1 إرهاصات إصلاح سياسي في العراق
محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
ست عشرة سنة مرت منذ سقط النظام العراقي السابق، والعراقيون ما زالوا يعيشون دوامة الأيام الأولى للسقوط بعد أن أضاعت معظم القيادات الجديدة التي استلمت الحكم بوصلة التوجه نحو الوطن أو تخلت طواعية عنها. خلال هذه السنين التي تضافرت عوامل عديدة محلية وإقليمية على جعلها سنيناً عجافاً تكرست المشاكل التي ترهق المواطن وتنغص معيشته وهي غياب الخدمات الأساسية لتصبح من الثوابت والمُسلّمات في حياته اليومية. المشاكل هذه لا تزال هي وإن تغير طابعها أو تغيرت تداعياتها قليلاً، خلاصة القول إن العراق لا يزال في قبضة إرادة تكرس الفوضى وتديم ما هو قائم من أوضاع، إرادة تدمير بنية الدولة العراقية. في أجواء واقع كهذا من الطبيعي أن ينشأ رفض له يقوى ويشتد ساعده يوماً بعد يوم وسنة بعد أخرى، رفض تتراجع فرص مهادنته للسلطات القائمة ليصبح أكثر ميلاً للتحدي والمواجهة وهو مما لم يحدث، فلماذا لا نرى معارضة رغم أن الشكاوى تترى علينا من كل صوب رجالاً ونساءً شباباً وشيوخاً وطلبة جامعات وعمال مصانع، ولكن لا تفعيل حقيقي لكل ذلك؟ سمعنا العديد من وجهات النظر والتحليلات التي طالت البنى السياسية للقوى المشاركة في العملية السياسية ودور قادتها في صياغة المواقف والاصطفافات والمساومات التي صنعت تأريخ هذه الست عشرة سنة، إلا أن من الصعب استنتاج ما هو موضوعي يصب إيجابياً في التشخيص السليم لجوهر المشكلة.
مقاربة الموضوع تتطلب وقفة غير تقليدية إزاء المشهد السياسي العراقي فليس هناك قوى سياسية لها برامج تنموية واضحة ولا مواقف تنسجم وتعبر عن التمسك بها ولم تتمكن أغلبها، فوق هذا وذاك، أن تترك بصمات واضحة في العملية السياسية، فلمعظمها قدم في الحكومة وأخرى خارجها ولكن ليس بمسافة بعيدة فذلك يضمن لها بعض المكاسب. من جانب آخر لا تخلو سلوكيات العديد من هذه القوى من مواقف لا يمكن أن تفسر أو تفهم سوى من زاوية تجاهلها لوجود كيان اسمه «حكومة» لا يستطيع إثبات وجوده سوى بظهور باهت لأحد المسؤولين فيه ليقدم شرحاً لحدث ولا يتحدث عن إجراء اتخذ إزاءه وهو المطلوب لأن الحكومة مهمتها ليس تقديم التفسيرات بل اتخاذ الإجراءات.
في سياقات التصدي لمهمة إصلاح النظام السياسي تتكرر الدعوات التي سمعناها مراراً للابتعاد عن الإقصاء والتهميش والاجتثاث والاصطفافات العرقية والطائفية وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ومعايير الكفاءة والنزاهة والتصدي للفساد المالي والإداري وإعادة النظر بهيكلية المؤسسات التي تتعلق بصياغة مؤسسات الدولة. جرى أخيراً بعض الحراك في الوسط السياسي العراقي هدفه إصلاح النظام السياسي القائم فقد تأسس كيان سياسي جديد تحت اسم المنبر العراقي واتخذ تيار الحكمة قراراً بالانسحاب من ائتلاف الإصلاح والذهاب نحو المعارضة.
ولست هنا بصدد التطرق إلى أجندة هذه التحركات ولا بوارد تقويم قدراتها، إلا أن ثمة تساؤلات عديدة تُطرح حول مدى حظوظها أن تؤخذ على محمل الجد لدى أوساط الواعين والمتابعين للعملية السياسية في العراق سيما، وأنها قيادات وأعضاء، كانت ولا تزال وجوهاً فاعلة في العملية السياسية، وهو ما يطرح تساؤلاً أكثر أهمية عن مدى إمكانية إصلاح النظام السياسي من الداخل عن طريق نشوء معارضة في صفوفه؟ أم أن ذلك غير ممكن إن لم يكن مستحيلاً؟ فرواد العملية السياسية لا يمتلكون الرؤى ولا الجرأة التي ترقى إلى مستوى ذلك ولا يرحبون في الوقت نفسه برؤى من خارج هذه العملية ممن لم يتأثر بها أو لم يتلوث بأوضاعها، أو لم يحصل على نقمة الشعب بسبب مشاركته فيها.
