6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 المملكة واسترداد العراق افتتاحية
اليوم السعودية

كان قرار حل الجيش العراقي، وتفكيك مؤسسات الدولة في العراق الشقيق إثر سقوط نظام صدام حسين في 2003م خطأ استراتيجيا باهظ الثمن، إذ تسللت إيران إلى الساحة العراقية لملء الفراغ بذريعة الإمساك بالأمن، حتى أمسكتْ بمفاصل القرار من خلال القوى والميليشيات الدائرة في فلكها، وأصبحتْ هي من يتحكم بقراره على الصعيد السياسي، فيما أوشك على الانهيار اقتصاديا رغم خيراته ورغم إمكانياته، لأن طهران تريد عراقا ضعيفا تابعا، لا عراقا قويا يقف في وجهها ووجه أطماعها، وكان على الأمة العربية إزاء ذلك الوضع أن تتحرك لاسترداد العراق إلى الحظيرة العربية، ومنع “تفريسه” إلا أن ظروف المنطقة آنذاك، وتوالي أزمات ما سمّي الربيع العربي الذي مزق القرار السياسي العربي أتاحت الفرصة لإيران للتمدد داخل العراق ونهبه، والإمعان في إضعافه، وقد حاولت المملكة وبعض دول الجوار العربي منع تدهور الأوضاع هناك إلا أن تغلغل الميليشيات الإيرانية التي وظفت الطائفية في الداخل العراقي قلل من فرص نجاح تلك المساعي، ومع هذا لم تتوقف المساعي السعودية لاسترداد العراق من النفوذ الإيراني بصفته ركنا أساسيا في منظومة البنيان العربي، وعندما بدأ الشارع العراقي يتململ من تمادي النفوذ الإيراني الذي عبث بمقدراته، ودفعه في غير ملف إلى ما وراء القرون الوسطى، أدركت شرائح كثيرة فيه أن الوجود الإيراني هو الذي أوصل بلاد ما بين النهرين إلى ذلك الوضع المخيف والمتدهور، حتى من غرر بهم مذهبيا، مما دعا المملكة لاستئناف دورها العروبي بالوقوف إلى جانب العراق في أزماته، فتجاوزتْ كل تجار الخلاف لتصل إلى تلك المشتركات التي تجمع بين الأشقاء في المحن، وقدمت المساعدات، وقطعت الطريق على المخطط الإيراني، لترمي بكل ثقلها خلفه لإنقاذه، واسترداد دوره العربي، الأمر الذي استوعبه الإيرانيون جيدا، بعد أن نجحتْ الدبلوماسية السعودية في تهيئة الظروف لعودة العراق إلى أمته، ما دفع الوزير الإيراني جواد ظريف إلى المبيت في النجف لأكثر من خمسة أيام، رغم علمه أن حكومة العراق في بغداد، وذلك لمحاولة إقناع المراجع الدينية الشيعية برفض المساعي السعودية التي اكتشف العراقيون كل العراقيين أنها جاءتْ لدعمهم، ولدعم بلادهم، واسترداد قرارها، وبناء اقتصادها، مما أسقط في يد طهران، لتأتي زيارة دولة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي للرياض كشهادة على نجاح السياسة السعودية باستعادة العراق إلى حضنه العربي.
2 صفارة إنذار عراقية
جورج منصور
الحياة السعودية

بعد أكثر من ستة عشر عاما على سقوط النظام العراقي السابق، وما رافق ذلك من فوضى سياسية وفساد ومحاصصة طائفية ونهب لثروات البلاد وخراب وتدخلات خارجية لا تحمد عقباها، أطلق رئيس “المنبر العراقي” إياد علاوي يوم 12 نيسان (إبريل) صفارة إنذار إلى القوى السياسية العراقية، داعياً إلى “مبادرة وطنية لعقد لقاء تشاوري عاجل لترتيب البيت الداخلي وإصلاح مسيرة العملية السياسية وإنقاذ العراق من محنته…”.
