14 مقالة عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 تجاه العراق في ولاية أوباما الثانية ما بين الثابت والمتغير(2013-2016) american strategy towards Iraq in Obama’s second term between fixed and variable (2013-2016) د. خالد هاشم محمد
صحيفة العراق

عدت إدارة أوباما أن تنفيذ وعدها بالإنسحاب من العراق في الوقت المحدد، هو أحد أهم إنجازاتها في الفترة الرئاسية الأولى، وفي الواقع فان هذا الإنسحاب كان ضمن عنوان أوسع وأعم، بدأت تتضح ملامحه في فترة رئاسة أوباما الثانية وهو الإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط والتوجه نحو أسيا ضمن ما سميAsia” Rebalance”، ولكن تنامي الفوضى الدولية وانفجار الكثير من الأزمات في وجه الإدارة الأمريكية مثل الأزمة السورية والعراقية وخصوصا بعد ما سمى بثورات الربيع العربي، ألقى بظلاله على المنطقة([1])، وتحول العراق من قصة نجاح لإدارة أوباما ومعيارا لإنجازاتها في السياسة الخارجية، إلى قصة فشل ومعيار إرتباك في السياسة الخارجية، ويرى منتقدوا إدارة أوباما أن الإنسحاب الأمريكي “الإعتباطي” خلق فراغا في العراق ملأه خصوم الولايات المتحدة وأفقدها السيطرة، أو على الأقل التأثير في مجريات الساحة هناك، سواء على مستوى اللاعبين المحليين أو الإقليميين([2]).
أهمية الموضوع:
مثل وصول الرئيس باراك أوباما لفترة رئاسة ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، مناسبة لطرح تساؤلاً حول حدود الاستمرارية والتغيير في إستراتيجيته تجاه العراق، فمما لا شك فيه أن فترة الرئيس أوباما الأولى قد شهدت تحولات مهمة في أستراتيجيته الولايات المتحدة تجاه العراق، أهمها هو الانسحاب الامريكي من العراق وفق جدول زمني حدده الرئيس اوباما ضمن مراحل معينة، وترتب على ذلك الانسحاب تداعيات كثيرة نتج عنها مراجعة اوباما لأستراتيجيته في العراق اثناء فترة رئاسته الثانية.
ومن هنا يتم طرح التساؤل الرئيسي للدراسة: ما هي حدود التغير في الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق وقضاياه المختلفة في فترة اوباما الثانية، وما هي جوانب الاستمرارية في تلك الإستراتيجية؟
ومن هذا التساؤل الرئيسي تتفرع عدة تساؤلات فرعية:
1_ هل كان الانسحاب الأمريكي من العراق جزء من انسحاب اشمل وأعم من الشرق الأوسط؟
2_ هل كانت إدارة اوباما جادة بتطبيق الديمقراطية في العراق خلال فترة رئاسته الثانية، أم تراجع هذا الخيار أمام خيارات أخرى أكثر واقعية تتعلق بقضايا الإرهاب والأمن؟
3_ ما هو موقف ادراة اوباما من ايران وانعكاسات ذلك الموقف على العراق؟
لذلك سوف نحاول أن نبين أهم تلك التحولات ومدى استمرارها أو تغيرها في فترت اوباما الثانية من خلال ثلاث عناوين فرعية هي فك الإرتباط الأمريكي بالعراق كجزء من فك الإرتباط الأمريكي بالشرق الأوسط، وموضوعة الديمقراطية ومدى التزام الإدارة الأمريكية في تطبيقها في العراق وأخيرا موقف الإدارة الأمريكية من إيران وانعكاساته على العراق.
أولاً: فك الارتباط بالعراق كجزء من فك الارتباط بالشرق الأوسط:
بوصول باراك أوباما إلى سدة الرئاسة الأمريكية في يناير 2009، حظي الشرق الأوسط بأولوية في سياسته الخارجية، وأعلن عن نيته تبني سياسة نشطة تجاه قضايا الشرق الأوسط، ففي الأسابيع الأولى من توليه منصبه كرئيس للجمهورية، وضع جدولا زمنيا لسحب القوات الأمريكية من العراق، وعين مفاوضا للسلام في الشرق الأوسط في محاولة للسعي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، ومن ثم سعى لتبني سياسات تدعم تطلعات شعوب المنطقة، ورفع التزام الولايات المتحدة بإرسال قوات الى أفغانستان، ومد يده إلى إيران في رسالة رئاسية بمناسبة” عيد النيروز”، اشتملت على ذكر جمهورية إيران الإسلامية صراحة([3]).
وفي الحقيقة لم تكن تلك السياسات الأ بداية التمهيد للانسحاب التدريجي من إقليم الشرق الأوسط، لعدة أسباب أهمها:
لم تعد هذه المنطقة من العالم مغرية لصانعي القرار الأمريكي كما كان معهودً من قبل، ولم تعد تحظى بالأهمية النسبية التي كانت تحظى بها سابقا بالنسبة للسياسة الأمريكية، بسبب الاكتشافات الهائلة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، وهو ما سيؤدي الى وصول الولايات المتحدة الى حالة الاكتفاء الذاتي من الطاقة في المستقبل القريب، وبالتالي عدم الحاجة للواردات النفطية من الخارج وخاصة من الشرق الأوسط([4]). وبالتالي فأن انخفاض حاجة الولايات المتحدة لبترول المنطقة أصبح يؤثر في درجة اهتمامها وارتباطها بها.
انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في عهد أوباما كان أيضا انعكاساً لتوجهات الرأي العام الأمريكي التي لم تعد تتحمس للتدخل الأمريكي بالمنطقة، أو النشاط الزائد بها، نتيجة للثمن الاقتصادي والبشري الذي دفعته الولايات المتحدة في غزوها واحتلالها للعراق. يضاف على ذلك اقتناع أوباما والعديد من دوائر صنع القرار الأمريكي بأن قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مجريات الأمور في الشرق الأوسط أصبحت محدودة وغير مرحب بها من غالبية القوى السياسية بهذه المنطقة وخصوصا في مرحلة ما بعد الربيع العربي حيث تم النظر لدور الولايات المتحدة في المنطقة بشيء من التشكيك وعدم المصداقية. أي أن هناك إدراكا أمريكيا لمحدودية الدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة، وعدم الترحيب به، وبالتالي وصلت بعض دوائر الحكم الأمريكية لاقتناعات واقعية، مفادها أنه لا داعي للقيام بمثل هذا الدور([5]).
وأخيرا، لا يمكن الفصل بين توجه إدارة أوباما للحد من ارتباطها بالشرق الأوسط، وسعيها في المقابل لزيادة الاهتمام بالقارة الأسيوية، والذي يراه الكثير من المحللين ومنهم “فالي نصر” في كتابه “الأمة المستغنى عنها: السياسة الخارجية الأمريكية في تراجع” وراء تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، والتوجه شرقا نحو أسيا نتيجة تنامي أهمية جنوب وجنوب شرق أسيا في الاقتصاد العالمي([6]).
وفي يناير 2012، صدرت وثيقة إستراتيجية مهمة من البيت الأبيض تتحدث عن تحول في سلم أولويات الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط وأوروبا الى منطقة حوض الباسفيكي واسيا، وبالتالي شهد الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط تراجعا خصوصا في الفترة الثانية من إدارة الرئيس أوباما في المقابل زاد الاهتمام الأمريكي بالقارة الأسيوية، سواء للمشاركة في ثمار النمو بهذه القارة الواعدة اقتصاديا، أو لمواجهة تصاعد النفوذ الإستراتيجي الصيني بها، والذي يهدد الوجود الأمريكي في القارة الأسيوية، والذي أصبح مصدر التهديد الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية وأصبحنا امام ما عرف بإستراتيجية “اعادة التوازن نحو أسيا ومنطقة الباسفيك”([7]).
في المقابل قامت الولايات المتحدة بإعادة تعريف دورها وحجم انخراطها في الشرق الأوسط في شكل إستراتيجية جديدة في ظل التخوف من التبعات الاقتصادية والعسكرية للانخراط المباشر في المنطقة ورفض الرأي العام الأمريكي لهذا الإنخراط([8]).
نفذت إدارة الرئيس باراك أوباما خطة إعادة هيكلة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، في سياق التحول من الشرق الأوسط الى حوض الباسفيك وأسيا وعلى مرحلتين، الأولى خلال الولاية الأولى من عام 2008 وحتى عام 2012، والثانية جرت خلال الولاية الثانية من عام 2012 وحتى عام 2016، ويمثل الاتفاق النووي مع إيران جزء منها([9]).
ويكشف تحليل التعامل الأمريكي مع منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلتين عن ملامح واتجاهات عامة لهذا التغيير، ويمكن عرضها في الجوانب التالية([10]):
المرحلة الأولى: بدأ الرئيس أوباما ولايته الأولى بمحاولات لتجسير الهوة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط، وبرز هذا التوجه في خطاب أوباما التاريخي في جامعة القاهرة عام 2009، وحملة العلاقات العامة التي خاضتها الإدارة الأمريكية للتواصل مع شعوب إقليم الشرق الأوسط، ناهيك عن الخطوات التي تم تنفيذها على مسار انهاء التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان عبر الإنسحاب التدريجي منهما، فضلا عن خطط إدارة أوباما بأغلاق معتقل “جوانتنمو” والتي لم تكتمل حتى ألان، يضاف الى ما سبق تبني أساليب وأدوات غير الإنخراط العسكري المباشر في مواجهة الإرهاب في المنطقة، والاعتماد بشكل أساسي على حروب الطائرات بدون طيار، وتكثيف التعامل الاستخبارات والأمني مع دول المنطقة([11]).
المرحلة الثانية: ارتبطت هذه المرحلة بسعي إدارة أوباما لأحداث تكيف هيكلي مع تغير البيئة الإستراتيجية في الشرق الأوسط، نتيجة الثورات العربية، التي شهدتها العديد من الدول العربية أدت تلك الاحتجاجات الى انهيار الدولة الوطنية في عدد من بلدان المنطقة، وصعود حركات الإرهاب العابرة للحدود، ومن ثم أعادت إدارة أوباما صياغة تعاملها مع أزمات وقضايا الشرق الأوسط في أطار رؤية كلية ترتبط بتجنب التورط في حروب جديدة والعمل على دفع دول المنطقة للتعامل مع أزماتها بشكل مباشر وتقليل الاعتماد على الدور الأمريكي، بالإضافة لتبني إستراتيجية تعامل مختلفة مع إيران([12]).
وفيما يتعلق بالعراق، فقد أظهرت إدارة أوباما في فترة رئاستها الثانية، اهتماما محدودا تجاه الحالة العراقية وكجزء من تراجع الاهتمام الأمريكي العام بالمنطقة،
فقد صمتت إدارة أوباما طوال سنوات حكم نوري المالكي عن ممارساته الطائفية والفساد الذي طبع حكمه. فقد كان هم الرئيس أوباما ينحصر في الإنسحاب من العراق والتخلص من التركة الثقيلة لإدارة الرئيس جورج بوش الابن، وفي هذا السياق دعمت إدارة أوباما بقاء المالكي لفترة رئاسة ثانية (2010-2014) على الرغم من أن النتائج أسفرت عن تقدم طفيف للقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي على ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، وذلك بذريعة أنه لم يكن في وسع علاوي تشكيل حكومة أغلبية([13]).
ومن ثم قررت تلك الإدارة الاستمرار في اتباع نهج عدم التدخّل في الشؤون السياسية الداخلية للعراق، لكنها لم تنجح في إيجاد بديل للحضور العسكري الأمريكي هناك بمجموعة صلبة من الشراكات المدنية والاقتصادية وغيرها للمحافظة على النفوذ الأمريكي في مواجهة نفوذ القوى الاقليمية الذي بدأ يتمدد داخل العراق. حتى ان أوباما اوكل لنائبه جون بايدن ان يدير الملف العراقي بالنيابة عنه، والذي بدوره لم يفعل الكثير لكبح جماح المالكي بل بدأ يفسخ الصفقات السياسية المبدئية المبرمة بين السنّة والشيعة والأكراد ضمن العراق الفيدرالي. وبالتالي لم يكن الخطأ الذي ارتكبه أوباما هو الإنسحاب العسكري من العراق فحسب، بل تراجع الزخم والنفوذ الدبلوماسي، اللذين لو استُخدما بالشكل الصحيح لجعلا وقع انهيار التجربة السياسية العراقية أخفّ([14]).
ليس هذا فحسب، بل سعت إدارة أوباما الى توظيف نجاح سيناريو الإنسحاب من العراق لتبرير قرارها بسحب قواتها المقاتلة من أفغانستان. وقد ردت تلك الإدارة على الانتقادات التي تتهمها بالتسرع في الإنسحاب من العراق وأفغانستان، ما أدى ويؤدي الى أحداث فراغ تقوم إيران وطالبان والقاعدة والتنظيمات المتفرعة عنها بملئه، بأن انسحابها لا يعد كونه تغييرا في قواعد الاشتباك، فبدل التورط العسكري المباشر والمكلف ماديا وبشريا في هذه الدول، فأن “مبدأ اوباما”([15]٭) في السياسة الخارجية يقوم بالاعتماد على العمليات الخاصة، والهجمات بطائرات دون طيار، فضلا عن تقديم المشورة، وتدريب قوات الجيش والأمن المحلية في الدول المعنية، وتسليحها([16]).
هذا التوجه لا يعني انسحاب الولايات المتحدة بالكامل من العراق، فالولايات المتحدة حافظت على قدر من الاهتمام بالعراق لسببين، الأول، بالنفط، فبالرغم من انخفاض احتياج الولايات المتحدة لاستيراد النفط، فستظل حريصة على استمرار تدفق النفط العراقي لحلفائها وبأسعار معتدلة لان أي هزة تؤثر في إنتاج أو تصدير النفط العراقي سوف تؤدي الى ارتفاع سعر النفط في الأسواق العالمية، أما السبب الأخر، فيتعلق بالمسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية المترتبة على احتلالها للعراق عام 3003، ومسؤوليتها في المحافظة على نظامه السياسي الذي صنعته هناك([17]).
وأدت تطورات الوضع في العراق بصعود التنظيمات المتطرفة وعلى رئيسها تنظيم “داعش” كما سناتي لتفصيلها، وضع “مبدأ أوباما” أمام اختبار جدي، فلا التدريب الأمريكي نفع مع الجيش العراقي، ولا تسليح هذا الجيش أهله للتصدي لزحف مقاتلي داعش.
مع ذلك، فقد أعلنت إدارة أوباما بصورة قاطعة أنها لن تنجر الى تورط عسكري جديد في العراق، خصوصا في ظل رأي عام أمريكي معارض. ولكن إدارة أوباما وجدت نفسها في وضع حرج لا يسمح لها بالتغاضي عن تعزيز قبضة “داعش” على كثير من الأرض العراقية واتساع رقعة تمددها، بما يمثله ذلك من تهديد لمصالحها في المنطقة، فضلا عن التهديد الذي تمثله لمصالح حلفائها وأمنهم هناك، وخاصة الأردن والسعودية والأكراد وتركيا، وحصل نوع من العودة الأمريكية للساحة العراقية، واستعادت الولايات المتحدة نفوذها وقوتها في العراق، اللذين فقدتهما مع انسحابها أواخر سنة 2011، هذه الاستعادة ناجمة من أن سيطرة “داعش” على أجزاء واسعة من البلاد ما بعد 9/يونيو/2014([18])، جعل الأطراف السياسية جميعها طامحة، وبحاجة، الى الدعم الاميركي لمواجهة “داعش”، فالحكومة العراقية التي يمكنها الدعم الأميركي من استعادة المبادرة في مواجهة “داعش”، والقيادات الكردية، التي يساعدها الدعم الأميركي في إيقاف تمدد “داعش” نحو كردستان، والسنة الذين يطمحون في أن يسهم الضغط الأميركي في تصحيح مسار مؤسسة الحكم في بغداد، وإيران التي تطمح في أن تسهم مواجهة الولايات المتحدة لـ “داعش” في إنقاذها من الاضطرار الى أن تخوض حرب استنزاف على “داعش” على رقعة واسعة، تمتد من الحدود العراقية الإيرانية الى الحدود اللبنانية السورية، والدول العربية وتركيا، التي تطمح الى أن يسهم الدعم الأميركي في إيقاف تمدد قنبلة “داعش” الى الإقليم برمته.
ومن ثم، كانت هذه الحاجة الجماعية هي المنفذ الذي مكن الولايات المتحدة من استعادة استثنائية لمصادر قوتها، التي مكنتها بدورها حتى في فرض تصوراتها عن تشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات 2014 على إيران من ناحية([19])، ومن ناحية أخرى، اطلاق الرئيس أوباما إستراتيجية شاملة تشمل تنفيذ هجمات جوية ضد مواقع ومعاقل “داعش” وتعزيز ودعم القوات الخاصة العراقية وأيضا إرسال مستشارين عسكريين أمريكيين لتقديم المعونة والاستشارات للحكومة العراقية، فضلا على تسريع تسليم الاسلحة والمعدات التي تم التعاقد عليها مسبقا بين بغداد وواشنطن، وقد شملت الإستراتيجية الأمريكية أيضا التعاون مع الحلفاء الدوليين والإقليميين لتشكيل تحالف دولي للتحرك سياسياً وعسكرياً ضد “داعش”، فيما أسماه أوباما “حملة طويلة الأمد” لهزيمة هذا التنظيم([20]).
وكان من اللافت للنظر هنا هو تحول لغة أوباما من لغة الدبلوماسية والتركيز على فتح صفحة جديدة في العلاقة بالعالم الإسلامي، والتي بدئها في فترته الأولى وكما جاء في خطابه بالقاهرة في يونيو2009، الى لغة الحرب والتهديد والوعيد مع تدشينه الحرب ضد داعش، وهو ما دفع الاعلام الأمريكي ومحللين سياسيين كثيرين الى عقد مقارنات تبين أوجه الشبه ما بين مفردات خطاب أوباما ومفردات خطاب سلفه بوش، وهي مقارنات لا تعجب أوباما وانصاره([21]).
لقد حاول أوباما اقناع العالم بأن الحرب التي أعلنت على داعش هي حرب ضرورة وليست حرب اختيار، كتلك التي شنها سلفه بوش الابن على العراق عام 2003، وأن الهدف الوحيد من هذه الحرب هو مكافحة الإرهاب العالمي، ولان الحرب على داعش قد تستمر سنوات طويلة وهنا يستوجب تظافر كل الجهود الدولية للوقوف بوجه هذا الإرهاب([22]).
ثانياً: الموقف من العملية السياسية العراقية.
تبنت إدارة أوباما في فترة رئاستها الأولى موقفا معارضا لأفكار إدارة سلفه جورج بوش الابن المتعلقة بالترويج للديمقراطية وتغيير النظم بمنطقة الشرق الأوسط ولم يعطي أوباما أولوية لهذه القضية أو يعدها شرطا لتطوير علاقته مع دول المنطقة([23]).
وقد أوضحنا كيف انه تغاضى عن بقاء المالكي في موقع رئاسة الوزراء بعد انتخابات عام 2010، على الرغم من أن النتائج أسفرت عن تقدم طفيف للقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي على ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، وذلك بذريعة أنه لم يكن في وسع علاوي تشكيل حكومة أغلبية([24]).
ولكن أدت أحداث ما عرف بالربيع العربي في عام 2011 الى تحول في موقف إدارة أوباما من قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط، فساندت المظاهرات المطالبة بالتغيير في الدول العربية، وطالبت بتخلي حلفائها عن الحكم، كما حدث مع الرئيسين: بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر([25]).
وباراك أوباما يعد قبل أي شيء رجلا براجماتيا، لا يقبل بمحاولة وضع أو تنفيذ رؤية واسعة النطاق بالنسبة الى منطقة مثل الشرق الأوسط، وفي سبيل ذلك اعتمد أنماط ذات تباينات واضحة ونهجا متغيرا لكل حالة على حدة طبقا لمقتضيات الموقف، فهو في الوقت الذي طالب بالتغيير في تونس ومصر، فأنه ظل في الوقت ذاته يميل أكثر الى الابقاء على الاوضاع الراهنة، خاصة في حالة انظمة الحكم الملكية المحافظة، ومن هذا المنطلق بنا أوباما مواقفه تجاه الاحداث التي شهدها العراق خلال تلك الفترة([26]).
فقد شهد العراق ابتداءا من شهر فبراير 2011، عددا من الاحتجاجات في ساحة التحرير وسط بغداد، من أجل إصلاح العملية السياسية بعد وصولها لطريق مسدود، وقد اعتبرها البعض من اكبر الاحتجاجات منذ الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، تأثرا بالثورات التي اندلعت في عدد من الدول العربية والتي نجحت في الإسقاط السلمي للنخب الحاكمة، كما هو الحال في حالة تونس ومصر، أو من خلال حرب أهلية وعمل عسكري خارجي كما في حالة ليبيا، أو عن طريق تدخل طرف ثالث كما هو في حالة اليمن،
