4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 الأردن والعراق.. الأخوة الحقيقية
صالح القلاب الراي الاردنية

ربما، لا بل المؤكد، أن الأردن يأتي في طليعة الدول العربية الأكثر اهتماماً باستقرار العراق وتجاوزه محنة السنوات الماضية منذ عام 2003 وقبل ذلك خلال حرب الثمانية أعوام مع إيران التي فُرضت عليه فرضاً وكانت فعلاً وحقيقة من قبيل الدفاع عن النفس وحيث ما أن استقرت الأوضاع الإيرانية بعد انتصار ثورة عام 1979 حتى بدأ التدخل الإيراني في شؤون بلاد الرافدين يأخذ أشكالاً كثيرة أخطرها ما اتخذ طابعاً مذهبياً كان ولا يزال حتى الآن وهذا ما قاومه العراقيون ولا زالوا يقاومونه شيعة وسنة.
فالعراق بالنسبة للأردن، المملكة الأردنية الهاشمية، يشكل عمقاً استراتيجياً لا بديل له والمعروف أنه قبل ما سميَّ: «ثورة عام 1958»، التي كانت إنقلاباً عسكرياًّ دموياًّ من أسوأ الانقلابات العسكرية التي عرفتها المنطقة العربية بشقيها، الشق الآسيوي والشق الأفريقي، كان هذان البلدان الشقيقان دولة واحدة ومملكة موحدة كان من الممكن أن تكون نواة لوحدة عربية فعلية وحقيقية لو لم يكن هناك هذا الانقلاب الذي كان مشبوهاً وهو سيبقى مشبوهاً حتى يوم القيامة وليعذرنا بعض الأشقاء العراقيين.
نحن عرفنا العراق عسكرياًّ وأن جيشه كان الرديف الأساسي لـ:«الجيش العربي» مبكراً في حرب عام 1948 عندما حال دون احتلال إسرائيل لمنطقة جنين التي بقيت صامدة حتى حرب عام 1967 التي فرضت علينا فرضاً والتي فيها الكثير مما يقال والمؤكد أن الأردنيين يتذكرون ويعرفون أن الجيش العراقي بقي يرابط في منطقة الإغوار الوسطى منذ الحرب الثانية مع الإسرائيليين وحتى فترة قريبة قبل التوصل إلى معاهدة السلام في وادي عربة.
وحقيقة ورغم المرور في بعض الفترات غير المريحة إن بالنسبة لأشقائنا العراقيين وإن بالنسبة للأردنيين فإن:«القلوب بقيت عند بعضها»، كما يقال، وأن العراق بقي قريباً من الأردن كما أن الأردن بقي قريباً من العراق وهكذا فإن الطرق بقيت سالكة وآمنة بين البلدين الشقيقين اللذين كانا بالإمكان أن يكونا بلداً واحداً ودولة واحدة والمؤكد أنهما سيكونان بلداً واحداً ودولة واحدة ذات يوم نتمنى أن يكون قريباً لتتحقق أمنياتنا القديمة الجديدة نحن الذين لم يبق من أعمارنا إلاّ القليل وحيث ليس قد وخط الشيب رؤوسنا بل أن رؤوسنا لم تعد فيها حتى ولا شعرة واحدة سوداء..أو سمراء لا فرق!!.
والآن علينا أن نستكمل الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها «القطران» الشقيقان بكل تأنٍّ وبدون أي قفزات إرتجالية وعشوائية فنحن بهذه الخطوات الأخيرة من المفترض أننا نؤسس لمستقبل واعد ويقيناً أنه إذا كان هناك أمل بعملية وحدوية يجب أن تكون متأنية ومدروسة فإنها بين هذين البلدين الشقيقين وذلك مع عدم نسيان سوريا والمملكة العربية السعودية وقبل ذلك فلسطين التي هي محررة في بؤبؤ عين كل أردني.
