1 إيران والحوثي.. الاعتماد المتبادل
أيمن سمير
البيان الاماراتية
المعروف للجميع أن ميليشيا الحوثي الإرهابية هي إحدى أذرع إيران في المنطقة العربية مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تهتم إيران بدعم الحوثي بكل ما تملك من أموال وتدريب وصواريخ كروز وطائرات مسيرة في هذا التوقيت؟ وهل من استراتيجية جديدة للتحالف العربي للتعامل مع هذه المستجدات ؟ وكيف للمجتمع الدولي أن يساعد على تحجيم ميليشيا إرهابية أسهمت في عدم الاستقرار وتهديد الملاحة خلال الفترة الماضية ؟
كل من يتابع الأحداث في اليمن يلاحظ زيادة في وتيرة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة العربية السعودية خاصة على مطاري أبها وجازان، وفي ذات الوقت «جمدت» إيران عملياً «جبهة حزب الله مع إسرائيل»، وأبعدت ميلشياتها عن الحدود الإسرائيلية مع سوريا بمسافة وصلت في بعض المناطق إلى أكثر من 130 كلم، كما تراجع الحديث عن تزويد الميليشيات العراقية الموالية لإيران بصواريخ إيرانية قصيرة المدى يمكن أن تستخدمها الميليشيات العراقية ضد أهداف أمريكية أو إسرائيلية حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، وجاء كل ذلك بعد 4 نوفمبر 2018 عندما فرضت الولايات المتحدة أكثر العقوبات الاقتصادية صرامة على إيران، فلماذا تراهن إيران على الحوثي وليس حزب الله أو بقية ميليشياتها للخروج من أزمتها الراهنة مع المجتمع الدولي؟
هناك أكثر من دراسة وتقرير قدمته جهات استخباراتية وبحثية أمريكية للرئيس دونالد ترامب قالت فيه إن إيران تحاول أن «تتجنب إسرائيل» سواء في لبنان واستخدام ورقة حزب الله أو الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق، وسبب هذا التفكير الملالي أن إسرائيل قامت بـ250 غارة على أهداف إيرانية في سوريا وحدها خلال العام الماضي دمرت فيها البنية التحتية لمصانع الصواريخ الإيرانية خاصة حول دمشق وحمص وحماة.
وهناك من يرى أن إيران تعتقد «التكلفة السياسية» لقيام الحوثي بتهديد الملاحة أقل بكثير من التكلفة عندما يقوم الحرس الثوري الإيراني بعمليات ضد السفن العالمية، وتقول بعض التقديرات إن الهجوم على 4 ناقلات نفط في مياه الخليج العربي في 12 مايو من العام الحالي تم عن طريق عناصر حوثية تم تدريبها على ذلك في إيران، ويزيد من صدقية هذه التقديرات تزامن هذا الهجوم مع هجوم الحوثي بطائرات مسيرة على مضخات النفط السعودية، ولذلك تعتقد إيران أنها تجني نفس «الثمار السياسية» لعملية إرهابية يقودها الحوثي أفضل بكثير من قيام الحرس الثوري أو إحدى أذرعه الأخرى بنفس العملية.
خريطة طريق
من المؤكد أن ما حققه التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن خلال 4 سنوات يفوق بمراحل ما حققه التحالف الدولي في أفغانستان في 18 عاماً، لكن هناك ما يمكن أن نسميه «خريطة طريق» لدحر الحوثي تبدأ من ضرورة قيام البرلمان اليمني الذي اجتمع مؤخراً في مدينة سيئون من إدراج جماعة الحوثي «كتنظيم إرهابي»، كما أن استهداف الحوثي لمطاري جازان وأبها وهما مطاران مدنيان يعجان بالمسافرين من الأطفال والنساء وكبار السن يعد عملاً إرهابياً متكامل الأركان، لأن استهداف مطارات مدنية «مع سبق الإصرار والترصد» هو جريمة حرب بامتياز بموجب قوانين جنيف، كما أن القانون الدولي الإنساني يجرم استهداف المدنيين حتى في وقت الحروب، لكن جماعة الحوثي تفتخر وهي تعلن استهداف مطارات وأهداف مدنية، ويترتب على إدراج البرلمان اليمني للحوثي كجماعة إرهابية وأن تطلب الحكومة اليمنية من «الجامعة العربية» إدراج الحوثي كتنظيم إرهابي كمقدمة للمجموعة العربية في الأمم المتحدة لتأخذ قرار الجامعة العربية وتقدمه للمنظمة الدولية لإدراج الحوثي ككيان إرهابي.
بالتوازي وليس بالتوالي
المتفق عليه بين مراكز الأبحاث العسكرية الغربية أن جماعة الحوثي تعاني نقصاً كبيراً في الرجال، وهو ما دفعها لتجنيد الأطفال، وليس لدى الحوثي «فائض من القوة» ليحارب في الداخل ويطلق الصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة، لكن «تجميد الجبهات الداخلية» هو ما يعطي الحوثي الفرصة لإطلاق الصواريخ على المملكة، ولذلك الحل هو في «تفعيل كل الجبهات» وأن تعمل جبهات الساحل الغربي والضالع وصعدة ونهم وغيرها «بالتوازي» وليس «بالتوالي» مع بعضها البعض، وأن يترافق كل ذلك مع تشكيل «كتائب إلكترونية» باللغة الإنجليزية توجه للمنظمات الإنسانية الدولية لتعرية الحوثي وكشف أفعاله الإرهابية لحرمانه من أي تعاطف من هذه المنظمات، وتزيد نجاح هذه الخطة بمنع وصول الأسلحة للحوثي من الحديدة ومحافظة المهرة.
2 أحداث أيام مضت (1)
يعقوب يوسف الغنيم
النهار الكويتية
نتناول في مقالين استعراض بعض ما حدث في ماضي الكويت القريب. وسوف نستأنس في كل ما نقدمه بمصدر موثوق لا يتطرق إليه الشك، لأننا سوف نرجع إلى أعداد من جريدة الكويت اليوم، التي ضمّت كثيراً من البيانات عن كل ما كانت الحكومة ترغب في إبلاغه للشعب، وهذا يشتمل على الأنظمة المستحدثة والقوانين وبعض القرارات المهمة والمراسيم الأميرية. وكل ما سوف نذكره من هذه الجريدة، مما صار إصداره قبل سنة 1961م حين ألغيت في اليوم التاسع عشر لشهر يونيو من هذه السنة الاتفاقية التعاقدية بين الكويت وبريطانيا، فاتجهت الكويت إلى طريق الاستقلال، وصارت تدير أمورها بحرية تامة، وكان أبرز ما ظهر في النصف الثاني من السنة التي ذكرناها، قيام المجلس التأسيسي وصدور الدستور الكويتي، وقيام مجلس الأمة بعد ذلك وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الأخرى.
وفيما يتعلق بالإعلام عن الأعمال الحكومية أو القرارات الملزمة التي تتخذها الجهات المختصة، فقد كان الإجراء القديم يقتضي وَضْعَ إعلانات ورقية تلصق في مكان ما من السوق، حيث يتكاثر الناس فيطلعون على المراد أن يطلعوا عليه. وكانت هناك عدة مواقع لوضع هذه الإعلانات منها – وهو أشهرها – الموقع القريب من الصرافين وهو المقابل للساحة المواجهة لسكة ابن دعيج.
