8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 شهية الحروب
. هيلة حمد المكيمي النهار الكويتية

يذكرني احد الأصدقاء بمقولة الكاتب الشيوعي الشهير ليو تروتسكي «بأنك قد لا تكون مهتما بالحرب، ولكن الحرب مهتمة بك» بالطبع هذا الكاتب يعتبر احد اكثر الكتاب الشيوعيين جدلا، فقد كان من اهم المنظرين الشيوعيين والمنظمين لحزب البلاشفة، وكان يراهن الكثيرون على قيادته لحزب البلاشفة في مرحلة ما بعد لينين، فقد قاد الجيش الأحمر الذي حقق الانتصار على الجيش الأبيض وبذلك استتب الحكم للشيوعيين البلاشفة، وانتهى اي امل في قيام ديموقراطية انتقالية ما بعد مرحلة انتهاء الملكية وبداية عهد جديد، إلا ان تروتسكي عاشق الحرب، كان يؤخذ عليه انضمامه المتأخر للبلاشفة، وانتماؤه المريب للرأسمالية، فكما قدم لينين الى موسكو على قطار الماني، فقد جاء تروتسكي الى موسكو من نيويورك ودخل بجواز اميركي، بل ان اقامته الشهيرة في نيويورك كان يتكفل بها احد اشهر الرأسماليين الأميركيين، وبذلك يبقى السؤال الأهم: هل كان شكل النظام الشيوعي في موسكو صناعة رأسمالية تحقيقا للمقولة بأن الرأسمالية تختار وتصنع اعداءها؟ وهل كان تروتسكي عاشق الحروب والذي انتهى طريداً في المكسيك حيث قتل في منزل الفنانة الشهيرة التشكيلية فريدا هو احد ادوات وضحايا تلك الرأسمالية التي لا تعيش إلا على الحروب وتجارة الأسلحة؟
لم يعد أحد في الخليج لديه شهية للحرب، وبالرغم من ذلك فان هناك الكثيرين المصرين على قرع طبول الحرب معتقدين ان القوى الكبرى تسعى للحروب، وحقيقة الأمر ان القوى الكبرى وعلى رأسها اميركا تسعى لحصد كلفة الحروب دون الدخول في حروب فعلية، ويأتي ذلك عبر التهديد والتلويح باستخدام القوة والابتزاز والدخول في حروب اعلامية وكلامية للحفاظ على ابقاء اجواء الحرب وحتى لو استدعى الأمر الاكتفاء بضربات محدودة وحتى تلك يبدو انها تراجعت عنها حتى في ظل استهداف طائراتها حيث الخوف من اندلاع حرب لا تحمد عقباها في منطقة تعتبر ترسانة للاسلحة غير التقليدية سواء كانت اسلحة كيميائية او بيولوجية او نووية، ما يعني تدميرا لمصالح الجميع بما فيها القوى الكبرى والصاعدة.
لغة الحرب اصبحت مرفوضة وغير مقبولة دوليا، وها هي مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني تؤكد بأن العالم لن يتحمل أزمة أخرى في الخليج مؤكدة ضرورة ضبط النفس، في حين ان الرئيس دونالد ترامب الذي يتحدث عن اقتراب تلك المواجهة نجده في الوقت نفسه يتحدث عن صفقة القرن وعن خطأ السياسة الأميركية في العراق في 2003، كل ذلك يؤكد اهمية ان يسعى صانعو القرار في منطقة الخليج نحو تنفيذ خطط التنمية البشرية وصناعة الإنسان والنهوض باقتصاديات هذه المنطقة التي تعيش على مورد ناضب.. وهو التحدي الأكبر.
2 أستميحكم عذراً
تركي محمد السديري الحياة السعودية

أستميح القارئ عذراً بالابتعاد قليلاً عن الأحداث والمتغيرات السياسية على الساحتين الدولية والمحلية، فقد يكون أصابكم الصداع والقلق مثلي من متابعة ما تنقله الأخبار من أحداث وتصريحات متناقضة من جهات مختلفة بشأن الصراع القائم في المنطقة، لن أتحدث أيضاً عما أثارته المحققة غير المستقلة والمعروفة بعدائها للمملكة، والمتبنية لما تقوله تركيا بشأن مقتل جمال خاشقي، لأن وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير أوضح بهذا الشأن ما يكفي.

اليوم سأحدثكم عن شيء مختلف تماماً، شيء يتعلق برؤوسنا وما نرتديه فوقها. وأنا أستعد للخروج من المنزل تناولت الشماغ والعقال وارتديتهما فخطر بذهني سؤال يقول: من أين جاء هذا الزي ومنذ متى؟

سؤال يجر سؤال.. من أين جاءت العمامة؟ ومن أين جاء الطربوش؟ وهل لهذه الأشياء علاقة بالموروث الثقافي والديني بذلك، أم أن هذه الأشياء لا علاقة لها بذلك؟ وكما أسلفت تتابعت الأسئلة في ذهني، لذا قررت أن أبحث عن معلومة تفيدني وقد تفيد البعض منكم.. فماذا وجدت؟

لنبدأ بالعقال أولاً. العقال جزء من اللباس العربي التقليدي في عدد من الدول العربية يلبس فوق الغترة أو الشماغ، وللعقال دلالات كثيرة منها أنه رمز للرجولة والأصالة عند العرب، وله أشكال متعددة؛ منها الرفيع والسميك والمذنب وغير المذنب والمقصب وغيره، تختلف الروايات عن أصل وتاريخ العقال، فهناك من يقول ان الطبيعة الجغرافية للمنطقة جعلت الناس يرتدون غطاء الرأس ليتقون التقلبات الجوية وحرارة الشمس لذلك لجأوا إلى استخدام العقال لتثبيت غطاء الرأس، وهناك من يقول ان أصل العقال جاء من الرباط الذي يستخدم لربط أرجل الجمل أو الناقة عند توقفهم وعندما يحلون وثاق راحلتهم يضعونه على رؤوسهم كي لا يفقدونه. أما بالنسبة للون العقال فهناك من يقول ان كل الألوان كانت مستخدمة إلى أن خرج العرب من الأندلس حين ساد اللون الأسود تعبيراً عن الحزن على ذلك الخروج. في تاريخ العقال يقول الأب انستاس الكرملي: «لا شبهة في أن العقال كان معروفاً في فلسطين قبل المسيح بحوالى 900 عام»، ويستشهد على وجود العقال قبل الإسلام بقرون «وجود رسومات ونقوش قديمة فيها رجال يلبسون العقال»، كما ذكر الكرملي أن النساء العربيات في العراق من شمر وعنزة والظفير وربما بعض نساء زوبع يشددن على رؤوسهن العقال الذي يسمى «النوفلية»، وهو بسمك ذراع اليد. هذا عن العقال، فماذا عن العمامة؟

