5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 عبدالمهدي.. بين أرجوحة «الفتح» و«سائرون»
حازم الشهابي
الحياة السعودية

إن الظروف السياسية الراهنة، وطبيعة التحالفات بتراكيبها المعقدة، وما أفرزته العملية الانتخابية من نتائج متقاربة بين الكتل الكبيرة المتنافسة، أدى بالنتيجة إلى خلق فجوة واضحة، بين ما نص عليه الدستور العراقي في المادة (76-أولا) وما بين إرادة الكتل السياسية وتوافقاتها المقيتة بشأن الآليات المتخذة لتشكيل الحكومة، بعد تعسر الإعلان عن الكتلة البرلمانية الأكثر عددا، ما أسهم بخلق حكومة ضعيفة هزيلة بأسس رملية لا تقوى على مقارعة رياح التحديات العاتية.

لم تنفك الكتل السياسية وعلى وجه الخصوص الكبيرة منها، منذ تكليف عبدالمهدي برئاسة الحكومة وحتى اللحظة عن تبجحها بالانصياع التام لإرادة الواقع ومتطلبات المرحلة، بإطلاق يد رئيس الحكومة في اختيار حقيبته الوزارية بكل أريحية، وإتمام برنامجه الحكومي وفق رؤيته الخاصة، إلا أن هذا الادعاء لا يعدو عن كونه تصنعا ومحاولة يائسة للتناغم ووتيرة الامتعاض الجماهيري الشديد تجاه الطبقة السياسية الحاكمة، نتيجة للتراجع الكبير الذي يشهده العراق على كافة المستويات والأصعدة، وامتصاص الانزعاج والتوتر الشعبي وإيهامهم بزهد المناصب والتخلي عن الاستحقاقات الانتخابية، لأجل النهوض بواقع البلد وتقويم اعوجاجه، في حين أن الكتل السياسية ذاتها التي طالما صدعت رؤوسنا بتخليها عن المناصب وزهداها في المكاسب، تجدها اليوم تقف حجرة عثرة أمام إكمال تشكيل الحكومة وإتمام حقيبتها الوزارية، فعلى رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على تكليف عبدالمهدي برئاسة الوزراء، وحكومته لا تزال تعاني الأمرين، نتيجة لصراع الحاصل في ما بين الكتل السياسية وعلى رأسها الفتح وسائرون.

ما كان على رئيس الوزراء أن يتخذ موقف الحياد والوقوف على التل مترقبا، منتظرا حسم النزاع الدائر بين الكتل السياسية حول المناصب الوزارية دون أن يكون له موقفا جادا وصريحا وحازما حيال ما يجري من صراع ومساومات كتلويه، تسببت بتعطيل حقائبه الوزارية طيلة الأشهر السبع الفائتة، وأن يكون أكثر صراحة ووضوحا في تحديد الأسباب ومحاصرتها وإعلانها في مؤتمراته الصحافية الأسبوعية، وإلزام المتخاصمين وإحراجهم بسقف زمني محدد غير قابل للتمديد، لحسم مواقفهم والإتيان بمرشحيهم كفرصة أخيرة لفض النزاع، وفي حال تعذره ليس أمامه إلا الذهاب نحو خيارين اثنين فقط؛ إما الاتجاه نحو إدارة الوزارة الشاغرة بالوكالة، أو اختياره المرشحين بنفسه بحسب معيار المهنية والكفاءة، بعيدا الأمزجة السياسية والانتماءات الحزبية، إلا أن هذا الخيار يتطلب حنكة سياسية بالغة ودراية عالية لتمريره في وسط سياسي عالي التوتر بمركباته غير المتجانسة، وذلك من خلال سياسية الاحتواء، والاتكاء على الكتل المعتدلة والمتزنة في البرلمان بعد إنصافهم وتبديد شعورهم بالتهميش والإقصاء، وإعادة ترتيب خريطة التحالفات السياسية من جديد، ما سيفضي بطبيعة الحال إلى إحداث توازن نوعي في قبة البرلمان يوازي بحجمه الكتل الأخرى المتناحرة.
2 الحرب بالواسطة قائمة من طرف واحد
وليد شقير
الحياة السعودية

التحذيرات التي سبق لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لإيران بالرد على أي هجمات تشنها على القوات الأميركية في الشرق الأوسط أو في منطقة الخليج العربي، سواء كانت مباشرة أم بالواسطة، يبدو أن طهران فهمتها على أنها لا تشمل حلفاء أميركا.

فبموازاة مواصلة المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني الإعلان عن أن لا تفاوض مع واشنطن، على الأقل في هذه المرحلة، وآخر هذه الإعلانات ما قاله خامنئي لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمس في طهران، تجري الحرب بالواسطة حتى لو كانت لا تستهدف مباشرة المصالح أو المراكز الأميركية المنتشرة في الخليج وفي سائر دول المنطقة.

واشنطن تحركت لإطلاق إنذار قوي لطهران حين لمست أن الميليشيات الحليفة لإيران نصبت صواريخ في العراق ووجهتها نحو قواعد أميركية في بلاد الرافدين، فانتقل بومبيو إلى بغداد في زيارة خاطفة في 8 أيار (مايو) الماضي للتحذير من استهداف تلك القواعد. وما فهمه الجانب الإيراني من التحذير الأميركي الشديد اللهجة حيال إمكان استهداف تلك القواعد بالواسطة، هو أن استخدام ميليشيات حليفة لقصف الأميركيين أو للمس بأمن الوجود الأميركي العسكري أو حتى المدني هو الأمر المحظور والذي قد يستدرج ردا قويا وربما يكون مباشرا ضد إيران نفسها. طهران استوعبت الرسالة جيدا كعادتها وكما في كل مرة تتلقى رسائل من هذا النوع، يكون الجواب لناقلها “أننا ندرك أن لا تكافؤ بيننا وبين أميركا في المواجهة ولن ندخل في مغامرة من هذا النوع”. لكنها ترى أن اعتماد “الحرب بالواسطة” عبر استخدام ميليشيات حليفة لإيران من أجل المس بأمن قوى أو دول حليفة لواشنطن شيء مختلف.