ولما تكاثرت الإعلانات بتكاثر الجهات المعلنة واتساع الأعمال في البلاد مع حاجة بعض الناس إلى الاحتفاظ ببعض تلك الإعلانات، فقد قَرَّ الرأي الحكومي على أن تصدر جريدة رسمية تمثّل البلاد، وتعلن من خلالها جميع إعلانات الدولة، وتصدر فيها التوجيهات وبعض الأخبار التي يهم المواطنين أن يطلعوا عليها.
وكان إصدار هذه الجريدة عملاً جيداً، فقد سهلت إيصال المعلومات إلى الناس. وكفلت متابعة المعلومات التي ترد فيها حتى ولو بعد وقت. وصارت مع مرور الزمن كتاباً موثوقاً لتاريخ الكويت. وها نحن اليوم نعود إلى بعض أعدادها القديمة فنرى مصداق ذلك.
***
صدرت جريدة الكويت اليوم باعتبارها «جريدة رسمية أسبوعية» في سنة 1954م. واتخذت لها خطاً سارت عليه فهي تنقل إلى قرائها كل ما يخطر ببال الناس، وكل ما يجب التنبيه إليه، وكذلك النهي عنه. وتنشر الأنظمة المستجدة والقوانين والمراسيم الأميرية. وكل ما يتعلق بالحياة العامة في البلاد.
اتخذت لها منذ صدورها غلافاً مميزاً يضم خريطة الكويت وبعض المظاهر العمرانية، وذلك على أرضية زرقاء تمثّل ماء الخليج وجون الكويت. وقد قامت عند الحاجة إلى ذلك بما يلي:
– الدفاع عن قضايا الكويت بصورة عامة، ودعوة الشعب الكويتي إلى التكاتف في وجه العدوان مهما كان.
– الإعلان عن استقلال الكويت ونشر البيانات المتعلقة بذلك، ومنها الكلمة التي وجهها أمير البلاد الأسبق إلى المواطنين بهذه المناسبة، وصور تبادل وثائق إلغاء الاتفاق التعاقدي مع بريطانيا.
بداية الفكرة اقتراح قُدِّم إلى اللجنة العليا التنفيذية، وهي كما هو واضح من اسمها ذات أهمية في إدارة الشؤون العامة في البلاد، فهي بمثابة مجلس الوزراء في ذلك الوقت التي لم تنشأ فيه الوزارات بعد، وقد أقرّت هذه اللجنة الاقتراح المطروح لما وجدته فيه من جدوَى، فصدر بذلك بيان عنها بتوقيع سمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح أمير البلاد – في وقتنا هذا – حفظه الله، وكان نص البيان المشار إليه هو الذي وُضع جُزْءٌ منه في العدد الأول من هذه الجريدة:
«إن إنشاء جريدة رسمية ليس بالشيء الجديد بالنسبة للأقطار المتمدِّنة، بل يمكن القول إن مثل هذا الأمر أصبح ضرورة مُلِحَّةً لاسيما في بلد ناشئ… ولن يقتصر عمل جريدتنا هذه على نشر القوانين والمراسيم، وإنما ستكون مرجعاً ثابتاً لجميع أعمال الدوائر الرسمية».
احتضنت دائرة المطبوعات والنشر برئاسة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هذه الجريدة، وكان صدورها مدعاة لاتساع عمل هذه الدائرة فنشأت مطبعة الحكومة وهي مطبعة كبرى بمقاييس تلك الأيام، كما نشرت الدائرة كتباً من كتب التراث العربي، وأصدرت المجلة التي (كُنَّا) نفخر بها وهي «مجلة العربي»، ثم أصدرتْ مجلة «الكويت»، وأشرفت على دار الإذاعة الكويتية، وأنشأت تلفزيون الكويت، وسارت في تقدم إلى أن جرى تحويلها إلى وزارة تحت اسم وزارة الإرشاد والأنباء، ثم تغير اسمها إلى: وزارة الإعلام.
****
شهدت سنة 1958م نشاطاً كبيراً ومتنوعاً عمّ البلاد كلها، وجاء في وجوه كثيرة من وجوه العمل على رقي الكويت وازدهارها، وكما قلنا قبل قليل فإن جريدة الكويت من الشُّهُودِ على هذه المرحلة ومسجِّلي تاريخها، وهي مرجع يتغاضى عنه عدد من الناس الذين تهمهم معرفة تاريخ هذا الوطن.
وللتدليل على تنوع ذلك النشاط وقوته فإننا لا بد وأن نذكر بعض ما حدث قبل أن نعود إلى ما ورد في الجريدة التي سوف تكون أساس بحثنا:
– بدأت نتائج البحث عن الآثار في جزيرة فيلكا بالظهور في هذه السنة وكانت بعثة آثارية قد قدمت من الدنمارك لهذا العرض، وأنجزت عملها، بالحصول على آثار تعود إلى العصر البرونزي، ثم قامت بنشر أعمالها. وكانت إدارة معارف الكويت – آنذاك – هي المسؤولة عن الآثار، وهي التي تتابع عمل اللجنة المذكورة. وقد استمرت الدائرة بعد ذلك في عملها إلى أن جرى تحويلها إلى وزارة هي وزارة التربية، وهنا أحيلت أعمال الآثار إلى متحف الكويت الوطني الذي صار ملحقاً بوزارة الإعلام. تم أُلحق بالمجلس الوطني للتعاون والفنون والآداب.
– حدث فيما يتعلق بالنفط تشغيل مصفاة ميناء عبدالله، ومنحت حكومة الكويت حق التنقيب عن النفط لإحدى الشركات.
– وفي اليوم الخامس عشر من شهر ديسمبر بُنيت أول ناقلة من ناقلات النفط، ووصلتْ إلى البلاد من أجل استخدامها في نقل النفط الكويتي.
وفيما يتعلّق بالشؤون الثقافية فقد حدث ما يلي:
– صدر العدد الأول من مجلة (العامل) عن دائرة الشؤون الاجتماعية. وهي مجلة شهرية.
– تأسست في هذه السنة الرابطة الأدبية، وقد تزامن قيامُهَا مع انعقاد مؤتمر الأدباء العرب الرابع في الكويت.
– وصدر العدد الأول من مجلة العربي في اليوم الحادي عشر من شهر ديسمبر، وكان رئيس تحريرها آنذاك هو الدكتور أحمد زكي.
– تم إنتاج أول فيلم سينمائي، كان تصويره وتحميضه في الكويت، وهو فيلم دعائي أنفقت على إنتاجه شركة نفط الكويت.
ومما يلفت النظر من أحداث هذه السنة (1958م)، قيام حاكم العراق في ذلك الوقت المدعو عبدالكريم قاسم في اليوم الثاني عشر من شهر مايو بإرسال رسالة خطية إلى حكومة الكويت يبدي فيها رغبته في تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وقد جاءت الرسالة من وزارة الخارجية العراقية بناء على تعليمات رئيس تلك الدولة.
