1 فساد تعجز عنه الصحافة
طاهر علوان العرب بريطانيا
للفساد عالمه الخاص المنغلق على نفسه. الفساد الذي وصل إلى مستوى الاحتراف صار يعرف صانعوه من أين يدخلون إليه وكيف يقدمون خطابهم لوسائل الإعلام بصفة عامة والصحافة بشكل خاص وكيف يخرجون من المسألة بسلام.
وبموازاة مظاهر الفساد الأكثر فجاجة المتمثلة في السطو العلني على المال العام واستغلال المنصب الوظيفي للإثراء غير المشروع وتضارب المصالح وغيرها، هناك السلوك المهني للشخصيات التي تؤدي وظيفة حكومية.
في الولايات المتحدة مثلا وخلال الأسبوع الماضي شهدنا السجال المحتدم على أعلى مستويات صنع القرار بعد إفادة مايكل كوهين عن سلوك الرئيس دونالد ترامب بوصفه محاميه السابق، حيث وصفه بأشد العبارات وأقساها من قبيل أنه عنصري ومخادع وغشاش…
والقصة ليست إلا امتدادا لتحقيقات فيدرالية عالية المستوى حول وجود تعاون مع الروس من طرف الرئيس، خاصة إبان الحملة الانتخابية واحتمالات تدخل المخابرات الروسية في التـأثير على النتائج.
يا ترى ماذا تفعل الصحافة وهي أمام هذه الظاهرة الاستثنائية؟
بالطبع لا يمكن للصحافة ولا لعموم وسائل الإعلام مهما كان قربها من دائرة الرئيس أن تجمّل الصورة أو تخفف من وطأة الهجوم الشرس والاتهامات غير المسبوقة، ولكن وفي الوقت نفسه هل للصحافة أن تهيّج الرأي العام وتمضي في مسار مهاجمي الرئيس وصولا إلى المطالبين بعزله؟.
وفي واقع الحال لم يبد الرئيس في مظهر من أعيته الحيلة بل انبرى كالمعتاد باستخدام مدفعيته الثقيلة، تغريداته على موقع تويتر، يواجه فيه خصومه، مواجها الشتائم بالشتائم والاتهامات بالاتهامات.
مثال لموقف الصحافة ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، حيث قالت إن ترامب كان يهين محاميه بأقسى العبارات ويسخر منه وهدده بالطرد مرتين، وأن كوهين هو الوسيط مع الممثلة الإباحية ستيفاني كليفورد المعروفة باسم ستورمي دانيلز.
لكن ما عسى هذه الصحافة أن تفعل؟
وفي موازاة هذه الظاهرة وفي ما يتعلق بجوهر قضية الفساد، لنأخذ حالة العراق، فهناك مظاهر فساد علنية، بل إن هناك سياسيين وبرلمانيين يظهرون باستمرار أمام وسائل الإعلام ويكشفون بكل وضوح وبالأسماء والأرقام عمليات فساد ضخمة كلفت ميزانية البلد أموالا طائلة.
الغريب في الأمر أن هذه الحالة تحولت إلى ما يشبه حالة الإدمان لدى جمهور المشاهدين وهو ما تتلقفه الصحافة أيضا، فالمشاهد – كما يبدو – منجذب إلى كون القصص دراماتيكية دون أن تتسبب بأي ضرر أو محاسبة لذلك السياسي أو البرلماني الذي كشف عن المستور، وما دام الأمر كذلك فقد تشجعت أعداد أخرى من السياسيين والبرلمانيين للحضور إلى الفضائيات وتقديم ما في جعبتهم لغرض أن يكتسبوا شعبية ويصبحوا نجوما في كشف ملفات الفساد بصرف النظر عن نظافة صفحاتهم.
هي حقا ظاهرة غريبة، وسائل الإعلام من جانبها ومنها الصحافة الورقية والإلكترونية صارت تملأ الفراغ بتلك القصص وتجتذب جمهورا واسعا والكل راض بما لديه ولا ضرر ولا ضرار.
من المفارقات أن يردّ سارق على سارق أو فاسد على فاسد وينشأ سجال من نوع آخر حتى تضيع “الطاسة” من هو الفاسد الأصلي ومن هو الفاسد الفرعي ومن هو نظيف اليد.