وقد تجددت تلك الاحتجاجات في نهاية عام 2012، مع اعتقال حماية وزير المالية العراقي آنذاك رافع العيساوي القيادي في القائمة العراقية ووصل الأمر الى إصدار مذكرة اعتقال بحقه بتهمة الإرهاب، مما دفع ذلك مجموعة من العشائر والقوى السنية العراقية لتنظيم المظاهرات والاحتجاجات في المحافظات ذات الأغلبية السنية في الغرب والشمال والوسط، انطلاقا من محافظة الانبار، وقد ارتبط استمرار هذه المظاهرات بتأثيرات التقدم الذي أحدثته القوى السنية في سوريا والتي بدى من الواضح أن ميزان القوى بينها وبين نظام الأسد بدأ يميل لصالحها، وقد بلغت تلك الاحتجاجات ذروتها في العام 2013، عندما استخدمت الحكومة العراقية بزعامة نوري المالكي العنف لفض الاشتباكات، وهو ما تسبب في حادث الفلوجة في 25/ يناير/2013 الذي أدى الى مقتل سبعة أشخاص نتيجة اطلاق الجيش النار على المتظاهرين أثناء تأديتهم صلاة الجمعة([27]).
ومن ناحية ثانية سعى السيد المالكي الى تشويه المظاهرات، حيث حذر المالكي في بيان له من “مؤامرات مخابرات اقليمية وبقايا النظام السابق وتنظيم القاعدة لجر الجيش الى مواجهة من المتظاهرين. ومن ناحية ثالثة لجأ المالكي للنأي بنفسه عن المسؤولية عن هذه المظاهرات، حيث حمل مجلس النواب مسؤولية تلبية مطالب المتظاهرين، كما شكل لجنة وزارية تتألف من سبعة وزراء، وترأسها حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء، لمناقشة مطالب المتظاهرين([28]).
جاء موقف إدارة أوباما من تلك الاحتجاجات والمظاهرات على خلاف موقفها الداعم والمساند لما سمي بثورات الربيع العربي، فقد استمرت في دعم ومساندة رئيس الوزراء نوري المالكي وغضت الطرف عن سياساته الاقصائية ورفضه لمطالب المتظاهرين، كما أن رفض إدارة أوباما دعم “الثوار المعتدلين” في سوريا ضد نظام بشار الاسد، سمح لتنظيم “داعش” بالتمدد في سوريا ومن ثم انتقاله الى العراق، ومن ثم وجدت إدارة أوباما من مصلحتها دعم المالكي وقوات الجيش والامن العراقيين لمجابهة أي احتجاجات خوفا من اعادة بعث ل” داعش” في العراق بعد إنجازات ها على الأرض السورية. خصوصا بعد ان بدأ يتردد عن وجود بعض العناصر التي ترفع شعارات متطرفة في تلك الاحتجاجات وكانت تأمل هذه الإدارة أن يكون تمكن قوات المالكي من الحاق هزيمة بهذا التنظيم خير رد على منتقدي الادارة، ودليل على أن “مبدا اوباما” في السياسة الخارجية لا يزال يعمل، وبخاصة في جزئه المتعلق بدعم الحلفاء وتسليحهم وتقديم المشورة لهم من دون حاجة للتدخل مباشرة([29]).
وفي مقابل دعم المالكي سياسياً وعسكرياً، فإن إدارة أوباما طلبت منه غير مرة أن ينفتح على خصومه السياسيين من العرب والأكراد، وحتى داخل ائتلاف حكمه الشيعي، وأجراء تغيرات تصب في صالح العملية السياسية، لكن المالكي استمر في العناد ورفض تقديم أي بوادر حسن نية تجاه تشكيل حكومة توافقية([30]).
التحول في موقف اوباما.
ولعبت عوامل عديدة في إحداث تحول في موقف إدارة أوباما من تلك الأحداث التي شهدها العراق، تمثل في التقدم المفاجئ لقوات “داعش” والعشائر السنية المتحالفة معها مطلع يونيو/2014، وهزيمتها للقوات العراقية وسيطرتها على الموصل ومدن وبلدات في شمال العراق وغربه، وتوحيد “داعش” لمناطق سورية وعراقية على جانبي الحدود تحت سيطرتها، فضلا عن اقترابها من الحدود الأردنية والسعودية، وتزايد مخاطر زحفها نحو بغداد والسيطرة عليها وإعلانها “الخلافة الإسلامية”.
وبدا واضحا أن سنوات من تهميش السنة العرب تحديدا، وقمعهم واستهدافهم، خلقت بيئة مواتية في صفوفهم لتقبل “داعش” على حساب النظام الطائفي الذي أرساه المالكي، والجيش الطائفي الذي يقوم على رعايته. وهكذا، فان المالكي الذي أغلق سبل إبقاء أي قوة أمريكية على الأرض العراقية أواخر عام 2011، وجد نفسه يتوسل هذه المرة دعماً عسكرياً أمريكياً لمواجهة زحف “داعش” والعشائر السنية. وأتبع ذلك بمنح القوات الأمريكية الحصانة القضائية التي رفضها قبل سنوات. غير أن تحرك المالكي هذا جاء متأخرا، فالمسالة بدت أكبر من مجرد توفير دعم عسكري أمريكي جوي أو بري، فقد كانت متعلقة بأسلوب حكمه التسلطي الإقصائي([31]).
وهو الأمر الذي دعا إدارة أوباما الى التركيز عليه هذه المرة، فربطت أي إسناد عسكري للمالكي كخطوة أولى الى تشكيل حكومة تشاركية توافقية لا تقصي أحدا، وبخاصة العرب السنة والأكراد، ثم وصلت الى المطالبة بتنحيه عن الحكم، واستهدف تأخير التدخل العسكري الأمريكي الضغط على المالكي للقبول بتلك الصيغة الموسعة، أو الخروج من المشهد السياسي كليا، وإحلال شخصية أخرى مكانه تكون أقل استقطابا من داخل الائتلاف الشيعي الحاكم. وعلى الرغم من حصول التحالف الوطني الشيعي الذي تعد كتلة دولة القانون التي يقودها المالكي أكبر مكوناته في الانتخابات البرلمانية العراقية في ابريل 2014، على أغلبية ضئيلة لا تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، فان المالكي لم يتمكن الى يوم إعلان سحب ترشحه لرئاسة الوزراء من تشكيل حكومة، وذلك لرفض السنة والأكراد العمل معه بسبب سياساته الاقصائية بحقهم، وكذلك بسبب رفض عدد من مكونات التحالف الشيعي نفسه لشخص المالكي لتهميشه لهم في الماضي([32]).
واعتبره الرئيس أوباما بان النظام السياسي القائم على الديمقراطية والمشاركة الواسعة في ظل وجود حكومة شاملة تضم جميع أطياف الشعب هي الضمانة الرئيسية لحل مشكلات دول مثل العراق التي عانت وتعاني من الاقتتال والصراعات الداخلية. وأن مسالة إقصاء أي طرف او مكون شعبي رئيسي من المساهمة في العملية السياسية من شانها تهديد امن ومستقبل تلك الدول([33]).
وهنا تعزز الاقتناع الأمريكي بأن رحيل المالكي شرط لمعالجة جذور الازمة في العراق، فالقاعدة الأوسع للثوار السنة على حكومته ليسوا من “داعش”، بل هم من مقاتلي العشائر السنية التي تمردت على سياسته الطائفية والاقصائية ولم تعد تحتملها. بل ان كثيرا من ثوار العشائر السنية كانوا من مقاتلي “الصحوات” الذين ساعدوا الولايات المتحدة على هزيمة تنظيم “القاعدة” عام 2006-2007، وقد رفض المالكي إدماجهم في ما بعد في الجيش وقوات الامن العراقية([34]).
ومن ثم فان تدخل الولايات المتحدة عسكريا لمصلحة حكومة المالكي كان سيبدو وقوفا مع الشيعة وإيران ضد السنة وحلفاء امريكا في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية المستاءة من المالكي وراعيه الإيراني. وفي هذا السياق، أعلن أوباما في مقابلة له مع جريدة نيويورك تايمز، بأنه لن يقبل أن تتحول المقاتلات الأمريكية الى سلاح جو للحكومة الشيعية، كما شدد على أن على إيران أن تفهم بأن السعي للسيطرة المطلقة على العراق عبر حليفها الشيعي ستكون له نتائج وارتدادات عكسية([35]).
ومع تواصل الضغوط على المالكي داخليا خاصة من قبل المرجعية الدينية، وخارجيا من قبل واشنطن وكذلك طهران التي رفعت الغطاء عنه عبر مباركة تكليف حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، اضطر في النهاية الى إعلان التنازل عن تثبيته بولاية ثالثة. وبهذا تكون ورقة المالكي قد طويت أمريكا بتنسيق مع إيران التي أكد بعض مسؤوليها أن التوافق على العبادي جاء بعد محادثات أمريكية- إيرانية.
ثالثا: الموقف من إيران وانعكاساته على العراق:
تبنى أوباما في مطلع رئاسته الأولى سياسة الانفتاح على إيران، ودافع عن سياسة الإرتباط او الخيار الدبلوماسي معها، وأوضح ان الدبلوماسية مع إيران يمكن ان تخدم المصالح الأمريكية بشكل افضل من العقوبات، وأن تلك العقوبات نجحت في أن تأتي بإيران الى طاولة المفاوضات ولكنها لم تنجح في تقليص البرنامج النووي الإيراني، بل توسع هذا البرنامج في ظل العقوبات. كما أن استخدام الخيار العسكري في التعامل مع إيران سوف يؤدي الى نتائج مدمرة في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي، فالخيار الدبلوماسي هو الأفضل للتعامل مع إيران([36]).
وبدأ مسلسل التقارب السياسي معها في رسالة التهنئة بعيد “النوروز” التي وجهها أوباما الى الشعب الإيراني وقيادته، وكان في خلفية تفكيره السعي لتحقيق تقارب ملموس مع إيران. ثم تواصل ذلك عبر الرسائل الشخصية المتبادلة منذ عام 2009 بين أوباما والمرشد الأعلى على خامنئي، والمفاوضات الثنائية السرية قبل انتخاب حسن روحاني في إيران في ربيع 2013([37]).
ومع دخول الفترة الثانية من رئاسة أوباما، تحولت المفاوضات تدريجيا الى شكل ثنائي بين واشنطن وطهران وتوج الأمر في النهاية بعقد الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني في أكتوبر 2015، وأوضح الرئيس أوباما شخصيا فكرته عن إن الاتفاق النووي جزء من أعادة الترتيب الأمني في المنطقة، واعتبر هذا الاتفاق “مركز القوس” لسياسته الإقليمية ومحور ارتكازها الأساسي وبات متغيرا يصعب القفز عليه في الحسابات الأمريكية الإقليمية، أو في مقاربة الولايات المتحدة لموازين القوى في المنطقة([38]).
لقد تميزت الإدارة الثانية لأوباما بالانتقال من مرحلة “الدبلوماسية الهادئة”إلى مرحلة التعاون المعلن مع طهران وخاصة فيما يتعلق بالشأنين العراقي والسوري، وتلقت العلاقات الأمريكية-الإيرانية دفعة قوية بتولي حسن روحاني الرئاسة في الثالث من أغسطس 2013 حيث دشن عهده بمبادرة للتقارب مع واشنطن.ورد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على هذه المبادرة بإرسال رسالة ودية إلى نظيره الإيراني، ثم أتبعها بخطاب آخر إلى روحاني يطالبه فيها بكتابه تعهد نصي يعلن فيه أن بلاده لا ترغب في إنتاج أسلحة نووية تمهيداً للتفاوض المباشر وتحقيق انفراجة في العلاقات الثنائية بين البلدين.وعلى إثر هذه المراسلات تحدثت دراسة لمعهد واشنطن في20 أبريل 2014 عن وجود تحول في المواقف الأمريكية تجاه تقييم الدور الإيراني في المنطقة، أشارت الدراسة إلى وجود توجهات جديدة لدى البيت الأبيض نحو صياغة إستراتيجية أمنية شاملة للمنطقة بالتفاهم مع إيران([39]).
وتفيد الدروس المستفادة من تاريخ السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الى أن وراء كل تحالف أو اتفاق أمريكي يتعلق بأي من ملفات المنطقة أجندة خفية غالبا ما تكون موجهة ضد المصالح العربية([40]).
وفي هذا الإطار فقد سخر أوباما كل جهوده وامكانياته في العراق في سبيل عقد اتفاق نووي مع إيران، وتحدث رئيس مكتب المعارضة العراقية في واشنطن ابان إحتلال العراق انتفاض قنبر والذي كان يعتبر الذراع اليمنى لأحمد الجلبي عراب الإحتلال الأمريكي للعراق، “انه عندما تم التوقيع على الاتفاق النووي مع إدارة أوباما كان هناك اتفاقيتان سريتان جانبيتان لم يعلنان للشعب الأمريكي والعالم بخصوص تنسيق أمريكي- إيراني داخل العراق، وهو ما يعني ان إدارة أوباما قد اعطت العراق لإيران على طبق من ذهب”، في سبيل إنجاز ذلك الاتفاق([41]).
وفي الحقيقة لا تفتعل إيران الازمات في المنطقة, لكنها تستغل ازماتها في إدارة علاقاتها الخارجية, فهي “بارعة” في استخدام “القوة الناعمة” في إدارة الصراعات الإقليمية. ولعلها استفادة في ذلك من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982, ومن الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق عامي 2001و 2003 على التوالي، ووجهت إحداثها ونتائجها الى ما يخدم مصلحتها في المنطقة.
ولا تسعى إيران من امتلاك السلاح النووي، اذا كانت تسعى الى امتلاكها، لاستخدامه في أي معركة عسكرية محتملة. فهذا السلاح لم يوجد ليستخدم، وهو ليس غاية في حد ذاته، بل هو اداة لتعظيم نفوذها في المنطقة، ولاستدراج الغرب للاعتراف بالنظام الإيراني قوة إقليمية في محيطها الجغرافي([42])، وقد حصل النظام السياسي في إيران على اقرار غربي بعد الاتفاق النووي ببقائه، وعدم سعي القوة الغربية لزعزعته أو إطاحته. وادركت إدارة أوباما ان الملفات الإقليمية, وبخاصة الملف العراقي والذي يعتبر “درة التاج” في المشروع الإيراني والملف السوري الذي هو الضامن الوحيد لهذه الدرة، الأكثر أهمية بالنسبة الى إيران من برنامجها النووي، ووظفت هذه الملفات وسيلة للضغط عليها ودفعها لتوقيع الاتفاق النووي. وهذان البلدان سوف يتأثران, من دون شك بما تئول اليه العلاقات الإيرانية الغربية عبر الملف النووي الإيراني مستقبلاً([43]).
كما جاء صعود تنظيم “داعش” وسيطرته على أجزاء شاسعة من العراق وسوريا، ليؤشر عن وجود تقارب أمريكي- إيراني، وصل الى حد التنسيق الاستخباراتي واللوجستي المشترك، وغير المباشر في العراق رغم استبعاد طهران، ابتداء، من التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وذلك في ظل الحاجة لنفوذها على أطراف المعادلة السياسية العراقية نحو توحيد جهدها ضد “داعش”، أمام عجز سلاح الجو الأمريكي بمفرده عن الحاق الهزيمة به، ورفض ارسال قوات عسكرية برية الى هناك، فضلا عن قلق واشنطن على مستشاريها العسكريين في العراق من أي توتر محتمل مع إيران قد يرتد سلبيا عليهم([44]).
وبدأ التعاون الأمريكي- الإيراني منذ عام 2014 يأخذ أبعادا سياسية وأمنية وعسكرية، سياسياً فان إخراج المالكي من العملية السياسية وتشكيل حكومة عراقية جديدة تعبر بشكل أفضل عن أطياف الشعب العراقي، فرضا على الجانب الأمريكي ضرورة إجراء اتصالات مع الجانب الإيراني الذي يمتلك تأثيرا واضحا في الساحة السياسية العراقي، وهو ما يعني اعترافا أمريكيا بإيران، بوصفها لاعبا رئيسيا في الشأن العراقي، وفي شؤون المنطقة([45]).
أما أمنيا وعسكريا فقد سرب المسئول السابق عن الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية فردريك هوف في شهر مارس 2015 تفاصيل سلسلة اجتماعات سرية أمريكية-إيرانية عُقدت في الأشهر الماضية لمناقشة الدور الإيراني في مواجهة المخاطر الأمنية المشتركة بين واشنطن وطهران، وتحدث هوف عن أهمية الجولة الخامسة التي انتهت في شهر فبراير الماضي واتفق الطرفان فيها على تقييم المخاطر التي يمكن أن تواجهها المنطقة إذا انهار النظام السوري.
وتأتي تسريبات هوف بالتزامن مع ظهور أرتال من ميلشيا “حزب الله” العراقي المرتبط “بفيلق القدس” الإيراني في مقاطع مصورة وهي مزودة بأسلحة ومعدات أمريكية ثقيلة من ضمنها دبابات من طراز (M1 Abrams tank) وناقلات جنود من طراز (M113) و(Humvees) و(Mine-Resistant Ambush Protected vehicles MRAP)، وذلك في ظل تردد الحديث عن حصول ميلشيات شيعية على أسلحة أمريكية مثل: “عصائب الحق” و”منظمة بدر” و”كتائب اليوم الموعود” والتي تقوم بعمليات قتالية في العراق وسوريا تحت إشراف اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس.
وكان موقع “بلومبيرغ” قد نشر معلومات خطيرة حول وقوع الأسلحة التي ترسلها الإدارة الأمريكية إلى الجيش العراقي بيد الميلشيات المرتبطة بإيران، ونقل الموقع عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية قوله: “إن الإدارة الأمريكية تدرك أن الألوية المشكلة حديثاً في الجيش العراقي تتكون من ميلشيات تعمل تحت إمرة فيلق القدس الإيراني، ولكنهم يغضون الطرف عن ذلك”، وأكد السيناتور جون مكاين أن الجيش الأمريكي يعلم بأن القيادة العراقية قد سلمت الميلشيات التابعة لإيران كثيراً من المعدات والأسلحة التي قامت واشنطن بشحنها للجيش العراقي، وذلك لاعتقادهم أن الجيش العراقي سيحتاج إلى وقت طويل وتدريب شاق حتى يصل إلى مستوى الجهوزية القتالية في حين إن عامل الوقت لا يساعد على ذلك([46]).
لقد بات واضحا أن الموقف الأمريكي المتمثل بإدارة باراك اوباما، لم يعد يخفي اعجابه بصمود إيران أمام الحروب والضغوط التي كان يقف وراءها الغرب، وبقيامها ببناء الدولة رغم الحصار المفروض عليها، ونجاحها في التكييف مع نتائج حرب الخليج ضدها، ثم قبولها العمل رغم ذلك مع الإدارة الأمريكية في المجالات التي تتقاطع المصالح بينهما( أفغانستان، العراق، الحرب على الإرهاب). ومن هنا كان استعداد الرئيس أوباما للسماح لإيران بالتحول الى “قوة اقليمية ناجحة جدا” اذا ما توصلت الى اتفاق طويل المدى على الملف النووي مع الغرب([47]).
وعبر أوباما عن ذلك بقوله “جربنا كل شيء مع طهران وأصبحنا أمام خيارين: الحرب أو الاتفاق فاخترنا الاتفاق”. هذا الاتفاق تم التوصل إليه بعد أكثر من ثلاثة عقود من المفاوضات الصعبة ومحاولات احتواء النظام الإيراني وأصبحنا أمام متغير ومقاربة جديدة للمنطقة وفق رؤية اوباما، وهو ما يعني السماح الأمريكي لإيران بتثبيت نفوذها في العراق ومحيطه، وتمكينها من لعب دور أساسي في الحل السياسي في العراق وسوريا، ومن تقاسم النفوذ مع تركيا باعتبارها الوجه الأخر للإسلام السياسي([48]).
نستنتج مما تقدم: أن حدود الاستمرارية والتغيير في إستراتيجية أوباما في فترته الثانية أظهرت كثيرا من الاستمرارية مع بعض التغيير عن الفترة الأولى نتيجة للظروف والمستجدات التي طرأت أثناء فترته الثانية، ففيما يتعلق بفك الإرتباط بالعراق أظهر أوباما اهتماما محدوداً تجاه الحالة العراقية وهو جزء من تراجع الاهتمام الأمريكي العام بالمنطقة فقد كان هم أوباما هو الإنسحاب من العراق والتخلص من التركة الثقيلة التي تركها له سلفه بوش الابن، لكن تطورات وضع العراق وصعود التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم “داعش” ساعدت على حصول نوع من العودة الأمريكية للساحة العراقية دون تدخل مباشر. أما فيما يتعلق بالموقف من العملية السياسية في العراق، فقد أعطت إدارة أوباما لموضوع مكافحة الإرهاب وقضايا التعاون الإستراتيجي والأمني أهمية قصوى وذلك على حساب العملية السياسية وما تتطلبه من توازنات عبر الديمقراطية التوافقية التي حكمت العراق منذ عام 2003، ومن ثم عادت تلك الإدارة لتتبنى نهج واقعي في التعامل مع الشأن العراقي. كما أستمرت إدارة أوباما في سياسة الانفتاح على إيران والذي بدأته في الفترة الأولى وتوجته بالاتفاق النووي الذي عده أوباما أهم منجزاته في الفترة الثانية. وهو ما جاء على حساب العراق من خلال سماح ادارة اوباما لايران للعب ادوار اكبر في العراق والمنطقة ساعد في تعظيم نفوذها داخل العراق.
([1]) Kurt Campbell, “The Pivot: The Future of American Statecraft in Asia”, (New York: Twelve, 2016), pp. 307_309.
([2]) Colin Dueck, ” The Obama Doctrine: American Grand Strategy Today”, (New York: Oxford University Press, 2015(, P. 118.
