3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 أطفال الإيزيديات المغتصبات
أحمد الحناكي
الحياة السعودية

يفيد خبر نشرته جريدة “الحياة” العراقية بأن الإيزيديين في العراق “اتخذوا قراراً تاريخياً يتعلق باعترافهم بالأطفال الذين ولدوا نتيجة عمليات الاغتصاب التي تعرضت الإيزيديات من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي”.ونشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، مقالاً لمراسلتها في منطقة الشرق الأوسط جوزي إنسور بعنوان: “الأمم المتحدة تثني على الإيزيديين لاعترافهم بأطفال الاغتصاب”، تقول فيها: “إن الزعماء الإيزيديين أعلنوا أنهم سيعترفون بالأطفال الذين ولدوا لإيزيديات اغتصبن من قبل إرهابيي داعش، ما يعد قراراً تاريخياً”. وذكّرت المراسلة بأن “داعش” خطف آلاف الإيزيديات من منازلهن في سنجار شمال العراق في عام 2014، وباعهنَّ سبايا إلى إرهابيين، مشيرة إلى أنه تم إنقاذ آلاف من هؤلاء لاحقاً، ولكن قضية الأطفال الذين أنجبنهن بعد اغتصابهن بقيت شائكة لفترة طويلة. فبينما رحب عدد قليل من أسر الفتيات بالأبناء الذين ولدوا لآباء من “داعش”، وجب على معظم الأمهات اتخاذ الخيار الصعب بين العودة إلى أسرهنّ، أو الاحتفاظ بأطفالهنّ (غير الشرعيين)، ونتيجة لذلك، تخلت كثيرات منهنّ عن أطفالهن الذين بقوا في مخيمات اللجوء في سورية أو في ملاجئ في العراق. ونقلت الصحيفة عن “المجلس الإيزيدي الروحي الأعلى” ما يلي: “نقبل أن ما حدث لهن (الإيزيديات) كان خارجاً عن سيطرتهن، كان الإيزيديون على مرّ التاريخ ضحايا، ونحن نقبل الناجين بفخر وإنسانية وشفافية”.تشهد الحروب ما لا يتوقعه أحد من ضياع وتشويه وحروق وتشتت وأمراض نفسية هائلة وانهيارات، فضلاً عن القتل، ناهيك عن الاغتصاب.
وشهدت الحرب الأميركية على فيتنام الكثير من هذه الأعمال، كما شهدت ما هو أكثر مرارة، تجلّى في بروز عصابات كثيرة من الجانبين (الأميركي والفيتنامي) عملت في تجارة الرقيق. طبعاً، كان هناك حالات استثنائية، وهي أن تنشأ علاقات حب بين جنود أميركيين وفتيات فيتناميات وأن تتطور إلى زواج. بعض هؤلاء الجنود بقوا في فيتنام بعد الحرب مع زوجاتهم، وهناك من غادروا وزوجاتهم إلى أميركا، وهناك من ترك زوجته وهي حامل من دون أن يكترث لها.
نسخر كثيراً من ممارسات مرحلة الجاهلية (ما قبل الإسلام) وما شهدته من سبي للنساء. لكن كان لدى القبائل آنذاك، ما يسمى “قوانين الأعراف والشرف والعادات”، التي جعلت أبناءها يعفّون أحيانا عن الولوج في كثير من هذه “المستنقعات”، مع العلم أنه كانت لهم دوافعهم التي لا يمكن مناقشتها في عصر ومكان يخلوان من مفاهيم الحضارة.
عندما نقارن بين الجيوش الغازية والقبائل المتناحرة في الجاهلية، يحتار المرء في تحديد أيّها يعيش عصر الجاهلية؟
ندركُ ما يحدث أثناء الاحتلالات، وعادة ما يكون الجندي في جيش يغزو بلداً آخر، منهكاً من الحرب والخوف ونتيجة عدم قناعته بما يقوم به، فيصبح مشوهاً مريضاً، ويندفع لارتكاب جرائم أخلاقية ومنها الاغتصاب، خاصة أنه يشعر بأن لا عقوبة ستطاوله.