وتحرياً للدقة، لا بد من الإشارة إلى أن النظام السياسي القائم في العراق، دستوراً ومؤسسات، رغم بعض الالتباسات لا غبار عليه فالمشكلة ليست به بل باللاعبين على مسرحه أحزاباً وأفراداً وبمن يعمل على ضبط إيقاعات وجودهم وإبقائهم فيه. فعلى مدى الست عشرة سنة الماضية تأسست في العراق «دولة عميقة»، ربما عميقة جداً لا ينقصها المال ولا السلاح ولا القدرات على التحشيد الشعبوي، دولة ليس من السهل تجاوز ثوابتها في رسم ملامح المشهد السياسي فيه، دولة لا تقتصر امتدادات جذورها ولا تفرع روافدها على الأوساط العراقية وحدها، بل تتجاوز ذلك إلى أوساط إقليمية فاعلة عديدة.
2 تحديات جيش طروادة الإيراني في العراق أمير طاهري الشرق الاوسط السعودية
يتأهب العراق، بحلول نهاية يوليو (تموز) الحالي، لمواجهة ما يعتبر أكبر التحديات التي عاصرها في تاريخ ما بعد التحرير؛ الاندماج الكامل للميليشيات الشيعية ضمن الجيش النظامي الوطني. ولكن، هل سوف يحدث ذلك بالفعل؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها القيادة العراقية عن ذلك الاندماج، غير أن هذه المرة برئاسة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، فلقد أصدر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي تصريحات مشابهة في مناسبتين اثنتين على الأقل إبان ولايته، تحت ضغوط واضحة من واشنطن قبل أن يعاود المراوغة والتراجع. لا أحد يعرف بالضبط عدد الجماعات المشاركة في هذا الاندماج، إذ تتراوح الأرقام الصادرة بين 5 إلى 10 جماعات تحت مظلة المنظمة الكبيرة، المعروفة إعلامياً باسم «الحشد الشعبي». ومع ذلك، فالأمر الوحيد المؤكد هو؛ على الرغم من أن بعض الجماعات المعنية بالأمر تملك جذوراً عراقية حصرية، فإنه يمكن اعتبار «الحشد الشعبي» بأسره بمثابة «جيش طروادة الإيراني في العراق».
هناك 3 جماعات كبيرة؛ «منظمة بدر» بقيادة هادي العامري، و«كتائب حزب الله» بقيادة أبو مهدي مهنس، تلك الخاضعة في إدارتها للجانب العراقي بدرجة كبيرة، مع وجود رعايا إيرانيين بين صفوفها من الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من «الثورة الإسلامية العالمية» التي يقودها ملالي طهران، واثنتان من الجماعات الأخرى؛ «عصائب أهل الحق» و«حزب الله النجباء»، وهما من الجماعات وثيقة الصلة بالسلطة في طهران، لدرجة لا يمكن اعتبارهما من الوحدات العراقية المستقلة.
ومنذ أيامه الأولى، يعتبر النظام الخميني أغلب الدول العربية دولاً مصطنعة من إنشاء القوى الاستعمارية الغربية حول جيش من المواطنين الأصليين الذين استخدموهم للسيطرة على السكان. وبالتالي، يتحتم على إيران الثورية تفكيك هذه الجيوش، أو إضعافها على أقل تقدير، من خلال تكوين الجيوش الثورية العربية الموالية لآيات الله في طهران.
وكان المنظّر الأول وواضع هذه الاستراتيجية هو مصطفى شمران، العالم الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، والذي ساعد في إطلاق «حركة المحرومين» في لبنان قبل قفوله راجعاً إلى إيران، بعد سيطرة الملالي على السلطة في البلاد. وكان مصطفى شمران أحد أوائل المؤسسين لـ«الحرس الثوري» الإيراني، وتولى حقيبة الدفاع في أول حكومة ثورية يشكلها الخميني بعد توليه السلطة.
وفي عام 1979 وجزء من عام 1980، كان الخميني يأمل في الإطاحة بصدام حسين من العراق وتكرار سيناريو إسقاط شاه إيران هناك. ولكنه سرعان ما أدرك أن صدام حسين كان وحشاً، من طبيعة مختلفة، لن يتردد في ذبح معارضيه على أوسع نطاق للمحافظة على السلطة.