([3]) Fawaz A Gerges, Obama and the Middle East: the End of America’s Moment? (New York, NY: Palgrave Macmillan,2012,p. 178.
([4]) Kurt Campbell, “The Pivot: The Future of American Statecraft in Asia”, (New York: Twelve, 2016).
([5]) محمد كمال، السياسة الأمريكية والشرق الأوسط.. حدود الاستمرارية والتغيير، مجلة السياسة الدولية، العدد(203)، مركز الاهرام للدراسات السياسة والإستراتيجية، القاهرة،2016، ص112.
([6]) Vali Nasr, The Dispensable Nation: American Foreign Policy in Retreat, New York: Anchor, 2013, p. 155. And See also: Thomas J. Christensen, Obama and Asia: Confronting the China Challenge, Foreign Affairs, September – October 2015, p.29.
([7])Fred Kaplan, Obama’s way: the president in practice ,Foreign Affairs, January – February 2016, p. 59.
([8]) جوان كول، السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في الفترة الثانية لباراك اوباما، مركز الامارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ابو ظبي، 2014، ص6.
([9]) Mohamed Kamal1& Khalid Hashim Mohammed, Obama and transformation strategy from the Middle East to the Asia – Pacific Region, Asian Social Science, 6 June 2017, p48.
([10]) حسام ابراهيم، دمج إيران: السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي مع إيران، حالة الاقليم، العدد(19)، المركز الاقليمي للدراسات الإستراتيجية، القاهرة، 2015، ص6.
([11]) فواز جرجس، اسس ومرتكزات سياسة أوباما في ولايته الثانية، مركز الجزيرة للدراسات، 2013، متاح:
studies.aljazeera.net.
([12]) فواز جرجس، أوباما والعالم العربي.. الاستمرارية والتغيير، مركز الجزيرة للدراسات، 2013، متاح: studies.aljazeera.net.
([13]) Emma Sky, How Obama Abandoned Democracy in Iraq, Politio Magazine, April 07, 2015, at: www.politico.com.
([14]) تمارا كوفمان ويتس، بين التراخي والتدخل: عواقب سياسة أوباما في الشرق الأوسط، مركز بروكنجز، في الثلاثاء 15/ مارس/2016، : متاح على الرابط
https://www.brookings.edu/blog/markaz/2016/03/15/.
وللمزيد انظر: تقرير عمل مجموعة مستقبل العراق: تحقيق استقرار طويل المدى لضمان هزيمة داعش، مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط، مايو 2017، ص4.
(٭) يسعى كل رئيس أمريكي لتبني مبدأ أو فكرة أساسية تنطلق منها سياسته الخارجية، ويسجلها التاريخ باسمه. وقد تجنّب الرئيس أوباما الحديث بشكل مباشر عن مبدئه في السياسة الخارجية طيلة أغلب سنوات رئاسته للبيت الابيض، ولكنّه قرر أخيرا أن يضع حدا للاجتهادات بخصوص ذلك، وأعلن صراحة في حواره مع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في العام 2015، أن مبدأه يتلخص في العبارة التالية “الإرتباط Engagement مع الحفاظ على القدرات الأخرى“.
الإرتباط هنا يعني الدبلوماسية، أي أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للأداة الدبلوماسية في التعامل مع الدول الأخرى وخاصة خصومها، مع الاحتفاظ بحق استخدام الأدوات الأخرى الاقتصادية والعسكرية في حالة فشل الخيار الدبلوماسي.
يرتبط مبدأ أوباما بشكل أساسي بمنطقة الشرق الأوسط،، والإعلان عنه توافق مع توصل مجموعة “الخمسة زائد واحد”، وعلى رأسها الولايات المتحدة لاتفاق أولي مع إيران بخصوص برنامجها النووي ،ولكن مبدأ أوباما في الواقع يتجاوز موضوع التقارب مع إيران، ويتبنى رؤية أكبر للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط. هذه الرؤية تقوم على محورين أساسيين:
المحور الأول هو تخفيض التواجد والإرتباط الأمريكي بالشرق الأوسط ويرتبط ذلك بتجربة التدخل الفاشل في العراق، والتي جعلت الرأي العام الأمريكي حذرا من التورط مرة أخرى في مشاكل المنطقة، والتزام الرئيس الأمريكي بعدم الدخول في حروب جديدة، وان لزم الامر فان دور الولايات المتحدة يكون داعم ومساند لتلك الدول عن طريق الاستشارة والتدريب والتسليح، كما يرتبط أيضا بالانخفاض الكبير في حجم اعتماد الولايات المتحدة على واردات البترول من الشرق الأوسط، والتوجه نحو القارة الآسيوية التي يجب أن تحتل الأولوية الإستراتيجية بالنسبة لها، ومواجهة تصاعد النفوذ الصيني بها
المحور الثاني هو إنشاء نظام لتوازن القوى بالمنطقة فبالرغم من سعي الولايات المتحدة لتخفيض تواجدها بالشرق الأوسط، إلا أنها تتخوف في نفس الوقت من أن هذا الأمر قد يترتب عليه فراغ قد تملأه قوى معادية لها، أو قد يؤثر على تدفق البترول من المنطقة، ويؤدي الى ارتفاع السعر العالمي لهذه السلعة، وما له من آثار سلبية على الاقتصاديات الرأسمالية ومنها الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في أوربا وآسيا مازالوا في حاجة لبترول المنطقة.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، يؤمن أوباما بأن إقامة نظام لتوازن القوى بالشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج هو الكفيل بأن يساعد الولايات المتحدة على تخفيض تواجدها بالمنطقة، وفي نفس الوقت الحفاظ على الاستقرار بها. ويقوم هذا التوازن على قوتين هما إيران من ناحية والدول السُنية بالمنطقة من ناحية أخرى (دول الخليج بالأساس ويمكن إضافة مصر وتركيا لها)، وسيؤدى هذا التوازن في القوى إلى منع هيمنة دولة إقليمية واحدة على منطقة الخليج، واستمرار تدفق البترول، واحتفاظ الولايات المتحدة بعلاقة طيبة بطرفي توازن القوى..
ويتطلب إنشاء النظام الجديد لتوازن القوى قيام الولايات المتحدة بالانفتاح على إيران وتطبيع العلاقات معها، وهو ما يتم وضع أساسه فى إطار المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. ولكن في نفس الوقت قامت الولايات المتحدة بحثِ دول الخليج على تطوير قدراتها العسكرية لتحقيق التوازن مع إيران وتقليل اعتمادها على التدخل الأمريكي المباشر لتوفير الحماية لها.
خلاصة الأمر، مبدأ أوباما يُعبر عن وضعين، دولي وإقليمي، جديدين، وضع دولي تعترف فيه الولايات المتحدة بأن قدرتها على التأثير لها حدود، وأنها لا تريد أن تتورط في نزاعات خارجية وخاصة باستخدام الأداة العسكرية. ووضع إقليمي يتسم بتراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط والسعي لدمج إيران، وإقامة نظام للتوازن الإقليمي يتيح للولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها دون الحاجة للتواجد الكثيف أو التورط المباشر بالمنطقة.
([16]) تقدير موقف” معضلة أوباما العراقية وخياراته تجاهها”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يوليو 2014، ص1_2.
([17]) عامر هاشم عواد، دور العراق الجديد في الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، مجلة دراسات دولية، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، بغداد، 2007، ص184_188.
([18])( Kathleen Hennessey and David S. Cloud, Obama returns to the quagmire he exited in Iraq, Los Angeles Times, August 8. 2014, at: http://www.latimes.com.
([19]) تقدير موقف” استعادة النفوذ الاميركي في العراق”، مجلة شؤون عراقية، العدد(9)، المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، عمان، 2014، ص148_149.
([20]) ليليان أميل كامل، الادراك كمصدر للسياسة الخارجية: دراسة في أثر ادراك أوباما على السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2016، ص180_181.
([21]) اسامة ابو ارشيد، هل تنساق الولايات المتحدة الأمريكية الى حرب برية جديدة في الشرق الأوسط، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الدوحة، 2014، ص6.
([22]) نفس المصدر، ص183.
([23]) Amaney Jamal, “Of Empires and Citizens: Pro-American Democracy or No Democracy at All?”, (NJ: Princeton UP2012(, P. 76.
([24]) ) Emma Sky, The Unraveling: High Hopes and Missed Opportunities in Iraq, New york: Public Affairs, 2015, PP. 336_340.
([25]) محمد كمال، مصدر سابق، ص114.
([26]) جوان كول، مصدر سابق، ص5_12.
([27]) Jessica Stern and J.M. Berger,ISIS: The state of terror,(New York: Harper Collins Publishers, 2015), PP. 182_189.
([28])التقرير الإستراتيجي(2011_2012)، تطورات العراق في ظل تداعيات الحراك الثوري العربي، القاهرة، مركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 2013، ص167_168.
([29]) Peter Beinart, Obama’s Disastrous Iraq Policy: An Autopsy, The Atlantic, Jun 23, 2014, at: https://www.theatlantic.com.
([30]) تقدير موقف “لماذا توقفت واشنطن وطهران على ازاحة المالكي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، اغسطس2014، ص2-3.
([31]) ابراهيم درويش، أوباما يتخلى عن المالكي وبايدن يوقف مكالماته.. ورجل واشنطن الجديد في بغداد هو العبادي، القدس العربي، 13/اب/2014، متاح: http://www.alquds.co.uk.
([32]) تقدير موقف “لماذا توقفت واشنطن وطهران على ازاحة المالكي”، مصدر سابق، ص3_4.
([33]) صباح عبد الرزاق كبة، سياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية تجاه العراق، بغداد، دار الاحمدي للطباعة الفنية، 2015، ص71.
([34]) ريناد منصور، المأزق السني في العراق، مركز كارنيجي للشرق الاوسط، 3/مارس/2014، متاح:
http://carnegie -mec.org.
([35]) Thmas L. Fridman, ” Obama on the Word,” The New York Times, Augest 8, 2014.
([36]) Derek Chollet, The Long Game:How Obama Defied Washington and Redefined America’s Role in the World (New York: Public Affairs, 2016), pp. 183_185.
([37]) Michael Rubin,Dancing with the Devil: The Perils of Engaging Rogue Regimes, New York: Encounter Books, 2014), P. 217.
([38]) مصطفى عبد العزيز مرسي، “عقيدة اوباما” ونزع القناع عن توجهات السياسة الأمريكية، مجلة شؤون عربية، العدد (166)، القاهرة، 2016، ص19_21.
([39]) بشير زين العابدين، تطور العلاقات الأمريكية _الإيرانية(2002_1015) وتأثيرها على امن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، متاح على الرابط التالي:
http://almoslim.net/node/238885.
([40]) ليليان أميل كامل، مصدر سابق، ص183.
([41]) لقاء تلفزيوني في قناة الفلوجة الفضائي حول الذكرى ال14 لاحتلال العراق وبرنامج الاحتلال الأمريكي.. وعود وحقائق،
american strategy towards Iraq in Obama’s second term between fixed and variable (2013-2016)
Abstract
The Obama administration repeated that its promise to withdraw from Iraq on time was one of its most important achievements in the first presidential term. In fact, this withdrawal was within a broader and broader context that began to emerge in Obama’s second term: withdrawal from the Middle East, In the so-called Asia “Rebalance”, but the growing international chaos and the explosion of many crises in the face of the US administration such as the Syrian crisis and Iraq, especially after the so-called Arab Spring revolutions, cast a shadow over the region, and turning Iraq from the success story of the Obama administration and a benchmark for its achievements in foreign policy, a story Failure and a standard of confusion in foreign policy, and critics of the Obama administration, the American withdrawal “arbitrary” created a vacuum in Iraq filled by the opponents of the United States and lose control, or at least affect the course of the arena, both at the level of local players or regional.
Downloads
Metrics
Metrics Loading …
References
37. D. A. Nash, The Life-Long Learning Imperative… Ends and Mean, Journal of Dental Education, 58 (1994), 785-790.
38. B. Csapo, J. Funke, (2017) The Nature of Problem Solving: Using Research to Inspire 21st Century Learning, OECD Publishing, Paris.
39. M. Binkley, O. Erstad, J. Herman, S. Raizen, M. Ripley, M. Miller-Ricci, M. Rumble, (2012). Defining Twenty-First Century Skills. In P. Griffin, B. McGaw, & E. Care (Eds.), Assessment and Teaching of 21st Century Skills, Springer Netherlands, 17-66.
40. R. E. Mayer (2013) Problem Solving, The Oxford Handbook of Cognitive Psychology, Oxford University Press, UK.
41. J. Kirkley, (2003) Principles for Teaching Problem Solving, Plato Learning, Indiana University.
42. R. E. Mayer, (2003) Learning and instruction, Upper Saddle River, Prentice Hall, NJ.
43. K. Duncker, (1945) On problem solving. Psychological Monographs, (58) American Psychological Association.
44. J. Funke, (2003). ProblemlösendesDenken [Problem Solving Thinking]. Stuttgart: Kohlhammer.
45. J. Garofalo, F. Lester, Metacognition, cognitive monitoring, and mathematical performance, Journal for Research in Mathematics Education, 16 (1985) 163-176.
46. R. E. Mayer, (1992) Thinking, problem solving, cognition (2nd Ed). Freeman, New York.
47. R. E. Mayer, & M. C. Wittrock, (2006) Problem solving. In P. A. Alexander & P. H. Winne (Eds.), Handbook of educational psychology, 287-303. Mahwah, Lawrence Erlbaum, NJ.
48. N. Zhong, Y. Wang, & V. Chiew, On the cognitive process of human problem solving, Cognitive Systems Research, 11(2010) 81-92.
49. L. Kucukahmet, (1998) Principles and methods of teaching, Alkum Publications, Istanbul.
50. A. Gursoy, (2006) Education programs and teaching, University Bookstore Publications, Gozdem Offset, Ankara. 232.
51. OECD (2014) PISA 2012 Results: Creative Problem Solving Students’ skills in tackling real-life problems (Volume V), PISA, OECD Publishing.
52. R. Millar, (1994) What is “scientific method” and can it be taught? In R. Levinson (Ed.), Teaching Science, Routledge, London. (164-177).
53. J. Johnston, (2011) Early explorations in science, Open University Press, Maidenhead, England.
54. G. Grambo, The art and science of observation, Gifted Child Today Magazine, 17 (1994) 32-33.
55. C. Macro, & D. McFall, Questions and questioning: Working with young children, Primary Science Review, 83 (2004) 4-6.
56. G. E. Friedlaender, & L. K Friedlaender, Art in Science: Enhancing Observational Skills, Clinical Orthopaedics and Related Research, 471 (2013) 2065-2067.
57. P. SimSek, & F. Kabapinar, The effects of inquiry-based learning on students’ conceptual understanding of matter, scientific process skills and science attitudes, Procedia Social and Behavioral Sciences, 2 (2010) 1190-1194.
58. J. S. Johnston, What Does the Skill of Observation Look Like in Young Children? International Journal of Science Education, 31 (2009) 2511-2525.
59. J.R. Watson, A. Goldsworthy & V. Wood-Robinson, What is not fair with investigations? School Science Review, 80 (1999) 101-106.
60. S. P. Tomkins, & S. D. Tunnicliffe, Looking for ideas: observation, interpretation and hypothesis-making by 12-year-old pupils undertaking science investigations. International Journal of Science Education, 23 (2001) 791-813.
61. E. M. Stone, Guiding Students to Develop an Understanding of Scientific Inquiry: A Science Skills Approach to Instruction and Assessment, CBE Life Sciences Education, 13 (2014) 90-101.
62. S. Karamustafaoglu, Improving the Science Process Skills Ability of Science Student Teachers, Eurasian Journal of Physics and Chemistry Education, 3(2011) 26-38.
63. B. Eilam, Phases of learning: ninth graders’ skill acquisition. Research in Science and Technological Education, 20 (2002) 5-24.
64. W. Harlen, & D. Symington, (1987) Helping children to observe. In W. Harlen (Ed.), Primary science: Taking the plunge, Heinemann, London. 21-35.
65. Pacific Policy Research Center (2010) 21st Century Skills for Students and Teachers. Honolulu: Kamehameha Schools, Research & Evaluation Division.
66. B. Trilling, & C. Fadel, (2009) 21st Century Learning Skills. San Francisco, John Wiley & Sons, CA.
67. SlaĿanaŽivkoviĿ, A Model of Critical Thinking as an Important Attribute for Success in the 21st Century, Procedia – Social and Behavioral Sciences, 232 (2016) 102-108.
68. S. Cottrell, (2005) Critical Thinking Skills Developing Effective Analysis and Argument, Palgrave MacMillan, NY.
69. P. A. Facione, (2011) Ctitical Thinking: What it is and Why it Counts, Measured Reasons and The California Academic Press, Millbrae, CA.
70. Falcoine, P. A. (1990). Critical Thinking: A Statement of Expert Consensus for Purposes of Educational Assessment and Instruction. Research Findings and Recommendations. The California Academic Press, Millbrae, CA.
71. Bialik, M., & Fadel, C. (2015). Skills for the 21st Century: What should students Learn? Centre for Curriculum Redesign, Boston, Massachusetts.
72. S. Art-in, Development of Analytical Thinking Skills among Thai University Students. The Turkish Online Journal of Educational Technology, (2017) 862-86

