6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 تقدّم العراق و«تخلّفه»
د. حسن مدن الخليج الاماراتية

هل نصدّق أن بلداً عربياً عظيماً مثل العراق، بتراثه الحضاري الممتد عميقاً في التاريخ، وبمنجزه الحداثي المهم في مجالات التعليم والثقافة والأدب والتقدم الاجتماعي عامة، ارتدّ إلى الوراء ردة كبيرة، بدل أن يمضي قدماً إلى الأمام، بدليل النقاش المحتدم في وسائل الإعلام، وفي الأوساط السياسية والنيابية وغيرها هناك؛ إثر مداخلة للنائبة اليسارية في البرلمان العراقي هيفاء الأمين، قالت فيها: إن «جنوب العراق متخلف ومملوء بالكثير من الأمية، وغياب حقوق الإنسان وفرص العمل، ولا تطبق به القوانين الحامية للمرأة».
النائبة المذكورة لم تقصد أن تسم شعبها وأبناء الجنوب الذين تنتمي إليهم ب«التخلف»، وإنما قصدت حصراً التراجعات الحادثة هناك، تحت تأثير سطوة جماعات «الإسلام السياسي» المتنفذة، التي تعمل على تنميط السلوك المجتمعي على هواها، فارضة تصورها لنمط العيش والسلوك، مستغلة في ذلك ما بات لها من هيمنة على بعض مفاصل المؤسسة التربوية والتعليمية، غير آبهة بالنهوض بمستوى التعليم، وأوضاع النساء.
مداخلة النائبة الأمين جاءت في منتدى إقليمي عقد ببيروت حول أوضاع النساء وحقوقهن، وحين استهدفت بالحملة الشعواء التي طالتها، التي بلغت حدوداً متطرفة؛ بما في ذلك تهديد حياتها بالخطر، أصدرت بياناً وأدلت بحديث مصور، أوضحت فيهما مقصدها من استخدام مفردة «التخلف»، ومؤكدة احترامها لعادات وتقاليد أهلها في الجنوب العراقي، التي لم تتناولها بأي سوء في مداخلتها؛ بل إنها اعتذرت إذا كانت لم توفق في استخدام العبارات المناسبة؛ لشرح وجهة نظرها.
لكن كل ذلك لم يشفع لها، وظلّت الحملة ضدها مستمرة، بما في ذلك على لسان نواب من الجنسين يمثلون حزب الدعوة، ممن ساءهم إشارة النائبة إلى أن الكثيرات من مديرات المدارس ينتمين إلى كتل وأحزاب سياسية إسلامية، وإلى تزايد حالات الانتحار والتسرب المدرسي ومشاكل أخرى كثيرة.
ما يتعين قوله إن الحملة على النائبة، المذكورة أكدّ ما ذهبت إليه في توصيفها لأوجه التخلف التي بات المجتمع العراقي يعانيها، حين يجري إقحام الدين في السياسة، وفي إدارة أجهزة الدولة ومؤسساتها، في مجتمع معروف بتعدديته وتنوعه، دينياً وثقافياً ومجتمعياً؛ فما الذي يعيب نائباً، أي نائب في الدنيا، يتحدث عن أوجه تخلف أو نقص يعانيها البلد الذي ينتمي إليه، أو الدائرة أو المنطقة التي يمثلها، أوليس هو المسؤول عن الرقابة على أداء الجهاز التنفيذي ومحاسبته؟
مثقفون عراقيون كُثّر وقعوا على بيان حذروا فيه من «خطورة إسكات الصوت الحر، بحجة واهية»، داعين لوقف هذه الحملة المسعورة.
2 بين الإتاوة والجزية… ربح فاحش
أحمد راشد العربيد
الجريدة الكويتية
سبق أن تطرقت في أحد المقالات إلى المطلب الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دول الخليج بأن يدفعوا الجزية للحكومة الأميركية (الجزية هي الضريبة التي يدفعها الضعيف للقوي للحماية من أخطار الحروب). فقد قامت أميركا منذ غزو العراق حتى هذا اليوم بتقديم الحماية العسكرية لمصلحة دول الخليج في محاربة الإرهاب بالمنطقة.

وحيث إن النفط هو المصدر الأساسي المطلوب حمايته بالنسبة للحكومة الأميركية، فإنه يمكن القول، إن قيمة هذه الجزية قد تم استيفاؤها ودفعها بالكامل ومسبقاً من جانب دول الخليج لأميركا.