2 سموم العائدين
أمينة خيري البيان الاماراتية

هل انتهى خطر «داعش» فعلاً؟ هل تبخر التنظيم في هواء سوريا والعراق؟ هل انقشعت أخطاره في ليبيا وتونس؟ هل فروعه المنشطرة في دول في الشرق والغرب، أذعنت لما يتردد عن انتهاء التنظيم وهزيمته؟ هل لم يعد قادراً على التجنيد والتخطيط والتفعيل؟ هل بات العالم فعلياً في مأمن من سموم التنظيم الذي أسقط آلاف القتلى، ونشر الرعب والفوضى على الكوكب، واجتذب المقاتلين والمقاتلات، وأسس عائلات أنجبت عيالاً، ونثرت أفكاراً من شأنها أن تخرب أجيالاً؟.
مئات الجماعات ذات الأفكار المريضة والرؤى المعطوبة، تنشأ على سطح الكوكب. بعضها يفشل في البقاء ويتبخر في الهواء، وكما ظهر بين يوم وليلة، ينقضي أمره، ولا يتذكره أحد. والبعض الآخر يستمر، وإن تقلص حجمه أو تقزم أثره، حيث يخفت تحت ضغوط ومواجهات، لكنه يتحين الفرصة، ويقتنص اللحظة الفارقة ليعاود الظهور.
ويخبرنا التاريخ القديم والحديث، الكثير عن مثل هذه المعاودات. وفي ظهور جماعة الإخوان المسلمين ذات الأفكار الخربة، وسبل السيطرة على الأدمغة الملتوية في مصر، بعد أحداث كانون ثاني (يناير) 2011، عبرة وعظة.
العظة التي ينبغي على كل من مر بسنوات سوداء، قوامها الرعب والخوف والقلق من مشاهد الذبح المصحوبة بالتكبير، وأخبار التهجير والتدمير من أجل نصرة الدين، وبيانات الإعلان بمزيد من الفخر عن المسؤولية عن تفجير أوقع قتلى هنا، أو تفخيخ أودى بحياة أطفال هناك، هي أن الأفكار لا تموت إلا ببزوغ أفكار أقوى منها في القوة والإقناع.
وإذا كانت نقطة الانطلاق ووقود الاستمرار على مدى السنوات القليلة الماضية لداعش، قد ارتكزا على تمويل هائل، وتدريب جبار لعناصر تلقت منافع ومصالح كبرى، فإن نجاح التنظيم في جذب آلاف «المقاتلين» و«المقاتلات»، وتكوين أسر داعشية، أنجب الكثير منها عيالاً في كنف الفكر الداعشي، ارتكز على نثر الفكرة المسمومة.
الفكرة المسمومة لا تنتهي بإعلان ما يسمى بـ «قوات سوريا الديمقراطية» ـ المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية- عن استعادة بلدة الباغوز، والتي هي الجيب الأخير الذي كان يسيطر عليه «داعش» في شرقي سوريا.
الفكرة المسمومة لا تزول بإعلان فصيل محارب بأن استعادة بلدة يمثل النهاية الرسمية لداعش. «داعش» الذي تمكن من بسط نفوذه على ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص في منطقة مساحتها 88 ألف كيلومتر مربع، ناهيك عن مدن وقرى هنا وهناك في منطقتنا العربية، بالإضافة إلى مندوبين وسفراء له في دول أوروبية وآسيوية، وما خفي كان أعظم، لا ينتهي هكذا. «داعش» الذي تأسس، ونما، وتوسع، وجند الآلاف عبر برامج محكمة، وأصدر مواد إعلامية وبيانات صحافية، بل وأنتج أناشيد «ترفيهية»، من «صليل الصوارم» وغيرها، لا ينتهي هكذا.
هذا التنظيم يدين بنجاح إطلاقه وانطلاقه في فضاء العالم العربي، لمليارات من التمويل «مجهول المصدر»، الذي أتاح التدريب والتجنيد والتجييش. وهذا التنظيم الذي ضمن لنفسه سبل إعاشة واستمرار تسليح، عبر جني المليارات من عوائد نفطية، وخطف وسرقات وتهريب آثار، لا ينتهي ببث صور تهجير آلاف العائلات الداعشية.
وإذا سلمنا بأن بذور البداية من «المقاتلين» هي أشبه بالمرتزقة، الذين يحاربون ويَقتُلون ويُقتَلون من أجل المال، فإن هناك الآلاف ممن تم تجنيدهم عبر بيع فكرة «الخلافة»، والتسويق لمفاهيم إقامة الشريعة والتقرب إلى الله وإعلان الإسلام.