ما ارتكبه الـ “دواعش” على مدار السنوات الأخيرة، يندى له الجبين، إذ كسروا جميع المحرمات وتجاهلوا كل القيم الإنسانية والديانات السماوية، بما قاموا به من اغتصاب وزيجات بالإكراه ومن نساء متزوجات، وكل ذلك من خلال بوابة الشرعية الدينية التي لا أحد من العلماء أو الأئمة يتفق معهم في تبريرها إطلاقاً.
رحبت الأمم المتحدة بالقرار الصادر عن الإيزيديين، والذي يسهم إلى حدٍ كبير في التخفيف من معاناة المسكينات ضحايا الوحوش البشرية، فما ذنبهن إذا اغتصبن؟ وهل يعقل بدلاً من علاجهن جسدياً ونفسيا ً من أثر هذه الجرائم المرتكبة بحقهن، أن نزيد الطين بلّة ونعقابهن؟ علماً أن الواحدة منهن لا تستطيع العودة إلى أهلها خوفا من قتلها أو قتل طفلها أحياناً أو عدم الاعتراف به.
مشكلة الكثيرين من أسر المغتصبات – الرجال منهم على وجه الخصوص – أنهم يعالجون الجريمة بجريمة أشد، أو أنهم يضطرون بناتهم إلى الهروب، وهم بذلك يفقدونهن إلى الأبد، فضلا عن أن وضعهن سيكون قابلاً للانحراف عندما لا يجدن من يُؤيهن.
2 أمن العراق و أمن الخليج: بمناسبة مذكرة التفاهم الموقعّة بين العراق وبين مجلس التعاون الخليجي
د. جواد الهنداوي

راي اليوم بريطانيا

وُقّعت مذكّرة التفاهم يوم الأربعاء الموافق ٢٠١٩/٤/٢٤ ،خلال زيارة الامين العام لمجلس التعاون الخليجي الى بغداد ، و موضوعها التعاون والتفاهم في مجالات الاقتصاد و التجارة و الثقافة و السياحة وتبادل الخبرات و التشاور .
بكل تأكيد، الانفتاح الخليجي تجاه العراق ،دولاً او منظمات ، يستحق الترحيب و التفاؤل و الأمل بترجمته الى ممارسات و مبادرات على صعيد الاستثمار و الاقتصاد ، وهذا ما تتمكّن عليه دول المجلس ، اكثر من غيرها ، وما ينبغي أنْ تؤديه قبل غيرها ،على الأقل ، لتعويض ما أصاب العراق من ضرر في أمنه و اقتصاده ، جراّء سياسة الجفاء و الخصام التي اتبعّتها بعض دول مجلس التعاون الخليجي تجاه العراق لمدة اكثر من عشر سنوات .
لا اقول علينا عتابهم وهم مُقبلون علينا ، و إِنْ صّحَ العتاب بين الاشقاء و الأحباب ، ولكن ينبغي أنْ يكون تجاوبنا لهذا الانفتاح في اطار التعاون الممكن و الواقعي ، و أنْ تكون مُفردات خطابنا الرسمي في اطار المقبول و المعقول ،بأعتبار الخطاب هو خطاب دولة ، مضمونه سياسة و دبلوماسيّة ، وليس خطاب علاقات عامة و مجاملة .
القول ، وفي تصريح رسمي للسيد وزير خارجية العراق ، بأنَّ “أمن و سلامة الخليج العربي هو من أمن و سلامة العراق و أمن و سلامة العراق هو من أمن و سلامة الخليج ” و أنَّ العراق ينظر اليوم الى دول مجلس التعاون الخليجي على انها الحامية لظهر العراق و تنظر دول مجلس التعاون الخليجي للعراق بانه الحامي لصدر دول مجلس التعاون ” ، هو حديث، نعتقده ، مُبالغْ في المجاملة ، ولا يُعّبر عن سياسة الواقع ، ولا يأخذ بنظر الاعتبار ، مُجريات ماتشهده اليوم المنطقة (الخليج ،العراق ،ايران ) مِنْ توتّر و انفعال و غطرسة أمريكية .