يعرف إياد علاوي تماماً، وقبل غيره، أن القوى السياسية التي دعاها إلى اللقاء، هي نفسها التي تستحوذ على المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، وكانت سببا في تهديم مؤسسات الدولة واستغلال موارد البلاد وسلب الخيرات ونهبها لمنافعها الشخصية والحزبية، من دون أن تقدم الحد الأدنى من الخدمات إلى المواطنين أو أن توفّر لهم سبل عيش كريم.
ويعرف علاوي أيضا، أن السنوات الماضية أثبتت حقيقة مفادها، أن معظم السياسيين العراقيين، الذين أصبحوا جزءا من الحكومات المتعاقبة، فشلوا بامتياز، لأنهم عملوا من أجل الإثراء الشخصي وساهموا في الفساد والمحاصصة الطائفية، ولم يدرجوا الشعب العراقي ومطالبه وهمومه المزمنة في حساباتهم، خاصة أولئك الذين غلّفوا نفسهم برداء الدين والتقوى والعفّة ورفعوا شعارات للاستهلاك المحلي وحولتهم المحاصصة الطائفية حيتاناً لفساد استشرى في جسد الدولة، علماً أن لا سلطة تعلو عليهم.
ما جدوى الدعوة إلى تشاور مع “الحرس القديم”، ومع الوجوه ذاتها التي ساهمت في تدمير العراق؟ أليست تلك المبادرة مجرد محاولة لذرّ الرماد في العيون وتخدير الشارع الملتهب والحفاظ على ديمومة العملية السياسية الفاشلة التي أوصلت مديونية العراق إلى ما يزيد عن 120 بليون دولار؟ في وقت احتل المرتبة الخامسة بين الدول المنتجة للنفط الخام عام 2019 وفق تقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
سئم المواطن العراقي الطبقة السياسية الحاكمة، وعبّر عن امتعاضه منها سواء بالتظاهر أو من خلال تدني نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 أيار (مايو) 2018 والتي لم تتجاوز الـ 44 في المئة. علماً أن هناك أربعة ملايين و100 ألف نازح داخل العراق، وخمسة ملايين و600 ألف يتيم، ومليوني أرملة، إضافة إلى وجود ثلاثة ملايين و400 ألف مهجر يتوزعون على 64 دولة، وفق إحصائية لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية (هيومن رايتس ووتش).
يحتاج العراق دولة متماسكة واستراتيجيات جديدة وعقليات وطنية مخلصة وكفوءة تعمل للتنمية المستدامة وتقوم بمعالجة المشاكل الكبيرة في الاقتصاد وبإعادة البناء والإعمار ومحاربة الفساد وتعزيز السلم الأهلي والحياة الديموقراطية. كما تحتاج البلاد إلى مفهوم آخر للهوية الوطنية، يرفض التخندق وينظر إلى المواطن كإنسان، بغض النظر عن انتماءاته الجغرافية والمناطقية والبيئية والدينية والمذهبية. وتحتاج كذلك إلى دولة مؤسسات تضمن الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة الحقة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتنأى بنفسها عن تحويل العراق الى مركز لصراع القطبين المتخاصمين، الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
عملت الأطراف والكيانات السياسية التي رسمت السياسة العراقية بعد عام 2003 على وضع مرشحيها في مواقع حساسة لتكون مصدراً للقرار، ولتحجيم دور المخلصين وإعاقة جهودهم في محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وتحقيق مطالب المواطنين وفي إعمار المناطق المتضررة من الحرب الذي تقدر كلفته ب 100 ألف بليون دولار، إضافة إلى إعادة النازحين إلى مناطقهم وضمان حياة آمنة كريمة للمواطنين ومعالجة البطالة والقضاء على بؤر الإرهاب.
يحتاج الإصلاح نظاماً سياسياً ديموقراطياً وشفافاً، يخلو من المحاصصة الطائفية، وإلى برلمانيين يكون ولاؤهم للوطن والشعب الذي انتخبهم، وليس لدول وأطراف وكتل وأحزاب متنفذة، تنتج طبقة سياسية طفيلية وتسيطرعلى مقدرات البلاد وتقتسم الكعكة وتتداول السلطة في ما بينها.
