية العراقية الجديدة في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين. ويضيف القشطيني أنه لهذا السبب يستحق صالح الكويتي لقب «أبو الموسيقى العراقية المعاصرة» كونه قدّم مجموعة من أجمل الألحان التي غنتها المطربة «سليمة مراد» الشهيرة بأم كلثوم العراق، وغيرها من مطربات تلك الحقبة من أمثال زكية جورج، سلطانة يوسف، بدرية أنور، منيرة الهوزوز، زهور حسين، وعفيفة إسكندر، علاوة على وضع مقدمات موسيقية لأغاني «حضيري بوعزيز» و«داخل حسن». وقد جارى القشطيني في الاعتراف بفضل صالح الكويتي على الموسيقى العراقية المايسترو عبدالرزاق العزاوي الذي قال في برنامج «الأغاني» من فضائية الحرة: «إن صالح الكويتي يعتبر مؤسس الأغنية العراقية، فعلى الرغم من أنه بدأ في الثلاثينات إلا أنه يعتبر المؤسس وواضع الأسس والقواعد للأغنية العراقية، والذين جاؤوا بعده من الملحنين ساروا على نهجه ومدرسته في التلحين، وهو كان أول من أسس الأغنية المأخوذة أساسا من المقام العراقي». أما الناقد الموسيقي عادل الهاشمي فقد قال في البرنامج نفسه: «يمكن القول أن صالح الكويتي هو من أعظم الملحنين الذين أنجبهم العراق في العصر الحديث، وأنا أشاطر العزاوي فيما يتعلق بأنه منشيء الأغنية العراقية الحديثة».
وهذا هو أيضًا ما أكد عليه إبنه «شلومو» أو «سليمان» في كتابه «صالح الكويتي.. نغم الزمن الجميل» (دار الكويتي للدراسات والنشر/‏بغداد/‏2014). إذ زعم أن 90% من الموسيقى الشعبية العراقية هو من ألحان والده، لكن نظام البعث العراقي حذف اسم الأخوين الكويتي من كل الأعمال التي قدماها، لتصبح التسجيلات منسوبة إلى الفلكلور القديم أو إلى أغاني شعبية مجهولة المصادر، وذلك بسبب العداء العربي ــ الإسرائيلي، ولنفس السبب تجاهلت إسرائيل أعمالهما، فصارت ممنوعة ومنبوذة لأنها تمثل بحسبها «موسيقى الأعداء»، مضيفا بدلا من أن يقوم والدي وعمي: «بالعزف في المسارح الإسرائيلية، أصبحا يعزفان في حفلات الزواج وأعياد الميلاد والأعياد اليهودية وسط مجموعة من الناس تلهو وتأكل وتشرب دون الاكتراث بعزفهما».

ويخبرنا القشطيني أن صالح الكويتي هام عشقا بالمطربة زكية جورج، وهي سيدة من أصول حلبية، جاءت إلى بغداد كسبا للعيش، لكنها وجدت حرجا في الصعود إلى مسرح الكباريهات للغناء كونها إمرأة مسلمة تحمل اسم (فاطمة محمد)، فغيرت اسمها إلى زكية جورج وزعمت أنها مسيحية، لكن ما زاد الطين بلة أنها وقعت في غرام الموسيقار اليهودي صالح الكويتي الذي عشقها هو الآخر وراح يعلمها أصول الأداء ويدرسها الموسيقى. ويضيف القشطيني أن زكية تركت بغداد للعمل في البصرة، ووقعت هناك في غرام طبيب أسنان، وطال غيابها مسببا لصالح الكويتي الوجد والشجن والمعاناة واللوعة التي جسدها في أغان عاطفية متتالية. وفي السياق نفسه روت الكاتبة نسرين الرشيدي في جريدة «عين المشاهير» (29/‏3/‏2018)، أن صالح الكويتي شرح قصته هذه لأحد الشعراء، طالبًا منه أن يترجمها شعرًا، فكان أن ولدت أغنية «هذا مو إنصاف منك غيبتك هالقد تطول…الناس لو تسألنى عنك شرد أجاوبهم شقول»، وهي أغنية لحنها الكويتي بنفسه وأرسلها إلى زكية جورج فى البصرة لتؤديها، ولكنها رفضت العرض، فقامت الفنانة سليمة مراد بغنائها ونجحت نجاحًا باهرًا، الأمر الذى أدى إلى ندم زكية جورج على ضياع هذه الفرصة.
لكن من هما الأخوان الكويتي؟ وما هي جذورهما العائلية؟ وما سبب إطلاق لقب الكويتي عليهما؟ وماهي خلفيات إنتقالهما إلى العراق ومن ثمّ إلى إسرائيل؟ وماذا قدما كي يظل اسماهما محفورًا في ذاكرة الأجيال المحبة للطرب الأصيل. نعتمد في الإجابة على كل هذه الأسئلة وسواها على كتاب «صالح الكويتي.. نغم الزمن الجميل» المشار إليه آنفا، علاوة على ما نشر عنهما في وسائل الإعلام المختلفة قديمًا وحديثًا.

