لم يكن القتل يتوقف في الجيب الأخير الخاضع لسيطرة داعش الارهابي المتشدد، حتى عندما كانت تتوقف الغارات الجوية والقصف المدفعي من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لإتاحة الفرصة للناس للخروج خلال فترات هدوء القتال.
وقال ناجون إن القناصة في مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية بالقرب من بلدة الباغوز كانوا يتصيدون النساء والأطفال الذين يجلبون الماء من النهر أو يتسلقون التل الصغير لطلب المساعدة الطبية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
ومات أناس متأثرون بجراحهم وكان الأطفال يتضورون جوعا.
وقالت كاترين ألكسندر، وهي أوكرانية غادرت الباغوز الواقعة في شرق سوريا خلال الأيام الأخيرة للقتال “كانت هناك صفوف من الجثث، رجال ونساء وأطفال. لم أعدها”.
كانت المرأة ترقد على سرير في مستشفى ورأسها مخيط بينما بدت على أطرافها آثار جروح نجمت عن شظايا. وقُتل زوجها وهو أحد المتشددين في نفس الغارة الجوية التي أصابتها.
وقالت “كان كل شيء يحترق، بما في ذلك الخيام التي كان الناس يعيشون فيها”.
وقال أولئك الذين عاشوا الأيام الأخيرة من الخلافة، التي أعلنها تنظيم داعش الارهابي، إن كثيرا من الناس بقوا أو حُوصروا في الخنادق والأنفاق والخيام في الباغوز.
وقدمت كاترين والعديد من الأشخاص الذين قابلتهم رويترز في مخيمات ومستشفيات، وبينهم مؤيدون ومعارضون لتنظيم داعش الارهابي ، روايات منفصلة ولكن متشابهة.
قالوا إن العشرات إن لم يكن المئات قتلوا بسبب القصف الذي شنته القوات المدعومة من الولايات المتحدة ونيران القناصة من مناطق الحكومة السورية، بينما كان العناصر والأسر يتدافعون على الطعام.
وأعلنت القوات المدعومة من الولايات المتحدة الشهر الماضي هزيمة تنظيم داعش الارهابي في جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا. وردا على سؤال حول الأحداث التي وقعت في الباغوز، قال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إنه يستخدم “أساليب مشددة … للسماح بوقف الضربات إذا تعرض أي مدني للخطر”، مضيفا أنه يحقق في كل التقارير المتعلقة بالخسائر المدنية.
وتنفي الحكومة السورية والجماعات المسلحة الشيعية استهداف المدنيين أثناء القتال.
واستخدم تنظيم داعش الارهابي سيارات ملغومة وسترات ناسفة خلال القتال الذي استمر لأسابيع في الباغوز. وترك التنظيم الارهابي وراءه دمارا، وقتل آلاف الأشخاص باسم تفسيره الضيق للإسلام كما تسبب في سقوط عدد أكبر من القتلى من خلال محاصرة المدنيين في المعارك الرامية لطرده من المناطق التي كان يسيطر عليها.
لكن خصومه استخدموا في كثير من الأحيان القصف المكثف لإنهاء تلك المعارك التي قُتل فيها مدنيون، مما سبب أزمة إنسانية واستياء بين الذين كانوا يعيشون في المناطق التي كان يسيطر عليها.
ففي الموصل، معقل التنظيم في العراق من عام 2014 وحتى عام 2017، دمر القصف الجوي والبري وسط المدينة وخلف الآلاف القتلى من المدنيين، بحسب ما ذكرته جماعات لحقوق الإنسان.
أما الرقة الواقعة في شمال سوريا، والتي خطط فيها التنظيم هجمات في عواصم أوروبية، فقد دُمرت إلى حد بعيد في عام 2017 قبل السماح لبعض العناصر بالخروج منها. ويُعتقد أن الكثير منهم قد انتهى بهم المطاف في الباغوز.
ويقول مؤيدون لتنظيم داعش الارهابي وآخرون تسامحوا معه وحتى بعض معارضيه إن هزيمته تحققت بتكلفة باهظة في الأرواح والمتلكات، وهو ما أثار غضبا من المرجح أن يحاول المتشددون استغلاله وهم يشنون هجمات متزايدة على غرار حرب العصابات.