الإصلاح الحقيقي يعني الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، ويؤسس لتغييرات اقتصادية واجتماعية وبنيوية، إضافة إلى الالتزام بتحقيق العدالة والمساواة والوئام المجتمعي وتعزيز ركائز الهوية الوطنية وإعادة هيكلة المشاركة السياسية وإلغاء التشريعات التي تنتج فروقاً بين طبقات المجتمع الواحد، وكذلك يحتاج الأمر إلى إصلاح المؤسسات وإعادة كتابة الدستور وبناء دولة مواطنة وتعزيز المشاركة الشعبية ووضع قانون انتخابات يراعي الجميع.
لا يمكن إصلاح العملية السياسية في دولة مهدّمة ينخرها الفساد وتتوزع فيها المغانم بين الأطراف ذاتها التي يدعوها إياد علاوي إلى لقاء تشاوري.
3 زيارة غير عادية للسعودية
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا
ليست زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي للرياض حدثا عاديا. تكفي نظرة إلى البيان الصادر عن الزيارة والمحادثات التي أجراها عبدالمهدي مع كلّ من الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان للتأكد من أن هناك حال مخاض يمرّ فيها العراق الذي يبحث عن هوية جديدة له بعيدا عن النفوذ الإيراني أوّلا وعن عُقد الماضي التي تحكّمت بعلاقاته مع العرب الآخرين ثانيا وأخيرا.
تضمّن البيان إشارات عدّة توحي بوجود رغبة في إقامة نوع من التوازن بين العراق من جهة وكلّ من إيران والدول العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، من جهة أخرى.
قبل كلّ شيء، تحدث البيان السعودي – العراقي عن”الروابط التاريخية المتينة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، وعن ترسيخ للعلاقات وللرغبة المشتركة للدفع بها نحو آفاق أوسع، واستثمار الإمكانات الكبيرة والفرص المتاحة لتعزيز التعاون القائم في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية”. تطرّق أيضا إلى “أهمّية استثمار هذا الإرث السياسي والتاريخي والديني، وتعزيز العلاقات انسجاما مع توجه القيادتين”. وأشار إلى أنّه “على هامش الزيارة، عقد الاجتماع الأول للجنة الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية، برئاسة وزيري خارجية البلدين”.
هناك، إذا، كلام عن “إرث سياسي وتاريخي وديني” وعن “تعاون سياسي وأمني واقتصادي”. هذا ما حاولت إيران إلغاءه منذ سلّمتها إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة في مثل هذه الأيّام من العام 2003. أرادت إيران وضع العراق في خانة الدول التي تقع كلّيا تحت هيمنتها. لم يعد سرّا أن الاحتلال الأميركي للعراق قبل ستة عشر عاما مهّد لانطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. وهو مشروع وقف العراق عائقا في وجهه بين العامين 1980 و1988 لكنّه ما لبث أن أفسح له المجال لالتقاط أنفاسه عندما قام صدّام حسين صيف العام 1990 بمغامرته المجنونة في الكويت محاولا إلغاء وجود دولة عربية لم تقصّر معه في السنوات الثماني من الحرب مع إيران.
ما يكشفه البيان السعودي – العراقي أن عادل عبدالمهدي، الذي وجد نفسه في موقع رئيس الوزراء لأسباب مرتبطة إلى حدّ كبير برغبة إيران في تصفية حساباتها مع سياسيين عراقيين شيعة، على رأسهم حيدر العبادي، مضطر إلى التعاطي مع واقع جديد.
يتمثل هذا الواقع في استيقاظ الروح الوطنية العراقية مجددا عبر شخصيات شيعية من بينها عمّار الحكيم ومقتدى الصدر وحتّى حيدر العبادي. تجد هذه الروح الوطنية دعما لدى المرجع الشيعي علي السيستاني المقيم في النجف الذي كان لديه موقف واضح عندما زاره الرئيس الإيراني حسن روحاني، إذ فصل بين المصالح العراقية والمصالح الإيرانية، كما انتقد بطريقة مبطنة التدخلات الإيرانية في العراق عبر الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، الذي كان إلى ما قبل فترة قصيرة كثير التردّد على بغداد وغير بغداد.
