4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 حكمة سمو الأمير وواقعية الرئيس ترامب
فيصل الشريفي
الجريدة الكويتية

الترحيب الرسمي والشعبي الذي استُقبل به سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عند زيارته للجمهورية العراقية يبين تقدير الشعوب والساسة للدور الكبير الذي يقوم به سموه تجاه الأمة العربية، وإلى سعيه في تعزيز العلاقات الثنائية، وإلى الحفاظ على أمن المنطقة العربية وتجنيبها الصراع، وإلى رفاهية الشعوب وإمكانية التعايش السلمي وخلق الظروف المناسبة نحو تطوير العلاقات، والبدء بخلق الظروف المناسبة القائمة على احترام سيادة الدول والتعاون المبني على الثقة وتبادل المصالح.

لقد أثبت سمو الأمير قدرته الدبلوماسية على حفظ السلم العالمي من خلال تبنيه الخطاب الموزون والواقعي، والذي كسب من خلاله احترام الشعوب العربية، وكان محل ترحيب دول العالم بعد المبادرات والمؤتمرات الداعمة في تخفيف معاناة الشعوب المتضررة من الحروب والفقر والتي كانت السبب الرئيس في تكريم البنك الدولي لسموه.

على الطرف الآخر وعند مراجعة ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما قاله لمحطة إن.بي.سي نيوز الإخبارية “لا أسعى إلى حرب، وإذا حدث فستكون إبادة لم نشهدها من قبل قط، لكنني لا أتطلع للقيام بذلك”، كما أنه طالب طهران بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل عرضه بأن يكون أفضل صديق لهم، وسيكون لديهم بلد غني وشعب سعيد.

هذه التصريحات جاءت بعد إسقاط طائرة الدرون الأغلى والأكثر تقنية من بين كل الطائرات العاملة في الجيش الأميركي رغم كل الضغوط التي تمارس عليه من اللوبي الصهيوني والجناح المتشدد المحيط فيه، ورغم اللهجة الحادة التي تميز بها تجاه إيران خلال الفترة الماضية والتي لم ينفك فيها عن استخدام لغة القوة والتهديد.

المتابع للتصريحات الأخيرة للرئيس ترامب يدرك أنها موجهة إلى الناخب الأميركي خصوصا أنها جاءت في الوقت الذي دشن فيه حملته الانتخابية القادمة لإدراكه أن مجرد المضي في قرار الحرب يعني خسارته للانتخابات قبل خوضها، وأن هذه الحرب لن تكون نزهة بالنسبة إلى الجيش الأميركي ولا حلفائه في المنطقة، أو على الأقل هذه الحرب ليس فيها رابح، وأن من يدخلها لا بد أن يدفع ثمنها. التفكير بأن هيبة أميركا قد سقطت مع سقوط الدرون هو تفكير سطحي وساذج، فَلَو كان هذا الأمر صحيحاً لمضت هذه المقولة على روسيا أيضاً عندما أسقط سلاح الطيران التركي الطائرة الروسية، والتي راح ضحيتها الطاقم الذي كان على متنها أو عند ترك أميركا لبعض قواعدها العسكرية، وفي أكثر من دولة، وهي أمور دائما الحدوث، فالقضية ليست مقرونة بإظهار قدرة الولايات المتحدة وقوتها عسكريا، إنما إعادة ترتيب الحسابات بعد أن أضحى ميزان التفوق العسكري هامشياً عندما يتعلق الأمر بالمواجهة المباشرة.

أن تبدأ أميركا الحرب أمر مستبعد من الناحية السياسية، ولأسباب كثيرة، فهي لا تسعى إلى حرب طويلة تكون تبعاتها الاقتصادية والإنسانية مؤلمة جداً حتى على الطرف الأميركي، كما أنها لا تسعى إلى خوض حرب تكون فيها رأس الحربة ومن يراهن على هذا لا يقرأ التاريخ وأنها لن تدخل في حرب لا تكون نتائجها سريعة ومضمونة بعد تجربتها المريرة مع فيتنام.

