7 مقالات عن العراق في الصحف العربية عن العراق يوم الخميس

1
لم تعد شهرزاد تحكي قصتها
صباح ناهي العرب بريطانيا

من دون سابق تخطيط وقفت للمرة الأولى وأنا في بغداد وقت الظهيرة أمام نصب ألف ليلة وليلة، النصب الشهير في قلب شارع أبي نواس، لأتأمل تفاصيل النصب المؤلف من تمثالين من النحاس والبرونز للنحات الأول في العراق محمد غني حكمت، الذي ودّع بغداد حزيناً وهو يراها تدمى بحروب الطوائف التي عصفت بالبلاد والعباد، بُعيد عام 2003.

ترجلت لأستذكر تاريخ مدينة نسِيَها العمران واستوطنتها الحشائش التي تكاثرت حول النصب، الذي تسرب إليه بضعة عاشقين شباب وطلاب مدارس يدوّنون رحلتهم في وقت التخرج، أمام ذلك النصب الباذخ الذي تركه محمد غني قبالة دجلة وسط شارع الأحلام العراقية الآفلة.

لا أعرف سر الهجر والجفاء الذي دعا إدارات أمانة بغداد المتعاقبة، إلى إعلان الطلاق مع هذا الشارع اللصيق بدجلة لكل تلك العقود التي تمتد منذ اندلاع حرب الثمانينات من القرن الماضي، فقد أُهمل الشارع قسراً بعد أن تعرض لانفجار استهدف مبنى وكالة الأنباء العراقية بعمارتها الشاهقة بداية الثمانينات وفُرض طوق أمني على الشارع المطل على القصر الجمهوري.

وكأن الاستهداف آنذاك إعلان طلاق عرفي مع شارع الجمال والتبغدد ورائحة السمك المسكوف التي تشنف لها الأنوف حيث يمد الصيادون شباكهم المليئة بالسمك من النهر اللصيق ليُمتعوا رواد الشارع بالسمك الحي الذي يستخرجونه أمامهم حيًّا، ثم يضعونه أمام وهج النار المنبعث من رائحة الخشب الخاص، الذي يمنحه نكهة مميزة.

أمام النصب الذي يسمى أيضاً تمثال “شهريار وشهرزاد” لغني حكمت تسترجع مشهد الحكاية المؤلفة من ألف ليلة وليلة وكيف تقوم تلك الجارية الحاذقة شهرزاد بخداع سيدها “المضاجع” كل ليلة لفتاة ثم يقتلها حين يحل الصباح كي لا تقص حكايته، بحسب الرواية التي صارت حكاية شعبية مسرحها بغداد ورواتها من الفرس الذين أسبغوا عليها بعدا أسطورياً غريباً عن الثقافة العراقية، تبرز شهرزاد تلك الجارية المتوقدة ذكاء وجمالا لتخدع سيدها الماجن بحكايات من نسج خيالها لتغريه بسماع قصتها كل ليلة، لتحول دون قتلها حتى ينام وينسى أمرها ويؤجله لليوم التالي.

أمام النصب تسمع حكاية أخرى لمدينة طال هجرها وطلاقها من أبنائها الذين يئسوا من إعادتها إلى دعتها وتواصلها مع إرثها الطويل المكون من صفحات الفكر والتراث والثقافة لكبار الأدباء والمفكرين وطلاب العلم الذين يذرعون شوارعها جيئة وذهاباً وينسجون حكايات أخرى في أبي نواس الشارع المهمل الحزين الذي امتدت إليه يد الفساد والتجاوزات عليه، والشواغل الجديدة التي تكشف عن أسى عراقي لخراب الأمكنة.

2 شهادات عن الغزو الأمريكي للعراق 2003 الذي تم تحت “عملية حرية العراق”
د. محمد عبدالرحمن عريف