إليكم بيان قيمة الإيرادات النفطية التي جنتها الكويت من النفط من عام 1934 (سنة توقيع أول اتفاقية امتياز نفطي) حتى عام 1975 (سنة تأميم النفط) المذكورة في كتاب «نفط الكويت حقائق وأرقام» إصدار وزارة النفط الكويتية لعام 1977.

تبين أن نصيب الكويت من هذه الإيرادات في المدة المذكورة أعلاه قد بلغ قرابة مليارين ونصف المليار دينار، أي ما يعادل 10 في المئة من إجمالي العوائد البترولية بما في ذلك حقوق الملكية، (الإتاوة هي قيمة مالية تدفعها الشركات الأجنبية للدولة لاستكشاف وتطوير وإنتاج الثروات النفطية والضرائب)، بينما كان نصيب الشركات الأجنبية قد بلغ خمسة وعشرين ملياراً ونصف مليار دينار، أي ما يعادل 90 في المئة من إجمالي العوائد البترولية. وكانت تكلفة إنتاج البرميل لا تتعدى 6 سنتات من الدولار الأميركي.

ما من شك أن هذه القسمة ليست عادلة، وقد استفاد الغرب من هذه الأرباح الفاحشة أيما استفادة لإعادة بناء الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. هذه الأرباح الفاحشة «هي المبالغ المالية المتبقية في نهاية كل سنة مالية بعد خصم كل التكاليف والضرائب والرسوم وغيرها، وتكون هذه المبالغ مضاعفة مرات غير عادية».

لم يكن لهذه الأرباح حدود، ولم يكن بمقدور الدول النفطية تغيير ذلك الواقع إلا بعد أن تم إنشاء منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط «أوبك».

حسبما تطالعنا به الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام عموماً، فإن تكلفة الحروب التي يتم إشعالها من جانب أميركا في المنطقة يتم دفعها كاملة دون قصور، فالكويت دفعت لحرب تحريرها ما يبلغ قيمته 26 مليار دولار.

التاريخ النفطي في المنطقة لم يكن كله ورداً، ولم يكن كذلك شوكاً… وفي كل الأحوال مبارك عليكم الشهر.
3 إيران.. تملك كل شيء وليس لديها أي شيء! سعود الريس الحياة السعودية

قد لا يعجبك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن في الحقيقة هو ليس حريصاً على ذلك، قد لا تتفق أيضاً مع سياساته، لكن الأكيد أيضاً أنه لم يضعها إرضاءً لك، لكن سواء وافقت أم لم توافق، ترامب أثبت أنه داهية سياسية إن جاز التعبير، فهو استطاع وفي شكل غير مسبوق تكبيل إيران بكل مقدراتها ومكوناتها وأذرعها، وشلّها حتى وصلت إلى مرحلة العجز مثلما نشاهدها اليوم، لديها كل شيء، ولا تملك أي شيء.

سنأتي على ذكر ذلك لاحقاً، لكن الأهمَّ اليوم أن جميع المؤشرات تتجه إلى مواجهة أميركية إيرانية، إلغاء الإعفاءات الأميركية الممنوحة لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني، تصنيف الحرس الثوري كـ«تنظيم إرهابي»، جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأوروبية، ومن ثم زيارة غير معلنة إلى العراق، حيث قدّم تصوراً للحشد الشعبي والوجود الأميركي، كما تم التطرق إلى مدى إمكان السماح باحتياجات العراق الضرورية من إيران، وإرسال طائرات بي ٥٢ إلى منطقة الخليج العربي، وإرسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» إلى المنطقة، والموافقة على نشر منظومة صواريخ باتريوت في الشرق الأوسط.

