مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1                بين بغداد والرياض… عمل صالح

مشاري الذايدي       الشرق الاوسط السعودية

 

الزيارة الحافلة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، للعاصمة السعودية الرياض على رأس وفد كبير، زيارة دالّة وطيبة المعاني والثمرات.

الحفاوة التي لقيها وفد الحكومة العراقية في الرياض من قبل رأس الهرم السعودي الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والحكومة السعودية، تعبّر عن الاهتمام الذي توليه السعودية للجار العراقي الكبير.

لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية معتادة من قِبل أي رئيس حكومة عراقية جديد للسعودية، بعد أو قبل زيارة إيران ودول الجوار الأخرى، من أجل ضمان الاتصال والتواصل مع دول الإقليم.

هذه المرة الزيارة تضمنت اتفاقات معلنة، ولا ندري عن النقاشات والتفاهمات الأخرى، لكن يكفي المعلَن، فقد تم توقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون بين الحكومتين، في مجال المشاورات السياسية، والاستثمار والزراعة، والصناعة والثروة المعدنية، والنفط والغاز، والتعليم والبحث العلمي والفن والثقافة والربط الكهربائي.

خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء العراقي في بيانهما أكدا العلاقات التاريخية والدينية والاجتماعية بين السعودية والعراق وأهمية استثمار هذا الإرث السياسي والتاريخي والديني. كما التقى رئيس الوزراء العراقي مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق بما يعزز وحدة الصف العربي. لاحظ هنا الحديث عن دور عراقي عربي مؤسس.

وترجمة عملية لهذا الكلام، على هامش الزيارة، تم عقد الاجتماع الأول للجنة الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية، برئاسة وزيري خارجية البلدين.

أظن مفتاح الكلام هنا بين بغداد والرياض هو «الإرث السياسي والتاريخي والديني للبلدين»، حسبما جاء في البيان المشترك بين قيادتي العراق والسعودية.

هذا ليس كلاماً مرسلاً، بل حقيقة ثابتة ومستمرة، مهما حاول بعض أعداء هذا التفاهم، في الإقليم، ليس فقط النظام الإيراني بل غيره! وحتى من قِبل بعض الجماعات أو الأفراد داخل الدولتين، ولن نوغل بعيداً في القِدم للحديث عن العلاقة بين شعب نجد والحجاز والأحساء وسواحل الخليج، مع أبناء الأهوار والبصرة والبادية العراقية وبغداد والموصل والأنبار، فهي قديمة متجذرة، وكثير من الأسر العراقية البارزة تحدرت من الجزيرة العربية وبعضها في تواريخ قريبة، وقد أسس بعض أبناء الدولة السعودية (عبر الجزيرة العربية) مدناً بكاملها في العراق مثل الزبير والخميسية وغيرهما.

كما كان لرجال من العراق أثر طيب في تشكيل النهضة السعودية الحديثة أمثال مستشار الملك المؤسس عبد العزيز الدكتور الموصلي عبد الله الدملوجي، والعلماء الكبار المنحوتة أسماؤهم في جامعة الملك سعود بالرياض كالمخزومي والطاهر وغيرهما. ما بين السعودية والعراق، أمس واليوم وغداً، عميق راسخ متجدد ونافع غير ضارّ.

2              إيران تحرج النظام السياسي في العراق

حامد الكيلاني

العرب بريطانيا

 

