1 يا للعمارة من حياة
محمد عارف الاتحاد الاماراتية
«ذُرمُوس» كلمة يونانية تعني الطريق أو الدرب، وهي عنوان الكتاب الجديد للمهندس المعماري العراقي «معاذ الألوسي». وتُلخّص سطورٌ وضعها في الغلاف الخلفي للكتاب دروبَ المهنة التي أبدع خلالها أعمالاً معمارية في بلدان عدة، حيث عمله في البناء يستدعي الالتزام بمقاييس دقيقة، سواء في النهوض وحمل الأثقال، أو في المقاييس الجمالية المعتمدة، وبعضها ناتج بالضرورة عن علاقات المكان ومطالب الزبائن المتغيرة والفردية. «لكن دعوني أعترف أنني لا ألتزم كثيراً بالقياسات، بل تقودني الاضطرابات الناتجة عن الذاكرة وسورات غضبي وألوان عاطفتي. وأنا أخلط المعلومات بالحكايات، بالتعليقات والاحتكاكات الجانبية، وبالثرثرة، وبالدسائس البغدادية، معبراً عن نفسي، عن حياتي ورغباتي».
ويزخر الكتاب بأسماء عشرات من مهندسي العراق، ورساميه، ومصمميه، ومبرمجيه، وأسطواته المعماريين، ومقاولي الإنشاءات، أحبّهم «الألوسي» من دون مقياس، وبينهم «رفعة الجادرجي»، وعلاقته معه حافلة بالمفارقات، لكنه يعترف بأنه يدين له بتوجيهاته القيمة، «فهو من دفعني إلى المعترك العملي المهني جداً في تفاصيله وتعابيره. ورسم مساري المهني، وعلى نحوٍ ما هيّأ لي الحظوظ التي واتتني واستمتعت بها في سيرتي المهنية».
وموهبة «الألوسي» في تصاميمه المعمارية، وفي أعماله الفنية التي تدر دخلاً يعينه الآن وهو مغترب دون تقاعد في «ليماسول» بقبرص، حيث يستعيد أجمل القصص في كتابه، مثل قصة الشاب الكردي «جلال» الذي كان يعمل في «المكتب الاستشاري» في بغداد، وعاد بعد تسريحه من الجيش يسأله عن عمل، وانتظره أياماً عدة في مرآب المكتب. و«تكررت القصة مع التعنت الكردي المعروف» الذي جعل «الألوسي» يتألم لحاله، ويسأل «الجادرجي» مساعدته، فوجدوا الحل بتعيينه وتدريبه على ماكنة طباعة «أوفسيت»، وخلال بضعة شهور أصبح «جلال» أفضل طباع «أوفسيت»، وتدرج حتى أصبح رئيس طباعين في «مديرية المساحة العامة» الحكومية المسؤولة عن الإنشاءات في العراق.
ويا للعمارة من حياة شاقة لذيذة، وخطرة عاشها «الألوسي» الذي تنقل كالبدوي الرحال عبر البلدان، يؤسس ويعيد تأسيس مكاتب في بغداد، وبيروت، والكويت، وزيوريخ، وأرمينيا، وأثينا، وقبرص، والكونغو برازفيل، أرض «الغوريلا»، حيث يتنازع كعكة المقاولات الرئيس وزوجته وصديقته ووزير أشغاله وزعماء القبائل، فيما ينظم وسطاء لبنانيون الصفقات.
والتقاليد لا تموت، بل نتوارثها كأننا نكرر حياة أجدادنا. «أبو الثناء محمود شهاب الدين الألوسي»، مفتي بغداد مطلع القرن التاسع عشر، عاش حياة أشدّ خطورة وعنتاً وحتى إثارة من حياة «معاذ» الذي فرّ بعائلته مما يسميها «دائرة الخوف العراقية»، فيما عزلت جده الأكبر النزاعات على السلطة، وغادر بغدادَ بحثاً عن العدالة لدى «الباب العالي» في إسطنبول، وكتاباه المشهوران «نشوة الشمول في السفر إلى أسلامبول» و«نشوة المدام في العودة إلى دار السلام» يُضاهيان بحيويتها ورشاقة لغتهما إبداعات المعاصرين.
وكتاب حفيده «الألوسي»، كحياته، زاخر باستطرادات بديعة، مثل كلمة «توابع» التي يطلقها على أحياء في بغداد تُسمى مدناً، مثل المنصور، وبغداد الجديدة، والمأمون، والحرية، والقاهرة، والعامرية، والسيدية.. وتمتد هذه المدن التابعة أفقياً، ولا علاقة لها بنهر دجلة الذي كان يحدّ العمران غرباً عند «نهر الخر»، وشرقاً عند «سدة ناظم باشا».
ويستطرد «الألوسي» في الكشف عن «معارك المعماريين، وسببها الجشع المهني، والآن ها هم المعماريون باتوا شذر مذر بسبب الحروب، وها هي العمارة تصاب بالتفاهة بعد خراب الوطن».
و«ذُرمُوس» هو الثالث من مذكرات «الألوسي»، وتحمل كلها عناوين يونانية، مستوحاة من إقامته منذ حوالي ثلاثة عقود في «ليماسول» في قبرص. عنوان الأول «نوستوس»، ومنه «النوستالجيا»، أو الحنين إلى الوطن، وكتابه الثاني «توبوس»، ويعني باليونانية «المكان المُسجل بالطابو». ويقارِنُ «الألوسي» نفسه في ختام كتابه الحالي بـ«باخرة تتوغل في المحيط ببطء، وببطءِ أيضاً، بخلسة تختفي!». لا تختف يا «ألوسي» قبل أن تؤلف كتاب الوداع «أفتيو» (Avtio) حافلاً بالرسوم والحكايات!
2 العِمامَة.. التي هددَ بها «البَطاط»
رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
هدد صاحب العِمامة السَّوداء، واثق البَطاط، والمعُرف أنه قائد «جيش المختار»، ضابط الشّرطة، بالصَّوت والصَّورة، بما يُعد وثيقة تهديد بالقتل، والتي ربَّما لم يقرأ المعمم البطاط الحديث النَّبوي: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» (الفخري، الآداب السُلطانية)، وهو حديث مشهور في أحاديث الشيعة والسُّنة، ذُكر كثيراً في حادثة اغتيال علي بن أبي طالب(40هـ). أقول ذلك كي لا يتعذر البطاط بأنه غير معني بالحديث، وهو حسب تهديده يعتمر عمامة النّبوة والإمامة معاً.