وفي عام 1980، خلص ملالي طهران إلى أنهم لن يتمكنوا من الاستيلاء على السلطة في بغداد عبر الانقلاب العسكري الداخلي. فلقد كان هناك عدد قليل من كبار الضباط الشيعة في الجيش العراقي وقتذاك، ولم تكن تحدوهم الرغبة الحقيقية في جلب ملالي طهران إلى حكم العراق. ولذلك، لجأوا إلى فكرة مصطفى شمران بتشكيل الجيش الموازي.
وتيسرت تلك الخطة، إثر حقيقة مفادها أن صدام حسين طرد أكثر من مليون مواطن شيعي عراقي من منازلهم، ودفع بهم إلى إيران. ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، هرب الآلاف من الضباط والجنود الفارين من الخدمة في الجيش العراقي إلى إيران، بما في ذلك كثير من الضباط وضباط الصف، من الذين كوّنوا فيما بينهم مستجمعاً كبيراً للتجنيد لخدمة مخطط الجيش العراقي الموازي.
وحصل «لواء بدر» على هوية عراقية ظاهرية، باعتباره الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهي جماعة دينية مناهضة لحكم صدام حسين وتحت قيادة محمد باقر الحكيم.
وبحلول عام 1983، أفادت التقارير الإخبارية بأن «لواء بدر» الشيعي قد عزز قواته وصولاً إلى 15 ألف مقاتل مجهزين بأكثر من 20 دبابة جرى الاستيلاء عليها من الجيش العراقي، إلى جانب عدد من المركبات المدرعة وقاذفات صواريخ «آر بي جي» مع بطاريات المدفعية قصيرة المدى.
ومع ذلك، وبحلول عام 1988 بات من الواضح أنه لن يكون من السهل الإطاحة بصدام حسين.
يقول حامد زمردي، الباحث المتخصص في شؤون الميليشيات الموالية لإيران: «تمنحنا تجربة (لواء بدر) تناقضاً فريداً من نوعه عند مقارنته بتجربة (حزب الله)، الجيش الموازي الآخر الذي أنشأته إيران في لبنان. كانت تجربة (حزب الله) أكثر نجاحاً بسبب الولاء الكامل لحكام إيران الجدد، مع اعتبار لبنان أكثر من مجرد انعكاس جغرافي على خريطة المنطقة. أما الأعضاء العراقيون في (لواء بدر)، فقد كانت تساورهم مشاعر قومية عراقية متجذرة كانت تحول بينهم وبين الانصياع الكامل لإرادة طهران».
وربما يفتقد هذا التحليل لنقطة أساسية، اعتقد الشعب العراقي أنه بما أن المواطنين الشيعة يشكلون السواد الأعظم من سكان البلاد فسوف ينتهي الأمر بسقوط السلطة في أيديهم، إن عاجلاً أم آجلاً. أما الشيعة في لبنان فيعلمون أنه على الرغم من أنهم يمثلون أكبر طوائف البلاد فإنهم لن يمكنهم فرض حكمهم على البلاد إلا من خلال القوة، وهذا يتطلب الدعم والإسناد من إحدى القوى الأجنبية، وهي إيران في هذه الحالة الراهنة.
وبصرف النظر عن الأسباب، لم تفلح طهران قط في بسط السيطرة الكاملة على «لواء بدر» الشيعي في العراق، مثل الرقابة المشددة المفروضة على «حزب الله» في لبنان. وكانت النتيجة دعم طهران لفكرة الجيوش البديلة الموازية في البلاد، ومن رحم هذه الفكرة برز «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر، رجل المذهب الشيعي الذي ينتمي إلى سلالة دينية إيرانية أخرى. كما عمدت طهران إلى إنشاء فرع عراقي من «حزب الله» مخصص للشيعة العرب، وآخر للأكراد السنة.
وبعد فترة من الاستقلال النسبي عن طهران، انتهى الأمر بـ«لواء بدر» تحت السيطرة الإيرانية القوية، من خلال الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» المتفرع عن «الحرس الثوري» الإيراني.
ومع ذلك، وبحلول عام 2011، بدا أن إيران لم تعد بحاجة إلى حصان طروادة في الداخل العراقي. فلقد كان رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي على استعداد تام لإعادة تشكيل العراق كجزء لا يتجزأ من مجال النفوذ الإيراني في المنطقة، مقابل الدعم الدائم من طهران.