ولد الأخوان صالح وداوود في منطقة شرق بالعاصمة الكويت في عامي 1908 و1910 على التوالي لعائلة من أصول عراقية. فوالده هو «عزرا بن يعقوب أرزوني» المولود في شيراز سنة 1867 لأسرة عراقية كانت قد انتقلت إلى إيران من البصرة، علما بأن الأسرة عادت للإستقرار في البصرة بعد ولادة عزرا بشهرين. وعندما شبّ عزرا إشتغل بالتجارة، ومع مطلع القرن العشرين انتقل هو وزوجته «تفاحة» إلى الكويت، بحثا عن فرص تجارية أفضل، حيث سكنا في شارع الغربللي بفريج اليهود، وراحت أحوالهما المعيشية تتحسن باضطراد بسبب انتعاش الأوضاع الاقتصادية في الكويت آنذاك، وهو ما جعلهما يكثران من الإنجاب. فقد أنجبا بعد ولديهما صالح وداوود سبعة من البنين والبنات، لكن أي من هؤلاء لم يحصل على الجنسية الكويتية، وظلوا من المقيمين الأجانب.

ويخبرنا شلومو في كتابه أن نقطة التحول الأولى في حياة والده وعمه لجهة الانشغال الحقيقي بالموسيقى كانت يوم أن عاد خالهما «رحمين» من رحلة تجارية بالهند، جالبا معه آلة كمان لصالح ذي السنوات العشر، وآلة عود لداوود ذي السنوات الثمان بقصد تنمية مواهبهما الموسيقية. تلك المواهب التي نمت بالفعل بفضل تلقيهما لاحقا دروسا في العزف والغناء لدى الموسيقار الكويتي خالد البكر، حيث تعلما على يديه الألحان الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية، كما تعرفا على الموسيقى العراقية والمصرية عبرالاستماع إلى إسطوانات كان يمتلكها البكر، وحين تقدما في العزف والغناء أخذا يشتركان في إحياء حفلات المعارف والأقرباء والشيوخ والوجهاء في الكويت أولا ثم في أقطار الخليج وكان يصاحبهما في إحياء هذه الحفلات عازفون على المرواس من أمثال سعود المخايطة وعبدالرحمن الخميري وغيرهما، طبقا لما ذكره الكاتب العراقي مازن لطيف علي في مقاله بموقع الحوار المتمدن (2/‏1/‏2011)، وأيضًا استنادًا إلى ما ورد في موقع «الكويت ثم الكويت» (7/‏8/‏2010).

ومن الأشياء الأخرى في مرحلتهما الكويتية أنهما أعادا إحياء صوت «والله عجبني جمالك» لعبدالله الفرج، وقدماه كأول عمل فني أمام شيوخ الكويت، وأنهما رافقا المطرب الكويتي عبداللطيف الكويتي إلى البصرة عام 1927 لتسجيل أولى إسطواناته. ويزعم شلومو في كتابه، الذي أهداه إلى «العراق الحبيب الذي أعتز والدي صالح الكويتي وتعتز أسرتي بالإنتساب إليه.. إلى أبناء العراق الذين أحبهم والدي وأحبوه وكرس لهم فنه فتغنوا وما زالوا يتغنون بألحانه.. إلى الحريصين على التراث الفني العراقي وإنتاجات رواده، أهدي هذا الكتاب»، أن أمير الكويت «كان يزورهما كل ستة أسابيع للإستماع إلى موسيقاهم العذبة.. ونتيجة لهذه الزيارات فقد قام والدي بإطلاق اسم (صباح) على أول أولاده (أخي الأكبر).. وفي حفل طهوره قدم له أمير الكويت صندوقا مصنوعا من الذهب مملوءًا بالعملات النقدية».
ويمكن القول أن نقطة التحول الثانية في حياة الأخوين الكويتي كانت سفرهما في ذلك العام إلى البصرة، من بعد تحقيقهما لشهرة في الخليج والكويت التي تمسكا بالانتساب إليها لقبا بسبب ميلادهما على أرضها وبزوغ نجمهما فيها. حيث التقيا في البصرة للمرة الأولى بالمطرب الكبير محمد القبنجي الذي أعجب بهما، وعلمهما مقام اللامي الذي ابتدعه، وضمهما إلى فرقته الشرقية بقيادة عازف القانون عزوري أبو شاؤول. وفي البصرة أيضًا نالا الإعجاب والتقدير من كبار العاملين في حقل الموسيقى والغناء رغم صغر سنهما.