نعم لقد دخلت أميركا وقادت جيوش التحالف في حرب تحرير الكويت وإسقاط النظام العراقي، لكن بعد أن ضمنت التأييد الدولي وتحييد الدول المتعاطفة مع العراق، وبعد أن جهزت كل الظروف العسكرية المناسبة من أجل تحقيق نصر سريع على حساب بلد مكشوف لها ميدانيا وجيش فاقد الإرادة.

نعم أميركا قد تريد إثبات تفوقها العسكري من فترة إلى أخرى لكن عندما يكون الخصم مستميتا ولديه القدرة على التحمل والرد، فالأمر يختلف، والحاجة لإثبات ذلك قد تتغير مادام هناك وسائل أخرى يمكن ممارساتها.
2 «الضربة الملغاة».. أسباب تراجع ترمب هديل عويس
الرياض السعودية

لا يعرف ما يعنيه أثر العقوبات الأميركية مواطنو بلد يتمتع بعلاقات عالمية صحية وسجل مالي وأمني لا تشوبه شائبة يمكنّه من الانفتاح على مختلف الفعاليات الاقتصادية العالمية والاستفادة منها.

في العام 2018، جرب الشعب التركي غير معتاد على هذه الظاهرة -العقوبات الأميركية- إذ ضربت وزارة الخزانة الأميركية تركيا ببضعة عقوبات لا تكاد تشكل جزءا بالمئة مما ضرب إيران من عقوبات اقتصادية في السنة الأخيرة، ورغم ذلك انقلب الاقتصاد التركي بسبب تلك العقوبات رأساً على عقب وانهارت الليرة التركية لينتهي الأمر بتنازلات تركية لإلغاء العقوبات، التي ورغم إلغائها ضربت تركيا بعمق سياسي واقتصادي وسياحي.

ما واجهته إيران من عقوبات وصف على أنه “أقسى حزمة عقوبات في التاريخ تطبقها أميركا على بلد ما”، إلا أن هذا البلد كان الذي بدأ عهده باحتلال السفارة الأميركية وأخذ الأميركيين كرهائن فيها، تحت شعار عمره أكثر من 40 سنة وهو “الموت لأميركا”.

قبل العام 2015، كانت إيران قابعة تحت وطأة عقوبات شديدة ولكنها أخف مما تواجهه الآن، عقوبات تؤثر في كل تفاصيل حياة الإيرانيين وحكامهم حيث كل قطاعات الدولة منهارة اقتصادياً. في ذلك العهد ظهر الرئيس أوباما وأراد إنهاء الخطر باحتمال حصول إيران على سلاح نووي، وبوساطات أوروبية وتدخلات من عدة قوى إقليمية وافقت إيران على الانصياع لاتفاق “أميركي” بدفع من “روحاني” الذي أقنع المتشددين بفتح المنشآت الإيرانية النووية أمام المراقبين والمفتشين الدوليين وكشف الأوراق النووية في سبيل التخلص من الضائقة الاقتصادية، فكان الاتفاق النووي للعام 2015 ورفع العقوبات عن إيران في عهد أوباما.

يؤكد الشركاء الأوروبون في الاتفاق النووي للعام 2015، كما يؤكد الديموقراطيون في أميركا أن إيران لم تنتهك اتفاق العام 2015 على صعيد تطوير برنامجها النووي، إلا أن ادارة الرئيس ترمب جاءت بفكرة أنها لا ترى في الاتفاق للعام 2015، اتفاقاً عادلاً لأميركا وشركائها في المنطقة وخاصة لأن الاتفاق لم يشمل سلوك إيران الإرهابي عبر الميليشيات وبرنامجها للصواريخ الباليستية، فقامت الإدارة بالخروج من الاتفاق وتطبيق عقوبات صارمة يصفها المحللون بأنها كانت تأخذ إيران إلى الانهيار الكامل خاصة بعد أن قطعت أميركا أي إمكانية لبيع أي برميل من النفط الإيراني ثم معاقبة قطاع البتروكيماويات أي أن ايران فقدت أكثر من 90 % من دخلها الوطني ودخلت مرحلة اقتصادية مظلمة للغاية لتترافق هذه المرحلة مع شقاق داخلي حاد في صفوف النظام الإيراني.