مرّة ظهر ضيف من هذه الفصيلة على إحدى الشاشات ولكي يجعل الحوار أكثر درامية، قال إنه شخصيا قبض مبلغا ضخما من المال رشوة، وقال كلنا قبضنا، كان هذا الكلام يظهر في الإعلان عن البرنامج فلما أذيعت الحلقة قلب الفاسد المحنّك القصة وقال إنه طرف غير مباشر وإنما قُدّمت لي خدمات وما إلى ذلك وصار يسمّي أشخاصا بأسمائهم أنهم فاسدون ويشرح بالتفصيل بماذا أفسدوا.
الصحافة أمام عاصفة هوجاء من الفساد، فإذا كانت السلطات لا تقوى على القبض على الفاسد الذي يعمل جهارا نهارا فماذا بوسع الصحافة أن تفعل بعد الكلام الصريح والمباح للفاسدين؟.
2 هل تتحول الموانئ العراقية والكويتية من الصراع إلى التكامل؟
سلام سرحان
العرب بريطانيا
بدأت أخيرا تظهر ملامح إمكانية الإنصات إلى حقائق المصالح الاقتصادية لاستثمار إنشاء ميناء استراتيجي في شمال الخليج يمكن أن يكون له دور تجاري كبير في المنطقة قد يمتد إلى ربط الشرق بالغرب، لكن مصالح أطراف كثيرة في العراق والكويت ودول إقليمية أخرى تواصل عرقلة تنفيذه.
لندن- أولى الحقائق الكبيرة التي تقف خلف رهان الكويت على ميناء مبارك الكبير، هو أن جدواه الاقتصادية الوحيدة هي خدمة السوق العراقية وما وراءها من أسواق أخرى تصل أبعد السيناريوهات إلى أوروبا.
لذلك فإن آفاقه ستكون مغلقة إذا واصل إثارة المواقف السياسية والشعبية العراقية بالطريقة التي يجري بها تنفيذ المشروع دون تنسيق مع بغداد، والتي كانت واضحة في التضييق على المنفذ العراقي الضيق على الخليج.
ويتضح ذلك في العواصف الرسمية والشعبية التي أثارها المشروع في العراق والتي وصلت إلى التهديدات، والتي انعكست في المقابل على تعثر مشروع ميناء الفاو الكبير الذي بدأ العمل به قبل 9 سنوات دون تحقيق تقدم يذكر.
يمكن للعراق ببساطة أن يقتل استثمارات الكويت الكبيرة في المشروع بتشريع قانون يحظر التعامل مع الميناء الكويتي، الذي لا علاقة له بخدمة السوق الكويتية الصغيرة في ظل موقعه في أقصى شمال شرق البلاد ووجود موانئ كافية إلى الجنوب منه لخدمة الاقتصاد الكويتي.
لذلك ليس أمام الكويت إذا كانت تسعى إلى دور في هذا الممر الاستراتيجي سوى إرضاء المصالح العراقية بتقديم أقصى التسهيلات التي تغري الأوساط التجارية العراقية وتطفئ مخاوف بغداد والأطراف السياسية التي يمكن أن تهيج المشاعر الشعبية.
لا يمكن تخيل أي سبب يدفع الكويت لوضع استمارات كبيرة في خاصرة منفذ العراق الضيق على الخليج سوى رؤية الآفاق الكبيرة للممر التجاري الاستراتيجي ومحاولة اقتطاع حصة من آفاقه المستقبلية، لكن ذلك من الصعب أن يتم عبر فرض المشاركة على العراقيين.
هناك تركة ثقيلة من الخلافات التي يمكن أن تستثمرها الأطراف السياسية خلفها غزو العراق للكويت والحصار، الذي ساهمت الكويت في إطالته والتعويضات الكبيرة التي دفعها العراق للكويت رغم أن العراقيين يقولون إنهم لا ذنب لهم في الغزو الذي قام به الرئيس الأسبق صدام حسين.
في الأيام الماضية صدرت تصريحات مواربة تشير إلى إمكانية التعاون في تطوير الموانئ، صدرت عن رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، لكنها لم تصل إلى تحديد تفاصيل ذلك التعاون.