لم تكذب الأحداث هذا الاستنتاج. بعد أربعة أيام من تحذير بومبيو استُهدفت ناقلات النفط الأربع قبالة شاطئ الفجيرة في الإمارات، وقصفت طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات، أنابيب نقل النفط في محيط الرياض في السعودية، في منعطف خطر يمس عمليات نقل وسائل الطاقة، في وقت كانت العين على إمكان قيام طهران بعرقلة عمليات النقل في باب المندب أو غيره من الممرات المائية. وفي الحالتين اتهمت الرياض إيران بالوقوف وراء الهجومين بنتيجة التحقيقات التي أجريت. أما واشنطن فاكتفت بالتلميح، وبترجيح ضلوع ميليشيات تابعة لإيران في العملية من دون توجيه الاتهام إليها صراحة. أما اتهام طهران إسرائيل فهدفه تشتيت الأنظار عن اتهامها هي.

بعد أقل من شهر شهدت المنطقة ثلاثة أحداث أمنية:

1- صاروخ “كروز” الذي أصاب مطار أبها أول من أمس وتسبب بسقوط 26 جريحا مدنيا في قاعة المسافرين. والمتهم بذلك هي ميليشيا الحوثي، التي تتقصد التصويب على هدف مدني واضح هذه المرة لا هدف عسكري.

2- استهداف ناقلتي نفط في خليج عمان أمس، إحداهما محملة بالميثانول الفائق الاشتعال، من دولة الإمارات.

3- الإعلان الإسرائيلي عن خرق طائرة مسيرة، الأجواء من خلال الحدود مع لبنان وعودتها من حيث أتت. وهو أمر غير اعتيادي في الجبهة اللبنانية الإسرائيلية الهادئة منذ زمن طويل.

لا يمنع قيام سفينة إنقاذ إيرانية بإجلاء 44 بحارا من على متن إحدى ناقلات النفط، وإبداء طهران “القلق” من استهداف الناقلتين، القول أنه في الحالتين الأولين، الاعتداء على مطار أبها، واستهداف الناقلتين، بأن “الحرب بالواسطة” دائرة وقائمة بعد تكرار التعرض لعمليات نقل النفط، ردا على سعي واشنطن لـ “تصفير” تصدير النفط الإيراني، بالعقوبات التي فرضتها على مشتريه. تكرار الاعتداء على نقل النفط يجعل الأمر أكثر من رسالة حكما. فالقيادة الإيرانية لم تخفِ نيتها خفض الصادرات النفطية الخليجية والعربية التي ازدادت تعويضا عن الحصة الإيرانية بعد تراجعها إلى حد غير مسبوق. أما الحادثة الثالثة فهي رسالة بإمكان توسيع دائرة “الحرب بالواسطة”، على خطورة الأمر حيال لبنان وسورية معا. إلا أنها رسالة تبقى تحت سقف الحفاظ على “الستاتيكو” في لبنان، حتى إشعار آخر، كما هو حاصل في سورية، حيث تترك طهران ولو موقتا الساحة لتعقيدات العلاقة الروسية التركية في شأن إدلب ومنطقة الشمال السوري، وتشابكها مع المصالح الأميركية، طالما أنها تحصل من أنقرة على أن تشكل أحد مسارب تفادي العقوبات. وفي سورية مثل العراق تتجنب طهران المس بالوجود الأميركي، وتسعى لاستغلال ميادين أخرى.

“الحرب بالواسطة” قائمة، لكنها قد تتم على شكل موجات، قد تتقرر خطواتها وفق رد فعل واشنطن على استغلال طهران لتساهلها حيال استهداف حلفائها في الخليج، أو وفق الانسداد الذي يصيب المفاوضات الدائرة عبر أكثر من قناة تحت الطاولة. فإبلاغ خامنئي رئيس الوزراء الياباني أن رسائل دونالد ترامب لا تستحق الرد، لا يعني أنه لا يبادله إياها من طريق أحدى الدول الكثيرة التي تتولى الوساطة، ولاسيما سويسرا.

في الانتظار هل سترد واشنطن “بالواسطة” على الضربات بالواسطة، في اليمن مثلا أو في سورية (عبر غارات إسرائيل)، أم ستشيح النظر عن تعرض دول الخليج للاعتداء بالنيابة عنها؟
3 التعايش الطائفي في العراق
خالد القشطيني الشرق الاوسط السعودية