وهناك المئات من الأطفال الذين ولدوا في كنف هذه الأجواء المعيشية والفكرية. فهل تم إعلان الانتصار على هؤلاء بترحيلهم في شاحنات؟ وما وجهة هذه الشاحنات؟ وما مصير ركابها من النساء والأطفال و«المقاتلين» الداعشيين؟ وما المحطة التالية التي ستستضيفهم؟ وهل هم قابلون لتطهير الفكر، وإزالة السموم التي انتشرت في أجسادهم؟ (هذا إذا افترضنا وجود جهود وتوافر إمكانات من الأصل للتطهير).
وإذا كانت داعش نشأت في غفلة منا، أو ربما وسط انشغال المنطقة العربية برياح ربيعية، بدت حرية وديمقراطية، لكن انقلبت وبالاً وخراباً (وما زالت)، فإن غض الطرف عن كيفية التعامل مع «عائلات» التنظيم، سيعيد فتح أبواب الجحيم أمام الجميع. دول غربية عدة تتباحث وتتشاور، وتخطط وتدبر لكيفية التعامل مع مواطنيها، الذين أوشكوا على العودة. المئات – وربما الآلاف- من الجنسيات المتعددة الآخذة في النزوح من هذه المنطقة المحررة وتلك، إلى أين تذهب؟.
نستمتع كثيراً بقراءة قصص «داعشية بريطانية تحكي عن فساد داعش»، أو «مراهقة داعشية فرنسية تبحث عن زوجها الداعشي في سوريا»، أو «داعشية بريطانية تقول إنها غير نادمة على الانضمام للتنظيم». ونتابع بكل اهتمام، فيديوهات لطفل داعشي ولد في كنف التنظيم، ورضع عنفاً وتنفس ذبحاً وكبر في أحضان سموم فكرية، لا يعلم إلا الله آثارها عليه ومن ثم علينا.
علينا إذن أن نحذو حذو دول أوروبية في التخطيط لكيفية التعامل مع خريجي التنظيم المسموم. فالخمسة آلاف مقاتل أجنبي – بحسب تقديرات عدة- في صفوف «داعش»، يقابلهم أضعاف هذا الرقم من مواطني الدول العربية. لكن الأعتى من العدد، وكيفية استقبال العائدين والعائدات، هو كيفية استقبال الأفكار المتمكنة منهم، لا سيما أن بيئات عدة لدينا وأفكار كثيرة بيننا، قابلة للتعاطف والتأثر، بما سيحمله العائدون من سموم.
3 الحشد الشعبي في العراق الطابور الإيراني الخامس
محمد علي الحسيني
عكاظ ااسعودية

التصور بأن إيران قد بدأت تخطط لفرض نفوذها وسيطرتها الفكرية والسياسية على العراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، تصور خاطئ أبعد ما يكون عن الحقيقة والواقع، بل يعود إلى بدايات تأسيس نظام ولاية الفقيه في إيران والذي اقترن كما نعلم مع الحرب التي وقعت بينها وبين العراق.
لذلك فإن إيران تريد من المليشيات التابعة لها ومنها الحشد الشعبي في العراق عدة أمور منها:
ـ تنفيذ المشروع الإيراني في العراق والمنطقة، خصوصاً بعد أن صار معظم مقاتليه يقلدون خامنئي ويعتبرونه مرجعيتهم الأساسية، وقد سبق أن أكد العديد من قادة المليشيات وبصراحة بالغة أنهم يسعون ويعملون من أجل تنفيذ مشروع الخميني في العراق وجعل هذا البلد في النهاية تابعاً لإيران من كل النواحي.
ـ استخدامها كأداة وكوسيلة لإرعاب وإرهاب وحتى تصفية من يقف بوجه المخططات الإيرانية في العراق، حتى وإن كانت من داخل الحكومة العراقية نفسها، المهم الذي يجب أن نلفت النظر إليه بشكل خاص، هو أن هذه المليشيات عندما يتم تكليفها بمهام خاصة موجهة من طهران، فإنها عادة ما تكون مغطاة ومدعومة بصورة تشبه طرق عصابات المافيا وهي لا تعتبر القوانين والأنظمة العراقية المعمول بها عائقاً أمامها، بل إنها تنتهكها وبصورة سافرة وتتصرف كدولة داخل دولة.
