1 العراق.. والتجاذب الثلاثي
أحمد الحوسني
الاتحاد الاماراتية
يبدو الموقف العراقي حالياً في غاية الحيرة، فبعد سنوات من استحواذ إيران على الدور والنفوس، ليس بمقدور رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي سوى ممارسة اللعب على الحبال المشدودة، استرضاءً لهذه الكتلة أو تلك، والنأي بالنفس مرة واللعب المزدوج مرة أخرى.. مما قد ينتهي بالسقوط، كما حصل للرئيس عمر البشير والرئيس علي عبدالله صالح.
التشبيكات الداخلية التي حبكتها إيران وفق «أيديولوجيتها» المذهبية السياسية، تشبه بيت النمل، وسيصعب على عبدالمهدي الإفلات من هذا الشَرَك المعقد، لأن وضع العراق مرتهن للخارج، كما اتضح خلال تشكيل الحكومة الذي أخذ وقتاً طويلاً، حتى أن سيادة العراق باتت تتداخل مع الخارج وحسابات دوله، ما يضع بغداد على مفترق طرق مصيري وحساس.
في عملية فيزيائية بسيطة، يتم ربط مادة بثلاثة أطراف، وكل طرف يحاول جرها له، لكنها تراوح مكانها في المركز الذي يمثل الحياد. هكذا تقريباً الحالة العراقية بين ثلاث قوى مؤثرة، أثنتان متوافقتان في التوجه والهدف، وإن تباينتا في التعبير والأداء، وهما الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، أما الثالثة فهي إيران.
واشنطن مصممة على استراتيجيتها، وبذلك صرح «كنيث مكنزي» قائد القيادة المركزية بقوله: «وجودنا في المنطقة سيكون طويلاً، جئنا لمكافحة الإرهاب وللحد من تصدير إيران لوسائل خطرة وشنيعة». أميركا تهدف إلى ربط العراق بالنظام الدولي لإخراجه من حقبة «الأيرنة»، والمطلوب من رئيس الوزراء عبدالمهدي أن يتدارك الأمر، ويبدأ بتفكيك المليشيات العراقية المرتبطة بـ«الحرس الثوري» الإيراني الذي صنّفته أميركا منظمةً إرهابية.
لكن ذلك التفكيك لن يتحقق، ما لم ينفرط عقد «الحرس الثوري» في سوريا. وإذا صعب الأمر على السيد عبدالمهدي، فيمكنه فرض حالة الطوارئ وطلب تدخل دولي، وسيساعده في ذلك وجود رغبة جادة وإصرار كبير من الشارع العراقي على تعزيز العلاقات بأشقائه من دول الخليج العربي. والشيعة كجمهور عروبي لا يريدون الوجود الإيراني في العراق، ولعل هذا ما دعا «الحشد الشعبي» للانكفاء نحو الأحواز خوفاً من تحرك شعبي ضده، وتحسباً من ضربات أميركية في الوقت نفسه، وبغرض مساعدة النظام الإيراني في التصدي لشعب الأحواز في انتفاضته المتواصلة.
ويبدو أن الخيارات أمام العراق صعبة حالياً، بالنظر لاعتماده جزئياً في مجال الطاقة الكهربائية على إيران، إذ يستورد منها نحو 5 آلاف كيلوواط. هذا، وقد وعدته السعودية في اجتماعات اللجنة المشتركة العليا، بتأمين احتياجاته من الكهرباء. كما قررت تقديم أشكال أخرى من الدعم تتعلق بالاستثمار والمساعدات والبنية التحتية.. بهدف إعادة العراق إلى الحضن العربي.
وتهدف واشنطن إلى نقل العراق نحو حقبة جديدة متوافقة مع النظام الدولي، في سياق إقليمي جديد خال من المليشيات وولاية الفقيه وأذرعها الإرهابية في المنطقة. وإن كان قد تم دحر «داعش» وهزيمتها، فما تزال إيران بحاجة إلى عملية جراحية كبيرة!
في هذا السياق، بدأت إيران تشوش على الجهود السعودية والأميركية، بتصريحات مقتدى الصدر ومقترحه لإنقاذ العراق ذات الدلالة الإيرانية، وظهور جديد لأبوبكر البغدادي كرسالة.. وتصريح وزير خارجية إيران «ظريف» حول التفاوض مع أميركا بشأن المعتقلين، والذي ردت عليه الولايات المتحدة بالقول إن «خامنئي لديه 200 مليار دولار من أموال الشعب الإيراني»!
2 محنة الصَّادق.. مع كتائب وألوية وعقارات
رشيد الخيون
الاتحاد الاماراتية
مَن ينتهي مِن قراءة سيرة الإمام جعفر الصَّادق (ت 148هـ)، وينظر في أحوال وسلوك الجماعات السِّياسية والمسلحة التي تنتسب إليه، يجدها محنته قبل غيره ممَن أتى بعده مِن أئمة ورؤساء المذهب الإمامي. كان رجل فقه وعِلم لا رجل سياسة وثورات، وتنظيمات عسكرية. فلعدالته اعتقد السُّنة الحنفية أن مذهبهم هو مذهب جعفر الصَّادق حتى قالوا: «لولا السنتان لهلك النِّعمان(أبو حنيفة)» (الدَّهلوي، التحفة الاثني عشرية)، واعتقد الشِّيعة الإمامية أنه صاحب مذهبهم وعرفوا بالجعفرية، ولم يُسمو بغيره من آبائه وأبنائه وأحفاده. فالعلوية شأن آخر، والموسوية القوم وليس المذهب.
