1 موسم الهجرة وشروط الإقراض
إسماعيل الشريف الدستور الاردنية
تتحدث الحكومة هذه الايام عن برنامج اصلاحي جديد مع صندوق النقد الدولي!
في عام 2003 تم تفريغ العراق من علمائه بالقتل او الهجرة ، وابان الثورة السورية فتحت أوروبا أبوابها للهجرة ، ويقوم الموساد بتصفية العلماء الإيرانيين والغزيين .
وهذه الأيام فهنالك احياء كاملة للاردنيين في المدن الكندية المختلفة ، ويقام معرض متخصص بالهجرة ، والعديد من أصدقائنا الذين تقاعدوا يعيشون على السواحل التركية يرسلون لنا صورهم وهم يبتسمون .
لو سألت أي منهم لماذا هذه الهجرة فسيجيب ابحث عن مستقبل لاولادي اريد تعليمهم تعليما افضل مجانيا .
هذا هو الفرق بين الدول المتقدمة ودولنا ، فتلك الدول تعلم ان الاستثمار في البشر هو أولوية الاستثمارات فيما يرى بعض مسؤولينا ان الاستثمار في جسر او طريق او الباص السريع هي الاولوية .
في عام 2003 قام البنك الدولي بإصدار مؤشر يقيس مدى جاذبية المناخ الاستثماري في دول العالم تحت عنوان ممارسة الاعمال فيقيس مثلا مقدار الضرائب وسيادة القانون وسرعة تسجيل الشركات وحجم الفساد ، وقد حقق هذا المؤشر نجاحا كبيرا حيث قامت الدول بـ 3180 تعديلا على قوانينها توافقا مع ذلك المؤشر.
نفس هذه الفكرة ستطبق هذه المرة ولكن على الانسان ، فالبنك يطور الان مؤشرا جديد تحت عنوان رأس المال البشري ، بحيث ترتبط القروض والمساعدات بمدى نجاح تلك الدولة في تطبيق هذا المؤشر .
هذا المؤشر يقيس مدى مساهمة رأس المال البشري في الناتج القومي ، وسيركز على جانبين الصحة والتعليم كما ونوعا ، وسينظر أيضا الى قيم اجتماعية أخرى كالمثابرة والاجتهاد والإخلاص والأمانة .
إنه لامر مؤسف ان تحسين الصحة والتعليم سيتم فرضهما من الخارج باجندات بريئة او غير بريئة ، ثم سيرتبط الإقراض لاحقا بتدخلات في البنية والثقافة المجتمعية .
اعتقد باننا يجب ان ناخذ زمام المبادرة ، وان نعي أولا لأهمية الاستثمار بالإنسان ، فاي نمو اقتصادي يقف وراؤه إنسان متعلم مبدع ، وهي عملية تراكمية تتوارثها الأجيال في وقت تتسارع فيه التكنولوجيا .
والامثلة على ذلك لا تنتهي ، ففي القرن الثامن عشر شجعت ولاية ساوباولو في البرازيل الاوروبيين المتعلمين على الهجرة ، وبعد مئة عام فان هذه الولاية الأعلى دخلا والافضل تعليما واكبر رافد للاقتصاد بالكفاءات المختلفة . في التسعينات ضاعفت غانا ميزانية التعليم فانخفض الفقر من 61 % الى 13 %، وفي كينيا فان حبة دواء بمقدار ثلاثين سنتا تقضي على طفيليات الأمعاء أدت الى زيادة الرواتب 20 % بسبب انتظام الأطفال في الدراسة ، وفي دراسة أخرى في الستينات فان كل سنت واحد يصرف في التعليم فسينعكس ايجابا بسبعة سنتات على الاقتصاد .
والاهم من هذا كله فان التعليم والصحة يؤديان الى تكافؤ في الفرص بين أبناء المجتمع ومحاربة الظلم الاجتماعي ويقوي الامن الاجتماعي ويخفف من الجريمة والهجرات ويزيد الثقة بمؤسسات الدولة .
قبل فترة فرحنا بفوز العالمين الاردنيين منذر أبو رميلة وعبد المحسن الحسيني بجائزة ولي عهد دبي للمبتكرين عن اختراعات ستذهب للولايات المتحدة ! فهما يعيشان ويعملان هناك!