2 أذرع إيران.. حدود الاستخدام
عبد الوهاب بدرخان الاتحاد الاماراتية

تواصل الولايات المتحدة وإيران استبعاد حرب بينهما، كلٌّ بصيغ ومصطلحات مختلفة وإن كانت تلتقي على خلاصة واحدة. إذ كرّر الرئيس دونالد ترامب في الأسبوع الماضي أنه لا يرغب في حرب، لكن علّق على تهديدات الإيرانيين بأنهم «سيرتكبون خطأً كبيراً» إذا نفّذوا هجمات على القوات الأميركية و«سيتألمون كثيراً». ومن جهته اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي أن المواجهة الحالية «اختبار إرادة» وليست عسكرية «لأنه لن تندلع أي حرب، فلا نحن ولا هم يسعون إلى حرب» مستخلصاً «أنهم يعرفون أنها ليست في مصلحتهم». وهكذا حافظ الطرفان على أجواء «حرب نفسية» تواكبها تسريبات بأن ثمة اتصالات بينهما عبر قنوات سرّية تحضيراً للتفاوض الذي يدعو إليه ترامب ومساعدوه في كل مناسبة، وينتهز خامنئي ومسؤولون آخرون كل فرصة لرفضه. ومع ذلك تتعامل العواصم كافة مع فرضية التفاوض على أنها قيد البحث، بل رشّحت أماكن عدّة لاستضافته، وأدرج استقبال ترامب للرئيس السويسري في سياق بلورة ظروف التفاوض باعتبار أن سويسرا ترعى المصالح الدبلوماسية للولايات المتحدة في طهران ولإيران في واشنطن.
كل ما قامت به إيران بعد التعزيزات الأميركية العسكرية في المنطقة عزّز عملياً كل الاتهامات بأنها دولة عدوانية ومزعزعة للاستقرار. فلا أحد يعتبر الهجوم بطائرات مسيّرة على أنابيب ضخ النفط في السعودية اعتداءً «حوثياً» فحسب بل إنه اعتداء إيراني. ولا أحد يرى في تفجير السفن التجارية الأربع في عرض البحر بالقرب من ميناء الفجيرة سوى أنه تهديد يستهدف سلامة الملاحة الدولية والإمدادات النفطية. ولم يستغرب أحد التقارير التي أفادت بأن قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» جمع قادة ميليشيات «الحشد الشعبي» ودعاهم للتعبئة من أجل الحرب، فهذه خطوة أخرى تبرهن على أن طهران تتعامل مع العراق كساحة خلفية تصفّي فيها حسابات مع أطراف أخرى، أميركية وغيرها. وحتى الإعلان عن خفض جزئي لالتزام بنود الاتفاق النووي، وإمهال الدول الأوروبية الموقعة عليه شهرين لمساعدتها على كسر العقوبات، تعرف طهران قبل سواها أنهما إجراءان لا يحققان أي مصلحة، إذ أنها تلوّح بإسقاط الاتفاق فيما يجوب وزير خارجيتها العواصم سعياً إلى إنقاذه، كما أن الأوروبيين بذلوا ما يستطيعون وليس وارداً أن يتحدّوا أميركا من أجل إيران.
كانت طهران بادرت منذ تشديد العقوبات عليها إلى التهديد بأن ردّها عليها سيكون بالمواجهة العسكرية، متوعّدةً بأن الثمن لن يكون أقلّ من «طرد الأميركيين» من المنطقة. وقبل إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، كانت لدى إيران خيارات للمواجهة. فإلى العراق كانت لديها مشاريع كثيرة في سوريا سواء لإشعال حرب مع إسرائيل في جبهة الجولان، وقد أقنعت حليفها النظام السوري بأن هذه الحرب ستجبر الولايات المتحدة على التفاوض معهما مباشرة أو في إطار يضمّ روسيا وسيكون بإمكان طهران ودمشق أن تنالا «شرعية» دولية لتحالفهما وللمحور الذي تشكّلانه. غير أن التنسيق الأميركي – الروسي – الإسرائيلي عرقل هذا المشروع، وما لبثت الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية أن أحبطته. وإلى سوريا، لا يزال استخدام ترسانة صواريخ «حزب الله» في لبنان لضرب إسرائيل احتمالاً قائماً، إلا أن اكتشاف الأنفاق الحدودية المحفورة لتدفّق مقاتلين إلى داخل إسرائيل أفقد «حزب الله» والإيرانيين عنصراً استراتيجياً مهمّاً في أي مواجهة، فالأهداف التي يمكن أن تحقّقها الصواريخ لا تتناسب مع نتائج الاستهداف الإسرائيلي للبنان، إذ أنه سيرتدّ سلباً على «الحزب» نفسه.
لذلك ستعوّل إيران على الميليشيات العراقية، بالإضافة إلى «الحوثيين» لكن الحرب الدائرة في اليمن لا تمنح هؤلاء أكثر من فرصة إطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة على الأراضي السعودية، وهذه تبقى في إطار الأضرار التي تتوقّعها الرياض مدركةً أنها تغيّر شيئاً في المعادلة الإقليمية التي أجهضت المشروع الإيراني في اليمن. أما الاعتماد على ميليشيات «الحشد الشعبي» فسيكون للمرّة الأولى على أكثر من محك عراقي داخلي. فبغداد تدافع الآن عن حقّها في الحياد، وهذا يعني رفضاً مسبقاً لأي مغامرة يقدم عليها «الحشد» ولكلّ مخاطر مفتعلة يتعرّض لها الاقتصاد أو الجيش العراقي ولكلّ مجازفة بتحدّي الوجود الأميركي… كل هذه المحدّدات التي فرضت نفسها على خيارات إيران في مختلف الأماكن أشعرتها باقتراب الخطر من أراضيها، وهو ما سعت دائماً إلى تجنّب حدوثه. لكنها أشعرتها أيضاً بصعوبة الذهاب إلى التفاوض مع أميركا، إذ أنه لن يقتصر على تحسين الاتفاق النووي الحالي وسيشمل بالضرورة كل السياسات الإيرانية التخريبية للاستقرار الإقليمي.

3 هل هناك حرب؟ عبدالله السويجي الخليج الاماراتية

لا شك أننا نعيش في زمن تستخدم فيه الدول الصغيرة والكبيرة أحدث أجهزة التنصت والمراقبة، وبإمكان أي قمر صناعي متطور تصوير ما يحدث في متر مربع على الكرة الأرضية، ولا نزال نذكر قضية اختباء الرئيس العراقي الأسبق صدام حسن واختفائه عن عيون كاميرات الأقمار الصناعية الأمريكية، والسخرية التي رافقت ذلك في عام 2003، خاصة حين كشفت الصحف العالمية القدرة الرهيبة للأقمار الأمريكية على ملاحقة ومتابعة ما يحدث على متر مربع في العراق. وتبيّّن لاحقاً أن صدام حسين كان بحوزة الجيش الأمريكي الذي أظهره ضمن مشهد مسرحي، تعمّد إذلاله أكثر مما قصد الكشف عن مخبئه.
هذه القصة تقودنا إلى أجواء التوتر المصطنع، الذي ترسمه الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، ويأتي في هذا السياق تحذير نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي للرئيس ترامب من خطورة الحرب مع إيران، وفي المقابل تهدد إيران حاملات الطائرات الأمريكية التي تجوب مياه الخليج العربي والراسية فيه، وتتحدث باستخفاف وثقة مبالغ فيها عن قدرة صواريخها قصيرة المدى في الوصول للسفن الحربية الأمريكية في الخليج، وأن الولايات المتحدة غير قادرة على تحمل حرب جديدة. هذا ما نقلته وسائل الإعلام عن محمد صالح جوكار نائب قائد الحرس الثوري للشؤون البرلمانية في إيران، في إطار النغمة التي اعتدنا على سماعها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وتحذير أمريكا من مغبة الاعتداء على إيران؛ لأن قدراتها الصاروخية وسفنها البحرية قادرة على إلحاق الأذى بالترسانة العسكرية الأمريكية.
الكلام شيء والفعل شيء آخر، الحقيقة شيء والوهم شيء آخر، والثقة شيء، واختبار الثقة شيء آخر والتهديد شيء وترجمته إلى واقع ملموس شيء آخر.
من الطبيعي لإيران التي تعاني ضغوطات سياسية وصعوبات اقتصادية وأزمات داخلية أن يكون ردها بالقفز عن حالة الارتباك التي تعيشها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ومن الطبيعي أن تعتمد سياسية الهجوم أفضل وسيلة للدفاع؛ لكنها تعلم تمام العلم أن الدخول في معركة مباشرة ومفتوحة مع الولايات المتحدة سيعرضها لخسائر فادحة ومؤلمة جداً، فلا عدد جيوشها وعديدها وعتادها، ولا التطور التقني والتكنولوجي لسلاحها الجوي، يمكن أن يقارن بما تمتلكه الولايات المتحدة، ناهيك عن قوة التدمير الهائلة للسلاح الأمريكي، وهو ذاته الذي لجم رئيس كوريا الشمالية من المضي باللعب بالنار، وهو الذي يجعل قوتين كبيرتين؛ مثل: روسيا والصين تترددان في الدخول في مواجهة عسكرية أو اقتصادية مباشرة مع الولايات المتحدة.
ونحن هنا لا نهوّل الأمر، ولا نخيف الآخرين؛ ولكنها الحقيقة التي قد تكون مُرّة لكثيرين وخاصة أولئك الذين يتحدون أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض، وقواعدها المنتشرة في القارات جميعها، ومن بينهم إيران.
إن أي استهتار بقياس ميزان القوى وتقدير القوة العسكرية والاقتصادية سيؤدي إلى فاجعة وهزيمة كبيرتين، واستعداد إيران الذي تبديه للدخول في الحرب هو الشروع في عملية انتحار جماعية لقدراتها العسكرية ومقدرتها الاقتصادية. ولن تنفعها في هذه الحرب الجماعات التي ستفتح جبهة هنا وأخرى هناك؛ لأن الضربة قد تستهدفهم في البداية، وستفقد أوراقها بسرعة كبيرة تترك تلك الجماعات بلا غطاء عسكري أو سياسي أو اقتصادي، ثم إن تلك الجماعات تعيش في بيئات لا تؤيدها مئة في المئة، وبالتالي قد تحرك الولايات المتحدة جماعاتها في تلك الدول؛ لافتعال الصدام، عندئذ لن يكون أمام إيران سوى الإذعان لشروط الولايات المتحدة؛ بعد أن تكون قد خسرت أذرعها، لا سيما أن براجماتيتها تسمح لها بالتخلي عن حلفائها في المنطقة؛ من أجل النجاة، مقنعة نفسها أن مشروعها الثوري الوطني الديني نفسه يعد طويلاً.
لا أحد يتمنى حدوث صدام عسكري بين الولايات المتحدة وإيران؛ لأن دول المنطقة لن تكون بمنجاة من تداعيات الحرب، وربما تشارك فيها، ولكن لن تبقى الأوضاع على حالها من توتر بالغ، والمنطقة أمام أمرين: إما انفراج سريع ومفاجئ؛ كأن تبدأ الولايات المتحدة حواراً مع إيران، وإما حرب مفاجئة تخلط الأوراق، وتقود إلى طاولة المفاوضات، وليس مهمّاً من سيبدأ الحرب، فحين تبدأ لن يحمل هذا السؤال أهمية تُذكر.
4 حرب لا نطلبها ولكننا جاهزون لها عبدالرحمن المرشد اليوم السعودية
سلوكيات نظام الملالي الإيراني في المنطقة منذ أن وصلوا إلى الحكم في العام 1979م هي محاولة التخريب ونشر الفوضى بما ينسجم مع أهدافهم المريضة التي تسعى إلى بث الفرقة والتناحر وتصدير الثورة وما يتبعها من تقسيم للعالم الإسلامي والعربي، وجميعنا يعلم ما حدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن خلاف أذنابهم في عدد من الدول حتى وصلنا إلى هذا الوضع الخطير الذي ينذر بحدوث حرب -لا قدر الله- في أهم منطقة في كوكبنا، بل تعتبر المركز الرئيس لاقتصاد العالم، وأي مشكلة تقع هنا سيتضرر العالم بأكمله، والخطر لا يقع على ساكني المنطقة فقط إنما على جميع الشعوب، وستلحق تبعاته المواطن البسيط في أي مكان في هذه المعمورة، فالسلوكيات الإيرانية ألحقت الأذى بالجميع دون استثناء، ولذلك جاءت موافقة السعودية وعدد من دول مجلس التعاون على طلب الولايات المتحدة لإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج العربي وعلى أراضي دول خليجية بسبب السلوكيات الإيرانية غير السوية وتأزيمها للأوضاع في منطقتنا مما يتطلب قوة ردع تعيد نظام الملالي إلى رشده.

حاولت المملكة مرارا وتكرارا طوال السنوات الماضية أن تكون العلاقات بينها وبين إيران قائمة على حسن الجوار والتفاهم ولكن كما يقول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولم تجد تلك النداءات أذنا مصغية أو عقولا واعية، بل أدى ذلك إلى التمادي ونشر الخراب في كل مكان وسبق أن حذرت السعودية من الوصول إلى هذه النقطة التي لا ترغب بها، بل حاولت تجنبها بكل ما أوتيت من قوة ولكن كما يقول المثل المحلي «ما دون الحلق إلا اليدين».

الموافقة الخليجية على إعادة الانتشار جاءت بناء على اتفاقيات ثنائية بين الولايات المتحدة من جهة ودول خليجية من جهة أخرى، حيث يهدف الاتفاق الخليجي الأمريكي إلى ردع إيران عن أي اعتداءات محتملة قد تصدر منها بفعل سلوكياتها المزعزعة لأمن المنطقة واستقرارها. كما أن طلب أمريكا من السعودية نشر قواتها يؤكد أهمية التحالف السعودي الأمريكي الذي يزداد رسوخا مع الزمن منذ أن وضع لبناته الأولى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وفخامة الرئيس فرانكلين روزفلت قبل أكثر من سبعين عاما ولا يزال أكثر متانة وقوة، أيضا مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وبالتحديد في عدد من دول مجلس التعاون تتطلب نشر قواتها في تلك الدول لحماية مصالحها من جراء التهديدات الإيرانية المتواصلة لدول المنطقة، وليس ببعيد عنا عندما أعلن نائب الرئيس الإيراني في فترة سابقة أن بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية: بغداد، بيروت، صنعاء، دمشق، ونعلم ما أحدثته من خراب وتدمير وقتل في تلك المناطق.

شرارات الحرب أطلقتها إيران من خلال الاعتداءات على السفن الأربع في الفجيرة، وكذلك من خلال أذنابها الحوثيين بالهجوم على خط النفط وسط المملكة مما تطلب تحركا سريعا وحاسما من المملكة ودول المجلس لحماية مواطنيها وتجنيبهم أي تبعات تؤثر على استقرارهم وكذلك عدم جر المنطقة إلى حرب كارثية تزعزع أمن الاستقرار العالمي
5 لا نريد حرباً… إنها رسالة للعقلاء
أحمد الحناكي
الحياة السعودية

تحوم حولنا هذه الأيام، سفن أميركية بحرية وغواصات حربية وحاملات طائرات مقاتلة، وانتشار قوات عسكرية (أميركية) لحماية الخليج مما قد يقع، أو ترهيباً لمن يحمل في أعماقه نوايا الحرب. ورسالتنا هي: “لا للحرب”، فلا منتصر فيها.