كانت أغلب الأحاديث التي وردت في كتب الحديث الإمامية الرئيسية: «الكافي، «ومَن لا يحضره الفقيه» و«الاستبصار»، والاعتبار»، نُسبت إلى أبي عبد الله وهي كُنية الصَّادق.
لم يُشارك الصَّادق بثورة عمَّه زيد بن علي (قُتل 122هـ)، فالقول لزيد: «مَن أراد السَّيف فإليَّ، ومَن أراد العِلم فإلى ابن أخي جعفر» (ابن عباد، الزَّيدية). ويُنقل عنه أنه حذر واصل بن عطاء مؤسس المعتزلة (ت 131هـ)، عندما دخل المدينة ودعا أبناء عمومة الصَّادق للثورة في أواخر العهد الأموي، فقال له: «أما بعد، فإن الله تعالى بعث محمداً بالحق والبينات والنُّذر والآيات، وأنك يا واصل أتيت بأمر يفرق الكلمة وتطعن به على الأئمة، وأنا أدعوك إلى التَّوبة» (ابن المرتضى، المُنية والأمل).
يُضاف إلى أنه رفض تسلم الرِّسالة التي يخوله فيها الثُّوار القائمين على الثورة ثم الخلافة العباسية أن يكون هو صاحب الأمر، وهي رواية مشهورة. خلاصة القول في الصَّادق يأتي بها صاحب «الملل والنِّحل» محمد بن عبد الكريم الشَّهرستاني (ت 548 هـ): «لم يتصدَّ للإمامة قطّ، ولا نازع أحدًا في الخلافة قطّ، ومَنْ غرف من بحر لم يطمع في شطٍ، ومَن اعتلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطٍ».
ليس لأحد الحقُّ بالادعاء أنه صار نائباً لجعفر الصَّادق وأبنائه وأحفاده مِن بعده، في الشّأن السياسي، على منهج «ولاية الفقيه» السِّياسية أو العامة، وليس مِن حقِّ أحدٍ أن يجعله عنواناً لقوة مسلحة تخيف النَّاس وترعب أهل الثّقافة والأدب، وتدعي باحتلال عواصم، وتكون حائلاً أمام تطبيع الحياة في أكثر مِن بلد، ولا أن يُسجل باسمه عقاراً منهوباً.
لم يكن ذلك الأمر جديداً، فالذين أرادوا لجعفر الصَّادق أن يكون قائدهم وملهمهم الثوري، قال بعد وفاته بأنه المهدي المنتظر (النوبختي، فرق الشِّيعة)، كي يحصلوا على الشرعية التي يقودون ويسوسون النَّاس بها لمصالحهم. بينما وكلاء ولده موسى الكاظم (ت 183هـ)، رفضوا تسليم ولده عليّ الرِّضا الأموال التي كانت لأبيه لديهم، وقالوا له: إنه لم يمت بل هو المهدي (الطُّوسي، كتاب الغيبة).
إنها محنة لجعفر الصَّادق وذريته حقَّاً، من بعدهم، إلى يومنا هذا، وقد اختلف النَّاس فيهم على فرق ومذاهب، فمنهم مَن عدّه المهدي، ومنهم مَن اعتبر الإمامة لولده إسماعيل، وعندما توفي الأخير في حياة والده جعفر نقلوا الإمامة لحفيده محمد بن إسماعيل، فكانت فرقة الإسماعيلية والتي هي الأُخرى افترقت وتشعبت إلى فرق متخاصمة، وآخرون قالوا خلافة الإمامة لموسى ولده الآخر، وهذه الفرق كافة استندت على الصَّادق نفسه، وهناك مَن جمع الأتباع وثار باسمه، بينما الرَّجل كان فقيهاً وعالماً مشهوداً له، ولم يحصر نفسه بثورة أو حزب سياسي، وكذلك الحال كان مع أبيه محمد الباقر (ت 114هـ).
إلا أن الأكثر تجاوزاً على جعفر الصَّادق، وهو الأمين والبريء من الاستحواذ على أموال الآخرين، أن يُجعل اسمه عنواناً لمؤسسات مختلف على شرعية ملكية أرضيها وأبنيتها، ومَن جعله راية لميليشيا، والأحزاب الدينية أخذت تكتب عن حراكه السياسي المختلق وحراك ولده الكاظم، كي تُضفي الشَّرعية على وجودها!