2 آخر برميل بترول يخرج من تحت الأرض
د. أنور أبو العلا الرياض السعودية
هذه المقولة ليست جديدة فقد سبق أن سمعتها المرة الأولى من الطلبة العراقيين والإيرانيين في بداية الثمانينات في مسجد مدينة بفلو (شمال ولاية نيويورك) بعد صلوات الجمعة، حيث كان كل فريق منهما يتفاخر بانتصاراته وتفوقه على الفريق الآخر بما فيه قولهم: آخر برميل بترول يخرج من تحت الأرض سيخرج من أرض العراق.
ثم بعد ذلك أصبحت هذه العبارة السحرية نسمعها تتردد -بين الحين والحين- على لسان بعض وزراء بترول الخليج فيقول: آخر برميل يخرج من تحت الأرض سيكون من أرضي.
لكن السؤال هو: هل يوجد -فعلا- ما يسمى آخر برميل يخرج من تحت الأرض؟ سنجيب عن هذا السؤال. أولا وفق مضمون نظرية الموارد الناضبة لمسار إنتاج البترول، ثم ثانيا سنطبق المفهوم النظري على مسيرة إنتاج بترول حقل الغوار.
نظريا -ومن الملاحظ عملياً- أن استخراج البترول من حقل معين يبدأ صغيراً من الصفر. ثم ينمو تدريجياً -سنة بعد سنة- بنسبة معينة، إلى أن تصل نسبة النضوب إلى النسبة التي تختارها الشركة المنتجة بشرط لا تتجاوز 10 %، ثم يبدأ الإنتاج ينحفض تدريجيا سنة بعد سنة محافظاً على نفس النسبة المستهدفة إلى ما لا نهاية (infinity).
نحن هنا الآن سنطبق هذا المفهوم النظري بحذافيره على حقل الغوار، ليس لأنه واقعي وسيحدث على أرض الواقع، بل فقط لإعطاء فكرة علمية تجريدية للمفهوم العام النظري لمضمون كلمة ناضب (exhaustible)، وبالتالي تطبيق خطة الإنتاج المثالية -نظرياً- لاستخراج أكبر نسبة يمكن استخراجها من المكمن (reservoir).
للتبسيط سأبدأ بحساب مسيرة إنتاج الغوار من العام 2071، فلقد ذكرنا في مقالنا السابق أن الاحتياطي المتبقي في الغوار سيُصبح حوالي 14.38 مليار برميل العام 2071، ثم يبدأ الإنتاج يتناقص قسرياً بمعدل 3 % في السنة إلى أن يصل الإنتاج فقط 103.4 آلاف برميل في اليوم العام 2151.
الآن سأواصل حساب مسيرة إنتاج حقل الغوار إلى ما بعد العام 2151 إلى أن أصل إلى اليوم الذي سيخرج فيه آخر برميل مُسْتخدماً آلة حاسبة عادية.
سيكون الاحتياطي المتبقي في الغوار بنهاية العام 2151 حوالي 37.74 مليون برميل فقط ولكن كما سنرى أدناه سيواصل الإنتاج لمئات السنين بانخفاض 3 % -سنة بعد سنة- إلى العام 2531 حيث سيصل إنتاج الغوار حوالي واحد برميل في اليوم، لكن ليس هذا هو البرميل الأخير؛ لأنه سيكون هناك احتياطي قدره حوالي 362.8 برميل فقط، ثم سيواصل الإنتاج انخفاضه بسرعة -يوماً بعد يومٍ- بمعدل 3 % إلى أن يتم استخراج آخر برميل من الغوار في يوم 15 يوليو 2531 (بعد 512 سنة)، بالتأكيد هذا -ليس واقعيا- بل مجرد تطبيق نظري لمفهوم اللانهائية (infinity) للمورد الناضب.
3 دموية ولاية الفقيه في العراق
د. باهرة الشيخلي
العرب بريطانيا
المتوقع أن تزيد الميليشيات الإيرانية من اغتيالاتها وتصفياتها الجسدية خصوصا في المحافظات الجنوبية، بالتزامن مع حالة الرفض للنفوذ الإيراني، التي بدأت تتنامى بنحو كبير.
عادت إلى الواجهة في عدد من محافظات العراق جرائم الاغتيال والتصفية الجسدية، وشهدت محافظة البصرة العدد الأكبر من هذه الجرائم، التي ذهب ضحيتها ناشطون عرفوا بمعارضتهم للنفوذ الإيراني في العراق.