من وجهة نظر المتشددين في إيران، فإن نظام الملالي لم يرتكب أي خطأ، فهو قبل على مضض الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع أميركا في العام 2015 تفتح أسرار إيران أمام المراقبين، أما الإرهاب في سورية واليمن والعراق ولبنان وبرنامج الصواريخ الباليستية فيرى المتشددون في النظام الإيراني أنها أشياء لم تكن مشمولة أصلاً في الاتفاق النووي وبالتالي أميركا هي من خانت العهود والمواثيق مع إيران التي أقنعها روحاني بأن الرضوخ عبر الاتفاق النووي سينقذ اقتصادها، إلا أن وصول ترمب والعقوبات الأقسى في التاريخ فعلت العكس وأخذت اقتصاد إيران رغم تنازلها عن سرية برنامجها النووي إلى أكثر مراحله تهاوياً في التاريخ.

إسقاط إيران الأخير للطائرة الأميركية المسيرة، واستهدافها لمنشآت نفطية في المنطقة وتعريضها طرق الملاحة للمخاطر كانت رسائل مباشرة للولايات المتحدة الأميركية بأن إيران لا تملك ما تخسره، وباتت مستعدة لأقصى تصعيد والهدف مفاوضات تخفف شيئا من العقوبات عن إيران التي لم يعد اقتصادها يحتمل أي عقوبات لدرجة أنها ترى في استدراج أميركا للحرب متنفسها الأخير.

كان هذا المشهد الاستعراضي الإيراني مترافقاً مع فهم إيران لطبيعة استراتيجية ترمب التي كانت واضحة منذ بدايتها بأنها لا تسعى لحرب “تغيير أنظمة” وبالتالي عولت إيران على محاولة إجبار إدارة ترمب في الوقت المتبقي للانتخابات الرئاسية الثانية وهو حوالي السنة لانتزاع اتفاق نووي ثاني يزيل العقوبات، في ظل تأكد المراقبين في طهران من أن آخر ما يريده الرئيس ترمب وناخبيه هو حرب شاملة.

إدارة ترمب وتحديداً شخص ترمب الذي تجاهل في النهاية خيارات بومبيو وبولتون بتوجيه ضربات عنيفة ضد النظام الإيراني كانت واضحة منذ بداية صعوده كمرشح للحزب الجمهوري، فأكثر ما يكرهه ترمب في النظام السياسي الأميركي إلى جانب اوباما وهيلاري كلينتون، هما جون ماكين وجورج بوش الأب، الجمهوريين أيضاً ولكن المنتمين للمحافظين الجدد والمؤمنين بوجوب قيام أميركا بإحداث التغيير في العالم بالقوة العسكرية، الأمر الذي يعارض تماماً مبادئ ترمب الانعزالية الذي حصل على سيل من المؤيدين في أميركا التي باتت خياراتها بعد الحرب سيئة السمعة في العراق، خيارات انعزالية سواء من اليسار (أوباما)، أو من اليمين (ترمب)، فما يجمع بين الرجلين رغم تناقضاتهم واختلاف وجهات النظر، عدم رغبة الرئيسين بسياسات خارجية متوغلة عسكرياً في حروب طويلة الأمد.

لماذا لم يوجه ترمب حتى ضربة مخففة؟

بدأت التهديدات الإيرانية الأكثر تصعيداً في الـ40 يوما الأخيرة بعد عدة تطورات أولها كان فشل الأوروبيين في اجتماعات بروكسل في حل مشكلة العقوبات على إيران، إذ بقيت كل القطاعات الأوروبية ملتزمة بالعقوبات الأميركية وفشلت الوعود الأوروبية بإيجاد منظومة تخرج إيران من العقوبات. كانت هذه الحادثة مترافقة مع إزالة واشنطن كل الاستثناءات لمشتري النفط الإيراني بالإضافة إلى العقوبات على البتروكيماويات أي أن إيران فقدت كل مواردها وبات العمال في شوارع إيران دون عمل ودون مرتبات لأكثر من سنة فبحسب راديو فأردا المراقب للوضع في إيران، بعد أبريل 2019، استيقظ الإيرانيون على نسب تضخم متضاعفة فأسعار أي مادة في إيران ارتفعت بنسبة 85% في غضون أيام بعد تصفير صادرات النفط الإيراني، وبات النظام في إيران يواجه إلى جانب العقوبات سيل من التحديات الداخلية من انعدام ثقة شعبية بالنظام وتبادل اتهامات بين متشددين ومعتدلين وشعب جائع استفاق فجأة ليرى السلعة التي كان ثمنها دولارا واحدا، 85 دولارا.