راي اليوم بريطانيا
هي أيضًا معركة الحواسم، كذلك فهي حرب الخليج الثالثة (حرب العراق أو احتلال العراق أو حرب تحرير العراق أو عملية حرية العراق)، هذه بعض من أسماء كثيرة استعملت لوصف العمليات العسكرية التي وقعت في العراق سنة 2003، استمرت من 19 آذار/ مارس إلى 1 آيار/ مايو 2003, والتي أدت إلى احتلال العراق عسكريًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا حسب تعريف مجلس الأمن لحالة العراق في قانونها المرقم 1483 في 2003, وانتهت الحرب بسيطرة الولايات المتحدة على بغداد.
من الأسماء الأخرى التي أطلقت على هذا الصراع هي “حرب العراق” وحرب الخليج الثالثة و”عملية تحرير العراق” وأطلق المناهضون لهذه الحرب تسمية “حرب بوش” على هذا الصراع أو حرب احتلال العراق. وبدأت عملية غزو العراق في 20 آزار/ مارس 2003، من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافًا كبيرًا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافًا صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة في خلق مشكلة جنوب العراق بزعامة رجال الدين، وكذلك الأكراد في الشمال بزعامة جلال طالباني ومسعود برزاني.
من الأراء ضد الغزو في كانون الثاني/ يناير 2003 استفتاء شبكة سي بي اس التليفزيونية، 64% من الاميركيين وافق للقيام بعمل عسكري ضد العراق، لكن 63% يريدون بوش إلى ايجاد حل دبلوماسي بدلاً من الذهاب إلى الحرب، و62% يعتقدون أن خطر الارهاب ضد الولايات المتحدة بسبب الحرب.
يبقى أن غزو العراق واجهت معارضة شديدة من قبل بعض حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك حكومات ألمانيا وفرنسا ونيوزيلندا. قادتهم القول بأنه لا يوجد أي دليل على وجود اسلحة دمار شامل في العراق وأن غزو البلاد لم يكن مبررًا في سياق لجنة الامم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش في 12 شباط/ فبراير 2003، وفي 15 شباط/ فبراير2003، أي قبل شهر من الغزو، كانت هناك احتجاجات عالمية ضد الحرب على العراق، بما في ذلك حشد من ثلاثة ملايين شخص في روما، وهي المذكورة في كتاب غينيس للارقام القياسية بإعتبارها أكبر مسيرة مناهضة للحرب.
الفرنسي دومينيك Reynié الاكاديمية، الفترة من 3 كانون الثاني/ يناير إلى 12 نيسان/ ابريل 2003، 36 مليون شخص في جميع انحاء العالم شارك في ما يقارب 3000 احتجاجات ضد الحرب على العراق.
سبق الغزو غارة جوية لسلاح الجو الأمريكي على القصر الرئاسي في بغداد في 19 اذار/ مارس 2003، وفي اليوم التالي، شنت القوات البرية الأمريكية عملية توغل في محافظة البصرة من حشد قريبة من الحدود (العراقية – الكويتية)، بينما شنت القوات الخاصة هجوماً برمائياً من الخليج لتأمين البصرة والمناطق المحيطة بها وحقول البترول فيما توغل الجيش الأمريكي في جنوب العراق لإحتلال المنطقة ودخل في الناصرية في 23 اذار/ مارس، وحدثت ضربات جوية واسعة في جميع انحاء البلاد ضد مواقع عسكرية ومدنية عراقية ولم تقاوم القوات العراقية أو تشتبك مع الجيش الامريكي، وفي 26 اذار/ مارس, الكتيبة الأمريكية 173 المحمولة جوًا قد انزلت بالمظلات قرب مدينة كركوك الشمالية حيث انضموا إلى قوات المتمردين الاكراد وهربت وانسحبت العديد من ألوية الجيش العراقى وسيطر الجيش الأمريكي على الجزء الشمالي من البلاد.
من بين تبريرات الحرب حسب الإدارة الأمريكية احتلال العراق قدمت الإدارة الأمريكية قبل وأثناء وبعد سقوط النظام السابق في بغداد في 9 نيسان/ أبريل 2003 مجموعة من التبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب ويمكن تلخيص هذه المبررات بالتالي: استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عدم تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزاولة أعمالها في العراق، من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت موعداً نهائياً لبدأ العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها في العراق استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتصنيع وامتلاك “أسلحة دمار شامل” وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق 19 قراراً للأمم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من “أسلحة الدمار الشامل”.