أخذ قادة الجماعات المسلحة يعتمرون عمامته مع البذلة العسكرية وحمل السِّلاح، والتي يُعتقد أنها كان سوداء، على أنها عمامة جده، ولا يفوتنا التذكير أن العمامة السوداء التي اعتمرها الملا عمر زعيم حركة «طالبان» كانت سوداء، على أنها عِمامة النَّبي نفسها، وأنها محفوظة في مسجد قندهار منذ زمن طويل (الحناشي، العاصفة والعِمامة). فمن عجبٍ أن قادة طالبان نسفوا الآثار، بينما صدقوا غرابة وصول العِمامة مِن الحجاز إلى قندهار، واحتفاظ القماش بنسيجه ولونه لأربعة عشر قرناً. فلكم تصور ما يحصل في السِّياسة والثَّقافة، وما هو المستوى الحضاري الذي بات يهيمن على النَّاس بقوة الرَّمز والسِّلاح.
هكذا هو الانتساب إلى الشَّخصيات المقدسة، كجعفر الصَّادق وآبائه وذريته، مِن قبل كتائب وألوية، مع تسميات مقدسة، ولكلِّ جماعة فقيهها الممثل للولي الفقيه، مِن خارج الحدود الوطنية. إن القدسية واحدة إن كانت لزعيم طالبان أو لكتائب أو أحزاب الله، وعامل الترهيب بالقدسية وبالسلاح على حدٍ سواء، والمشاريع متشابهة في طائفيتها وتطرفها.
يصعب فهم ما نقرأه في سيرة الإمام الصَّادق وما نسمعه مِن معتمري عمامته وهم يخطبون بالفتنة واستلاب العقول، ويبشرون بزمن فوضى السِّلاح، واختراق الآفاق دفاعاً عن الأتباع، وهم جنود في كتائب مسلحة. زمن اختلف عمَّا كان عليه معتمرو تلك العمامة، في العقود الخوالي، لتحل محلها عمائم البارود والديناميت والسِّلاح النَّووي.
3 حوار الكرد والعرب.. «القوة الناعمة»
عبد الحسين شعبان
الخليج الاماراتية
حظيت مبادرة جامعتي بغداد وكويسنجق للحوار العربي – الكردي باهتمام كبير، ولا سيّما أنها جاءت بعد عام ونصف العام تقريباً من توتر العلاقات بين بغداد وأربيل إثر الاستفتاء الكردي (25 سبتمبر / أيلول 2017)، خصوصاً في ظلّ التباسات وألغام احتواها الدستور، منها المادة 140 من الدستور المرحّلة من المادة 58 من «قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية»، والمناطق المتنازع عليها وقضايا النفط، والمركز القانوني للبيشمركة، والمنافذ الحدودية وغيرها.
ولذلك، فإن فتح قناة حوارية جديدة من خلال الوسط الأكاديمي الذي استضافته أربيل ومدينة كويسنجق التاريخية العريقة، مسألة مهمة لأن الاستثمار في الحوار أجدى وأكثر نفعاً لحل القضايا الخلافية، فقتال نصف ساعة أسوأ بكثير من حوار عقدين من الزمان على حد تعبير مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان السابق. وأظن أن ذلك أحد دروس التاريخ وعِبَر الحياة التي ينبغي أن يعيها الكرد والعرب ويدركوا معانيها جيداً، ليس على صعيد الحاضر، بل على صعيد المستقبل، فضلاً عن تمثّلها فعلياً، لأن الصراع، ولا سيما المسلح، ما إن يبدأ، لا يستطيع أي من المتحاربين أن يحدّد نهاية له.
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في العهدين الملكي والجمهوري في القضاء على الحركة الكردية المسلّحة، لأنها تعبّر عن مطالب عادلة ومشروعة، أساسها حق تقرير المصير للشعب الكردي. ولذلك كانت تضطر بين فترة وأخرى للجوء إلى المفاوضات والحوار وتوقيع اتفاقيات هدنة أو سلام. وإذا كانت الحلول والمعالجات التي وضعتها الحكومات لم تلبِ حقوق الكرد التي تطورت مع تطور القمع والاستبداد الذي عاشه العراق، ولا سيّما في ظلّ النظام السابق، ولم تتمكن من إرساء قاعدة سليمة وأمينة للعلاقات على أساس الثقة والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، فإن الحركات الكردية لم تستطع أن تحقّق أهدافها عبر السلاح أيضاً، وأخفقت في نيل مطالبها العادلة والمشروعة في ظل الاحتراب والاقتتال.
وإذا كان اللجوء إلى السلاح دفاعاً عن النفس اضطراراً، فقد انتهت تلك المرحلة، ولم يعد الاستثمار فيها ممكناً، ولا سيّما في ظلّ التوجّه العالمي للإقرار بالحقوق والحرّيات والاعتراف بالتنوّع والتعدّدية، بل أصبح الاستثمار في قضايا السلام والتسامح وحقوق الإنسان هو الأساس بما يساعد في تعزيز دور ومكانة الحوار للوصول إلى تحقيق الأهداف.
الحوار إحدى وسائل «القوة الناعمة»، فما بالك إذا كان أكاديمياً يشمل تيارات وأنشطة وفاعليات متنوعة، فبإمكانه حينئذ أن يتحوّل إلى «قوة اقتراح» مؤثرة وفاعلة تُضاف إلى الدور الذي يمكن أن يضطلع به المجتمع المدني والإعلام، بما يعزّز روح التفاهم والتعاون والمشترك الإنساني. وتتأتّى أهمية «قوة الاقتراح» من خلال تقديم «مشاريع قوانين» و«اقتراح لوائح وأنظمة»، فضلاً عن رصد ومراقبة تنفيذ الخطط والمشاريع، بما يساعد في مأسسة الحوار وإيجاد منصّات لتبادل الآراء والأفكار على نحو منظم ومستمر بين أصحاب القرار والأكاديميين.
