1 ليس حبا بالنظام الإيراني هيفاء زنكنة القدس العربي
لا مفر، هذه الأيام، مهما حاولنا، من متابعة أخبار التهيؤ العسكري لإشعال جحيم حرب جديدة بين أمريكا وإيران في العراق، أو استمرارية جحيم حرب دائرة، الآن، في اليمن وليبيا، فضلا عن الاستيطان الصهيوني في فلسطين. أكرر مفردة «جحيم»، فهذا العالم العربي، الذي يتفتت كالخبز البائت أمام أنظارنا، لا يزال متمسكا بإصرار أسطوري على الا تقل الحروب على أرضه عن أربعين بالمائة من حروب العالم. حروب تمطر على أهله قنابل، تزداد وزنا مع كل حرب جديدة وصواريخ غبية، مؤهلة ان تكون ذكية، لفرط استخدامها في دروس القتل.
فمن حقل القتل الأول، بفلسطين، تطايرت بذرة الموت الاستعماري الاستيطاني لتحط في العراق واليمن وسوريا وليبيا، برعاية محلية. قتل الأجنة والأطفال، بغزة، مثلا، تراه الحكومات العربية، خبرا عاديا مألوفا، لا يستحق حتى مقاضاة المجرمين على الرغم من انها، جميعا، تدعي وصولها الحكم عبر انتخابات ديمقراطية تمثل الشعب.
هذه الحكومات العاجزة عن حماية شعوبها، قادرة على تشكيل «تحالف» ضد شعوبها، نتيجته واضحة منذ البداية كما في اليمن: تجويع الناس وسقوط الضحايا من المدنيين أينما كانوا سواء في حفلات الزفاف والجنازات أو المستشفيات والمدارس. أفعال إجرامية متغطرسة، يتماهى خلالها، حاملو السلاح وصانعوه وباعته ومشتروه، وهم يرددون ذات الاعذار التي تجعل، من القتل، الخيار الوحيد، الذي لا حل غيره.
يقول رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، مبررا سقوط الضحايا الفلسطينيين، نتيجة القصف المكثف، بضمنهم الأطفال، انه يستهدف «العناصر الإرهابية في قطاع غزة». ولا يختلف كثيرا عنه، المستشار القانوني لـ«التحالف العربي»، حين يبرر مقتل 22 طفلا في غارة جوية للتحالف على اليمن بأن الغارات تمت استنادا إلى معلومات استخباراتية بأن الحافلة كانت تقل قياديين حوثيين، وهو ما يجعلها «هدفا عسكريا مشروعا». وهما لا يختلفان عن المتحدث باسم القوات الأمريكية حين يبرر مقتل 200 شخص، بمدينة الموصل، جراء غارة لها، في آذار/مارس 2017، قائلا إن ارتفاع أعداد الضحايا متوقع مع دخول الحرب على المتشددين أعنف مراحلها.
وإذا كان حكام المملكة العربية السعودية ودولة الامارات الحاليين يدفعون مليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية، بالإضافة الى «أتاوة» الحماية والرعاية لهذا الجناح من القبيلة دون غيره، فان الإدارة الأمريكية تزود الكيان الصهيوني، بالمقابل، بالمساعدات العسكرية البالغة مليارات الدولارات، والحماية مجانا. مما يوضح بما لا يقبل الشك من هو الحليف الدائم ومن هو المؤقت، وكيف أسقطت هذه التحالفات مفهوم «السياسة فن الممكن»، الذي يلجأ اليه الحكام العرب لتبرير أفعالهم، الى «الاستئثار الممكن بالخنوع».
من الواضح، أيضا، ان الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، مهما كانت الأوصاف الدونية التي تُطلق عليه، لا يختلف عن سلفه باراك أوباما، الذي امطرته البشرية بالمديح والثناء، أو سلفه «الصالح» جورج بوش حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية وحماية المصالح الأمريكية العسكرية وغيرها في المنطقة. فاذا كان الرئيس ترامب قد طلب، منذ يومين، التحضير الفوري لملفات عديد العسكريين الأمريكيين المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم حرب بما في ذلك العسكري الذي من المقرر محاكمته لقتله مدنيين عزلا أثناء خدمته بالعراق، لأنه يفكر في العفو عن هؤلاء الرجال في «يوم الذكرى» الذي يوافق 27 أيار/مايو والذي تحيي فيه الولايات المتحدة ذكرى جنودها الذين قتلوا في المعارك اذا كان هذا ما سيقوم به ترامب، ليشرعن قتل المدنيين في البلدان المحتلة او يرونها مهددة للمصالح الأمريكية، فان الرئيس أوباما كان قد سبقه الى تشريع برنامجين
للاغتيال بواسطة الطائرات بدون طيار، لصالح وزارة الدفاع والسي آي أي، في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال والعراق، تحت ستار الحرب على الإرهاب، وبعد ان تمت تسمية «الاغتيال» بأنه «قتل مستهدف»، حسب وثائق مسربة كشفها جيريمي سكاهل، الصحافي الاستقصائي الأمريكي، في كتابه « الحروب القذرة».