العمامة لباس عربي لم تعرفه أمة غيرهم، وقد لبسها العرب قبل الإسلام وذكروها في شعرهم، وهي اللباس الذي يلف على الرأس تكويراً، قال عنها أبي الأسود الدؤلي: «جنة في الحرب، ومكنة من الحر، ومدفأة من القر، ووقار في الندى، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وهي بعد عادة من عادات العرب»، ومن الأمثال المعروفة في مكة قولهم «ثور معمم»؛ كناية عن الرجل الوضيع أو الجاهل إذا لبس العمامة، وتختلف أنواع العمامة وألوانها من بلد إلى آخر وقد يكون لها مغزى ديني أو مذهبي.

وطالما تحدثنا عن العقال والعمامة فلا بد أن نعرج على الطربوش. الطربوش غطاء للرأس كما القبعة، لونه يتدرج بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق، وهو على شكل مخروط ناقص تتدلى من جانبه الخلفي حزمة من الخيوط الحريرية، منه نوع أسود يرتديه الطلبة عند التخرج من الجامعة. وأصل كلمة طربوش فارسي وهو «سربوش»، وقد ورد في شعر ابن النبيه بلفظ شربوش حيث قال:

ترى قندس الشربوش فوق جبينه * كأهداب أحداق بهتن من البدر

يقال ان الطربوش نشأ في البلقان في عهد الامبراطورية البيزنطية، ثم انتقل إلى الدولة العثمانية، ويعزى اسمه إلى مدينة فاس بالمغرب العربي وينتشر استخدامه في دول المغرب العربي ومصر والشام وتركيا. في تركيا منع كمال أتاتورك ارتدائه عام 1925، ويقتصر ارتداؤه حالياً في دول المغرب والجزائر وتونس ومصر وربما بعض رجال الدين وبالذات بعض خريجي الأزهر، إذ أصبح هو والعمامة من مظاهر المتدينين، أما في المملكة فإن عدم لبس العقال أصبح من مظاهر المتدينين، على رغم وجود فتوى من الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قال فيها حين سئل عن جواز لبس العقال «أمور اللباس ما فيها بأس إلا على وجه يكون فيه مشابهاً للكفار».