رغم كل ما تميز به العراق من تعددية، فإن العراقيين عبر تاريخهم الطويل لم يتركوا لهذه الفروق فرصة لتسمم علاقاتهم أو تضع حواجز بينهم. سكن الأكراد بين العرب، والعرب سكنوا بين الكرد والتركمان. السني يتزوج شيعية والشيعي يتزوج بسنيّة. لا ينزعج الحنفي من زوجته إذا رآها تربي أولادها كجعفرية، والجعفري لا يثور إذا رأى زوجته السنية تربي ابنها على المذهب الحنفي. بالطبع هذا للموضوع، فهناك بعض الحزازات الطائفية والتمييز غير أنها تبقى محدودة ولا ترتقي إلى معارك دامية وقتولات كما تجري في كثير من البلدان.
من الجدير بالنظر أن العراقيين قاموا بهذا الحدث الكبير، وهو أنهم غيّروا الحكم بعد مئات السنين عام 2003، وفعلوا ذلك بانتخابات شرعية وسلمية. توقع الكثيرون أن البلاد ستغرق في لجة من الدماء بين الطوائف. بيد أن ذلك لم يحدث قط. انتقل الحكم وسقط صدام حسين بما أطلقوا عليه هذه الكلمة البسيطة فسموا النقلة التغيير. لا ثورة ولا انقلاب ولا حرب أهلية. إنها مجرد «تغيير» وأطلقوا على 2003 عام التغيير. وصاغوا كلمة أخرى: «المحاصصة». يعنون بها أن تقسم المناصب والوظائف بحيث تكون لكل طائفة وقومية حصتها حسب نسبتها الإحصائية من السكان. هكذا أصبح رئيس الجمهورية كردياً، ورئيس الوزراء شيعياً، ورئيس مجلس النواب سنياً. إن ما جرى في العراق منذ عام التغيير جدير بدراسة الكثير من بلدان الشرق الأوسط. ومما يذكر أن فكرة المحاصصة لم تأتِ بها أميركا. كانت معروفة في العهد الملكي. فرغم هيمنة السنة على الحكم كان هناك عدد من الشيعة في مناصب وزارية كثيرة وتولى رئاسة الوزراء ثلاثة من أبناء الشيعة.
ما ينساه الكثيرون أن بغداد كانت عاصمة الإمبراطورية الإسلامية لقرون عدة، بحيث ضمت شتى الطوائف والقوميات. وكعاصمة لهم جميعاً كان عليها أن تظهر من التسامح والتعايش ما تقتضيه هذه الإمبراطورية الواسعة وتجعل كل واحد من أبنائها يشعر بانتمائه إليها. ورغم كل ما قد يظهرونه من عنعنات ومشاحنات فإن فكرة الانتماء لهوية واحدة تغلغلت في نفوسهم. ومن المعتاد أن تلمس روح الزعل والحرج عندما تسأل عراقياً عن طائفته.
ما زلت أتذكر أنني خرجت من العراق بعد انقلاب قاسم. حطت بي الطائرة في بيروت وتهالك عليّ ضباط المطار يسألونني عنه «شو مذهبه هذا؟»، تحيرت في الإجابة ثم قلت لهم «ممكن تقولون اشتراكي ديمقراطي». ابتسموا قليلاً ثم قالوا لي: «مش هيك! بدنا نعرف شو مذهبه يعني سني أم شيعي؟» جاء دوري لأبتسم، ففي تلك الأيام كنا في العراق نعتبر مذهب الإنسان إيمانه السياسي شيوعياً، قومياً، ديمقراطياً… إلخ. وأنا إلى اليوم لا أعرف ماذا كان قاسم، سنياً أم شيعياً؟
وهو ما يذكرني بالشيخ محروث الهذال، كان رئيس عشيرة عنزة السنية، لكنه في المجلس كان يمثل كربلاء، المركز الشيعي. تحير في ذلك الوزير صادق البصام فانتهز فرصة وسأل الشيخ: أنت حقيقة سني أم شيعي؟ فأجابه قائلاً: با خسا الاثنين ويعيش الله!
4 التطرف والتطرف المضاد وعودة «داعش» رضوان السيد الشرق الاوسط السعودية