قال مستشار محافظ البصرة لشؤون العشائر، الشيخ محمد الزيداوي، إن “البصرة تشهد عمليات اغتيال في وضح النهار وفي وسط المدينة، كان آخرها اغتيال المقدم عمر السعدون المنتسب لقيادة عمليات البصرة والمقدم عبدالحسين التميمي المنتسب لشرطة البصرة، فضلا عن اغتيال مدرسة وناشطة وجرح الشيخ نصير الساعدي وقتل ابن عمه وآخرها جريمة قتل مروعة داخل أحد مستشفيات البصرة”، معتبرا أن “عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية في شمال البصرة لا تعد ولا تحصى”.
في محافظة كربلاء وسط العراق، أضربت العيادات الخاصة للأطباء عن العمل احتجاجا على مقتل الدكتور محمد الخفاجي طبيب التخدير في مدينة الإمام الحسين الطبية، الذي اختطف وقتل في مدينة الشعلة في بغداد، في حين أفاد مصدر أمني في المحافظة بأن شابين قتلا أثناء تواجدهما في سيارة أجرة من قبل شخص يستقل دراجة نارية غرب كربلاء. وفي بغداد، اقتحم مسلحون منزل ضابط في قضاء اليوسفية جنوبي بغداد وقتلوا ابن الضابط وزوجة ابنه.
أصابع الاتهام يمكن أن توجه إلى زعيم جيش المختار واثق البطاط، المرتبط بالحرس الثوري والذي هدد بذبح ضباط وشرطة المنافذ الحدودية الذين ألقوا القبض على معمم إيراني متلبس بجريمة تهريب الزئبق، وذبح عائلات هؤلاء الضباط والشرطة
مسلسل الموت في العراق لم يتوقف منذ يوم 9 أبريل 2003، يوم داست أقدام المحتلين أرض بغداد، وإن خفتت موجات هذا المسلسل، لكنه لم يختف من الحياة العراقية كليا، ففي كل يوم هناك بيت عزاء وحداد، فلدى أحزاب الخراب الوطني وحشودها المسلحة وميليشياتها الإرهابية لائحات للموت تنتظم فيها مئات بل آلاف الأسماء المرشحة للقتل، الآن أو بعد حين، وتستمر عروض الموت اليومي في أنحاء البلاد في مراكز المدن والبلدات، بل امتد القتل غيلة إلى الأطراف القصية ونالت القرى نصيبها.
وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام العراقية تتوجه إلى ميليشيات الموت الإيرانية في ارتكاب هذه الجرائم، وإلى الانفلات الأمني الذي خلقه السلاح المنفلت في الشارع العراقي وضعف الأجهزة الأمنية أمام هذه الميليشيات، إلا أن هذه الميليشيات ومن يؤيدها يتهمون جهات أخرى، لا مصلحة لها في الغالب، بمثل هذه الحوادث الإجرامية، فمستشار محافظ البصرة لشؤون العشائر، الشيخ محمد الزيداوي مثلا، قال إن “جهات بعثية تقف وراء ازدياد عمليات القتل بعد أن سمحت بتفشي ظاهرة حيازة السلاح بما سرقته من حاويات تابعة للجيش العراقي والقوات الأمنية وباعتها قبل اجتياح داعش للموصل وبعدها، وهي حاليا تتمتع بنفوذ وتتحكم بالأمور كيفما شاءت وتتوعد من يحاول كشف جرائمها أو فتح ملفات ضدها”.
ورغم أن هذا الاتهام بعيد عن الواقع، لمعرفة العراقيين أن السلاح المنفلت المنتشر في الشوارع لا تحمله إلا أيدي الميليشيات المسلحة التي تدين بالولاء لإيران، إلا أن من الممكن مناقشته، ورده بأن المستهدفين بهذه الاغتيالات والتصفيات هم كل من يعترض على الفساد في الحكومة وعلى التواجد الإيراني ومن يقف بوجه من يدخل المخدرات إلى البلاد، إذ طالت ضباط الحدود في البصرة وميسان الذين ضبطوا مهربي المخدرات المرتبطين بميليشيات الحشد ويعملون مع الحرس الثوري الإيراني والقادمين من إيران، والناشطين والمتظاهرين الذين اتهمتهم الميليشيات سابقا بأنهم بعثيون، فما مصلحة البعثيين بالدفاع عن حكومة الفساد وهم يناهضونها أصلا؟
إن الاتهامات توجه إلى كل سلاح خارج القانون وإلى المافيات وإلى الميليشيات كافة، وقبل هذا وذاك إلى أحزاب العملية السياسية، التي صنعت عصرا من الإرهاب الدموي هو الأول والآخر في تاريخ بلاد الرافدين.