أمام هذا الضغط اختار نظام “الموت لأميركا” العودة إلى تطبيق شعاراته علانية لتجميع الداخل حوله أمام أي اعتداء خارجي وتوحيد جبهة النظام الداخلية الأمر المتوقع حدوثه فيما لم كان هناك اعتداء أميركي ضد إيران كبلد، وأمام كل هذا الانهيار الاقتصادي الذي يقود الدولة إلى انهيار حتمي، كان النظام الإيراني مستعد للرد على أي تصعيد أميركي أو أي ضربة مخففة بجر أميركا ورئيسها المقبل على انتخابات جديدة إلى حرب شاملة تشعل المنطقة، حيث تلقت واشنطن معلومات كافية بأن ميليشيات إيران ستتحرك وأن إيران في الداخل ستصعد لتنتقم لنظامها من ترمب بعد سنة من العقوبات القاسية التي أوصلت النظام إلى أسوأ أوقاته، هذا ما دفع الرئيس ترمب إلى محاكمة أدت الى عدوله عن توجيه ضربة أمن أنها ستجر المنطقة إلى فوضى كبيرة لن تكون إيران -الخاسرة أصلاً- الخاسر الوحيد منها بأي حال.

الدافع الأساسي لكل هذا العنف والاستفزاز الايراني هو جر واشنطن إلى ازالة العقوبات، الخطر الحقيقي الذي يوجع النظام الإيراني في كل يوم أكثر من ضربة عسكرية ستضع طهران في موضع الضحية أمام شعبها والعالم المشكك بترمب.

كل الإشارات الإيرانية الأخيرة تستجدي جر أميركا إلى حرب تشعل المنطقة وتؤدي إلى اقتصادات منهارة في كل مكان، أو إجبار واشنطن على إلغاء العقوبات أو تخفيفها أو إيجاد أي حل يؤدي الى متنفس اقتصادي للنظام المنهار.

حتى الآن تصمد الإدارة الأميركية في مواجهة الاستفزازين، وحتى اللحظة لا يزال الاقتصاد الإيراني ينزف وهو أمر أكثر تأثيراً من حرب نارية ضد إيران قد تؤدي إلى خراب المنطقة.

تبقى السنة المتبقية للانتخابات الأميركية وقت ضائع تحاول الإدارة الأميركية إضاعته أكثر، ففي هذه السنة الرئيس ترمب مقيّد بالانتخابات ومقيد بما وعد به ناخبيه بأنه سيسحب القوات من الحروب طويلة الأمد في الشرق الأوسط إذ سحبها بالفعل من أطول حروب أميركا في التاريخ في (أفغانستان)، وسحب بعضها من (سورية)، ولكن من جانب آخر إيران متحرّقة لمفاوضات أخرى تتنازل فيها أميركا عن بعض شروطها لترتفع العقوبات عن إيران، ولكن هذا يعني اتفاق نووي آخر مع إيران يتجاهل شروط أميركا الأخرى المتعلقة بسلوك النظام، أي اتفاق شبيه بما فعله أوباما في العام 2015، وهذا أيضاً ما يحاول ترمب تجنبه والهرب منه حتى النهاية وعلى الأقل حتى انتخابات الرئاسة 2020 كما يتجنب الحرب. بعد انتخابات 2020، إذا فاز ترمب سيصبح أكثر حرية في خياراته، فإما سيوجه ضربة قاضية تنتقم من إيران لاستغلالها لموقفه السياسي، أو سيذهب لعقد صفقة نووية تشبه ما وقعته إدارة أوباما مع إيران ولكن هذه المرة تحت مسمى آخر وهو أمر مستبعد. إلا أن ما تفعله إيران اليوم من اختيار الحرب والتصعيد والنار الشاملة ما هو إلا دليل على أنها تحترق في تلك النار وتريد أن يحترق الجميع معها.
3 الحلف الأميركي – الإيراني “الخفي”! فيصل العساف
الحياة السعودية

لنعد إلى الوراء قليلا، إلى العام 1990 الذي شهد غزو صدام حسين للكويت، ثم لنتذكر ذلك الهاجس الذي كان سائداً بعد طرده منها، حين كانت أصابع الاتهام لا تنفك تشير ناحية الأميركيين بسبب عدم مضيهم قدماً في تخليص المنطقة من شره.