إيران من جهتها تقع أسيرة خطاب خامنئي العاطفي، وتصعيد الحرس الثوري الإعلامي، وديبلوماسية حسن روحاني من طراز الأربعينات، وظرافة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، وجميعها تصب في خانة التصعيد، لكن المراقب سيكتشف سريعاً أن أوراقها التي كانت تعتدُّ بها احترقت، اعتمدت على الموقف الأوروبي وراهنت عليه، لكنها فوجئت بأن أوروبا ليست في وارد تحدي واشنطن والذهاب أبعد مما ذهبت إليه في محاباتها، أو بالأحرى ما الذي ستجنيه أوروبا وهل يستحق خسارة حليف بحجم الولايات المتحدة؟ سؤال لا شك أنه تم طرحه في الأروقة الأوروبية، ولم تتأخر إجابته، الشعارات التي ترفعها طهران لا تخفف من القيود المفروضة عليها، مخزون اليورانيوم المخصّب بدرجة منخفضة «بنسب محددة»، والماء الثقيل، والذي يعد عنصراً أساسياً في تطوير الأسلحة النووية واتفق على تخزينه في سلطنة عمان، صدر الأمر الأميركي بمنع بيعه أو شرائه، ولن يجرؤ أحد على مخالفة ذلك.

لا شك أن إيران تختبر نوعاً من السياسة لم تخطر لها على بال، ستسعى للمناورة، وقد تجد ثغرة من هنا أو هناك، إلا أن سرعة الإدارة الأميركية في فرض العقوبات تصاعدياً لا تعطي مجالاً لطهران حتى لمجرد التفكير، فالتهديدات التي كانت طهران تلوِّح بها لم تعد ذات قيمة في ظل الحراك الأميركي، وبالتالي الخيارات تتضاءل أمام طهران، والوقت لا يسير في مصلحتها، ولا يبدو أن خطط المماطلة والتسويف تجد لها موقعاً في ظل التسارع الذي نشهده.

يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، وهو هل نحن بصدد حرب جديدة في المنطقة؟

بالتأكيد أن المجتمع الدولي وفي مقدمه الولايات المتحدة لا يريد حرباً من جانبها، وبالنسبة لإيران أيضاً هي أضعف من أن تخوض حرباً، لكن طالما الأمر كذلك لماذا هذا الحشد وهذا التوتر؟