ومن بين التفاصيل التي تم الكشف عنها في الوثائق المسربة أن تسعين بالمائة من الأشخاص الذين قُتلوا في الغارات الجوية بطائرات بدون طيار لم يكونوا هم الأفراد المستهدفين. وكشفت الوثائق، أيضًا، عن الإجراءات التي تم من خلالها تحديد الأفراد للقتل والتحرك من خلال عملية أطلق عليها اسم «سلسلة القتل»، وبترتيب مع الرئيس أوباما نفسه، تم وضع الأفراد في «دورة الاستهداف»، وهي نافذة مدتها شهران يكون للجيش الأمريكي فيها «السلطة» للقيام بعملية الاغتيال. ولن ننسى التشريع الاوبامي الذي منح فيه القوات المسلحة صلاحية توجيه الضربات الجوية ضد أهداف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا حتى لو أدت إلى سقوط الضحايا من المدنيين، بمعدل عشر ضحايا لكل غارة، بدون الرجوع إلى القيادة العسكرية المركزية، إذا ما تبين ان هدف الغارة الجوية يستحق ذلك.
ما هو موقف الشعوب العربية إزاء استمرارية العقيدة الأمريكية بأن «العالم ساحة معركة» والاعتماد على الصواريخ وغارات الطائرات بدون طيار، بالإضافة الى العمليات السرية الخاصة المحفزة للاقتتال وإثارة الفتن والضغائن حتى بين أبناء الشعب الواحد، ووجود غربان السلاح والحروب الذين يقتاتون على الموت؟
ان آلية القتل قصفا واستخدام جيل جديد من الطائرات بلا طيار، هي السائدة الآن، وستكون، كما تشير، كل الدلائل، الى انها ستستمر كسلاح مفضل في الحرب / الحروب المقبلة، التي يتم الاستعداد لها، بحماس منقطع النظير، من قبل دعاة الحرب في أمريكا وإيران والسعودية، التي ستكون ساحتها العراق، ولن تكون السعودية او الامارات أو إيران بمنأى عنها. ولن تكفي كل الجدران التي يبنيها ترامب والكيان الصهيوني لحمايتهما.
وإذا كان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، يعتقد ان الله قد أرسل ترامب لينقذ إسرائيل من إيران والسعودية تعتقد ان أمريكا ستخلصها من إيران أيضا، أليس من الواضح أين ستقع الحرب التالية؟ أليس ما يجري في فلسطين والعراق واليمن كافيا ليدرك غربان الموت من الحكام العرب المستجيرين بأمريكا ان هذه الحرب لو لم تكن ضد إيران لكانت ضد بلد عربي، لأن الإدارة الأمريكية بحاجة ماسة الى عدو يحميها من نفسها ويوفر لمموليها فرصة استثمار ثرواتهم؟
هذه الحرب، إذا حدثت، ستكون المصيبة الأكبر على الشعب العراقي الذي عاش من الحروب ما يجعل ذاكرته مثقوبة بالرصاص، وسينهي أي أمل بالتعاون مع شعب بلد مجاور يعاني هو الآخر من استبداد يماثل ما تعيشه الشعوب العربية. ليس حبا بالنظام الإيراني، فما فعله في العراق وعرضه مساعدة أمريكا على احتلاله وتخريبه، جريمة لا تغتفر، ولكن حرصا على ما تبقى من العراق، علينا الا نتعاون مع أمريكا والكيان الصهيوني، فتاريخهما وحاضرهما أفضل دليل على مخططاتهما مستقبلا.
2 ماذا سيحدث إذا اندلعت الحرب في الخليج؟
محمد عايش القدس العربي
أجواء الحرب تُخيم على المنطقة أكثر من أي وقت مضى، وعلى الرغم من أن الأرجح ـ حتى الان على الأقل- هو أن التوتر الحالي لن يصل إلى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة في الخليج، إلا أنه في حال نشوب الحرب فسوف يعني ذلك أن منطقة الخليج، بل المنطقة العربية برمتها سوف تكون على موعد مع تغييرات استراتيجية كبيرة.
ورغم أن الحرب لا تزال غير مرجحة، لكن ثمة جملة من الدوافع والأسباب التي قد تؤدي لها، وفي مقدمتها أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان بيئة حاضنة وملائمة لطرح «صفقة القرن»، وإجبار العرب على القبول بها، تماما كما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت هزيمة العراق في الحرب مقدمة لتوقيع اتفاقي «أوسلو» في عام 1993 ووادي عربة في 1994.
ثمة مبرر آخر أو دافع آخر للحرب، وهو الرغبة السعودية للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ورادعة مع إيران، وذلك بعد أكثر من أربع سنوات على الحرب غير المباشرة بين الرياض وطهران في اليمن، التي لم تتمكن السعودية من حسمها، لا بل أصبحت ككرة الثلج المتدحرجة، بسبب أن تهديد الحوثيين للأمن السعودي ازداد عبر السنوات الأربع ولم يتراجع، وبلغ ذروته بهجمات الطائرات المسيرة الأخيرة، التي استهدفت منشآت نفطية في عمق الأراضي السعودية.