يُقدم البَطاط نفسه قائداً لـ«جيش المختار»(نسبة للمختار الثقفي)، ومعلوم ما لاسم الميليشيا من علاقة بالثَّأر، ومِن هذا الموقع يمكن أن يؤخذ التهديد على محمل الجد، أو لأنه صاحب عِمامة فيؤخذ تهديده فتوى قتل وتمثيل معاً، توضع بأيدي الغوغاء مِن منزوعي العقول والأفئدة، يعتقدون أن ما يصدر مِن أصحاب العَمائم، السُّود على وجه الخصوص، ملزمين بتنفيذه، شأنهم شأن الانتحاريين يقتلون أنفسهم وغيرهم استجابة لفتوى، فكيف بالمجتمعين حول أعواد منابر زملاء واثق البطاط، كلّ هذه السنين.
جاء في تهديد البطاط(15 أبريل 2019) للضابط ولكلّ مِن يتجرأ على التعرض بالتفتيش لصاحب عِمامة، لأنها عِمامة النُّبوة والإمامة: «والله العظيم، ونبيه الكريم، نخلع عيونك، ونسوي رأسك نفاضة(جكاير) سجائر، ونسحلك أنت والمجموعة التي معك، وعوائلكم، نعتبر تعرضكم لعِمامة رسول الله تعرض للنبوة والإمامة، وتعرض للقيادة…»! والقيادة عند البطاط هي لـ«الولي الفقيه»! فقد سبق وسُئل البطاط: إذا نشبت حرب بين العراق وإيران مع مَن ستكون؟ أجاب بلا تردد «مع إيران»! وتبريره لأنها «دولة الإسلام»! ليس موقف البطاط منفرداً، إنما موقف جماعي للإسلام السِّياسي كافة.
كانت ولاية الفقيه، عند مرشد الثورة الخميني (ت1989)، والرَّجل ليس له فضل بوجودها، إنما أول ما قيلت في الزَّمن الصَّفوي مِن قِبل شريك الشَّاه الصفوي في الحكم، الشيخ علي عبد العال الكركي العاملي(ت940هـ) عندما نَظر لنيابة الإمام الفقيه، وكان هو النَّائب(كتاب الأكوش «التيه الفقهي»)، وجاءت عن وراثة الفقيه لعلم النَّبوة والإمامة، بشكل أكثر وضوحاً، عند أحمد النَّراقي(ت 1245هـ) في العهد القاجاري(النراقي، عوائد الأيام). لكن يعود للخميني فضل تطبيقها في العصر الحديث، والأكثر الفضل لمُقترح تطبيقها حسين منتظري(ت2009)، بشخص الخميني. هذا ما يخص وراثة السياسة، لكن ما شأن وراثة العِمامة، ومحاولة قود النّاس بها، على أنها عِمامة رسول الله؟!
أخطر ما جاء في تهديد البَطاط عبارة: «نسوي رأسك منفضة جكاير(سجائر)، لا ندري هل استعارها مِن الشَّاعر العراقي عبد الوهاب البياتي(ت1999) عندما كتب في ظل الخلافات الحزبية(1959)، تمشياً مع ما تطرب له الغوغاء:«سنجعل من جماجمهم منافض للسجائر»، أم أنها جاءت توارد خواطر؟!
تحكي الرّوايات أن عمامة النُّبوة السَّوداء، كان اسمها السَّحاب(اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي)، أُهديت إلى علي بن أبي طالب، فلما وضعها على رأسه، أُخذ يُقال: جاء عليّ بالسَّحاب، وتحولت إلى فرقة دينية جعلتها كُتب الملل والنّحل بعنوان«السَّحابية»، أي القائلة بركوب علي السَّحاب، «الرَّعد صوته، والبرق سوطه» (العسكري، ابن سبأ وأساطير أُخرى). هكذا يتصور البطاط قدسية العِمامة التي على رأسه، لها صوت الرَّعد وسوط كالبرق!
ربَّما هذا وغيره، دفع رضا شاه(ت1944) أن يجعل قانوناً لاعتمار العِمامة، لا يعتمرها الخطباء إلا في المساجد، أو مَن كان لديه إجازة اجتهاد مِن النَّجف أو طهران(الخطيب محمد حسن الكشميري، جولة في دهاليز الظَّلمة)، وهذا القانون، على ما يبدو، كان لصالح العِمامة، بينما اعتبره أصحاب العِمائم قانوناً جائراً. أقول: لو كانت العمائم تتصرف تصرف قائد «ميليشيا المختار» كيف يكون القانون المذكور جائراً؟ّ!
هذا ما يشهد به آية الله محمد رضا الجلالي، النجفي الأصل والمولد والثقافة، الذي ترك العراق وعاد إليه ثم تركه، فلما سأله الخطيب الكشميري: لماذا لا يقيم فيه بعد النّظام السابق؟! فقال:«اكتشفتُ أن العِراق تخلص مِن قبضة صَدام، ليسقط في قبضة أكثر مِن صَدام واحد، يرتدون عمائم سُوداً وبيضاً، فرأيت أن أبقى غريباً» (الكشميري، نفسه). لأن اعتمار العِمامة يبدأ حال دخول الحوزة الدِّينية، وتبقى على رأس معتمرها طول حياته، على اعتبار أنها عِمامة النُّبوة والإمامة، ومَن اعتمرها بعد(2003) كان عبر دورة شهرين أو ثلاثة في حوزات أوروبا أو السيدة زينت، مِن غير القادمين بها مِن قُم، وأقاموا حوزات خاصة بهم بالمدن والأرياف العراقية.
