3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 الاقتصاد السياسي للكوارث في العراق
افتتاحية
القدس العربي

مرّ أهل محافظة الموصل العراقية، خلال السنوات القليلة الماضية، بما يصعب على أحد تحمّله، بدءاً من انسحاب فرق الجيش العراقي المكلفة بحمايتهم، وسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» عليهم الذي قام بعمليات تصفية للمئات وربما الآلاف، ثم بحرب ضارية شارك فيها «التحالف الدولي» والجيش العراقي وميليشيات «الحشد الشعبي» ودفنت عشرات الآلاف منهم تحت أنقاض الأبنية المهدمة.
وتكشف كارثة غرق العبارة أول أمس أن مسلسل مآسي المدينة والمحافظة (والعراق) مستمر والفارق الوحيد يرتبط بتغيّر من يسيطر على شؤون الحياة والموت، فالمئات الذين كانوا ذاهبين للاحتفال بعيدي النوروز والأم تمّ التعامل معهم بأشكال جديدة من الإجرام تختلف عن التطرّف الجهادي والحصار الدولي والظلم الطائفيّ والتواطؤ المؤسساتي، وتشارك هذه المرة الفساد مع الإهمال ليحصد أكثر من مئة ضحيّة أغلبهم أطفال ونساء فيما لا يزال العشرات مفقودين ولم تنتشل جثثهم بعد.
وكان موقفاً معبّراً أن يهاجم المحتجّون المسؤولين الذين حضروا للتصوير في التلفزيونات باعتبارهم مشغولين حقا بآلام مواطنيهم، وأسفرت المناورة المخجلة عن دهس المحافظ نوفل الكاعوب لاثنين من أقارب الغرقى ليكتمل بذلك مشهد العار الذي أحاط بالكارثة والمسؤولين.
إعلان القبض على صاحب العبّارة، أو فرار المحافظ وإحالته على التحقيق قد يخفّف من بعض الاحتقان الذي يحيط بالحدث ولكنّه في الحقيقة لا يقدّم سوى جزء من التراجيديا الكبرى التي تظلّل العراق مما يجعل حادث العبّارة (رغم فداحته) مثالا مصغّرا عن الوضع للوضع العام العراقي والمسؤولين عنه، سواء الموجودين منهم في مقدّمة الصورة، أو أولئك الذين يدبّرون ويقرّرون مصائر العراق داخل وخارج الحدود.
حسب المعلومات الأوّلية، وتصريحات بعض المسؤولين، ومنهم جمال الكربولي، رئيس حزب «الحل» فإن المنشأة السياحية التي تدير العبارة تابعة للجنة اقتصادية لأحد الفصائل المسلحة «التي تدعي انتماءها للحشد الشعبي»، وهو ما يعني، بصريح العبارة، أن الجهاز العسكريّ الذي أنشأته فتوى للمرجع الشيعي علي السيستاني لمقاومة تنظيم «الدولة» ويفترض بالتالي أن يجري حلّه بعد انتهاء مهمته تحوّل إلى جهاز يدير المواقع الاقتصادية، بما يعني أن الغلبة العسكرية أنتجت واقعاً جديداً يستخدم لإنتاج الثروة.
وربط هذا الواقع المستجد بخيوط الواقع السابقة عليه ليست صعبة أبداً وهي تفسّر عمليّا «الاقتصاد السياسي» للكوارث في العراق، والقائم على استخدام الأيديولوجيا الطائفيّة للتغلّب العسكري والسياسي وتحويله إلى «غنيمة» يكون فيها المواطنون (أو الرعايا) أسرى لهذه الآلة المفترضة الكبرى لـ«الدولة العراقية» الجديدة التي خرجت من رحم تواطؤ الاحتلال الأمريكي مع السيطرة الإيرانية.
يتجرأ بعض السياسيين والمحللين العراقيين أحيانا على تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية كاشفين عن «الدولة السرّية» التي تحكم العراق، وهي في منظومتها العامّة، لا تخرج عما ذكر، وبسبب منشئها وطبيعتها فهي لا تستطيع إلا أن تتغذى على نهب المال العام والفساد والتواطؤ مع المحتلين بشكل يمنعها من العمل حقيقة لصالح العراقيين، فيما تتفانى على خدمة المحتلّ الأجنبي وتنفيذ أجندته.
«عبّارة» الموت العراقية، بهذا المعنى، هي مثال مصغّر عن «عبّارة العراق»، والقبض على الجاني الصغير، ليس إلا تعمية على الجناة الكبار.
2 إيران ستكافح الإرهاب!