قالت فوزية سعد، إحدى الناجيات من “مجزرة قانا” (جنوب لبنان) في 18 من نيسان (أبريل) 1996: “كان هناك رجل ملقى على الأرض وقد انشطر قطعتين، وكانت هناك امرأة حامل استطعت أن أرى ذراع جنينها ورجله ناتئين من بطنها، وكان هناك رجل غرزت شظية في رأسه. لم يكن ميتاً، ولكن كنت تستطيع أن ترى قطعة معدنية في رقبته، كما لو كان قد حز عنقه. طلب من ابنته أن تجيء وتساعده على النهوض، وسمعتها تجيبه قائلة: انتظر لحظة، أحاول أن أجمع أخي لقد انشطر قطعتين. وكان هناك شقيق آخر لها يحمل طفلاً بين ذراعيه، كان طفلاً بلا رأس”.

وفي المقابل، يقول الرقيب (ي) في الجيش الصهيوني الذي قصفت بطارية مدفعيته اللاجئين في قانا، كما نقلت عنه أسبوعية “كول هاير” التابعة لسلطات الاحتلال في 10 أيار (مايو) 1996: “إنها الحرب، وفي الحرب تحصل مثل هذه الأمور، إنهم مجرد مجموعة من العرب، فما بالك متأثرا إلى هذا الحد؟!”.

معلقاً على المجزرة، كتب الصحافي القدير روبرت فيسك في كتابه “ويلات وطن” يقول: “كانت تلك أبواب الجحيم تتدفق عبرها الدماء كالمجاري، كالسيول الجارفة. كنت أستطيع أن أشم الرائحة. تدفقت الدماء على أحذيتنا والتصقت بها كالصمغ، كتلة دبقة تحولت من لونها الأحمر القاني إلى لون بني، ثم أصبحت سوداء. كانت الطريق المرصوفة المؤدية إلى مجمع القوة الدولية زلقة بالدماء، وقد تناثرت عليها أشلاء من اللحم والأحشاء. وفي حطام مطعم المجمع المحترق، كانت هناك سيقان وأذرع أطفال بلا رؤوس، ورؤوس مسنين بلا أجساد. في رأس شجرة تحترق تدلت قطعتان من جسد رجل، وكانت هناك فتاة تضم رجلا تسلل الشيب إلى شعره. كانت ذراعها حول كتفه وهي تهدهد جثته بين ذراعيها جيئة وذهابا. كانت العينان تحملقان فيها وهي تعول وتنوح وتصرخ باكية: أبي أبي”.

ما حدث آنذاك على أرض لبنان كان من الممكن أن يحدث للخليجيين أو للإيرانيين، ومن الممكن، بل وربما يحدث حتماً للأطراف جميعها. فالكل يملك أسلحة فتاكة لا تميز بين حربي، أو مدني، أو شبح، أو طفل، أو رجل، أو امرأة.

كل الحروب التي جرت، في التاريخ القديم أو المعاصر، لن تبرز منتصراً على رغم انتصاره، فهو، قبل أن يضرب، أو يستولي، أو يسيطر أو يحتل، يكون قد مسه من الحرب شيء، حتى لو كان أيسر من عدوه.

ركزت الأفلام الأميركية كثيراً على الجنود العائدين من فيتنام وبعدها من أفغانستان، مسلطة الأضواء على الأمراض النفسية التي أصابتهم أو تحولهم إلى شخصيات عنيفة، وبعضهم يودع المستشفيات أو يلجأ للانتحار.

مرّت المنطقة بحروب عدة من قبل، منها الأطول بين العراق وإيران في عهد صدام حسين والزعيم الإيراني الخميني، وبعدها حرب الخليج الثانية التي هدفت إلى تحرير الكويت بعد احتلالها من قبل العراق في عهد صدام أيضاً، والثالثة عندما غزا الأميركيون العراق بدعوى البحث عن أسلحة دمار شامل أو مدفع عملاق وخلافه، واتضح لاحقاً أن الأمر كان هراء في هراء، كان هدفه تحجيم العراق وإضعاف جيشه، مستغلين انقسام العراقيين تجاه زعامتهم في عهد صدام حسين أيضاً.

ولتذكير من يريد الحرب أو من يسعى إليها أو لا يحرص على تجنبها أو يكابر ويصر على التصعيد وعدم اللجوء إلى ضبط النفس، ومن المؤكد أن هذا الطرف ليس المملكة التي تعرضت لاعتداءات على ناقلاتها البحرية أو حتى ذلك الدعم للحوثيين الذين حاولوا قصف أنابيب إمدادات للنفط، أقول للتذكير: إن عدد ضحايا الحرب بين العراق وإيران بلغ ما لا يقل عن مليون شهيد من البلدين، وكلفت أكثر من 400 بليون دولار، علما أن المبلغ سيصبح فلكياً عندما نقارن الدولار الأميركي بقيمته آنذاك، في منتصف الثمانينات، ناهيك طبعاً عن أثر الحرب على أسر الضحايا وعلى البيئة وانتشار الأمراض النفسية والجسدية.

الحروب دائماً بشعة فلنتجنبها، علما أن المملكة وعلى لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير قالت: “إنها لا تريد الحرب، ولكنها لن تسكت إن بادر الطرف الآخر”.
6 المواجهة الأميركية الإيرانية والحدود الممكنة خميس التوبي الوطن العمانية

هذه هي الولايات المتحدة حين ترغب في توتير الأجواء وإدخال العالم في متاهات الفوضى والحروب فإنها ـ لا شك في ذلك ـ قادرة على الفعل سعيًا وراء ما تريد أن تحصد، وتحقق ما وضعت من أهداف، ولديها أساليبها ووسائلها لخلق المبررات اللازمة التي تركب أجنحتها لتحلق بعيدًا في سماوات الكذب وغير المعقول لتبرر لذاتها، وتجبر من هم تحت عباءتها على الانجرار وراءها حتى لو كانوا غير مقتنعين، لكنها التبعية العمياء والولاء المطلق لها.
لقد افتعلت الولايات المتحدة الأسباب واختلقت المبررات من قبل، فشنت على ضوئها الحروب الاقتصادية، وحروب التدمير وإسقاط الحكومات ضد الدول التي رفضت الانضواء تحت عباءتها والتبعية لها، والتي ترى واشنطن أنها العقبة أمام تحقيق الهيمنة المطلقة على العالم، ووضع اليد على ثروات الدول ومقدرات الشعوب، وتأمين بقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعدم ترك ثقب إبرة لأي منافس لها، فكان آخر حربين من حروب الهيمنة حربي أفغانستان والعراق.
اليوم تدرك الولايات المتحدة أنها ـ رغم ما خسرته في حروب هيمنتها وما استثمرته في وسائل غير تقليدية كاستيلاد التنظيمات الإرهابية، وإنشاء جيوش بالوكالة ـ لا تجري الرياح بما تشتهي سفن هيمنتها، وإنما تواجه تحديات متعددة على أكثر من صعيد سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، واستعصاءات أمام التغلب عليها، خصوصًا وأنها باتت على يقين تام بحجم الكلف الباهظة لأي حرب تدخلها مجددًا مع أي من الخصوم الصاعدين على المسرح الدولي سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وأضحوا ـ إن لم يمثلوا ندًّا لها ـ يمثلون تحديًا صعبًا تخطيه أو التغلب عليه في كسب معادلة الهيمنة وأحادية القطبية.
ومما يؤسف له هو أن الولايات المتحدة نجحت في خداع بعض العرب وأصحاب البترودولار وفي بيعهم أوهام التخلص من يرونهم أو يصنفونه عدوًّا لهم، وتحديدًا الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقزيمها وتقليم أظافرها، وتهشيم مصادر قوتها، وكبح تدخلاتها في دول المنطقة مقابل ما يمكن وصفه بتمليك أميركا الأرض وما عليها وما في بطنها من ثروات وسيادة واستقلال وقرار سياسي، فأصبحت ثروات شعوب المنطقة وعائدات نفطها ليست ملكًا لهم، وإنما هي عبارة عن أتاوة تدفع مقابل حماية وصفقات سلاح.
إن الولايات المتحدة تجيد الرقص على جميع الحبال، فقد أخذت تراقص الجميع ببروجاندا حرب وشيكة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع ما يستوجب ذلك من استعراض عسكري ضخم، على الحالمين برؤية هذا الوجود العسكري الضخم يستخدم قوته التدميرية ضد إيران أن يتكفلوا بسداد فواتير تحريك قطعه العسكرية، في حين كان هناك من بدأ بإخراج مسرحيات وتمثيليات ليست مثيرة للضحك والسخرية فحسب، وإنما أقل ما يمكن أن توصف بأنها هابطة، يتوهم بأنها كافية لجر أرجل القوة العسكرية الأميركية الجبارة إلى المستنقع الإيراني، ونسي أن الولايات المتحدة لا تزال مسكونة بأوجاع الماضي، بل لا تزال تعاني هذه الأوجاع جراء حربي أفغانستان والعراق، وأنها لم تجد ما يبلسمها ويطيب جراحها سوى أموال البترودولار.
لذلك، ستظل الولايات المتحدة تنفخ في “الوحش” الإيراني، كما تصوره ويصوره أتباعها، ليظل بمثابة الشَّرَك الذي تجبى عبره الأموال. نعم، توقن أميركا بأن إيران تمثل خطرًا على كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي من أجل بقائه دمرت العراق، ثم ليبيا وسوريا واليمن عبر المخطط التدميري المسمى زورًا “الربيع العربي”، وذلك من خلال الدعم الذي تقدمه طهران لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، وتحالفها مع سوريا والعراق مشكِّلةً محورًا في مواجهة القوى الامبريالية الاستعمارية في المنطقة، إلا أن الدخول في حرب مدمرة مع إيران غير وارد في الحسابات الأميركية، كما أن طهران ـ وكما تؤكد ـ لا تريدها وترفضها ولكنها مستعدة لها؛ لأن كلفتها ستكون أكبر بكثير مما يقع في حسابات المراهنين على واشنطن في الدخول في هذه الحرب، ليس أقل من الدخول إلى الجليل والوصول إلى العمق الإسرائيلي، فضلًا عن الخسائر الباهظة في المنطقة والجوار الإيراني. وليس أدل على ذلك (أي رفض الحرب) من توسيط الولايات المتحدة خمس دول من أجل بدء مفاوضات جديدة مع إيران وعلى أسس وقواعد جديدة، علاوة على أن القطع العسكرية الأميركية لا يمكنها أن تعبر مضيق هرمز إلا بتصريح من الحرس الثوري الإيراني الذي صنفته واشنطن بأنه منظمة إرهابية. لذلك الحدود الممكنة لن تتجاوز الحرب الإعلامية والتلاسن، وهجمات على المدنيين في كل من سوريا واليمن.
على أن الخدعة الأكبر التي تمارس على العرب هي تجريدهم صهيو ـ أميركيًّا من جميع مظاهر قوتهم وتنميتهم، والاستيلاء على كل ثرواتهم ومقدراتهم، ومنعهم من امتلاك أسباب قوتهم ومنعتهم، بغطاء الحماية الخادع والمبتز، مع إرادة واضحة إلى إرجاعهم إلى عصر الخيمة والناقة، في مقابل تمكنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من بناء ذاتها وامتلاك أسباب قوتها وتفوقها لتصبح جميع الدول العربية تقريبًا لقمة واحدة في الفم الإيراني ـ إن جاز الوصف من أجل المقارنة.
7 أكراد سوريا لم يستوعبوا الدرس العراقي
عبدالله الأيوبي
اخبار الخليج البحرينية

كل الوقائع على الأرض في شمال شرق سوريا حيث تسيطر ما تعرف بــ«قوات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية شبه المطلقة، هذه الوقائع تشير إلى أن أكراد سوريا يتجهون إلى تكرار نفس الخطأ الذي وقع فيه أشقاؤهم من الأكراد العراقيين، سواء تعلق الأمر بطموح الاستقلال عن الوطن الأم، سواء عن طريق تنظيم استفتاءات بذلك كما حدث في إقليم كردستان العراق أو من خلال الاعتماد على الوعود الخارجية، والأمريكية منها بالدرجة الأولى، وهي الوعود التي ركن إليها أكراد العراق ووضعوا جميع خياراتهم في سلتها، خاصة بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حصارا خانقا على العراق وأخرجت السلطة العراقية من إقليم شمال العراق، هي نفسها الوعود ومن نفس المصدر، تلك التي يتكئ عليها الآن الأكراد السوريون الذين يبدو أنهم لم يستوعبوا دروس أشقائهم العراقيين الذين دفعوا ثمن التفريط في السيادة الوطنية لصالح وعود لا تضع لهذه السيادة أي اعتبار، بل تعاديها أصلا.

الظروف الموضوعية التي شجعت أكراد العراق على الذهاب بعيدا من أجل تحقيق طموحاتهم التاريخية، وعلى رأسها الاستقلال التام وإقامة دولة كردستان في شمال العراق، هي نفسها الظروف التي يبدو أن أكراد سوريا يريدون الاستفادة منها من دون أن يضعوا في اعتبارهم الإخفاق الذي أصاب الطموحات التاريخية لأشقائهم العراقيين، فسوريا الآن تمر تقريبا بنفس الظروف السياسية التي كابدها العراق أثناء فترة الحصار الذي فرض على العراق بعد غزوه لدولة الكويت الشقيقة واستغلته الولايات المتحدة الأمريكية لإضعاف العراق عسكريا واقتصاديا، وهو نفس الوضع الذي تمر به سوريا حاليا حيث تعاني حصارا اقتصاديا وحربا داخلية تخوضها الجماعات الإرهابية المدعومة من الخارج والتي تسببت في إنهاك الجيش السوري الذي كان يعد واحدا من أقوى الجيوش العربية.

سوريا زجت في معمعة حرب داخلية طاحنة وقودها أبناء الشعب السوري الذين وقعوا ضحية موجات ما سمي «الربيع العربي» والتي كانت مدخلا لإشعال الفتنة الداخلية في سوريا وتمهيدا للزج بجحافل المجموعات الإرهابية من كل حدب وصوب في وقت تبنت فيه العديد من الدول الإقليمية والقوى الدولية عملية تمويل وتسليح هذه الجماعات الأمر الذي أدى إلى خروج مناطق شاسعة من سوريا من تحت سيطرة الحكومة المركزية في دمشق ومن هذه المناطق شمال شرق سوريا حيث الأكراد السوريون يشكلون الأغلبية السكانية إلى جانب المواطنين العرب السوريين.

هذه الأوضاع السياسية والأمنية والدعم الخارجي والحماية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وجودها العسكري اللامشروع فوق أجزاء من الأراضي السورية، شجعت أكراد سوريا على إقامة إدارتهم الذاتية المستقلة تماما عن الحكومة المركزية في دمشق، الأمر الذي اعتبرته الحكومة السورية وقوى إقليمية مختلفة، مثل تركيا على سبيل المثال، أنها خطوات انفصالية من جانب الأكراد السوريين، كما حدث تماما مع أكراد العراق حين انتقلوا من مشروع الحكم الذاتي إلى مشروع الانفصال التام وإقامة دولتهم المستقلة من خلال الاستفتاء الذي تم تنظيمه في الإقليم في شهر سبتمبر من عام 2017 والذي أجهضت نتائجه الحكومة العراقية وبدعم قوي من جانب كل من تركيا وإيران المتضررتين مباشرة من هذه النتائج؛ أي الانفصال.

ما واجهه أكراد العراق من رفض وتصدٍ من جانب الحكومة العراقية وبدعم من دول الجوار، يمكن أن يتكرر بالنسبة إلى أكراد سوريا، صحيح أن الحكومة السورية ليست في وضع قوي يمكنها من إحباط المشروع الكردي السوري غير المعلنة تفاصيله الدقيقة، ولكن ولحسن حظها، فإن جارها وخصمها اللدود والقوي؛ أي تركيا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح لأكراد سوريا بتكرار السيناريو الكردي العراقي، لأنها باختصار ستكون المتضرر الأكبر من ذلك حيث يشكل الأكراد الأتراك جزءا كبيرا من المجتمع التركي ولديهم صراع تاريخي مع الحكومة التركية.

تركيا ومعها إيران أيضا، لم ترفضا نتائج استفتاء إقليم كردستان العراق حرصا منهما على سلامة ووحدة الأراضي العراقية، وإنما لدوافع ذاتية خالصة حيث إن هذه النتائج تهدد أمن الدولتين الوطني، والأمر نفسه سوف يتكرر مع خطط أكراد سوريا، فتركيا التي تشارك في عملية تدمير أركان الدولة السورية من خلال دعمها وتسهيلها لتدفق مختلف الجماعات الإرهابية إلى داخل الأراضي السورية، تركيا الآن تقود عملية التصدي لمشروع أكراد سوريا، حرصا منها على أمنها القومي، وليس المصلحة الوطنية السورية.

الحديث عن الطموحات الكردية في الدول التي يشكلون فيها مكونا أساسيا من المكونات السكانية، ليس له علاقة بحقوق المواطنة التي من حقهم التمتع بها في أوطانهم كغيرهم من جميع المكونات السكانية، فهذه حقوق يجب عدم تعريضها لأي شكل من أشكال الانتهاك أو التهديد، والحقيقة أن الأكراد في الدول التي يعيشون فيها لا يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، لكن ذلك يجب بأي حال من الأحوال ألا يكون سببا لأي تحرك انفصالي في أي من الدول التي ينتمون إليها، بل من حقهم أن يناضلوا ويطالبوا بحقوق المواطنة الكاملة أسوة بأشقائهم من المكونات العرقية الأخرى، فهذه مطالب مشروعة بل يجب دعمها وتأييدها، وهذا ما يجب أن تفهمه القيادات الكردية وأن تتحرر من وهم الاستقلال التام لأنها لن تحظى بأي تأييد لما يشكل ذلك من تهديد للدول التي ينتمون إليها.
8 التعليق السياسي صاروخ بغداد البناء اللبنانية

ـ على إيقاع التوتر والتصعيد في العلاقات الأميركية الإيرانية تبدو قوى المقاومة في العراق واليمن وقد رسمت خطتها لفتح ملفين رئيسيين ودمجهما بأيّ مفاوضات لاحقة للتهدئة، الأول هو العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، والثاني هو الوجود الأميركي في العراق.

ـ حركة أنصار الله تبدو مصمّمة على مواصلة استهداف منشآت حيوية في السعودية والإمارات وقد أعلنت مسوؤليتها عن عملية ضرب خط نقل النفط العائد لشركة «أرامكو» والذي يشكل البديل الاحتياطي لضخ النفط السعودي إذا تعذر استعمال مضيق هرمز وقد صدر عن أنصار الله بيان يقول إنّ عملية «أرامكو» ليست إلا البداية وأنّ ما قبلها ليس كما بعدها وربطت وقف عملياتها بشرط هو وقف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن.