ثمة جملة من الدوافع والمبررات التي تجعل من الحرب أمراً محتملاً وخيارا وارداً وإن كان لا يزال حتى الآن غير مرجح، إذ أن أغلب الظن أن واشنطن لا تزال متمسكة بسياسة الانكفاء والانسحاب من الشرق الأوسط، وهذا لمسناه بوضوح في سوريا، كما أن إسرائيل على الأغلب ترى أن أي حرب شاملة في المنطقة ستؤدي إلى تهديد أمنها بشكل مباشر وعميق، وقد تدخل في مواجهة متعددة الجبهات.
الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان بيئة حاضنة وملائمة لطرح «صفقة القرن»، وإجبار العرب على القبول بها
لكن السؤال الأهم هو ما الذي يمكن أن يحدث، أو ما الذي سيتغير في المنطقة إذا اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران؟ والجواب هنا كما يلي:
*أولاً: الحرب في منطقة الخليج سوف تؤدي إلى ارتفاع قياسي في أسعار النفط قد يعود بها إلى مستويات فوق الـ100 دولار للبرميل، وقد يتجاوز ذلك إلى مستويات الـ130 و140 دولاراً، خاصة إذا كانت السعودية طرفاً مباشراً فيها، كون المملكة أكبر منتج للخام في العالم ولاعبا مهما في هذا السوق.
*ثانياً: الحرب المباشرة مع إيران سوف تؤدي بالضرورة إلى اتساع رقعة التوتر العسكري والحرب في كل من اليمن وسوريا، وهو ما يعني مزيداً من سفك الدماء والتدهور الأمني في المنطقة العربية برمتها، بما يشتمل على أعداد جديدة من اللاجئين والمشردين والقتلى والجرحى، وتردي المستوى المعيشي للمواطنين في المنطقة العربية برمتها.
*ثالثاً: من المعلوم بالضرورة أن التكاليف الباهظة للحرب الأمريكية المحتملة على إيران ستدفعها دول الخليج، وربما بدأت فعلاً تدفع تكاليف الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، وهنا نتحدث عن تكاليف بمئات المليارات من الدولارات، وهي تكاليف غير معلنة بشكل رسمي، لكن بالقياس مع حرب العراق، فإن التقارير الأمريكية غير الرسمية كانت تتحدث عن نحو 14 مليار دولار شهرياً كتكلفة لهذا الانتشار البري والبحري في منطقة الخليج، وهذه التكاليف الباهظة إذا أضيفت لتكاليف سنوات من الحرب في اليمن وسوريا وليبيا، وتكاليف دعم النظام في مصر، فهذا سيعني أن الدول العربية الأغنى سوف تدخل في أزمات اقتصادية، فكيف بحال الدول الفقيرة، أو تلك التي كانت تعيش على مساعدات هؤلاء الأغنياء؟
*رابعاً: رد الفعل الإيراني ليس في نطاق التوقعات، إذ لدى إيران صواريخ باليستية بعيدة المدى، ولديها أيضاً وجود في أربع دول عربية، اثنتان منها على الحدود مع اسرائيل.
وخلاصة القول هنا هو أن المنطقة العربية يمكن أن تتغير برمتها إلى الأبد إذا قامت حرب شاملة بين الولايات المتحدة ودول الخليج من جهة وبين إيران من جهة ثانية، لكن حتى الان وضمن المعطيات الراهنة فإن أغلب الظن أن هذه الحرب لن تحدث وستظل محصورة في إطار التصعيد الكلامي وحرب التصريحات بين الجانبين.
3 العراق وعودة «داعش»
صادق ناشر
الخليج الاماراتية
عاد تنظيم «داعش» ليتصدر المشهد من جديد في بعض المناطق العراقية، وعلى الرغم من أنه لم يعد ذا تأثير كما كان عليه في السابق بعد إعلان الانتصار عليه من قبل قوات الجيش العراقي أواخر عام 2017، فإنه عاد ليشكل قلقاً في أوساط سكان العديد من المدن والبلدات، خصوصاً تلك التي كان يتواجد فيها قبل طرده منها بقوة السلاح.
خلال الأيام القليلة الماضية هاجم مسلحو التنظيم قرية الإبراهيمية في منطقة الكوار في الجانب الغربي من قضاء الموصل، قبل أن يحرقوا بضعة منازل تابعة لمواطنين، ومن ثم إعدام عائلة المختار فيها، وتصفية 7 أشخاص آخرين.
كان ذلك مجرد مؤشر لسيناريو مرعب ينتظر سكان القرية، خصوصاً أنهم كانوا يعتقدون بزوال خطر التنظيم، بعد تضحيات كبيرة قُدِّمت من أجل التخلص من هذا الخطر خلال الأعوام التي تمكن فيها التنظيم من بسط سيطرته على عدد من المناطق في كل من العراق وسوريا، في إطار خطته لإقامة ما يعرف ب «دولة الخلافة».