مسلسل الموت في العراق لم يتوقف منذ يوم 9 أبريل 2003، يوم داست أقدام المحتلين أرض بغداد، وإن خفتت موجات هذا المسلسل، لكنه لم يختف من الحياة العراقية كليا
كما أن أصابع الاتهام يمكن أن توجه إلى زعيم جيش المختار واثق البطاط، المرتبط بالحرس الثوري والذي هدد بذبح ضباط وشرطة المنافذ الحدودية الذين ألقوا القبض على معمم إيراني متلبس بجريمة تهريب الزئبق، وذبح عائلات هؤلاء الضباط والشرطة، وجعل رؤوسهم منافض للسجائر.
ونذكّر بتقرير نشرته، في وقت سابق، صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، نقل عن مسؤولين أمنيين بريطانيين قولهم إن طهران تستخدم فرق اغتيالات لإسكات منتقديها، وسط ما وصفته بمحاولات إيرانية للتدخل في شؤون الحكومة العراقية الجديدة.
المتوقع أن تزيد الميليشيات الإيرانية من اغتيالاتها وتصفياتها الجسدية خصوصا في المحافظات الجنوبية، بالتزامن مع حالة الرفض للنفوذ الإيراني، التي بدأت تتنامى بنحو كبير في هذه المحافظات.
4 متى يعي حكام عراق ما بعد 2003 مكانة وقوة هذا البلد العريق؟
سعد ناجي جواد راي اليوم بريطانيا
سألني عدد من الإخوة الأعزاء بعد مقابلة تلفزيونية عن جملة رددتها آنذاك قلت فيها ان العراق الان بلدا قويا الا ان ساسته الحاليين لا يعون حجم هذه القوة ومقدار تأثيرها، واضيف الى ذلك الان انهم يصرون على التعامل مع العراق كبلد ضعيف وكذيل وليس كراس يُفتَخر به. وكان ردي عليهم انني كنت اقصد تماما ما اقول، ولتوضيح هذا الرأي سأحاول ان اشرح ما قصدت.
ابتداءا لابد من القول ان العراق منذ تشكيل حكومته الوطنية الاولى في ظل الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي، لم يكن بالضعف والاستباحة التي هو عليها ومنذ احتلال عام 2003. ففي عز الاحتلال البريطاني وقف المرحوم الملك فيصل الاول مواقف رفض فيها الخضوع للمندوب السامي البريطاني، ووقف المرحوم نوري السعيد مواقف مشابهة، مثل رفضه مقترح حل الجيش العراقي بعد ثورة مايس 1942. واذا كان لابد من العودة الى التاريخ القريب للتذكير بدور العراق الريادي على المستوى العربي والاقليمي، وبغض النظر سواء اتفقنا او اختلفنا مع الحكام والحكومات التي حكمته، فان العراق كان اول دولة عربية تحصل على استقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1932، وأول دولة تُقبل في عصبة الامم، ثم من الدول المؤسسة لمنظمة الامم المتحدة. ومنذ ان نال الاستقلال لعب العراق دورا مشهودا في حصول دول عربية اخرى على استقلالها. ولمن لا يعرف فان لرئيس وزراء العراق الأسبق في العهد الملكي المرحوم الدكتور فاضل الجمالي موقفا لا يمكن ان ينسى مع قائد حملة المطالبة باستقلال تونس آنذاك المرحوم الحبيب بورقيبة، وذلك عندما كان الجمالي في عام 1954 يهم بالدخول الى مبنى الامم المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة، شاهد السيد بورقيبة وهو يُمنع من دخول المبنى لطرح قضية بلده بدعوى انه لا يملك تصريحا بالدخول، فما كان من المرحوم الجمالي الا ان رفع تصريح الدخول (الباج) من على صدر احد أعضاء الوفد العراقي المرافق له ووضعه على صدر بورقيبة وادخله الى الجمعية العامة ضمن الوفد العراقي، وقدمه كممثل ل (تونس الحرة) الى ممثلي دول العالم، وانسحب الوفد الفرنسي غاضبا من الجلسة، ثم ثَنَّى الوزير الجمالي على مطلب بورقيبة ودعمه. وكانت تلك الخطوة الاهم في استقلال تونس. ثم تبنى هو باسم العراق بعد ذلك مسالة استقلال ليبيا ودعمها حتى نالت الاستقلال، ووقف العراق مع ثورة الجزائر منذ بدايتها. ولا يزال الجزائريون يتذكرون بفخر واعتزاز موقف النظام الجمهوري بعد 1958 من ثورتهم والدعم الكبير بالسلاح والمال الذي قدمته لهم. ثم تكررت الامور مع دول الخليج في سبعينيات القرن الماضي. اما اقليميا فان العراق تبوأ باقتدار مركز القيادة، وخير دليل على ذلك هو انه عندما ارادت الولايات المتحدة وبريطانيا إقامة حلفا عسكريا يضم تركيا وايران وباكستان جعلته بقيادة العراق وحمل اسم حلف بغداد، وهذا كان اعتراف دولي واضح بمكانة العراق الإقليمية. كما كان العراق صاحب فكرة تأسيس منظمة أوبك، وكانت بغداد محتضنة اجتماعها التأسيسي. الى غير ذلك من المواقف الريادية.