فريد أحمد حسن

الوطن البحرينية

رئيس هيئة الأركان الإيراني اللواء محمد باقري قال عقب اجتماع ثلاثي عقد أخيراً في دمشق بين مسؤولين عسكريين من إيران والعراق وسوريا «سنكافح الإرهاب حتى نهايته»، وهو قول جميل لو أنه صدر عن مسؤول غير إيراني، فالمسؤول الإيراني عندما يقول مثل هذا الكلام فإنه يعني أنه يريد أن يقول أيضاً إن النظام الإيراني لا يمارس الإرهاب وإنه متضرر منه، وهذا كلام لا يمكن أن يكون صحيحاً حتى لو حلف أرباب النظام الإيراني جميعهم بأغلظ الأيمان وادعوا صحته، فإن لم يكن النظام الإيراني وراء الإرهاب فمن ذا الذي يمكن أن يكون وراءه؟!
النظام الإيراني هو الإرهاب كله، وما يحدث من عمليات إرهابية في المنطقة كلها من صنيعه، فمن يحتوي الإرهابيين ويوفر لهم المال والسلاح والحماية لا يمكنه أن ينفي عن نفسه صفة الإرهاب، وعليه فإن قول باقري بأن النظام الإيراني «سيكافح الإرهاب حتى نهايته» يدخل في باب الضحك على الذقون.
يكفي توقف النظام الإيراني عن ممارسة الإرهاب ليقول العالم بأن الإرهاب قد انتهى من هذه المنطقة وربما من العالم كله، فالنظام الإيراني هو الممارس الأكبر للإرهاب وهو الذي يؤسس الميليشيات الإرهابية، ولولاه ولو ذلك لما حدث الكثير من الذي حدث في السنوات الأخيرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وغيرها.
ما يسعى إليه النظام الإيراني ويوظف من أجله كل طاقاته والكثير من أموال الشعب الإيراني هو إقناع العالم بأنه متضرر من الإرهاب وإنه يحاربه وإنه بناء على ذلك ليس إرهابياً ولا يمكن أن يتهم بممارسة الإرهاب. لكن لأن العالم يعلم ويرى ولا يزال يتمتع بقدراته العقلية لذا فإنه لا يمكن أن يصدق مثل ذلك الكلام ويصنفه في الغالب في باب الهراء.
يومان فقط يتوقف فيهما النظام الإيراني عن ممارسة الإرهاب يكفيان للتأكد من أنه هو الذي يقف وراء العمليات الإرهابية وأنه هو الإرهاب كله، فعدم قيامه بأي عملية إرهابية في ذينك اليومين سيجعل منهما أسعد أيام القرن الجديد، إذ لا يوجد غير النظام الإيراني ممارساً للإرهاب وحاضناً له.
في كل عملية إرهابية في المنطقة فتش عن النظام الإيراني. هذه حقيقة يدركها كل متابع للشأن الإيراني وكل من يعرف ماهية هذا النظام. الإرهاب في سوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وفي العديد من دول العالم وراءه النظام الإيراني أو أنه سبب فيه.
الإرهاب الذي حدث في البحرين في السنوات الأخيرة كان وراءه النظام الإيراني، والإرهاب الذي حدث في السعودية ويحدث كثيراً في العراق وسوريا ولبنان واليمن وراءه النظام الإيراني، وكل إرهاب يحدث في أي مكان توجه أصابع الاتهام أولاً إلى هذا النظام الذي يعرف جيداً أنه من دون الإرهاب لا يستطيع أن يستمر، فالإرهاب هو أكسجينه ومن دونه ينتهي ويصير ذكرى.
حل المشكلة السورية تأخر بسبب ممارسات النظام الإيراني، وحل المشكلة العراقية تأخر بسبب ممارساته أيضاً، والأكيد أن حل المشكلة اليمنية سيتأخر طالما تواجد النظام الإيراني هناك واستمر في دعم الحوثيين، والأمر نفسه بالنسبة للبنان. ولولا انتباه البحرين لهذا الأمر وتيقن الحكومة فيها من أن النظام الإيراني هو الذي يقف وراء كل الذي حدث في فبراير 2010 ومسارعتها بوضع حد لإرهابه لتحولت البحرين إلى عراق أو سوريا أخرى.
في البحرين غلت يد النظام الإيراني فاختفى الإرهاب، والأكيد أن الإرهاب يمكن أن ينتهي في العراق وسوريا ولبنان واليمن لو أن يده غلت أيضاً، فهذا النظام هو الإرهاب، والتمكن منه بفضحه وبإضعافه نتيجته المنطقية اختفاء الإرهاب وحصول الاستقرار الذي به تتحقق التنمية.