كذلك احداث 11 أيلول سبتمبر بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 والنجاح النسبي الذي حققه الغزو الأمريكي لأفغانستان تصورت الإدارة الأمريكية أن لديها التبريرات العسكرية والدعم الدولي الكافيين لإزالة مصادر الخطر على “أمن واستقرار العالم” في منطقة الشرق الأوسط وأصبح واضحاً منذ أواخر عام 2001 أن الإدارة الأمريكية مصممة على الإطاحة بحكومة صدام حسين.
هي تبريرات الحرب حسب مناهضيها تعرضت التبريرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى انتقادات واسعة النطاق بدءاً من الرأي العام الأمريكي إلى الرأي العام العالمي وانتهاءً بصفوف بعض المعارضين لحكم صدام حسين ويمكن تلخيص هذه التبريرات بالتالي: الهيمنة على سوق النفط العالمية ودعم الدولار الأمريكي حيث أن صدام حسين كان قد اتخذ قراراً في عام 2000 باستعمال عملة اليورو كعملة وحيدة لشراء النفط العراقي.
مع ضمان عدم حصول أزمة وقود في الولايات المتحدة بسيطرتها بصورة غير مباشرة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، كذلك هي المصالح الشخصية لبعض شركات الأعمال وشركات الدفاع الكبرى في الولايات المتحدة. مع دعم واستمرار الشعبية التي حظي بها الحزب الجمهوري الأمريكي ابان احداث أيلول/ سبتمبر 2001 بغية استمرار هيمنة الحزب على صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة.
بعد سقوط بغداد قام الرئيس الأمريكي بإرسال فريق تفتيش برئاسة ديفد كي الذي كتب تقريراً سلمه إلى الرئيس الأمريكي في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2003 نص فيه أنه “لم يتم العثور لحد الآن على أي أثر لأسلحة دمار شامل عراقية” وأضاف ديفد كي في استجواب له امام مجلس الشيوخ الأمريكي أن بتصوري نحن جعلنا الوضع في العراق أخطر مما كان عليه قبل الحرب، وفي حزيران/ يونيو 2004.
في سابقة هي نادرة الحدوث أن ينتقد رئيس أمريكي سابق رئيسًا أمريكياً بعده، قال كلنتون في مقابلة له نشرت في مجلة تايمز Time Magazine أنه “كان من الأفضل التريُّث في بدء الحملة العسكرية لحين إكمال فريق هانز بليكس لمهامه في العراق. ولكن جورج و. بوش قال في 2 آب/ أغسطس 2004 “حتى لو كنت أعرف قبل الحرب ما أعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق فإني كنت سأقوم بدخول العراق”. كذلك ففي 12 كانون الثاني/ يناير 2005 تم حل فرقة التفتيش التي تشكلت من قبل جورج و. بوش بعد فشلهم في العثور على أسلحة محظورة.
يرى الكثيرون أن الحملة العسكرية كانت مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية للقوانين الدولية والتي تنص على أنه “لا يحق لدولة عضو في الأمم المتحدة من تهديد أو استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة لأغراض غير أغراض الدفاع عن النفس ومن الجدير بالذكر ان السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان صرح بعد سقوط بغداد ان الغزو كان منافيًا لدستور الأمم المتحدة وكان هذا مطابقًا لرأي السكرتير السابق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي، وفي 28 نيسان/ أبريل 2005 اصدر وزير العدل البريطاني مذكرة نصت على أن أي حملة عسكرية هدفها تغيير نظام سياسي هو عمل غير مشروع.
لقد انتهى الاحتلال الامريكي للعراق رسميًا في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2011، بإنزال العلم الأمريكي في بغداد وغادر آخر جندي أمريكي العراق في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2011. وحسب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير مهمة التحالف “تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل, ووضع حد للدعم الذي يقدمه صدام حسين إلى الارهاب وتحرير الشعب العراقى”. وكذلك محادثات البنتاغون ويسلي كلارك القائد الأعلى السابق لقوات حلف الناتو ورئيس هيئة الأركان المشتركة مدير الاستراتيجية والسياسة يصف في كتابه الصادر عام 2003 بفوزه على الحروب الحديثة محادثته مع ضابط عسكري في البنتاغون بعد وقت قصير من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عن خطة لهجوم سبع دول شرق اوسطية في الاعوام الخمسة الماضية: “عدت إلى البنتاغون فى تشرين الثاني/ نوفمبر 2001, وهو أحد كبار ضباط الأركان العسكريين، نعم مازالت مستمرة, لانه يسير ضد العراق. لتبقى هي شهادات عن الغزو الأمريكي للعراق 2003 الذي تم تحت “عملية حرية العراق”.
3 روحاني في بغداد عثمان الماجد
الايام البحرينية