ـ استخدامها كقوات تحت الطلب في حال وقوع أية مواجهة مع الدول الإقليمية الكبرى وبشكل خاص السعودية، لاسيما وقد تم إعداد مليشيات الحشد الشعبي بصورة يتم خلالها التركيز على السعودية كعدو لدود أكثر من التركيز على أية جهة أخرى بما فيها إسرائيل.
ـ استخدامها في عمليات نقل وإيصال الأسلحة والذخائر للنظام السوري ولاسيما بعد اكتمال الطريق الإستراتيجي الذي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، كما يتم استخدام هذه المليشيات لعمليات ومهام سرية أخرى للحرس الثوري بعد أن صار حزب الله اللبناني مكشوفاً ولم يعد بوسعه القيام بنشاطاته لصالح الحرس الثوري كالسابق.
ـ القيام بعمليات تغيير ديموغرافية واسعة النطاق شملت مناطق من محافظة ديالى وصلاح الدين وكركوك والرمادي، وقد كانت بإشراف خاص من قائد فيلق القدس، خصوصاً تلك المتعلقة بتصفير تواجد المكون السني في المناطق المحاذية لإيران في محافظة ديالى وجعلها شيعية وهو أمر لم تتمكن مصادر الحكومة العراقية وقتها في غمرة مقاتلة تنظيم داعش من نفيه بل وحتى تبريره، وذلك بأنه من حق إيران أن تحافظ على أمنها بالطريقة التي تريدها!
عمليات التغيير الديموغرافي التي تمت على يد فصائل الحشد الشعبي والتي شملت إضافة إلى عمليات ترحيل واسعة النطاق للعوائل السنية من مناطقها بحجج وذرائع مختلفة، الكثير منها واهية وقد تم إعدادها سلفاً، والقيام بهدم المنازل وجرف البساتين وتهديم وتخريب المساجد السنية، بالصورة التي لفتت أنظار المجتمع الدولي، خصوصاً عندما تم نقل تقارير كارثية وثقت ممارسات إجرامية لهذه المليشيات في ديالى والموصل والرمادي وغيرها.
ومن الواضح جداً أن إيران ستعمد إلى التركيز على مليشيات الحشد كلما ضاقت بها السبل، خصوصاً من حيث الضغوطات الأمريكية، وحتى أن إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية من الممكن جداً أن يثير عاصفة في العراق، طبقاً لما سيطلب من المليشيات أن تقوم به، ولاشك أن أغلبية الشعب العراقي بمن فيهم المواطنون الشيعة مستاؤون من الدفع باتجاه جعل العراق يقف في موقف المدافع عن إيران والواقف إلى جانبها من دون التأكد من عواقب مثل هذا الموقف.
ما العمل مع مليشيات الحشد؟
هناك حقيقة مهمة جداً على أبناء الشعب العراقي أن يعرفوها جيداً ويتفهموها بعمق، وهي؛ أن القتال جنباً إلى جنب مع الإيرانيين ضد الأمريكيين كما تطمح إيران إلى ذلك، لن يكون مكلفاً جداً بالنسبة للعراق فحسب، بل سيكون بمثابة كارثة ودمار جديد ينتظر العراق، وأن إيران – المتورطة أساساً في مواجهة غير مأمونة العواقب مع الولايات المتحدة – تحاول من خلال توسيع دائرة المواجهة وضم العراق إليها من خلال مليشيات الحشد تخفيف الضغط عن نفسها من أجل أن تخرج من المواجهة بخسائر أقل وتكون في موقف وموقع أفضل أمام واشنطن.
الشعب العراقي وخصوصاً القوى الوطنية والشرائح المثقفة مطالبة بالعمل من أجل الوقوف ضد جر العراق إلى هكذا مواجهة خاسرة ومكلفة، ويجب أن يكون هناك نشاط وتحرك مضاد باتجاه تحييد العراق، وإن ما قد ذكره الرئيس العراقي برهم صالح ومن بعده رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، بضرورة أن ينأى العراق بنفسه بعيداً عن سياسة المحاور.