بقي أن أشير إلى نوع آخر من غطاء الرأس وهو الكوفية السوداء الصغيرة التي يرتديها غلاة اليهود، والقبعة التي يرتديها الكثير من الشعوب وهي ليست لها دلالة دينية ويقتصر استخدامها على الوقاية من البرد أو الوقاية من الشمس أو لا خفاء الصلع.
3 في اللحظات الأخيرة
داود الفرحان الشرق الاوسط السعودية
كل الأفلام السينمائية البوليسية و«الأكشن» الأميركية والبريطانية والإيطالية والفرنسية والعربية والهندية تنتهي بوصول الشرطة في اللحظات الأخيرة من كل فيلم، لإنقاذ البطل، أو الطفل المختطف، أو إبطال مفعول متفجرات. ومنذ زمن أفلام الأسود والأبيض فَهَمَ أنور وجدي ويوسف وهبي ومحمود المليجي وفريد شوقي وشكري سرحان وتوفيق الدقن أن الشرطة لن تأتي لإلقاء القبض على المجرمين في بداية الفيلم، ولا في وسطه، فالقصة والإخراج يقتضيان أن تظهر الشرطة في اللحظات الأخيرة لزيادة التشويق. والسينمائيون العرب ليسوا أصحاب براءة اختراع «اللحظات الأخيرة» من الفيلم، وإنما هم نقلوها بالقلم والمسطرة عن الأفلام الأميركية.
وهذا المقال ليس عن السينما، وإنما عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تبين، كما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، أنه لا يملك استراتيجية واضحة لإدارة العلاقة مع إيران، ما جعله يوجه عدداً من مساعديه ومؤيديه للظهور في القنوات التلفزيونية ليدافعوا عن موقفه «المتردد والمتناقض»، على حد وصف بعض المحللين الأميركيين. فترمب، كما روت الصحيفة الأميركية، قرر يوم 21 يونيو (حزيران) الحالي القيام بعمل عسكري ضد ثلاثة أهداف في إيران رداً على إسقاطها الطائرة الأميركية من دون طيار. ثم تراجع «في الدقيقة الأخيرة»، لأنه شعر أن مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو «يحشرانه في مكان لا يريده». فالاثنان، ومعهما مديرة المخابرات المركزية جينا هاسبل، وبقية فريق مستشاري ترمب ومساعديه، كانوا يؤيدون توجيه ضربة انتقامية ضد إيران. إلا أن القرار النهائي بيد ترمب، وليس أي أحد آخر. لكن مايكل مايكوفيسكي رئيس «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي»، قال إن ترمب «يُعَرّض مصداقية الولايات المتحدة للخطر». وفي السياسة الأميركية، في عهود كل الرؤساء، لا تعني «المصداقية» أمراً يستحق أن ينحني أي منهم أمامه احتراماً. والدرس الأبلغ أمامنا من حرب جورج بوش الابن على العراق وغزوه واحتلاله بحجج ثبت أنها كاذبة وملفقة، وتفتقر إلى أبسط الدلائل. خلفت تلك الحرب والاحتلال الأميركي مئات الآلاف من الضحايا العراقيين، ومعهم نحو خمسة آلاف قتيل عسكري أميركي وعشرات الآلاف من الجرحى. ولم يهتز البيت الأبيض أمام كل هؤلاء الضحايا من الجانبين، لكن جدران القاعة البيضاوية في البيت الأبيض تصدعت لمجرد أن قال أحد الجنرالات لترمب إن عملية ضرب المواقع الإيرانية الثلاثة ستُخلّف 150 قتيلاً إيرانياً، واحتمال مقتل 35 عسكرياً أميركياً في إحدى الطائرات. مئات الآلاف من القتلى العراقيين لم تعنِ شيئاً لجنرالات البنتاغون، لكن «احتمال» سقوط 150 قتيلاً إيرانياً يستوجب إيقاف عقارب الساعة «في اللحظات الأخيرة». الآن عرفنا أن قلب الرئيس ترمب رقيق. وهو كان رقيقاً أيضاً حين أعلن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ثم كان أكثر رقة بالسماح لإسرائيل بضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى الكيان الصهيوني.
طوال شهرين متصلين ننام ونصحو على تصريحات الرئيس الأميركي حول «الحرب المدمرة» التي سيشنها ضد إيران الملالي. لكنه في «العشر دقائق الأخيرة»، قبل تنفيذ ضربات محدودة، قرر ترمب تأجيل العملية وإطفاء الأنوار والتهيؤ لتناول طعام الإفطار!
الواقع علمنا أن «اللحظات الأخيرة» هي الفاصل بين قرار يدخل التاريخ وقرار يهمله التاريخ. وهي الفاصل – مثلاً – بين قرار يحاصر آلاف الأسر المكسيكية، رجالاً ونساءً وأطفالاً على الحدود، وقرار «يخشى» أن يموت 150 عسكرياً من «الحرس الثوري» الإيراني مقابل إسقاط إيران طائرة استطلاع أميركية من دون طيار.
دعونا من ترمب الآن، ففي ساعته دقائق معدودة كثيرة ولحظات أخيرة لا تعد ولا تُحصى. ولنقرأ بعض ما يقوله التاريخ عن مثل هذه الدقائق واللحظات:
في عام 1970 بعد صدور بيان 11 مارس (آذار) للحكم الذاتي للأكراد، حلقنا في ثلاث طائرات هليكوبتر عراقية مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي صدام حسين في الطريق إلى سد دوكان في محافظة السليمانية. وقبل أن تهبط طائرة صدام تنبه الطيار «في اللحظات الأخيرة» إلى أن المكان الذي ستهبط فيه الطائرة هو حقل ألغام من سنوات الحرب الداخلية الطويلة. وكاد وجه العراق يتغير في ذلك التاريخ.
من لا يعرف الزعيم الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ، لا يعرف شيئاً عن حقوق الأميركيين من أصل أفريقي. كل هؤلاء يحتفلون سنوياً بذكرى الرجل القس الذي صرعته رصاصة متعصب أميركي أبيض في 4 أبريل (نيسان) 1968، بعد أن ترك للبشرية أجمل عبارة رومانسية سياسية قالها إنسان: «لديّ حلم» التي وردت في خطاب ملهم حول الحقوق المدنية. وفي الخطاب الأصلي المكتوب لم يكن هناك أي ذكر لكلمة «الحلم». لكن «في اللحظات الأخيرة» من الخطاب صرخت ماهاليا جاكسون مغنية التراتيل الدينية: «أخبرنا عن الحلم». فبدأ مارتن لوثر كينغ يرتجل قائلاً: «لديّ حلم». وفعلاً نال الأميركيون السود معظم حقوقهم، ودخل واحد منهم إلى البيت الأبيض رئيساً (باراك أوباما)، ليشهد العرب أسود أيامهم معه، خصوصاً بعد قراره الطائش بانسحاب قواته المحتلة من العراق فوراً تاركاً الباب مشرعاً على مصراعيه لدخول الميليشيات الإيرانية و«فيلق القدس» وقاسم سليماني والاحتلال الإيراني للعراق.
وفي التاريخ الأميركي أيضاً، و«في اللحظات الأخيرة» من الحرب العالمية الثانية، قرر الرئيس الأميركي هاري ترومان، إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما ومدينة أخرى اسمها كوكورا. لكن الطيار قرر «في اللحظات الأخيرة» إلغاء مهمته بإلقاء قنبلة ذرية على كوكورا، لأن السماء فوقها كانت ملبدة بالغيوم. وهكذا نجت المدينة من الكارثة، لكن ترومان أمر بتنفيذ خيار آخر، وهو مدينة ناغازاكي التي تلقت قنبلة لم تكن مُعدة لها، ولكنها قسمة «اللحظات الأخيرة» من الحرب العالمية الثانية. وترومان هذا هو رئيس أول دولة تعترف «في اللحظات الأولى» بدولة لم تكن على خريطة العالم اسمها «إسرائيل»!
و«في اللحظات الأخيرة»، من هذا المقال، أذكركم بأن غرق السفينة «تايتانيك» في عام 1912 لم يكن السبب الرئيس لكارثة اصطدامها بجبل جليدي، ولكن السبب استغناء قبطان السفينة «في اللحظات الأخيرة»، قبل إبحارها، عن ضابط من طاقهما نسي وهو يهبط من السفينة تسليم مفتاح الخزنة التي تضم مناظير مراقبة الجبال الجليدية وسط المحيط. فاعتمد البحارة على عيونهم التي لم تكن مثل عيون زرقاء اليمامة فاصطادها جبل جليدي في المحيط الأطلسي.
القدر يتدخل كثيراً «في اللحظات الأخيرة»، سواءً في المحيط الأطلسي أو الخليج العربي.
4 أيام نوري السعيد
خالد القشطيني الشرق الاوسط السعودية
مما يجهله الكثيرون، أن نوري السعيد، رحمه الله، تميز من بين كل من تولوا رئاسة الحكومة العراقية في الثلاثينات بتعلقه الشديد بالتراث العراقي، وكل ما هو بغدادي وعراقي أصيل. أحب الأكلات البغدادية من الدولمة إلى الشيخ محشي والتشريب والباجة. وطبعاً لا ننسى التمن والباميا بالثوم. وفي إطار ذلك أحب الموسيقى والأغاني العراقية. كلا لم ترهف أذناه قط لأغاني محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش التي شاعت عندئذ في سائر العالم العربي وتعلق بها الجيل الجديد من الشباب العراقي.
وهكذا اعتاد في ساعات راحته على فتح الراديو والاستماع إلى الإذاعة العراقية وما تقدمه من أغانٍ وحفلات لنجوم الطرب العراقي، كزهور حسين، وعفيفة إسكندر، وسليمة مراد، ومحمد القبانجي، والمونولوجست عزيز علي ونحوهم ممن اشتهروا في تلك الأيام الخوالي، التي كان المطربون يغنون خلالها ما يحلو لهم وبحريتهم.
دأب نوري السعيد بصورة خاصة على فتح الراديو حالما يستفيق صباحاً لسماع نشرة الأخبار الأولى.
وبعد أن يطمئن أن كل شيء على ما كان عليه، يجلس لتناول فطوره وهو يستمع إلى أغاني الصباح.
كان مدير الإذاعة عندئذ محسن محمد علي، وكانت قراءة الأخبار محصورة بين الدروبي والسيد موحان طاغي، ابن الشيخ طاغي الطي رئيس عشيرة الأزيرج الشهيرة في جنوب العراق. انتهى السيد موحان من قراءة نشرة الأخبار الصباحية، ثم مضى ليقدم مجموعة من الأغاني الصباحية. لسوء الحظ كانت الأغنية الأولى أسطوانة عبد الوهاب المعروفة «جبل التوباد حياك الحيا، وسقى الله ثراك ورعى». لا ندري ما إذا كانت الأغنية من اختياره شخصياً أو مما وقع من الأسطوانات بيد الزملاء العاملين في الإذاعة والمسؤولين عن البرنامج. لكن مهما كان الحال، فما حدث هو أن نوري السعيد كان على الطرف الآخر يستمع مع ألوف المستمعين إلى الإذاعة الصباحية. ما أن سمع المقطع الأول من تلك الأغنية حتى تملكه الغضب؛ فهرع إلى التليفون وأدار الرقم على دار الإذاعة، وطلب الكلام مع مديرها.
لكن الوقت كان مبكراً والمدير ربما كان غارقاً في النوم في بيته. لم يكن مسؤولاً عن الحكم أو الحكومة لينهض مبكراً كما كان يفعل صاحب المسؤولية، رئيس الوزراء. فاضطر نوري السعيد إلى أن يسأل عن المذيع. منو هذا الذي كان يذيع. قالوا: موحان ابن الشيخ طاغي. قال: نادوا عليه لأكلمه. قولوا له: رئيس الوزراء يريد يكلمك. أسرع السيد موحان للتليفون. ما الذي فعله ليجعل نوري السعيد الجبار يطلب مخاطبته في هذا الوقت الباكر؟
جاءه صوت الباشا يدهدر: وين ذوقكم؟ الناس بعدهم نايمين وانتو تعزفون جبل التوباد. يا ابني موحان، خلونا نسمع شيء يفرحنا من الأغاني العراقية. لم يعد بيد المذيع غير أن يعتذر. كذا كان نوري السعيد يراقب الصغيرة والكبيرة. لكن لسوء طالعه أخطأ في إحدى الكبائر عندما حل البرلمان وأثار بذلك الرأي العام وقادة الجيش فانقلبوا عليه عام 1958 وأسقطوه. رحمه الله.
5 ما رأي أشقائنا في العراق؟!
مشعل السديري
الشرق الاوسط السعودية