إن الحديث عن العِمامة، بحد ذاته، طويل، لما فيها مِن تقاليد وألوان وأنواع كـ«الصامتة» وأم «الذؤابة» و«المحنكة» و«الطَّابقية» وغيرها، مُيزت حسب المذاهب والأديان والوظائف أيضاً، وأفضل مَن فصلها جمال الدِّين المعروف بابن المُبرد(ت909هـ) في «دفع الملامة في استخراج أحكام العِمامة»، ولمنزلتها قديماً، جاء في الّرواية:«لأن العرب تقول: فلان معمم، يريدون أن كلَّ جناية يجنيها الجاني من تلك القبيلة والعشيرة فهي معصوبة برأسه»، (الميداني، مجمع الأمثال). فهل العِمامة التي يُهدد بها البَطاط ويستحوذ بها على بسطاء النَّاس، قدر هذه المسؤولية، كي يقول: إن عِمامته عِمامة النُّبوة والإمامة؟! وهو يريد جعل رؤوس العراقيين «منافض سجائر»؟! قالها ولم يسأله مدعي عام، ولا سلطة قضائية! فتصورا حراجة الحال.
3 النأي بالنفس بين لبنان والعراق
بول شاؤول الاتحاد الاماراتية
كأن التاريخ يتكرر هذه المرة بين لبنان والعراق بطريقة وظروفٍ مماثلة، والمسألة المشتركة الجامعة بالنأي بالنفس بين الأميركي الإيراني الراهن.
رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، ميشيل سليمان، وبعد اندلاع الحرب بين الثورة السورية والنظام الأسدي، دعا إلى اجتماعٍ في القصر الجمهوري ضمَّ مُختلف المكونات اللبنانية (ومنها حزب الله) ليصدرَ بعدها بيانٌ إجماعي تحت عنوان، «إعلان بعبدا»، يدعو الجميع إلى التزام عدم التدخل في الصراعات الخارجية وخصوصاً العربية وبالأخص السورية.
وافق حزب إيران معلناً أنه يؤيد هذه الخطوة، لكن بعدما استدعى خامنئي حسن نصرالله إلى طهران وطلب منه التدخل العسكري الميليشياوي لإنقاذ الأسد الذي كان على شفير السقوط. لبى الوكيل الفتوى الملالية، وساق الآلاف من الشباب اللبناني إلى سوريا بزعم شعار مذهبي «حماية مقام السيدة زينب»، لحس الحزب توقيعه عن الإعلان من دون أي تبرير كعادته، وهكذا ألغيت مفاعيل الاجتماع.
وبعد احتدام الصراع الأميركي الإيراني في العراق خاف المسؤولون في ذلك البلد أن يدفعوا ثمن ضريبة هذه الحرب وتتحول ساحته إلى تبادل رسائل بين المتصارعين. على هذا الأساس عُقد اجتماع بدعوى من رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، في مقر الرئاسة ضمّ مختلف المكونات السياسية حيث برزت تناقضات واختلافات بين السياديين (ممثلي مقتدى الصدر وسواه) وبين المرتهنين بإيران (الحشد الشعبي ووزير الحكومة السابق نوري المالكي) إضافةً إلى رئيسي البرلمان والوزراء.
ويبدو وبرغم كل شيء أن الكفة مالت إلى الاستقلاليين برغم إطلاق صاروخي كاتيوشا على المنطقة الخضراء بالتزامن من عقد الاجتماع بالقرب من السفارة الأميركية في العراق: تهديد مباشر لكل من تسوّل له نفسه تحييد البلد العربي، أو الخروج على الوصاية الإيرانية. لكن الصاروخين لم يؤثرا على معظم المجتمعين وغلب موقف النأي بالنفس لزجّ العراق في معارك إيران. بل أكثر: أعلن رئيس الوزراء أن العراق يحاول القيام بوساطة بين المتصارعين، أي ليس كطرفٍ بل كحامل رسائل، أي نوع من الإفلات من القبضة الفارسية. وهذا ما توصل إليه المجتمعون في قصر بعبدا في لبنان بالإجماع، لكنه لم ينفع.
السؤال هل سيلتزم عملاء إيران من السياسيين والميليشيات الاتفاق؟
بل أكثر فللإيرانيون نوابهم في البرلمان ووزراءهم في الحكومة. فهل سيعزز ذلك النأي بالنفس أم يضع حداً له؟ والميليشيات الملالية في العراق لا يبدو أنها تمتثل لقرارات الحكومة ولا لإرادة السياديين ويمكن أن تنفلت من عقالها وتورط البلد في ذلك الصراع.
فسلاح «الحشد الشعبي» مرتبط بالحرس الثوري و«فيلق القدس»، ومن المستحيل ألا يأتمر بهؤلاء وكما قيل: «الشيطان يكمن في التفاصيل»، والتفاصيل هنا، قوة إيران العسكرية والسياسية في العراق، ومن الصعب قبول موقف رئيس الوزراء.
لكن مقتدى الصدر- التفافاً على كل احتمال لخرق النأي بالنفس- نظّم مظاهرة مليونية تُطالب باتخاذ موقف حيادي من الأزمة الراهنة بين أميركا وإيران. إنه موقف شعبي وسياسي تحذيري. وكأن مصير «إعلان بعبدا» وخرقه من حزب إيران ماثلٌ أمام الزعيم الشيعي السيادي.
فإذا كان «الحزب الإلهي» في لبنان لم يجد في طائفته ولا في حلفائه ولا في خصومه من يردعه عن الذهاب إلى سوريا، فإن العراق متقدم عليه بشعبه ومؤسساته الرسمية وأحزابه. فالتطوع الذي جُوّز في اجتماع بُرهم تؤكده الجموع الشعبية لتظهر أن هذه الإرادة مضافة إلى القرار السياسي ومحصنة له.
فالعراقيون متعبون من حروب الآخرين على بلدهم ولن يسمحوا لأن تتكرر لعبة تهشيم الدولة والاقتصاد وانقسام الجيش والحرب الأهلية.
كل هذا صحيح وذلك يذكر بأكثرية اللبنانيين الذين عارضوا انخراط الحزب في حربه ضد الشعب السوري، لكن هل سيؤكد الشعب العراقي أكثر فأكثر حياده ونأيه بالنفس أم أن العملاء، وإن قلةً سينجحون في جعل الساحة العراقية مسرحاً دموياً لا يخدم سوى إيران.