من الطبيعي أن تكون علاقات الدول فيما بينها مبنية على تبادل المصالح والمنافع، وهذه قاعدة معروفة حتى من قبل نشوء الدول الحديثة أيضا. وأي علاقة بين دولتين تنشأ اليوم يكون مقتضاها المنطقي تعزيز الصداقة بينها وتحقيق المصالح المشتركة والمحافظة عليها. وفي هذا الأمر لا فرق بين دولة صغيرة أو كبيرة، إذ المسألة عرف ديبلوماسي يرتقي إلى مصاف القانون المنظِم للعلاقات الدولية. غير أن في علاقات الدول بعضها ببعض شيء من التراتب، فليست لكل الدول المكانة نفسها. كما يمكن أن تكون علاقة دولة ما بدولة أخرى محكومة بما تمليه ظروف مرحلية أحياناً وظروف ثابتة مقيمة في أحيان أخرى، ذلك أن هناك دولاً تنبني علاقاتها البينية على روابط الدم والثقافة والتاريخ فضلاً عن المبادئ والقيم العامة الموجهة للعلاقات الدبلوماسية، وهو ما يجعلها بالضرورة مقدمة على غيرها ولعل المثالين الأوروبي والعربي خير شاهد على ذلك على الرغم من أن المثال الأوروبي قطع شوطاً لا بأس به في الاندماج ضمن فضاء اتحادي منظم في حين أن المثال العربي ظل حبيس الشعارات الرنانة على أمل أن ينتبه القوم إلى أن علاقات الدول العربية فيما بينها ينبغي أن تكون من واقع إملاء ظروف ثابتة مقيمة نظرا لما يجمع بين هذه الدول من مصالح مشتركة قلما تتوافر بين دول العالم الأخرى.
إن أي علاقة تقيمها دولة عربية مع دولة أخرى غير عربية ينبغي أن يكون عنوانها في أبرز تجلياته اقتصادياً سياسياً وثقافياً في مستوى إنساني عام. وهذا ليس زعماً مبنياً على نهج قومي لدى الكاتب وإنما هي خلاصة قراءة موضوعية للمعطيات التاريخية والجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية وتشابكها في المجتمعات العربية، فما تنشئه دولة عربية من علاقات مع غيرها ينعكس بالضرورة على غيرها من الدول العربية، ويزداد الأمر أهمية إذا كان لهذه العلاقة تداعيات أمنية وجيو-إستراتيجية قد تؤثر في استقرار الدول وأمنها وأمانها.
وإذا ما افترضنا جدلاً أن الزيارة التي قام بها رئيس جمهورية نظام الولي الفقيه حسن روحاني إلى دولة العراق العربية يوم الاثنين قبل الماضي قد جاءت بناءً على رغبة «الجارة» إيران في إقامة علاقات اقتصادية وسياسية وحتى ثقافية في حدودها الإنسانية! فإن اتفاقات معاهدات هذه العلاقات يجب أن تكون محكومة باحترام متبادل للسيادة. وفي كل حال فإن هذه العلاقات المفترضة بين إيران الفارسية والعراق العربية لا ينبغي أن ترتقى إلى المستوى نفسه لأي علاقة بين العراق وأي دولة عربية أخرى مهما كان التباين في وجهات النظر بينهما.
وغني عن القول إن الدولة العراقية تفهم تماماً أن إيران هي التي تحتاج بشكل أكيد وعاجل، بحكم حرج النظام العالمي بوجود الكيان الثيوقراطي الإيراني وضيقه بعربدات هذه الدولة التي بلغت حد الوقاحة، إلى إقامة علاقة اقتصادية وسياسية مع جارتها العراق، وقد بلغت هذه الحاجة حدا يجعل من مرشد «الثورة» مستعدا للقدوم إلى بغداد زحفا يتوسلها شيئا من الود، وهذا يحتم على العراق أن يُقيّم بدقة الوضع الجديد الناشئ في أعقاب فرض العقوبات الاقتصادية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والسياسية. وليس مطلوباً من الدولة العراقية أن تستمع إلى الأحزاب المذهبية الطائفية، الباحثة عن مخارج لأزمة النظام الإيراني من منطلق قناعة مذهبية فوق وطنية هي عندهم مقدمة على الانتماء إلى الوطن والدولة العراقية، وهذه الأصوات المذهبية هي نفسها التي تقيم العلاقة بين الدولة العراقية وإيران على أنها أسبق وأنفع من العلاقات بين الدول العربية. باختصار لا يجب أن يُنظر إلى العلاقات بين إيران والعراق من المنظور الإيراني ما يعني ألا تكون هذه العلاقات على حساب عمق العراق العربي.
في ضوء ما تقدم هناك سؤال يطرح نفسه ومفاده هل زيارة الرئيس حسن روحاني إلى العراق أعطت هذا الانطباع؟ بمعنى هل أن الحكومة العراقية قوية بما فيه الكفاية بحيث تقف ندا للإيرانيين عند إجراء المحادثات لعقد الاتفاقيات المختلفة وتوقيعها؟ الحكومة العراقية، من وجهة نظري، لن تكون قادرة، طالما لم تتوافر بعد على الإرادة السياسية الصلبة والكافية، وطالما كان لأحزاب الإسلام السياسي السطوة التي جعلتها ممسكة بزمام القرار العراقي، ولذلك فإني أرى أن حكومة العراق لن تكون صاحبة قرار سيادي يتماشى مع تصريحات مسؤولين عراقيين بأن العراق ملتزم بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وبهذا الخصوص فقد تسربت بعد يوم أو يومين من الزيارة بأن الرئيس روحاني جاء يوقع على اتفاقية «متَّفق» عليها مسبقا وتقضي بـ«إنشاء آلية في البنوك العراقية تسمح للعملاء الأجانب الذين يشترون النفط والغاز الإيراني بتحويل المدفوعات إلى العراق، كما لو كان النفط عراقيا ومن ثم تقوم البنوك العراقية بتحويل المدفوعات باليورو إلى طهران».
في اعتقادي أنه بالإضافة إلى تعزيز العلاقات المذهبية على حساب الدولة العراقية وسيادية القرار فيها، فإن مسوغ زيارة حسن روحاني إلى العراق وهدفها الرئيس هو الالتفاف على العقوبات الاقتصادية طلباً لمتنفس ما يمدد أنفاس دولة عصابة الملالي في طهران. وفي اعتقادي أيضا أن هناك ضغوطاً تمارسها الأحزاب السياسية الدينية ذات النفوذ الواسع على الحكومة العراقية بأن تمتثل للرغبة الإيرانية هذه. وهذا في حد ذاته يشير إلى أن العلاقات بين العراق وإيران من جهة والعراق والولايات المتحدة من جهة ثانية مرشحة إلى التأزيم إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي حال أن تُدمر استراتيجيتها الهادفة إلى إضعاف إيران وجعلها تستجيب للمطالب الأمريكية في ما يتعلق بجملة القضايا بين إيران ودول العالم، ويأتي على رأسها المفاعلات النووية وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي.
أختمُ بأمنية أراها صعبة التحقق في ظل المعطيات السياسية والاجتماعية في المجتمع العراقي وأقول، إنه بالرغم من معارضتي الشديدة لتدخل رجال الدين في السياسة، إلا أني كنت أتمنى أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي كان ممثلاً لجميع العراقيين وليس لمذهبه أو للحزب الذي ينتمي إليه في محادثاته مع الرئيس روحاني وأن يكون قد وضع مصلحة بلاده ومصلحة العرب الذين ينتسب العراق العظيم إليهم فوق كل اعتبار، وأرجو أن يكون ما صدر عن المرجعية الدينية في العراق على السيستاني عند لقائه الغريب بالرئيس روحاني ومرافقيه من ضرورة احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونها، لكي تنتهج سياستها الداخلية والخارجية بمعزل عن النفوذ الإيراني، كلاماً صادقاً، إذ لا أخفي سراً إذا قلت إني لا أثق في كل من ينصب نفسه أو يُنصَّب وسيطاً بين الله ومخلوقاته.
4 النجف ـ طهران… ورسائل المرجعية الواضحة مصطفى فحص