13 عاماً تلت ذلك التاريخ، ونظرية المؤامرة تحجب فيها بعض “المتعجلين” عن قراءة الواقع، وتميل بهم إلى أن المصلحة الأميركية تكمن في إبقاء صدام “شوكة” في حلق الخليج، و”فزّاعة” تضطر حكوماته إلى التهافت على شركات تصنيع الأسلحة لغرض شراء ما يمكنّهم من ردع تهوره، حتى أن الحصار الذي فرضته أميركا على العراق طيلة تلك السنوات، والإذلال الممنهج عبر برنامج “النفط مقابل الغذاء”، لم يكن ليقنعهم بأن الذئب الأميركي لا يهرول عبثاً! في عام 2003 حانت ساعة الحقيقة، زحف الأميركيون بقضهم وقضيضهم باتجاه ثمرة العراق السائغة، التهموها وعيون العالم – بمن فيهم الروس- شاخصة، تتفرج على حجة احتلاله “الواهية” من دون حول لهم ولا قوة. نعم، إنه الدرس التاريخي الأميركي المنسي في خضم الرغبات ذات الأفق الضيق، التي لا تنظر أبعد من أمانيّها، بعيدا كل البعد عن حسابات السياسة ومقتضياتها.

“ما أشبه الليلة بالبارحة”، متعجلون آخرون، ينطلقون بتحليلاتهم السياسية في ما يختص بالأزمة الأميركية – الإيرانية من النظرية آنفة الذكر ذاتها، فالمؤامرة لا تغيب عن أذهانهم، عندما يظنون بأنهم ودولهم محور هذا الكون، ويغيب عنهم أن أميركا التي تدير هذا العالم، إنما يشغل بالها ما هو أكبر بكثير من مشكلاتهم، فما بين الصين الصاعدة وروسيا المتوثبة والعالة المترهلة أوروبا، وغيرها، وبين التأثير في العقل الجمعي داخل أميركا ودفعه إلى الاقتناع بتدابير صانع القرار في البيت الأبيض، ثمة أمور يتعين التعامل معها بحذر، وإلى حين نضوج الطبخة الإيرانية في مطبخ السياسة الأميركية، هنالك استحقاقات يتعين على السلطات في إيران دفع ثمنها غاليا، من ذلك ما ترتب على إسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار أخيراً، إذ شهد رد الفعل الأميركي فرض عقوبات اقتصادية إضافية، تسهم مع سابقتها في خنق عصابة خامنئي، ومن المهم في هذا الخضم عدم تجاهل المسألة اليمنية التي “ربما” تكون أول تلك الاستحقاقات، ذلك بناء على ما ذكره الموفد الأميركي الخاص بإيران براين هوك الذي أكد بالأمس أنه “يجب ألا يكون لإيران موطئ قدم في اليمن، حتى لا تهدد باب المندب”.