في خطاب خطير الدلالة لوزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، جاء فيه بالحرف الواحد:
إن العراق بعد 2003 أصبح جزءاً من الإمبراطورية الفارسية ولن يرجع إلى المحيط العربي ولن يعود دولة عربية مرة أخرى، وعلى العرب الذين يعيشون فيه أن يغادروها إلى صحرائهم القاحلة التي جاءوا منها. إن العراق عاد إلى محيطه الطبيعي الفارسي.
نحن سادة المنطقة؛ العراق وأفغانستان واليمن وسوريا والبحرين ولبنان، وعما قريب ستعود كلها إلى أحضاننا وهو مجالها الحر الطبيعي، وليذهب العرب إلى صحرائهم كالجرذان، وشكراً ألف مرة لأتباعنا في البلاد العربية الذين بمساعدتهم سنصحح التاريخ – انتهى.
وإذا أردتم أن تعرفوا من هم أتباعهم في البلاد العربية، فخذوا مثلاً حسن نصر الله، الذي اعترف وقال في خطاب له: من الاثنين وثمانين كنا أصدقاء لإيران للخمسة وثمانين للتسعين للألفين للألفين وخمسة وإلى اليوم لا نخفي الصداقة ولا نخجل منها بل نؤمن بها وندعو كل اللبنانيين إلى تعزيزها وإلى توثيقها – انتهى.
وقد لا يعرف البعض أن الحليف السري الأكبر لها هي إسرائيل، وها هي صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقول: إن أكثر من 30 مليار دولار هي استثمارات إسرائيلية في إيران، وإن هناك أكثر من 200 شركة استثمارية، وتجاوز عدد يهود إيران في إسرائيل 200,000 يتلقون تعليماتهم من مرجعهم في إيران، كما أن عدد معابد اليهود في إيران تجاوز 200 معبد، وفي تل أبيب مبنى ضخم هو أكبر من سفارة تحت مسمّى: جمعية الصداقة الإسرائيلية الإيرانية.
كما أن إسرائيل أنشأت جامعة إسلامية في تل أبيب عام 1956، وكل هيئة التدريس والطلبة فيها كانوا من «الإخوان المسلمين»، أغلبهم من العرب الصهاينة، وأطلقوهم فيما بعد في البلاد العربية – وهم الحليف الثالث –
وهذه الجماعة لا تعترف بوطنها أصلاً، والكل يذكر أكبر زعمائهم وهو مصري، عندما قال بدون خجل: «طز في مصر»، كما أن هذه الجماعة تقر بأن الوطن لا قيمة له، فهم يعترفون بالولاء لمنظري التطرف في إيران وغيرها، ويقول أحد أساطينهم: نحن نؤكد أننا تعلمنا من الإمام الخميني كما تعلمنا من الإمام حسن البنا.
واتخذوا من قضية فلسطين مطية لهم يلعبون عليها، وإليكم ما قاله محمود الزهار المسؤول الكبير في حركة «حماس» الإخوانية لا الفلسطينية، في تصريح له:
إن مشروعنا أكبر من فلسطين، ويا ليته (تلايط) توقف عند ذلك، بل إنه أخذ يضحك مخففاً دمه، وأردف يقول: شو فلسطين هذه مثل (المسواك)، إنها مش مبينة حتى على الخريطة، ثم أكمل ضحكته
6 رجال في ذاكرة العراقيين
احمد صبري الوطن العمانية

منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بدءًا بالعهد الملكي، ومرورا بالعهود الجمهورية، وصولا إلى مرحلة ما بعد الاحتلال، تعاقب على حكم العراق رجال منهم من حافظ على وحدته ودافع عن سيادته، وتكريس ثروته لسعادة العراقيين، فيما أخفق آخرون في هذه المهمة الوطنية التي ألحقت الأذى بالشعب إلى حد تجويعه ومصادرة حقوقه ونهب ثرواته.
وعنما نقارن بين مهمة ودور هؤلاء الرجال في تاريخ العراق فإننا نتوقف عند كوكبة مخلصة ومضيئة من رجالات العراق الذين انتخوا لخدمة شعبهم، وكرسوا مناصبهم لسعادته بإرادة تحدت المستحيل متجاوزين العراقيل ومحددات الحصار الظالم.
هذه الكوكبة التي نتحدث عنها هم (وزير التجارة الأسبق محمد مهدي صالح ووزير النقل والمواصلات أحمد مرتضى أحمد ووزير النفط عصام الجلبي) كنموذج مشرق في مسيرة العراق، ولا نغفل الآلاف الذين أسهموا في إعلاء صرح العراق والدفاع عنه والحفاظ على ثرواته كانوا جنودا في شتى ميادين العمل والإبداع وسوح المعارك، لكننا أخذنا عينة منهم يقابلها طبقة سياسية فشلت في هذه المهمة الوطنية، وأدخلت العراق في الخانق الذي يتخبط به منذ الاحتلال وحتى الآن، وحولته إلى بلد منكوب ومسلوب الإرادة وغير قادر على النهوض والحفاظ على أمنه وثرواته ووحدة مكوناته، الأمر الذي يبرز دور هذه الكوكبة من نخب وكفاءات العراق في الاضطلاع بدورها الوطني في أي عملية تغيير وتصحيح للمسار، وهم المشهود بنزاهتهم وبدورهم وإخلاصهم في عملية الإصلاح الشاملة، وإرساء قاعدة النهوض التي يتطلع إلى تحقيقها العراقيون في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؛ لأن مسيرة وتاريخ هذه الكوكبة تؤهلهم للاضطلاع بدورهم المنتظر، وأن النجاحات التي حققوها في مواقعهم السابقة الدليل على قدرتهم على تحقيق المزيد لتجاوز فشل من سبقهم في هذه المواقع.
وعندما نتحدث عن مهمة ونجاح الكوكبة المختارة من رجالات العراق لا ننسى دور وزير التجارة الأسبق محمد مهدي صالح الذي حول البطاقة التموينية إلى سلاح عراقي في مواجهة حصار التجويع المفروض على العراق بتأمين غذاء العراقيين عبر سلة مليئة بمفردات غنية تصل إلى 20 مادة تلبي إلى حد كبير متطلبات العائلة العراقية تراجعت بفعل الفساد بعد الاحتلال إلى 6 مفردات ضعيفة بعد تسلل الفساد إلى قوت الشعب.
أما ثاني الكوكبة المضيئة فهو وزير النقل والمواصلات أحمد مرتضى أحمد الذي اضطلعت وزارته بتأمين عقد الاتصالات وديمومتها للجهد العسكري في أخطر الظروف لمواجهة عمليات التشويش واستهداف العاملين في هذا القطاع الذين تحدوا الصعاب لتأمين شبكة الاتصالات المدنية أيضا، كما اضطلعت الوزارة بتأمين نقل قوات الشعب إلى مستحقيها عبر أسطول النقل رغم استهدافه، وكان الوزير يشرف ميدانيا على تنفيذ مهمة وزارته عبر وجوده في أخطر أماكن العمل.
والحديث عن الكوكبة المضيئة الثالثة (وزير النفط الأسبق عصام الجلبي) يدعونا للفخر عن دوره المشهود في تطوير قطاع النفط والغاز، وإقامة المشاريع الاستراتيجية وإبلاغ صادرات العراق النفطية إلى معدلات غير مسبوقة، فضلا عن تنويع مصادر تصدير النفط العراقي إلى الخارج في تحسب استباقي للحفاظ على ديمومة استمرار تدفق النفط للخارج لتكريس الأموال لسعادة العراقيين، وإقامة المشاريع المنتجة في قطاع النفط والغاز.
ونختم بالقول: كيف نستفيد ونكرس خبرة هذه الكوكبة المضيئة من النخب والكفاءات في عملية الإصلاح والتغيير المنشودين للحفاظ على ما تبقى من العراق وثروته المهدرة؟
7 واقعة في العراق قبل اكثر من خمسين عاماً تكشف الكثير من سياسات ترامب المعاصرة ولماذا تراجع ترامب عن توجيه ضربة لإيران إن كان حقاً يريد ضربها؟
د. محمد توفيق علاوي