الشرق الاوسط السعودية

خرج الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، من لقائه مع المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة في العالم السيد علي السيستاني، بخُفي حُنين، فالليونة الرسمية العراقية في التعامل مع الضيف الإيراني، التي وصفها البعض بأنها وصلت مستوى الانبطاح من قبل بعض المسؤولين السياسيين في بغداد، انقلبت تصلباً نجفياً بالمواقف، أفرغ البيانات الرسمية المشتركة التي صدرت في بغداد أثناء زيارة روحاني من محتواها، وأعاد التمسك بالسيادة الوطنية التي لا تقبل المساومة على ثوابتها وإنجازاتها، قساوة مواقف المرجعية التي سمعها الطرف الإيراني، وظهرت إلى العلن من خلال البيان الذي وزعه المكتب الإعلامي للسيد السيستاني بعد استقباله للرئيس روحاني، الذي كُتب بحرفية عالية فندت أغلب الادعاءات الإيرانية، وحملت رسائل بضرورة تحرير القرار الرسمي العراقي من الهيمنة الإيرانية.
لفقد أكد البيان على تعزيز علاقات العراق بجيرانه وفقاً لمصالح الطرفين، وعلى أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما تطرق البيان إلى التضحيات الكبيرة التي قدمها العراقيون الأبطال في الانتصار على هذا التنظيم الإرهابي، وإبعاد خطره عن المنطقة كلها، منوهاً بدور الأصدقاء في تحقيق ذلك.
وطالب بيان السيستاني بحصر السلاح بيد الدولة، وشدد المرجع الأعلى على «ضرورة أن تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والاعتدال، لتجنيب شعوبها مزيداً من المآسي والأضرار».
عملياً يكشف البيان عن انزعاج المرجعية من السياسة العامة الإيرانية في العراق، وبدت وكأنها لا تفصل بين الدولة الرسمية والدولة الموازية صاحبة النفوذ الأوسع في العراق، ولكنها اختارت رئيس الجمهورية حتى تُوصل انتقاداتها لصناع القرار الإيراني في اللحظة التي يعاد فيها ترتيب البيت الداخلي الإيراني لما بعد المرشد والرئيس، حيث باتت النجف تستعد لمواجهة مع راديكالية سياسية تمارسها طهران في علاقاتها الخارجية وفي مناطق نفوذها.
لم يكن حسن روحاني إلا صندوق بريد اختارته المرجعية لإيصال موقفها، وهي معنية باختياره باعتباره يمثل تياراً معتدلاً وسطياً يتعرض لمضايقات من جهات إيرانية نافذة في النظام؛ أغلقت المرجعية أبوابها في وجهها تعبيراً عن استيائها من تدخلاتها في شؤون العراق الداخلية، وفي محاولاتها مصادرة إنجازات العراقيين في الحرب على الإرهاب، الأمر الذي استدعى رداً نجفياً بأن تضحيات العراقيين أولاً، ومن ثم دعم كل الأصدقاء، وليس حصره بطرف واحد.
من جهته يقول الباحث في شؤون الحوزة العلمية الأستاذ علي المدن، إن «اللافت في بيان السيد السستاني أن المرجع الأعلى يبدأ بالتركيز على العراق (تعزيز علاقات العراق بجيرانه، وليس تعزيز علاقات الجيران بالعراق)، أي أنه مهتم بالحديث عن العراق أولاً وليس غيره. ومع ذلك فإنه يشير إلى أهمية أن تكون العلاقات مبنية على مصالح الطرفين واحترام السيادة وعدم التدخل (وهذه أمور تطالب بها في العادة إيران وليس العراق)، وكأنه يريد القول: نحن نرحب بعلاقات العراق بجيرانه، ولكن على الجيران أن يحترموا النقاط الثلاث في علاقتهم بالعراق».
السيستاني المصر على حصر السلاح بيد الدولة، في الوقت الذي تقوم فيه طهران بدعم وتعويم المنظمات المسلحة التي تعمل في موازاة الدولة، وشرعنتها ككيانات مستقلة تعمل بالتوازي مع عمل المؤسسات الرسمية، ولكنها تستخدمها لأغراض بعيدة عن المصالح الوطنية العراقية، ما جعل السيد السيستاني يعيد المطالبة بأن تكون هذه التنظيمات الميليشياوية تحت إمرة الحكومة، فيما تستبعد أوساط خبيرة في شؤون المرجعية أن تطالب النجف بحل «الحشد» في هذه المرحلة، بسبب حاجة القوات المسلحة الرسمية إليه للمساعدة في تغطية المناطق الساخنة، ولكن ألا تكون له قيادة عسكرية مستقلة، وبأن يصبح جزءاً كاملاً من القوى النظامية، وهذا ما لن تقبل به طهران التي تريد استثمار بعض فصائل «الحشد» ضمن مشروعات نفوذها، وقد عبر قائد «الحرس الثوري» الجنرال جعفري عن هذا الموقف منذ أيام عندما اعترف بأن هناك 200 ألف متطوع في العراق وسوريا دربتهم إيران بإشراف «الحرس الثوري».
في النجف تحول روحاني إلى زائر يستمع إلى نصائح المرجع الأعلى، في اللقاء مارس السيد السيستاني سلطته الروحية العامة على ممثل دولة تمثل النقيض الفقهي لمدرسة النجف القادرة على تصحيح المسارات السياسية دون ممارستها، وأن تحافظ على كلاسيكيتها الفقهية، مع الاهتمام بأمر الدولة والرعية، فما بعد زيارة بغداد ولقاء النجف سترتفع نسبياً حدة المواجهة بين النجف وطهران، خصوصاً أن الأولى مصرة على حماية المصالح الوطنية العراقية، فيما الثانية مصرة على تمرير مصالحة على حساب المصالح الوطنية العراقية، وهذا ما لن تمرره النجف التي كادت أن تضع العلم العراقي على الطاولة، أي جانب السيستاني أثناء استقباله الزائر الإيراني.
5 إعمار الموصل لا يتطلب معجزة!
مشرق عباس الحياة السعودية