ليس سهلا على شخص مثل عادل عبدالمهدي اتخاذ موقف متوازن بين الخليج العربي من جهة وإيران من جهة أخرى. يؤكد ذلك تأنيب “المرشد” الإيراني علي خامنئي له ودعوته إلى الوقوف في الصفّ الإيراني، خصوصا بعدما أبدى تفهمّه لحاجة العراق إلى القوات الأميركية وإلى الانفتاح على الخليج العربي في الوقت ذاته.
لا شكّ أن المملكة العربية السعودية سهّلت على رئيس الوزراء العراقي مهمّته وذلك عندما زار بغداد قبل فترة قصيرة وفد سعودي كبير ضمّ مسؤولين كبارا ومجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين. لم تتردّد المملكة في تقديم مساعدة بمليار دولار من أجل بناء مدينة رياضية في العراق. ثمّة فارق كبير بين دولة عربية تسعى إلى إقامة علاقات طبيعية تخدم المصالح المشتركة مع العراق وبين دولة مثل إيران تريد العراق كوكبا يدور في فلكها. أكثر من ذلك، أن الاستثمار الإيراني الوحيد في العراق هو استثمار في إثارة الغرائز المذهبية التي يبقى “الحشد الشعبي” أفضل تعبير عنها.
ما تريده إيران من العراق هو أن يكون تحت جناحيها وأن تكون علاقاته مع العالم الخارجي عبر طهران وما تقرّره طهران. ما تريده إيران أيضا هو أن تتكرّر في العراق التجربة التي لا تؤمن بغيرها. هذه التجربة هي حلول الميليشيات المذهبية التي يحرّكها “الحرس الثوري” مكان القوى النظامية، أي الجيش والشرطة. تريد إيران أن يكون “الحشد الشعبي” كلّ شيء في العراق مثلما تريد أن يكون “حزب الله” كلّ شيء في لبنان و”أنصار الله” كلّ شيء في اليمن وأن تكون سوريا مرتعا لميليشيات مذهبية عراقية وأفغانية…
ليست زيارة عادل عبدالمهدي للرياض سوى خطوة أخرى في الطريق الصحيح. ليس مستبعدا أن تعمل إيران على إفشال كلّ ما أسفرت عنه الزيارة بما في ذلك فتح المعابر البرّية بين البلدين على رأسها منفذ عرعر الذي بقي مسدودا طوال ثلاثين عاما. هناك عمل جدّي على تطوير هذه المعابر والمنافذ كما بين الدول المتحضّرة في أوروبا.
لعلّ أهمّ ما في الانفتاح المتبادل بين العراق والسعودية أنّه يقوم على مفاهيم مختلفة بعيدا عن الشعارات الفارغة وعن رهان إيران على أن لا استمرارية في السياسة السعودية. يحتاج العراق إلى عمق عربي وخليجي تحديدا في حين تمتلك السعودية شركات وفيها رجال أعمال يتطلعون إلى الاستثمار في العراق، هذا البلد الذي كان مفترضا أن يكون البلد الأهمّ في المنطقة نظرا إلى ما يمتلكه من ثروات، بما في ذلك الثروة البشرية والمائية، فضلا بالطبع عن ثروة النفط.