مِنْ مَنْ تحمي دول الخليج ظهر العراق ؟
و مِنْ مَنْ يحمي العراق صدر دول الخليج ؟
و الكلام عن الأمن و الحماية وَرَدَ في وصفْ و إسهاب ،بَيدَ أن موضوع المذكرة هو تعاون اقتصادي وثقافي وسياحي و اجتماعي ، وهذا ما أكّدَ عليه حصرا السيد أمين عام مجلس التعاون الخليجي . الضيف الكريم لم يُعّرجْ على امن العراق ، و لا على حماية ظهرهِ ، ولم يُعّلق على استعداد العراق لحماية صدر دول الخليج ! يتمنى و يأمل كل مواطن عربي أن يكون الحال او الهاجس الأمني بين الدول العربية او دول المنطقة كذلك ، ولكن هل فعلاً هناك أمن عربي مشترك او أمن خليجي مشترك او امن إقليمي مشترك لدول المنطقة .
أمن دول مجلس التعاون الخليجي هو جزء من الامن القومي لامريكا ، امريكا تقول ذلك و الاشقاء في الخليج لا يخفون ذلك ، و الجميع يعلم ذلك ، و أمن العراق هو بأرادة شعبهِ و جيشهً وحشده و مرجعيته ، وبالتعاون مع اصدقاءه ، وهذا ما برهّنته الوقائع و الاحداث .
لا أظن بأنَّ الاشقاء في دول الخليج فرحون بأنَّ ينتظر العراق منهم حماية أمنهِ و حماية ظهره ، ولا أظّن بأطمأنانهم لغير امريكا في أمنهم و حماية صدور دولهم .
حُسن النيّة قادنا الى القول بأنَّ التصريح هو مبالغة في المجاملة ، ربما الغيّر يرى في التصريح رسائل الى دول الخليج بطمأنتهم بحماية لهم تنطلق من العراق في حال تعرضهّم الى ايَّ اعتداء ، لاسيما وتوتّر الوضع وتبادل التصعيد و التهديد بين بعض دول الخليج و أيران جرّاء العقوبات الامريكية القادمة .
3 مسؤولية عربية خاصة في العراق
د. محمد السعيد إدريس الخليج الاماراتية
بدأ الانكشاف العربي أمام إيران بسقوط بوابتهم الشرقية في العراق. هذه حقيقة يصعب على أي منصف تجاهلها، أو القفز فوقها. وإذا كان من الصعب تبرئة العرب من مسؤولية هذه الكارثة، أي سقوط العراق بعد غزوه واحتلاله أمريكياً عام 2003، فإن غياب العرب، أو تغييبهم عن عراق ما بعد الغزو، أطلق الموجة الإيرانية الثانية في العراق. ففي الغياب العربي عن العراق جرت هندسة الدولة والمجتمع في العراق بالشكل الذي يحول دون عودته قوة عربية قادرة على الفعل والتأثير، خاصة في مجرى توازن القوى الإقليمي، في غير مصلحة الطرف العربي في علاقاته مع القوى الإقليمية الثلاث الشرق أوسطية غير العربية: إيران وتركيا و«إسرائيل»، وبالشكل الذي يضمن أن يبقى العراق منطقة نفوذ إيرانية.
فعل الأمريكيون ذلك في عملية انتقام غير مسبوقة ضد «عراق صدام حسين»، لكن العراق الجديد والعرب جميعاً، هم من دفعوا أثمان هذا الانتقام. فقد تم تدمير المؤسسات الأمنية والعسكرية والقدرات الاستراتيجية، كما تم فرض نظام المحاصصة الطائفية عبر الدستور المفروض أمريكياً، ومن ثم تم تمكين إيران من الهيمنة على القرار السياسي العراقي عبر فرض رموز المعارضة العراقية الموالية لإيران على مقدرات القرار السياسي في بغداد.