ثم جاءت المحطة المفصلية الأهم في حياتهما بانتقالهما في العام 1929 إلى بغداد التي كانت آنذاك واحدة من أكثر المدن العربية لجهة الحراك الفني والأدبي. ففيها غنى صالح الكويتي الأغنية الشهيرة «عيني وماي عيني يا عنيـّد يا يابا»، وفيها التقى بمطربة العراق الأولى آنذاك «سليمة مراد» التي طلبت منه أن يلحن لها بعض الأغاني، فاستجاب صالح من خلال اختيار قطع شعرية للشاعر البغدادي «عبدالكريم العلاف» وتلحينها بإتقان. وهكذا ولدت أغان لاقت نجاحًا جماهيريًا منقطع النظير وقتذاك، وظلت حاضرة مذاك وحتى اليوم في الذاكرة الفردية والجمعية بأصوات فنانين آخرين. من هذه الأغاني: «قلبك صخر جلمود، ما حنْ عليّ، وانته بفرح وبكيف….والبيّه بيّه»، و«منك يالأسمر»، و«خدْري الشاي خدريه»، و«هوّ إلبلاني»، و«يا نبعة الريحان، حني على الولهان»، علاوة على تلحينه أغنية «يا بلبل غني لجيرانه» من الترجمة العربية لجميل صدقي الزهاوي لكلمات الفيلسوف الهندي طاغور، وهي أغنية أدتها زكية جورج في بغداد سنة 1934 بمناسبة حلول طاغور ضيفا على الملك فيصل الأول. إلى ما سبق غنت سليمة مراد من كلمات العلاف وألحان الأخوين الكويتي «نشيد الإنشاد» ومطلعه «على شواطي دجلة.. مر». وحوله كتب الباحث العراقي علي عبدالأمير في جريدة دنيا (يوليو 2018) قائلا: «نحن هنا أمام احتفال إنساني بالطبيعة وجغرافية المكان وملمحه الأبرز، أي النهر وهو ما عبّر عنه الشاعر العلاف بروح أخاذة تجمع التصوير والتلقائية الشديدة».

غير أن هذه التطورات لم تدفع صالح إلى أن يقطع صلته بالغناء الكويتي والخليجي، وآية ذلك أنه ظل يغني الأصوات والألحان الكويتية من خلال الحفلات التي كان يقيمها للوجهاء الكويتيين المترددين على بغداد، كما سُجل عنه قوله: «إن الكويت أحسن بلدة شفتها في حياتي»، مضيفا أنها كانت هادئة، ولا توجد فيها تعديات، وفيها مساواة وأمان، وكان فن الإيقاع فيها أكثر شهرة من أي نوع موسيقي آخر، حيث يعزف الكويتيون على المرواس ويرقص الرجال رقصاً موزوناً غير موجود في أماكن أخرى.

لم تقتصر أهمية بغداد في حياة صالح الكويتي على كونها نقطة الإنطلاق الحقيقية في مشواره الموسيقي، ولا على كونها المكان الذي انتقل فيه هو وأخوه من ليالي الملاهي إلى ليالي البلاط الملكي وأوساط النخب العراقية العليا فقط. فعلاوة على كل هذا، مثلت بغداد له المكان الذي دق فيه قلبه للمرة الأولى، والمكان الذي نال فيه أول تكريم كبير في حياته، وذلك حينما أهداه الملك غازي بن فيصل الأول ساعة ذهبية عليها ختمه الشخصي تقديرا لفنه ولبرامجه الموسيقية من إذاعة قصر الزهور، والمكان الذي سجل فيها أشهر الأغاني الخليجية بصوته على أسطوانات، ومنها أغاني:«يعاهدنني لا خانني»،«والله عجبني جمالك»،«في هوى بدري وزيني»،«إن شكوت الهوى»،«لعل الله يجمعنا قريباً»، و«ألا يا صبا نجد».

وبغداد شهدت أيضًا تكليفه بعمل وطني كبير تمثل في تشكيل وقيادة أول فرقة موسيقية متكاملة للإذاعة العراقية حين افتتاحها سنة 1936، وهي الفرقة التي ظل قائدا لها حتى إستقالته من القيادة سنة 1944. وبالرغم من هذه الإستقالة ظل يقدم برامج موسيقية للإذاعة، كما أنه قام في العام 1947 بوضع الموسيقى التصويرية لأول فيلم عراقي (فيلم علياء وعصام) من إخراج الفرنسي أندريه شاتان وسيناريو أنور شاؤول)، وتلحين كافة أغاني الفيلم التي غنتها بطلة الفيلم سليمة مراد، وأسس مع أخيه داوود أول معهد لتعليم الموسيقى سنة 1931، كما جددا وحدثا«التخت الموسيقي»عبر إدخال آلتي الكمان والقانون بدلاً من الجوزة والسنطورعليه، فضلاً عن التشلو والناي.

ومن الذكريات البغدادية التي لم تبارح قط خيال صالح الكويتي، قصة لقائه في بغداد سنة 1932 بالآنسة أم كلثوم التي كانت آنذاك في زيارة لبغداد لتقديم حفلة غنائية في ملهى الهلال، حيث أعجبت أم كلثوم بأغنية«قلبك صخر جلمود»التي كان قد لحنها الكويتي لسليمة مراد، فطلبت من الأخيرة تدريبها عليها لجهة النطق السليم، فكان لها ذلك، ثم قدمتها بصوتها في ملهى الهلال، فكانت تلك المرة الأولى التي تغني فيها أم كلثوم أغنية لغيرها من لحن ملحن غير مصري.