في النهاية، سيعتمد الكثير على ما سيشهده العراق من تطورات في المرحلة المقبلة وعلى ما إذا كانت إيران ستستوعب أنّ الردّ على العقوبات الأميركية، وهي عقوبات في غاية الجدّية، لا يكون بالتهديدات والدفاع عن “الحرس الثوري” ودوره التخريبي في المنطقة كما يفعل حسن روحاني. هناك شروط لا بدّ لإيران من التزامها والرضوخ لها. ترجمة ذلك تحوّلها إلى دولة طبيعية في المنطقة وليس قوّة إقليمية تمتلك مشروعا توسّعيا. هل إيران قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة والتحديات الجديدة بدل اعتبار الموقف الأميركي من “الحرس الثوري” بمثابة “إهانة” لها على حد تعبير روحاني؟
إن الجواب عن هذا السؤال سيعني الكثير. سيعني أوّلا أن إيران مستعدة للعب دور بناء في المنطقة بعيدا عن عقدة تفوق الفرس على العرب. كذلك، سيعنى أن إيران دولة طبيعية تهتمّ برفاه شعبها أوّلا، دولة قادرة على الاستفادة من توجّه العراق والسعودية إلى إقامة علاقات طبيعية بينهما تستند إلى المصالح المشتركة بديلا من الاستثمار في الميليشيات المذهبية وفكرة الدويلة داخل الدولة وتصدير “ثورة” ليس لديها ما تعطيه غير البؤس والدمار…
4 السعودية تطرد إيران من العراق
فريد أحمد حسن الوطن البحرينية

زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى الرياض تأتي ضمن الخطوات العراقية المتسارعة التي بدأ بها العراق مؤخراً للعودة إلى الحضن العربي، لكنها تحمل في نفس الوقت رسالتين مهمتين إلى النظام الإيراني، الأولى من العراق مفادها أن للعراق ظهراً عربياً أساسه المملكة العربية السعودية وأنه حان الوقت لوقف تدخلكم في شؤون العراق ويكفيكم ما نهبتموه منه طوال السنوات الماضية، والثانية من السعودية مفادها أننا لن نترك العراق وحيداً ولن نترككم تسرحون وتمرحون في هذا البلد العربي على هواكم. ولعل في مشاهد الاستقبال التي بثها التلفزيون السعودي وأظهرت مقدار الحفاوة التي قوبل بها الوفد العراقي ما يكفي لتأكيد هاتين الرسالتين والإعلان عن الدخول في مرحلة جديدة ليس للنظام الإيراني مكان فيها.
السؤال المنطقي الذي يمكن أن يثار هنا هو لماذا لم يقدم العراق والسعودية على هذه الخطوة وترسلا هاتين الرسالتين «الحازمتين» للنظام الإيراني قبل هذا الوقت؟ أما الجواب فملخصه أن الظروف التي كانت سائدة لم تكن تعين على الدخول في هذه الخطوة وأن التغيرات التي حدثت أخيراً ساعدت على ذلك، فالعمل السياسي رهينة الظروف والمتغيرات. وفي كل الأحوال لم تكن السعودية بعيدة عن العراق بل حاضرة في مختلف مراحل معاناته وهو ما أكده العديد من أعضاء الوفد العراقي في تصريحاتهم لوسائل الإعلام.
الاجتماع الذي عقده خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مع رئيس الوزراء العراقي في القصر الملكي بالعاصمة الرياض أكد خلاله أنه وجه الوزراء والمسؤولين في المملكة إلى إبداء كل ما يستطيعون من تعاون وتنسيق وتنفيذ للاتفاقيات والمذكرات.. وأن «المملكة حريصة كل الحرص على التعاون مع العراق ودعمه في جميع المجالات ومستعدة للتعاون لما فيه تحقيق المصالح المشتركة»، معرباً عن ارتياحه لحالة الاستقرار التي يشهدها العراق.
13 اتفاقية ومذكرة تفاهم جرى توقيعها خلال زيارة عبد المهدي للرياض بين السعودية والعراق استكملت ما تم الاتفاق عليه في زيارة سابقة لوفد سعودي إلى بغداد، من بينها مذكرة تفاهم في مجال المشاورات السياسية.
الانفتاح العراقي على السعودية يحقق مصالح البلدين والشعبين. هكذا قال عبد المهدي الذي أكد أن العراق يعيش اليوم استقرارا أمنيا وأنه يتطلع إلى تحقيق نهضة اقتصادية وعمرانية.. وأن السعودية بلد جار وشقيق ومتطور، ولفت إلى أن التعاون مع السعودية من شأنه أن يسهم في استقرار المنطقة.
من الرسائل المهمة التي وفرتها زيارة الوفد العراقي إلى الرياض أن «العراق يرفض رهن مصالح شعبه لجهات تصر على التدخل في شؤونه الداخلية وأن العقلانية والمنطق وحسابات المصالح السياسية والاقتصادية تقول إن مكان العراق ومصلحته الحقيقية هي في تعزيز علاقاته مع محيطه العربي حيث عمقه الاستراتيجي والقومي ورؤيته التاريخية والحضارية» وهو ما كرره العديد من أعضاء الوفد العراقي في تصريحاتهم خلال الزيارة.