بشكل أو آخر، تتقاعس الحكومة العراقية في الشروع بأي خطط جدية لإعمار مدينة الموصل، خاصة الساحل الايمن منها، لأنها تنتظر أن ينفذ المجتمع الدولي تعهداته بشأن التكفل بهذه المهمة.
لكن سفارات ومسؤولين غربيين باتوا يلوحون بالانسحاب ليس من مشروع إعمار الموصل فقط، بل من حزمة المنح والقروض والاستثمارات التي أقرّها مؤتمر الكويت وتصل إلى 30 بليون دولار، ويرون أن التخصيصات الحكومية لموازنة الموصل والتي لم تتجاوز 120 مليون دولار فقط لعام 2019 تعكس تنصلاً من بغداد تجاه التزاماتها.
وحتى نصف الحالة بشكل أوضح، فإن الحكومة العراقية والمانحين على حد سواء، ينتظر كل طرف منهم أن يرى مبادرة من الآخر حتى يتحرك باتجاه الموصل، والنتيجة أن خراب المدينة بعد عام من تحريرها وأكثر شاخص ومخجل، والأهالي لم يعودوا إلى منازلهم، بل إن بعضهم ما زال في خيم النزوح.
في الهامش، هناك تفاصيل وتعقيدات ورثتها الحكومة الحالية من سابقتها، تتعلق بالآلية التي سيتم من خلالها إنفاق المنح الدولية حول المناطق المحررة من «داعش»، في ظل أجواء عدم الثقة والفساد التي تحيط بالمشهد العراقي عموماً، وتدفع المانحين إلى وضع الكثير من الأسئلة والتعقيدات لصرف الأموال، وفي ضوء المنظومة البيروقراطية الهرمة للمؤسسات العراقية، والتي لا تتيح بدورها نمطاً مرناً للتعامل مع الأموال القادمة من الخارج، وأيضاً بسبب عدم وجود طرف محايد بين الجانبين يمكنه أن يتولى ضبط هذه المهمة على خلفية تجارب شابها الفساد والتبديد في مشروعات منظمات الأمم المتحدة التي عملت في العراق طوال السنوات الماضية.
التفاصيل، تستدعي تفاصيل أخرى، فمسؤولون حكوميون في دولة الكويت التي احتضنت مؤتمر إعمار العراق مطلع 2018 وتبرعت بدورها ببليوني دولار، عرضوا على مسؤولين عراقيين -بحسب مصادر مطلعة- أن تقوم بلادهم بدور الوسيط لتسوية التعقيدات بين المانحين والحكومة العراقية، وأن ذلك يستدعي من الأخيرة أن تكون جادة في عرض خططها وآلياتها للشروع في الإعمار.
واقع الحال أن حكومة بغداد تعتقد، وهي محقة، أن كل مدن العراق بحاجة إلى الإعمار وليس الموصل فقط، وأن خطط الإعمار والاستثمار الخارجي يجب أن تخضع في نهاية المطاف إلى معايير خريطة التخطيط العراقية، بما يضمن استثمار الأموال في مكانها الصحيح، ليكون تأثيرها إيجابيا على الاقتصاد العراقي بالمجمل.

وهذه نظرة سليمة من حيث المبدأ، إلا إذا أدت إلى تنفيذ المانحين تهديداتهم بسحب تعهدات مؤتمر الكويت، والتوجه إلى مناطق أخرى في العالم قد يرون أنها أكثر حاجة من حاجة العراق كدولة نفطية لم تتفاعل كما يجب مع التعهدات الدولية، فيما أن تلك التعهدات لم ترتق في الاساس إلى ما كان ينتظره العراق فعلياً من المجتمع الدولي من مساعدة على إنهاء الظروف التي قادت إلى ظهور تنظيم «داعش».

مرحلة الحسابات المعقدة، قد يكون ثمنها غالياً، وبغياب حكومة محلية في الموصل قادرة على المطالبة بحقوقها، سيكون أمام المدن المحررة سيناريوهات أقلها خطراً هو صرف النظر عن الإعمار برمته.