ومن ذكرياته البغدادية الأخرى التي ظل يتحدث عنها بافتخار إلى ما قبل وفاته، حكاية لقائه الأول بالموسيقار محمد عبدالوهاب في بغداد سنة 1932 حينما جاء لإحياء حفل على مسرح حديقة المعارض، حيث أعجب الأخير بمقام اللامي الذي كان الكويتي قد طوره ووسعه، ولم يكن معروفا في مصر فأخذه عبدالوهاب واستخدمه لاحقا في أغنيته «ياللي زرعتوا البرتقان» التي غناها في فيلم «يحيا الحب» سنة 1938 بمشاركة المطربة رئيسة عفيفي، ثم في أغنيته الجميلة «أنا والعذاب وهواك».

مع بدء الصراع لتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود، وما رافقه من تزايد النقمة ضد اليهود العرب، ولا سيما في العراق الذي شهد ما يـُعرف بيوم فرهود الأسود في الأول من يوليو 1941، شعر الأخوان الكويتي للمرة الأولى بعدم الأمان، فقررا مضطرين الهجرة إلى إسرائيل مع من نقلتهم الطائرات الأمريكية والبريطانية إلى «أرض الميعاد» عبر قبرص وإيران، خصوصًا وأن الحكومة العراقية كانت قد أصدرت آنذاك قرارًا بإسقاط جنسيتهما.

وبهجرتهما إلى إسرائيل انتهت الحقبة التي حفلت بانتاجهما الغزير وشهدت مكانتهما الفنية والاجتماعية الرفيعة. ذلك أنهما استقبلا في إسرائيل برشهما بمبيد الحشرات خوفا من القمل، ثم تم إسكانهما في مخيمات كئيبة، قبل أن يـُنقلا للعمل في حصد الثمار وبناء المستعمرات. إلى أن انتهيا بفتح دكان صغير لهما لبيع المواد الغذائية في تل أبيب. ومع أن صالح لحن في إسرائيل نحو 50 أغنية بالعربية أدى معظمها أخوه داوود، وبالرغم من أنها كانت تذاع من إذاعة صوت إسرائيل العربية، إلا أن ذلك لم يكن يقارن إطلاقا بمجدهما في العراق الذي أثمر عن نحو 700 لحن خالد.

وفي مقابلة مع صحيفة العرب اللندنية (10/‏9/‏2018) كشف شلومو صالح الكويتي أن والده لم يكن راغبا بترك العراق وعمله الفني فيه، لكنه هاجر إلى إسرائيل تحت ضغط والدته وأسرتها، مضيفا أن والده كان يتحسر على حياته في العراق بعد أن عاش مع شقيقه داوود حياة غاية في الصعوبة في إسرائيل، وأن أمه عبرت لاحقا عن ندمها بالهجرة إلى إسرائيل، وقالت «لاحياة تعادل حياتهم في العراق».

كتب الكاتب العراقي المقيم بلندن كرم نعمة في صحيفة العرب اللندنية (مصدر سابق) قائلاً: «يا لخيبات السياسية عندما تفسد الفن، وتجعل من الموسيقى الهائمة شعارًا سياسيًا هزيلاً، تريد إسكات الحلم الذي ينبض في أرواحنا ومعاملته كمنشور رث يحرض على الانقلاب العسكري! ويا لخيبات السياسة أينما كانت هنا أو هناك، عندما تتطفل على الفن وتصنفه معها أو ضدها» وذلك تعليقا على الألم الذي كان يشعر فيه صالح الكويتي وهو يستمع من دكانه الصغير في تل أبيب إلى الإذاعة العراقية تبث ألحانه بصوت زكية جورج وسليمة مراد وعفيفة اسكندر، من دون ذكر اسمه المحظور، تماما مثلما كانت تفعل الإذاعة الإسرائيلية التي حاصرت موسيقى الألماني ريتشارد فاغنر وتعاملت معه كمحرمات، فقط لأنه كان الموسيقار المفضل عند أدولف هتلر.

ظل الأخوان الكويتي يعتزان بمكان ميلادهما ومرابع صباهما في الكويت بدليل أنهما لم يتخليا عن لقبهما (الكويتي)، كما ظلا يعتزان بانتمائهما إلى بلد أجدادهما العراق، بدليل حرصهما على إرتداء السدارة العراقية خلال حفلاتهما الفنية، ومتابعة أخبار العراق، والتألم لأحواله.