في هذا السياق، يأتي تصريح الرئيس ترامب حول الطائرة المسقطة، وقوله إن “الأمر كان سيختلف كثيراً لو كانت الطائرة التي أسقطتها إيران تحمل ركاباً”، كواحد -في رأيي- من “أصدق” ما قاله ترامب منذ توليه سدة الرئاسة حتى يومنا هذا، لقد بعث إليهم بخريطة الطريق إلى الحرب لو كانوا صادقين، فهو يعلم أن إيران لن تتقدم خطوة في اتجاه التنازل، وستستمر في استجداء التدخل الأميركي العسكري، ليس شجاعة منها، وإنما مقامرة سياسية على طاولة الانتخابات الأميركية القادمة، على أمل إزاحته وصقوره من خلال توريطهم بعمل عبثي لا يرقى إلى ترجمة نواياهم، فيما يستحضر ترامب من جهته العقاب القاسي الذي حل بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، جراء عملية “مخلب النسر” التي فشلت في إنقاذ الرهائن الأميركيين المحتجزين في سفارة بلادهم في طهران في عام 1980، وكيف للمغامرة غير المحسوبة العواقب أن تهوي بصاحبها غير مأسوف عليه! على رغم ذلك، يبقى خيار الضربة العسكرية (الساحقة) قائماً بالفعل، متى التقط “عمائم الشر” في إيران رسالة ترامب، وأشعلوا له الضوء الأخضر بمزيد من حماقاتهم.
4 ذكرى سقوط الموصل.. وحافة الهاوية
ادهم ابراهيم راي اليوم بريطانيا
في العاشر من شهر حزيران 2014 سقطت المدينة العراقية العريقة ذات التاريخ المجيد ، موصل الحدباء بيد اعداء الحضارة والانسانية ، داعش المجرمة . او ماسميت بدولة
الخلافة على نهج النبوة . والتي بشر بها قبل عامين من هذا التاريخ دعاة مقربين من الاخوان المسلمين ، وهم ليسوا بعيدين عن القاعدة وداعش . سقطت المدينة على حين غفلة من اعيننا . وربما لم تكن كذلك بالنسبة للجالسين على مقاعد الحكم في بغداد
سقطت المدينة وتلوث تاريخ العراق وجيشه ، رغم وجود خمس فرق عسكرية بكامل تجهيزاتها امام عصابات لايتجاوز افرادها بضع مئات على وفق اغلب التقديرات . . ولم تكن هذه المدينة لتسقط لولا خيانة بعض قادة العراق الجدد الذين باعوا ضميرهم للاجنبي
سلمت المدينة بكاملها الى تنظيم الدولة اضافة الى المعدات العسكرية لخمس فرق عسكرية مجهزة بالدبابات والدروع واسلحة مختلفة بملايين الدولارات ، وكذلك المطار ، والبنك المركزي ومخزوناته من سبائك الذهب وودائع بملايين الدولارت . . ومتحف الموصل الذي يضم الغالي والنفيس من الاثار ، وجامعة الموصل ومكتبتها الزاخرة وكل مرافق المدينة العامة والخاصة … وتصاعدت اعمدة الدخان في كل مكان من المدينة . وتم سبي اهلها من مسلمين ومسيحيين وايزيديين وشبك وغيرهم من الطوائف المسالمة المتعايشة مع بعضهم لقرون طويلة
وبالرغم من ان ممارسات الميليشيات الحزبية كانت تضايق اهلنا في الموصل قبل الغزو المشؤوم ، الا انهم لم يتصوروا يوما ان تسلم المدينة بهذه السهولة لاستباحتها من هؤلاء الاوباش . وكأن هناك مخطط تأديبي مدمر قد اعد للموصل واهلها ، لالسبب الا لانهم لم ينصاعوا للفاسدين والمتخلفين من ميليشيات ضالة . . وقد تسبب ذلك في تهجير ٣.٢ مليون مواطن . مازال ثلثهم يعيش في مخيمات بائسة . . كما لم يتم الى يومنا الحاضر اي اعمار لهذه المدينة
ان الفساد الذي كان مستشريا في صفوف القوات الأمنية، وعدم مبالاة الحكومة المركزية بتدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية في البلد وخصوصا في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى ، وتعاملهم السئ مع المواطنين في هذه المدن قد فاقم الغضب الشعبي ولم تتفهم القيادة في بغداد خصوصية هذه المدن واهلها ، مما اتاح الفرصة للدواعش لاستغلال الظروف الاستثنائية للسيطرة عليها ، وتهديد امن واستقرار العراق كله