4 كركوك ودوامة الصراعات الداخلية والإقليمية شيرزاد اليزيدي الحياة السعودية
على رغم أن ما عصف بكركوك قبل نحو عامين، في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، من أحداث مؤسفة وما تلاها وترتب عليها، كان بالدرجة الأولى بفعل تداعيات قرار الاستفتاء غير الحكيم والاعتباطي، بل والمزاجي – الشخصي من قبل السيد مسعود بارزاني رئيس “الحزب الديموقراطي الكردستاني”، إلا أن ذلك لا يعني أي تبرير أو تسويغ للخطوات الأُحادية، ومحاولات إعادة إنتاج سياسات التعريب والاضطهاد القومي في حق أكراد كركوك، وهو ما بدا واضحاً إثر إعادة بسط بغداد سيطرتها الإدارية والعسكرية على المدينة الواقعة في صلب المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بإزالة آثار الإجراءات “البعثية” والتعريبية لمناطق كردية واسعة ومفاعليها. علماً أن عدم تطبيق تلك المادة، التي تقع في صميم الدستور العراقي، لا يعني البتة انتفائها وسقوطها بالتقادم.
وبعيداً من نظرية المؤامرة، إلا أن تسلسل الأحداث يكشف أن أبرز ما كان يهدف إليه القيمون على الاستفتاء ومن يقف خلفهم، هو خلخلة الاستقرار وواقع القوى والأحجام السياسية والديموغرافية في المناطق الكردية المُستقطعة والمُعربة، وفي مقدمها كركوك. وبالتالي تعريض تلك المناطق لخضات وقلاقل تقود إلى إعادة إفراز التعريب الممنهج وممارساته، والإيغال في فرض أمر واقع البتر والاقتطاع و/أو التسبب بحرب أهلية عربية – كردية، لاسيما وأن اليد الطولى جماهيرياً في كركوك هي لـ “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي تُعتبر المحافظة تاريخياً، وبلغة الأرقام الانتخابية، معقلاً له. وهذا ما يفسر إيغال الحزب المُنافس أي “الديموقراطي الكردستاني” في سياسة حافة الهاوية، ومحاولة الزج بها في متاهات الحرب والتدمير وإشعال الفتن، خاصة وأننا نتحدث عن مدينة تُعد بمثابة عراق مُصغر، وتعيش حساسيات تاريخية قومية ومذهبية متماسة مع ملفات واعتبارات إقليمية عابرة لحدود العراق.
وعلى رغم المقاومة التي أبدتها قوات “البيشمركة” التابعة لـ “الاتحاد الوطني الكردستاني” إبان هجوم القوات الحكومية على المدينة بُعيد إجراء الاستفتاء، إلا أن القرار الحكيم بوقف القتال والانسحاب، عبّر عن عقلانية وحس بالمسؤولية، ما سحب البساط من تحت المراهنين على نشوب حرب مدمرة لم تكن نيرانها لتقف عند تخوم كركوك. وبعيداً من الخطاب القوموي الغوغائي والمتهور الذي كان ينفخ فيه “الديموقراطي الكردستاني”، متهماً “الاتحاد الوطني” بالخيانة وتسليم كركوك، كان في الوقت ذاته يُسلم بغداد المناطق الخاضعة لنفوذه تباعاً بدءاً من مخمور وصولاً إلى زمار وشنكال…
بعد التداعيات الكارثية لما سبق ذكره على كردستان وخاصة على كركوك وطوزخورماتو وغيرها، ومع سياسته المُتوازنة الهادفة إلى إعادة تطبيع الوضع في المدينة، عمل “الاتحاد الوطني” على امتصاص التشنجات والتوترات، ومعالجة المشاكل بالمنطق والاحتكام إلى الدستور وإلى قوة الحق، لاسيما الحق الانتخابي، إذ أتت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة في محافظة كركوك في نيسان (أبريل) الماضي، بمثابة استفتاء شعبي كركوكي، أثبت مرة أخرى تصدر “الاتحاد”، حاصداً حصة الأسد، على رغم حملات التخوين والاستهداف التي تعرض لها من “الديموقراطي الكردستاني” وجوقته الإعلامية، ومن القوى الشوفينية والعنصرية المعادية للأكراد ليس في العراق فقط، بل حتى على الصعيد الإقليمي. ولعل المواقف التركية المحتجة على انتصار الأكراد الانتخابي العارم في محافظة كركوك خير مثال على ذلك.
هكذا، وطيلة عام ونيف، يواصل “الديموقراطي الكردستاني” سياساته التوتيرية المُريبة في كركوك، بدءاً من مقاطعته الانتخابات فيها بحجة أنها “مُحتلة”، وكأن المناطق الكردية في نينوى (الموصل) لا تخضع للاحتلال ذاته، وصولا ً إلى عرقلة انتخاب محافظ كردي للمدينة، يضاف إلى ذلك الخطاب التخويني العدائي حيال “الاتحاد” واعتماد توصيف “خيانة 16 أكتوبر” في وسائل إعلام “الديموقراطي”، التي تحاول عبر ذلك التغطية على مغامرة الاستفتاء الفاشلة وتحميل وزر عواقبها الوخيمة للغير.
5 هل سقطت العاصمة العربية الخامسة في يد إيران؟
أمل عبد العزيز الهزاني الشرق الاوسط السعودية
تعمدت إيران إحراج النظام القطري أمام دول الخليج، وحمله على التحفظ على بيان القمتين الخليجية والعربية الطارئتين اللتين عقدتا في مكة المكرمة، بعد انتهائهما بثلاثة أيام.
كان موقف العراق المتحفظ على بيان القمة العربية الذي يدين التدخل الإيراني في شؤون المنطقة متوقعاً، بحكم الظروف التي أخضعت العراق للسيادة الإيرانية بعد سقوط نظام صدام حسين، لكن العراق استطاع، ومع الضغوط عليه، أن يقف في المنتصف، برفضه الاعتداء على دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات العربية. حتى لبنان، الذي اختار سياسة النأي بالنفس عن الميل إلى أي محور، يحاول قدر المستطاع الحفاظ على المساحة الضيقة التي تسمح بها هذه السياسة. ونظام المحاصصة الذي يعتمده لبنان والعراق يتيح لهما تعددية المواقف والأصوات. وكما قال رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، بعد انتهاء قمم مكة، فإن العراق وجد تفهماً من أشقائه العرب حول اعتراضه على بيان القمة العربية الذي يدين إيران.