كان واحداً من الاقتراحات التي تلقاها مؤتمر الحوار الأكاديمي، تأسيس معهد للحوار العربي – الكردي، يبحث في قضايا التعاون والعمل المشترك بما «يعظّم الجوامع» و«يقلّص الفوارق» التي ستظل قائمة لا يمكن إلغاؤها، ولكن لا بدّ من احترامها ومراعاتها استناداً إلى تعبيراتها عن هويّة خاصة.
وكان مثل هذا الحوار قد انطلق بعد نحو عام أيضاً في عمان بمبادرة من الأمير الحسن بن طلال، حين دعا نخبة من المثقفين العرب والكرد لحوار معرفي وثقافي، أساسه المشترك الإنساني، وأعقبه بعد خمسة أشهر بحوار لأعمدة الأمة الأربعة ضم: عرباً وتركاً وفرساً وكرداً، وقد تواصل الحوار في عواصم عربية أخرى مثل تونس وبيروت، الأمر الذي يؤكد أن الحوار أصبح ضرورة لا غنى عنها، وحاجة ماسّة بقدر ما هو خيار إيجابي أيضاً، يُسهم في التقارب والتواصل والتفاعل على أساس الأخوة العربية – الكردية التي رفع اليسار العراقي لواءها منذ الثلاثينات من القرن الماضي، حيث كان شعاره «على صخرة الأخوة العربية – الكردية تتحطّم مؤامرات الاستعمار والرجعية».
لم يكن الحوار في كويسنجق بين فريقين متناحرين هدفه التغالب والتكاسب، بل البحث في المشاكل الحقيقية ببعدها الأكاديمي والثقافي والأدبي والفني والتاريخي، فهو حوار مفتوح بين أكاديميين تجمعهم هموم مشتركة دون أن يعني ذلك عدم وجود خلافات واختلافات بينهم حول التاريخ واللحظة الراهنة وحول المستقبل، وهو أمر طبيعي، ولا سيّما إذا أُريدت الاستفادة من دروس التاريخ، والبحث عن قيم التحرّر والحرية والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة، ذلك أن الأمتين العربية والكردية عانتا من التقسيم الذي استهدف تفتيتهما وتوزيعهما على دول وكيانات، ولذلك يبقى حق تقرير المصير، بصفته مبدأ قانونياً وسياسياً معترفاً به من الأمم المتحدة، هدفاً مشروعاً للأمتين العريقتين، ويبقى لنا أن نعرف ماذا يريد العرب من الكرد؟ وماذا يريد الكرد من العرب؟ ومَن أصدقاء الكرد؟ ومَن أعداؤهم؟ وهو سؤال كان قد تردّد في أول حوار عربي – كردي انطلق في لندن في رحاب المنظمة العربية لحقوق الإنسان قبل 27 عاماً، ولا يزال صداه مستمراً حتى الآن.
4
محاربة الفوقية العرقية
عقل العقل
الحياة السعودية
أعلنت فيسبوك والمنصات الإعلامية التابعة لها، أنها ستمنع بدءا من هذا الأسبوع أي حملات وخطابات تدعو إلى التفوق العرقي أو الديني في العالم. مثل هذه الإجراءات تأتي بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف مسلمين في نيوزلندا من رجل متطرف لعرقه الأبيض ومستحضرا لتاريخ الصراع الديني في العالم.
العالم الرأسمالي يشهد في مراحل عدة أزمات اقتصادية طاحنة تولد الحروب وأيديولوجيات التفوق العرقي للرجل الأبيض، فالعالم شهد حربين عالميتين أساس اندلاعهما كساد اقتصادي ضرب العالم الرأسمالي في عشرينات القرن الماضي، تبلورت بعدها نظرية تفوق الرجل الآري في ألمانيا الهتلرية في شكل نظرية فاشية بغيضة راح ضحيتها ملايين البشر كضحايا لتلك النظرية العنصرية.
العالم الغربي يعيش منذ سنوات حالة من المد الشعبوي تمثل في وصول أحزاب يمنية متشددة إلى السلطة في بلادها، ونجد أن سلاح تلك الأحزاب هو معاداة الهجرة من دول الجنوب إلى الشمال، سواء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا أم في الهجرات الجماعية في أميركا الجنوبية. في منطقتنا العربية والإسلامية وما تمر به من حالة عدم استقرار وقتل وتشريد للملايين باسم «الربيع العربي وخطف التيارات الإسلاموية لتلك الثورات، وأثبتت التجارب أن تلك الحركات الدينية من الصعب أن تقود وتؤسس لمجتمعات مدنية متقدمة وتؤمن بالتعددية، خاصة في ظل وجودها في مجتمعات مكونة من أقليات أثنية ومذهبية في الدين نفسه، شهدنا ماذا حل في تجربة العراق منذ 2003 عندما راهن الغرب وعن قصد وتعمد أن يأتي بتيارات وجماعات دينية في مجتمع يمثل الاختلاف الصارخ والواضح في عالمنا العربي مذهبيا وأثنيا، لا أحد يعتقد أنني ممن يحنون ويتأسفون على النظام البعثي السابق، ولكن مراهنة الغرب على رجال الدين للمضي نحو حالة من الديموقراطية أثبتت فشلها.