ـ صاروخ الكاتيوشا الذي سقط في المنطقة الخضراء ببغداد قرب السفارة الأميركية لا يزال دون إعلان مسوؤلية لكنه يجد التوقيع عليه من بيانانت سابقة لقوى الحشد الشعبي المطالبة بإنسحاب القوات الأميركية من العراق ومن البيانات الأميركية التي تحدثت عن مخاطر تنتظر وجودها في العراق.

ـ لم تقع المواجهة الأميركية الإيرانية ولا تبدو أنها ستقع… لكن التصعيد يجري على صفيح ساخن ويفتح ملفات المنطقة بعضها على البعض الآخر حيث بات ملف الحرب اليمنية وملف الوجود الأميركي في العراق وملف التفاهم النووي الإيراني والعقوبات الأميركية على إيران في سلة واحدة يصعب الفصل بين مكوناتها…
9 أُهملت إيران حتى تنمرت
د.عبدالعزيز الجار الله
الجزيرة السعودية

يشعر المراقب العام في الخليج العربي بالاستغراب من ترك إيران تعمل على مدى (40) سنة على بناء قوة عسكرية هجومية، وقواعد دولية داخل الدول عبر المليشيات والوكلاء والاستخباراتيين والجواسيس، وتمكين إيران من العمل في ثلاثة مجالات عسكرية:
– السلاح النووي.

– صناعة الصواريخ العابرة.

– الطائرات المسيرة بلا طيار.

أيضًا جعل إيران تتمدد حول العالم:

– الوطن العربي (سوريا والعراق ولبنان واليمن).

– شرق إفريقيا ووسطها.

– آسيا الوسطى وحدودها الشرقية.

– أمريكا اللاتينية.

وتُركت إيران تتمدد عسكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا كمضاد للقوى الإسلامية السُّنية بعد 11 سبتمبر 2001م، وتوازن مذهبي في العالم الإسلامي، ومساعدة أمريكا في القضاء على نظام حزب البعث بالعراق عام 2003، وأخيرًا فتح المجال أمامها ليكون لها الدور الفاعل في الثورات العربية، واختطاف الربيع العربي؛ لتدخل إيران إلى الدول العربية من أجل تفكيك الدول العربية، وجعل فيها ثنائية المذهب السني والشيعي، وتقسيم أقاليمها وسكانها، وإدخالها في فوضى اجتماعية، تضعف التركيبة السكانية العربية.

أخطاء وقعت بها الدول الغربية والعربية بفتح المجال لإيران خلال (40) سنة لتتمدد دون رقيب من الغرب، ودون تحرك عسكري تصنيعي مضاد مثل الصناعات العربية النووية السلمية والعسكرية، والصاروخية والطيران العسكري المسير؛ فعملت إيران ودول عديدة، منها تركيا، تحت غطاء محاربة الجماعات الإرهابية الإسلامية، ومنع قيام دولة كردية كبرى في شرقي تركيا وغربي إيران وشمال العراق وسوريا، أو قيام دويلات كردية في هذه الدول، وأخيرًا العمل مع الغرب على استثمار ثورات الربيع العربي في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان وغزة من أجل إضعاف وتقسيم الوطن العربي.

في المرحلة الحالية على العرب مواجهة القوى الإيرانية بالسعي لتطوير السلاح النوعي والصاروخي والطائرات بدون طيار، مع المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية، ومحاصرة مبيعات النفط الذي يمول عمليات إيران العسكرية، وأيضًا الضغط في اتجاه تجريد إيران من السلاح النووي والصاروخي والطائرات إما بالحرب المباشرة مع قوى التحالف الدولي، أو حصارها اقتصاديًّا عربيًّا طويل الأجل.
10 ماذا يجري في العراق؟
محمود شومان الجزيرة السعودية

يتصاعد الحشد العسكري من قبل الولايات المتحدة لمواجهة «التهديدات» الإيرانية لمصالحها ومصالح الحلفاء في منطقة الخليج، بداية من إرسال قاذفات أمريكية من طراز B-52 إلى قاعدة العديد في قطر وإرسال حاملة الطائرات (أبراهام لينكولن) إلى الخليج. بينما على الجانب الآخر تتصاعد اللهجة «الكلامية» فقط للجانب الإيراني إن طهران مستعدة لجميع السيناريوهات من «المواجهة إلى الدبلوماسية»، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل حربًا أخرى في الشرق الأوسط.

ومع هذا وذاك تتصاعد جبهات المواجهة «غير المباشرة» مع إيران ووكلائها بالمنطقة بتخريب أربع ناقلات نِفط عملاقة في مياه الخليج بالقرب الفُجيرة، تعتقد الولايات المتحدة أن الدور الإيراني تمثل في تشجيع مسلحين على القيام بمثل هذه الأفعال ولم يقتصر على مجرد التلميح غير المباشر، كما أعلن وزير الطاقة السعودي، خالد بن عبد العزيز الفالح، أن محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق – غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي تعرضتا لهجوم من طائرات دون طيار مفخخة. لكن جبهة أخرى كانت على موعد مع الدخول في موجه تصاعد المواجهة غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بعدما أمرت الخارجية الأمريكية موظفي حكومة الولايات المتحدة من غير العاملين في حالات الطوارئ بمغادرة العراق على الفور، سواء كانوا في السفارة الأمريكية في بغداد أو في القنصلية الأمريكية في إربيل، وتبعتها دول آخر مثل ألمانيا التي أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، أن بلاده ستعلق عمليات التدريب العسكري في العراق بسبب تصاعد التوتر في المنطقة، وكذلك ذكرت وكالة الأنباء الهولندية أن حكومة البلاد علقت عمل بعثتها في العراق التي تقدم المساعدة للسلطات المحلية بسبب تهديد أمني.

ودون إعلان مسبق طار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو في زيارة مفاجئة إلى بغداد بعد أن أظهرت معلومات استخبارية أمريكية أن جماعات شيعية مسلحة مدعومة من إيران تنشر صواريخ قرب قواعد للقوات الأمريكية طلب خلالها وزير خارجية أمريكا من كبار القادة العسكريين العراقيين أن يُحكموا سيطرتهم على هذه الجماعات التي توسع نفوذها في العراق، بعد أن أصبحت الآن تشكل جزءاً من جهازه الأمني. وإن لم يفعلوا فسترد الولايات المتحدة بقوة، وأنه في حالة تعرض أمريكا للهجوم على الأرض العراقية فإنها سترد للدفاع عن نفسها دون الرجوع إلى بغداد.

في الوقت الحالي يتواجد على الأراضي العراقية 5500 عسكري أمريكي تقريبًا بين مدرب ومختص وفني ومستشار عسكري وأمني وقوات مهام خاصة، في معسكرات عدة وقواعد، منها قاعدة بلد، وهي الأكبر والأهم حيث تحتوي على منشآت عسكرية متعددة إضافة إلى مدرج لطائرات فئة F16 وقاعدة التاجي وكركوك وقاعدة فكتوري «النصر» داخل حدود مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد «القادسية» في غرب الأنبار، وهي بمنزلة معسكر محصن لانطلاق العمليات الخاصة، وكذلك قاعدة الحبانية «التقدم» فيها معسكرات ومنامات ومواقع للخزن ولطائرات المروحية ومدارس للتعليم الأمني ومقرات للتحكم والسيطرة.

من الطبيعي جداً أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق على العسكريين الأمريكان في العراق خاصة بعد التقارير الأخيرة، وأن إدارة ترامب تعلم أن الحكومة العراقية ورئيس الوزراء العراقي غير قادر على الحد أو تلجيم المليشيات الشيعية الموالية لإيران التي تفوق قدرتها العسكرية الجيش العراقي والقوي الأمنية العراقية.

ومما يزيد خطر واشنطن ما أكدته مصادر إيرانية وعراقية في وقت سابق إضافة إلى مصادر غربية أخرى أن طهران قدمت صواريخ باليستية لجماعات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وإنها تطور القدرة على صنع المزيد من الصواريخ هناك لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط ولامتلاك وسيلة تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة بمنزلة خطة بديلة في حال تعرضت إيران للهجوم.
11 عقدة الحدّار.. جرح البدوي المتحضّر
– د. سامي العجلان
الجزيرة السعودية

هل يمكن أن تسافر عبر الزمن؟ هل يمكن أن تعود أكثر من مئتي عام إلى الوراء لتتأمل ذاتك القديمة، وصحراءك القصيّة، وأجدادك المتحدّرين في دمائك؟ تلمس بكفّك الحضرية المتأنقة غضون وجوههم المتعبة، وعروق أيديهم النافرة، وتشهد شظف معيشتهم وخشونة أيامهم، وتلمح ظمأ الحلم في عيونهم، وخطوات الزمن الوئيدة فوق رمالهم وكثبانهم، وتصغي إلى حكاياتهم ورنّات رباباتهم، وثغاء ماشيتهم وأطفالهم، وتتنفس -ملء رئتك التي خنقتها المدنية- هواء فلواتهم، وتمضغ -حقيقةً لا مجازاً- التراب الذهبي المتناثر دوماً في أجوائهم.

هذا ما حاول أن يصنعه خليف الغالب في أول أعماله السردية: (عقدة الحدّار: 2019م) الذي يروي فيه حكاية (مطلق) ورفاقه الستة في حدْرتهم، أو قلْ: في رحلتهم المضْنية عبر صحراء الجزيرة نحو حواضر العراق؛ بحثاً عما يسدّ رمقهم، ويؤمّن كفاف المعيشة لهم في بواديهم؛ ولكنّ أحداث القصة ستكشف لنا أن بحثهم الحقيقي لم يكن سوى عن ذواتهم التي أضاعوها في فجوةٍ ما بين الواقع والحلم، بين الطفولة والرجولة، بين البداوة والحضارة، بين ملهاة الغفلة ومأساة الوعي، بين الصبر الذليل على الضيم، والانتقام المنتفِض عليه، بين الحياة الأشبه بالموت، والموت الأشبه بالحياة، باختصار: بين تنهّدات البدوية: (ميثا) اليائسة، وعنفوان ابنها: (مطلق) الذي لا يعرف المستحيل؛ تماماً كاسمه المنفتح على ما وراء الأفق، وكركضِه الجنوني الجامح نحو المجهول؛ حيث «يغسل روحه»، وكغضبه المكظوم الذي كان وحده «يكفي لأن يتذكر كلّ شيء» .

2 -إيقاع السرد:

«كلما اقتربتْ منك الأشياء.. ابتعد جوهرها».

عقدة الحدّار

تتكوّن هذه القصة من مقدمة قصيرة، وثلاثة أبواب، أمّا المقدمة فتأتي أولاً بلسان الكاتب، أو إن شئت: (الراوي المضمَر) الذي يحكي كيفية العثور على مخطوطة القصة في مكتبة مجهولة، وفكرة: العثور على مخطوط أو كتاب مجهول هي حيلة سردية معروفة نجد أشباهها عند عدد من كُتّاب القصة؛ مثل: بورخيس، وإمبرتو إيكو، وإليف شافاق، ويوسف زيدان، وسعود السنعوسي، وتنتقل المقدمة بعد ذلك لتكون بلسان الراوي الخيالي للقصة وصاحب الكتاب المخطوط: (عبداللطيف البصري)، وهو انتقال نهائي؛ إذْ سيستمر صوت (عبداللطيف البصري) -بأسلوب ضمير المتكلم- هو الصوت المسيطر على إيقاع السرد حتى نهاية القصة.

وأمّا الأبواب الثلاثة فيضمّ كلّ باب منها مجموعة من الفصول المرقّمة، وقد حمل الباب الأول عنوان: (يا شاريَ العبد) في إشارة إلى عقدة من عُقَد السرد حين يُضطر (مطلق) إلى بيع نفسه في سوق (المشهد)، بينما حمل الباب الثاني عنوان (الموت ليس سيئاً)، وهو مقتبس من آخر عبارة ترِد في هذا الباب، أمّا الباب الثالث فحمل عنوان (لعيون باميلاّ!) في إيماءة لأحد أوهام (مطلق) الذي كان له أثره المهم في دفع عجلة السرد نحو الأمام. وبين هذه العناوين الثلاثة يبدو عنوان الباب الثاني أبعدها عن أجواء القص؛ لأنه عنوان تقريري أولاً، ثم هو ثانياً عنوان غير سردي، ومخالف لطبيعة عنواني البابين الآخرين اللذين حملا إشارات سردية مشوّقة.

يعود بنا زمن القصّ إلى بدايات القرن الثالث عشر الهجري، وأواخر القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث كان للبداوة والصحراء حضورهما الطاغي في الجزيرة العربية، قبل أن يتقلص هذا الحضور إلى حد بعيد مع تمدّد المدنية المعاصرة، وتوسع مظاهرها في أرجاء الجزيرة، والغريب أن الراوي البصري للقصة يحدد السنة التي كتب فيها هذا المخطوط المفترَض، فيجعلها سنة 1213هـ/1798م، وهي السنة نفسها التي احتلّ فيها نابليون مصر، وتغيّر بعدها وجه المنطقة العربية، والراوي لا يشير إلى هذا الحدث التاريخي؛ ولكنّ القارئ لن يستبعد ما يحمله هذا التوافق من إسقاطات ثقافية محتملة .

علاقة الراوي (عبداللطيف البصري) ببطل القصة (مطلق) تبدو وكأنها علاقة شعرية، فهو يصِف شخصيته ويتحدث عن أخباره بقدْر غير قليل من التعلّق والدهشة والإكبار، وربما يذكّرك في مواضع متفرقة من السرد بأسلوب محمود المسعدي المغتسِل بالصياغة التراثية الأنيقة وهو يصِف بطل قصته الخارق بتلك الأوصاف الخيالية المحلِّقة، أو حين يروي عنه عباراته الشعرية البليغة، وحِكَمه الإنسانية العميقة، وذلك في سرديته العجائبية: (حدّث أبو هريرة قال)، وهاتان السِمتان (المسعديتان): اللغة الشعرية المتأنّقة، والحِكَم الإنسانية المترادفة هما أيضاً سمتان طاغيتان في (عقدة الحدّار)، تأمّلْ مثلاً هذه العبارات: «كوجهِ نبيٍّ لم يؤمن به أحد… إنها كسائر الأمهات حين ينشغل قلبها تنشغل يدها… ثم ابتسمتْ ابتسامةً قديمة كأنها ليست منها… يجب أن نعضّ الدنيا كما تعضّنا، أن نغرس في كبِد الحياة حربة البدويّ الغاضب… لو خلق الله رجلاً من زجاج لكان ناصر… الغرباء يملكون أحزاناً أنيقة… حينما أراد الإنسان أن يكون عبداً: اخترع المدينة… للنخل قبل الغروب لون آخر، لون يُشبه ذواتنا من الداخل».

كما تذكّرك صياغة الراوي الشعرية في مواضع أخرى بمخاطبات النفّري ومواقفه، حين يروي مثلاً بعض تجليات (مطلق)، فيقول: «وقال لي: ليتني كنتُ بعيراً نِصفُ معيشتي: أن أمشي، وقال لي: ليتني ما تعلّمتُ القراءة، أشعر بأنّ نفسي تلاشت ونبتَ مكانها نفس أخرى لا أعرفها، وقال لي: كلّما قرأتُ شيئاً جديداً من أوراقك هذه أشعر بروحي تفسُد»، فهذا التكرار الإيقاعي لعبارة (وقال لي) هو تكرار نفّريّ بامتياز .

أمّا ما يتعلق بالإطار العام للسرد والحبكة القصصية فإذا استثنينا بعض المآخذ الفنية التي ستفصّل الفقرة الأخيرة من هذا المقال الحديث عنها؛ فإن الانطباع الملحمي القوي الذي تخلّفه هذه القصة في نفس القارئ يُنبئ عن تمكّن واعد من أدوات القص والتخييل عند هذا الروائي الشاب، فهو يمتلك على الأقل ثلاثة مفاتيح أساسية للمضيّ قُدُماً في عالم السرد، وأولها: القدرة العالية على تشويق القارئ وشدّ انتباهه؛ عبر البنية القصصية المتماسكة، ومن خلال ابتكار ثيمات قصصية قادرة على مدّ خيوط السرد، ودفع القارئ إلى التساؤل الدائم عن دلالاتها ونهاياتها، ومن هذه الثيمات القصصية الجاذبة: عقدة شال (مطلق) التي ظلتْ تنوسُ أمام عينيه طوال الرحلة؛ مذكّرةً القارئ كلّ مرة بالخيط الأساسي للقصة، والاحتمالات المتكافئة لبقائه أو انقطاعه، ثم رائحة الدم التي كان (مطلق) يشمّها وحده، واستمرت تُعاوده وتستثير حواسه عبر مفاصل الحكاية، وآخر هذه الثيمات الجاذبة: خيوط الثأر المتكشّفة ببطء، والمتسلسلة من سعدون المسعد حتى ابنه: حازم السعدون .

والمفتاح الروائي الثاني هو: هذا التصوير الدقيق لمسرح الأحداث، فعلى امتداد القصة هناك تجسيد بصري وجغرافي حاذق للصحراء من جهة؛ بوديانها وهضابها ومسالكها المتعثّرة، ولمدن العراق: النجف، والحِلّة، وبغداد من جهة أخرى؛ بأسواقها، وسِكَكها، ودُورها، وناسها، وكلّ هذا ينمّ عن دراسة دقيقة لفضاء السرد، وكأنما سافر الروائي بنفسه إليها، أو لعله استعان بكثير من كتب الرحّالة المعنيّة بمثل هذا التوصيف الدقيق للأمكنة، ولم يكن مصادفةً أن تُصدَّر القصة بنص مقتبس من أحد الرحّالة البولنديين، وهو: فاتسواف جفوسكي صاحب كتاب (انطباعات عن الشرق وشبه الجزيرة العربية).

أمّا المفتاح السردي الثالث الذي يمتلكه كاتب القصة فهو: لغة عرض مصقولة ومتدفقة، ومستنِدة إلى مخزون معرفي تعالِج من خلاله أدقَّ الأفكار وأجرأها، كما تشفّ كذلك عن درايةٍ بالثقافة البدوية المحلية؛ بأعرافها، وتسمياتها، وروحها التعبيرية الخاصة؛ وإنْ لم تخلُ هذه اللغة المتميزة من بعض العثرات في أسلوب العرض والتعبير؛ كما سيأتي لاحقاً، وكذلك من بعض الهَنات اللغوية النادرة.

3 -وحشة اللغة.. أُنس الرموز:

«وفي الليل.. كان يغمرنا الطلّ، وكم من مرة اعترانا الخجل وشعرنا بأننا لا شيء يُذكَر أمام هذا السكون الرهيب الذي تفرضه النجوم المتلألئة».