بعد سنوات من القتال الضروس، وطرد عناصر تنظيم «داعش» من المناطق التي كان يتمتع فيها بنفوذ واسع، عادت المخاوف لتسود المنطقة، خصوصاً أن التنظيم تمكن من تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في الموصل والأنبار وغيرها. وإضافة إلى إحراق منازل بعض الأهالي وقتل أصحابها، نفذ التنظيم سلسلة من الهجمات التي استهدفت المزارع، وحتى دور العبادة، وذلك في مسعى لإشاعة الخوف في نفوس السكان، وإحداث نوع من الصدمة في أوساطهم، وإيصال رسالة مفادها أن التنظيم لا يزال قادراً على الوصول إلى جميع المناطق التي كانت بمنزلة معقل له منذ ظهوره عام 2014.
الهجمات التي نفذها «داعش» طالت مناطق أخرى في العراق، خصوصاً في مدينة الصدر وقضاء خانقين في محافظة ديالى، كما هاجم دوريات ونقاط تفتيش تابعة لقوات الجيش، ما يعني أن التنظيم ما زال قادراً على تنفيذ عمليات إرهابية، وهو ما يدعم الحديث عن بقاء خلايا نائمة في أكثر من مكان، سواء في العراق أو في سوريا.
ويرى العديد من المراقبين أن الظهور الأخير لزعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي، وإلى جانبه السلاح، كما كان يفعل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن عند إلقاء خطاباته، يعطي رسالة واضحة بأن التنظيم لا يزال قادراً على تنفيذ عمليات إرهابية في أي مكان يريده، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على مستقبل الحرب ضد الإرهاب، إذ إن قدرته على الحركة في هذه المناطق على الرغم من طرده منها، تمثل تحدياً كبيراً لدول التحالف الهادفة إلى منع تمدد التنظيم.
ظهور البغدادي الأخير يضع أكثر من علامة استفهام، لكنه يمكن أن يكون رسالة لأنصاره بأن يتحركوا في المناطق التي تركوها خلفهم في العراق وسوريا، خصوصاً في ظل انشغال دول المنطقة بالصراع مع إيران.
4 لماذا تحول ملف المغيبين والمفقودين إلى أداة سياسة وملف منسي؟
احمد صبري الوطن العمانية
باتت ظاهرة المفقودين تثير قلق منظمات حقوق الإنسان، وتكشف عجز الحكومة العراقية عن معالجة هذا الملف الشائك بعد أن اتسعت الظاهرة تزامنت مع مطالبات المنظمات المعنية بهذا الملف الإنساني محليا ودوليا بالكشف عن مصير أكثر من ربع مليون عراقي اعتبروا في عداد المفقودين ما زال مصيرهم مجهولا.
وتشير الإحصائيات التي قدمتها لجنة برلمانية عراقية مؤخرا إلى أن أعداد المفقودين نحو250 ألف شخص. وبحسب المعلومات المتداولة فإن العراق خلال الاحتلال الأميركي وحتى ظهور “داعش” وسيطرته على عدة محافظات وما بعده في تغول الميليشيات المسلحة عانى وما زال يعاني من تدهور في الأوضاع الأمنية، وانتشار عمليات القتل والسرقة والتهديد التي تسببت في ارتفاع معدل الخطف والقتل والاعتقال، وهو الأمر الذي ترتب عليه زيادة كبيرة في حصيلة المفقودين، سواء في السجون أو داخل المقابر أو ممن لم يُستدل على أماكن وجودهم .
وطبقا لمسؤول رفيع في برنامج العراق في اللجنة الدولية لشؤون المفقودين فإن آلاف المفقودين العراقيين يمثلون تحديا كبيرا أمام الحكومة العراقية، التي يُفترض أن تضع نظاما قضائيا يقضي بإيجاد المفقودين ومحاسبة المتورطين في تلك الجرائم.
ودعوات اللجنة الدولية لشؤون المفقودين ليست الأولى التي طالبت بوضع حلول سريعة لمشكلة المفقودين في العراق، وإنما بادرت من جانبها المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق بتوجهها نحو تأسيس مركز متخصص بقاعدة بيانات خاصة بالمفقودين.
في مقابل ذلك وجهت أسر المفقودين والمغيبين اتهامات صريحة للسلطات العراقية بتخليها عن واجبها في حفظ الأمن، ووضع حلول جذرية لمعرفة مصير أبنائها، خصوصا أثناء ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حيث عانت الكثير من الأسر خصوصا في مناطق حزام بغداد من عمليات الاعتقال، واضطرارهم لمراجعة وزارة الدفاع والداخلية ودوائر السجون للحصول على معلومات قد تفيدهم في الحصول على أبنائهم المفقودين.
أزمة المفقودين ما زالت تشكل هاجسا وقلقا لدى العراقيين الذين يعتبرون عجز الدولة عن فرض النظام والأمن هو من شجع الميليشيات المسلحة على التغول في المجتمع، الأمر الذي أسهم في تفاقم أزمة المفقودين التي باتت قضية معقدة ضمن أهم الملفات التي يواجهها العراق.