على رغم كل هذه السنوات لا يزال عدم الاستقرار يضرب منطقتنا وكله باسم الدين والمذهب، وينتقل من منطقة إلى أخرى بحسب الظروف الأمنية ومحاربته في بعض الدول، بل إن البعض ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة يعتقدون أن ظهور منظمات ودول وحشية كما «داعش» التي يرون أنها تؤدي دورا مهما في كفر الشعوب بالديموقراطية. إذاً، كانت هذه الديمقراطية ستجلب لنا هذه الوحشية باسم الدين أم هو عمل مخطط له من قوى خارجية لإغراق المنطقة في التخلف والفوضى عن طرق استخدام الأديان والمذاهب، إذ إن الشعوب تقدسهما منذ الآلاف السنيين، فهما المدخل السهل للضحك على شعوبنا، ففي الوقت الذي نجد فيه تجريم الأحزاب على أساس ديني في تلك الدول نجدها تتبنى الحركات السياسية الدينية في منطقتنا وتصورهما لنا بأنهم «سفينة الإنقاذ» في منطقتنا، بادعاء أن بعض الحركات الدينية كحركة «الإخوان المسلمين» هي حركة وسطية وهم يعرفون أن أغلب الحركات الإرهابية التي تضرب وتقتل في شوارعهم هي خارجة من رحم هذه المنظمة الإرهابية.
5 هل إرسال أمريكا لحامِلات الطائرات والقاذِفات العِملاقة “ب 52” هو مُؤشّر على اقتراب الحرب ضد إيران؟ ولماذا لا نستبعِد فبركة “مُوساديّة” لإشعال فتيلها وتِكرار السيناريو العراقيّ؟ وكيف سيكون الرّد الإيراني؟
عبد الباري عطوان
راي اليوم بريطانيا
ما زال من غير المعروف ما هِي المعلومات التي قدّمتها حُكومة بنيامين نِتنياهو إلى الإدارة الأمريكيّة حول تهديد إيراني وشيك لمصالحها وقوّاتها في العِراق، ودفعتها إلى إرسال حاملة طائرات (أبراهام لينكولن) ومجموعة من السّفن المُحمّلة بالصّواريخ، وطائرات “بي 52” القاذفة العِملاقة إلى منطقة الخليج، ولكن كُل الدلائل تُشير إلى أن هذه الإدارة تتبنّى هذه المعلومات بغض النّظر عن صُدقيّتها وتتّجه نحو الحرب.
هُناك عدّة تكهُنات في هذا المِضمار تُفيد بأنّ جهاز “الموساد” الإسرائيلي قدّم تقريرًا لإدارة ترامب يُؤكّد أن الحرس الثوريّ الإيرانيّ والأذرع العسكريّة المُوالية له في العِراق (الحشد الشعبي) يستعد لتنفيذ هجَمات ضد القوّات الأمريكيّة، التي تتواجد في أكثَر من ثلاثين قاعدة على الأرض العراقيّة، سواء في الأنبار أو في كردستان، وهذا ما يُفسّر الزيارة المُفاجئة التي قام بها مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ إلى العِراق أمس واستغرقت أربع ساعات التَقى خلالها الرئيس العراقيّ برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
الوزير بومبيو قال إنّه “انتزع” تعهّدًا من الرجلين (صالح وعبد المهدي) بتوفير الحماية المُناسبة لمصالح الولايات المتحدة في بلدهما (القوّات الأمريكيّة)، ولكن لم يُصدر أيّ بيان أو تصريح من المسؤولين العِراقيين يُؤكّد وجود هذا التعهّد، أو يتضمّن أيّ إشارة لزيارة بومبيو هذه، وأسبابها الحقيقيّة.
***
لا نعرف مدى دقّة هذه المعلومات الاستخباريّة الإسرائيليّة، مثلما لا نعرف كيف أخذتها الإدارة الأمريكيّة على محمل الجد وبدأت في تحشيد قوّاتها استعدادًا للحرب، ولكن ما نعرفه أنّ هذه الإدارة التي ظل رئيسها ترامب يُحذّر من “الاخبار الكاذبة” طِوال الأعوام الثّلاثة الماضية من حُكمه يُريد تصديقها، لأنّه صديقه نِتنياهو يقف خلفها، بل لا نُبالغ إذا قُلنا أنّ ترامب قد أوعز بها، خلفها، لأنّه ببساطةٍ يُريد حربًا مع إيران بعد فشل حِصاره في منع الصّادرات النفطيّة الإيرانيّة، وترهيب السّلطات الإيرانيّة وإجبارها على التّفاوض حول تعديل الاتّفاق النوويّ، مُكرهةً، ورفع راية الاستِسلام بالتّالي.