لورنس: أعمدة الحكمة السبعة

«الذي يصمت طويلاً تتكلم أفعاله».. هكذا قالت خالة (عبداللطيف البصري) -راوي القصة- محذّرةً ابن أختها من هذا الـ(مطلق) الصموت، عادةً نحتاج إلى الكلام حينما نريد أن ننفّس عن مشاعرنا؛ ولكنّ من يريد بقاء هذه المشاعر حيةً متوقدة داخله فهو أبعد ما يكون عن الحاجة إلى الكلام، يكفيه فقط التعلُّق ببعض الرموز الملهِمة التي لا يفهمها سواه: العُقدة التي ربطتْ بها والدته الطرف الأيمن لشالِه حين ودّعتْه، وأقسمتْ عليه أن لا يحلّها أحد سواها؛ ليتذكّر طوال غيبته كلما تأمل هذه العقدة أنّ صاحبتها ما تزال هناك بانتظاره، ورائحة الدم التي ظلّ -وحده- يشمّها في أنفه على امتداد رحلته؛ محرِّضةً إياه على الانتقام لوالده، وأخيراً: باميلاّ.. الفتاة الخيالية المنتهَكة التي كان الحقد بحاجة إلى وجودها المفترض؛ لتؤكد تجذُّر الشر في نفس الجاني، واستحقاقه للعقاب (الكوني) العادل.

يستوحش البدوي الغريب من لغة الناس في الحاضرة، ويعجز عن التعبير بها عن مكنوناته؛ لأنّ «الغربة تفتّت حبّات الروح وتطحنها»، والغربة الأقسى ليست غربة المكان، بل «الغربة: غربة اللسان حقاً»؛ كما يقول (عبداللطيف البصري)؛ أي غربة الإحساس بالأشياء، وطريقة التعبير عنها، يقول جون لويس بيركهارت في كتابه (رحلات إلى شبه الجزيرة العربية): «لكنّ حاجات البدوي وعاداته تختلف إلى حد بعيد عن تلك الخاصة بأحد أبناء المدينة، إذْ إنّ أحدهم لا يستطيع العثور على العبارات التي تعبّر عن أفكار الآخر» .

من هنا يلمس هذا البدوي القادم من الصحراء مصابيح الحضارة بأطراف أصابعه؛ متوجّساً من بريقها، خائفاً من احتراقه بلهبها، مشفقاً -إلى حدّ الجزع- على براءته وبقايا كرامته من رعونة المدنيّة، وسحقها للفرادة لصالح انتظام الجموع.

هكذا تشيع مادة (الخوف) في القصة بقدْر لافت جداً، وتتحول رجفة الخشية إلى شجنٍ مرتّل.. إلى شيءٍ يُشبه العاطفة الدينية، لنتأمّلْ هذا الحقل الدلالي المعجون بالخوف على امتداد صفحات القصة: «إنه خائف منذ مئات السنين… سأبدأ بسرد الحكاية، أنا خائف الآن… مات مِيتةً مخيفة… وابتسم مطلق ابتسامةً ممزوجةً بالخوف… لكني أخاف الموت في الظلمة… له ذاكرة مخيفة… المخيف أكثر أنه يرى أشياء لا أراها… رجلاه تتعاقبان بخِفّة مخيفة… وامتلأ قلبي بالخوف… وخِفتُ عليها… يريد أن يُخيف به الصغار… هذا الذي يُخيف الناس ويبطش بهم… أريد منه حمايتي من هذا المنظر المخيف».

وهنا تختلط الأمور على القارئ، فلا يعلم مصدر هذا الهاجس المسيطر: أهو تسلسل الأحداث الغادرة في القصة، أم هي لغة الراوي البصري الذي لا يستطيع بحكم التكوين إلاّ أن يعزف على (المقام) العراقي الميال دائماً إلى الشجن، أم هو بعض ما يفيض من كأس المرارة في المستقر الأخير للسرد. ومن الغريب حقاً أن تشيع هذه الروح المستسلمة في قصة كفاحٍ وثأر، وكأنّ اللغة الموحِشة تأبى إلاّ أن تظهر، وأن تُقاوم الغرق الإبداعي؛ ملوّحةً بكلتا يديها بين أمواج الترميز السردي البعيد؛ خاصةً إذا أضفتَ إليها بعض الإسقاطات المضمَّنة داخل الأحداث؛ كموقف البغداديين من سليمان باشا، وأحاديث (الشيخ فارس) أمام الراوي، ومشهد تحرير (مطلق) من الأسر.

4 -أسوار الاحتراس:

«لو انطلق هذا الخيال الشرقي المكبوت

الذي تنفّس بألف ليلة وليلة، لعانق النيّرين».

اميل حبيبي: الوقائع الغريبة…

منذ الصفحات الأولى من القصة تصافحنا الاحتراسات (الأكاديمية) الحذِرة في لغة السرد، فالناقد المختبئ خلف ريشة القص حريص جداً على تسديد كل الثغرات (المنطقية) التي يمكن أن يتسلل منها المعترضون ذوو النكهة الأكاديمية الثقيلة، هكذا يكرر الراوي البصري في تقديمه للقصة، وفي مواضع متفرقة منها، وبإلحاحٍ لافت أن قصته مزيج من الواقع والخيال، وأنها «حكاية حدثتْ في الواقع مرة، ثم حدثتْ في ذهني مراتٍ كثيرة»، وأن «الخيال قد عدا على ذهني، فأفسد من هذه القصة وأصلح، وزاد ونقص، وعدّل وبدّل، حتى صار الواقع خيالاً»، وكلّ هذا استباقٌ نقدي يُضعف إلى حد بعيد من أثر تصديق الراوي لما يرويه، وهو أحد العوامل المهمة في بناء الإيهام القصصي لدى القارئ، وقوة اندماجه في عوالم السرد.

وسيتعثّر القارئ مِراراً بتلك المسافة المحترِسة التي يضعها الراوي دائماً بين قلمه وبين أحداث القصة، فالراوي -وهذه مفارقة- غير مقتنع تماماً بأسلوب (الراوي العليم) في السرد الذي يستطيع أن يتسلل إلى نفوس أبطاله، وأن يتحدث بلسانهم، وأن يكشف أمام القارئ عن خواطرهم ومكنونات ضمائرهم؛ ولهذا كان بحاجة إلى هذه المرافعة الاحتجاجية المطوّلة: «أعلمُ أني سأدخل في نفس (مطلق)، وفي نفوس الآخرين، ستجدني أقول: كان يشعر بكذا، ويحسّ بكذا.. سأتحدث بألسنتهم، أضع ذاتي مكان ذواتهم، وستراني أتسوّر الجدران، وأدخل بك القصور والسجون والغُرف، نعم، أنا لا أعلم ما في الصدور، ولا أرى ما وراء الجدران، لا أعلم الغيب.. لكني أشعر به، أتخيّله، أحسّه، ألمسه، أقبض عليه، في خيالي على الأقل».

ولم يكتفِ الراوي بهذه المرافعة الاستهلالية، بل راح على امتداد رحلة السرد يرفع أصبعه الاحتراسي المرة تلو الأخرى أمام عين القارئ؛ ليذكّره بأنه لا يعلم حقيقةً ماذا حدث بالفعل، وأنه إنما يتخيل الأحداث فقط، وهذه بعض الأمثلة: «عاد (مطلق) يحدّث نفسه بعد أن نام الجميع، أو هكذا تصورتُه… كان يحدّث نفسه، أو هكذا تصورت… لذلك رأيتُه يتحدث مع نفسه، رأيتُه في رأسي… لذلك لم يكن صعباً على خيالي أن يراه… هل قال (مطلق) هذا الكلام بنصّه أم أني أتخيّل هذا؟… تصورتُها مراراً محتارةً في قصرها». والتعاقد التخييلي بين راوي القصة وقارئها يُغني عن كل هذا التدقيق المفاهيمي والتحقيق الأكاديمي، وربما ما دفع الكاتب إلى هذا الحذر هو أن القصة محكيّة على لسان (عبداللطيف البصري) الذي ينتمي لعصر قديم لم تكن الأعراف الروائية شائعةً فيه، وهو افتراض غير دقيق أيضاً؛ لأن التراث مكتنز بالأعمال السردية التخييلية.

ومما يؤكد تغلغل هذه الروح الاحتراسية في القصة: ذلك الحرص الواضح على تفسير كل ما يمكن أن يحتمل الغموض من أسماء أو أعراف، كتفسيره لمعاني أسماء: (خضرا) و(حدرة)، و(المتاييه)، وكذلك معاني الأسماء التي يُطلقها البدو على مراتب المطر. ويمتدّ هذا الحرص التوضيحي حتى إلى سرد الأحداث ورسم المشاهد، فالمشهد الفانتازي الذي ظهرتْ فيه (ميثا) فجأةً أمام ابنها (مطلق) وسط الصحراء البعيدة؛ لتقدّم له وصاياها المؤثرة يُنهيه الكاتب بقوله: «أفاق من غفوته على صوت الجماعة»، وهكذا بدّد حضوراً عجائبياً وغموضاً ثميناً من الناحية الفنية. وحين راح الراوي البصري يصِف نفسه في عين (مطلق) عندما رآه لأول مرة، فإذا هو: «رجل في منتصف العمر، له عارضان أسودان خفيفان، وعينان زرقاوان، يبتسم»، لم يهنأ بهذا الوصف المحايد حتى أردفه بتفسيره: «أنا كنتُ أبتسم له».

كذلك كان الراوي حريصاً على أن يسدّ ثغرةً (أكاديمية) أخرى ربما ينفذ منها الناقدون، وهي: التفاوت الواضح بين الأسلوب العصري الذي صِيغت به القصة، والأسلوب التراثي المفترَض الذي يمكن تصوُّر أعرافه الأسلوبية المخالفة لدى كاتب عاش قبل أكثر من مئتي عام؛ ولهذا قال الراوي البصري في تقديمه للقصة: «أكتبُ مخالفاً أعرافَ أهلي وطرائق زماني، أريد أن أقول شيئاً عميقاً… ربما كنتُ أكتبُ للآخرين، للذين لم يأتوا بعد، للذين لا يُغريهم السجع والجناس».

نعم، صحيح أن هناك مواضع متعددة في القصة تظهر فيها لغة السرد مغرقةً في الحداثة، ويبدو أسلوب التعبير فيها معاصراً جداً، وغير متوائم مع الأعراف الكتابية والثقافية لزمن الراوي البصري، كما أن هناك مواضع تجلّى فيها الراوي فكرياً، فقدّم مثلاً نظرات فلسفية عن مائيّة الإنسان وطبيعته السائلة، وتأمّلاً عميقاً في علاقة الإنسان الجدلية بالصحراء والمدينة، ورؤى وجودية في التداخل الملتبِس بين الموت والحياة؛ ولكنّ هذه مفارقات أسلوبية وسردية ستبقى وستُلاحظ، ولن تحلّ إشكالها التنبيهاتُ الاحترازية التي شغلتْ نصف مقدمة الراوي البصري لقصته. في الواقع كنتُ أتمنى وأنا أقرأ هذه المقدمة الحذِرة أن أغمس أصابعها من جانب بجنوح (الواقعية السحرية) في (ألف ليلة وليلة)، وأعمال: كافكا، وماركيز، وإيزابيل اللندي، وأن أدغدغ أعصابها المشدودة من جانب آخر ببساطة السرد العميق عند نجيب محفوظ الذي يبدو عفوياً جداً، وغير عابئ بالتفسير.

تبقى ملحوظة أخيرة، وهي: المبالغة العاطفية في بعض مواضع القص؛ مثل: المشهد الذي يصف ردة فعل (مطلق) على الألفاظ النابية التي أطلقها حازم السعدون عليه، وكذلك: المشهد الذي يصوِّر لقاء (مطلق) بخاتون خانم. وتزداد غرابة المشهد الثاني على الأخص حين نستحضر الصورة النمطية التي رسمها السرد عن شخصية (مطلق) المتحفّظ والمتوجّس والكَتوم.

أقول أخيراً: إنّ هذا العمل السردي يُنبئ عن موهبة قصصية لا يمكن إنكارها، وبصرف النظر عن كلّ هذه الملحوظات النقدية المتحذلقة؛ فإنّ الذكرى الأهمّ التي أظن أني سأحتفظ بها لوقت طويل عن هذا العمل هي: ذلك الشغف الطفولي الذي استولى عليّ وأنا أتتبّع سطوره وأترقّب أحداثه، وما سوى هذا الشغف: مجرد تفاصيل.

12 مراحيض اليابان ومؤسساتنا العراقية
واثق الجابري
راي اليوم بريطانيا

إعتلى إمبراطور اليابان الجديد ( ناروهيتو) العرش، في إحتفال رسمي أقيم قبل أيام ، بعد تنحي والده، ليصبح الإمبراطور رقم 126 لليابان، في إحتفال إستمر 6 دقائق فقط، بعد تخلي والده الأمبراطور ( أكيهيتو) عن العرش بعد حكم استمر أكثر من ثلاثين عاماً، وشهدت اليابان خلاله تغيرات هائلة من حقبة “أحلال السلام” الى عصر ” الإنسجام الجميل” وتغيرات اخرى عميقة وطريفة، ومنجزات إقتصادية وتكنلوجية هائلة، وصلت الى مراحيض منازل الشعب الياباني!

نصب أكهيتو عام 1989م، في بلد يعيش رخاءا إقتصاديا وسكانه حينها كانوا 123 مليون نسمة، فيما أرتفع عدد السكان قبل عقد الى 128 مليون، والآن 126 مليون، وربما تركت اليابان مرتبتها الثانية في القوة الإقتصادية للصين، كشريك إقتصادي بتبادل تجاري يصل الى 280 ألف مليار ين، بفارق كبير عن عام 1989 الذي كان 24 ألف مليارين دولار، ولكنها تبقى اليابان القوة الإقتصادية المؤثر في الساحة العالمية إقتصادياً وتكنولوجياً.

قبل عقود لم تكن اليابان وجهة يقصدها السواح، سوى 28 مليون سائح سنوياً، وبتشجيع رئيس الوزراء شينزو آبي، الذي جعل من السياحة أحدى أولويات تنشيط الإقتصاد، وفي العام الماضي، سافر الى اليابان 31 مليون زائر، وتستعد لإستقطاب 40 مليون، مع إقامة أولمبياد طوكيو 2020م وبطولة العالم للركبي في غضون أشهر.

كانت اليابان تسمى جنة المدخنين لفترة طويلة، ويسمح بتناول السكائر في الحانات والمطاعم، وفي عام 1989 كان 61% من الرجال و 12% من النساء يدخنون، أما الآن فلم يتبقى سوى 28% رجال و9% من النساء، بتطبيق سياسة أكثر تشددا في الشوارع، وفي عام 2020م سيدخل قانون حيز التنفيذ ويحضر التدخين في المطاعم التي تقل مساحتها عن 100 متر.

من المنجزات الطريفة وصول التكنلوجيا للمراحيض، و80% من المنازل مجهزة بهذه المراحيض، ولم تكن النسبة تتجاوز 14% عام 1992م.

في العراق أيضاً صدر قبل أعوام صدر قانون حظر التدخين في الأماكن العامة، ولكنه كبقية القوانين التي تخلوا من آليات التطبيق، فكيف سيتم الإبلاغ عن مواطن يدخن في( الكيا).. وكيف إذا كان السائق يدخن في تموز؟!

من يمنع المدخن في المؤسسات إذا كان الموظف يدخن علناً، ورجل الأمن يدخن في الشارع أثناء شهر رمضان، في حين أنه من الممنوعات التي يفترض فيها محاسبة المدخن!

أما مراحيض المؤسسات الحكومية، فحدث ولا حرج، بدءً من المنافذ الحدودية والمطارات والمستشفيات والمدارس والفنادق!!

إن المقارنة بين العراق واليابان صعبة جداً، ولكن على الأقل نعتبر جزءً من تقدمها لصناعة حاضرنا ومستقبلنا، وعند مقارنة تنصيب الأمبراطور بستة دقائق، بينما تقام في العراق عشرات المؤتمرات يوميا، وعشرات الكلمات والساعات، والوقت يهدر دون أثر واضح على الإنتاج والإقتصاد والفرد وقوانين الدولة وتطبيقاتها، والمقارنة هنا مجحفة، والوقت يضيع دون فائدة، ونهمل أساسيات بناء الدولة.

وجه الدولة يظهر من منافذها الحدودية ومطاراتها وفنادقها ومؤسساتها، وبما أن اليابان أدخل التنكلوجيا الى المراحيض، فأن في العراق بعض المؤسسات لا تصلحح أن تكون حتى مراحيض.