ومن هنا، فمن المهم جداً أن يكون هناك، وفي هذه الفترة الخطيرة والحساسة جداً من الصراع الأمريكي ـ الإيراني، والذي ليس للعراق وشعبه ناقة فيه ولا جمل، أن يكون هناك مسعى من أجل ما يلي:
ـ العمل من أجل فصل وعزل دور ونشاطات وتحركات مليشيات الحشد الشعبي عن الموقف الرسمي والشعب العراقي وإخطار بلدان العالم بذلك ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.
ـ العمل من أجل فصل العلاقة الحميمة القائمة بين هذه المليشيات وبين الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً في ضوء إدراجه أمريكياً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
ـ العمل من أجل محاسبة قادة هذه المليشيات ووجوه بارزة فيها من الذين تورطوا في أعمال ونشاطات إجرامية بحق مختلف مكونات الشعب العراقي ووضع حد لاستثنائهم من المحاسبة كما تريد إيران من أجل مصالحها الخاصة في العراق.
ـ ضرورة فتح سجل الجرائم والمجازر والانتهاكات التي قامت بها فصائل من مليشيات الحشد الشعبي وجعل العالم كله على اطلاع بها، خصوصاً وأن إيران ومن خلال الحرس الثوري متورطة بها.
ـ العمل من أجل محاسبة ومحاكمة الفاسدين الذين تسترت عليهم إيران بواسطة تهديدات هذه المليشيات، والذين يحتفظون بمعلومات صادمة، إلى جانب قيامهم بسرقة أموال الشعب العراقي وهدرها بطرق غير مسبوقة في العالم كله.

ـ تقوية علاقة العراق مع البلدان العربية إلى سابق عهدها وأن يكون معلوماً للشعب العراقي أن أكثر مصائبه قد بدأت بعد ابتعاده عن حضنه العربي الذي هو بمثابة ضمانة قوية لأمنه واستقرار ومستقبل أجياله.
ـ لا يمكن للأمن القومي في العراق أن يكون محفوظاً وفي أمان مع تصرف هذه المليشيات بأسلوب دولة داخل دولة وعدم اكتراثها بالقوانين ورفضها الالتزام بها، لذلك لابد من أن يكون هناك مسعى وطني جدي من أجل جعل هذه المليشيات خاضعة للقانون وليس أن تكون فوقه أو مستثناة منه.
ـ على العراق أن ينسق مع البلدان العربية من أجل تحصين أمنه القومي خاصة والأمن القومي العربي عامة وعدم السماح باستخدام العراق من أجل فتح أكثر من ثغرة في جدار الأمن القومي العربي.
ـ المطلوب من الحكومة العراقية أن تنشط الدور والحضور الدولي وأن تسعى لإنهاء حالة الاحتكار الإيراني الذي لا يزال مستمراً بصورة غير عادية منذ أيام نوري المالكي وحتى يومنا هذا.
ـ من المفيد جداً أن يعمل الناشطون العراقيون من أجل توضيح الدور السلبي لهذه المليشيات وما تشكله من خطر كبير على السلام والأمن والاستقرار في العراق والمنطقة والعالم ونقل معلومات موثقة بهذا الصدد للعالم حتى يعرفوا حقيقة وماهية هذه المليشيات ويقفوا مع الشعب العراقي كي يتخلص منها قبل أن تقضي عليه وعلى المنطقة.
4 ليلة القبض على أسانج
عادل درويش الشرق الاوسط السعودية
رفع حكومة الإكوادور الحصانة الدبلوماسية عن جوليان أسانج، نجم «ويكيليكس»، ليغادر سفارتها في لندن بعد حماية سبعة أعوام، إلى السجن بتهم احتقار المحكمة والهروب من الكفالة، ومطالبة أميركا بمحاكمته، أثارا انقسامات أزاحت بدورها الغطاء عن صراعات في العالم الذي أصبح قرية صغيرة تتعارك فيها تيارات متناقضة.
تناقضات تثير اهتمام المؤرخ أكثر من الصحافي في داخلي، لعبورها عشرة تقاطعات من الحدود الدولية.
