1 حركشات في الخليج د. رحيل محمد غرايبة الدستور الاردنية
عندما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية شن الحرب على العراق عمدت إلى عقد اتفاقيات وتحالفات مع أكثر من (50) دولة ومنها دول صغيرة وبعيدة عن ميدان المعارك المتوقعة مثل سيلارنكا، ثم شكلت جيشاً من ثلاثين دولة، وطلبت من أغلب دول العالم المشاركة بقوات ومعدات في الجيش الغازي، وقامت ببناء قواعد عسكرية في الخليج، وأنشأت مطارات ومستعمرات وفتحت طرقا واستخدمت القواعد العسكرية في الدول المجاورة للعراق وجهزت الأساطيل وحاملات الطائرات والطائرات العملاقة القاذفة التابعة للولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى المتحالفة معها.
وقبل ذلك عمدت إلى تمشيط الأرض العراقية شبراً شبراً، وقامت بحملات تفتيش طالت القواعد العسكرية العراقية والوزارات ومباني المؤسسات الحكومية والمختبرات الجامعية والقصور الرئاسية عبر عدة حملات من الخبراء المختصين ورجال الاستخبارات، والمسح عبر الأقمار الصناعية، وتم إصدار أكثر من تقرير يؤكد بخلو العراق من أسلحة التدمير الشامل، وقد تم التأكد من ذلك من خلال طرق اختبار وفحص متعددة، وقد أبلى البرادعي حينذاك بلاءً حسناً.
كما عقدت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات غير معلنة مع روسيا والصين لضمان عدم تدخلهما في الحرب، وضمنت عدم تدخل إيران أيضاً، ثم طلبت من الجامعة العربية أن تعقد اجتماعاً طارئاً من أجل إعلان تأييد الغزو الأمريكي على للعراق، وطلبت من الدول عدم الاكتفاء بإعلان التأييد وإنما لا بد من المشاركة الفعلية بإرسال قوات تحت قيادة الجيش الأمريكي الغازي.
كما تم تسخير الآلة الإعلامية الكاسحة التي عملت على تضليل الرأي العام العالمي من خلال التأكيد على خطورة نظام (صدام حسين) على المنطقة وعلى العالم، واستعادت ذاكرة التاريخ فيما يتعلق بالتعامل مع الأكراد والشيعة ومع المعارضة السياسية بكل أشكالها، وحاولت شق النظام العراقي في أكثر من محطة كما أخضعت العراق لسنوات طويلة تحت الحصار الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والغذائي والسياسي، بحيث أصبحت قطع الجيش العراقي خردة، ولا تملك قطع الغيار، ومنعت تصدير النفط العراقي ومنع التعامل التجاري معه من كل دول العالم.
وقبل الحرب أرسلت الأمين العام للأمم المتحدة لمقابلة القادة العراقيين من أجل إقامة الحجة وتهيئة الرأي العام العالمي للضربة القادمة والماحقة والحرب التدميرية الحاسمة، كما تم إرسال عدة وساطات من بعض الزعماء على المستوى الرسمي والشعبي في نطاق خطة إعلامية محكمة تعبر عن استنفاد كل الطرق السلمية التي تسبق الحرب.
وإذا تم مقارنة ذلك بما يجري اليوم مع إيران يتم الوصول إلى قناعة أنها مجرد مناورات وضغوطات وتكتيكات أمريكية لتحقيق بعض التنازلات وتعديل بعض جزئيات المعادلة الإقليمية، وقد يكون هناك بعض الاشتباكات على طريقة ذبح الجدي أمام القرد في لعب السيرك المفبركة.
هناك استثمار واضح في صورة الرئيس الأرعن الذي يبحث عن تحقيق إنجازات للولايات المتحدة لم يستطع الديمقراطيون تحقيقها تتمثل بتحصيل أموال من دول الخليج عبر الابتزاز الممنهج، واستخدام إيران كإحدى أدوات الابتزاز والترويع، ومن أجل إيجاد بيئة جديدة تصلح لإعادة الاتفاق النووي مع إيران بما يصلح لفرض التسوية الكبرى على المنطقة والإقليم وتصفية القضية الفلسطينية وفقاً لمقاسات الكيان الصهيوني واللوبي اليهودي الأمريكي المسيطر على البيت الأبيض والقيادة الجمهورية.
نحن أمام مسرحية مكشوفة لدى معظم الأطراف اللاعبة على الخشبة، باستثناء بعض العرب الذين يقومون بدور الكمبارس أحياناً والمتفرج أحياناً أخرى، وعليهم دفع تكاليف اللعبة وتحمل الضريبة بكل أبعادها، وكما يقول المثل العامي الأردني (زيت ون برما داشر واتعيشوا يا همل)، مع الاعتذار لأهل برما سلفاً.
2 طهران التي خدعها ظلها
مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
يُروى أن ثعلباً سار بعكس الشمس صباحاً، فنظر إلى ظله وقال: «عليَّ اليوم أن أصطاد جملاً»، وعندما ارتفعت الشمس قليلاً، نظر إلى ظله ثانية وقال: «يمكنني البحث عن معزاة»، وعندما انتصبت الشمس فوقه في وسط السماء نظر إلى ظله وقال: «سأكتفي بدجاجة».