هناك أطراف كثيرة في العراق والكويت يمكن أن تتضرر مصالحها أو رصيدها السياسي إذا سارت الأمور في طريق التعاون ومن ورائها أطراف إقليمية مثل إيران ودول أخرى.
أما الحقائق الاقتصادية فتقول إن الأطراف الاقتصادية لا يهمها من أين تحصل على أفضل التسهيلات التجارية والبنية التحتية والرسوم الملائمة، مثلما تختار شركة ألمانية استخدام ميناء سواء كان في ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا.
إذا تمت تسوية الخلافات بين العراق والكويت بشأن تطوير الموانئ فإن التجار سيختارون أسهل الإجراءات والقواعد والشروط وأقل الرسوم التي يتوجب دفعها مقابل خدمات الاستيراد والتصدير.
وتنقسم الآراء بشأن واقعية آفاق ميناء الفاو الكبير الذي يسير تنفيذه ببطء شديد، رغم أن المشروع يشير إلى طاقة استيعاب تصل إلى 99 مليون طن سنويا وعشرات الأرصفة ومنشآت التخزين ومشاريع لتكرير النفط وصناعة البتروكيمياويات.
الجدوى الوحيدة لرهان الكويت على ميناء مبارك الكبير هي خدمة العراق وما وراءه من أسواق أخرى
لكن منشآت ميناء مبارك الكبير على الساحل الشرقي لجزيرة بوبيان يمكن أن تضغط على الممر العراقي الضيق على الخليج، ولذلك فإن التعاون والتكامل يمكن أن يخدما البلدين لو تم الإنصات إلى المصالح الاقتصادية فقط وتغليبها على الشعارات السياسية.
لو تم استطلاع آراء الأوساط الاقتصادية فإن إنشاء منطقة تجارة حرة تجمع البلدين سيكون الخيار المثالي، رغم أنه قد لا يروق لمواقف بعض الأطراف السياسية. وتشير دراسات كثيرة منذ عقود إلى تطوير منشآت موانئ استراتيجية في أقصى شمال الخليج يمكن أن يخلق شريانا تجاريا عالميا يربط الشرق بالغرب من خلال شبكات طرق وسكك حديد تنقل البضائع بين الدول الآسيوية والأوروبية عبر تركيا وربما سوريا أيضا.
وتشير تقارير الحكومة العراقية إلى إكمال الكثير من المشاريع في ميناء الفاو الكبير وقرب انطلاق أعمال حفر حوض الميناء، رغم أن الحكومة العراقية لم تخصص في موازنة العام الحالي سوى نحو 340 مليون دولار لتلك الأعمال أي ما يعادل 10 بالمئة من المبالغ المطلوبة لإنجازه.
ويتحدث مسؤولون عراقيون عن مناقصات لجذب شركات للاستثمار في البنية التحتية مقابل المشاركة في إدارتها وعوائدها في عقود طويلة الأجل، لكن تفشي الفساد وصعوبة مناخ الأعمال في العراق يمكن أن يعرقلا مثل تلك المشاريع.
ويملك العراق 5 موانئ تجارية مرتبطة بالخليج هي أم قصر الشمالي وأم قصر الجنوبي وخور الزبير وأبو فلوس والمعقل. لكن ميناء الفاو الكبير يشكل نقلة نوعية كبرى بسبب موقعه الاستراتيجي ومدخله إلى مياه الخليج العميقة، التي تسمح باستقبال السفن الكبيرة.
ويرى محللون أن التعاون في تطوير الموانئ بين العراق والكويت سيواجه الكثير من العقبات في ظل إصرار أطراف عراقية على الاستئثار بآفاق الممر التجاري الاستراتيجي ومحاولة الكويت فرض مشاركتها فيه بطريقة توحي بمحاولة عرقلته إذا لم تحصل على نصيب فيه.