مازالت اثار احتلال الدواعش وماترتب عليه من انهيار الجيش واحلال تشكيلات مسلحة استثنائية جديدة ، وتغول الميليشيات الحزبية ، وتدخلها في شؤون المواطنين اليومية بما فيها الدخول في استثمارات تجارية وصناعية وزراعية كما وجدناه في هيمنة احدى الميليشيات على مدينة العاب الموصل وتسببها في غرق العبارة نتيجة الاهمال وضعف الرقابة دون ان نرى اي محاسبة لها مما حز في ضمير المواطن العراقي والموصلي على وجه الخصوص . . وكذلك وجدنا هذه الميليشيات تستثمر في الزراعة والصناعة في جرف الصخر بعد تهجير اهلها وبقاء الميليشيات بدعوى محاربة الدواعش . كما نجد كثير من المجاميع المسلحة الخارجة عن القانون تعبث بالامن العام في كل ارجاء العراق تحت ادعاء الانتماء الى الحشد الشعبي او الاحزاب الحاكمة . حتى صرح رئيس الوزراء السابق ان هناك مائة تظيم مسلح خارج عن القانون . فانتشر السلاح الى خارج مؤسسات الدولة الامنية الى درجة ان رئىيس اركان الجيش الحالي قد طالب مرارا بحصر السلاح بيد الدولة دون جدوى
هذا من جهة ومن جهة اخرى فان سقوط الموصل قد ادى الى استفحال مشاكل العراق كله من خلال التدخلات الدولية والاقليمية بشؤونه الداخلية ، وخصوصا من قبل امريكا وتركيا وايران ، تحت ذريعة محاربة داعش . وكذلك عسكرة المجتمع من خلال اعطاء الشرعية لميليشيات الاحزاب الحاكمة. وتحكمها بالمجتمعات المحلية ونصب السيطرات واخذ الاتاوات والاستحواذ على المنافذ الحدودية، وتهريب النفط ، والسطو على اموال النازحين واتخاذهم ذريعة للارتزاق .. وبيع وشراء المناصب وخصوصا في المناطق المحررة ، والتنازع على النفوذ والسلطة في كل مجالس المحافظات من الشمال الى الحنوب، رغم انتهاء ولايتها وتجديده عدة مرات بمخالفات صريحة للقانون والدستور
وهذا كله لم يخرج عن مشروع تخريب العراق المتعمد ، بدءا من تصفير المعامل الحكومية والخاصة ، ثم الزراعة . وبعدها تدمير الثروة السمكية والدواجن . واخيرا وليس اخرا الحرائق المشتعلة في حقول الحنطة والشعير والبساتين لتدمير السلة الغذائية العراقية وجعل البلد عاجزا عن انتاج طعامه حتى يستورد كل شئ
وعادت اساليب القهر والتغيير الديموغرافي في سهل نينوى وديالى والضلوعية وسامراء ومنع الاهالي من العودة الى ديارهم بالقوة . واصبح جرف الصخر قاعدة للميليشيات خارج سيطرة الحكومة . كل هذه الاعمال والسلوكيات غايتها اشاعة الفوضى وخلط الاوراق لاكبر عملية تدمير لارض العراق وثرواته وشعبه
يقول الخبير والمحلل الاستراتيجي هشام الهاشمي انه على الرغم من كم التضحيات فإن أزمة الموصل لم تكن مصححة للأخطاء التي ارتكبت والتي أدت إلى سقوط المدينة ويرى أن الأسباب التي أدت إلى صعود تنظيم الدولة ما زالت قائمة ، لذا فإن نكسة الموصل وما حصل بعدها من تحرير لم تكن تصحيحا ، وقد تحققت هزيمة التنظيم دون النصر عليه ، ولا ادل على ذلك الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة على مشارف القرى والمدن المحررة . . ويؤكد الهاشمي أنه كلما تصاعدت المظالم أدت إلى تمكين الجماعات الراديكالية في أي مجتمع من النهوض والعودة مرة اخرى للعبث بمقدرات الشعب المغلوب على امره