وطهران التي احترفت اصطياد الفرص كل صباح في أربع عواصم عربية، اعتقدت أن بإمكان عقارب ساعتها أن تسير عكس الزمن، وأن النهار لن يبلغ منتصفه إلا وقد أكملت سيطرتها على ما تريد. إلا أنها اكتشفت متأخرة أن الزمن مهما تأخر، فإنه يسير في اتجاه واحد نحو منتصف النهار، لكن صدمتها عندما اكتشفت أنه يسير على توقيت البيت الأبيض، الذي على ما يبدو قد قرر إعادة تحديد الأحجام ورسم الأدوار من جديد في منطقة اعتاد بعض محترفي الصيد فيها أن يخطئوا في اختيار أهدافهم، وفي تقدير أحجامهم.
فباعتراف رئيس الجمهورية الإيرانية، الشيخ حسن روحاني، فإن بلاده تواجه حالياً واحداً من أصعب الظروف التي مرت بتاريخ الثورة الإسلامية، ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية حديثه عن وضع الاقتصاد الإيراني بعد دخول قرار تصفير صادرات إيران النفطية حيز التنفيذ، وأنه «لا يمكن قول ما إذا كانت الظروف أفضل أم أسوأ من فترة الحرب (1980 – 1988)، لكن خلال فترة الحرب لم تكن لدينا مشكلات مع بنوكنا أو مبيعات النفط أو الواردات والصادرات، وكانت هناك عقوبات فقط على مشتريات السلاح»، وأضاف: «ضغوط الأعداء حرب غير مسبوقة في تاريخ ثورتنا الإسلامية، لكني لا أيأس، ولديَّ أمل كبير في المستقبل، وأعتقد أننا يمكن أن نتجاوز تلك الظروف الصعبة شريطة أن نتحد». تطرُق روحاني في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الثورة الإيرانية إلى الوحدة الداخلية، يظهر إلى العلن أن التباينات، ليست فقط بين مراكز صنع القرار في كيفية التعاطي مع التهديدات الأميركية، بل ما بين الشعب والنظام، خصوصاً بعد الاعتداء الذي قام به عناصر «الباسيج» على طلاب «جامعة طهران» بعد خروجهم بمظاهرة للتنديد بقمع الحريات، إضافة إلى إغلاق مجلة «صدا» الإصلاحية، بسبب دعوتها إلى فتح الحوار مع واشنطن. فمن الواضح أن خطابات التعبئة التي يطلقها النظام تواجه ببرودة شعبية لا ترغب في التحشيد لمعركة قرر النظام أن يخوضها دفاعاً عن مصالحه، وليس عن مصالح الشعب، الذي يتعامل بمنطق قريب من الحياد بين نظامه وواشنطن، التي تهدد فعلياً باستخدام القوة المفرطة ضده. فطهران التي فشلت خارجياً أيضاً في إقناع أصدقائها الأوروبيين بمساعدتها على تصدير نفطها، راهنت على استغلال التباينات الأوروبية الأميركية لصالحها، واعتقدت أنها قادرة على جرّ أوروبا إلى اتخاذ موقف خارج سياق العلاقات التاريخية بين واشنطن والعواصم الأوروبية، فالنظام الذي لجأ إلى اختيار لعبة الثنائيات السياسية في التعامل مع أزماته السياسية عبر إعلان موقفه الرسمي «لا حرب لا مفاوضات» وصل إلى حائط مسدود بعد أن ردَّت عليه الولايات المتحدة بمزيد من الحشود العسكرية، حيث كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وزير الدفاع الأميركي قدم مشروعاً لإرسال 120 ألف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، وترافق ذلك مع إعلان النتائج المبدئية للتحقيق الدولي حول الاعتداء على 4 سفن تجارية في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات، والتي تشير إلى تورط طهران، التي على ما يبدو أنها لم تقتنع بأن المناورة عبر أساليب تكتيكية مع خصم يلوح برد استراتيجي رادع سيتسبب برد لا يحمد عقباه. فالتعنت الإيراني أمام المطالب الإقليمية والدولية بوقف تدخلاتها في شؤون جوارها، والتوقف عن إطلاق التهديدات الفارغة حول إغلاق الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب، دفع واشنطن لتحذيرها من أي خطأ أو سوء تقدير تقوم به هي أو عبر وكلائها، بأن الرد سيكون مباشراً وقاسياً.
تعلم طهران أن ظلها في العراق قد تقلص، وأن الجدل العراقي الرسمي والشعبي في كيفية تحييد العراق عن تداعيات حرب محتملة، كما أن حاضنتها في لبنان غير مستعدة لتحمل أعباء مواجهة تعيد إلى ذاكرة اللبنانيين مأساة حرب 2006، خصوصاً أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية خانقة تحتاج إلى استقرار سياسي وأمني من أجل تجاوزها، فيما جماعة الحوثي ستفقد القدرة على المبادرة في حال تعرضت لضربة عقابية أميركية رداً على أي تحرش عسكري تقوم به، وتبقى سوريا التي يخضع فيها الانتشار الإيراني للشروط الروسية، التي لم تقم دفاعاتها الجوية حتى اليوم بردع الطيران الإسرائيلي الذي يقوم باستهداف مستمر للقواعد الإيرانية في سوريا. وعليه لن تستطيع طهران هذه المرة الخروج إلى الصيد مستخدمة أدواتها المعتادة، بعدما قرر صيادون آخرون تغيير قواعد المواجهة.