توفي داوود سنة 1976 ولحقه صالح بعد عشر سنوات، وكانت هذه السنوات العشر هي الأصعب في حياة صالح لأنه افترق عمن شاركه رحلة الطفولة والصبا ومشوار العمل والأمجاد الفنية، وحقبة الخوف والهجرة والمعاناة والحنين إلى العراق.
4 القيادة المركزية للولايات المتحدة الأمريكية الدكتور حسين عمر توقه راي اليوم بريطانيا
بعد مفاوضات ماراثونية بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران في لوزان بسويسرا تم التوصل إلى الإتفاق النووي تحت شعار خطة العمل الشاملة المشتركة بتاريخ 2 /4/2015 ولكن الولايات المتحدة في ظل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتاريخ 8/5/2018 أعلن إنسحاب الولايات المتحدة من هذا الإتفاق النووي وأعلن البدء بتطبيق عقوبات جديدة على إيران وزيادة حظر النفط الإيراني ومشتقاته . وتصاعد التوتر بين كل من الولايات المتحدة بالرغم من محاولة باقي الدول الحفاظ على الإتفاقية النووية إلا أن وتيرة الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران قد تصاعدت وشهدت بعض المظاهر العسكرية بدءا بقيام الحوثيين بتبني هجوم بطائرات مسيرة استهدف محطتين لضخ أنابيب شرق / غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي للسعودية وفي غضون شهر تم إستهداف ناقلتي نفط سعوديتين وأربع سفن تجارية مدنية من عدة جنسيات لعمليات تخريبية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات.
وجاء الحدث الأكبر بتاريخ 12/5/2019 حين أعلنت إيران قيامها بإطلاق صاروخ وإسقاط أحدث وأغلى طائرة (135 مليون دولار) درون المسيرة الخاصة بالتجسس والمراقبة على إرتفاع يصل إلى 65 ألف قدم وهذا يدلل بوضوح على التقدم التكنولوجي في طبيعة التسلح الإيراني مما أثار الفزع لدى القيادة الأمريكية. وبالمقابل فإن الولايات المتحدة قد أعلنت بتاريخ 18/7/2019 حسب التوقيت المحلي للولايات المتحدة أنها قامت بإسقاط طائرة إيرانية مسيرة عن طريق قطع الإتصال بين مركز إطلاق الطائرة وبين الطائرة المسيرة مما أدى إلى سقوطها دونما استخدام لأي صاروخ مضاد وإنما استخدمت إحدى وسائل الحرب الألكترونية علما بأن الإيرانيين قد نفوا سقوط أي طائرة مسيرة تابعة لهم . إن مثل هذا المسلسل المضحك المبكي بين نفي سقوط الطائرة أو تأكيده يتم التأكد منه بسهولة بواسطة الأقمار الصناعية .
بالأمس بتاريخ 19/7/2019 قامت إيران بإحتجاز ناقلتي نفط بريطانيتين إلا أنها أفرجت عن إحداها مقابل قيام السلطات البريطانية بإحتجاز ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق مما أدى إلى إجتماع طارىء للحكومة البريطانية والإعلان عن أنها ستلجأ إلى كل الوسائل المتاحة للإفراج عن الناقلة بما فيها التنسيق مع الولايات المتحدة حيث أعلن الرئيس الأمريكي بأنه سيتصل مع الحكومة البريطانية لإتخاذ الإجراءات اللازمة . واليوم تطالعنا الأنباء أن إيران قد غيرت في روايتها وأنها قد احتجزت سفينة النفط البريطانية نتيجة وقوع حادث عرضي بينها وبين إحدى سفن الصيد مما أدى إلى تخفيض وتيرة المواجهة بين بريطانيا وإيران.
وفي صبيحة هذا اليوم أعلن الناطق بإسم القيادة المركزية أن نها ستفعل مهامها وواجباتها من أجل تأمين حماية وسلامة السفن وناقلات النفط وتأمين العبور الآمن عبر مضيق هرمز . علما بان الولايات المتحدة تحاول الآن تأمين تآلف دولي يضمن سلامة العبور الأمن لكل السفن وناقلات النفط ويحد من ألأخطار الإيرانية في مياه الخليج .
وفي النهاية إن أهم هدف للسياسة الأمريكية في المنطقة هو التأكد من أن إيران لن تنفذ تهديدها في رفع منسوب نسبة تخصيب اليورانيوم حسب تهديد القيادة الإيرانية المتفق عليها لأن أي زيادة في نسبة التخصيب يعني الإقتراب من حصول إيران على السلاح النووي وهو ما تخشاه كل من إسرائيل والولايات المتحدة وتعارضانه بشدة .
فهل يستمر التوتر وإختلاق الأحداث بين إيران والولايات المتحدة مثل حجز ناقلات النفط أو التعرض إليها وإسقاط الطائرات المسيرة . وهل يقع خطأ ما فادح قد يؤدي إلى رد فعل قوي ووقوع مجابهة محتملة يكون ضحاياها دول الخليج بما فيها إيران لأن أي حرب تقع لا قدر الله ستعرض الأراضي العربية إلى الأخطار أم أن سيناريو كل هذه الأحداث هو إبقاء دول الخليج العربية تحت رحمة الولايات المتحدة .