3 زوبعة العريبي الحقوقية المضللة تعزز منهجية البحرين القائمة على مكافحة الإرهاب وإيقاف التسييس الرياضي منى علي المطوع
الوطن البحرينية
أمام بدء العد التنازلي لاستضافة مملكة البحرين لسباق الفورمولا 1 تحت عنوان «موطن رياضة السيارات للشرق الأوسط»، والذي سيكون في الفترة من 28 إلى 31 مارس المقبل، وبالطبع الجولة الافتتاحية لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا ستكون في أستراليا بتاريخ 17 مارس فيما سيختتم الموسم في أبوظبي في الأول من ديسمبر المقبل، ليس مستغرباً أن نرى الحملات الحقوقية والإعلامية المضللة من قبل أعداء شرعية وعروبة مملكة البحرين تزداد وتيرتها طيلة الفترة الماضية أملاً في أن تنجح يوماً مساعيهم في إلغاء السباق وتشويه سمعة البحرين الرياضية.
فإن قطع مشروع هندسة الدولة الإرهابية داخل مملكة البحرين بما يشبه ما حدث في لبنان «تأسيس دولة داخل دولة»، وإن فشل مشروع اختطاف عروبة البحرين وجعلها تابعة لنظام طهران الجائر مثلما فعلوا في العراق، وإن قبر مشروع الدولة الطائفية الدموية التي ترتكب فيها إبادة المكونات الأخرى من المجتمع، بالأخص أصحاب المذهب السني كما حدث في سوريا ولبنان والعراق والأحواز، وإن الحملات الإعلامية والحقوقية ومحاولة الضغط على مملكة البحرين حقوقياً، لم يتوقف ولن يتوقف أبداً، فادعاءات وجود ملفات تعذيب واضطهاد تخل بمبادئ حقوق الإنسان في مملكة البحرين سيناريوهات تشبّع منها الرأي العام الخليجي والعربي، ففي كل مرة يعمد عملاء إيران والإعلام القطري الإيراني الهوى إلى إثارة زوبعة حول ملفات الإرهابيين الذين عاثوا في البحرين فساداً وإرهاباً خلال أكبر أزمة أمنية تواجهها في عام 2011، وهذا ما يفسر الزوبعة الكبيرة المثارة بشأن الإرهابي حكيم العريبي وعلي الشويخ الأخيرة والتي أخذت هالة من الانتشار والتضخيم المبالغ فيه، رغم أن العنوان الحقيقي لقضيتهما معروف ولا توجد دولة واحدة في العالم بإمكان أي مواطن فيها أن يقوم بما قاما فيه من إرهاب واعتداء على سلامة الآخرين ولا تتخذ إجراءات قانونية تحفظ السلم الأهلي والأمني.
لاعب كرة القدم الإرهابي حكيم العريبي المتورط في عدة قضايا إرهابية تمثلت في إشعال حريق متعمّد وحيازة عبوات قابلة للاشتعال وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة في عام 2012 ومهاجمة مركز للشرطة في عام 2014، دعا إلى مقاطعة سباق الفورمولا1 في مملكة البحرين هذا العام، مدعياً أن ذلك يأتي كنوع من ممارسة الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان، حيث دعا مجتمع كرة القدم في فيفا واللجنة الأولمبية الدولية إلى التصعيد ضد الظلم الحاصل كما يدعي، كما أنه ذكر في عدة تصاريح صحافية أنه مستهدف من قبل السلطات البحرينية لأسباب سياسية!!
إن كان هناك أمر يخدم ملف مملكة البحرين في حربها على الأرهاب ويوضح ويفسر أسباب استهدافها حقوقياً ورياضياً، فهو بالتأكيد تصريح العريبي الأخير هذا الذي يؤكد أسباب كل ما قام به من إثارة إعلامية وحقوقية رخيصة جداً، فدعواته بشأن مقاطعة الفورمولا1 هي العنوان الحقيقي لأسباب إثارة ملفه دولياً وبشكل بالغ الاهتمام، وكأنه أضحى بطلاً مجتمعياً، في حين أن قضيته لا تتعدى كونه إرهابياً فاراً من العدالة وجلسات المحاكم وأحكام القضاء البحريني النزيه، ويطلب اللجوء السياسي هرباً من محاكمته والإفلات من تسديد دينه فيما فعله من جرم في مملكة البحرين من الإخلال بالأمن وتهديد سلامة المواطنين والمقيمين ومهاجمة الناس بالعبوات الحارقة، وكلها أمور بالأصل تنتهك حقوق الإنسان والأمن والأمان الذي يعد هرم الاستقرار بأي دولة في العالم!