راي اليوم بريطانيا

انقل هذه الواقعة التي حدثت في بيتنا في بغداد عام 1967 حيث لم يتجاوز عمري الاربعة عشر ربيعاً عندما جاء الى بيتنا صاحب معامل الكوكاكولا في العراق صديق والدي بعد رجوعه من اميركا وكنت حاضراً في تلك الجلسة فقال: التقيت بإدارة شركة الكوكاكولا في امريكا وقلت لهم اني استغرب من قراركم بفتح معمل للكوكاكولا في اسرائيل التي لا يبلغ عدد سكانها الثلاث ملايين انسان وفي المقابل ستضطرون الى اغلاق كافة معاملكم في كافة بلدان العالم العربي بسبب قرار الدول العربية بمقاطعة الكوكاكولا ان انشأتم معملكم في اسرائيل، وعدد سكان العالم العربي يتجاوز ال 120 مليون انسان (في ذلك الوقت)، وهذه الخطوة ستكلفكم خسائر كبيرة جداً، فأجابوني: كل ما تقوله صحيح؛ ولكن جاءنا الاسرائيليون وطلبوا منا ان نفتح معملاً للكوكاكولا في اسرائيل فناقشناهم بنفس منطقك؛ فهددونا إن لم نوافق على فتح المعمل في اسرائيل فسيشنوها علينا حرباً اقتصادية في اميركا، ولهم القدرة على افلاس شركة الكوكاكولا في اميركا خلال 24 ساعة !!! هذه الحادثة لا تبين اثر العنصر المالي فحسب، بل تبين القوة الجبارة (للعنصر المالي) من قبل اللوبي المؤيد لإسرائيل في السيطرة على العملية السياسية وانتخاب رئيس الجمهورية في اميركا.
اما العنصر الثاني فهو عنصر (البرنامج الانتخابي الامريكي) الفريد من نوعه والذي يعتمد على اصوات كل ولاية على حدة وليس على كامل اصوات المنتخبين في كامل الولايات المتحدة ، ويسمى بنظام (المجمع الانتخابي) حيث الفوز لا ينطلق من التصويت الحقيقي، فنجد في انتخابات عام 2016 ان عدد المصوتين لهيلاري كلنتون اكثر من عدد المصوتين لترامب كمجموع لكافة الولايات المتحدة بحوالي ثلاثة ملايين ناخب ولكن ترامب فاز على هيلاري ك(أصوات انتخابية) ، والسبب في هذا هو احتساب كامل الاصوات الانتخابية في اي ولاية للمرشح الفائز الاول في تلك الولاية اما الفائز الثاني فلا يحصل على اي صوت، ولذلك خسرت هيلاري كلنتون استناداً لهذا البرنامج الانتخابي الامريكي الفريد، وهذا النظام الانتخابي وفر الفرصة للوبي المؤيد لإسرائيل للاستفادة من الجالية المؤيدة لإسرائيل حتى وإن كانت نسبتهم ضئيلة، ولكن في كثير من الولايات عندما تكون الاصوات بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي متقاربة يكون للأقلية المؤيدة لإسرائيل دور بيضة القبان.
آيباك (اللجنة العامة للشؤون الامريكية الاسرائيلية)
حيث تتولى هذه اللجنة توفير الاسناد المالي للمرشح فضلاً عن توجيه الجالية المؤيدة لإسرائيل للتصويت لمن يقدم اكبر الخدمات إلى اسرائيل؛ لقد قام ترامب خلال حملته الانتخابية بألقاء عدة خطب انتخابية في تجمعات (الآيباك) اعطاهم وعوداً في اسناده الكامل لإسرائيل ومن ضمنها التأكيد على القدس كعاصمة شرعية لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية إلى هناك، فضلاً عن تغيير الاتفاق النووي مع ايران الذي تم الاتفاق عليه في زمن اوباما، وقد حصل ترامب على اثر ذلك تأييداً من قبل الآيباك مع تمويل كبير وتوجيه الجالية المؤيدة لإسرائيل لانتخاب دونالد ترامب في انتخابات 2016.
كيف نفهم ترامب؟
ترامب كأغلب السياسيين المكيافليين، مبادئه السياسية هي موازين الربح والخسارة؛ فلا يريد من سعيه لتغيير الاتفاق النووي مع ايران وسعيه لتحشيد القوات الامريكية في المنطقة وتهديده بتوجيه ضربة قاصمة الى ايران اكثر من تأييد اللوبي المؤيد لإسرائيل من اسناده مالياً والتصويت له في الانتخابات السابقة واللاحقة، ومن يعرف ترامب وتأريخه يعرف انه لم يفعل ذلك انطلاقاً من حبه لهذا اللوبي، ولا انطلاقاً من حبه لإسرائيل، ولا انطلاقا من بغضه لإيران، بل انطلاقاً من أجل مصلحة ذاتية بحتة وهي رغبته بالنجاح والفوز في الانتخابات السابقة ومن ثم الانتخابات اللاحقة للرئاسة الامريكية لعام 2020؛ لذلك فانه لا يرغب بالحرب الشاملة ضد ايران من دون مبرر حقيقي، لإن ذلك سيؤدي إلى مقتل البعض او العديد من الجنود الأمريكان وهذا سيفقده عنصر النجاح في الانتخابات القادمة؛ إن القوات الامريكية قادرة على تدمير ايران تدميراً كاملاً، وهذا سيصب لمصلحة اسرائيل، ولكنه لن يصب لمصلحة دونالد ترامب للنجاح؛ حالة واحدة تمكنه من اعلان حرب شاملة، وهي إن قتل عدد كبير من الامريكان واتهمت ايران بذلك حتى وإن لم تكن مسؤولة في الواقع.
ترامب كان ولا زال متفرجاً ولا نية له لضرب ايران ضمن هذا الواقع
في سبتمبر 2018 سقطت بعض القنابل في محيط السفارة الامريكية في بغداد فتحرك جون بولتن وبومبيو لضرب ايران، ولكن البنتاغون رفض ذلك لعدة اسباب وإحدى هذه الاسباب عدم وجود قوات امريكية كافية في المنطقة، فقام ترامب بإرسال هذه القوات الضخمة إلى المنطقة في شهر ايار 2019 والقادرة على شن الحرب وليس لتهديد ايران فحسب؛ لقد ادى ترامب الواجب الملقى على عاتقه، فقام بالإضافة الى ارسال القوات بتوجيه الاتهام بشأن تفجير السفن في الفجيرة و ضرب الناقلات وكذلك ضرب المنشآت الامريكية والسفارة ومعسكرات امريكية في العراق إلى ايران من دون تحقيق علمي وواقعي؛ لقد كانت توقعاتهم ان يقوم ترامب بضرب ايران بسبب ما وفروه له من متطلبات، ولكنه في هذا المجال ليس مسيراً كما اعتقدوا حينما تعامل سابقاً مع القدس والجولان ولكن لديه حساباته الخاصة في الربح والخسارة؛ فهو غير مستعد لضرب ايران لأنه غير مستعد للمجازفة بمستقبله السياسي وفوزه بالانتخابات من اجل اسرائيل؛ اما بالنسبة لضرب الطائرة فلعل لديهم ايادٍ خفية لإدخال الطائرة في المجال الجوي الايراني، وعندما اعلنت إيران عن مسؤوليتها توقعوا هذه المرة انه سيوجه الضربة لإيران؛ فأتخذ موقفاً في ظاهره اشد زاعماً انه كان ينوي ضرب ايران ولكنه تراجع في النهاية، لم تكن له اي نية بسبب حساباته للربح والخسارة، لقد اصبح واضحاً ان ترامب مستعد ان يتهم ايران بأي تهمة ويهددها بأشد التهديدات من اجل اسرائيل في الظاهر ومن اجل الفوز بالانتخابات في حقيقة الامر ولكن ليس اكثر من ذلك.
الكرة الآن في ملعب الفريق المستفيد من ضرب ايران
لا يعني ما ذكرنا من وقائع ان خطر الحرب قد انتهى، فمع جميع المعطيات اعلاه فلا زال الوضع خطير، ولا زالت امكانية توجيه ضربة موجعة للأمريكان من قبل الفريق المستفيد من ضرب ايران وتٌتهم فيها ايران موجودة. لأنه فقط في هذه الحالة يمكن تعبئة وشحن الشارع الامريكي ضد ايران وسيكون ترامب مجبراً على اعلان الحرب الشاملة ضد ايران، وستحترق المنطقة باسرها من العراق الى ايران إلى دول الخليج الى لبنان بل حتى اسرائيل كما تطرقت اليه جريدة هآرتس الاسرائيلية قبل بضعة ايام.
الكثير من الرافضين للتدخل الايراني في العراق، ولهم الحق في ذلك، كل تفكيرهم منصب على دمار ايران لإخراجها من العراق، ولا يفكروا بما سينال العراق من دمار بسبب هذه الحرب المدمرة؛ نسأل الله ان يحفظ العراق ودول المنطقة ويبعد خطر استشراء الطائفية وخطر التمزق والانهيار والدمار عن بلداننا، انه سميع مجيب.
إن ايران الآن في وضع لا تحسد عليه، فإن خرجت من هذه الازمة من دون حرب فإنها تتعرض الآن وستتعرض في المستقبل الى حصار خانق وشديد، اشد بكثير من حصار العراق في تسعينات القرن الماضي، قد يستطيعوا الانتظار لسنة ونصف بأمل ان لا يعاد انتخاب ترامب، ولكن ان اعيد انتخابه فستكون في وضع اشد بكثير، وستتغير المعطيات في ذلك الوقت ولا يمكن التنبؤ الآن بما سيحدث في ذلك الحين !!!
8 على شعوب الدول الغربية أن تثور أيضاً هيفاء زنكنة القدس العربي