وتحول العراق جراء اتساع أعداد المغيبين والمفقودين إلى صدارة الدول في العالم التي تعاني من تداعيات هذه القضية التي تتطلب جهدا حقيقيا من منظمات حقوق الإنسان للكشف عن مصير الآلاف من المغيبين.
وطبقا لشهادات أسر المغيبين والمفقودين فإن معظم أبنائهم اعتقلوا في سجون سرية أو تمت تصفيتهم جسديا عند سيطرة الرزازة وجرف الصخر والصقلاوية وحزام بغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى ومناطق أخرى خاضعة لمسلحي الحشد الشعبي الذين يسيطرون على مداخل هذه المدن ومخارجها.
واللافت أن تقارير منظمة العفو الدولية تعد الأكثر إثارة للجدل بخصوص ملف المفقودين والمغيبين في العراق، حيث زار وفد منها بعض السجون واطلع على أحوالها، ووثق فقدان وتغييب الآلاف قسريا، ما دفع الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي إلى مهاجمة منظمة العفو الدولية وتكذيب تقاريرها.
لقد بات واضحا أن ملف المفقودين والمغيبين قسريا تحول إلى ملف سياسي في عملية الصراع على السلطة، واستخدامه أداة للابتزاز والضغط والمناورة في المشهد السياسي، وأن ضحاياه هم المغيبون والمفقودون الذين تحولوا إلى ملف منسي ومصيره مجهول.
5 الوحدة اليمنية على مقياس ريختر.. ماذا حملت رسالة صدام التي حملها عرفات الى الرئيس صالح؟ أكرم الثلايا
راي اليوم بريطانيا
كنا يافعين عند إعلان إتفاقية الوحدة اليمنية في 30 نوفميرالعام 1989م ، وأخذتنا الحماسة وتطلعنا حينها للوحدة العربية الشاملة التي غرست في أفكارنا بشعور أو بدون شعور من خلال تأثرنا بالقضية الفلسطينية وتبعاتها من المجازر الصهيونية من مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا وتهجير الفلسطينيين ومخلطتنا لهم في مخيمات اللجوء في صنعاء ، ناهيك عن تأثرنا برياح المد القومي العربي القادم من بغداد سرا ، بعد إنحسارة في القاهرة بعد رحيل الرئيس عبدالناصر وإعلان إتفاقية كامب ديفيد المشؤمة على العرب وفلسطين ، كل تلك المعطيات والأحداث كانت بمثابة إحباط لنا كا شباب عربي في حينة ، ولم يكن هناك حدث في المنطقة جبر خواطرنا غير إعلان إتفاقية الوحدة اليمنية وأعادت لنا الحماسة والتطلع بعد الإحباط والإنكسار من الواقع العربي، فيما كانت رياح المد القومي نافذة فتحت من خلال القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي حين كانت الحزبية محرمة قبل الوحدة ، وأعتمد بعد الوحدة النظام التعددي السياسي المطلق الغير ماطر بقانون وطني يحدد ويجرم تمويلها من الخارج ، وخرجت الأحزاب والجماعات السياسية من تحت مظلة حزب المؤتمر الشعبي العام ، لتمارس التخريب السياسي من أجل الوصول لسدة الحكم بأي ثمن حتى ولو على الأطلال ، وانطلقت الأحزاب الوطنية والأيدلوجية بحرية وبلا قوانين رادعة على حساب إنكفاء الأحزاب القومية والأحزاب الصغيرة الغير مقربة من السلطة.
كتبت اول مقال لي في صحيفة البعث العربي بعنوان( مستقبل اليمن وأمان العرب ) أنتقدت فيه طريقة إعلان الوحدة وتحقيقها ، حيث رأيت انه لأبد من إستفتاء شعبي على الوحدة اليمنية حتى لايأتي يوم يتآمر فيه على الوحدة اليمنية نواه الوحدة العربية الشاملة ، وقتها تم إتهامي من النظام الشمولي بالطيش وقلة العقل وهامشية الفكر ، وأعتذرت الصحف عن نشر ما أكتب لسنوات، واليوم أتذكر وأتحسر على وطني من الطائشين السياسين واذكرهم في كل مناسبة التقيهم فيها.
كانت الوحدة اليمنية مقررة في 30 من نوفمبر 1990م ، فأقبل الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى صنعاء مهنئا بالوحدة اليمنية ،وحمل في جعبته رسالة للرئيس علي عبدالله صالح من الرئيس العراقي صدام حسين مفادها (أن عجلوا بالوحدة الإندماحية للشطر الجنوبي والشطر الشمالي من اليمن كون هناك مؤامرات خليجية تقودها السعودية لإجهاض الوحدة اليمنية قبل دخولها حيز التنفيذ في 30 نوفمبر 1990م) ومخطط جاهز اكتشفته المخابرات السرية العراقية لنشر الفوضى والمشاكل في اليمن قبل إنجاز الوحدة بين الشطرين، وكان للرئيسين صدام حسين وياسر عرفات فضل على اليمنيين في تحصين الوحدة اليمنية حتى قبل أن تتم ، رحمهما الله وغفر لهما بالجنة.