والسبب الذي جعلنا نعتبر هذا التصرف لافتاً للنظر أن عبدالكريم قاسم أعلن في اليوم السادس والعشرين من شهر يونية لسنه 1961م دعواه بأن الكويت جزء من العراق، وكأنه شخص آخر غير الشخص الذي أرسل رسالة يوم الثاني عشر من شهر مايو لسنة 1958م، وقد كان لادعائه هذا أثر كبير في البلاد وانقطاع للعلاقات بين البلدين لمدة طويلة.
****
هنا نعود إلى جريدة الكويت اليوم الرسمية فننظر إلى ما سجلته خلال صدورها من معلومات صارت من مظاهر بتاريخ الكويت ولنبدأ بسنة 1958م.
– جاء في العدد رقم 202 الصادر في اليوم السابع من شهر ديسمبر لسنة 1958م ملحق يضم قانوناً مُهمّاً ينظم الطيران المدني عندنا، وكان بعنوان: «قانون بشأن الملاحة الجوية وتنظمها في إمارة الكويت».
وقد بدأ القانون بمقدمة نصّت على ما يلي:
«لا يُسمح لغير الطائرات المسجلة في الأراضي الكويتية بعبور أو النزول في الأراضي الكويتية إلا بترخيص من رئيس الأمن العام، ورئيس الطيران المدني نيابة عن حضرة صاحب السمو أمير البلاد، وأي طائرة غير كويتية لا يسمح لها بأخذ أو إنزال ركاب أو بضاعة في أي مكان داخل الأراضي الكويتية، ما دام هؤلاء الركاب أو البضاعة منقولة بأجر إلا بتصريح من دائرة الطيران المدني الكويتي المشار إليها فيما بعد بكلمة (الإدارة) وهي تعطي التصريح بناء على السلطة المخولة إليها. على أن يلتزم الناقل بكافة الشروط».
وبعد هذا المدخل المهم تأتي بيانات تسجيل الطائرات وتسجيل علاماتها، وبيان كيفية عملية التسجيل ومن يحق له تسجيل طائرة باسمه في الكويت، ثم في الختام يأتي بيان جنسية الطائرة وكل ما يتعلق بها.
وقد صدرت فيما بعد هذا القانون عدة قوانين منظمة لشؤون النقل الجوي منها:
أ – قانون أنظمة الملاحة الجوية المدنية في دولة الكويت رقم 30 لسنة 1960م.
ب – قانون تنظيم سوق النقل الجوي الصادر برقم 31 لسنة 1987م.
– وفي ملحق آخر جاء مع العدد الصادر في اليوم الرابع عشر من شهر ديسمبر لسنة 1958م نقرأ بياناً بخصوص مشروع حيوي مهم، وذلك أن دائرة الكهرباء العامة (وزارة الكهرباء والماء حالياً) قد أبدت حاجتها إلى إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من أجل تزويد البلاد بمزيد من الطاقة الكهربائية، وتتكون المحطة المطلوبة من وحدتي توليد توربينيتين بُخاريتين قوة كل واحدة مِنْهُمَا 30 ميجاوات، ومعهما محولات ومرفقات أخرى.
وفي الملحق المذكور ما يدل على أنه قد تم الإعلان عن مناقصة في هذا الشأن، وتم تلقي العروض الخاصة بها من ثلاث عشرة شركة لها وكلاء كويتيون، وقد تلقت الوزارة المعنية هذه العروض، وقدمتها إلى لجنة مختصة بحضور ممثلين عن إدارة المالية ودائرة الكهرباء والماء ودار الهندسة المشرفة على المشروع. وبعد أن تم الاطلاع على العروض المقدمة كُلِّفت الشركة المشرفة بموجب هذا اللقاء بدراسة كل ما تقدّم به أصحاب العروض وتقديم اقتراحاتها بهذا الخصوص، إلى رئيس دائرة الكهرباء العامة، على أن يكون من ضمن ما هو مطلوب منها التأكُّد من مطابقة العروض المقدمة للمواصفات الواردة – أصلاً – في إعلان المناقصة، مع بيان التوصيات اللازمة لهذا الشأن حتى تتمكن الإدارة المختصة من إرساء المناقصة على من يقع عليه الاختيار، فيتم تكليفه بالعمل.
ومما يجدر بنا ذكره الآن هو أن دائرة الكهرباء العامة قد أطلق عليها فيما بعد اسم: دائرة الكهرباء والماء، وحملت هذا الاسم إلى أن جرى تحويلها إلى وزارة.
وقد استمرت في نشاطها الخاص بتزويد البلاد بالمياه العذبة والكهرباء. ولقد كان الحصول على مياه الشرب من أصعب ما يعانيه المواطنون، ولكن هذه الدائرة النَّشطة وضعت نصب عينيها حل هذه المعضلة، ومن أجل ذلك فإنَّهَا قد بدأت في الاستفادة من مياه البحر بعد تحويلها إلى مياه عذبة صالحة للطبخ والشرب وغير ذلك.
وقد ابتدأ إنتاج أول عشر مقطرات تتولى تحلية مياه البحر في اليوم الأول من شهر مارس لسنة 1953م.
****
وبهذا نأتي إلى نهاية سنة 1958م، وننتقل مع جريدة الكويت اليوم الرسمية إلى سنة 1959م، حيث نبدأ بشهر فبراير من تلك السنة، ففي اليوم الأول من هذا الشهر وجدنا وقائع جلسة مجلس الإنشاء ذات الرقم (432) التي جرت في صباح يوم الإثنين التاسع عشر من شهر يناير لسنة 1959م، وكانت برئاسة الشيخ فهد السالم الصباح.
وقد جرى في هذه الجلسة بحث موضوع تحويل النفايات إلى أسمدة، وفي محضر الجلسة رسالة من نائب مفتش الأشغال العامة إلى رئيس دائرة الأشغال العامة يذكر فيها كاتبها أن مجلس الإنشاء قد اتخذ قراراً بالموافقة على المشروع المشار إليه، وذلك على أساس أن تتم له تجربة لمدة سنة، ينظر بعدها في الأمر على ضوء نتيجة التجريب.
وجاء في الرسالة المشار إليها:
«على أثر موافقة مجلس الإنشاء بقراره رقم 1952 / 348 على تنفيذ مشروع تحويل النفايات إلى أسمدة كتجربة لمدة سنة، يُقَدَّمُ بعدها تقرير مُفَضَّل إلى مجلس الإنشاء، يتناول مدى نجاح التجربة ويتضمن المصروفات التي دفعت لها، والأسمدة التي نتجت عنها».
وقد تبيّن أن النوعية المنتجة من هذه السماد كانت جيدة، بل هي أفضل من النوع المستورد، إضافة إلى أن المشروع كان ناجحاً من الناحية الاقتصادية، إضافة إلى الفائدة الصحية التي تأتي نتيجة للقضاء على الروائح الكريهة المؤدية إلى تكاثر الحشرات ولا سيما الذباب.
وأشار الخطاب إلى أن المشروع عندما ينفذ بصفة نهائية فإنه سوف يكون على أحدث الوسائل من حيث تقطيع المواد وتجهيزها وتخميرها وتحويلها إلى سماد وبذلك تزداد الكمية وتقل التكلفة.