الواضح والأكيد أن الولايات المتحدة لن تبدأ بحرب من هذا النوع، لكن هذا لا يعني أنها لن تخوضها، فواشنطن وضعت اليوم المشهد كاملاً أمام المجتمع الدولي، ومفاده أن أي رصاصة تُطلق ضد أي جندي أميركي أو منشأة أميركية أو سفينة أميركية سيعرف العالم أجمع أن إيران خلفها، وهنا قد تندلع المواجهة، وواضح من تدرج العقوبات والرغبة المعلنة في التصدي للإرهاب الإيراني أن ترامب ليس باراك أوباما، وبالتالي لا توجد هناك مغامرات من دون ثمن، ومن الواضح أيضاً أن إيران تدرك الثمن، وهنا يتضح ما أشرت إليه في المقدمة، فأي ثمن ستدفعه دولة وأي حرب أو مواجهة عسكرية ستدخلها وهي مشلولة وعاجزة عن الحركة على رغم كل ما تملكه، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أم العسكري أم حتى الداخلي الذي يئن تحت وطأة العقوبات، لذلك أجواء الحرب التي نعيشها تعيها الأطراف كافة ولاسيما إيران، وهذا يحدد خياراتها، ويجبرها على تقديم ما تعتبره هي تنازلات، وما يعتبره العالم فرصة أمام خامنئي وحكومته للجلوس إلى طاولة المفاوضات ضمن النقاط الـ ١٢ التي حددتها الولايات المتحدة وألمحت إلى مرونة التعاطي مع بعضها، وحذف «الفهلوة» من الذاكرة، والتعامل بجدية مع المرحلة ومتطلباتها، والعيش كدولة لا كميليشيا إرهابية هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد المصالح الدولية بأطماع وأفكار تعيش على أنغامها، سواء أكانت بطريقتها التقليدية أم على إيقاعات «الراب» التي تم ابتكارها أخيراً في العراق.
4 تكفير ماركسي!
علي العميم الشرق الاوسط السعودية
في العدد السادس من مجلة «العالم العربي»، الصادر بتاريخ 1 سبتمبر (أيلول) عام 1947، الذي حمل غلافه صورة الملك عبد العزيز آل سعود – وهو العدد الثاني الذي حمل غلافه صورة ملك عربي – نلقى في أول صفحة منه كلمة توضيحية، هذا هو نصها: «انتهزت مجلة (العالم العربي) فرصة عيد الفطر المبارك، فتوجهت في هذه المناسبة السعيدة بأسمى آيات الولاء والإخلاص لحضرات أصحاب الجلالة والفخامة ملوك العرب ورؤسائهم وأقطاب المشتغلين في القضية العربية، فتلقت الردود التي نتشرف بنشرها، فيما يلي…».
الردود التي تلقتها المجلة، حسب ترتيبها لنشرها بطريقة عامودية، تلقتها من ملك مصر، الملك فاروق، وكان الرد باسم كبير الأمناء، ومن ملك السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، وكان الرد باسمه، ومن ملك الأردن، الملك عبد الله بن الحسين، وكان الرد باسمه، ومن ملك العراق، فيصل بن الحسين، وكان الرد باسم التشريفات الملكية، ومن مفتي فلسطين الشيخ محمد أمين الحسيني، وكان الرد باسمه.
حسب ترتيب المجلة العامودي لإيراد ردودهم على تهنئتهم بعيد الفطر، نلحظ أن الملك عبد العزيز كان يحتل لدى المجلة في الأهمية المكانة الثانية بعد ملك المصريين، الملك فاروق. ولأنه يحتل هذه المكانة عند هذه المجلة، ولأن العلاقات المصرية السعودية شهدت تحسناً كبيراً، ابتداءً من عام 1945، فلقد اختارت أن يكون الملك عبد العزيز ثاني ملك عربي يحمل غلافها صورته، فكتبت باسم «مدونة صحافي» كلمة التحرير موضوعاً في صفحتين عنوانه «وجه عربي صميم في القاهرة»، استرجع فيه هذا الصحافي – الذي هو على الأغلب رئيس التحرير الجديد، محمود العزب موسى – ذكرياته وانطباعاته عن زيارة الملك عبد العزيز إلى مصر في شهر يناير (كانون الثاني) عام 1946، التي عاينها وتابعها عن كثب من موقعه، صحافياً وكاتباً سياسياً في جريدة «الأهرام».
إن ما أشرت إليه تنطق به سطور فاتحة ذلك الموضوع، التي تقول: «يا لها من أيام خالدات. الأعلام السعودية وأعلام مصر تنتشر في الهواء. يداعبها النسيم في رقة. منشورة بين السويس والقاهرة، وبين القاهرة والإسكندرية. وترفرف في كل مكان في العاصمتين. وفي كل بلد مصري. وأقواس النصر ترتفع في كل مكان. ذلك أن عاهل الجزيرة يخرج من عرينه لأول مرة، ليزور أخاه الفاروق…
والأفراد يخرجون من دورهم – على اختلاف الملة والنحلة والمذاهب – بأعمارهم المتباينة، ليروا ملكين وضع العرب جميع آمالهم فيهما…
عبد العزيز الشيخ الوقور، وفاروق المتوثب جنباً إلى جنب في سيارة واحدة، يردان على تحيات الشعب، وكانت تحيات صادقات تخرج من أعماق القلب، ثم تندفع إلى العيون، وقسمات الوجوه، وإلى الحناجر، وإلى الأكف فتدوَّي بالهتاف والتصفيق».