بدء أول زلزال ، لم ينفك الرئيس اليمني صالح إلا أن فاجئ الجميع وأعلن الوحدة اليمنية في 22 من مايو 1990م ، تبعا لنصيحة الرئيس ياسر عرفات وصدام حسين، خوفا منه على الوحدة اليمنية التي أتت رياحهها مواتية لرياح التغيير النظام العالمي وتخلي الإتحاد السوفيتي عن رعاية جنوب اليمن ماليا وايدلوجيا وعسكريا وفي تهاوي الأنظمة العربية أمام نظام القطب الواحد.
نجحت الوحدة اليمنية محليا ، ولكن مخطط العواصم الخليجية للإنفصال لم يلغ ولكنة تأجل وتغيرات ادواته إلى حين ، ومرت اليمن بفترة إستقرار شعبي وغليان سياسي نسبي ، فاندلعت حرب بين الشمال والجنوب صيف 1994م وسميت حرب الردة والإنفصال، وثبت الرئيس صالح على الأرض اليمنية مستندا على الشرعية الدستورية ومساندة برلمان الوحدة له ، وأعلن شريك الوحدة نائب الرئيس اليمني السيد علي سالم البيض من جانب واحد فك الإرتباط بالشمال وأعلن إنفصال الجنوب وعاصمته عدن من حضرموت ، الذي لم يلقى قبولا واسعا من سكان الجنوب وعدم رضأ قيادات جنوبية بالإنفصال في حينة ، وثبت غالبية الجنوبيين شعبيا مع الشمال متمسكين بالوحدة اليمنية ولولا هذا الإلتفاف الشعبي الجنوبي لم إستمرت الوحدة اليمنية حتى اليوم.
إستمرت الوحدة بقيادة شمالية خالصة وشهد اليمن أطول فترة إستقرار شعبي عرفة اليمنيين ، ولكن التعبئة الخارجية مستمرة وأستمرت نار تحت الرمار لعقدين من الزمن ، وأدرك الرئيس صالح ذلك ، فحكم اليمن على التوازنات السياسية محليا وأقليميا نتيجة وجود خيانات دائمة في نظام حكمة لا تخضع لأي قانون أو سلطة غير سلطة المال والمصالح ، ربما كانت طريقة حكم الرئيس صالح غير رشيدة ، ولكنها الممكنة في حينة وكانت هذه أعلى قدرات الرئيس صالح وكل ما أمكنة تقديمة لحماية الوحدة وتحقيق الأمن والإستقرار في عهدة وهذه الأخيرة نجح فيها نجاحا لم يحققة أسلافة ولا خلافاءه بعد ، وكان كل حلمة الشخصي أن يموت وقد كتب التاريخ أنه من حقق وحدة اليمن وآمنه ، وقد حقق حلمه في حياته ومات على الوحدة اليمنية.
بعد أحداث الربيع العربي ترجل الرئيس صالح تحت ضغط الشارع والشباب ، وحكم الإخوان المسلمين والأستراكيين وبعض الأحزاب الصغيرة بإسم تكتل اللقاء المشترك بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح ، ورئاسة عبدربه منصور هادي للبلاد ، الذي حكم اليمن بالصدفة، وخلال هذه الحقبة التي لم تتجاوز الثلاث سنوات فشل الرئيس هادي وأحزاب اللقاء المشترك في التعايش وإرساء دعائم الدولة المدنية الذي خرج الشارع ضد الرئيس صالح من أجلها وخاب أمل الناس وانكفاؤا ، وفشل مؤتمر الحوار الوطني بحمل أحد شركاء اللقاء المشترك في ثورة الشباب وهم الحوثيين السلاح في وجه مخرجات الحوار الوطني والشركاء ، التي لم تبقي منفذا بحريا لإقليم أزال أو هكذا يزعمون ، حيث تجلى لاحقا أن الحرب كانت ستندلع على يد الحوثيين أو على يد غيرهم فالمخطط الإقليمي جاهز فمن تأمر على العراق وفلسطين والأمة العربية، هم اليوم خصمين يتامران لخوض الحرب بينهما على أراضي اليمن.
بعد ترجل الرئيس صالح ، لم تستطيع أحزاب اللقاء المشترك والرئيس هادي حكم اليمن ولم يسمحوا لأحد بمشاركتهم الحكم وساد الفساد حكمهم أكثر من حقبة حكم الرئيس صالح ، وبعد ترك اللقاء المشترك الساحة خالية سياسيا أستولى الحوثيين على دفة الحكم كأمر واقع وتحت شعارات رنانة أطربت الجماهير مالبثت ثلاثة أشهر حتى أتضح أنها مجرد شعارات جوفاء خاوية ، ولم يستطيع الحوثيين تحقيق الإستقرار والعدالة والوحدة الذي تغنوا بها على عامة اليمنيين ، متذرعين بحجة واهية إسمها العدوان ، وكأن العدوان واقع على الحوثيين وحدهم، وكأن من يدافع عن اليمن الحوثيين وحدهم ، متناسين أن كل افراد الشعب اليمني من قبائل وأقيال مشاركين في الدفاع عن اليمن ضد العدوان ، وساد الفساد حقبة حكم الحوثيين أكثر من حقبة حكم الرئيس صالح وحقبة حكم أحزاب اللقاء المشترك مجتمعتين.