وأخيراً فإن آخر مقترح في الخطاب يدعو إلى أن يكون موضع المصنع الذي تُنظر الموافقة عليه نهائياً إلى مكان بعيد عن السكان من باب الوقاية والحرص على نقاء البيئة في المساكن.
وقد تم الاتفاق على قيام هذا المشروع وفق الشروط التي وردت في الخطاب المشار إليها.
وبهذه المناسبة فإن مما يبدو أن هذا المشروع المهم لم ير النور على الصورة التي كانت متوقعة على الرغم من الاهتمام الكبير به، والحاجة الماسة إليه، يدلنا على ذلك أن دائرة بلدية الكويت قد اتجهت بعد ذلك بزمن إلى إقامة مشروع مماثل، ونحن لا ندري عن مصيره شيئاً في هذا الوقت.
أما مجلس الإنشاء فقد كان مجلساً شبه فني يشرف على الأعمال الإنشائية المهمة في البلاد قبل قيام مجلس الوزراء، وكانت جريدة الكويت اليوم تنشر وقائع اجتماعاته بصورة دائمة، كما تنشر البيانات والإعلانات التي تصدر عنه.
وفي الجلسة التي سبقت الإشارة إليها بيان عن قرية مؤقَّتَة كان يطلق عليها اسم مدينة العمال وذلك أن البلاد كانت تستقبل أفواجاً كثيرة من العمَّال الذين يأتون – أحياناً – بدون عائلاتهم، فرأت الدولة أن تخصص موقعاً تُنشئُ فيه مساكن مؤقتة لهؤلاء الناس، وقد اختير الموقع الذي حلّت محلّة منطقة الصليبخات، على طريق الجهراء.
وفي الجلسة تنويه بهذا المشروع وإضافة إلى ما كان مقرراً له من قبل؛ وذلك بزيادة سكن العزاب وإنشاء وحدات خاصة بالمتزوجين، ثم بعد أن انتهت الجهات المختصة (دائرة الأشغال العامة) من بدء المرحلة الأولى من العمل قدّمت مقترحات بإنشاء وحدات خدمة لهذه المساكن منها مركز للشرطة وآخر للبلدية، ومستوصف ومسجد وعدد من الدكاكين.
وبناء على ذلك فقد قرر المجلس زيارة ما تم إنجازه من المشروع تمهيداً لاعتماد المقترحات الإضافية التي بدا أنه لا بد منها.
وفي جلسة مجلس الإنشاء المذكورة كان هناك مشروعان مهمان هما:
– واجهات شارع فهد السالم. وهي الواجهات التي حُوِّل بإنشائِها ذلك الممر إلى شارع تجاري مهم.
– منطقة الجابرية، وكان الأمر بشأنها لا يتعدى دراسة الموقف من حيث الحاجة إلى المساكن، وحين رأى المجلس أن في البلاد مواقع أخرى شاسعة لم تسكن فإنه أجل تنظيم منطقة الجابرية إلى ما بعد.
****
وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لسنة 1959م صدر مرسوم أميري بتوزيع الأعمال على رؤساء الدوائر الحكومية وهذا هو نص المرسوم:
نحن حاكم الكويت، بفضل الله وحسن توفيقه
بناء على ما عرضه علينا مجلسنا الأعلى وموافقتنا عليه
نرسم بما هو آت:
1 – الشيخ عبدالله المبارك الصباح رئيساً للشرطة والأمن العام.
2 – الشيخ فهد السالم الصباح رئيساً للأشغال العامة والبلدية.
3 – الشيخ صباح السالم الصباح رئيساً للصحة العامة.
4 – الشيخ جابر الأحمد الصباح رئيساً للمالية وأملاك الحكومة ويمثلنا لدى شركات النفط.
5 – الشيخ جابر العلي الصباح رئيساً للكهرباء والماء والغاز.
6 – الشيخ سعد العبدالله الصباح نائباً لرئيس الشرطة والأمن العام.
7 – الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيساً للمطبوعات والشؤون الاجتماعية.
8 – الشيخ خالد العبدالله الصباح رئيساً للجمارك والميناء.
9 – الشيخ مبارك الحمد الصباح رئيساً للأوقاف والأيتام.
10 – الشيخ مبارك العبدالله الصباح رئيساً للبرق والبريد والتلفون.
11 – الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيساً للمحاكم والمعارف.
هذا ما به رسمنا فيجب تنفيذه حسبما تقتضيه مصلحة البلاد والله ولي التوفيق.
حرر في اليوم التاسع والعشرين من شهر رجب سنة ألف وثلاثمائة وثمان وسبعين هجرية الموافق اليوم السابع من شهر شباط (فبراير) سنة ألف وتسعمائة وتسع وخمسين ميلادية.
عبدالله السالم الصباح
****
وكانت دائرة الشؤون الاجتماعية قد قامت بإجراء تعداد للسكان في سنة 1957م، وقامت هذه الدائرة بنشر بيانات كاملة عن مخرجات الإحصاء نذكر منها ما يلي:
قدّم الإحصاء رئيس دارة الشؤون الاجتماعية، وكان في ذلك الوقت هو صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد حفظه الله، وقد جاء في التقديم ما يلي نصاً:
«أصدرت دائرة الشؤون الاجتماعية نشرة تتضمن عدداً من الجداول الإحصائية التفصيلية الخاصة بنتائج تعداد سكان الكويت الذي أجرى في أوائل سنة 1957م.
والجداول المعروضة في هذه النشرة تشتمل على توزيع السكان: كويتيين وغير كويتيين في كل مدينة وقرية بحسب النوع (ذكوراً وإناثاً) والديانات والجنسيات، وكذلك توزيعهم بحسب النوع والأعمال والحالة العلمية والحالة الزوجية.
كما تشتمل النشرة على توزيع السكان غير الكويتيين المولودين خارج الكويت بحسب جنسياتهم والمدد التي أقاموها في الكويت.
ولما كانت هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها مثل هذه المعلومات التفصيلية عن أهم صفات سكان الكويت، فإن الدائرة ترجو أن يستفيد منها، وَيَسْتَرْشِدُ بها جميع المسؤولين والمختصين، في عمليات التخطيط وتصميم المشروعات التي تهدف إلى رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي لسكان الكويت.
ويسر الدائرة أن تتلقَّى أيّ أسئلة أو استفسارات بخصوص عملية التعداد، والنتائج التي تشتمل عليها هذه النشرة وستنشر الأسئلة والردود عليها في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم).
«والدائرة على استعداد لإعطاء نسخة من نشرتها الإحصائية لكل من يتقدم لطلبها».
وهذه هي بعض الملاحظات العامة التي تتعلق بأعداد السكان في مناطق معينة من الكويت، وفق ما جاء فيما نشر في الجريدة الرسمية، وأشرنا إليه آنفاً:
أولاً العاصمة:
عدد السكان من الذكور يبلغ 66865 نسمة، ومن الإناث 37686 نسمة، بإجمالي قدره: 104551 نسمة.
ثانياً: مشرف والسُّرَّة:
عدد السكان الذكور فيها 488 نسمة، وعدد الإناث 43 نسمة بإجمالي قدره: 950 نسمة.