الحقيقة التي لم يعد أحد في العالم يشك في صحتها هي أن النظام الإيراني عاث في العراق فساداً وخرب بنيته التحتية وأدخله في متاهات وعمل على نهب ثروته باسم حماية الدين والمذهب، وأن السعودية هي الظهر الذي ينبغي الاستناد إليه وهي الملاذ، وأن سنوات الألم التي عاشها الشعب العراقي بسبب تدخلات النظام الإيراني وحماقاته ستصير بعد قليل جزءاً من الماضي، وأن بداية الحياة الجديدة في العراق تم التوقيع عليها في الرياض، وأن العراق بعد سنة من الآن سيكون مختلفاً تماماً ومؤثراً ومتحرراً من كل ما له علاقة بالنظام الإيراني والعقلية الفارسية.
عودة العراق إلى الحضن العربي إفشال للمخطط الفارسي، وانفتاحه على السعودية سبب في عودة هذا البلد العربي إلى الحياة.
5 عودة العراق إلى الشرق العربي د.عبدالعزيز الجار الله الجزيرة السعودية

أدت الحروب الأخيرة في الشرق العربي في العراق ودول الخليج العربي إلى قطيعة سياسية بين بعض دول الخليج ومنها المملكة -قطيعة – مع العراق حوالي 30 سنة بدأت من غزو العراق للكويت عام 1990م ثم احتلال أمريكا للعراق عام 2003، ثم ثورات الربيع العربي عام 2010 وسيطرة إيران على القرار السياسي في العراق قبل أن يلتقط العراق أنفاسه عام 2019م في ظل انشغال إيران في قضاياها الداخلية نتيجة الحصار الاقتصادي من أمريكا ومن المؤيّدين لسياساتها ضد إيران التي افتخرت أبان الربيع العربي أن طهران تحتل أربع عواصم عربية هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
لذا تمت بين المملكة والعراق شبه قطيعة سياسية واقتصادية واستثمارية واجتماعية والتعاون المشترك استثمرتها إيران إلى أقصى درجات الاستغلال، حتى جاء الملك سلمان – حفظه الله- عام 2019م ليعيد العراق إلى محيطه العربي الذي اختطفته منه إيران منذ عام 1990م وتوثيق الصلات بين البلدين عبر اتفاقيات بين البلدين يوم الأربعاء الماضي أثناء زيارة رئيس وزراء جمهورية العراق عادل عبدالمهدي، ونتج عنها توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجال المشاورات السياسية، وحماية المنتجات والاستثمار والزراعة والصناعة والثروة المعدنية والنفط والغاز والطاقة الكهربائية والنقل البحري وتنظيم الركاب ونقل البضائع على الطرق والعلمي والتعليمي والثقافي والفني وجدوى الربط الكهربائي، وسبق هذه الاتفاقيات زيارة الرئيس العراقي للسعودية الرئيس برهم صالح قاسم أول نوفمبر 2018 وزيارة الوفد الاقتصادي والتجاري السعودي إلى بغداد أبريل 2019م.
هذه الخطوة من المملكة والعراق هي الخطوة الصحيحة بين بلدين تقاسما الهموم العربية والمصالح المشتركة من الألف الثالث قبل الميلاد من الهجرات السامية بين الجزيرة العربية وبلاد العراق والشام وتقوَّت أواصر وروابط الأخوة بعد الإسلام حين انتقلت عاصمة الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة في الخلافة الراشدة في أوائل القرن الأول الميلادي، ثم قيام بغداد بدور عاصمة الخلافة العباسية من أوائل القرن الثاني حتى منتصف القرن السابع وتولى العراق فتح ونشر الإسلام في إيران وآسيا الوسطى حتى قيام ثورة الملالي في إيران عام 1979م، واليوم يعيد الملك سلمان العراق إلى حضن العروبة والإسلامية بعيداً عن مغامرات إيران التي حوّلت العراق في السنوات الأخيرة إلى حديقة خلفية لسياساتها واقتصادها.