قوة الإنتشار السريع :
قبل البدء بتشكيل القيادة المركزية بثلاث سنوات وبالذات في عام 1980 قامت الولايات المتحدة بتشكيل قوة مشتركة من مختلف فروع القوات المسلحة وأطلق عليها إسم قوة “الإنتشار السريع” وأحيانا يطلق عليها اسم قوة التدخل السريع . وذلك بعد فشل عملية تحرير الرهائن الأمريكيين من إيران والتي تم تنفيذها بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي كارتر وقد جاءت هذه العملية الفاشلة عسكريا لتكشف للعالم ضعف الولايات المتحدة في مجال القيام بعمليات خاصة لقوات محمولة . ولقد أجمع المحللون العسكريون أن أحد الأسباب الرئيسة لفشل هذه العملية هو عدم وجود التنسيق وعدم تحديد المسؤوليات العملياتية بين كل من سلاح الجو وسلاح البحرية وقوات الجيش ومشاة البحرية.
ولقد تمت التوصية بإعطاء قيادة قوة الإنتشار السريع ومركزها في فلوريدا بالتنسيق مع هيئة الأركان المشتركة صلاحية استخدام سفن الأساطيل الأمريكية والقواعد العسكرية والجوية المتواجدة في بقاع العالم الساخنة . ولقد قامت هذه القوات بعمليات التدريب في صحراء نيفادا وتكساس كما أجرت مناورات عسكرية مع بعض الجيوش العربية تحت اسم النجم الساطع.
ولو قمنا بتحليل ديناميكية هذه القوات وقدرتها على الإنتقال والتدخل وقدرنا تكاليف نقل هذه القوات على سبيل المثال من ولاية كارولاينا الشمالية إلى الخليج العربي بالإضافة إلى عدم توفر العدد الكافي من طائرات “جالاكسي ” لنقل الدبابات والأسلحة والعتاد والقوات ناهيك عن أن هذه الطائرات بحاجة إلى غطاء جوي وإلى مدرجات للهبوط وأن ناقلات الجنود والدبابات بحاجة إلى الوقود . كما أن عملية إنزال المظليين أو القوات الخاصة في منا طق صحراوية مكشوفة هي بمثابة إنتحار . كل هذه الأمور دفعت بالمخططين من القادة العسكريين بدعم من القادة السياسيين الأمريكيين إلى الإعلان عن تشكيل ” القيادة المركزية للولايات المتحدة .
2: القيادة المركزية للولايات المتحدة :
بتاريخ 1/1/1983 وتحت شعار تأمين الحماية والأمن للدول الصديقة بالإضافة الى تأمين حماية المصالح الأمريكية في منطقة جنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية وشمال شرق إفريقيا . تم الإعلان عن تشكيل القيادة المركزية للولايات المتحدة بحيث تمتد مسؤوليتها العسكرية لتشمل كلا من الهند والباكستان وسيريلانكا وأفغانستان وإيران والعراق والسعودية والبحرين والإمارات العربية وقطر وعمان واليمن والأردن وتركيا وإسرائيل ومصر والسودان وإثيوبيا والصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندي وزائير وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا.
أي أن الخط الجوي بين الشرق والغرب يمثل سبعة آلاف ميل وأن طول الخط البحري هو ثمانية آلاف ميل تقريبا من خلال قناة السويس . أما إذا تم الدوران حول رأس الرجاء الصالح فإن طول الخط البحري يبلغ 122 ألف ميل .
وتستمد هذه المنطقة أهميتها الإستراتيجية لأنها تحيط بالجهة الجنوبية للإتحاد السوفياتي سابقا وثانيا لأنها تشكل أكبر مخزون نفطي في العالم وثالثا لأنها تضم أعظم مناجم الذهب والألماس واليورانيوم بالإضافة إلى أنها تشرف على مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس. بحيث تتحمل هذه القيادة كافة أعباء المسؤوليات لجميع القوات الأمريكية في هذه المنطقة والإشراف على كافة تحركاتها ونشاطاتها بالإضافة إلى إرتباط هذه القيادة مباشرة مع أصحاب القرار في وزارة الدفاع ” البنتاغون “
وإن القيادة المركزية تضم تحت قيادتها فرقا ذات تاريخ عسكري طويل في الحروب . فمنها من شارك في الحرب العالمية الثانية مثل الفرقة 82 والفرقة 101 بالإضافة الى فرقة وفوج من مشاة البحرية وثلاث فرق من الجيش بالإَضافة الى ألف طائرة مقاتلة وطائرات هيلوكبتر ونقل بالإضافة الى ثلاث حاملات للطائرات وفرقاطات ومدمرات وطرادات و الآن وقد تم التنسيق العملياتي بينها وبين الأسطول الخامس وبعد نقل قيادة ميدانية في قاعدة العيديد في قطر أصبحت هي القوة الأعظم في منطقة الخليج العربي.