غصّت وسائل الإعلام والتواصل بأخبار وتقديرات عودة «داعش». وجرى ذكر شواهد على ذلك من الحدث الهائل بسيريلانكا، وإلى أحداث سيناء، والعراق، وأخيراً طرابلس بلبنان، والأحداث الفظيعة بشمال سوريا وشرقها.
وهذه التفسيرات ممكنة. إنما في حالة كحالة «داعش» الآن، هناك تفسيرات أُخرى لا يصح استبعادها. فـ«داعش» الآن، والذي يحفل محيطه ومواطنه السابقة بالميليشيات الشيعية والقاعدية وأجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، يمكن استخدام عناصره المتفلتة بشتى الاتجاهات. يمكن لذئاب «داعش» المنفردة والموجَّهة أن تضرب في الأوساط السنية التي وقفت ضد «داعش» كما حصل في العراق ولبنان. وما اهتمت الحكومة العراقية بكبح جماح ميليشيات «الحشد الشعبي» بديالى وصلاح الدين، والتي ازدادت سطوتها بعد هجماتٍ قيل إنّ الدواعش وراءها. وفي طرابلس بشمال لبنان وبعد مقتل عسكريين أمنيين على يد رجل قيل إنه داعشي، ذهب وزير الدفاع اللبناني إلى طرابلس واتّهم المدينة عملياً باعتبارها بيئة حاضنة للمتطرفين. ولأن المحكمة العسكرية هي التي أخرجت الداعشي من السجن بعد انتهاء محكوميته، فقد أراد الوزير مُراجعة الخلفيات، وكيف صار القاتل طليق السراح، مع أن قاضاً هو مفوض الحكومة في المحكمة القضية زارها قبل أسبوعين للتأثير عليها باتجاه تبرئة مقدمٍ في الأمن الداخلي زوَّرت ملفاً للفنان زياد عيتاني بتهمة العمالة لإسرائيل!
ما أقصده أنّ عودة «داعش» في بعض المواطن على الأقل قد تكون مصطنعة لأغراض. فقد خفّ الضغط نسبياً على المسلمين السُّنة في عام 2018، وبدأ مئات الألوف منهم في العراق يعودون إلى حيواتهم الطبيعية، وركدت الاتهامات ضد السُّنة اللبنانيين. ثم جاءت الضغوط الهائلة على إيران، وجنّدت الميليشيات الشيعية بالعراق ولبنان وسوريا واليمن نفسها للضرب في المجتمعات المحلية والدول الخليجية دفاعاً عن إيران. ولذلك ففي الوقت الذي يمد فيه ««حزب الله»» يده للولايات المتحدة بقبول ترسيم الحدود مع إسرائيل، وتطلق إيران سراح لبناني- أميركي بوساطة نصر الله، تعود الضغوط الأمنية على السُّنة للارتفاع، ولعدة أهداف: القول إنّ «حزب الله» الذي حمى لبنان من الإرهاب لا تزال هناك حاجة إليه، كما أنه يتفاوض مع إسرائيل لمصلحة لبنان كما قاتلها سابقاً لنفس الشيء. والقول إنّ المسيحيين لا يزالون بحاجة إلى الحماية من الإرهاب بدليل حدث طرابلس، وكما استعان رئيس الجمهورية ببوتين لحماية الأقليات، فهو محتاج إلى تحالف الأقليات وذراعه الضاربة بالمنطقة بيد إيران. والقول بعدم السماح للأكثرية المتطرفة بالعودة للقوة لأنها تأكل حقوق الأقليات، وتستأثر بالسلطة. ولذلك ترتفع الشعارات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، وضد السُّنة العراقيين، وضد الأكثرية اليمنية التي تقف وراء الشرعية. والقول أخيراً إنّ هناك استقواءً سنياً بالأميركيين في مسألة محاصرة إيران، ومصلحة الحاكمين الحاليين في العراق وسوريا ولبنان الاتجاه نحو روسيا التي تحارب الإرهاب، وهي دولة أرثوذكسية. والقول أخيراً إنه لا سبيل لتأمين مستقبل الأقليات الحاكمة إلاّ بالخروج من الشراكات الوطنية القائمة، والاعتماد على الشعبويات بالداخل، وعلى التحالف الروسي- الإيراني.
ستبقى حجة الإرهاب، وهي حجة ليست داحضة تماماً مُصْلتة على أعناقنا نحن العرب، ليس لدى الأقليات بالمنطقة وعلى رأسها إيران فقط، بل وفي العالم. فقبل أيام خطب رئيس وزراء الهند ببرلمان المالديف ودعا لمؤتمرٍ دولي ضد الإرهاب، وهو اليميني المتطرف ضد مسلمي الهند، والذي اكتسح في الانتخابات قبل أسبوعين. وهذه الحجة يمكن تجديدها كل مدة بعملياتٍ موحى بها من المتلاعبين بـ«داعش». كما يمكن كل الوقت بها وبحجة الاستنصار بالأميركان من أجل استمرار المواجهة مع دول الخليج. ولذلك جانبان مفيدان للإيرانيين وللشعبويين العقائديين وغير العقائديين؛ الأول استمرار الضغوط على العرب في العراق وسوريا ولبنان واليمن للاستنزاف ولتظل الأقليات مسيطرة على مصائر تلك البلدان. والثاني أنّ استمرار ذلك الاستهداف، مع وجود ملايين المهجرين والمقتولين والمعتقلين، سيخلق ولا شكّ أجواء يستمر فيها التطرف من بعض شبان السُّنة الحاقدين والداشرين والذين يسهل تجنيدهم لأعمالٍ عنيفة في بيئاتهم وفي العالم.
كيف العمل وسط هذه الأجواء المتوترة والموتورة؟
إنّ أول الواجبات يقع على عاتق المجتمعات المحلية. وإذا كنا لا نستطيع أن نطلب شيئاً من ملايين السوريين المستنزَفين، فنستطيع أن نطلب انضباطاً شديداً من جانب العراقيين السُّنة والعرب ومن اللبنانيين السُّنة والعرب، ومن اليمنيين السُّنة والعرب، المبتلين بـ«القاعدة» وبالحوثيين في الوقت نفسه. لا بد من انضباطٍ هائل، وتماسُكٍ هائل. وقد حضرنا بمكة المكرمة في العشر الأواخر من رمضان مؤتمراً للوسطية والاعتدال ما بقيت فيه كلمة عن الاعتدال والانضباط والحرمات إلاّ قيلت. وقد قال رئيس علماء البوسنة في المؤتمر المذكور: أعرف أن البيت الحرام مُستهدف ومن أُناسٍ يَعتبرون أنفسهم مسلمين، وأعرف أنّ مرجعياتهم تلعن وتكفّر؛ لكننا بحكم الدين وبحكم المصلحة لا بد أن ننضبط بضوابط الدين، وضوابط خطبة الوداع، وضوابط المصالح الاستراتيجية للأمة الوسط. فيكون على علماء الدين أولاً، ثم رجالات السياسة أن يهدّئوا النفسيات الفائرة، وأن يحاولوا حمايتها من الغضب. ونحن نعرف أن نصف ممثلي العرب السُّنة بالعراق اليوم تابعون للميليشيات. لكنّ وضع المسلمين بلبنان أفضل، ولذلك على سياسيي طرابلس ألا يسمحوا بعودة الفتنة إليها. فقبل أكثر من عقدين، سلّط «حزب الله» والنظام السوري الأقلية العلوية المسلحة في أعالي طرابلس لإطلاق النار على الأحياء الشعبية بالمدينة. وظلت الحالة هذه سنوات وسنوات. وما عادوا يحتاجون إلى ذلك اليوم، لأنّ عندهم الآن خلايا بالمدينة نفسها من السُّنة والأجهزة الأمنية الرسمية. ولذلك فإنّ مسؤولية وجهاء المدينة أكبر وأدقّ، ولن يعذرهم أحد. وقبل عقود قام صحافي مسلم بإنشاء منظمة اسمها «كل مواطن خفير». فينبغي أن نحمي أنفسنا بأنفسنا. ولا بد أن نجمع قوانا لإنهاء ملف «الإسلاميين» في السجون، وهي سجونٌ مثل السجون العراقية، صارت أماكن لتفريخ المتطرفين.
والأمر الآخر في المرحلة الجديدة لدول الخليج لمواجهة التخريب الإيراني عندهم وفي دول العراق وسوريا ولبنان واليمن. لقد بدأوا عمليات الاستيعاب بقوة في العراق. لكنها ما أفلحت بعد. لكنّ الاستمرار يظل ضرورياً لفتح إمكانيات مستقبلية، وليس في العراق فقط؛ بل وفي لبنان وسوريا. نحن نملك تقديراً كبيراً لما يفعلونه من سنوات باليمن، وهم لا يقومون بذلك لحماية أنفسهم فقط؛ بل ولحمايتنا. ونحن في لبنان محتاجون لنشاطهم على الجبهة السياسية، وليس على جبهة المساعدات فقط. لا بد أن تقوم معارضة سياسية وطنية لبنانية لمواجهة تحالف الأقليات، من أجل بقاء لبنان ونظامه الذي تصدع تحت هول العقائديات والشعبويات. أما في سوريا فنحن العرب سنة وغير سنة محتاجون إلى كل شيء. فيا للعرب.
5
الحرب الأميركية المحتملة على اليمن… مشروع انفجار إقليمي!
د. وفيق إبراهيم البناء اللبنانية