بغداد إذاً أمام مهمة انقاذية لإجبار المانحين الإقليميين والدوليين على التعامل معها مباشرة أو من خلال شركاء، لأجل البدء في مشروعات الإعمار التي تمتد لمعظم المحافظات العراقية، ويجب أن تنطلق سريعاً لتستقطب الأيدي العاملة، وقد يكون تشكيل لجنة وزارية عليا لهذا الغرض بإشراف من أعلى الرئاسات في البلد، خطوة إيجابية تبدد الشكوك في جدية الحكومة العراقية في هذا الملف.

إن المبادرة إلى التفاهم والمرونة وتذليل العقبات لتطبيق مقررات مؤتمر الكويت، ستكون مثالاً جيداً لمستقبل التعاطي العراقي مع العالم، بعد سنوات طويلة من الأمثلة السيئة، والتفاهم ليس معجزة على الحكومة العراقية تحقيقها، بل سياق وواجب طبيعي يشجع على المزيد من الثقة بالعراق كدولة عليها النهوض لإعادة التوازن الاقليمي، واستعادة قدرتها على النجاح.

6 عقيدة الكراهية.. مَنْ يقتل مَنْ؟
محمد المزيني الحياة السعودية

المجزرة الإرهابية النيوزيلندية ليست متفردة ببشاعتها وعنفها، كانت اللغة التي عبّر من خلالها الإرهابي عن عمق كراهيته للإسلام والمسلمين نابعة من عقيدة تاريخية راسخة دفعته إلى ارتكاب جريمته، كانت اللغة واضحة جدا، عبر عنها بصوته وكتبها بقلمه، آمن بفكرتها حد التعطش للدم وارتكبها بقلب مطمئن وروح مملوءة بالغرور والشوفينية، فما نراه بشعا ومستفزا وكريها قد يراه آخرون حقا مشروعا له قواعد تاريخية فوقية تمييزية، ليس فقط دينيا بل وعرقيا ولونيا، ولنكن واضحين تماما في تناولنا لمعطيات حادثة نيوزيلندا ذات الصبغة الدينية والعرقية، فما اقترفه الإرهابي الذي قطع أكثر من ثلاثة آلاف ميل لاقتراف جريمته بدم بارد ووجه ضاحك لأنه يحقق الحلم الذي راوده وخطط له مع فريق كامل يحمل اللوثة التمييزية الشوفينية المدمرة للآخرين ذاتها، لم يكن متفردا أو استثناء في خطط له اقترفها، فهو ومن معه جزء من منظومة ممتدة من عمق التاريخ إلى يومنا هذا، مع اختلاف السرعة في التنفيذ والتمكّن في الأداء.

أقول وأنا موقن تماماً أن ثمة أرواحا لا تزال عالقة أو لنقل متورطة متعطشة مثله تماما للدم، ليس فقط من أجل الانتقام، بل من عقيدة راسخة وإيمان مطلق بقيم قتل الآخر لأسباب يأتي على رأسها من حيث الأهمية والتحفز: استشعار الامتياز والتفوق الديني والعرقي واللوني، يليها: لوثة التاريخ الذي حقن داخل بعض العقول، لم نبتعد عن العقيدة الهتلرية النازية العرقية التي أوقدت نار الكراهية للآخر وأزهقت أرواح ملايين البشر، مثلها الصهيونية التي طمعت بالأراضي الفلسطينية لإقامة وطن قومي لها وارتكبت من أجل تحقيق هذا الحلم المجازر تلو المجازر بدم بارد وإصرار راسخ، مثل مجزرة دير ياسين ومذبحة قرية أبو شوشة ومذبحة الطنطورة ومذبحة قبية ومذبحة خان يونس ومذبحة الحرم الإبراهيمي ومذبحة صبرا وشاتيلا، وبدوافع دينية متطرفة أيضا قامت الجماعات الخلاصية كالقاعدة وداعش لنحر الناس وحرقهم كالخراف في احتفالية فرح وابتهاج.

لوثة العرق والدين والمذهب، لا تزال متلبثة راسخة في عقول بعض الجماعات، هؤلاء الذين انتفضوا لجريمة الإرهابي الاسترالي ألم يسألوا أنفسهم ويفتشوا عن الحيز المظلم في مفكرتهم الدينية والثقافية؟ ألم يتحققوا من صلاحية موروثاتهم التي تصطفيهم عن خلق الله وتفرق بينهم وتجعلهم طرائق قددا؟