إن القيادة المركزية للولايات المتحدة هي خلاصة الفكر الإستراتيجي المتواصل وهي نتاج مرحلة متطورة تحت شعار تكامل مصالح الولايات المتحدة الأمنية مع مصالح الدول الصديقة ولقد جاء بناء قاعدتي السيلية التي اكتسبت شهرتها إبان الحرب الإسرائيلية مع حزب الله عام 2006 وقاعدة العديد الجوية في قطر مثالا حيا لمثل هذا التعاون الإستراتيجي تبعه إتخاذ البحرين مقرا لقيادة الأسطول الخامس .
ولقد جاءت هذه القيادة لتحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية العليا والقيام بعدد من الواجبات والمهام الدفاعية منها تولي مسؤولية تقديم المساعدات الأمنية العسكرية اللازمة وإدارتها بالإضافة إلى الإشراف على عمليات بناء القواعد والتجهيز لكل المنشآت والمواقع والقواعد العسكرية . وأن مهمتها الرئيسة تتمثل في إجراء مناورات حربية مشتركة مع الدول الصديقة والإستعداد للتعاون العسكري المتكامل في حالات الطوارىء والإضطرابات بالإضافة إلى التخطيط والتنظيم وإنشاء شبكات للإتصال وتبادل وإعداد برامج خاصة للتدريب العسكري بالإضافة إلى إرسال ضباط إرتباط مع حكومات الدول
الأهداف الحقيقة للقيادة المركزية :
لقد شهد العالم منذ تأسيس القيادة المركزية مراحل سياسية وأحداث هامة حيث تم تأسيسها في نهايات الحرب الباردة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي وشهدت مرحلة الحرب العراقية الإيرانية وشهدت مرحلة إحتلال الكويت وقيام دول التآلف بقيادة الولايات المتحدة بشن حرب تحرير الكويت وتبعها الحرب على الإرهاب وغزو كل من أفغانستان والعراق وشهدت القيادة المركزية عهد الحرب الرابعة حرب الإنابة وحرب الخلايا النائمة ونتائجها المتمثلة بالربيع العربي الدامي واليوم تشهد التوتر المتأزم بين إيران والسعودية في منطقة الخليج وتنامي النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان . إن الأهداف الحقيقية للقيادة المركزية تتمثل بالديناميكية والقدرة على التأقلم حسب الأخطار والأحداث التي تهدد مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وهذه الأهداف هي .
1: إن إعلان الولايات المتحدة عن إستعدادها لتقديم الدعم والعون العسكري لدول المنطقة كان الهدف منه تحجيم الدور السوفياتي في منطقة الخليج العربي وإغلاق الباب على إمكانية إستغلال الإتحاد السوفياتي للثورة الإسلامية الإيرانية من أجل تحقيق أهدافه في الوصول إلى مياه الخليج العربي وإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية في منطقة الخليج .
2: إن الولايات المتحدة في بداية الستينات كانت تتمنى الحصول على قواعد حربية بحرية وجوية وبرية في منطقة الخليج وكانت على أتم الإستعداد لتقديم كل الإغراءات المالية والمادية والإستراتيجية والعسكرية إبان الحرب الباردة وتطورت بعد ذلك وكنتيجة حتمية لوقوع الحرب الإيرانية العراقية وإمتداد التهديد الإيراني إلى دول عربية خليجية مجاورة . فلقد أخذت بعض هذه الدول تتهافت على منح القوات الأمريكية التسهيلات وأخذت تتستر تحت شعارات متعددة وكان من الأولى بهذه الدول منذ البداية أن تدعو العراق للإنضمام إلى عضوية دول مجلس التعاون بإعتباره إحدى الدول العربية المشاطئة للخليج وأن تخطط وتنسق سياسيا وعسكريا مع العراق من أجل وضع حد للتهديد الإيراني بقيادة الخميني .
3: إستغلال الحرب العراقية الإيرنية من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وإرغام دول المنطقة على منح القوات الأمريكية قواعد جوية وبحرية وبرية . وفي حال تحقيق مثل هذا الهدف فيمكن استخدام هذه القواعد من أجل تخزين الذخيرة والعتاد والمعدات العسكرية المختلفة . وعلى سبيل المثال فإن عملية تخزين ستين ألف طن من المعدات والتجهيزات العسكرية المشحونة بواسطة السفن توفر على الولايات المتحدة تشغيل مائة طائرة من نوع سي 141 يوميا ولمدة شهر . بالإضافة إلى أن الفترة الزمنية التي تحتاجها الولايات المتحدة لنقل القوات المحمولة ووضعها في حالة قصوى من التأهب والجاهزية القتالية في حال توفر القواعد الحربية تستغرق أقل من 24 ساعة بينما تستغرق في الأحوال العادية أسبوعين بواسطة النقل الجوي وثلاثة أسابيع بواسطة النقل البري .