انهيارٌ سعودي إماراتي يتقاطع مع قلق غربي عام من احتمال حدوث اضطراب في الوظيفتين الأساسيتين للخليج عند الغرب، وهما: النفط والقدرة الهائلة على استهلاك البضائع الغربية من الإبرة الى المدفع وحتى لباس الرأس العربي، وكل ما يحتاج اليه الإنسان المُجمَّد في القرون الوسطى.

الاسباب هي تلك الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تنهال وبتقطع مدروس على أهداف نفطية ومطارات في السعودية والإمارات، والاختراقات البطولية التي اجتاح فيها مقاتلون يمنيون مناطق حدوديّة سعوديّة في جيزان ونجران.

هناك اذاً تحوّل من مرحلة التعامل مع العدوان السعودي الإماراتي الغربي الإسرائيلي الى مستوى امتصاص الصدمة والبدء بمهاجمة المعتدين على أراضيهم في السعودية والإمارات بطريقة تدريجيّة.

بذلك وضع أنصار الله وحلفاؤهم منطقة الخليج والنظام الغربي العام أمام واقع جديد، محصلته أن استمرار العدوان على اليمن يعني عرقلة إمداد الغرب بنحو عشرين مليون برميل نفطي خليجي تحملها ناقلات تتهادى قبالة سواحل اليمن من بحري عدن والأحمر والمحيط الهندي، بما يضعها تحت رحمة رشقات حجارة يرميها صياد يمني عابر.

وهناك أيضاً الصادرات الغربية المفتوحة على أنواعها الى بلدان الخليج، هذه بدورها مهددةٌ بالتقلص من أعمال العنف المتبادلة في شبه جزيرة العرب.

لقد بدا الاهتمام العربي الكبير في سيل تصريحات لمسؤولين أوروبيين وأميركيين دقوا فيها نفير الاستنفار كاشفين ان سلامة الاقتصاد الغربي هي الآن على المحك وصولاً الى حافة الانهيار، وتبعتها على الفور انفجارات في بحر عمان، وذلك للتأكيد على ضراوة المرحلة.

يتبين أن هناك تقهقراً سعودياً إماراتياً كبيراً أصبح تهديداً لمصالح الغرب في الخليج. وهنا يكفي ان يُطلق اليمنيون بضعة صواريخ كروز شهرياً بالتزامن مع طائرات مسّيرة حتى يولي الاقتصاد الغربي في الخليج الأدبار فاراً الى بلدانه.

لأن المسألة هنا ليست موازنات قوى بين بلد متواضع كاليمن يعتزُ ببسالة أبنائه وكبريائهم وبين قوى عظمى مدججة بالسلاح حتى الأنياب.

بل إنها مسألة الانتماء والتموضع، بدليل ان اقصى درجات الحرب قام بها السعوديون والإماراتيون بدعم غربي عربي اسرائيلي ولم يتمكنوا من إلحاق هزيمة بإمكانات يمنية متواضعة أبرز اهمياتها هي صلابة الرجال قبل السلاح.

لذلك وصلت الحال بآل سعود وزايد الى الإعراب عن قلقهم على دور الغرب في النفط والاستهلاك في الخليج، مركّزين على رعبهم من انحسار تصدير النفط وفرار المستثمر الغربي من أراضيهم.

من جانب آخر يركّز الإسرائيليون على ما يزعمون انه ارهاب يمني يتهدّد العالم بأسره، ويساندهم وزير الخارجية الفرنسي لودريان الذي اتهم انصار الله بقصف السعودية والانقلاب على «النائم وهو واقف» عبد ربه منصور هادي، متناسياً نحو 20 الف قتيل يمني من المدنيين سقطوا بنيران طائرات العدوان السعودي الإماراتي وعشرات آلاف الشهداء من المقاتلين، متغافلاً عن تدمير بنى تحتية كاملة ومواقع حضارية لم يسمع بمثلها آل سعود ما يكشف عن محاولات خليجية إسرائيلية أوروبية لحض الأميركيين على قصف اليمن جوياً وبحرياً والدعم المباشر للقوات السعودية الإماراتية لاجتياح الحديدة. وهناك معلومات تتحدث عن احتمال تحضير المخابرات السعودية الإماراتية والاسرائيلية لهجمات تستهدف المدنيين في الخليج، خصوصاً من اصحاب الجنسيات الأميركية والاوروبية بهدف تغطية هجمات اميركية محتملة.

ما يجري إذاً هو محاولة لكسر قوة أنصار الله لاستمرار الوظيفتين النفطية والاقتصادية للخليج، بما يضمن سحب دور انصار الله الاقليمي وحصارهم في صنعاء وحتى أعالي صعدة.

فهذا يُؤدي على الفور الى «كنتنة» اليمن والسطو على إمكاناته الاقتصادية والاستراتيجية وسحب عنفوانه التاريخي والمعاصر.