غير أن الصعود المفاجئ لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراق والشام قد غيّر كل تلك المخططات. وكانت السهولة التي استولى بها التنظيم الإرهابي على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وامتداد غزواته السورية إلى الأراضي العراقية، قد أثبتت أن معركة الهيمنة على المنطقة ومقدراتها أبعد ما تكون على النهاية. وأدرك نوري المالكي وحلفاؤه في طهران أن الجيش العراقي المكون حديثاً بتدريب، وعتاد، وتجهيزات من الولايات المتحدة وحلفائها، قد لا يشاركهم في تحقيق أهدافهم المحلية والإقليمية.
ونشرت صحيفة «كيهان»، التي يعتقد بولائها التام للمرشد الإيراني علي خامنئي، مقالة افتتاحية تصف فيها الجيش العراقي الجديد بأنه «حفنة من الجبناء والخونة» لأنهم فروا هاربين من وجه عناصر «داعش» في الموصل.
ومن ثم، أعيد إحياء استراتيجية «الجيوش الموازية» التي خطّها مصطفى شمران أول الأمر.
وفي شتاء عام 2014، أُرسل الجنرال إسماعيل قاني، الرجل الثاني في «فيلق القدس» بعد قاسم سليماني، إلى العراق في مهمة محددة تتعلق بتكوين الجيش العراقي الموازي.
ويزعم «الحشد الشعبي» العراقي أنه يتألف من نحو 150 ألف مقاتل، غير أن المحللين العسكريين يعتقدون أن الرقم مبالغ فيه للغاية. ففي المعارك التي خاضها «الحشد الشعبي»، ولا سيما في تكريت؛ حيث كان تحت القيادة الإيرانية المباشرة هناك، لم يتمكن «الحشد» من نشر أكثر من 10 آلاف مقاتل في أي وقت من أوقات القتال، مع الأخذ في الاعتبار المعدل التقليدي لتناوب التشكيلات العسكرية، الذي يعني توافر القوة البشرية بما لا يقل عن 30 ألف مقاتل تقريباً.
ولدى العراق الآن فرصة ممتازة، وربما هي فرصة فريدة من نوعها قلما تتكرر، في إعادة بناء الذات كقوة مستقلة وتقدمية في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، لن يتمكن العراق من النجاح في هذا المسعى عبر تكرار الأسلوب الاستعماري القديم في بناء الأمم؛ إنشاء الدولة المتحلقة حول الجيش الوطني التابع في كل شيء لإحدى القوى الخارجية!
3 من كان وراء 14 تموز 1958 في العراق؟
ادهم ابراهيم راي اليوم بريطانيا
لم اشأ الكتابة عن انقلاب او ثورة 14تموز 1958 قبل هذا اليوم حيث تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالغث والسمين عن هذه الحركة في كل عام منهم المؤيد او المقدس لها، ومنهم الناقم عليها وهناك الكثير ممن يتاسفون على اغتيال الملك وعائلته، وهو امر مؤسف حقا. ولكن مما لاشك فيه ان هذه الحركة او الانقلاب قد طبعت العراق بحالة عدم الاستقرار, وحولت العراق الى ساحة احتراب الى يومنا الحاضر، وبالرغم من انها كانت فعلا نقطة فاصلة في تاريخ العراق الحديث.. الا اننا نراها من منظور اخر.
في نهاية الحرب العالمية الثانية تغيرت موازين القوى لصالح الولايات المتحدة الامريكية، على حساب النفوذ البريطاني في الشرق الاوسط وعلى الاخص في العراق الذي يمثل نقطة التقاء بين الدولتين الاسلاميتين تركيا وايران والدول العربية. وقد كان العراق على الدوام محل اطماع وصراع الدول الكبرى قديما وحديثا.
كما ان سياسة وزير الخارجية الامريكية انذاك جون فوستر دالاس قد قامت على اساس ان العراق هو نقطة الارتكاز ضد الاتحاد السوفيتي . خصوصا بعد فشل احتواء مصر نتيجة اخفاق المباحثات المصرية الامريكية بشأن تمويل السد العالي، والتي ادت فيما بعد لقيام كل من بريطانيا وفرنسا واسرائيل بمهاجمة مصر بعد تأميم قناة السويس عام 1956.
لقد كان هاجس دالاس الخشية من انتشار الشيوعية في العالم. وهو صاحب نظرية حافة الهاوية لمكافحة التوسع السوفيتي، وعلى هذا الاساس قامت الاحلاف المناهضة له ومنها حلف بغداد عام 1955الذي ضم كلا من ايران والعراق وتركيا وبريطانيا.