أسانج، ابن السابعة والأربعين أسترالي الجنسية بالمولد، مُنح جنسية إكوادورية تهرباً في 2012 من محكمة إنجليزية بتهمة قانون سويدي في 2010، بينما قدمت واشنطن طلباً في 2016 بمثوله أمام محكمة أميركية تحت قانون أميركي بتهمة التآمر لاختراق أجهزة الكومبيوتر.
مؤيدوه في عام 2012 من المشاهير المدافعين عن حرية النشر تحولوا عنه يغتابونه علناً في «بي بي سي» -باستثناء شقراء هوليوود الكندية الأميركية باميلا أندرسون.
وكهرولتها بالمايوه الأحمر على الشاطئ في حلقات «باي ووتش» لإنقاذ الغرقى، قفزت باميلا إلى أمواج التواصل الاجتماعي لتنتشل سمعة أسانج من الغرق وانضمت إلى أم جوليان ليتهما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، باختيار توقيت القبض على ابنها لتحويل الانتباه عن متاعبها السياسية مع «بريكست».
الصحافة اليسارية الليبرالية التي رفعت «ويكيليكس» إلى آفاق الشهرة بدعوى الإباحية المعلوماتية، فالخبر الصحافي الحقيقي هو ما يريد البعض إخفاءه عن الآخرين، تحولت عنه.
«الغارديان» التي ارتفع توزيعها استفادةً من نشر تسريبات «ويكيليكس» المسروقة من «البنتاغون» عن العمليات العسكرية الأميركية التي استهدفت المدنيين والصحافيين في العراق؛ قطعت علاقتها به بالمقص الذي جزّت به دليلة شعر شمشون ليلة القبض عليه في المعبد.
وظهر محرروها في «بي بي سي» وأخواتها لينهشوا جثة سمعته فيصفونه بالنرجسية والتقلب ونكران الجميل بالتجسس على أسرار حكومة الإكوادور، التي حمته، لكشفها في الصحافة.
أصوات الأقلية المتمسكة بمبدأ حرية النشر خافتة في المنابر التي تريد اليوم أن تحرِّم على «ويكيليكس» ما تجيزه لـ«واشنطن بوست».
الحركة النسوية ومؤيدوها من اليسار الرجالي تطالب بترحيله إلى السويد التي أغلقت ملف القضية الأصلية لغياب الصلاحيات القانونية للمحاكمة الغيابية. ومن الصعب تقدير مصداقية حجتهم بأن ترحيله إلى أميركا سيحجب قضية تتعلق بحقوق المرأة، أم أنهم كعادة اليسار يثبّتون شراع الحق على صاري سفينة تبحر نحو الباطل؟
تهمة السويد في 2010 قدمتها سيدة بتحرشه جنسياً و«اغتصابها» في أثناء النوم في فراش شاركته وصديقتها فيه في نهاية يومين من المرح والاحتفالات والوجبات الثلاثية المشتركة. القضية حيّرت اللغويين والقانونيين معاً في تعريف تهمة «الاغتصاب» بسبب الظروف المكانية والوقتية للحادث، مما أثار الشك بأنها تهمة مخابراتية ملفقة انتقاماً من تسريب «ويكليكيس» للمعلومات التي تحرج أميركا وأخواتها.
أسانج في تقديري نرجسي محدود الخبرة الصحافية كما اكتشفت من مجادلاتي معه في 2011، لكنه ماهر في توظيف القادرين على اختراق شبكات كومبيوترات الدول وتسريب المعلومات.
الأكثر أهمية هو بداية تشكيل ملامح صراع جديد يختلف عن الصراعات التي عرفها العالم، وكلها حول المصالح الاقتصادية.
الصراع الطبقي، حتى بأبعاده الاجتماعية والثقافية، اقتصادي في جوهره بين طبقات انقسمت بتملك الثروة وأخرى معدومة. الماركسيون عرفوه بمستغِلين ومستغَلين (بفتح الغين)، يضيفون القيمة على السلع التي تمتلكها الفئة الأولى. وتفرع منه صراع رؤيتين لنمطين اقتصاديين: الاشتراكية التي يتحمس لها «اليسار» من الطبقة المتوسطة من موظفي القطاع العام بطمأنينة الراتب الشهري وساعات عمل محددة وإجازات مرضية وسنوية ومعاش التقاعد، وحرية السوق والاستثمار التي يروجها «اليمين» وغالبيته المهنيون وأصحاب المتاجر والعاملون 16 ساعة يومياً ليس لأي منهم ضمانات الوظيفة، ومعهم المستثمر المغامر بالاقتراض البنكي.