فهل هذا السيناريو قابل للتنفيذ؟

التوسل السعودي الإماراتي لن يجدي نفعاً، لأن المنطقة لم تعُد كما كانت عليه في العقود الماضية ولم تعد كما كانت في مطلع هذا القرن عندما اجتاح الأميركيون العراق واحتلوه منذ 2003 وحتى الآن، لأن الرئيس العراقي السابق صدام حسين اجتاح الكويت محاولاً ضمها الى العراق.

وهذه كانت عاقبة مَن يتجرأ على الوظيفة النفطية الغربية للخليج.

بيد أن المتغيرات المتسارعة في المنطقة العربية والشرق الأوسط أدّت الى تراجع الأحادية الأميركية فيها مقابل صعود إيراني روسي مع دور كبير للدولتين في سورية والعراق وحزب الله.

أدت هذه الانبعاثات الى ترابط معنوي ومادي كبير بين المنتفضين على الهيمنة الأميركية من اليمن الى إيران فسورية والعراق ولبنان، فأصبح كل طرف من هذه الحلقة يشعر بأهمية المحافظة على مكونات هذا الحلف الاستراتيجي، لان استفراد الحلقة يؤدي الى إصابة الحلف بكامله.

وكما أن الاميركيين تأكدوا من ان الحرب على ايران هي حرب في كامل الإقليم وعلى الأميركيين، فإنهم يدركون اليوم ايضاً ان استهداف انصار الله في أعالي اليمن او الحديدة او في أي مكان هو استهداف لحزب الله وسورية والعراق واليمن وإيران في آن معاً، فهؤلاء يترقبون أي حركة معادية ليهبوا هبة رجل واحد من شأنها زعزعة الإقليم بأسره.

لذلك يجد الأميركيون أنفسهم محاصرين بمنطق المضطر للبحث عن وسائل سياسيّة صرفة، للمحافظة على وظائف الخليج الاقتصادية والنفطية، وذلك بعد استنفادهم لكل المحاولات العسكرية بواسطة الإمارات والسعودية، ولن يغامروا بالقصف الجوي لانهم متأكدون من زعزعة الأرض تحت أقدامهم وأقدام السعوديين والإماراتيين. هذا ما يشجع على اعادة تأهيل اتفاق ستوكهولم السويدي وإرغام الفريق السعودي الإماراتي على تنفيذه بانتظار فرصٍ افضل لتغيير المعطيات الحالية.

اما ما يقوله لهم أنصار الله فهو ان هذه المعطيات الايجابية تتجه الى مزيد من القوة انطلاقاً من اتفاق السويد وحتى مرحلة تحرير كامل اليمن وحتى حدوده مع عمان والسعودية، محتفظاً بحقه في استعمال وظائفه الإقليمية عند كل خطر خليجي او اميركي إسرائيلي.
6 إنتخاب رئيس لإقليم كردستان العراق: الدلالات والنتائج المحتملة د. سعد ناجي جواد راي اليوم بريطانيا