عن أعداد اللاجئين جراء الحروب والاحتلال والاضطهاد، بأنواعها، أخبرتنا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، منذ أيام، بأن إجمالي العدد وصل حوالي 71 مليون وهو أعلى رقم تسجله منذ 70 عاماً. مما يعني، إذا ما حاولنا تقريب الرقم الى الاذهان، أن هناك 37 ألف مشرد جديد، في العالم، يوميا، يلقى الكثير منهم حتفه وهو يحاول الوصول إلى أوروبا، بحثاً عن الأمان. مقابل ذلك، انخفض عدد المسجلين كلاجئين في مختلف الدول، حسب السياسة الحكومية المتبعة تجاه اللاجئين، مما يعني زيادة عدد مخيمات/ مجمعات/ دور القصدير/ كارافانات النازحين وتحولها، وهذه ظاهرة مرعبة، من مخيمات مؤقتة تفي بالحاجات الانسانية المؤقتة، الى أماكن بقاء دائمة، تمتد وتتوسع، عبر الاجيال، حاملة في أسس إنشائها معاني الظلم والتهميش والتمييز بأنواعه. ولأن بعض النازحين يولدون في المخيمات ويقضون معظمم حياتهم هناك، تصبح حياتهم ذاتها موسومة بكل ما هو غير مستقر، من التعليم والرعاية الصحية الى الطموح المستقبلي ومعنى الحياة.
من الحقائق المعروفة أن 40 في المئة من اللاجئين (خارج بلدانهم) والنازحين (داخل بلدانهم) في العالم، أي 28 مليون أنسان، هم من البلدان العربية، وبشكل أساسي من فلسطين (6) وسورية (13)، بالإضافة الى العراق (5) واليمن (2). وتعتبر مخيمات المهجرين الفلسطينيين المتوسعة، مع ولادة كل طفل، منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم، هي النموذج الأوضح لحياة انسان، يجبر على مغادرة بيته قسراً ويعيش حياة محكومة بمنعه من حق العودة جراء الاحتلال الاستيطاني.
أدى تجذر التعاون بين الدول الإمبريالية والأنظمة المستبدة في المنطقة العربية، في العقود الأخيرة، الى انتشار مخيمات النازحين واللاجئين على وجه خارطة المنطقة، مهددة إياها ببناء مدن من نوع جديد وولادة جيل جديد من السكان، سيكون همه الاول، إذا لم يتمكن من العودة إلى بيئته التي حرم منها، هو الهجرة بأي شكل كان وبأي ثمن كان.
ففي مخيم الزعتري، المقام في الأردن، لاستقبال اللاجئين السوريين منذ انتفاضة 2011، يولد يوميا ما بين 12-15 طفلاً، ويعيش فيه أكثر من 90 ألف لاجئ، ثلثهم ولدوا فيه، وحجمه بحجم مدينة في الأردن. ووصل عدد سكان مخيم دوميز 1، من السوريين في إقليم كردستان العراق، المنتصب أساسا لاستقبال ألف شخص فقط، إلى 33,000 نسمة، تبعه إنشاء مخيم دوميز 2، ثم مخيم ديباكة، الذي أنشئ لاستيعاب 5000 شخص، لكنه استقبل أكثر من 36 ألف في أقل من ستة أشهر مع زيادة النزوح من القرى والأقضية القريبة من الموصل.