العريبي الذي يدعي أن السلطات في مملكة البحرين تستهدفه، هو من استهدفها بالأصل عندما قام بمهاجمة مركز شرطة ورمي زجاجات حارقة على الأبرياء وحرق ممتلكات عامة وخاصة، ولو في دولة أخرى من الدول الديمقراطية الكبيرة كإحدى الدول الأوروبية أو أمريكا قام فيها العريبي بما قام به في مملكة البحرين، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولما سمعنا له حساً بالأصل، ولتجنبت العديد من الدول بما فيها من مراكز إعلامية وحقوقية حتى احتضانه وإيواءه كلاجئ، فالعالم أجمع كله رأى كيف يتعامل الأمن الأوروبي والأمريكي مع أولئك الذين حاولوا ضرب الأمن والسلم الأهلي وتجاوز النظام والتعامل المباشر والفوري في نفس الوقت مع أي شخص حتى لو كان متظاهراً ومطالبه لا تتعدى كونها مطالب معيشية أو احتياجاته على مسائل تتعلق بالمواطنين، فحقوق الإنسان هناك تقف وتتلاشى عندما تتعدى الممارسات في حرية التعبير والرأي لتتحول إلى أعمال تخريبية وإرهابية، فما بالكم بإرهابي يتعدى على المواطنين ورجال الأمن في مملكة البحرين ويسعى لقتلهم حرقاً بزجاجات حارقة، ثم يتباكى أمام دول العالم بمظلومية المطالبة بعدم تطبيق المحاكمة العادلة بحقه؟!!
العريبي الذي يحاول اليوم الإساءة إلى الرياضة البحرينية، ليس في مجال كرة القدم فحسب، إنما أيضاً جنّد نفسه للإساءة للرياضة البحرينية في كافة مجالاتها، بما فيها سباقات السيارات. ومن يتتبع بالأصل الواقع ويحلل طيلة السنوات التي جرى فيها تنظيم سباق الفورمولا1 في مملكة البحرين، سيجد أن هذا السباق الدولي الذي يقام على أرض مملكة البحرين لاقى نجاحاً كبيراً منقطع النظير، والذي ساهم في إنعاش الاقتصاد والسياحة في مملكة البحرين عبر أكثر من 14 سنة ولفت أنظار العالم حول تجربة البحرين في المحافل الرياضية ومجال سباقات السيارات، حيث نجاحه في كل سنة يكون نجاحاً تصاعدياً يقفز بأرقام الأرباح إلى مستويات أعلى من السنين السابقة. فوفق تقرير نشرته وكالة أنباء البحرين في عام 2017 أن سباق الفورمولا سجل حضوراً جماهيرياً كبيراً ليسجل رقماً قياسياً قارب المائة ألف بعد أن كان قرابة الـ85 ألفاً في البطولة السابقة، كما حظي السباق بحضور أكثر من 520 إعلامياً من مختلف وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحلية والعالمية لتغطية هذا السباق الذي يعد ثالث أكبر بطولة رياضية على مستوى العالم ويحظى بمتابعة مئات الملايين.
وبلغة الأرقام، فإن مبيعات شركة حلبة البحرين الدولية منذ عام 2006 وحتى 31 مارس 2015، بلغت 75.963 مليون دينار. وسجلت أصول شركة حلبة البحرين الدولية في 31 مارس 2015 ارتفاعاً ملحوظاً حتى بلغت أصول الشركة 104.332 مليون دينار بعد أن كانت 94.992 مليون دينار في 2012. وزادت تذاكر السباق بنسبة 3% في 2017 مقارنة بالعام الماضي، كما تم بيع جميع قاعات الشركات، كما زادت حجوزات غرف الفنادق بأكثر من 22% مقارنة بالعام الماضي 2016، وكل هذه الأرقام حقائق تفسر أسباب استهداف عملاء تنظيم الحمدين في قطر وإيران لسباق الفورمولا1 في مملكة البحرين، والذين حاولوا عبر كل تلك السنين إفشاله وعرقله نجاحه وتنفير السياح والزوار وإشاعة وجود اضطرابات أمنية في مملكة البحرين وإظهار البحرين كبلد غير مستقر أمنياً وبلد للعصابات الإرهابية وقطاع الطرق، أملاً في أن يسهم كل ذلك في خروج البحرين من الدول التي تنظم السباق خلال موسم الفورمولا1 وفي إلغائه.