وقد قال ممثل المرجعية الدينية في كربلاء في خطبة الجمعة يوم14حزيران الجاري ( ان استمرار الصراع على المغانم والمكاسب واثارة المشاكل الامنية والعشائرية والطائفية هنا او هناك لاغراض معينة ، وعدم الاسراع في معالجة مشاكل المناطق المتضررة بالحرب على الارهاب تمنح فلول داعش فرصة مناسبة للقيام ببعض الاعتداءات المخلة بالامن والاستقرار ، وربما يجدون حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمرين فيزداد الامر تعقيدا ) واضاف ان تطبيع الاوضاع في تلك المناطق وتوفير الامن فيها على اسس مهنية تراعي حرمة المواطن وتمنحه فرصة العيش بعز وكرامة وتمنع من التعدي والتجاوز على حقوقه القانونية يتسم بالضرورة القصوى ، وبخلاف ذلك تزداد مخاطر عودة البلد الى الظروف التي لاتنسى الامها ومآسيها
اعلنت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الاخير الصادر في يونيو ان هناك 1.8مليون نازح غير قادرين على العودة الى مدنهم المحررة خوفا من تعرضهم لعقاب جماعي . . ويشير الوضع الحالي في ديالى وكركوك وبيجي الى تصاعد الازمات ، والتي تشكل كل واحدة منها تحديا كبيرا للحكومة المركزية . حيث تطغى الاحزاب والفصائل المسلحة على المشهد العام في البلد . مشهد تقاسم السلطة والثروة . التي تشمل كل موارد الدولة المباشرة وغير المباشرة ومنها الوظائف الحكومية وسرقة النفط والمعابر الحدودية وتجارة السلاح والادوية المغشوشة . في ظل قوى امن فاسدة او مهددة بعدم التدخل . واستفحال الفصائل المسلحة من كل الاحزاب والتكتلات المشاركة في العملية السياسية ، او من خارجها . ونتيجة لذلك نجد انعدام الامن والفوضى . مما عزز نفوذ داعش واذرعها ، وربما سيعودون الى احتلال مدن مرة اخرى . لبقاء الاسباب التي ادت لهذه الخروقات
ان هناك مؤشرات الى ان امريكا وايران وهما يتنازعان حول النفوذ في المنطقة سيستغلان وضع العراق الحرج ، وضعف الحكومة ، لتنفيذ اجنادتهما باحداث فوضى عارمة . كل لمصلحته . وسنشهد مزيدا من القذائف والتفجيرات تساهم فيها ميليشيات تابعة لايران . واخرى مجهولة ، قد تؤدي في النهاية الى انقسام المجتمع الواحد واعادة رسم خارطة جديدة العراق
واذا كانت داعش وافكارها المتطرفة تعتاش على انقسام المجتمع وتستغل نقمة فئات عديدة من المجتمع ، فان الواجب الوطني يقتضي العودة عن سلوك التفرقة والتغيير الديموغرافي
ومعاملة المواطنين على قدم المساواة بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة
كما ان مبادئ العدلة توجب احالة المتسببين في سقوط الموصل ، وكل من ساهم بصورة مباشرة او غير مباشرة بهذه الانتكاسة الى القضاء بالاستناد الى نتائج التحقيق في جريمة سقوط الموصل الذي وضع تقريرها في الرفوف العالية والمعد من قبل اللجنة التحقيقية لمجلس النواب ، اضافة الى مسؤوليتهم المباشرة في مجزرة سبايكر التي ذهب ضحيتها المئات من شباب العراق اليافعين
كما يقتضي الامر تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين الذين تسببوا بفسادهم انهيار مؤسسات الدولة العراقية واضعاف الجيش وقوى الامن الداخلي وسقوط المدن العراقية بيد الدواعش
وكذلك حصر السلاح بيد الدولة . والقضاء على الميليشيات التي بدأت العبث بشؤون البلد ومستقبله باوامر من اسيادها من خارج الحدود عن طريق اشاعة الفوضى برمي القذائف والهاونات على مناطق عسكرية واقتصادية مهمة
وبعكسه فان الاوضاع سوف لن تبشر بخير وسيسير العراق نحو الهاوية بعودة العناصر والتظيمات الارهابية تحت مسميات اخرى ، اضافة الى تناحر الميليشيات الحزبية الحاكمة في صراعها على السلطة في هذا الوقت العصيب . . وهذه كلها ستؤدي الى الفوضى وربما تمزيق العراق الى دويلات طائفية وقومية متناحرة فيما بينها الى اجل غير مسمى. وقد بدأ العد التنازلي فعلا . ولايمكن وقف التداعي هذا الا من قبل رجال مخلصين يتصدون لانقاذ البلد قبل فوات الاوان