أدى تجذر التعاون بين الدول الإمبريالية والأنظمة المستبدة في المنطقة العربية، في العقود الأخيرة، إلى انتشار مخيمات النازحين واللاجئين على وجه خارطة المنطقة

وإذا كانت القوى العظمى، بقيادة أمريكا، متفقة حول توفير الحماية للأنظمة العربية الاستبدادية التي تؤدي دورها في الهيمنة والاستغلال بالنيابة، مما يوضح حقيقة أن الغالبية العظمى لحالات اللاجئين طويلة الأمد في العالم موجودة في الدول النامية، فإنها تبدي بعض التفاوت الطفيف في قبولها للاجئين الهاربين من بلدانهم جراء سياستها الخارجية.
فبينما تميل الإدارة الأمريكية نحو تقليد الكيان الصهيوني في بناء جدران العزل العنصري ومنحه معنى أوسع ليشمل حظر حركة الشعوب، تمارس الحكومة البريطانية، الحليف الرئيسي لأمريكا في أوروبا، سياسة لا تقل عنصرية عن أمريكا، في قبولها اللاجئين، ولكن بأسلوب أقل عنجهية. ففي الوقت الذي استقبلت فيه بنغلادش، بميزانيتها القليلة، ما يزيد على المليون لاجىء من المسلمين الروهانجا، تضع الحكومة البريطانية شروطا قاسية لقبول اللاجئين وتخضعهم، لإجراءات تزيد من تدهور أوضاعهم النفسية، في حال قبولهم. من بينها إجراءات معيقة للم شمل الأسرة والذي نوقش قراره يوم 20 حزيران/يونيو الحالي، في البرلمان البريطاني، بعد أن طالب أحد النواب بإعادة النظر فيه وإجراء تعديلات عليه ليتماشى مع قوانين اللجوء الدولية، متسائلاً عما إذا كانت المملكة المتحدة والمجتمع الدولي قد قاما فعلاً بكل ما في وسعهما لحل هذه المشكلة.
هذا النقاش يقودنا الى التساؤل حول امكانية حل أية مشكلة كانت بدون معرفة الاسباب المؤدية اليها ومن ثم معالجتها، وما لم تتغير وجهة النظر الرسمية الأمريكية – الأوربية تجاه اللاجئين لتعترف بأنهم مضطرون لمغادرة بلدانهم لا حبا أو طمعا بأمريكا وأوروبا بل للمحافظة على حياتهم وحياة أبنائهم، من احتلال وحروب ونزاعات، غالباً ما يكون سببها هذه الدول نفسها. وبما أن هذا الاعتراف بعيد المنال، الى حين، ونظراً لتفاقم أعداد وسوء أوضاع اللاجئين، قدمت الأمم المتحدة وعديد المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال برامج تؤكد على الالتزام بالتضامن الدولي وتقاسم المسؤولية، وبدأت بتنفيذ بعض بنودها وإن لا يزال معظمها مجرد حبر على ورق، خاصة بعد أن أصبحت مأساة اللاجئين تجارة رائجة ومصدر ربح لبعض الدول والشركات الكبرى والأفراد بالإضافة الى الفساد المالي الذي يلتهم أموال المعونات والمنح عبر الوسطاء.
تقترح لجان الأمم المتحدة أن الحل الوحيد هو العودة الطوعية، وان تعمل الحكومات الوطنية على احترام مبدأ العودة الطوعية، وضمان أمن العائدين، والحماية الكاملة لحقوقهم. محذرة من أن عودة اللاجئين الى الوطن قبل الأوان نتيجة عوامل الدفع من بلدان لجوئهم سينتهي بهم المطاف، على الارجح، في مجمعات مؤقتة بديلة، أو يعودون الى بلد اللجوء، أو أن يصبحوا مهاجرين غير نظاميين. كما يمكن أن تكون العودة غير الطوعية عاملاً مزعزعاً للاستقرار في بلدان الأصل، مما يعجّل بتجدد التوتر وحتى تجدد العنف. هذه الصورة تنطبق، أيضاً، على عودة النازحين إلى مناطقهم التي أجبروا على مغادرتها بعد تهديم بيوتهم لأسباب طائفية أو دينية أو عرقية.
ان ما تطرحه برامج الأمم المتحدة من حلول ستساعد على حل مأساة اللاجئين والنازحين ولكن فقط حين تتوافر إرادة سياسية حقيقية لمعالجة القضايا التي أدت الى النزوح واللجوء أساسا، من قبل المجتمع الدولي والحكومات الوطنية، وأن تعمل كل الجهات المعنية على وضع حد لمنهجية اعتبار المنطقة العربية سوقا لتصريف السلاح وثمنا لحماية الحكام الفاسدين. وهذا لن يتحقق بانتفاضات شعوبنا فقط، فقد انتفضت وثارت الشعوب العربية بما فيه الكفاية سواء ضد الاستعمار في حقبة ما قبل التحرر الوطني وضد الاستبداد في حقبة ما بعد التحرر. لن يتجسد الحل لإنهاء الظلم وتحقيق العدالة، على كل المستويات، ما لم تنتفض شعوب الدول الغربية، أيضاً، على حكّامها، لتغيير سياستها الخارجية والعمل سوية، مع بقية شعوب العالم، من أجل تغيير حقيقي.