الذي قتل الناس في أقدس مكان يعبد الله فيه لا يختلف كثيرا عن الذين يحملون لوثة التكفير بين جوانحهم ويلبسون مسوح قديسي العصر القروسطي، الذين لديهم صلاحيات مطلقة بترشيح مستحقي النار والجنة من البشر، هؤلاء لا يختلفون تماما عن الذين يرفعون أنفسهم مرتبة عن الناس ويتحسسون دماءهم النقية الخالصة وكأنهم خلقوا من «حمأة» غير تلك التي خلق الله بها آدم، قد لا تمارس قتل الناس ووأدهم بالرصاص أو الحرق قدر ما تئدهم وتنفيهم عن الوجود قيمياً، ولنقترب إلينا أكثر، ونفتح صفحات مثقلة بالإقصاء والتنمر، لا تتضح بألوانها الدموية الحمراء حتى تهتز أركان الأرض من تحتهم، عالمنا العربي أنموذجا متفردا جدا يشي بكل ذلك، يستطيع تقليب أوراقها كل من أراد أن يهدم البيوت الآمنة فوق رؤوس أصحابها، ولنا في ذلك أمثلة في سورية والعراق وليبيا التي انقلبت أحوالها رأسا على عقب في سنوات الخريف العربي الذي لا تزال طقوسه تعبث بها، سورية ذهبت سريعا من خلال لوثة اثنية طائفية، تلاعبت بها الأطماع السياسية الغربية والشرقية، واستخدمت في تقويضها، وقد وجدت لها أصواتا مطبلة للتغيير القادم ليس لأجل الحرية أو الاستقرار، بل لأجل دولة الخلافة القادمة، أما العراق فكانت التقويض لبنى الدولة ومؤسساتها بعد فشل ذريع لإيجاد حكومة ديموقراطية منتخبة بديلة لصدام حسين الذي اسقط عنوة وانقلب العراق رأسا على عقب، تحركت على إثرها قوى المعارضة العرقية والمذهبية، وسفك الدم من خلال هذين الفصيلين، أما في ليبيا فكانت الثورة الانقلابية عرقية بامتياز، سفك الدم بكرم مجنون لم يفرق فيه بين صغير وكبير، وشرد ملايين البشر.

المجرم الإرهابي الذي اعتدى على مسلمين عزّل نزحوا إلى نيوزيلندا لأسباب مختلفة ولقوا حتفهم على يده، على رغم جريمته الشنعاء التي ولول لها الناس وطالبوا بالثأر والانتقام وأخرجوا ما كانت تستبطنه أدمغتهم من لوثات طائفية، لم يتوقفوا ويفكروا جيدا في كل المجازر التي ترتكب بين ظهرانيهم ليل نهار، لم يقرأوا محتواهم الفكري الذي قد يصل إلى ما هو أبعد لأسباب عرقية كريهة فيما لو قدحت شرارة فتنة من نوع ما، التكفيريون الطائفيون والعرقيون العنصريون، قنابل مدفونة أصواتهم موجودة، يعبرون عن أنفسهم في الفضاء العام وأمام العلن، ونسأل الله أن تظل مدفونة، لا يأتي متآمر خبيث فيحرثها لتنفجر في وجوهنا. سنظل في عالمنا العربي أدوات سهلة لعبث الطامعين الذين سيتسربون إلينا من قنوات الدين والعرق والطائفة، وما لم نتحلل من ربقتها ونبدو أمام بعضنا البعض أكثر إنسانية وطبيعية فإننا سنعلق بشباكهم.

إرهابي نيوزيلندا حالة من الحالات البشعة، وقتلتنا من بني جلدتنا الممسوسين بلوثة العرق والطائفة أبشع وأمر.
7 حكاية عيد النوروز د.حسان ابوعرقوب
الدستور الاردنية

يحتفل قرابة 300 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم بعيد النّوروز، أو النيروز، خاصة بتركيا وإيران والعراق وسوريا، وهو عيد رأس السنة الفارسية، الذي يصادف الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس) في كل عام.
يتحضر المواطنون في محافظة دهوك كغيرهم للاحتفال بعيد النوروز الذي يعني اليوم الجديد، حيث يعدّ مناسبة رسمية تعطّل فيها الجهات الحكومية، ولمدة أربعة أيام.
سيقوم فريق من الأهالي مساء الأربعاء 20/آذار بإيقاد النيران، ثم يخرجون صباح الخميس 21/ آذار في رحلات الشواء العائلية، مع رقص الدبكة الكردية.
وفي طريقي إلى جبل (زاوا) المطل على مدينة دهوك، حيث تعانق صخور الجبل السحب التي تمر بها، وتكشف عن تفاصيل المدينة بمنظر خلاب يأخذ بالألباب، سألت سائق الأجرة (أحمد) عن عيد النوروز، وما الحكاية الشعبية لهذا العيد عند إخواننا الأكراد؟ فأجابني بما سمعه عن أبيه وجده، أن حاكما ظالما اسمه (الضحاك) رأى في المنام أن ملكه يزول على يد شاب اسمه (فريدون). فأرسل الملك جنده للقضاء عليه، فقامت أم فريدون بتسليم ابنها لراعي المواشي، وبعد أن كبر (فريدون) ذهب مع (كاوَه) الحداد للقضاء على الضحاك، وكانت علامة النصر أنهم سيوقدون نارا كبيرة ليعلم الناس أن النصر قد تحقق، وبالفعل انتصر (فريدون) و(كاوه) الحداد على (الضحاك) وتم تقييده في مغارة في جبل (دماوند) بإيران. وأشعلا النار الكبيرة ورآها الناس ليلا، فخرجوا يحتفلون في اليوم التالي فرحا بهزيمة الملك الجائر، وعرفت نار النيروز بشعلة (كاوه) الحداد. القصة التي نقلها (أحمد) من التراث الشفهي هي جزء من (الشاهنامه) وهي ملحمة فارسية وضعها أبو القاسم الفردوسي (ت:329هـ) وبلغت أبياتها قرابة ستين ألف بيت، صوّر من خلالها تاريخ الفرس، بدءا بالعصور الأسطورية وانتهاء بالفتح الإسلامي.
وليست هذه الحكاية الوحيدة للنيروز، فلكل شعب حكايته التي يسمعها ويرويها.