قبل أيام احتفل أقليم كردستان العراق بإنتخاب رئيسا جديدا له، السيد نيجرفان البرزاني، خلفا للرئيس المستقيل السيد مسعود البرزاني، الذي ترك منصبه بعد أن عجز عن الحصول على تمديد جديد أكثر من المدة القانونية المنصوص عليها في دستور الأقليم، و التمديدات الأستثنائية التي منحت له من قبل البرلمان الكردي، والاهم بعد فشل مغامرة الاستفتاء.
و بغض النظر عن حقيقة دستورية ما حصل، حيث لا يوجد في الدستور العراقي ما يشير الى منصب رئيس للأقليم، و أن هذا المنصب قد إبتدع بتفاهم ما بين المرحوم جلال الطالباني و السيد مسعود، على أن يكون الأول رئيسا لجمهورية العراق و الثاني رئيسا للأقليم، وحقيقة أن هناك خلافا بين الأحزاب السياسية الكردية حو ل طريقة تقاسم السلطة في الأقليم، حيث ترى الأحزاب المعارضة لهيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني ضرورة أن يخرج هذا المنصب من يد العائلة البرزانية، إلا أن الأمر قد قُبِلَ من غالبية هذه الأحزاب التي شاركت بالنتيجة في إحتفالية التنصيب. الأمر الآخر الملفت للنظر أن الحكومة الفدرالية، ممثلة برئيس الجمهورية و رئيس مجلس النواب شاركت بهذه الأحتقالية ، مع غياب أثار علامات إستفهام كثيرة، لرئيس الوزراء. كل هذه الأمور، وما تبعها من إختيار السيد مسرور البرزاني نجل الرئيس السابق والمسؤول الأول عن الأجهزة الأمنية في الأقليم، ربما تحتاج الى تحليل و إستقراء مبكر لنتائجها لما لها من تاثير على الأقليم أولا وعلى العراق عموما. و ربما أيضا لن يرض البعض عن هذا التحليل ولكنه يبقى وجهة نظر يجب أن تقال و أتمنى أن يتقبلها هذا البعض بصدر رحب. والحديث هنا سيركز أولا على سلطة الأقليم و العلاقات الداخلية فيه، ثم على موقف السلطة المركزية.
إبتداءا، وفيما يخص الأمر الأول، يمكن القول ان السيد نيجرفان، حفيد المرحوم الملا مصطفى وأبن المرحوم إدريس و صهر السيد مسعود، يختلف في مواقفه عن بقية أفراد العائلة، فهو مثلا لم يكن من المندفعين كثيرا في تأييد عملية الأستفتاء. وإن لم يعلن ذلك جهارا فذلك لسببين الأول إحترامه لعمه والثاني خشية أن يُتهم من الجمهور الكردي المؤيد للفكرة بأنه يقف بوجه هدف قومي كبير و منشود. ثانيا هناك من يقول أن السيد نيجرفان يعتقد أنه هو الوريث الشرعي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان جده رئيسا له وأن الجد أوصى بأن يكون إدريس، والد نيجرفان رئيسا للحزب من بعده، ومن بعد وفاة والده، وبما أن المسالة أصبحت وراثية، يكون هو الأحق برئاسة الحزب. من ناحية أخرى فأن الخلاف داخل البيت البرزاني الآن لا يكمن في هذه المسالة فقط، وإنما في الأختلاف الكبير بين وجهتي نظر رئيس الأقليم الجديد ورئيس الوزراء المكلف الجديد أيضا السيد مسرور البرزاني. فألأول يعتقد، وزاد أعتقاده أكثر بعد فشل تجربة ألأستفتاء، بأن فكرة إستقلال إقليم كردستان العراق، على الرغم من مشروعيتها، غير ممكنة في المستقبل المنظور على الأقل. وانه في هذه الفترة على الأقليم أن يوثق علاقته بالسلطة الأتحادية، و أن لا يَظهَر بمظهر من يريد أن يبتعد عنها. بينما رئيس وزراء الأقليم الجديد يعتقد أن الوضع الأقليمي و الدولي لم يرفض الفكرة تماما، وأن هناك من يؤيدها بشدة، مثل إسرائيل، أضف الى ذلك أنه صرح في أكثر من مرة بأنه لا يوجد شيء إسمه (العراق أو دولة عراقية)، وأن (هذه الفكرة [دولة العراق] موجودة فقط في أذهان بعض السياسين و الدوائر الحاكمة)، ولم يصدر منه أي تصريح جديد يمثل إيمانه بوحدة الأراضي العراقية أو كون الأقليم جزءا من دولة العراق.
وهذا التضارب لا بد وأن ينتج عنه خلافا في المستقبل، (خاصة و أن السيد مسرور لا يمتلك المرونة و الدهاء السياسيين الذي يتمتع بهما والده لتجاوز مثل هذه الخلافات)، داخل الاقليم أو أية خلافات قد تنشأ مع السلطة المركزية. علما بان أول بوادر هذه الخلافات مع السلطة المركزية قد ظهرت عندما صرح رئيس الوزراء العراقي، ولاول مرة وبصيغة الإتهام، بأن الأقليم لم يسلم الخزينة المركزية، او السلطة الاتحادية، النسبة المترتبة عليه من تصدير النفط من مناطق الأقليم. وهذا الموقف، والذي ربما بسببه رفض الرجل المشاركة في الأحتفالية، هو موقف جديد، بعد المواقف السابقة التي اعتبرت مؤيدة، بل و ساهمت في تقوية موقف السيد مسعود داخل الاقليم و أخرجته من حالة شبه الأعتكاف التي كان يمر بها بعد فشل الأستفتاء و ما تبعه. بحيث عاد، وبعض مؤيديه، للحديث عن الفرصة المواتية للأستقلال وأستعادة المناطق المتنازع عليها والمطالبة بدفع مبالغ أكثر للأقليم من الخزينة المركزية، على الرغم من ان السيد عبد المهدي قد أطلق صرف كل المبالغ المعلقة وتلك التي اعتبرت متاخرة و كذلك الرواتب، وحتى بدون التحقق من صحة الكشوفات المقدمة بهذا الشأن والتي يوجد عليها ملاحظات كثيرة و جدية.