نظام الملالي يصنف حرسه الثوري كقوات عسكرية نظامية حاله حال الجيوش الوطنية في معظم دول العالم. التناقض وازدواجية التقييم لأداء المؤسسات بعض من سمات سلوكيات النظام الحاكم في إيران منذ استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979، ولهذا تتصرف المؤسسة الدينية بمعزل عن النظام الدولي، متجاوزة الحدود السياسية للجغرافيا لتصدير مشروعها العقائدي المذهبي الذي لا يعترف بحقوق الدول في السيادة على أراضيها وصياغة رؤيتها لمستقبل ومصير مواطنيها. الجدل حول صراع مشروع الثورة مع مشروع الدولة في تركيبة النظام هو صراع يدخل في باب الالتفاف على القوانين الأممية كما لو كان هذا الجدل جواز سفر مزورا لاختراق المنظومات الأمنية في المعابر الحدودية، بذات المعايير يمكن الجدل حول صلاحيات الحرس الثوري وفيلق القدس رغم الاختلاف الواسع بينهما، إلا أن الهدف يكمن في التمويه بواجبات حماية الثورة والنظام، أي في علاقتهما بالشأن الداخلي لإيران. الحرس الثوري من صلب واجباته قمع أي حركة مضادة ومنها الاحتجاجات، حيث تشير أعداد المعتقلين إلى أكثر من 10 آلاف معتقل منذ بداية انتفاضة ديسمبر عام 2017. أما فيلق القدس فغاياته وإن كانت تختفي خلف التسمية لتمرير مبررات التمدد إلى المنطقة، إلا أن واجباته الأساسية والمحددة تتعلق بالقمع الخارجي، أي بإشاعة الإرهاب في الدول التي يجد فيها فراغات أو حواضن سياسية أو مجتمعية، مستغلاً المواقف والميول لتحشيد أدواته ومناهجه تحت شعار التوجه لتحرير “القدس” لما لهذه المدينة من وقع في نفوس العرب والمسلمين. إدراج الحرس الثوري وتابعه فيلق القدس على لائحة الإرهاب أزاح ضبابية وغموض مواقف الإدارات الأميركية وتأرجحها أحياناً إلى حد التخاذل، كما هي الوقائع في ردود فعلها تجاه العمليات الإرهابية التي طالت أوروبا أو مواطنيها في مواضع متعددة، أو في تخادمها مع ولاية الفقيه في احتلال العراق بسياسة غض الطرف أو الانسحاب تحت قناع من التواطؤ يحفظ ماء وجه الدولة العظمى في توقيع الاتفاق النووي والدعاية له كما لو كان انتصارا للسلم العالمي، على الرغم من إدراك جميع الموقعين عليه أن الاتفاق يؤجل الأزمة ويرحلها إلى سنوات قريبة مقبلة، ويطلق العنان لمشروع الإرهاب الإيراني في التوسع على حساب العرب. المرحلة التالية من العقوبات ستجيب عن سؤال يتعلق بالجهاز الأمني المسؤول عن العمليات الإرهابية والاغتيالات في أوروبا ودول العالم، لذلك تتبلور الدعوات لإدراج وزارة المخابرات والأمن الإيرانية على لائحة الإرهاب لثبوت تورطها في تنفيذ سلسلة من الهجمات واستهداف المعارضين الإيرانيين أو تمويل الإرهاب، وذلك بتجنيد البعثات الدبلوماسية أو العاملين في مراكز لنشاطات مدنية ودينية لأغراض ملاحقة الشخصيات المطلوبة للنظام.

في ذات السياق بالإمكان متابعة تداعيات ما قاله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عندما أكد سيطرة الحرس الثوري على 20 بالمئة من اقتصاديات العراق، إذ سارع تحالف الفتح، الذي يضم ميليشيات الحشد الشعبي ومن بينها منظمة بدر المعروفة بتاريخ ولائها للحرس الثوري، إلى نفي تواجد أي قوة تسيطر على اقتصاد العراق، والتصريح أثار أيضاً استغراب رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي مما ورد في تصريح الوزير بومبيو، لكن ما يبعث على الغرابة حقاً، ما جاء في وكالة أنباء إيرانية عن لسان عادل عبدالمهدي “إن الحرس الثوري يمتلك مصادر اقتصادية واستثمارات في العراق”. كيف يمكن أن نفسر التأكيد الإيراني على سيطرة الحرس الثوري على جزء مهم من اقتصاد العراق نقلاً عن رئيس الوزراء إلا تشهيراً بالنظام السياسي وإشهاراً لسيطرتهم على العراق. ما الذي يدفعهم إلى ذلك في وقت حرج يحتاجون فيه إلى الدبلوماسية والقوة الناعمة لتوصيل رسائل تهدئة إلى المحيط الإيراني ودول العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة في خطوة قد تتيح لبعض الدول، وتحديداً الدول الموقعة على الاتفاق النووي، مراجعة أو رسم بعض خطوط الرجعة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ الشروط الأميركية لاختصار الزمن والمعاناة على الشعوب الإيرانية، وبالتالي الإبقاء على النظام وعدم الوصول به إلى المواجهة مع ثورة الجوع عند نقطة الصفر. الإجابة في ملالي طهران الذين باتوا يدركون أنهم دخلوا في النفق المظلم الذي ليس في نهايته إلا نهايتهم، وهذا التصور ترسخ في عقلية النظام منذ لحظة إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، عندها أصبحت خطوة التراجع غير ممكنة لأنها نفق آخر لسقوط النظام بالتدريج. والحل لديهم يتجه إلى كسر العقوبات عن طريق دول الجوار بالتهريب عبر الحدود، أو عبر الالتفاف المصرفي، أو باستغلال علاقة تلك الدول مع الولايات المتحدة على تباينها.

القناعات تتجه إلى أن العراق سيكون مسرحاً لاستخدامات إيرانية مزدوجة يفسرها النظام السياسي في العراق بالتوازن ومسك العصا من الوسط والسير بحذر على حبل مشدود في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، ويراها العراقيون فرصة للرهان على مسرح عروبتهم بانتظار ردود الفعل من ميليشيات الحرس الثوري في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن أو حتى في متغيرات مزاج زعماء الميليشيات من تحالفاتهم واختياراتهم السابقة للرئاسات الثلاث.