واضافة الى ذلك فان الادارات الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية هيمنت عليها الشركات النفطية والمصارف الكبرى التي حاولت اعادة ترتيب العالم بما يضمن هيمنة المصالح الامريكية. فتوجهت الولايات المتحدة للسيطرة على بعض الاصول الاستراتيجية للامبراطورية البريطانية وكان العراق من اهم تلك الاصول، خصوصا بعد اكتشاف النفط فيه باحتياطيات كبيرة، وقد ادركت بريطانيا هذه السياسة فتنازلت عن بعض مكاسبها فيه. وفي وقت لاحق تخلت عن مستعمراتها شيئا فشيئا حتى انسحبت من شرق السويس اي الخليج العربي كليا عام 1961.
هذا من جهة ومن جهة اخرى فان اندلاع حرب السويس عام 1956في مصر قد ادى الى انتشار الدعوة للقومية العربية والتحرر في ارجاء الوطن العربي. وحتى الشيوعيين في العراق خرجوا في تظاهرات لنصرة مصر وقضيتها القومية، فاصبح الشعب العراقي شديد العداء لحكومته الموالية للانكليز، ومن هنا بدت الحاجة لتغيير نظام الحكم.
لقد كانت الحكومة الاردنية والملك حسين بالذات على دراية بان هناك حركة لبعض الضباط ضد الحكومة الملكية الموالية لبريطانيا في العراق. فتم تحذير المرحوم رفيق عارف رئيس اركان الجيش ، وغازي الداغستاني قائد الفرقة المدرعة الثالثة، وبعض الوزراء بخطورة الموقف، الا ان حكومة بغداد لم تحتاط للامر بسبب ثقة نوري سعيد بعبد الكريم قاسم الذي كان مرافقا له فترة من الزمن.
واكد ذلك الدكتور المؤرخ سيار الجميل عندما تسائل في مقالته الموسومة 14تموز.. اسئلة التاريخ المثيرة، اذا كان كّل من الملك حسين وشاه ايران ورئيس الحكومة التركية عدنان مندريس قد علموا بحدوث ” انفجار ثوري قريب في العراق ، او محاولة انقلابية في العراق . فهل من المعقول ان كلا من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية لم تعرفا ما الذي كان يجري ؟ وما سر الطبخة ؟ وما كان يصاغ بين بغداد والقاهرة ؟ وهل هي لا تدري بتحركات الضباط الاحرار كلهم ؟ وهل هي لا تدري بما ستكون عليه اوضاع بغداد بمرور لوائين عسكريين عبرها فجر الرابع عشر من تموز ؟ وهل كانت مخابرات دول اخرى لا تعرف بحدوث اي حركة انقلابية ؟ ).
ويتسائل المؤرخ نفسه : ما سر تأخير او تأجيل سفر القادة العراقيين الثلاثة الملك فيصل الثاني والامير عبد الاله ونوري السعيد الى استانبول من يوم 8 تموز الى يوم 9 تموز .. ومن ثمّ الى يوم 14 تموز؟ لماذا كانت مقترحات تأجيل السفر تأتي من واشنطن عبر شاه ايران حتى يمكنه الالتقاء بهم في استانبول ؟. انتهى
ومن كل ماذكر اعلاه فان هناك شبهات تحوم حول وجود دور ما للولايات المتحدة في احداث التغيير في العراق يوم 14تموز 1958. لانها كانت بالتاكيد تسعى للسيطرة على مقدرات العراق في ذلك الوقت. وقد عملت على تهيئة الظروف لتغيير نظام الحكم لصالحها تنفيذا لتوجهاتها بالاستحواذ على العراق لما يحويه من مصادر الطاقة وموقعه الاستراتيجي المهم.
ويضاف الى ذلك ضعف الحكومة الملكية وتنامي الشعور الوطني وتعاظم قوة الحزب الشيوعي والحركات القومية العربية، وتشكيل جبهة الاتحاد الوطني التي كانت مؤهلة لاستلام الحكم وماتمثله من مخاطر جمة على المصالح الامريكية ليس في العراق حسب، بل في منطقة الشرق الاوسط كلها ، كل ذلك يمثل دافعا قويا لها لتغيير نظام الحكم قبل فوات الاوان.
ان ثورة او انقلاب 14تموز 1958 رغم بعض المكاسب التي حققتها الا انها تسببت في كثير من الانشقاقات والالام للشعب العراقي، ومازال الشعب يعاني من تبعاتها رغم مرور 61عاما عليها. وما نزيف الدم الجاري الان لاسباب عديدة الا واحدا من اسبابها . ولانعلم متى سينتهي مسلسل الدم والانتقام الذي توج بحكومة الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003.
هذا الاحتلال الذي استكمل مابدأه الامريكان منذ سنين طويلة وحقق اهدافه على مر الزمان.