ثالثاً: الجهراء:
عدد السكان من الذكور 1453 نسمة، ومن الإناث: 983 نسمة، بإجمالي قدره 2436 نسمة.
رابعاً: فيلكا:
عدد السكان من الذكور: 1376 نسمة، ومن الإناث 1063 نسمة، بإجمالي قدره 2443 نسمة.
وكان العدد الشامل لكافة الكويتيين في البلاد 113622 نسمة منهم 59154 نسمة من الرجال، و54468 نسمة من الإناث.
أما الإجمالي العام الذي يشمل أبناء البلاد وغيرهم من المقيمين بها فقد كان في سنة التعداد 132058 نسمة من الذكور و74415 نسمة من الإناث، بإجمالي قدره 206473 نسمة.
ويتكون مجمل غير الكويتيين في ذلك الوقت من جنسيات مختلفة منها أبناء الجنسيات العربية، وأبناء الجنسيات الأخرى، وكان أقل الجنسيات عدداً هم أبناء كندا الذين بلغ عدد رجالهم ستة أشخاص في مقابل امرأة واحدة.
****
ونمضي في ذكر بعض ما ورد بعد كل الذي قدمناه آنفاً منذ أن صدر العدد 216 من الجريدة الرسمية الصادر في اليوم الخامس عشر من شهر مارس لسنة 1959م قد وضع في صدارته قانوناً جديداً هو: قانون العمل في القطاع الأهلي وهو صادر من دائرة الشؤون الاجتماعية، بتوقيع رئيسها – آنذاك – صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وهو نظام واسع يعالج كل ما يتعلق بأمور العمل والعمال، وكذلك الموظفين الذين يعملون جميعاً في القطاع الأهلي، ويتكون من خمسة عشر باباً موزعة على ثمانين فصلاً.
ويشتمل باقي ما في العدد المذكور على عدد كبير من المناقصات التي كانت قد أعلنت عنها دوائر الحكومة المختلفة. ونُشرت فيما لحق من أعداد ثلاثة قوانين بموجب ملحق مستقل وكانت هذه القوانين هي:
– قانون الجنسية الكويتية.
– قانون جوازات السفر.
– قانون إقامة الأجانب.
وصدر قانون الموانئ العام في العدد رقم 253، ويلاحظ المطلع على ما كتبناه أن تركيزنا هنا كان على استعراض القوانين والمراسيم الأميرية، وبعض القضايا التي اطلع عليها مجلس الإنشاء، ولكن الجريدة الرسمية تضم مسائل أخرى كثيرة لا غنى للقارئ العادي ولا للموظف أو التاجر عنها فهي تتولى مثلاً:
– تنشر بيانات صحية متعددة منها أسماء الأطباء الخفر في المستشفى الأميري، وتنبه إلى ضرورة العناية الشخصية بالصحة، وتوجه إلى التطعيم ضد الأمراض وغير ذلك.
– تنشر أسماء البواخر القادمة إلى الكويت، والمغادرة لها حتى يعرف من لهم علاقة بأعمالها ذلك فلا تفوتهم الفرص المتاحة عن طريق أسفار هذه السفن.
– تنشر بيانات مكتب مقاطعة إسرائيل، وأسماء الشركات الأجنبية التي وقعت عليها المقاطعة. وغير هذا كثير، وكله يدل على أهمية هذه الجريدة.
وإلى اللقاء في الجزء الثاني من هذا المقال.
3 إسرائيل وتيكا.. ماذا بعد؟
هيلة حمد النهار الكويتية
تابع العالم اجمع الأحداث والاضطرابات الأخيرة التي حدثت في اسرائيل ولا تزال تشتعل على مدى الاسبوعين الماضيين، وقد اعتبرت بعض وسائل الإعلام العربية ذلك ربيعا اسرائيليا ينطلق على غرار ما حدث في الدول العربية وان ذلك بداية نهاية الدولة ولكن الحقيقة انه في كل الديموقراطيات تظهر تلك الموجات الاحتجاجية التي تعبر عن حالة من الكبت لتتنفس وتؤثر بشكل كبير على طبيعة التعاطي السياسي الا ان الأدوات الديموقراطية كفيلة بأن تضع الأمور في مسارها الصحيح من جديد وذلك ما حدث في اسرائيل في 2011 على اثر احتجاجات ظهرت في ذلك الوقت ونجحت الحكومة في ادارة تلك الأزمة، فكيف ستختلف في صيف 2019؟
قامت اسرائيل على سياسة التهجير المنظمة، وابرزها في المنطقة كانت عملية «بساط الريح» في اليمن، وعملية «عزرا ونحميا» التي هاجر من خلالها من 12 الى 13 الف يهودي في رحلات جوية من العراق الى اسرائيل عبر ايران وقبرص وبطائرات أميركية وبريطانية، وعملية «جوشوا» التي نقلت يهود «الفلاشا» من اثيوبيا الى اسرائيل. نظمت تلك الهجرات لأسباب سياسية اهمها زيادة العداء ما بين اليهود ومجتمعاتهم الأصلية سواء كانت الأفريقية او العربية لصالح المد الصهيوني، وحاجة الدولة للعنصر البشري لإيجاد شرعية المطالبة بتلك الأراضي، ولكن تبقى اشكالية الاندماج ابرز تحديات اسرائيل، فالمشروع الصهيوني طرح اساسا من قبل الرجل الأبيض واليهود الأشكنازو الذين تبنوا تلك الهجرات سياسيا إلا انها لم تكن محل ترحيب اجتماعيا، وذلك يبدو بوضوح مع الأحداث الأخيرة والتي تفجرت من قبل يهود الفلاشا البالغ عددهم ما يقارب 150 الفاً يعيشون في اسرائيل، وقد انطلقت تلك الأحداث بفعل مقتل شاب اثيوبي برصاص شرطي اسرائيلي، وكانت اسرائيل قد شهدت احداثاً مشابهة في السنوات الماضية. وقد زادت احداث العنف في اعقاب محاولة للاحتواء قام بها وزير الأمن الداخلي حينما حضر عزاء عائلة الشاب سالومون تيكا في «كريات حاييم مما ادى الى تفجر الموقف. بالإضافة الى ما عبرت عنه تلك الجالية من كونها تعيش في احياء فقيرة ومهملة وعدم شعورها بالانتماء الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي.
قضايا العدالة والسلام والمساواة ومحاربة التمييز العنصري، ودعم الاتجاهات والأيدولوجيات المعتدلة لايمكن ان تفصل. وبفعل ما يتوفر لدى اسرائيل من آليات ديموقراطية فإنها ستتمكن من ادارة تلك الأزمة من خلال تأجيلها، إلا ان علاجها الحقيقي لا يمكن إلا من خلال تعزيز حكم القانون وتبني السلام العادل مع كل الأطراف بما في ذلك الجانب الفلسطيني، كما ان استمرار دعم الاتجاهات اليمينية المتطرفة دوليا اصبح مكلفا ومدعاة لنشر السياسات المعادية للسامية بما في ذلك للعرب والإسلام، و هذا ما يجعلنا امام خيارين لا يمكن ان تمارس من خلالها الاستثناءات، اما سلام حقيقي ودائم او تطرف يدفع ثمنه الجميع.