يقول الحكماء ، حيث يبدأ أي نظام بالفساد فإنه سينتهي بالفساد ، وخير دليل ليس ببعيد ، حقبة حكم الرئيس على عبدالله صالح ، ويقول الفقهاء، حيث أن من يشارك الفاسد حكمة فهو فاسد مثلة، وليست الضرورات تبيح المحضورات فهذا حكم أصولي فاسد.
كانت أخر الإحتفالات بعيد الأعياد 22 مايو عيد الوحدة اليمنية التي يتذكرها اليمنيين بالخير في أبهى صورة العام 2010م ، وبالمقارنة المنظورة ، تضاءل الإحتفال بالوحدة في حقبة حكم الرئيس هادي واللقاء المشترك ، وأنحسر تماما في حقبة حكم الحوثيين حتى اليوم بينما يحتفل بمناسبات أخرى أثناء العدوان وكأننا حققنا إنتصار الحلفاء على المحور في الحرب العالمية الثانية ، وتحول من عيد وحدة يمنية إلى ذكرى في أحسن الأحوال ، وهذا يفسر لماذا لم تحدد الدولة والحكومة والبرلمان في صنعاء أبان حقبة حكم الحوثيين موقفها صراحة وعلانية وبشكل رسمي من الوحدة اليمنية نواة الوحدة العربية الشاملة ، فهل نشهد أخر ذكرى للوحدة اليمنية 22 مايو هذا العام في حقبة حكم الحوثيين وينفرط العقد الفريد للوطن العربي الذي إستمر ربع قرن بزلزال لايبقي ولا يذر ؟
أم ستوحد حقبة حكم الحوثيين شبة الجزيرة العربية لتعلن موقفها من الوحدة اليمنية والوحدة العربية الشاملة من منبع وأصل العروبة اليمن الطبيعي الخالد والشعب العظيم ؟ ننتظر مقبل الأيام قبل القضبان…..
6 خيار الحرب واعتبارات «اللا عقلانية»
د. محمد السعيد إدريس راي اليوم بريطانيا
على الرغم من كل الاعتبارات «العقلانية» التى تنفى وتستبعد خيار الحرب بين واشنطن وطهران، رغم كل التصعيد العملياتى والدعائى، فإن هناك تخوفات لها اعتبارها تخشى من اعتبارات «غير عقلانية» قد تدفع الرئيس الأمريكى وصقور فريقه الرئاسى الكبار: مايك بنس نائب الرئيس وجون بولتون مستشار الأمن القومى ومايك بومبيو وزير الخارجية إلى الاندفاع نحو خيار الحرب تحت أى ذرائع مختلقة وأى مسميات مزيفة على النحو الذى اندفع به الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش (بوش الابن) لغزو العراق عام 2003 تحت ذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل يجب القضاء عليها وزيف السعى لإسقاط نظام الاستبداد وتأسيس حكم ديمقراطى.
ذهب الرجل خصيصاً إلى واشنطن ليقدم واجب الشكر إلى الرئيس الأمريكى لأنه «حقق لإسرائيل حلماً طالما ظل يراودها وهو أن يخرج العراق نهائياً من معادلة الصراع معها»، وقتها لم ينتبه الكثيرون إلى هذه الزيارة وإلى خلفيات الشكر الإسرائيلى، ولم يتصور أحد أن رئيس الولايات المتحدة يمكن أن يورط بلاده لخوض حرب دامية ومدمرة بكل هذه التكاليف البشرية والمالية من أجل إسرائيل وأمن إسرائيل، وظل اليقين مغيباً فى حسم حقيقة وخلفيات هذه الحرب التى تأكد العالم كله أن كل المبررات الأمريكية لخوضها كانت اعتبارات مزيفة وأولها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل حتى صدر كتاب الإعلامى الفرنسى الشهير »جون كلود موريس« بعنوان مثير وغامض »لو كررت ذلك على مسمعى فلن أصدقه«. هذا الكتاب الذى استهدف بالأساس توثيق الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 وتحرى أسبابها ودوافعها وكشف أسرارها لم يفجر فقط أكبر فضيحة لجريمة الغزو الأمريكى للعراق لكنه تحول أيضاً إلى »جرس إنذار« لخطورة أن تتكرر «الجريمة- المهزلة» مرة أخرى مع إيران فى وقت بات فيه صوت الحرب هو الأعلى، لأن ما تضمنه هذا الكتاب من معلومات تتجاوز قدرة أى عقل على الفهم والاستيعاب.
الكتاب الذى صدر أخيرا بالفرنسية وصدرت ترجمته الإنجليزية والإسبانية فى اليوم نفسه وصفته صحيفة «لو جورنال دى ديمانش» الفرنسية بأنه «مثير للذهول» لأن مؤلفه دحض أكذوبة أن الغزو الأمريكى للعراق كان بغرض البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقى أو تحقيق الديمقراطية ولكنه كشف الحقيقة الصادمة التى تقول إن هذا الغزو «كانت له صبغته الدينية المسيحية- الصهيونية الأكثر عنفاً وتطرفاً.. لا أكثر ولا أقل»!!