الصراع الدولي جوهره مصالح اقتصادية، إما على الحدود للوصول إلى منافذ بحرية أو ثروات طبيعية، وإما على مناطق النفوذ، أو صراعات عرقية عند تمرد أقلية على تحكم مجموعة إثنية أخرى في الاقتصاد والقوانين المنظمة له.
لكن الانقسام حول مصير أسانج يصعب تحديده حسب الخطوط الكلاسيكية.
ربما نجد المفتاح في نفاق الصحافة اليسارية التي كان أسانج بطلها الأسطوري حتى 2016 عندما ارتكب المرشح الجمهوري دونالد ترمب، خطيئة الخروج عن النص الذي جهّزته مؤسسة صنع الرأي العام لهذا الفصل من التاريخ بفوزه بالرئاسة بدلاً من هيلاري كلينتون.
وظهرت تعبيرات «الفيك – نيوز» أو الأخبار المزيفة، ودور «المخابرات الخارجية» في توجيه مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى أخبار تدعم ترمب في أثناء الحملة الانتخابية؛ وكأن الوسائل نفسها كانت مغلقة أمام معسكر الديمقراطيين!
وجاء دور «ويكيليكس» في تسريب مراسلات كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية في أثناء تواطؤ الخارجية مع ميليشيات تمثل انفلات زمامها في اغتيال كريس ستيفنسون، السفير الأميركي لدى ليبيا.
وجدت مؤسسة الرأي العام الليبرالية نفسها في مأزق.
جهود الشخصية «الطيبة»، طوّرت شخصية «الشرير» في السيناريو إلى «البطل» على الشاشة الكبيرة يوم العرض الافتتاحي على الجمهور في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
في تقرير لتلفزيون «القناة 12» في لونغ آيلاند يوم الخميس اتهمت أم التلميذة بيلا موستاكتو، المدرسة بالرقابة والإضرار بخيال الأطفال، بعد منع المعلمة ابنةَ الحادية عشرة من اختيار الرئيس ترمب «كقدوة» لموضوع إنشاء، لأن «كلماته» في نظر المربية الفاضلة «سلبية تجاه النساء»!
الصراع «الثقافي» اليوم بين رؤيتي منظومتين فكريتين للعالم:
واحدة الأقوى في قدرتها على تشكيل عقلية الصغار، بسيكولوجية جماعية (غسيل المخ قديماً) كحادثة معلمة لونع آيلاند، وتشجيع معلمي مدارس أوروبا التلاميذ على «الزوغان» من الدراسة للتظاهر من أجل «البيئة».
وصياغة عقلية الجيل على أن «الطيب» في تعريف المؤسسة الليبرالية العالمية هو حق «طبيعي» يبرر التمرد على اللوائح، والعكس «شرير».
والأخرى ما كانت تُعرف بـ«الليبرتالية libertarianism» (ليست الليبرالية وإنما رفض الفرد لسيطرة الدولة).
وباستثناء طفرات كانتخاب ترمب أو التصويت على «بريكست»، يصعب قياس قوة التيار المعارض، فهو خيار أفراد لا مؤسسات، وأغلبيتهم متحررون لا ينتمون إلى منظمات ويرفضون منح صوتهم بطاعة عمياء لـ«الطيب».
القياس الثالث الشهر القادم إذا اشتركت بريطانيا في انتخابات البرلمان الأوروبي، كدليل على انتصار المنظومة الأولى برفضها قبول نتائج استفتاء 2016.
خلاف أسانج قمة جبل ثلج عائم، ومن فصول صراع قادم قد يكون الأخطر في تاريخ العالم لقدرة المعسكر الأول على توجيه الرأي العام وإرغام الساسة على تعديل القوانين لضغط الواقع كي يناسب قالب رؤيتهم للعالم.