ولما قامت الثورة الاسلامية في ايران واعتمدت مبدأ تصدير الثورة الاسلامية كان العراق الجدار الصلب الذي وقف في وجه هذه الأفكار وحمى دول الخليج كافة من خطر السقوط بفعل هذا المبدأ، وليس العكس كما صرح السيد روحاني موخرا. كما ان العراق كان ولا يزال الدولة الوحيدة من غير دول المواجهة الذي شارك في كل حروب الأمة العربية مع اسرائيل، والدولة الوحيدة من الدول المشاركة في الحروب التي رفضت توقيع هدنة او معاهدة صلح مع اسرائيل. وما كانت المخططات لاحتلال و تدمير العراق لتوضع لولا معرفة واضعيها بمكانة العراق وقدراته. وربما من المفيد التذكير بما قالته وزيرة خارجية أميركا الأسبق مادلين اولبرايت، عندما سئلت هل هناك ما يبرر استمرار محاصرة وتدمير العراق بعد ان ثبت ان البلد لا يمتلك أسلحة دمار شامل فكان ردها ( نعم هذا صحيح ولكن العقول ما زالت موجودة هناك).
بعد عام 2003 انقلبت الصورة ووصل الحكم من يشعر انه قد تبوأ المنصب بفضل هذه الدولة او تلك، وان بقاءه فيه يعتمد على جعل البلاد تابعة لهذه الدولة او تلك. وللعلم فان هذا الامر لا يقتصر على من يدعون بانهم يمثلون مكونا واحد او معينا من مكونات الشعب العراقي، وإنما ينطبق على كل ممثلي المكونات الاخرى، فمثلما هناك قسم يعتبرون ايران هي مرجعيتهم وأنهم يجب ان يفعلوا كل ما في وسعهم لإرضائها حتى وان كأن ذلك على حساب سيادة و مصلحة العراق وشعبه، فان هناك من يعتبر تركيا كذلك، واخرون ينظرون لدول الخليج بنفس النظرة، وقسم رابع ينظر الى الولايات المتحدة الامريكية بنفس الطريقة، لا بل ان هناك من قيادات الأحزاب الحالية من يتعامل مع اسرائيل بنفس الأسلوب ولا يترددون في ان يقدموا مصلحة هذا الكيان الغاصب على مصلحة العراق. المضحك المبكي ان هؤلاء الساسة لا يزالون يتصرفون بهذه الطريقة حتى بعد ان أظهرت تطورات الامور الحالية في المنطقة ان جميع الأطراف المحيطة بالعراق، وحتى الولايات المتحدة، هم اليوم بأمس الحاجة للعراق، و مع ذلك بقي سياسيو العراق يتعاملون مع هذه الأطراف من موقف ضعيف او ذليل او كأنهم يستجدون من هذه الأطراف.