كشف الكتاب هذه الحقيقة الصادمة برصده نصوص المكالمات الهاتفية التى جرت بين الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش والرئيس الفرنسى (حينذاك) جاك شيراك لإقناع الأخير بالمشاركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا فى الحرب على العراق. وأن هذه النصوص أكدت له أن جورج بوش ذهب للحرب على العراق «بحثاً عن يأجوج ومأجوج» ونقل عن شيراك قوله: »تلقيت من بوش مكالمة هاتفية غريبة فى مطلع عام 2003.. فوجئت بالرئيس الأمريكى وهو يطلب منى الموافقة على ضم الجيش الفرنسى للقوات المتحالفة ضد العراق مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار (يأجوج ومأجوج)». وأضاف شيراك أن الرئيس الأمريكى أكد له أن «يأجوج ومأجوج مختبئان فى الشرق الأوسط قرب مدينة بابل العراقية القديمة وأن بوش أكد له بالحرف الواحد أن الحرب على العراق حملة إيمانية مباركة يجب القيام بها، وواجب إلهى مقدس أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل».
جاك شيراك ذكر للمؤلف أنه «صعق عندما سمع هذا الكلام، وأن تلك المكالمة ليست مزحة وأن بوش كان جاداً فى كلامه وفى خرافاته وخزعبلاته السخيفة».
خرافات وخزعبلات سخيفة لكنها الحقيقة التى يمكن أن تتكرر مع دونالد ترامب الأكثر التصاقاً بتيار «الصهيونية- المسيحية» فى الولايات المتحدة، والأكثر تعاطفاً مع الحركة اليهودية. ابنته ايفانكا يهودية، وزوجها جاريد كوشنير مستشار ترامب للشرق الأوسط يهودى داعم للاستيطان، ونائبه مايك بنس، ومستشاره للأمن القومى جون بولتون الأكثر التصاقاً وإيماناً بروايات تيار «الصهيونية- المسيحية» وخاصة معركة «آخر الزمان» والواجب الأمريكى التاريخى لنصرة إسرائيل، ووزير خارجيته مايك بومبيو من أكثر المتشددين ضد إيران، والأكثر دعماً لمطالب الأمن الإسرائيلى وفى القلب منها تدمير القدرات العسكرية الإيرانية.
هل يمكن أن يذهب ترامب للبحث عن «يأجوج ومأجوج فى إيران». السؤال ليس مستغرباً رغم وجود دوافع أخرى أكثر عقلانية ترجح خيار الحرب ضد إيران. فهذا الخيار يحقق للرئيس الأمريكى ثلاث مصالح ، فهو أولاً سيكون انتصاراً لإسرائيل وتحقيقاً لهدف من أغلى أهدافها ، لأن إسرائيل مسكونة بالخطر الإيرانى على وجودها، وأن إيران هى الدولة الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط التى تكن لها العداء والتى ترفض الاعتراف بها وتهدد وجودها وتمتلك أسلحة قادرة على تدميرها.
وسيكون ثانياً ورقة رابحة فى العلاقة مع الحلفاء العرب فى الخليج تؤكد لهم أهمية المراهنة على الحليف الأمريكى، وستكون ثالثاُ فرصة لكسب آلاف المليارات من الدولارات الخليجية ثمناً للقيام بمهمة التصدى لإيران، وهى المليارات التى يحتاجها الاقتصاد الأمريكى، والتى يمكن من خلالها إقناع الناخب الأمريكى بتجديد ولاية ثانية للرئيس ترامب فى الانتخابات التى ستجرى فى نوفمبر من العام المقبل.
رغم ذلك فإن خيار الحرب غير مضمون مع دولة مثل إيران، والدفع بـ 120 ألف جندى أمريكى للمشاركة فى الحرب ضد إيران، حسب ما يريد جون بولتون يمكن أن يكون «فرصة» لإيران، على نحو ما أكد القائد الجديد للحرس الثورى الإيرانى الجنرال حسن سلامى أمام لجنة برلمانية خاصة ، لأن هذه القوات ستكون «صيداً ثميناً» للأسلحة الإيرانية وعندها تسقط كل أحلام وطموحات دونالد ترامب وهذا بدوره عامل موازن معاكس لاعتبارات ترجيح خيار الحرب.
لكن سيبقى الخيار الآخر محتملاً فخيار الحرب، وإن كان خياراً «غير عقلانى» إلا أن الحروب تتفجر فى كثير من الأحيان لأسباب «غير عقلانية» خصوصاً وإن كان من يملك القرار فى واشنطن مسكوناً هو الآخر بدوافع «غير عقلانية» على شاكلة الحرب ضد «يأجوج ومأجوج»، اعتقاداً منه أنه يخدم ويحقق رغبات «الرب» ويحقق الأمنيات الموعودة «للشعب المختار».