فلا يمكن إغفال الأعمال الإرهابية التخريبية التي تبدأ وتنطلق مع اقتراب كل موسم للفورمولا1. ففي أبريل 2013 قامت خلايا إرهابية نائمة تتبع عصابات حزب الله في لبنان والحرس الثوري في إيران بسلسلة من الأعمال الإرهابية والتخريبية، كما كشف رئيس الأمن العام اللواء طارق الحسن عن إحباط وزارة الداخلية البحرينية لعدد من المخططات الإرهابية، حيث قامت «الداخلية» بخطوات أمنية استباقية استهدفت اقتلاع كل مخازن الأسلحة والمتفجرات التي أريد استخدامها خلال فترة السباق، حيث تم ضبط مخزن للأسلحة بالدراز وألف قنبلة مولوتوف معدة للاستخدام، وقامت «الداخلية» بمضاعفة الجهود الأمنية عبر نشر قوات الأمن براً وبحراً نشراً واسعاً ومشاركة 8000 من الضباط والأفراد في تأمين عمليات السباق في مختلف مناطق مملكة البحرين، وهو أمر يعكس مدى يقظة الأجهزة الأمنية التي تحبط دائماً المخططات القطرية الإيرانية التي تستهدف ضرب اقتصاد وتنمية مملكة البحرين وتعزز نجاحاتها الكبيرة في المحافل الرياضية الرائدة، ورغم محاولات عملاء إيران وقتها القيام بأعمال إرهابية تستهدف حياة رجال الأمن وتعطيل الحياة العامة في مملكة البحرين وتفخيخ المناطق بالقنابل الوهمية، حيث تم ضبط أكثر من 1000 قنبلة مولوتوف جاهزة للاستخدام و19 قنبلة وهمية و3 معدة للاستخدام تمت زراعتها في مناطق مختلفة، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من خلال عمليات المسح والتفتيش الوقائي من إبطال مفعولها، كما تم إيقاف فتاتين عند بوابات دخول الجمهور كانتا تستهدفان تنفيذ عمل إرهابي في موقع السباق، والقبض على مجموعات تخريبية قامت بإلقاء زجاجات حارقة على دوريات الشرطة. ومن ضمن العمليات النوعية التي شهدتها تلك الفترة تفجير صراف آلي لفرع أحد البنوك في منطقة سند، وتفجير أحد مراكز الخدمة التابع لإحدى الشركات المالية بضاحية السيف باستخدام قنبلة محلية الصنع، الذي أدى إلى إتلاف البوابة الرئيسة للصراف الآلي، كما تم القبض على أحد المتورطين بتفجير سيارة بالقرب من المرفأ المالي، وكلها عمليات إرهابية تكشف مدى العدائية التي يحملها عملاء تنظيم الحمدين في قطر وإيران لأجل استهداف الاقتصاد البحريني واستغلال مناسبة الفورمولا1 كأكبر حدث رياضي يتم على مستوى المنطقة، في ترسيخ صورة مشوهة عن أمن واستقرار مملكة البحرين كبلد يستضيف حدثاً رياضياً هاماً، وإطلاع السياح والزوار على هذه العمليات الإرهابية المخلة بالأمن لأجل تنفيرهم من معاودة زيارة مملكة البحرين، إلى جانب تنفير رؤوس الأموال والمستثمرين وأصحاب المصارف والشركات المالية.
الدعوات التي تخرج اليوم لأجل مقاطعة سباق الفورمولا1 المقبل، هي ليست مستغربة ومن الممكن إدراجها تحت عنوان «مقاطعات إذا عرف السبب بطل العجب»، بل المستغرب ألا نرى حراكاً لعملاء تنظيم الحمدين في قطر وإيران أمام النجاحات والقفزات الكبيرة التي حققها الفورمولا1، ليؤكد مدى نجاح البحرين الكبير على كافة الأعمال الإرهابية التي لم تستطع لي ذراع الدولة أمنياً واقتصادياً وسياحياً.