وكل ما قاله الكاتب في ذكرياته وانطباعاته عن زيارة الملك عبد العزيز إلى مصر، سواء في وصف أحداثها، ووصف الاحتفاء الرسمي والشعبي الكبير به، أو في وصف صفاته الجسمانية وصفاته الشخصية، أو في تسجيل المظاهر التي شدته وتحمس لها في برنامج زيارته، أو في ثنائه على سجاياه وعلى تاريخه الشخصي وعلى إنجازاته، كان دقيقاً وصحيحاً، وكان حقاً وصواباً، ولم يكن فيما قاله تزيداً ولا مبالغة.
هذا الموضوع، أو هذا المقال (وجه عربي في صميم القاهرة)، كما لخصته يدحض تصوير شريف يونس له، بأنه قائم على مدح مجاني «لملوك العرب ملكاً ملكاً بالتتابع، كما لو كانوا رموز العروبة»!
ولأطلعكم على قدر عدم الأمانة في تصويره، أؤكد لكم أن الكاتب لم يخص الملك عبد العزيز بأسطر بوصفه رمزاً من رموز العروبة، رغم أنه كان كذلك.
لننظر في موضوعات أخرى عن ملوك عرب آخرين، لنتأكد من صحة ما صوره بها.
قلت في المقال السابق إن أعداد المجلة التي توفرت عليها في عهد رئيس تحريرها الجديد محمود العزب موسى هي العدد الخامس والعدد السادس والعدد التاسع والعدد العاشر والعدد الحادي عشر والعدد الثاني عشر.
العدد الخامس، وموضوع غلافه «بطل الريف في حمى الفاروق» أفضنا في الحديث عنه في مقالين سابقين، والعدد السادس، وموضوع غلافه «وجه عربي صميم في القاهرة»، تحدثنا عنه أعلاه، وسنبدأ في الحديث عن موضوع غلاف العدد التاسع.
غلاف هذا العدد، الذي يحمل صورة الملك فيصل الثاني جالساً، ويقف خلفه خاله الأمير عبد الإله بن علي، الوصي على العرش، كان موضوعه «مملكة العراق الحديثة: أحدث دولة مستقلة لأقدم شعب». وقد رمز كاتبه إلى اسمه بحرفي: راء وباء.
هذا الموضوع عبارة عن تحقيق صحافي أوجز سيرة العراق منذ أوائل القرن الماضي، فتحدث عن المواضيع التالية: نهضة العراق القومية، والإنجليز واحتلال العراق، وعهد الانتداب البريطاني، والثورة على الإنجليز، والمعاهدة العراقية البريطانية الأولى، وأول مجلس تأسيسي، والعلاقات الدبلوماسية مع الخارج، وميثاق أسعد باد، والنشاط السياسي، والتقدم الزراعي، واتساع نطاق إنتاج النفط، وازدهار وسائل المواصلات، وحالة العراق المالية. ولم تكن في الموضوع أي إشارة إلى الملك فيصل، الذي كان في الثالثة عشرة من عمره، ولا إلى الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله بن علي، رغم أن صورتهما كانت على الغلاف. وبرفقة هذا الموضوع مقال كتبه أسعد داغر عنوانه «ماذا أقول في العراق!..».
أسعد داغر كتب مقاله بصيغة رسالة موجهة إلى رئيس تحرير المجلة، محمود العزب موسى، فقال في أوله: «سألتني أن أتحدث إلى قرائك عن العراق، وليس أحب إليَّ من ذلك، خصوصاً أن في نفسي من زمن كلمة صريحة أود أن أفضي بها إلى إخواني العراقيين، كلمة تجيش في صدري الذي يزفر بالحب والإخلاص والتعظيم للعراق العزيز وشعبه الكريم، فقد آلمني ما كنت أسمعه خلال السنتين الأخيرتين، من عتب وملام وتبرم يفضي به بعض ساسة العراق وصحافييه في شتى المناسبات، في جهر حيناً، وفي همس أحياناً، ويوجهونه إلى أبناء العروبة في مختلف أقطارها على اعتبار أنهم يغمطون حق العراق، وينزلونه دون المنزلة اللائقة به».
وفي ثنايا مقاله الأدبي الرقيق العذب عن العراق في وجدان رجال النهضة العربية القومية في مطلع القرن الماضي، أوقفنا على معلومة طريفة عن موقع العراق في وجدان رجال النهضة العربية القومية في مطلع القرن الماضي، أوقفنا عليها بقوله: «كانت حياتي ثلث قرن وقفاً على العراق، وأفكاري كلها متجهة إليه – وقد كنا نسميه ببومونتي العرب – وآمالي معقودة عليه، وقلبي لا ينبض إلا لذكراه، شأني في ذلك شأن جميع إخواني الوطنيين في جميع البلاد العربية». وهو هنا يشير إلى جريدة «العقاب»، التي أسسها في سوريا، والتي كانت لسان حالة ثورة العشرين على الإنجليز في العراق.
وأنتهز ذكر اسم هذا الكاتب، لأعرّف شريف يونس به، لأنه تبيّن لي من خلال كتابه «سيد قطب والأصولية الإسلامية» أنه غير ملم بنشأة وعي العرب بقوميتهم، ولا بالأطوار التي مرّ بها هذا الوعي منذ إرهاصاته الأولى، الأدبية والثقافية في أواسط القرن التاسع عشر، إلى عام 1909 – الذي يرى رواد النهضة العربية القومية الذين كتب بعضهم مذكراتهم، ومنهم أسعد داغر، وكذلك يرى بعض المؤرخين اللاحقين أنه عام النشأة الحقيقية للوعي بمعنى العروبة – ومن عام 1909 إلى ما قبل نكبة فلسطين في عام 1948، وغير ملمٍ أيضاً بتاريخ الفكرة العربية المتأخر في مصر. ولأنه غير ملم بهاتين الناحيتين سأعرّفه بأسعد داغر تعريفاً خاطفاً، فأقول: تخلط بعض الكتابات القديمة، ويخلط