4: إن أحد بنود الإتفاق الإستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي يسمح للقوات الأمريكية بتخزين الأسلحة والمعدات بالإضافة إلى إستخدام كافة المعدات والأجهزة العائدة إلى الجيش الإسرائيلي وعليه فإن إسرائيل هي بحد ذاتها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط .
5: إن كل المحللين العسكريين في وزارة الدفاع قد نصحوا الإدارة الأمريكية بإقناع الكونغرس من أجل الموافقة على بيع دول الخليج العربي الأسلحة الأمريكية وذلك طمعا في المكاسب المادية للصفقات العسكرية وإبقاء عجلة التصنيع الحربي الأمريكية دائرة . بالإضافة إلى ضمان عدم تحول هذه الدول إلىمصادر أخرى غير الولايات المتحدة لشراء السلاح . ولعل الهدف الرئيسي هو تمكين القوات الأمريكية من إستخدام هذه الأسلحة أو على الأقل الإستفادة من مخزون هذه الدول من الذخيرة والآليات والدروع وناقلات الجنود .
6: إن رفع شعار التعاون وإجراء المناورات العسكرية المشتركة لا سيما في مجال التزويد والتنسيق ومراعاة توفير المياه والوقود والتدريب والإستعداد لمجابهة الرمال بالإضافة إلى إمكانية التأقلم مع درجات الحرارة العالية نهارا والباردة ليلا وتوفير الإمدادات الغذائية . الهدف منه خلق الجو النفسي والمعنوي المناسب للجندي الأمريكي وتطبيعه وتطعيمه على جو المعركة في الصحراء العربية قبل وقوعها .
7: ضمان استمرار تدفق البترول والغاز العربي ووصوله إلى اليابان وأوروبا الغربية والولايات المتحدة مع استمرار الظهور بمظهر القوة الأعظم وتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية أهمها إعادة الدول العربية إلى عهود الحماية والتبعية وما تتطلبه هذه الحماية من إستغلال وإستنزاف لقدرات وثروات وطاقات الدول العربية وتجزئتها سياسيا .
8: إبان السنوات الأخيرة تحولت مصادر التهديد حسب ترتيبها واختلطت الأوراق فبعد أن كانت إسرائيل هي العدو الأول للعالم العربي أصبحت إيران الآن تشكل التهديد الرئيس لمنطقة الخليج لاسيما بعد إمتداد المد الشيعي وفرض نفوذه كما ذكرنا على العراق وسوريا واليمن ولبنان وهي الآن السبب في تهالك الدول العربية إلى إرضاء الولايات المتحدة وتقديم كل الدعم المالي إلى الإدارة الجديدة في عهد الرئيس الأمريكي ترامب أو بتعبير أدق قيام الرئيس الأمريكي بتشليح الدول العربية هذا الكم الهائل من الأموال تحت ستار تأمين الحماية والأمن القومي وحماية هذه الدول من التهديد الشيعي الإيراني كما شهدت هذه المرحلة تقاربا مضطردا بين الدول العربية وإسرائيل على أمل أن تقف إسرائيل بجانب الدول العربية في حال وقوع أي نزاع بين الدول العربية وإيران . ولا أظن أن إسرائيل أو الولايات المتحدة سوف تقوم بشن حرب ضد إيران دفاعا عن دول الخليج لأن إيران أصبحت بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا ولكن التوتر سوف يزداد ويتفاقم أحيانا لدى حدوث أي أعمال قد تهدد الملاحة في الخليج أو أي إعتداء على ناقلات النفط من هنا فإن مسؤولية حماية هذه الناقلات وضمان سلامة مرور هذه السفن عبر مضيق هرمز قد أصبح هدفا آنيا للقيادة المركزية .
إن الطامة الكبرى التي واجهتها القيادة المركزية وقيادة الأسطول الخامس ناجمة عن ضحالة مياه الخليج في كثير من أجزائه بالإضافة إلى ضيق المساحة وقرب المسافة وعدم توفر الوقت الكافي للإنذار وعدم المقدرة على التقييم أو المعرفة المسبقة بالطريقة أو الكيفية التي يتخذ بها الإيرانيون قراراتهم حول مجابهة الأسطول الأمريكي .
كل هذه الأمور قد زادت من قلق الأمريكيين وتخوفهم سيما وأن السفن الحربية الأمريكية العابرة لمضيق هرمز والسفن الراسية أو القريبة من الشواطىء القطرية والبحرينية والكويتية هي في مدى الصواريخ الإيرانية بالإضافة إلى بعض التصريحات العسكرية الإيرانية في بدايات التوتر أنها ستقوم بإستخدام عدد من الطيارين الإيرانيين بهجمات إنتحارية كما أن المحللين العسكريين لم يستبعدوا إمكانية قيام إيران بإستخدام قوارب سريعة محملة بالمتفجرات شديدة الإنفجار وموجهة توجيها لاسلكيا يزيد على 23 ميلا . كما أنهم لا يستبعدون قيام إيران بعملية تلغيم مياه البحر لا سيما وأن حاملات الطائرات والسفن الأمريكية والفرقاطات تواجه ضعفا واضحا فيما يتعلق بكاسحات الألغام ومعالجتها رغم تزايد قدرات طائرات الهيلوكبتر الخاصة بكشف الألغام