غاب العرب عن هذا كله، وغاب معهم العراق، من هنا تكتسب القمة البرلمانية الأولى لدول الجوار الإقليمي للعراق التي استضافتها بغداد يوم السبت الفائت (20/4/2019) أهميتها لأنها تفتح مجدداً أبواب العراق أمام العرب ليكونوا شركاء في مرحلة ما بعد هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، أي مرحلة إعادة تأسيس هندسة بديلة للدور الإقليمي للعراق. عُقدت هذه القمة البرلمانية الأولى من نوعها بمبادرة ودعوة من محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، وحضرها رؤساء برلمانات الدول الست المجاورة للعراق منها أربعة دول عربية هي: السعودية والكويت والأردن وسوريا، إضافة إلى تركيا ووفد برلماني إيراني، ما يعني أن الوجود العربي كان هو الطاغي في هذه القمة.
أكدت هذه القمة في بيانها الختامي إجماع المشاركين على دعم عملية البناء والإعمار والتنمية في العراق، وتشجيع فرص الاستثمار فيه بمختلف المجالات، ودعم العملية السياسية والديمقراطية في العراق بكل مساراتها. هذه التأكيدات لم تأت من فراغ، فهي جاءت بعد الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة، وعقب إعلان الانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي، لكنها جاءت، وهذا هو الأهم، في ظل إدراك شبه جماعي من جانب مختلف مكونات الطبقة السياسية الحاكمة أن العراق بات مرهوناً للصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وأن الطرفين، الأمريكي والإيراني، يتعاملان معه باعتباره منصة مواجهة، وأن استمرار هذه الحالة في ظل احتمالات الحرب بين واشنطن وطهران، أو على الأقل بين «تل أبيب» وطهران سيكون العراق هو أول من يدفع أثمانها، وأن الحل الوحيد المتاح للعراق لتجنب كوارث جديدة لم يعد قادراً على تحمل تبعاتها هو «النأي بالنفس» عن هذا الصراع، وأن الطريق إلى ذلك هو الانفتاح المتوازن مع كل دول الجوار الإقليمي، ما يعني الاستقواء بالجوار الإقليمي، وتوظيف هذا الجوار، والعربي بالذات، لتخفيف وطأة الضغوط الأمريكية على العراق.
الوعى بهذا كله هو الذي فرض على العراق أن ينتهج دبلوماسية الانفتاح على عالمه العربي، وأن يسترد ما افتقده من عمق واهتمام عربي امتد أكثر من خمسة عشر عاماً، بزيارات قام بها عادل عبد المهدي لكل من القاهرة والرياض، تزامنت وأعقبت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لبغداد، وزيارة عادل عبد المهدي لطهران، ثم زيارة وفد اقتصادي ودبلوماسي سعودي كبير للعراق، وانخراط العراق في شراكات أمنية ودفاعية مع سوريا وإيران من ناحية، وأخرى استراتيجية – اقتصادية مع مصر والأردن هي التي مهدت لهذه القمة البرلمانية، التي اعتبرها الرئيس العراقي برهم صالح «دليلاً على أن الاستقرار مصلحة إقليمية مشتركة»، ومنها بلور الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي الإدراك الاستراتيجي العراقي الجديد لعلاقات العراق الإقليمية، بقوله إن العراق «لم يعد قلقاً تجاه فكرة المحاور والانحياز، بل إنه اليوم بصدد بناء شراكات استراتيجية واعدة مع جميع دول الجوار من دون حرج من طرف، أو محاباة لآخر».
الرسالة واضحة وصريحة، وتقول إن العراق أضحى مستعداً للانفتاح على عمقه العربي، وأن يخرج من قيود الهيمنة الإيرانية والأمريكية. وهذا يعني أن العرب مطالبون بعدم تكرار أخطائهم السابقة مع العراق، وأنهم، إن كانوا يريدون تحجيم تمدد النفوذ الإيراني على الأرض العربية، فإنهم مطالبون بالتأسيس لشراكات مصالح عميقة اقتصادية وثقافية واستراتيجية مع العراق، كي يستعيد العرب قوة مضافة. الآن الأبواب باتت مشرعة على مصراعيها أمام كل العرب للعودة إلى العراق، ليس من أجل تحويله إلى منصة مواجهة مع إيران، بل بجعله عصياً على الاحتواء الإيراني بعمقه العربي.