الرئيس ترامب بات أسيرًا لجون بولتون، مُستشاره للأمن القومي، والذي يُعتبر من أكثر المُتشدّدين الدّاعين لحربٍ مع إيران، ويملُك تاريخًا عريقًا في الكذب، والمُبالغة في تضخيم المعلومات الاستخباريّة التي تدعم توجّهاته هذه لتبرير استخدام القُوّة ضد طِهران سواء بشكلٍ مُباشر أو من خلال إسرائيل، وهو الذي قال عام 2015 إن الطّريقة الأفضل لمُواجهة التّهديد النوويّ الإيرانيّ توجيه ضربة إسرائيليّة مدعومة أمريكيًّا لتغيير النّظام في طِهران، ربّما يُفيد التّذكير بأنّ بولتون الذي كان ضيف الشّرف في حفل مُجاهدي خلق في باريس قبل عام ونصف العام، تعهّد بأن يكون الاحتفال المُقبل بُعَيد انطِلاقة هذه الحركة الإيرانيّة المُعارضة في العاصمة الإيرانيّة، ولكنّه لم يستطع تنفيذ هذا الوَعد.
الرئيس حسن روحاني أعلن اليوم الأربعاء أنّ إيران ستُعلّق بعض تعهُداتها في الاتُفاق النووي، وأعطى الدول الأوروبيّة مدّة شهرين للعمل على تخفيف العُقوبات المفروضة على بلاده خاصّةً في قِطاعيّ النّفط والمصارف، وإلا فإنّ الرّد في حال الفشل، هو العودة إلى تخصيب اليورانيوم بأعلى مُعدّلات مُمكنة ودون أيّ سقف أو قيود، وهذا موقف عقلانيّ يعكس استراتيجيّة سلميّة تسعى لتجنّب المُواجهة العسكريّة، ولكنّنا نشُك في تجاوب أوروبا مع هذه المُبادرة لعدم امتِلاكها أيّ أدوات ضغط فاعِلة على إدارة ترامب، أو امتلاك القُدرة، أو حتى الرّغبة، على مُعارضة عُقوباتها بشكلٍ فاعلٍ عمليًّا.
***
قرع طُبول الحرب سيستمر وسترتفع مُعدّلات ضجيجه في الأيّام والأسابيع المُقبلة، ولا نستغرب أن تأتي شرارة التّفجير على يد “الموساد” الإسرائيليٍ بطريقةٍ أو بأُخرى.
نشرح أكثر ونقول: ماذا لو وقف هذا الموساد الذي يملك تاريخًا طويلًا في الأعمال الاستخباريُة القذِرَة، ماذا لو “فبرك” هُجومًا ضد القوّات الأمريكيّة في العِراق، أو أهداف سعوديّة أو إماراتيّة في مِنطقة الخليج، وخرجت مُنظّمة مجهولة ادّعت قُربها من إيران، وتبنّت المسؤوليّة عن هذا الهُجوم، لدفع الرئيس ترامب لإعلان الحرب؟ ألم يُفجّر “الموساد” دور السّينما في بغداد والمعابد اليهوديّة في مِصر لدفع اليهود إلى الهجرة إلى فِلسطين المُحتلّة؟
من حق إيران أن تُدافع عن نفسها بكُل ما تملكه من أسباب القُوّة، وأن تتصدُى لهذا الاستِكبار الاستفزازيّ الأمريكيّ، وهي تملك القُدرة العسكريّة، صحيح أنّ أمريكا هي الأقوى، ولكنّها ستتكبّد خسائر كُبرى لا تستطيع تحمّلها.
نسأل: ألم تنسحب مهزومةً من العِراق بعد احتلاله بسُهولةٍ ويُسر، ألم تتكبُد الخزينة الأمريكيّة خسائر تصِل إلى 7 تريليون دولار مجموع تكلفة هذه الحرب؟ ألم تخسر حربها في أفغانستان وتستجدي التّفاوض مع طالبان لتسهيل هرب قوّاتها؟ الم يُهزَم مشروعها في تغيير النّظام في سورية بعد خسارةٍ ماليّةٍ فاقت الـ 90 مِليار دولار؟
الشّعوب العربيّة والإسلاميّة تملك إرادة القِتال، وتضع الخلل في موازين القِوى جانبًا آذا جرى المس بكرامتها الوطنيّة، وما جرى في قِطاع غزّة الصّغير مساحة، والكبير إرادة، في الحرب الأخيرة أحد الأمثلة، ونجزم أنّ الشعب الإيراني أو الغالبيّة السّاحقة منه لن يكون استثناء إذا كُتِبت عليه الحرب.. والأيّام بيننا.
6 بأيّ نموذج سياسي تواجه أميركا نفوذ إيران في العراق؟
الوليد خالد يحيى
العرب بريطانيا
بات الحديث عن مصير “الساحة العراقيّة” متداولا في البلاد، باعتبارها من أهم ساحات الصراع الأميركي – الإيراني المحتدم، لاسيما بعد أن نحت الولايات المتحدة مؤخرا، منحى تنفيذيا حادا في خنق النفوذ الإيراني بالمنطقة، فالعقوبات الأميركية قد دنت من إتمام عزل النظام الخميني الإيراني حد الشلل، وإفقاده موارده المادية والميل نحو التقليص من نفوذه عراقيا، دون وجود أي مؤشرات عن بديل مستقبلي للبلاد.