يقول مثل شعبي “يمكن أن نحكم على نظافة البيت.. من مراحيضه”، وتسمى المراحيض بـ”بيوت الراحة”، وهو ما يستدعى وجوب نظافتها وتزيينها، ليشعر مستخدموها براحة نفسية فى أثناء استعمالهم لها.
13 هل أضحى العراق بين خطيئة البرادعي وخطايا الجوار؟ وهل سيشارك في الحرب القادمة؟
د. محمد عبدالرحمن عريف

راي اليوم بريطانيا

جاءت البداية في وقت لم يكن هناك فضاء إعلامي مثل اليوم نتذكر جيدًا متابعة B.B.C في عام 1991، عندما كانت (أبراهام لينكولن) تقصف العراق، هم لديهم ذكرى سيئة عنها. وإن استمرت لقرابة نهاية العقد الثالث نحو هذه الخراب.
هناك مواقف متنوعة وموثوقة.. وتقوم على أسس دقيقة ترى أن محمد البرادعى قد شارك فى الإجراءات التى أدت إلى صدور قرار الحرب على العراق وعملية غزوه التى أدت إلى احتلاله عام 2003، وسبق أن نشرت «روزاليوسف» المصرية حوارين متتاليين الأول ليسرى أبوشادى الخبير السابق فى وكالة الطاقة الذرية.. والثانى للعالم المصرى الكبير فى المجالات النووية الدكتور محمد ناجى.. واتفق كلاهما على أن ما اقترفه البرادعى فى عملية غزو العراق كان سببًا جوهريًا فى «شرعنة» قرار الغزو.
هنا وفي ضرورة أن نقيم الموقف الحقيقي الذي تبناه الموظف الدولي محمد البرادعى.. وهل كان عليه أن يتخذ غيره؟.. وما الخطايا التي ارتكبها؟ ما أدى إلى تجدد الجدل حول الموضوع هو البرادعي نفسه، تصريحاته المتكررة التي تحاول التبرؤ من الكارثة التي دمرت العراق.. دفاعه عن سمعته المهنية وتاريخه الذي يرى البعض أنه في هذا المجال كان مؤسفًا ومخزيًا..
سبق أن قال البرادعي في رده على أسئلة لمجلة «تايم»، قبل أن يترك منصبه الدولى: «الحرب على العراق أسوأ لحظة في حياتي.. كان علي أن أصرخ أكثر.. كان علي أن أصرخ لمنع الاستغلال السيئ للمعلومات التي قدمناها». هذا الندم المتحفظ، الذىي يخلي المسئولية الشخصية من قرار الحرب، لم يقنع الكثيرين، خاصة أن الوقائع ليست بعيدة.. وما جعل الموضوع حيًا مجددًا كان هو البرادعى نفسه أيضًا.. إذ أدلى بتصريحات لصحيفة «الجارديان» البريطانية يوم 2010/3/31 ركز فيها على مسائل ثلاث هي:
-إن جميع تقاريره «حول نزع أسلحة العراق» في فترة التحضير للحرب على العراق صيغت بطريقة تجعلها «محصنة ضد سوء الاستخدام من قبل الحكومات».
-استنكر استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا أنشطة التفتيش في العراق لتغيير النظام السياسى فيه، وقال: «إن جميع المؤشرات التي ظهرت تقول أن قضية العراق لم تكن تتعلق بأسلحة الدمار الشامل، بل بتغيير النظام، وتغيير النظام هو عمل مسموح به فى القانون الدولى، وإذا كان تغيير النظام هو انتهاك للقانون الدولى فأين هي المحاسبة»؟!.
للحقيقة، والتاريخ نقول إن سوريا كانت الوحيدة من بين الدول المشاركة فى اجتماع مجلس الأمن يوم 7/3/2003 التى أعلنت اقتناعها بصدق العراق وكذب الوكالة، فقد ذكر السيد فاروق الشرع وزير خارجية سوريا فى كلمته فى تلك الجلسة الآتى : «إنها لمفارقة غريبة وتبسيط ساذج للأمور أن يزعم البعض أن الحرب على العراق ستكشف ما يخفيه النظام العراقى من أسلحة الدمار الشامل، في حين لا يستطيع المفتشون كشف هذه الأسلحة، إن وجدت، رغم كل التسهيلات غير المسبوقة المقدمة إليهم.
لقد عمل البرادعى وفق الإملاءات الأمريكية التى أرادت من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تبقى ملف «الأسلحة النووية العراقية» مفتوحاً إلى ما لا نهاية من أجل إبقاء الحصار الشامل على العراق، ومن أجل استخدامه ذريعة لغزو العراق وتغيير النظام السياسى فيه.
مرت السنوات، وعلى خطى البرادعي جاءت التصريحات “في أي وقت نتلقى فيه تقارير عن تهديدات، أشياء تثير المخاوف، نفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن تلك الهجمات المخطط لها لن تحدث”. هكذا صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قبل مغادرة بغداد، بعد زيارة خاطفة التقى خلالها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي. فماذا أكد بومبيو لعبدالمهدي.. هل أكد أن واشنطن ملتزمة بحماية سيادة العراق، وأن إيران تصعّد من أنشطتها في المنطقة، وأنه توجه إلى العراق بسبب هذا “التصعيد” الإيراني. في خطوة نحو جذب بغداد لـ”حماية” المصالح الأميركية.
إن التشنج (الإيراني- الأميركي) وصل ذروته في الأسابيع الأخيرة مع إدراج الحرس الثوري الإيراني، وهو الذراع العسكري الأقوى للنظام، منظمة إرهابية على اللائحة الأميركية وإلحاق ذلك بإلغاء الإعفاءات لثماني دول تستورد النفط من إيران. لقد استبقت واشنطن ردة الفعل الإيرانية، ببيان شديد اللهجة يحذر من أي هجوم قد تقوم به إيران مباشرة أو بشكل غير مباشر ضد أي نقطة نفوذ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، سواء في الخليج أو قطاع غزة أو مضيق هرمز. لكن العنوان الأبرز لأي ساحة مواجهة بين واشنطن وطهران هو في العراق، وبسبب التسريبات الاستخباراتية الأميركية حول خطط للحرس الثوري هناك، وزيارة بومبيو، وكونه نقطة وجود أكبر عدد من المقاتلين الأميركيين في المنطقة.
العراق حضر سريعاً، من حظر في القنصليات بين (أربيل وبغداد) وكأن العراق ينقصه نزاعات وتصفيات حسابات بعد دمار (أمريكي- عربي) لقرابة الثلاثين عامًا.. ففي ظل التحشيد العسكري المتصاعد بين ايران والولايات المتحدة، وبعد ارسال حاملة الطائرات لينكولين، دخلت الجبهة العراقية على الخط، وطار بومبيو، إلى بغداد حاملاً صوراً تؤكد ان قوات “الحشد الشعبي” العراقية نصبت شبكة صواريخ قرب القواعد الامريكية على الحدود السورية استعدادًا لضربها. وبرهم صالح ظهر ليؤكد “أن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة مهمة لبلاده، لكن يبقى أن هناك التزام من العراق بسياسته المتوازنة التى تبني جسور الصداقة والتعاون مع جميع الدول ومنها إيران، وأن بلاده تبنى علاقات مع الجميع على أساس أولويات مصالحها والعمل على تعميق المشتركات. مع الحرص على تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الشقيقة والصديقة فى مختلف المجالات”.
بالعودة إلى الداخل الأمريكي نجد أن ترامب الذي أرسل حاملات الطّائرات والسّفن والقاذفات العِملاقة إلى الخليج لإرهاب الإيرانيين بات حتّى الآن لا يعرِف من أين سيأتيه ولقُوّاته الخطر، والأهم من ذلك أنّه لم يعُد يتحدّث مُطلقاً عن المرحلة الثّانية من العُقوبات التي فرضها على طِهران، أيّ “تصفير الصادرات النفطيّة الإيرانية”، وبات يُرسل الوسطاء لاستِجداء حلٍّ تفاوضي. وهو القائل إنّه “سيرُد بقوّةٍ على أيّ عدوان تتعرّض له أمريكا ومصالح حُلفائها في المِنطقة”، وها هُم الحُلفاء يتعرّضون لهُجومين في غُضون يومين، الأوّل في الفُجيرة الإماراتيّة، والثّانية، في مُحافظتيّ الداوودية وعفيف السعوديّتين، ولكنّه لم يرُد ويُرسل وزير خارجيّته إلى العِراق لتأمين أرواح قوّاته، وفُرصه الانتخابيّة لدورةٍ رئاسيّةٍ ثانية، لأنّ مقتل جنديّ أمريكيّ واحد في العِراق يعني انهيار طُموحاته في هذا المِضمار.
الغريب أن كل ما يحدث يأتي في ظل تواصل مسلسل التصعيد (الأمريكي – الإيراني) في المنطقة.. ها هي واشنطن تحذر من تهديدات وشيكة لقواتها في العراق.. وتطلب من موظفيها غير الأساسيين مغادرة البلاد في أقرب وقت، وتجنب المنشآت الأمريكية هناك… هو تحذير وتوجس أمريكي ينفيه الجانب العراقي، مؤكداً استقرار الوضع الأمني في البلاد، موضحاً أن بغداد تنسق مع الأطراف الدولية كافة بهذا الخصوص. فالحقيقة أن السواد الأعظم من العالم انتظر مواجهة مفترضة في مضيق هرمز، ليأتي السيد/ بومبيو ويقول للسيد/ عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، بأن الخطر على الولايات المتحدة ومصالحها وقواتها يكمن في العراق (600 الف جندي)، ويحمل رسالتين في الوقت نفسه، الأولى تهديد بأن بلاده، أي أمريكا، سترد على أي هجوم على قواتها بقوة ودون الرجوع للحكومة العراقية، والثانية عرض على إيران بالتفاوض.
لا شك أنه احتقان (أميركي إيراني) المتزايد منذ أكثر من أسبوع، لكن أن يخرج رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي ليقول خلال مقابلة تلفزيونية، “إن مسؤولاً أميركياً التقاه، أكد له وجود منصات صواريخ باليستية في البصرة، وأن اكتشافها كان السبب الرئيسي لزيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو العراق، لا سيما بعد أن رأت الإدارة الأميركية أن القضية بدأت تأخذ منحى أكثر جدية”.
هل حقاً هناك وجود “تهديد حقيقي للمصالح الأميركية في العراق؟، وهل هناك أكثر من 47 فصيلاً مسلحاً من الميليشيات، أعلنوا صراحة ولاءهم المطلق للولي الفقيه، ودعمهم لوجستياً من قبل إيران؟”. وهل التهديد الذي تمثله تلك الميليشيات للقوات الأميركية والسفارات والقنصليات والقواعد الأميركية المنتشرة على الأراضي العراقية حقيقي؟، وهل تثبيت الأهداف لهذه الفصائل من قبل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني، استعداداً لحصول أي مواجهة؟.
يبقى أن الرسالة الأميركية كانت واضحة، ومفادها طلب ضمانات بأن العراق سيكون قادراً على منع تلك الجماعات من تهديد المصالح الأميركية، وإلا سيكون الرد مباشرة ضرب تلك الفصائل دون العودة إلى بغداد!.. يبقى كذلك في النهاية أنها أمريكا التي أرسلت أكثر من (300 ألف) جندي إلى العِراق، وخسِرت (7 تريليونات) دولار و(ثلاثة آلاف) جندي من جرّاء هذا العُدوان الذي استند إلى معلومات مُزوّرة، ومع ذلك لم يعد في مقدور وزير خارجيّتها، أو رئيسها، زيارة هذا البَلد في وضَح النّهار، لنبقى في النهاية أمام واقعية هذه التهديدات وكيفية تعامل حكومة بغداد مع هذه التطورات؟ وفي أي إطار يأتي التأهب العسكري الأمريكي في العراق؟. فما هو نطاق المواجهة داخل العراق؟ وما أفق التصعيد بين البيت الأبيض والنظام في طهران؟.
يبقى في النهاية أن موقف العراق من التوتر في منطقة الخليج، أن ينأى بنفسه، لأنه إذا وقعت الحرب فلا ناقة للعراق ولا جمل، لذا على العراق أن يكون خارج اللعبة حفاظاً على مصالح شعبه. هكذا تحدث بعض العراقيين بعد نال البرادعي من الجوائز والتكريم ما لم ينله مسؤول دولي قبله؛ “جائزة نوبل للسلام”، وأربع عشرة أخرى عالمية، وخمس عشرة دكتوراه فخرية، وكل ذلك لا يغفر تقديره الخاطئ، والقاتل في آن، تجاه سلامة التواجد النووي في العراق، مع انحيازه للرؤية الأوروبية الانتهازية، والقائمة على الجهل. والأكثر إيلاماً أنه مازال على خطئه بعد ذلك كله.
أخيراً، فمن المناسب تذكير البرادعى بكلمة بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12/9/2002 والتى كان حاضراً عند إلقائها، وفيها أعلن بوش خطته لتغيير النظام السياسى فى العراق، سلماً أو حرباً، بدعوى عدم تعاون العراق مع المفتشين وإخفائه أسلحة دمار شامل. وفى أى من التواريخ أعلاه، السابقة للغزو، لو كان البرادعى قد اقتنع بأن التفتيش هو غطاء لتغيير النظام السياسى فى العراق، كان يجب عليه أن يعلن رفضه أن يكون جزءاً من هذا المخطط، وأن ينأى بنفسه وبالوكالة عن هذا الهدف غير المشروع من خلال إعلان الحقائق على المجتمع الدولى والقول إن العراق ممتثل لقرارات نزع الأسلحة وأن التفتيش يجب أن يتوقف والحصار يجب أن يرفع، أو أن يستقيل إذا لم تسمح له الوكالة بإصدار مثل هذا البيان.
لقد وثقت منظمة اليونيسيف آثار الحصار على العراق بقولها إن خمسة آلاف طفل عراقي كانوا يموتون شهريًا بسبب هذا الحصار، ووثقت مؤسسة الأبحاث البريطانية «أو آر بى» موت 2,1 مليون مدني عراقي منذ الغزو الأمريكى للعراق حتى 2007، المسئولون عن قتل العراقيين بالحصار والعدوان العسكرى ليسوا بوش الأب والابن وتاتشر وبلير فقط، بل كل من أعطى الذرائع لهذا الحصار والعدوان. مع مرور العقود جاء ترامب وبومبيو والحلفاء في جوار العراق.. فهل أضحى العراق بين خطيئة البرادعي وخطايا الجوار؟.
المؤكد أن حاملة الطائرات الشهيرة (أبراهام لينكولن) هذه الأيام لا تتحرك لمجرد ضغط نفسي، بل تخرج لمهمة، ولا تعود إلا إذا دفع أحدهم أجرة عودتها. رغم ذلك يظل يحتفظ العراقيون بتفاؤلهم، على أمل بـ«صفقة لحل هذه الأزمة»، وعلى الجميع أن ينتصر في الحرب و«الانتصار في الحرب، هو تجنبها».
14 ما حك جلدك..
علي الصراف
راي اليوم بريطانيا

أمضى سيمور هيرش، الصحافي الاستقصائي الأميركي الشهير، القسط الأكبر من الثلاثين عاما الماضية وهو يروج لفكرة أن الولايات المتحدة سوف تقوم بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. وغالبا ما كانت مقالاته تملأ بعض صحفنا بالخطوط العريضة. لم أصدقه ولا حتى ليوم واحد.

ما كتبه في ذلك كثير جدا. وهو دائما ما كان يستند في معلوماته على مسؤولين في المخابرات المركزية، يكشفون له أسرارا، ومسؤولين في الإدارة الأميركية يثردون له الخطط. وابتداء من جيمي كارتر، مرت سبع إدارات مختلفة والضربة المزعومة لم تقع. ما وقع هو العكس دائما. إيران هي التي كان توجه ضربات للمصالح وللقوات الأميركية. ومنذ تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983، والذي سقط فيه 241 جنديا أميركيا، فإن الولايات المتحدة لم تقتل ذبابة في إيران. حتى أنها لم تندفع إلى اعتبار إيران دولة راعية للإرهاب إلا كغطاء مهلهل لمفاوضات سرية لم تنقطع أبدا.

الغزل من جانب واشنطن كان هو سيد الموقف دائما. وهو ما انتهى باتفاق نووي أقر من الناحية الواقعية بأن إيران تستطيع أن تحافظ على برنامج نووي، وأن تطور مشروعا في هذا الاتجاه. والكل يعرف أن تخصيب 10 بالمئة من اليورانيوم، لا يختلف من حيث الخبرات عن تخصيب 95 بالمئة. المعرفة هي الأساس. أما التقنيات فيمكن توفيرها.

لم يكن ذلك هو الجائزة الأهم. فإيران إنما تمددت في العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي. وأقامت نظاما تابعا لها، بإشراف ورعاية مباشرة من جانب الإدارات الأميركية ومسؤولي المخابرات الذين ظلوا يقولون لسيمور هيرش إنهم يخططون لضرب إيران.

ميليشيات إيران في العراق إنما كانت تُموّل مباشرة من بول بريمر. عشرات المليارات من أموال “النفط مقابل الغذاء” التي كانت تجمعها الأمم المتحدة خلال سنوات الحصار ضد العراق، ذهبت حصرا لبناء تلك الميليشيات، ولإقامة نظام سياسي قائم، برمته، على الفساد وعلى الولاء لإيران.

الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة وجمهورية آية الله في العراق، اقتسم المصالح والامتيازات، وحدد قاعدتي اللعبة: تواطؤ في الخفاء، وعداء في العلن.

وتدبرت الميليشيات التابعة لإيران كل متطلبات الهيمنة، ومئات الآلاف من جرائم القتل وأعمال التنكيل الجماعي، والتهجير والتزوير، تحت إشراف القوات الأميركية. بل إن هذه الأخيرة كانت تحارب مع تلك الميليشيات على الجبهتين معا: معارك التنكيل التي هدمت مدنا بأسرها وحولت مواطنيها إلى سبايا. وتعذيب من وقع أسيرا، واغتصاب النساء والرجال، لا فرق! في سجون مثل أبوغريب، وفي العراء، على حد سواء.

وعندما اندلعت الأزمة في سوريا، فقد كان من الواضح تماما أن تمدد إيران هناك تم هو الآخر بغض نظر، إن لم نقل بغطاء أميركي مباشر. فالقوات الإيرانية، كانت تمر عبر العراق، ولم تهطل على سوريا من كوكب المريخ. ولو لم يكن الأمر قد حظي بترخيص من واشنطن، لكان من الجدير بأزمة أن تندلع منذ بدايات التدخل الإيراني، وليس الآن.

ولئن حرك الرئيس دونالد ترامب قطعا بحرية إلى الخليج العربي، فقد أرسل أرقام التلفونات أيضا. وعندما قامت إيران بالاعتداء على السفن الأربع في الفجيرة وبعض خطوط النفط في السعودية، فقد خيم الصمت على واشنطن لأيام، وكأن الإدارة ومسؤولي المخابرات نيام.

لماذا تفعل واشنطن ذلك؟ ما هو السر؟

السر معلن، من الأساس. وجود تهديد إيراني، يحقق للولايات المتحدة الكثير من المصالح والأهداف. وكلما اتسع الخطر الذي تمثله إيران على المنطقة، كلما كان ذلك أفضل.

ولئن كان الإرهاب نوعا من ناتج عرضي، تلقائي، للتوسع الإيراني، فإنه هو نفسه كان مفيدا أيضا.

مبيعات الأسلحة جزء بسيط من القصة. التحكم بمسارات التدهور أكثر نفعا من تلك المبيعات. ووهن الإرادات، بانتظار “غودو” الذي يجيء ولا يجيء، أكثر وأكثر نفعا.

نعم، هناك عقوبات اقتصادية فاعلة إلى حد ما، إلا أنها مفيدة هي الأخرى، للإبقاء على التوتر قائما، ولصناعة قصص وتهديدات تمر من تحت أنف “الإدارات” و”مسؤولي المخابرات”، الذين لا يزالون يثردون الخطط في صحن من يرغب بأن يشتري الأوهام.

الكل يعرف على أي حال أن أنظمة من نوع نظام الملالي لا تسقط بعقوبات، بل ولا تسقط حتى ولو انهار الاقتصاد برمته. القمع موجود. والتبرير السماوي موجود. ومطايا القناعات موجودون، ويمكنهم سحق أي تمرد بأكثر مما سحق بشار الأسد شعبه. ومن الأساس، فالميليشيات الإيرانية في سوريا، إنما كانت تلقن الإيرانيين درسا، قبل السوريين.

هناك شيئان جيدان في تلك الأوهام. هو أن ننخدع لها، دون أن ننخدع بها. وأن تدفعنا للقبول بعبقرية القول: ما حك جلدك مثل ظفرك.

نحن من يجب أن يعمل على إسقاط نظام إيران. وخذ بالاعتبار، فعندما حاولنا ذلك، كانت واشنطن تبيع أسلحة لطهران.