من ناحية أخرى فأن إصرار السيد مسعود على حصر قيادة الأقليم بيد العائلة البرزانية أمر يشكل تهديدا جديا للعلاقات مع الأحزاب الكردية التي إعتادت على اسلوب (التمثيل المتوازن) للاطراف السياسية، و هو الأسلوب الذي أعتُمِدَ منذ أبتعدت المحافظات الكردية عن السلطة المركزية في تسعينيات القرن الماضي. والكل يتذكر فكرة (50%-50% او الففتي ففتي) التي جرى السير عليها آنذاك. كما أن الفكرة إستمرت حتى بعد الأحتلال عندما أصبح السيد مسعود رئيسا للأقليم و تم تعيين السيد برهم صالح رئيسا للوزراء و ممثل عن كوران (التغيير) رئيسا للأقليم، مع إرضاء الأحزاب الأصغر بمناصب وزارية. بينما الآن جرى الأستحواذ على المناصب الرئيسية ومن نفس العائلة، وهو أمر، إن قبلت به الأحزاب الأخرى مكرهة إلا أن هذا السكوت قد لايستمر لفترة طويلة. وأن إرضاء الأتحاد بدعم مرشحهم لمنصب محافظ كركوك، لا يمثل حلا مرضيا لمؤيدي الحزب. طبعا هناك من سيرد و يقول أن الحال فرضه واقع ونتائج إنتخابية. ربما تكون الأعتراضات الكبيرة التي قيلت عن التلاعب بنتائج الأنتخابات خير رد على ذلك. علما بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني في علاقته مع السلطة المركزية يصر على الحصول المناصب وفق ما يعتقده هو حق مكتسب بغض النظر عن الأستحقاق الأنتخابي. كما أن السيد البرزاني أصر بعد آخر إنتخابات أن يكون مرشحه (السيد فؤاد حسين) رئيسا للجمهورية، وغضب غضبا شديدا عندما تم إختيار السيد برهم صالح، ورفض أن يتعامل مع الأخير كرئيس جديد، والمرة الوحيدة التي زار فيها السيد مسعود بغداد كانت عندما كان السيد برهم خارج العراق. وهذا لا يمثل قبولا بالنتائج الأنتخابية
وهذا الموضوع ينقلنا الى الأمر الثاني وهو العلاقة مع السلطة المركزية، و الدور الذي يمكن أن تلعبه الأخيرة في التقريب ، لا أقول إعادة اللُحمة الوطنية لأن هذا أمر يحتاج الى سنين والى جهد إستثنائي وأشخاص مؤمنين حقا بهذا النهج ومخلصين له، بين الأطراف التي تباعدت كثيرا. وأول طرف يمكن أن يلعب ذلك هو رئيس الجمهورية. لقد إعتدت من موقعي البسيط وفي كل مرة يتم فيها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من الأخوة الأكراد، أن اتمنى عليه أن ينزع الثوب القومي والفئوي و الضيق وأن يتصرف كرئيس لجمهورية العراق و كعراقي. وللأسف فأن نداءاتي المتواضعة كانت تذهب سدى. ومع ذلك ساحاول تكرير ذلك على الرئيس الحالي، ولو بصورة متاخرة. وسبب تأخري هو الملاحظات الكثيرة التي سجلت وقيلت عن السيد برهم قبل و بعد عودته للعراق، وكيف أنه كان متطرفا في كرهه للعراق، ومع ذلك رضي أن يكون له دورا قياديا فيه. وهذا بالمناسبة يشمل قياديين أكراد كثر. لا بل أن بعضهم ترجم هذا الكره الى فساد كبير، بدعوى أن ما يستحوذ عليه بصورة غير مشروعة هو من أموال دولة (عدوة) لا يهمه أمرها هي العراق. أقول على الرغم من ذلك إلا أن السيد برهم أظهر خلال تسنمه منصبه الجديد قدرة على التحرك الفاعل وإتخاذ موقف مختلف يتمنى العراقيون أن يسخره لخدمة العراق. (وموقفه في مؤتمر القمة العربي يمكن أن يكون دليلا على ذلك. فعلى الرغم من الملاحظات على النتائج التي توصل لها المؤتمر ومدى إستجابتها للوضع العربي الحالي، إلا أنه رفض الطلب الذي اُرسل له كي ينسحب، ولا أحد يدري من أرسل له هذا الأمر، واستمر بالحضور والقى كلمته التي مثلت وجهة نظره حول ما يجري). كما أكد لي شخص أثق به و برأيه و يلتقي بالسيد برهم بإستمرار، أن الأخير غيّر من أفكاره و قناعاته كثيرا وأنه أصبح مؤمنا بالعراق الموحد، وأعترف بخطأ النهج الذي سارت عليه القيادات الكردية في السابق وكيف أنهم كانوا مخدوعين بما يجري حولهم. وأعتقد أن كلمته في إحتفالية التنصيب يمكن أن تدلل على ذلك.
كما أنه، (و على الرغم من سفراته الخارجية الكثيرة و التي لا يمكن أن ينتج عنها الكثير بسبب صلاحياته الدستورية المحدودة جدا)، إستطاع أن يكون له تأييدا بين العراقيين، و خاصة، كما أخبرني صديق آخر، بين أبناء المحافظات الجنوبية التي عاش فيها مع عائلته المبعدة هناك أيام طفولته وصباه و تعلم في مدارسها، وأتقن اللغة العربية بطريقة تفوق بأميال مستوى اللغة البائسة التي يتكلم بها بعض سياسي العراق العرب الآن، و كون وعائلته علاقات أجتماعية قوية مع الوسط الذي عاشوا فيه، (ألسماوة) والذي أحتضنهم و أعتز بهم. وأن هذه العوائل العربية وغيرها من مناطق أخرى، يتواصلون معه و يجدون فيه من يتفهم معاناتهم أكثر من السياسين الآخرين من مكونهم. فهل سيستطيع السيد برهم فعل ذلك و ألاستمرار به، بكلمة أخرى هل سيستطيع التركيز على معاناة العراقيين ويهتم بأمر الوحدة الوطنية، أم أن مواقفه الحالية هي من متطلبات المنصب الجديد، وأنها ستنتهي عند إنقضاء فترته الدستورية.
الأهم من كل ذلك هل سيستطيع أن يقنع قيادة الأقليم بما توصل اليه هو من قناعات جديدة. أن السيد برهم في مسعاه الجديد، وليسمح لي بتكرار عبارة إن كان جادا، يحتاج الى من يدعمه. و اول من يجب أن يفعل ذلك هو حزب الأتحاد الوطني الكردستاني الذي يمثله السيد برهم نوعا ما، والذي رغم إنشقاقه عنه و تشكيله لحزب جديد صغير حقق مكاسب بسيطة جدا في الأنتخابات الأخيرة، إلا أن ترشيحه لمنصب الرئيس جاء من الأتحاد، وهذا الحزب اليوم يعاني من تشرذم وضعف كبيرين وبحاجة الى قيادة فاعلة، خاصة بعد أن إبتعد عنه كوسرت رسول و التحق بالبرزاني الذي عينه نائبا له عندما تنحى عن رئاسة الأقليم (وبصورة غير دستورية أيضا). إن إعادة السيد برهم يمكن أن تعطي ثقلا أكبر للحزب الذي عجز عن الوقوف بوجه إختيارات الحزب الديمقراطي الكردستاني الأخيرة، و بالمقابل دعما أكبر لموقع وتحركات السيد برهم كرئيس للجمهورية، خاصة إذا كانت إيجابية. فهل ستتجاوز قيادة الأتحاد الأمور الشخصية التي حددت العلاقة مع السيد برهم في السنين الآخيرة أم أنها ستستمر في تفس النهج؟
أخيرا أن رئيس مجلس الوزراء و رئيس مجلس النواب العراقيين مطالبان بأن يطورا العلاقة مع الأقليم وفق مواد الدستور، و على الرغم من كل الأعتراضات الكبيرة عليه. وأن لا يستمر أسلوب التعامل بأفضلية مع جهة على حساب جهات أخرى، وأن يدرك الجميع بأنه فقط في عراق موحد قوي خالي من الفساد و الأرهاب يمكن أن يزدهر الجميع، وعكس ذلك لا أمل للعراق و لا للعراقيين بكل مكوناتهم من الأطمئنان على مستقبل أبنائهم.