يأتي ذلك في وقت بلغ فيه العراق مبلغا في معاناته، فالتردي الاقتصادي والخدمي والاجتماعي في ظل حكم أحزاب المنظومة الخمينية، وصل إلى ما دون عتبة الانهيار وفق ما تشير الوقائع والأرقام، فالنظام الخميني اليوم هو الأكثر علما بحال الشارع العراقي ولاسيما الشيعي منه، الذي كفر بالأحزاب الحاكمة التابعة للفقيه، وأدرك سبب تعاسته، فصورة الخميني قد حُرقت في مدن الجنوب، وهُتف ضد الولي الفقيه في كربلاء، ما يعكس بداية تلاش في تأثير الأدوات القروسطية الغيبية، التي تعتمدها الخمينية في تعزيز نفوذها، والقائمة على شعارات المظلومية الشيعية، وإقامة نظام ولاية الفقيه الإسلامي.
فالنظام الإيراني بدأ يفقد بشكل واضح تأثير موارده الناعمة شيئا فشيئا، وهو الذي طالما اعتمد على قوة التأثير الديني، والاستثمار في مصادر القوة الناعمة للهيمنة على المجتمعات الشيعية، وهو ما تكرّس في ما عرف بـ”الخطة العشرينية” التي أقرّت عام 2005 لتكون الأولى من نوعها، والتي أرادت من خلالها طهران، وضع مسألة تعزيز النفوذ الثقافي والديني ضمن أولوياتها، لتجعل من نفسها بحلول 2025 النواة المركزية الملهمة للعالم الإسلامي، بغض النظر عن أي مشروع يحقق بعض الرخاء والكرامة للناس المستهدفين بتلك الخطّة.
في ضوء معطيات كهذه عن فشل المنظومة الخمينية في تحقيق أي نموذج يحفز الناس للدفاع عنه، وترافقها مع ميل إدارة دونالد ترامب للعودة القوية إلى العراق، يحضر الجدل عراقيا حول الخيارات الأميركية المطروحة على الطاولة، وتزداد التساؤلات حول البديل الأميركي في بلد تتحمل الولايات المتحدة وزر تدمير بناه الدولتية والاجتماعية، وتحويل تنوعه المذهبي والعرقي إلى منظومة محاصصة سياسية مهدت الطريق لكل هذا الخراب.
فما يبدو اليوم في جعبة إدارة ترامب عراقيا، ليس أغنى مما في جعبة الإيرانيين، فالمنظومة الخمينية اليوم لا تمتلك سوى تعزيز أدواتها القديمة، والتي ليس بوسعها أن تجعلها متجددة على صعيد الخطاب والممارسة السياسية في عراق منهك، بات قاب قوسين أو أدنى من حالة الانتفاض العارم، فخيارات إيران ليست سوى وجوهها الميليشياوية والتصعيد في الخطاب التعبوي المذهبي، فهي كمن يعيد ترميم عجلة مهترئة غير صالحة للسير، إنما تستطيع إيقاف العربة على حالها وحمايتها ميليشياويا، لتضمن على الأقل أن يبقى العراق ضمن فلكها، وبقرتها الحلوب في هذه المرحلة التي يساعد إدرارها على سد الرمق الإيراني والتخفيف من أثر العقوبات.
وكذلك تبدو العجلة الأميركية اليوم، حيث لا تملك الولايات المتحدة خيارات سياسية مقبولة من الشارع وتضمن لها استقرارا سياسيا ومجتمعيا يقدم للعراقيين بديلا مقبولا على صعيد الإنجاز، فلا تحركات أميركية مباشرة في هذا السياق، كما لم تعمل الولايات المتحدة على إنتاج نموذج سياسي تصدره كبديل لعراق ما بعد صدام حسين، سوى ما جُسد عقب الاحتلال عام 2003، ونظم مسار الحالة السياسية والمجتمعية حتى الآن، وأوصلتها إلى ما هي عليه وتستمر في الفشل بإنجاز ذلك النموذج.
ما يبدو من رهانات أميركية في هذه المرحلة لا يتعدى أدوات من شخوص سياسية متذبذبة، من ذات الشريحة السياسية الفاعلة ضمن العملية السياسية الجارية في البلاد، والتي أوصلتها إلى هذا التردي، لكن بفارق أساسي عن أدوات إيران، فالأخيرة تستند إلى ميليشيات مسلحة تتحكم بكافة مفاصل الحياة السياسية والإدارية في مؤسسات “الدولة”، وهو ما يخيف الجانب الموالي للولايات المتحدة في العملية السياسية، الذي يعلم جيدا أن التحكم المفصلي ما زال لإيران على أرض الواقع.
ورغم ارتفاع منسوب القوة الأميركية وتأثيرها في إضعاف إيران عبر العقوبات، والتي ستتعمّق نتائجها تباعا، والعودة الأميركية عسكريا إلى العراق عبر تعزيز قواعدها غرب البلاد وشماله، إلا أنها لا تزال تفتقد للخيار السياسي والإداري، المستند إلى قوة فعلية تغير الموازين على أرض الواقع، وأما الرهان على شخوص العملية السياسية فإنه سيبقي الولايات المتحدة تسير على ذات العجلة. كل ذلك في ظل غياب حالة عراقية مستقلة تطرح ما لديها بندية وسيادية على خصومها وحلفائها.