4 العداء المزعوم» رافعة المصالح الإيرانية الإقليمية كيف خدمت إسرائيل أهداف الخميني ؟ عبدالعزيز المزيني الرياض السعودية
تمثل العلاقة بين إيران وإسرائيل نموذجاً مثيراً للدهشة في عالم السياسة، فعلى الرغم من حالة العداء العلنية، والتهديدات النارية، إلا أن العلاقة بين الجانبين تبدو علاقة نفعية بامتياز، بل إن عوامل التشابه تبدو أعمق من نقاط التباين، وتكشف ورقة بحثية إسرائيلية أبعاد هذه العلاقة الاستثنائية، وعوامل الالتقاء بين النظامين، ويتساءل معد الدراسة د. دورون ايتسحاكوف الباحث في مركز بيغين – السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، عن سبب العداء الذي يظهره النظام في إيران لإسرائيل، فالدولتان لا تتشاركان في الحدود، وليس بينهما أي صراع بسبب تواجد أقلية اثنية أو دينية، بما في ذلك الجالية اليهودية التي بقيت في إيران. ولتوضيح هذه القضية الإشكالية يدعو ايتسحاكوف إلى القاء نظرة على تاريخ نمط العلاقة الثنائية التي كانت بين البلدين والتي نشأت بعد قيام دولة إسرائيل بوقت قصير.
وتشير الورقة البحثية إلى أن العلاقات بين الدولتين عرفت حالة من الدفء المتصاعد تدريجياً تقريباً منذ اللحظة التي اعترفت فيها إيران بإسرائيل في مارس 1950. وعملياً كانت إيران الدولة المسلمة الثانية بعد تركيا التي تعترف بإسرائيل، وبادرت إلى فتح قنصلية لها في القدس. وتشكلت منظومة العلاقات هذه في فترة شهدت الكثير من التغيرات العالمية والإقليمية التي أثرت على المكانة الجيوبولوتية لإيران، والتي كان لزاماً عليها أن تجد لنفسها مكاناً في النظام الدولي الجديد كملكية شيعية في قلب منطقة سنية مضطربة بسبب موجات القومية العربية الجديدة التي تعصف بها. وفي نفس الوقت كان على السلطة أن تواجه التحديات الناجمة عن ثنائية القطبية العالمية التي أوجدتها الحرب الباردة، وكذلك مواجهة التحديات الداخلية من خلال والعمل على استقرار النسيج الاجتماعي – السياسي في إيران نفسها.
ويضيف مؤلف كتاب «إيران وإسرائيل 1963 إلى 1948» أن العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية كانت نتيجة للقاء المصالح التي تبلورت حول أربع واجهات اتصال رئيسية، الأولى تجارة النفط. والثانية العلاقات المخابراتية والأمنية التي أصبحت عنصراً أساسياً في علاقات الجانبين، بدأت هذه العلاقات في 1958 وتعززت بعد انقلاب يوليو 1958 في العراق. الثالثة تنوع العلاقات التجارية والتي توسعت بشكل كبير منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. الرابعة هي المساعدات المتنوعة التي كانت تقدمها إسرائيل لإيران في شتى المجالات الزراعية، وعمليات الإعمار بعد الكوارث الطبيعية، وتحسين مصادر المياه، وتطوير المناطق الريفية وغيرها. وكانت هذه العلاقات بين الدولتين موضع انتقاد من مختلف الجهات داخل إيران وخارجها.
أما الصيغة الثورية فتميل لإبراز الخميني كرافض لهذه لعلاقة الثنائية عموماً وللوجود الإسرائيلي في إيران خصوصاً بعد قيام دولة إسرائيل. ويؤكد ايتسحاكوف «لكن هذا الادعاء غير صحيح ومضلل أيضاً. وهذا لأن ظهور الخميني على مسرح المعارضين جاء بعد إعلان البنود الستة الأساسية لـ»الثورة البيضاء» مطلع الستينيات. وكان هناك آخرون عارضوا التواصل بين الدولتين مثل أبو القاسم كاشاني ونواب صفوي». ورغم أن سن ومكانة الخميني مكناه من التعبير عن معارضته قبل فترة طويلة إلا أنه لم يجرؤ على تجاوز الخط الذي رسمه حسين بروجردي في ذلك الوقت والذي كان يفصل بين الدين والسياسة. وبعد وفاة بروجردي في مارس 1961 تغيرت الأمور بشكل جوهري، خاصة في ظل قلق الشاه آنذاك من تعزز مكانة مدينة قم الدينية وتفضيله جعل النجف بقيادة محسن الحكيم مركزاً روحياً للشيعة الأمر الذي أثار غضب الخميني وعجّل خروجه العلني ضده. وفي الثالث من يونيو 1963 ألقى الخميني خطاباً شيطن فيه الشاه وإسرائيل، واعتقل عقب خطابه هذا. وفي أبريل 1964 أفرجت عنه السلطات وسمحت له بالعودة إلى قم. وبعد أشهر معدودة أُعتقل مرة ثانية عقب خطبته التي أدان فيها الحصانة التي منحتها إيران لممثلي الولايات المتحدة. وفي نوفمبر 1964 أُبعد الخميني من إيران وبقي فترة قصيرة في تركيا ومن ثم انتقل للعيش في النجف بالعراق.