الدول الخليجية والعربية تتفهم الموقف اللبناني والعراقي، وإن كانت لا تقبله، وتحاول أن يكون لها حضور حتى لا تسلب إيران كامل هذه الدول، وتحيلها إلى محافظات ملحقة بها.
لكن قطر، المرشحة إلى الانضمام إلى قائمة العواصم العربية التي تهيمن عليها إيران، لا يوجد ما يبرر سلوكها. رئيس الوزراء القطري عبد الله آل ثاني حضر القمتين الخليجية والعربية، ولم يعلق بشأن بيانيهما الختاميين، وحضر القمة الإسلامية، وانسحب أمام ممثلي خمسين دولة إسلامية اتفقت على موقف موحد من القضايا الرئيسية.
بعد عودته إلى بلاده، صرح وزير خارجيته بأن قطر تتحفظ على بيان القمتين الخليجية والعربية في إدانتهما لإيران. بهذا الفعل، إيران وجهت رسالة لدول مجلس التعاون الخليجي بأنه مخترق، وأنها تستطيع أن تجبر دولة عضواً في المجلس على اتخاذ أي موقف سياسي، حتى لو كان مثيراً للسخرية، كما فعلت. الرسالة وصلت وتأكدت أن قطر تتكلم حين يراد لها ذلك، وتصمت حين تؤمر بذلك.
فهل أصبحت إيران تهيمن على خمس عواصم عربية؟
في الواقع، إن العواصم العربية الأربع المعروفة، بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، مرت بتجارب مريرة واحتراب قاسٍ بين محاور النزاع، وبذلت إيران مليارات الدولارات وآلافاً من أرواح ميليشياتها حتى استطاعت اختراق هذه الدول وبسط هيمنتها عليها، ولا يزال الوجود الإيراني في هذه العواصم يعتمد على استمرار الانشقاق بين ساستها وتفكيك صفوفهم. هذه الظروف نعايشها في المنطقة منذ الحرب الأهلية اللبنانية نهاية السبعينات الماضية حتى انقلاب الحوثيين من خلال ميليشيا «أنصار الشريعة» في اليمن على الحكومة الشرعية قبل خمسة أعوام. هذه الظروف لا تتوفر في الحالة القطرية؛ قطر دولة مستقرة، غنية، داخل منظومة خليجية تعتبر الأمثل في العالم، من حيث الترابط بين دول المنظومة مهما تباينت المواقف الأحادية. دخول إيران إلى قطر لم يكن عسيراً، بل بدعوة وترحيب من نظامها، وبكامل إرادته. لا نعرف لماذا اختارت الدوحة أن تكون تابعاً لنظام ثيوقراطي متخلف خاضع لعقوبات دولية لسوء سلوكه.
على كل حال، أكثر ما يعنينا في هذه القضية هو المستقبل القريب الذي تترقبه المنطقة، وحالة الغليان التي تنذر بالمزيد من التوتر نتيجة مواجهة متوقعة بين واشنطن وطهران. الخلاف مع قطر لم يؤثر على العمل الخليجي المشترك، ولن يكون له تأثير في القضايا الكبرى المتعلقة بالعلاقات الإقليمية لدول الخليج العربي، خصوصاً السعودية والإمارات.
وعكس ما يحاول الإعلام القطري الترويج له، فإن قطر في موقف لا تحسد عليه، ليس بسبب المقاطعة، بل لأن النظام الحاكم فيها ربط مصيره وبقاءه بمصير وبقاء نظام الحكم الإيراني. وهذه المعادلة عملياً ستجلب الكثير من الصعوبات على الدوحة، وستصبح مواقفها السياسية من طهران وواشنطن وأنقرة عبارة عن تسويات، تشتري بها سكوت أطراف النزاع عن مواقفها المتباينة. قطر ترفض إدانة إيران لأن «الحرس الثوري» يحمي أركان النظام القطري، وفي الوقت نفسه لو قررت واشنطن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فستنطلق ضرباتها من القاعدة العسكرية الأميركية في قطر. التحدي الكبير الذي يواجه النظام القطري هو الإجابة عن السؤال التالي: إلى متى يستطيع هذا النظام أن يصمد أمام استحقاقات علاقاته مع محاور الصراع؟ وكم من الأموال والصفقات والتسويات ستقدمها الدوحة للحفاظ على توازنها على حبل مشدود؟
الرياض، أبوظبي، القاهرة، هذه العواصم العربية تمثل جبهة المقاومة للتوغل الإيراني لاحتلال الدول العربية، والموقف الأميركي من دعمه هو موقف ضد الإرهاب السني والشيعي بكل صورهما. خلال تلاطم أمواج هذا الصراع، بأبعاده الاقتصادية والأمنية، ستجد قطر نفسها في مهب الريح، ومراهنتها هي وإيران على خسارة ترمب في الانتخابات مراهنة خطيرة لأن الوقت لا يمر في صالحهما.
6 صحوة العبادي مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
… وأخيراً، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق رئيس المكتب السياسي لحزب «الدعوة» الإسلامي الدكتور حيدر العبادي، تخليه عن جميع مناصبه الحزبية، مقدماً استقالته على قاعدة فك الارتباط بينه وبين قيادة «الدعوة» محتفظاً بالتزامه الحزبي، داعياً إلى إجراء مراجعة نقدية وتجديد في هيكلية «الدعوة». ومبرراً خطوته بالرغبة في فتح الطريق أمام القيادات الشابة من أجل ضخ دماء جديدة تتولى مسؤولية إعادة النهوض بـ«الدعوة» بعد مرحلة التعثر التي أصابته نتيجة خسارته للسلطة وفقدانه للامتيازات التي مكّنته سابقاً من التغلغل داخل أجهزة الدولة وإداراتها وتنفيذ عملية تمتين مكّنت الدعويين من السيطرة على مفاصل الدولة ما بعد 2003.