كثير من الباحثين المتأخرين، وكذلك بعض المكتبات العامة في بيانات فهارسها بين أسعد داغر هذا وبين أسعد داغر آخر، فالأخير شاعر وناثر ومترجم وكاتب مقالات علمية واجتماعية، واسمه الثلاثي أسعد خليل داغر، وهو متوفى عام 1935، وهو أبو المؤلف الموسوعي والعالم المكتبي يوسف أسعد داغر. أما الأول فاسمه الثلاثي أسعد مفلح داغر، وهو صحافي وسياسي من الطليعة الأولى في إرساء الفكرة العربية وخدمتها، وحين رأس القسم الخارجي في جريدة «الأهرام»، كان مكتبه نادياً فكرياً مصغراً للمشتغلين بالفكرة العربية من الشوام المتمصرين، والشوام الذين يزورن مصر، حين لم يكن فيها متشيع للفكرة العربية بمعناها السياسي سوى عدد قليل. ويطيب لي أن أعلم شريف يونس أن المقال الذي كتبه أسعد داغر لمجلة «العالم العربي» كتبه حين كان مديراً لشؤون الصحافة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. ولكي يعالج شريف النقص في معلومات أساسية عن تاريخ الوعي القومي بالعروبة أنصحه بالبحث عن كتاب «مذكراتي على هامش القضية العربية» ليقرأه. فهذا الكتاب الذي يؤرخ للوعي القومي العربي من العهد العثماني إلى عهد الاستقلال العربي، نشر عام 1959، بعد وفاته عام 1958.
غلاف العدد العاشر حمل صورة شكري القوتلي، ولأن القوتلي كان رئيساً، ولم يكن ملكاً، سأتجاوز عرض ما جاء فيه إلى عرض العدد الحادي عشر، لأنه – حسب ملّة شريف يونس – لا يدخل ضمن نطاق تكفيره الماركسي للأنظمة السياسية الملكية تكفيراً عقائدياً وطبقياً! وللحديث بقية.
5 إعلان “النصر”
وليد الزبيدي
الوطن العمانية
من أكثر البيانات المضللة في تاريخ الولايات، ذلك الإعلان الخطير الذي تحدث فيه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عن الانتصار الكبير الذي تحقق في الحرب على العراق، ففي صبيحة يوم الأول من مايو من العام 2003 اتجه القائد العام للقوات المسلحة الأقوى في العالم إلى الفرقاطة الأميركية “إبراهام لنكولن” وتجلله فرحة هائلة، ويمشي متبخترا أمام كاميرات الصحفيين، ليلقي خطابه المجلجل، معلنا تحقيق النصر في حرب العراق.
أراد بوش الابن أن يكون هذا اليوم من أهم أيام حياته، فقد تباهى قبل ثلاثة أسابيع من ذلك اليوم بتحقيق النصر الميداني الأكبر، بعد أن تمكنت قواته من احتلال العراق خلال ثلاثة أسابيع من بداية الحرب، وبذلك حقق نصرا ميدانيا حقيقيا، وبقدر ما كان ذلك النصر محسوما قبل بدء الحرب، بسبب عدم تكافؤ القوة بين الطرفين، إلا أن النصر كان مدويا، ويذكِّر بنصر القوات الألمانية في بداية الحرب العالمية الثانية على القوات الفرنسية بعد أن تمكنت من احتلال فرنسا خلال أسبوعين من بداية المعركة، واضطر بعد ذلك الجنرال ديجول للفرار إلى بريطانيا ليحصل على الدعم الكبير من قوات التحالف ضد القوات الألمانية.
إن العبرة ليس في حسم المعركة بصورة نهائية، لكن المهم من يحسم الحرب، وفي الوقت الذي رأى فيه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أن الحرب عبارة عن تلك المعركة التي بدأت في العشرين من آذار- مارس من العام 2003، وسارع لإعلان “النصر الكبير” في حرب العراق، دون أن يتأمل المشهد من زواياه المختلفة، ولم يدر في حسبان بوش وقياداته وخبرائه ومستشاريه أن طلقة واحدة ستطلق ضد قواتهم، خصوصا أن أميركا الأولى في العالم وأن العراق منهك بعد حصار تواصل لأكثر من عقد من الزمن، وأن القوة الأميركية قادرة على “العصف” بكل من يقف بوجهها. لكن من المفترض أن يقرأ التاريخ بدقة ويراجع كل خطوة ويمحص قراراته، وكان عليه التوقف كثيرا عن حدث خطير حصل في بغداد، فقد سقط جنديان من قواته قتلى بنيران المقاومين العراقيين وذلك بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من احتلال العاصمة العراقية، وأن يتذكر أن أول عملية نفذها المقاومون الفرنسيون ضد القوات الألمانية تمت بعد ما يقرب من سنة ونصف من الاحتلال رغم الدعم الهائل للمقاومة التي قادها الجنرال ديجول، كما أنه لم يتوقف عند خسائر قواته أمام المقاومة العراقية خلال شهر نيسان – أبريل، فخلال عشرين يوما (من العشر وحتى الثلاثين من نيسان- أبريل) قتل المقاومون العراقيون اثنين وعشرين أميركيا – حسب اعتراف القوات الأميركية – وهذا وحده كفيل بالنزول من عربة الغرور وعدم إعلان “نصره” الذي حوَّله العراقيون إلى كابوس ما زال متواصلا.
6 قاعدة «العديد» طلبتها قطر.. لكنها الآن أصبحت وبالا عليها
عبدالمنعم ابراهيم