3 فقراء العراق و«غنى» النفط عدنان كريمة
الاتحاد الاماراتية

العراق دولة غنية على مر التاريخ، فهي عملاق نفطي، وثاني منتج في أوبك بعد السعودية، إذ تجاوز إنتاجها 4,5 مليون برميل يومياً، ويقدر احتياطها المثبت بنحو 150 مليار برميل، ويشكل ثالث أكبر احتياطي في العالم، بعد السعودية وإيران، وفيها فرص واعدة للاستثمار، وجاذبة للمستثمرين، وقد أكدت السنوات الماضية قدرة العراقيين على التكيف مع التطورات الأمنية والسياسية. ولكن وضع العراق المالي والاقتصادي والاجتماعي، تدهور مع هدر المال العام، واحتلال «داعش» لمناطق واسعة، واستثمار مواردها، ونزوح عدد كبير من السكان، إضافة إلى هروب أموال إلى الخارج، وفساد واسع شمل مختلف مؤسسات الدولة، ما أفقد هذا البلد الغني ثقة العالم باقتصاده. ولذلك اضطرت حكومة بغداد للموافقة على شروط قاسية فرضها صندوق النقد الدولي، مقابل حصولها على قروض خارجية، وهي تمر بفترة اختبار لمدى التزامها بتنفيذ خطوات إصلاحية، تتلخص: بإصدار قانون للإدارة المالية، تقييد وزارة المال بأسس جديدة وإخضاع الديون الخارجية والداخلية للتدقيق، خفض النفقات، إدخال هيئة النزاهة كطرف فاعل في المتابعة المستقلة للإنفاق، اعتماد وثيقة الأمم المتحدة بمكافحة الفساد، تعديل قانون البنك المركزي، منع تهريب العملة، مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
على رغم أن الدولة «غنية» بنفطها، فهي «مدينة» بسبب عجزها المالي، وبحاجة للشفافية، وقد صادق رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، في الآونة الأخيرة على تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، فضلاً عن رقابة مجلس النواب الذي يتعرض لضغوطات سياسية قوية لإصدار قانون عفو عن الفاسدين وعدم معاقبتهم، وإغفال استرداد الأموال المهدورة التي ساهمت بظهور الأغنياء الجدد الذين اغتنوا من المال العام وهربوا أموالهم إلى خارج البلاد.
لم يفاجأ خبراء صندوق النقد بتحول العراق من بلد يتمتع بفائض سيولة كبير، إلى بلد يعاني عجزاً مالياً ومتراكماً، ومديناً لمؤسسات التمويل الدولية، وشركات النفط، ولكن المفاجأة الأخطر التي توقف عندها الخبراء، هي مشكلة الفقر التي تعم مختلف المناطق، وتشمل أكثر من سبعة ملايين مواطن، بما يقترب من ربع السكان، وأن ثمة أربعة أشخاص فقراء بين كل عشرة نازحين، وأن حصة الفرد من الناتج الإجمالي، انخفضت من 7 آلاف دولار إلى 4 آلاف سنوياً. وتتفاوت نسب الفقر بين منطقة وأخرى، ففي الأنبار تبلغ 41 في المئة، وفي بغداد 13 في المئة، في حين لا تزيد في إقليم كردستان عن 5,12 في المئة. وأمام عجز القطاع العام، تهتم الحكومة حالياً بتنفيذ استراتيجية تقضي بتطوير القطاع الخاص لمعالجة هذه المشكلة، وتقوم وزارة التخطيط، بمشاركة مع البنك الدولي وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونيسيف، بوضع استراتيجية وطنية للتخفيف من حدة الفقر، وتستهدف تحسين مستوى الدخل للفقراء، والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية، ولكنها تواجه تحديات عدة، ما يتطلب توفير إرادة سياسية ومشاركة مجلس النواب والحكومات المحلية، إضافة إلى المنظمات الدولية، لدعم القطاع الخاص. مع العلم أن الشعب العراقي غني بدوره، إذ يبلغ النقد المتداول في الأسواق أكثر من 80 مليار دولار، لكن يبدو أن ضعف ثقة المواطن في قدرة دولته على الاستثمار «الشفاف» الناجح والمربح، يحول دون ذلك، حتى أن ثقة المواطن العراقي ضعيفة أيضاً بالقطاع المصرفي، ويلاحظ أن 77 في المئة من الكتلة النقدية، مخزنة لدى أصحابها بدلاً من أن تكون لدى المصارف، ما يستدعي الاهتمام بمعالجة الأسباب والتداعيات لهذا الواقع الذي يحد من نشاط القطاع المصرفي، كونه الذراع المالية للاقتصاد العراقي.