ففي رسالة الاستقالة خاطب العبادي الدعاة قائلاً: «ليست هناك تجارب سياسية مجتمعية معصومة، والمهم المراجعة والتصحيح، والأهم الإصرار على المواصلة بوعي وتخطيط والتزام وفق قواعد المسؤولية والجهوزية».
فعلى أعتاب المؤتمر العام لحزب «الدعوة» المتوقع انعقاده منتصف شهر يونيو (حزيران) الجاري، أربك حيدر العبادي المشهد: استقال ولم ينشق، نأى بنفسه عن سياسات الحزب فقطع الطريق على مخطط استبعاده الذي تخطط له مراكز القوى داخل «الدعوة» مدعومةً من طهران التي لم تعد ترى تطابقاً بين مواقفه السياسية والتزامات «الدعوة» الخارجية، خصوصا بعدما شن العبادي مؤخراً هجوماً لاذعاً على القيادات في «الحشد الشعبي» واتهمها بالاستيلاء على عقارات باهظة الثمن في بغداد ومدن عراقية أخرى وبأنهم أصبحوا أثرياء على حساب المال العام، وموقف العبادي المتصاعد من «الحشد» في لحظة الاحتدام الإيراني الأميركي في العراق دفع جهات في «الدعوة» مقربة من طهران إلى التشكيك في نيات العبادي واعتبارها جزءاً من مخطط لإضعاف الحكومة العراقية تقوده جهات خارجية حذّرت بغداد من خلال العبادي من الاصطفاف إلى جانب طهران والتضحية بالوضع العراقي الراهن.
عملياً أثبتت التجربة الحزبية العراقية في السلطة ما بعد 2003 أن «الدعوة» هو الحزب السياسي الشيعي الوحيد، وأن بقية الأطراف الشيعية لم تتعدَّ حالة التيارات المرتبطة بشخصيات سياسية تاريخية أو دينية، حيث نجح «الدعوة» في تقديم أكبر كادر حزبي تمكن من السيطرة على مفاصل الحكم في أثناء توليه السلطة منذ عام 2005 حتى 2018 من خلال ثلاثة شخصيات دعوية (إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي) ما دفع أطرافاً خارجية مؤثرة في العراق إلى تعزيز صلتها معه، خصوصاً واشنطن وطهران التي لم تجد بديلاً مقنعاً له في السلطة حتى الآن، قناعة جعلت القيادة الإيرانية، خصوصاً المعنية بالشأن العراقي، تعمل على إعادة ترميم الحزب وتهيئته للمرحلة المقبلة عبر تعزيز دور الأجنحة الأكثر قرباً منها بعدما فتحت استقالة العبادي من مناصبه وعزوفه عن تولي أي منصب جديد المجال لتوحيد صفوفه تحت قيادة جديدة متماسكة، قد يبرز فيها دور أكبر للشخصية التنظيمية الأقوى داخل «الدعوة» الدكتور طارق نجم، على حساب شخصيات أساسية مثل العبادي وحتى المالكي.
عودة طهران إلى الاستثمار في حزب «الدعوة» نتيجة لحسابات دقيقة فرضتها التوازنات السياسية الجديدة حيث واجهت صعوبة في إنتاج البديل المنظم الذي يمكن أن يؤمّن لحلفائها غطاءً سياسياً، وخصوصاً بعد أن تحول «الحشد الشعبي» إلى معضلة داخلية وخارجية لا يمكن أن يُسند إليه إدارة العراق وفقاً للشروط والحسابات الإيرانية كما أدارها «الدعوة»، لذلك تحوّل «الدعوة» إلى وكيلها السياسي شبه الحصري في العراق، وهي معنية في هذه المرحلة بإعادة هيكلة الحزب وتنقيته من الوجوه المتمردة التي شكّلت تهديداً ولو محدوداً لمصالحها، خصوصاً الوجوه التي طالبت بقيام سياسة عراقية خارجية مستقلة تعيد العراق إلى الخريطة السياسية الإقليمية والدولية والتي تزامنت مع صحوة الهوية الوطنية الشيعية وانفجار حساسياتها الاجتماعية والثقافية مع إيران التي باتت متهمة من قِبل البيئة الشيعية بممارسة سياسة الهيمنة على العراق.
عود على بدء، إلى صحوة العبادي المتأخرة التي أزعجت خصومه وأصدقاءه الذين انتظروها عشية الانتخابات التشريعية فأجّلها العبادي إلى عشية الانتخابات الحزبية، فحصر تأثيرها تنظيمياً بعدما كان الرهان أن يكون لاستقالته من الحزب تأثير وطني يمهّد الطريق أمامه إلى زعامة وطنية على مستوى العراق، وعن هذا غرّد الناشط العراقي والخبير في شؤون الإرهاب هشام الهاشمي قائلاً: «استقالة أو تنازل الدكتور حيدر العبادي عن مناصبه القيادية في حزب (الدعوة) جاءت في وقت (لا له ولا عليه)، تصفير مواقف ومسيرة سياسية جديدة، أتمنى له التوفيق». ولكن في هذا التوقيت هل إعادة الهيكلية تعوض الحزب حضوره الذي خسره بعد خروجه من السلطة، كما أن صحوة العبادي هل تعيد تأهيله لزعامة وطنية بعد أن خسر أبرز فرصه؟!