ولحد الان ظهر انهم غير قادرين على استيعاب حقيقة انهم يمثلون دولة بحجم العراق، او على فرض المصلحة الوطنية على الدول التي هي بحاجة للعراق، و التي طالما اضرت بمصالحه في الفترة السابقة. فعندما تطلب منهم الولايات المتحدة ان يمتنعوا عن استيراد الغاز الايراني لأغراض الطاقة الكهربائية يقولون نعم، مع علمهم بان هذا الامر سيكون له تأثير كارثي على العراقيين مع اقتراب فصل الصيف، ولا يوجد من بينهم من يقول للسيد ترامب ان بلدك هو من دمر البنية التحتية ومعها محطات الكهرباء العملاقة، واذا كنت تريد منا ان نلتزم بقراراتك الاعتباطية فتفضل وأرسل اكبر واهم شركات الطاقة في بلدك لكي تعيد لنا الكهرباء، كمثل بسيط على ما يتوجب على امريكا فعله بعد ما دمرت البلاد وقتلت العباد. ولا يقولون لايران التي تستجدي تضامن العراق الذي هي بأمس الحاجة اليه، ان اوقفي تدخلاتك الفجة في العراق وأوقفي الدعم الذي تقدمينه للمليشيات التي تعبث بأمن وسلامة المواطنين الأبرياء، وتوقفي عن قطع الموارد المائية من الوصول للأنهار العراقية او عن اغراق العراق بمياه المبازل المالحة او السماح بتهريب السموم التي انتشرت بشكل غير مسبوق في العراق. او على الأقل يطلبون منهم اعادة ممتلكات العراق التي ارسلت لهم كأمانة وصادرتها ايران. وهم ليسوا فقط لا يقولون ذلك بل يظهر علينا من يصرح بانه مستعد لكي يأخذ العراق الى حرب مدمرة ليقف الى جانب ايران.
وكذلك الامر مع تركيا التي تحتاج العراق لمحاربة المنظمات التي تشن هجمات داخل تركيا، لكنها تصر على اختراق سيادة العراق بقواتها العسكرية، ولا تحترم حاجة العراق والعراقيين الى الموارد المائية و يتصرفون بها بطريقة تجلب الجفاف للأراضي الزراعية في العراق. في حين ان امثالهم من الصنف الاخر يفرحون ويهرولون الى دول الخليج عندما تلوح لهم بمساعدات لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، ولا يقولون لهذه الدول بان العراق مع امتنانه لمساعدتكم ألا إن لديه حقوقا قد غُمِطت من قبل دولكم بدعوى محاربة النظام السابق، فلدينا أنبوبا للنفط أُنشِأ باموال العراق، وبموجب اتفاقية رسمية، قد تمت مصادرته وإغلاقه بدون وجه حق، مما سبب خسارات مادية كبيرة للعراق، وانكم يا دول الخليج الشقيقة قد فرضتم علينا ديونا ظالمة، وهي ليست ديون وإنما كانت أموالا مترتبة عن تصدير نفط لصالح العراق اثناء الحرب مع ايران على ان يقوم العراق بتصدير نفس الكميات لصالحكم بعد الحرب، وانكم لا تزالون تستقطعون منا تعويضات بالمليارات أنتم تعلمون جيدا انها ظالمة وضُخِّمت الآف المرات، وانكم تحاولون ان تبنوا ميناءا يساهم في خنق المنفذ البحري الوحيد للعراق، وبأنكم تدعمون الأحزاب الحاكمة في اقليم كردستان العراق اكثر مِمَّا تدعمون باقي مناطق العراق، وآخر هذا الدعم غير المبرر هو تغطية تكاليف الاستفتاء الذي كانت بعض الأطراف الكردية تريد الاعتماد على نتائجه من اجل الانفصال عن العراق. واخيرا عليهم تذكير الاشقاء جمعيا بحقيقة انهم تعاونوا على أضعاف العراق وسكتوا على تدميره وكانت النتيجة انهم جميعا أصبحوا ضعفاء ومهددين بعد تدمير العراق واحتلاله. الأنكى من ذلك فهم يجعلون من رجال الاعمال، وأغلبهم من الذين اثروا بعد الاحتلال ومن جراء الفساد، ولم يبرهنوا على اي نوع من انواع الوطنية في اعادة إعمار العراق، أساسا للوفود التي يتراسونها لدول العالم،
نعم العراق اليوم يمتلك فرصة ذهبية، اذا ما أحسن السياسيون استغلالها فانهم يستطيعون من خلالها ان يعيدوا للعراق وللعراقيين بعض من الحقوق التي اهدرت وسلبت بل وسرقت في وضح النهار. فهل سيتمكنون من الارتقاء الى هذا المستوى القيادي والرائد ام انهم قد استمرأوا حياة التبعية والخنوع، حتى وان كانت ضد مصلحة العراق وشعبه؟