ووفقاً للورقة البحثية جاء وصول الخميني للعراق في وقت مريح له، لأنه وصل في وقت حكم عبدالسلام عارف الذي كانت له علاقات وثيقة مع الزعيم المصري عبدالناصر، سهلت للأخير توسع تأثيره في العراق. وسهّل هذا الواقع على الخميني تشكيل حركة معارضة أسماها «حركة تحرير إيران». وضمت هذه الحركة في صفوفها تيارات مختلفة وآراء متنوعة من المنشقين عن الجبهة الوطنية، ومن تيارات اليسار الإيراني، ومن المؤسسة الدينية، جمعهم هدف مشترك. وحتى المؤسسة الدينية لم تكن قائمة على رأي واحد، واستوعبت فيها آراء مختلفة. فبعضهم كان يتبنى رؤية الخميني بوجوب عزل الشاه وتأسيس نظام إسلامي، بينما كان آخرون يطمحون لتقليص نفوذ الشاه وإعادة الملكية الدستورية كأساس للحكم. ووفقاً للباحث أرفند إبراهميان فقد انقسمت الميليشيات العنيفة التي لعبت دوراً في حركة المقاومة الإيرانية إلى خمس فئات بحسب النظريات التي يؤمنون بها، وانتماءاتهم المهنية والاجتماعية، والقيادة الأيديولوجية التي يسيرون على خطاها. ولكن بالنسبة لمعظمهم ارتبطت المعارضة لحكم الشاه بالعلاقة الثنائية التي تربط إيران بإسرائيل، ولذلك استخدمت هذه العلاقة كأرضية ملاءمة للتعاون مع المنظمات الفلسطينية. وبالتالي ارتبطت أنشطة هذه التنظيمات بالدعاية المناهضة للصهيونية ومعاداة السامية معاً. ويقول الباحث في مركز بيغين – السادات انه بعد الثورة ومع ظهور المؤسسة الجديدة، تحولت المقاومة لإسرائيل إلى نموذج يجب السير على ضوئه لأسباب استراتيجية وأيديولوجية. ولهذا لم يكن صدفة أن يكون أول ضيف يزور إيران بعد الثورة هو ياسر عرفات وليس زعيم دولة ذات سيادة. وخلال هذه الزيارة سُلمت لعرفات مفاتيح مقر الممثلية الإسرائيلية تقديراً للعلاقة الحميمة التي نشأت بين حركات المقاومة خلال سنوات السبعينيات من القرن العشرين. وجدير بالذكر أن التقاء المصالح بين الجمهورية الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية لم يكن على أساس ديني بل مصلحي، لان عرفات كان يقود حركة قومية بعيدة كل البعد عن الإسلام الشيعي. وكان الخميني يتوقع أن الارتباط بمنظمة التحرير الفلسطينية سيكون جسر إيران الثورة إلى العالم العربي، لكن سرعان ما تبدد أمله هذا بسبب رفض القيادة الفلسطينية تبني مبدأ «حكم رجال الدين» الذي صاغه الخميني. والتزام عرفات موقف الحياد في الحرب العراقية – الإيرانية، وجرت محادثات بين ممثلي منظمة التحرير وعناصر من المعارضة الإيرانية في فرنسا. ورغم خيبة أمل الخميني من عرفات كما يرى ايتسحاكوف ظل الموضوع الفلسطيني عنصراً أساسياً في خطبه، والتي تستند على التصورات الطائفية المركزية التي تميز بين الظالمين والمظلومين، ونصرة المستضعفين. لكن السبب الرئيس كان نابعاً من التطورات التي طرأت عقب إقامة الجمهورية الإسلامية. فمن جهة رفضت العديد من الدول الإسلامية المهمة مبدأ «حكم رجال الدين»، وتصاعد رفض رفقائه في الثورة لقيادته وعدم ضمهم معه في القيادة، والأسلوب العنيف الذي اعتمده ضد المعارضة. هذه الظروف جعلت الخميني يفضل رص الصفوف من الداخل والتركيز على عدو خارجي، ولذلك ركز مرة أخرى على قضية فلسطين والقدس. وخصص في أغسطس 1979 يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان سنوياً يوماً عالمياً للقدس كرمز لتأييد الكفاح الفلسطيني.
وبعد وفاته في 1989 واصل أعضاء المؤسسة الحاكمة الإيرانية الالتزام بميراثه للتأكيد على ولائهم لنهجه ونهج الحركة الثورية التي أسسها، وبهذا تحولت إسرائيل إلى أداة مهمة بيد النظام لتحقيق الإنجازات خارج الحدود. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه فإن الكراهية لإسرائيل هي حجر الزاوية في سلوك النظام وتصوره لهويته الخاصة. وجدير بالذكر -يضيف ايتسحاكوف- «أن الدولة الشيعية التي ظهرت نتيجة للثورة ثيوقراطية في أساسها، ورسمت صورتها طبقاً لنظرية «ولاية الفقيه» التي ابتكرها الخميني. هذا الإطار الفكري يجعل الآخر -أي الخصم- عنصراً لا يتجزأ من الهوية الجمعية الجديدة. وبهذا أصبحت إسرائيل في الخطاب الجديد إطاراً مناسباً لتعزيز وضع إيران كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط».
5 قرارات طُبخت على نار إيرانية
داود الفرحان الشرق الاوسط الايرانية
لن يستطيع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إقناع أحد بأن قراراته الأخيرة التي بدت «خروجاً عن النص» فاجأت النظام الإيراني وفيلق قاسم سليماني وقادة «الحشد الشعبي» الموالين لطهران. فالحشد «صنع في إيران» تحت فتوى المرجعية الشيعية في النجف، ومعظم قادته الحاليين يحملون الجنسية الإيرانية من هادي العامري زعيم فيلق بدر إلى أبو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد، مروراً بفالح الفياض رئيس هيئة الحشد. أما مسألة أن الحشد يخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي فهذه «دشداشة إكس إكس إكس لارج».
في بداية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 تم تشكيل «الجيش الشعبي» برئاسة نائب رئيس الجمهورية الراحل طه ياسين رمضان لإسناد ظهر الجيش النظامي، ومعظم أفراده وقياداته من الكادر البعثي بمختلف المراتب الحزبية. ولم نسمع في يوم من الأيام أن أحداً من كبار أو صغار منتسبي ذلك «الجيش الشعبي» استغل بدلته العسكرية الخالية من أي رُتب واعتدى على المواطنين أو أحرق مزارع الفلاحين أو استولى على منازل المهجرين العراقيين أو نهب محتوياتها كما فعل منتسبو الحشد.
وحين انتهت تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات بعد أن تجرع الخميني كأس السم وهو يوافق على وقف إطلاق النار، أصدر الرئيس العراقي قراراً فورياً بإلغاء الجيش الشعبي وحل تشكيلاته وتسليم أسلحته للجيش العراقي. ولم نسمع عن دمجه مع الجيش النظامي ومنح قادته رتباً عسكرية وامتيازات أو قطع أراض سكنية كما هو الحال مع «الحشد الشعبي». فمعظم قادة هذا الحشد الذين يحملون رتباً تصل إلى مستوى «فريق رُكن» لا يحملون شهادة الدراسة الابتدائية ولا يعرفون أين تقع الكلية العسكرية أو كلية الأركان أو جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا.
أما حكاية «إعادة هيكلة الحشد الشعبي» فليست إلا طريقاً خلفياً للالتفاف على الطلبات الأميركية لحل هذا التشكيل المنفلت الذي تصفه الولايات المتحدة بـ«الإرهابي». والهيكلة هنا تعني تحويله إلى فرق وألوية وأفواج وسرايا ومناصب عسكرية عليا وامتيازات لا تقل عما هو حاصل في فيلق قاسم سليماني.
نحن الآن، بهذا القرار الذي تسرع البعض ووصفه بـ«الشجاع» على شفا تحويل الجيش الحالي إلى حرس ثوري عراقي مرادف لـ«الحرس الثوري» الإيراني. إنها لعبة الأواني المستطرقة تمتد إلى «حزب الله» اللبناني و«الحوثيين» اليمنيين والميليشيات المستنفرة في سوريا.
وأمر طبيعي أن يكون السيد مقتدى الصدر أول المستجيبين لغلق مقرات «سرايا السلام» التابعة له، خاصة بعد أن تصاعدت الخلافات الداخلية مؤخراً بين مساعدي الصدر الذين تلاحقهم اتهامات بالفساد والإثراء الفاحش. ومن الطبيعي أيضاً أن ترحب قيادات «سنية» مشاركة في الحكم بهذا القرار لأنها عانت من التشرذم وتشتت أصواتها في مجلس النواب بين مراكز القوى الشيعية المدعومة من سلاح «الحشد الشعبي»، بحيث انتهى الأمر باستيلاء «الشيعة» على منصبي وزيري الدفاع والداخلية معاً تحت ذريعة أن وزير الدفاع الجديد من عشيرة شَمّر التي تضم شيعة وسنة!