وقالت سلمى إبراهيم وهي مغربية مؤيدة لتنظيم داعش الارهابي وتبلغ من العمر 20 عاما “لم يكن يوجد مأوى في الباغوز، فقط الخنادق والخيام. القذائف كانت تسقط كل 20 دقيقة. غادرت بعد انفجار قتل زوجي واثنين من أولادي”.
وأضافت سلمى من مخيم الهول الذي يعيش فيه الآن الكثير ممن نزحوا بسبب العنف “ربما لم يعد سوى النصف من الذين ذهبوا إلى النهر للحصول على المياه”.
أطفال بلا أطراف
تخضع الباغوز حاليا لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة، ويفصلها نهر الفرات عن الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري وحلفاؤه ومن بينهم الجماعات المسلحة الشيعية العراقية المتهمة بشن هجمات انتقامية على السنة.
ونظرا لأن تنظيم داعش الارهابي لم يعد يسيطر على أي أراض في شرق سوريا، فإن نهر الفرات يفصل فعليا بين المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد إلى الشرق منه والأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية إلى الغرب.
ومُنع الصحفيون في أغلب الأحيان من الوصول إلى الباغوز منذ دخول المعركة مرحلتها الأخيرة هائية وانتهائها في أواخر مارس آذار.
وقال بعض المدنيين إن تنظيم داعش الارهابي أجبرهم على البقاء حتى النهاية تقريبا.
وقالت أمل، وهي لبنانية تبلغ من العمر 20 عاما في مخيم الهول “المقاتلون كانوا يحرسون النساء والأطفال ولم يسمحوا لنا بالرحيل”.
وأضافت أن العناصر والأسر كانوا يتصارعون على أكياس الطحين (الدقيق) وفتات اللحم.
وأضافت “كانوا يوجهون بنادقهم صوب بعضهم البعض ويتصارعون على الطحين. الناس كانوا يتضورون جوعا… عندما غادرنا أخيرا رأينا جثث أطفال بلا أطراف ورؤوس”.
وقال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إنه نفذ 193 ضربة جوية وبالمدفعية في سوريا منذ العاشر من مارس آذار وحتى إعلان هزيمة تنظيم داعش الارهابي في 23 من مارس آذار، بعضها نتجت عنه انفجارات ثانوية. وأضاف أن قوات سوريا الديمقراطية كانت “ملتزمة بإتاحة فرص متعددة للسماح للمدنيين بالهروب من الأذى”.
وقال عدة أشخاص أجريت معهم مقابلات إن المتشددين كانوا يبقون المدنيين بجوار مستودعات الذخيرة ويختبئون في شبكة من الأنفاق.
وقال أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين شاركوا في المعركة إن العشرات من رفاقه قتلوا بسبب الألغام التي زرعها تنظيم داعش الارهابي .
وقال المقاتل ويدعى جيغيفارا زريك “امتزجت رائحة الجثث المتفحمة بالمتفجرات عندما دخلنا إلى الباغوز… ساهمت الضربات الجوية في تدمير الأنفاق. وبدونها لما كان بمقدورنا التقدم”.
وأضاف “معظم الجثث كانت لمقاتلين من الرجال والنساء. الضربات كانت تستهدف الأماكن التي يأتي منها إطلاق النار فقط. لم تكن معركة عادية.. النساء والفتيان كانوا يحاربون أيضا”.
وتظهر مقاطع فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتم التحقق منها من يُزعم أنهن نساء من تنظيم داعش الارهابي وهن يقاتلن. وقال من جرت مقابلتهم إن هذا ربما حدث لكنهم لم يروه.
ووصفت العديد من النساء لحظات الارتعاد داخل الخنادق.
وقالت امرأة بريطانية في مخيم الهول، كانت تتحدث بصعوبة بسبب إصابة في الفم “سبب عدم مغادرة معظم الناس أن الجميع كانوا خائفين”.
وأضافت أن ذلك شمل الخوف من هجمات انتقامية.
وقالت “تم القبض على فتاة ألمانية، ثم سألوها (قوات سوريا الديمقراطية): لماذا أتيتِ إلى هنا؟ وأطلقوا الرصاص على رأسها”.
ورفضت المرأة اللندنية البالغة من العمر 22 عاما ذكر اسمها. ولم تستطع رويترز التحقق من روايتها.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن من “المستحيل” وقوع مثل هذه الحوادث من قبل مقاتليها.