7 قمم مكة والتصعيد بوجه ايران… هل هى ارضية لورشة البحرين الاقتصادية “السلام من أجل الازدهار”؟
احمد عبد الباسط الرجوب راي اليوم بريطانيا
الادارات الامريكية المتعاقبة وتحديدا منذ تولي بوش الابن رئاسة البيت الابيض وضعت نصب اعينها على ابقاء الشرق الاوسط وتحديدا البلاد العربية على صفيح ساخن ولا تكاد ان تنتهي صفحة صراع الا وفتحت واشنطن صفحة جديدة وللاشارة الى ذلك ببساطة منذ حرب الخليج الثانية التي قامت على اثر احتلال العراق لدولة الكويت مرورا باحتلال الولايات المتحدة للعراق في العام 2003 ، وبروز نجم الدولة الاحادي القطبية في العالم بعد افول وزوال نجم الاتحاد السوفيتي واخر سلاطينة صاحب إعادة البناء أو البريسترويكا الغير مأسوف عليه ميخائيل غورباتشوف والإشارات المتصلة بملفات النزاع في كوريا الشمالية وفنزويلا ومعاهدات الصواريخ والحرب السيبرانية، بالتوازي مع حركة أميركية للضغط العسكري في الخليج والتهديد في سورية، والإسراع بخطوات تسويق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية ، وهو ما الت اليه الاحداث من عقد القمم الخليجية والعربية والاسلامية في مكة وغير بعيد عن ذلك ورشة العمل الاقتصادية والتي ستعقد في البحرين في نهاية شهر يونيو / حزيران 2019 حيث أن الهدف الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية من مثل هذا المؤتمر هو البدء بتطبيق صفقة القرن بجانبها الاقتصادي، بعد أن خطت خطوات واسعة في تطبيق الصفقة في جانبها السياسي، من خلال جملة من القرارات والتدابير والخطوات التي من شأنها تكريس الاحتلال وشطب حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف…
القمم التي استضافتها مكة خلال اليومين الماضيين والتي تم تكريسها للتصعيد بوجه إيران وبخلاف القمم العربية وعلى مدار 73 عاما حيث تصدرت ” القضية الفلسطينية ” جدول أعمال القادة العرب في 47 مؤتمر قمة – بخلاف القمة الطارئة التي نحن بصددها حيث زاحم القضية الفلسطينية الملف الإيراني … وللتذكير فقد حل الملف الإيراني على مائدة القمة العربية لأول مرة عام 1980 أثناء اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، ليتوالى ذكرها منذ ذلك الحين في غالبية القمم اللاحقة والى يومنا هذا …
الى قمم مكة الاخيرة … فقد واجهت تصعيداً فلسطينياً محرجاً بالإصرار على تثبيت مكانة القضية الفلسطينية كأولوية ومناقشة صفقة القرن وورشة البحرين الاقتصادية الذي قررت الأطراف الفلسطينية مقاطعتها على الصعد السياسية والمالية، حيث صدرت مواقف شديدة القوة والوضوح بإدانة صفقة القرن وورشة البحرين عن قيادة المقاومة الفلسطينية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي عشية إحياء يوم القدس الذي دعا لإحيائه الإمام الخميني، وصار تقليداً يشارك بإحيائه الملايين عبر العالم في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، ، وفي هذا السياق فقد تحدث قياديي حماس والجهاد الاسلامي على المكانة العالية التي تحتلها إيران في الوجدان الفلسطيني لأنها وحدها تقف بثبات وقوة مع مقاومة الشعب الفلسطيني ولا تطلب شيئاً بالمقابل…
وبالعودة الى القمم التي احتضنتها مكة ، وما تضمنه البيان الختامي من التنديد بايران وتدخلاتها بالمنطقة العربية وهو في تصوري اتى على خلفية استمزاج الولايات المتحدة بما سوف يصدر عن القمة من قرارات فقد سارعت القنوات الفضائية العربية والعالمية بنقل العواجل عن القمة وغياب مؤتمر صحفي كما هى العادة في مثل هذه القمم الهامة والطارئة … يبرز الاعتراض العراقي على هذا البيان والذي اشار الى عدم اطلاعة مسبقا على قرارات القمة العربية ويسجل تحفظها علية وفي موازاة ذلك الامر الغريب الذي تبين من خلال كلمات رؤساء الوفود حيث لم يتطرقوا الى ايران بالاسم بل اكتفوا بالتنديد بالتدخل الاجنبي بالبلاد العربية وهنا يقصدون تحديدا ايران وتركيا وهو ما يؤشرعلية بمؤتمر التنديد حيث لم يصدر بيان صريح وواضح بتشكيل فيلق عربي للردع وارسال رسائل في جيع الاتجاهات حول موقف عربي حازم وصلب تجاه ايران بل واختفت من المشهد المقولة الشهيرة ” مسافة السكة “…
وفي التوازي مع قمم مكة الاخيرة… هناك على الجانب الاخر حملة تاجر العقارات ترامب على ايران والتي جعلت من ايران ” بعبع المنطقة ” واخذت تصريحات ترامب التويترية بين مد وجزر من تشدد مستشار ترامب للامن القومي بولتون وامام براغماتية ترامب الذي هدد بنهاية ايران اذا ما اقدمت على الضرر بالمصالح الامريكية وهذا ياتي من منظور رؤية تحقيق مكاسب المصالح لرجل الاعمال ترامب والتصعيد في نبرة الحرب للحصول على قيمة ذهاب وعودة القطعات العسكرية الامريكية وطلب المليارات من دول الخليج العربية وتحديدا السعودية ” عقود صفقات شراء اسلحة ويتم تسليمها بعد سنتين!! ” هذا من جانب ويضاف الى ذلك في جانب اخر الضغط على ايران لتوقيع اتفاق جديد معها يحمل بصمة ترامب وتوظيف كل ذلك في حملته الانتخابية القادمة… وهنا وفي اعتقادي ومما شاهدناه من البرود العالمي والعربي تجاه حملة ترامب وما صاحب ذلك ايضا عدم الاكتراث نحو حوادث احراق نقلات البترول في ميناء الفجيرة وسقوط الصواريخ والطائرات المسيرة على حقول النفط في السعودية والتي اجهضت الحملة الامريكية ولم يبقى منها الا من غيوم الدخان الابيض المتصاعد من سماء مكة وقرارات العرب المستهلكة…