ولم يتردد الأمين العام لعصائب «أهل الحق» قيس الخزعلي في وصف قرار هيكلة «الحشد الشعبي» بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح». ولم يرتجف الخزعلي أيضاً بالتصريح علناً بأن القرار «يُفشل محاولات حل (الحشد الشعبي) أو دمجه». وقد ذهب أبعد مما قصده عادل عبد المهدي، فحمّل الحشد مسؤولية «ضمان أمن العراق ومستقبله». وبهذا يتأكد «ظهور الهلال»؛ وأنه لا حلّ ولا تجميداً ولا حتى دمجاً لـ«الحشد الشعبي»، وإنما هو التفاف شكلي على أي محاولة داخلية أو أميركية لشمول هذا التنظيم الميليشياوي بالعقوبات الأميركية أسوة بـ«الحرس الثوري» الإيراني.
وفي الوقت نفسه، وجدت الحكومة العراقية نفسها في حيص بيص بين العقوبات الأميركية الحازمة ضد إيران والمتعاملين معها، وبين ارتباطها الوثيق بالاقتصاد الإيراني الذي أصبح العراق ساحته الرئيسية بعد أن تخلى الشركاء تحت ضغط العقوبات عن التزاماتهم النفطية وغير النفطية.
وليس سراً أن كبار المسؤولين الإيرانيين الذين توافدوا على العراق خلال الشهرين الأخيرين كان مطلبهم الأول هو أن يظل الباب العراقي مفتوحاً على الاقتصاد الإيراني المنهك. إلا أن النظام العراقي كان يخشى هو الآخر أن تطاله العقوبات الأميركية بعد سلسلة من التحذيرات التي تلقاها من واشنطن. وقد وجدت طهران وبغداد طرقاً بديلة للالتفاف على العقوبات من بينها تغيير آلية شراء الكهرباء من إيران وأسلوب تسديد الديون العراقية المتراكمة لصالحها عبر إيجاد منفذ مالي قوامه الدينار العراقي (الدولار = 1200 دينار تقريباً) لتسديد المشتريات الإيرانية الإنسانية من الخارج.
لن يستطيع رئيس الوزراء العراقي أن يتحمل المطالب الأميركية والإيرانية المتناقضة، لذلك فهو يدفع «بالتي هي أحسن»، والأحسن – كما يرى – قرارات على الورق «لا تسعد الصديق ولا تحزن العدو». «صيف وشتاء على سطح واحد»، كما يقول العراقيون.
التعليقات
6 ما الذي يحدث على الجبهة الإيرانية الأمريكية؟
نزار حسين راشد
راي اليوم بريطانيا
تعرف أمريكا جيّداً أن معصمها الضعيف في العراق هو في اليد الإيرانية،وأن بترول العراق هو بونانزا أمريكية إيرانية مشتركة،لا يصل من ريعه شيء إلى شعب العراق المنهوب المسلوب،وأن الحكومات الوظيفية من نوري النالكي إلى عادل عبد المهدي،قام الطرفان بتنصيبها وأسقطا معاً إياد علاوي مرشح الأغلبية الترجيحية،وأن إيران هي التي أخمدت المقاومة الشيعية ضد الأمريكان ممثلة بجند السماء بقيادة الإمام الصرخي مستخدمة سلاحي التكفير والإرهاب،المجيرين تلقائياً لصالح المشروع الأمريكي،وأخمدت الصوت الشيعي المؤيد لمقاومة الفالوجة وعلى رأسه حسن نصر الله،الذي حولته إلى محرر قبور بدل محرر أوطان،بالتهديد والابتزاز الطائفي!
وإذن فأي مسرحية يمثلها علينا الطرفان بتسخين المواجهة بينهما وإرسال الأساطيل؟
أمريكا الآن كشفت وجهها الطائفي العنصري القبيح،وها هي تعقد مؤتمراً تحت عنوان مسيحيون متحدون لنصرة الشعب اليهودي،ولاحظوا التعبير المنتقى بعناية،الشعب اليهودي وليس دولة إسرائيل ،حتى تفعل أمريكا ذلك فهي بحاجة لغطاء وذريعة،وليس أفضل وأمثل من التهديد الإيراني بمحو إسرائيل،وإذن فدور إيران هو توفير الذريعة لهذا الشطط الأمريكي الوقح وذلك بالتصعيد الكلامي وإعلاء النبرة ضد أمريكا وإسرائيل في التوقيت المناسب!
لم نسمع صوتاً إيرانياً يفضح هذه الطائفية العنصرية ويكشف عنها القناع بإعلان صريح أن إيران لا تريد إبادة إسرائيل،وأنه يكفي أن تعترف إسرائيل وأمريكا بالحد الأدنى للحقوق الفلسطينية،ولم نسمع تأييداً من إيران لموقف السلطة الفلسطينية المقاطع لمؤتمر المنامة،ولو نكاية بإسرائيل على الأقل،وفضحاً لحلف الفجور الصهيوني الأمريكي،الذي يمعن في نصرة القوي المعتدي وخذلان الضعيف المعتدى عليه!
وبدلاً من ذلك تمضي إيران في التصعيد،لتوفر لأمريكا الذريعة المثالية الكاملة لنصرة إسرائيل!
ترمب الخبيث يستقبل أمير قطر ويبذل له جانب الود تزامناً مع مؤتمر النصرة لإسرائيل،وذلك حتى يسكت صوت قطر الذي كان من المحتمل أن يعلو عبر محطة الجزيرة،وهكذا حضرت قطر مؤتمر المنامة،قفزاً فوق جدار الحصار العالي أو عبر الثغرة التي وفرها الأمريكان،وصمتت محطة الجزيرة عن قضية اليهود الفلاشا التي كشفت عنصرية إسرائيل القبيحة،وزيف ديمقراطيتها المزعومة،وهي فرصة ذهبية جديرة جدّاً بالاغتنام،ولا توفرها وسيلة إعلام حتى من قبيل المهنية البحتة،ولو حتى من قبيل المساهمة والإدلاء بالدلو،ولم تورده حتى كخبرٍ مجرد محايد،وإذن فقد دخل الجميع الحظيرة الأمريكية،ولو كانت السلطة الفلسطينية تريد إضفاء الجدية على موقفها الرافض لصفقة القرن ،لأعلنت المصالحة مع حماس في التو واللحظة،ولكنّ محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني،منصب هناك باليد الأمريكية،وإذن فالرفض السلطوي ،صوت لا يتجاوز الحنجرة.وستر للعورة لا أكثر.
الحق أقول لكم أن الأنظمة التي ترعرعت داخل الحظيرة لن تقفز فوق سورها حتى وإن حدثتها نفسها بذلك،والتعويل كله على الشعوب،فانتظروا ثورة في الشارع الفلسطيني تضع سلطته أمام الخيار الصعب،أن تواجهه بالقمع وتسقط ورقة التين،أو تقف معه في خندق المواجهة، كما فعل عرفات أيّاً كانت الكلفة،وإذن كنت دائماً أقول أنّ فاقد الشيء لا يعطيه،فلا تراهنوا إلا على الشعب ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.