اخبار الخليج البحرينية

قطر هي التي طلبت من أمريكا إنشاء أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في «الشرق الأوسط» في الأراضي القطرية منذ عدة سنوات، وتحقق لها ذلك بإنشاء قاعدة (العديد)، وكانت الرغبة السياسية القطرية لهذه القاعدة الأمريكية هي محاولة (الاستقواء) بأمريكا ضد جيرانها (دول الخليج) التي ترتبط معهم بعضوية (مجلس التعاون الخليجي)، وتحديدا ضد الشقيقة الكبرى (السعودية)، ما يعطيها مساحة أكبر للحركة بحرية في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخلق نفوذ سياسي مضاد للحكومات العربية مستعينة بتحالف ودعم سياسي ولوجستي ومالي لجماعة (الإخوان المسلمين) في كل دولة عربية، وكذلك احتضان منظمات إرهابية (كالقاعدة) ومنظمات أخرى تنتمي إلى (الإسلام السياسي) مثل الحوثيين.. هذه المنظمات تُعتبر حاليا هي قفازات (قطر) المليشياوية في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن.. وفي الآونة الأخيرة شكلت قطر محورا سياسيا مضادا للدول العربية وأشقائها الخليجيين عبر تحالف (قطري – إيراني – تركي) ينسق لوجستيا لدعم المنظمات الإرهابية التابعة (للإسلام السياسي) في كل الدول العربية.. وهكذا أصبحت قطر على علاقة حميمة مع الحرس الثوري الإيراني.. لكن وصول القاذفات الأمريكية (بي-52) إلى قاعدة (العديد) بقطر مؤخرا وضع قطر في ورطة سياسية وعسكرية تهدد بتفجير العلاقات بين الدوحة وطهران، ذلك أن قطر لا تستطيع منع أمريكا من استخدام قاعدتها في أي عمل عسكري ضد إيران.. ومن جهة أخرى إيران لن تقبل استخدام قاعدة العديد العسكرية في قطر نقطة انطلاق للهجوم عليها.

إذن (قطر) كانت هي التي طلبت إنشاء قاعدة (العديد) على أراضيها استقواء بها ضد جيرانها دول الخليج العربية، لكنها الآن في (ورطة كبيرة) مع تصاعد وتيرة قرع طبول الحرب ضد حليفتها (إيران).

باختصار.. لو أن قطر لم تدخل في عداء سافر ضد جيرانها، ولم تخرج عن السرب الخليجي، ولم تتحالف مع المنظمات الإرهابية، ولم تتدخل في شؤون سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن والبحرين، لكانت الآن في وضع طبيعي وفي صف خليجي-عربي مشترك، ولكن الحسابات الخاطئة تقود إلى كوارث سياسية.