7 عد تنازلي لوقف اعتماد العراق على كهرباء وغاز إيران
سلام سرحان
العرب بريطانيا
تشير خلاصة التحركات والمواقف المتباينة إلى أن العد التنازلي لإلزام العراق بوقف اعتماده على إمدادات الكهرباء والغاز الإيرانية قد بدأ بالفعل.
من الواضح أن محور الخلافات يتعلق بالتوقيت فقط وضغوط أشهر الصيف العراقي اللاهب، الذي يرتفع فيه الطلب على الكهرباء ويرتفع معه سخط العراقيين واحتجاجاتهم على عجز الحكومة عن توفير الكهرباء رغم تبديد عشرات مليارات الدولارات منذ عام 2003.
وفي هذا الإطار يمكن تفهم إعلان وزير الكهرباء العراقي لؤي الخطيب أن بغداد أبلغت الإدارة الأميركية بحاجتها إلى استيراد الطاقة الكهربائية والغاز من إيران.
ورغم أن الوزير قذف موعد تحقيق الاكتفاء الذاتي في توليد الطاقة الكهربائية إلى عامين أو 3 أعوام، إلا أن الملفات الأخرى مثل العقد الشامل مع شركة سيمنز الألمانية وتحركات الربط الكهربائي مع دول الخليج ترجح إيقاف الإمدادات الإيرانية في الخريف أو الشتاء المقبلَيْن.
هناك مؤشرات على أن واشنطن يمكن أن تقبل تمديد إعفاء بغداد من الالتزام بالعقوبات الأميركية خلال فصل الصيف من أجل الحفاظ على استقرار العراق ومنع اندلاع احتجاجات قد تستغلها الأطراف العراقية الموالية لإيران في إحداث ارتباك في إمدادات النفط العراقية من أجل تخفيف القيود على صادرات إيران.
ويؤكد ذلك إعلان الخطيب أن العراق سينتج 18 ألف ميغاواط خلال الصيف الحالي مقارنة بنحو 14 ألفا قبل عام، وهو ما يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد تراجع الطلب في الخريف المقبل.
وتدرك الإدارة الأميركية والأطراف الإقليمية صعوبة موقف الحكومة العراقية في ظل انقسام الأطراف السياسية بين فريق متحفظ على نفوذ إيران المدمر وفريق تابع لإيران، له تمثيل في البرلمان والحكومة ويرتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني المدرج على القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية.
سوف يستمر جس النبض بين واشنطن والأطراف العراقية والأطراف الإقليمية الأخرى لحين انتهاء فصل الصيف، إلا إذا غامرت طهران بتفجير الأوضاع العراقية للهروب من اختناقها الوشيك.
تلك المعادلة تنطوي على صراع من أجل البقاء لأن بعض الأطراف السياسية مهددة وبعضها مدرج على اللائحة الأميركية للجماعات الإرهابية، ولذلك فهي تنطوي على خطر انفجار وصراع مسلح في العراق.
كل ذلك يجعل حكومة عادل عبدالمهدي تسير في حقل ألغام شديدة الانفجار. ومن الإنصاف القول إن تحركاتها حققت تقدما كبيرا لإخراج البلاد من تقاطع النيران.
وكان إبرام اتفاقات واسعة مع السعودية خلال زيارة عبدالمهدي إلى الرياض وقبلها زيارة وفد سعودي كبير إلى العراق، أحد تلك التحركات، التي تجد قبولا واسعا في الشارع، ما يعزز موقفها في خفض سقف مطالب الأطراف الموالية لإيران.
كما أن إبرام اتفاقات لتطوير قطاع الكهرباء مع سيمنز، يمثل مناورة جيدة بين الأطراف المتنازعة، والتي تؤيدها آراء الخبراء لسجل الشركة الألمانية وخاصة نجاحها في إنهاء عجز الكهرباء بمصر.
وجاءت الاتفاقات، رغم ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنح جنرال إلكتريك حصة من العقود لكن يبدو أن عبدالمهدي فضل تفادي ضغوط أتباع إيران داخل حكومته.
وتحدثت تقارير عن أن واشنطن عرضت على بغداد تمديد السماح لها بشراء الغاز والكهرباء من إيران مقابل إبرام عقود مع الشركات الأميركية في قطاعي النفط والكهرباء.
وقد نفى عبدالمهدي أمس وجود أي علاقة بين حصول العراق على إعفاءات من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وبين أي اتفاق آخر، وبضمنها اتفاق أولي تقترب حكومته من توقيعه مع اكسون موبيل.
وقال إن العراق يقترب من توقيع اتفاق بقيمة 53 مليار دولار مدته 30 عاما مع اكسون موبيل وبتروتشاينا لتطوير البنية التحتية النفطية في الجنوب في إطار مشروع طاقة عملاق.
وفي خلاصة جميع المؤشرات، يبدو أن العراق سيوقف اعتماده على إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية بعد فصل الصيف.