ولما تقدم فإن الادارة الامريكية الحالية تعمل وبشكل حثيث على تسويق ما يسمى الخطة الامريكية للسلام في الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية من هذا المنظور وفي شقين هما الشق الاقتصادي والشق السياسي ، فقد جاء الإعلان عن ورشة البحرين الاقتصادية حيث أصدرت البحرين والولايات المتحدة في 19 مايو/ أيار 2019 بياناً مشتركاً عن عقد “ورشة عمل” في المنامة يومي 25 و26 يونيو/ حزيران 2019 بعنوان ” السلام من أجل الازدهار” وتشمل استثمار 65 مليار دولار في اطار خطة السلام، أي بعد عامين من المداولات والمباحثات والاستشارات قادها صهر ترامب ” جاريد كوشنر “، وتمخضت عن “صفقة القرن” التي لا يعرف تفاصيلها ” بما فيهم الزعماء العرب ” سوى عدد محدود جداً من المسؤولين الأمريكيين والشرق أوسطيين حيث سيتم كشف النقاب عن الجزء الأول من خطة ترامب عندما تعقد ورشة البحرين لتشجيع الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من دول المنطقة، وفي هذا المنحي هناك الكثير والعديد من الملاحظات التي يمكن التكهن بها لم ستجري عليه الامور في قادم الايام وللتوضيح نشرح ونقول:
إن قمم مكة الاخيرة اتت كأرضية تمهيدية لانجاح ورشة عمل البحرين الاقتصادية وفي مسعى من إدارة ترامب للحصول على دعم الحكومات العربية وخاصة الخليجية للخطة لتتحمل العبء المالي عبر تقديم مليارات الدولارات كدعم مالي للفلسطينيين ، واغراء ” رشوة ” للدول التي ستشارك في الورشة بحصولها على دعم مالي يسد مشاكلها الاقتصادية ويسهم في دفع عملية تنفيذ المشاريع الاستثمارية في تلك الدول…
ورشة عمل البحرين هى ” رشوة ” بالمقلوب بمعنى ان الولايات المتحدة ستنفذ المشاريع من خلال شركاتها في الضفة وقطاع غزة والدول المنتفعة من عطايا ورشة البحرين… وتصل حصة الضفة الغربية وقطاع غزة الى نحو 25 مليار دولار على مدى عقد من الزمن بينما يتم استثمار الباقي في الدول المحيطة وعلى رأسها مصر والأردن وحتى لبنان إذا وافق على الخطة…
اعتقد تاجر العقارات ترامب ان الشعوب العربية مثل البضاعة ” تباع وتشترى” على قارعة الطريق او في ورش العمل كما هى ورشة البحرين ،ولم يعرف ان الشعوب العربية وتحديدا الشعب الفلسطيني لها مشاعر وضمائر يجب ان ترتاح من صراع امتد لسبعة عقود..
الزعماء العرب الذين اجتمعوا في مكة يدعمون صفقة القرن وهى التي لم يتسنى لهم الاطلاع عليها او حتى معرفة بعض تفاصيلها وخاصة الشق السياسي منها وهو الاخطر في هذه الصفقة ان وجدت اصلا … بل وضع لهم ترامب سلفا ” رشوة ورشة البحرين الاقتصادية ” كما بينا بأعلاه…
الادارة الامريكية في مشروعها القادم لحل القضية الفلسطينية ما هو الا تاجيج للصراع ، وهو ليس في صالحنا او صالح الاجيال القادمة…
حتى كتابة هذه السطور فقد اكدت السلطة الفلسطينية رفضها المشاركة في مؤتمر البحرين ودعت الدول العربية إلى مقاطعته وعدم تأييده ، كما انه لم يصدر عن الاردن اية نية للمشاركة في هذه الورشة او مستوى الوفد المشارك في حال كان القرار باتجاه المشاركة…
ان ورشة عمل البحرين قد وأدت قبل التئامها حيث عبرت الكثير من الدول المدعوة للمشاركة بها عن عدم مشاركتها في هذه الورشة وبخاصة الدول العظمي ، وهذا ما أعلن سفير الصين لدى السلطة الفلسطينية أن بلاده وروسيا الاتحادية لن تحضرا ورشة البحرين الدولية حول الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي…
اعتقد بأنه من النتائج المتوقعة عقب ورشة البحرين بروز معارضة مصرية تجاه ما قد يخرج عن هذه الورشة من قرارات وخاصة اذا ما تعلق الموضوع بالاراضي والسيادة التي تهدد المصالح المصرية، وحسب الخطة ستؤجر مصر مساحة من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين يجري التفاوض عليها بين مصر والجانب الفلسطيني لاحقاً من أجل إقامة مطار ومنطقة صناعية ومشاريع زراعية…. في مقابل ذلك انتفاع دولة الكيان الصهيوني من منحات وهبات ترامب للكيان من الاراضي العربية المحتلة وكأنه الوصي على فلسطين والجولان وغيرها من العواصم العربية…
ستتلقى “السلطة الفلسطينية” حسب الصفقة 25 مليار دولار على مدى خمس سنوات على شكل هبات وقروض طويلة الأمد بلا فائدة، وفي حال رفض الجانب الفلسطيني للخطة فإن الإدارة الأمريكية ستوقف كل أشكال الدعم المالي للفلسطينيين وستضغط على الجهات والأطراف والدول الأخرى لتتخذ نفس الإجراء…
الادارات الامريكية لم يكن لديها اية استراتيجيات واضحة لحل القضية الفلسطينية بل هى زوابع في فنجان ، وهنا لنتذكر مؤتمر مدريد للسلام والذي اتى على وقع تحرير الكويت والمشاركة العربية الواسعة بها والذي اعتبر في حينها الجائزة الامريكية لحل القضية الفلسطينية وما اعقب ذلك اتفاقيات اوسلو الشهيرة ” باريحا اولاً ” واصبح حال الامة مثل من ينتظر الامس فالامس لن يعود…
ختاما الدول العربية التي ستشارك في ورشة البحرين، لا تقول لأمريكا ” لا ” ،والفلسطينيون صاحب الحق والارض سيغيبون بل مغيبون لكنهم صامدين على ارضهم مشدودي الظهر بمقاومتهم الباسلة ” المقاومة الفلسطينية في غزة ” وكل احرار العالم وشرفاء الامة العربية من خلفهم ، وان الورشة التي اعدت لشراء فلسطين لصالح الكيان الاستطياني ” الابارتهايدي الصهيوني ” باموال عربية لا يتمخض عنها الا ” فَأراً ” لمن يريد الشراء ، وهى مشاغلة تكتيكية أو بالون اختبار ومجرد لقاء يشبه لقاءات سابقة عابرة، جرت وانتهت ” كفقاعة ” ليس لها نتائج، سوى التغطيات الفضائية وإشغال الإعلاميين…!