ألم تخرج مجموعات إرهابية في عام 2012 بدعوات إلى تنظيم أعمال إرهابية مخلة بالنظام تحت عنوان «ثلاثة أيام غضب» على أمل إثارة الترويع والخوف للمشاركين في سباق الفورمولا من فرق رياضية وجمهور والتسبب بإلغائه، أمام القيام قبلها بعمليات تفجير إرهابية في موقف سيارات بشارع المعارض وإحراق سيارة على الساحل البحري بمنطقة الفاتح وتفجير أسطوانة غاز في البلاد القديم أدت إلى إصابة أم وطفلها؟ ورغم ذلك نجح سباق الفورمولا1 نجاحاً منقطع النظير ولم تؤثر هذه الأعمال على مجريات السباق!
المضحك أن العريبي يقول «إن الرياضة والسياسة لا تمتزجان»، في موقف متناقض وغريب منه، فأمثال العريبي الذين نسوا الأخلاق الرياضية وأن يكونوا خير سفراء للرياضة أمام دول العالم وأساؤوا لأوطانهم، باتوا عبر التاريخ وصمة عار في تاريخ الرياضة ونقطة سوداء ترمز إلى الخيانة العظمى للدولة لصالح دول خارجية، وانخرطوا في مشاريع إرهابية ضد الدولة وهددوا حياة وسلامة الآخرين وهم آخر من يتكلمون بالأصل عن مسألة خلط الرياضة بالسياسة وإقحام الإرهاب ومحاربة تنفيذ العدالة في نشاطه الرياضي! العريبي أحد من يدعمون حراك الجماعات الإرهابية في مملكة البحرين بالأصل للتسبب بترويع الناس وتعزيز صورة سلبية عن أمن واستقرار مملكة البحرين، وهو أحد من يتبنون مشروع تسييس الرياضة البحرينية لأجل خدمة أجندة خارجية معادية لسيادة مملكة البحرين، رغم كل ما قدمته له الدولة من خدمات ومزايا ودعم كمواطن وكأحد اللاعبين الرياضيين البحرينيين، والعريبي أحد أبزر النماذج بالأصل لمن يخالفون النظام الدولي لا النظام البحريني فحسب الذي يدعو إلى التسامح والسلام العالمي ونبذ الإرهاب والتطرف ودعم حقوق الإنسان والطفل، «ألم تخرج جماعات تخريبية قامت بممارسة العديد من الأعمال الإرهابية داخل المدارس في مملكة البحرين خلال فترة الفورمولا1 عام 2013، مما يعكس مدى دناءة عملاء إيران الذين وصل الأمر بهم إلى تجنيد الأطفال وتغرير المراهقين، دون مراعاة حقوق الطفل والإنسان؟!».
هل رأيتم لاعباً رياضياً في أي دولة بالعالم يتجه لنادٍ رياضي في دولته، ثم بعد التمرين يتجه لحرق ممتلكات عامة وخاصة ورمي زجاجات مولوتوف حارقة أملاً في التسبب بقتل الناس، ثم يخرج بشكل مزرٍ ومضحك ليتهم دولته أنها تخلط الرياضة بالسياسة؟
العريبي يعتقد أن معركته مع النظام البحريني لم تنتهِ، والواقع يقول إن معركته ضد عدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان ورد حقوق الناس التي هدد أمنهم وروعهم بأعماله التخريبية والإرهابية هي التي لم تنتهِ، ونتحدى العريبي أن يقوم بمثل ما قام به في مملكة البحرين من رمي الزجاجات الحارقة وتهديد سلامة الناس في بلد آخر غير مملكة البحرين ثم يخرج بكل وقاحة وصفاقة ليصرح بمثل هذه التصريحات التي تؤكد مقولة «عذر أقبح من ذنب»، فتبرير الإرهاب جريمة أخطر من الإرهاب نفسه!
إن عشاق سباقات الفورمولا1 في كل أنحاء العالم يحتاجون إلى سيادة العدالة والقانون والقضاء على كل من يبررون الأعمال الإرهابية ويدعمون حراك الخلايا الإرهابية التي تستهدف الأبرياء وتستغل المناسبات الرياضية لأجل تنفيذ الأعمال الإرهابية الغادرة وإيذاء أصحاب قطاعات الأعمال الذين لا ذنب لهم في ما يقوم به هؤلاء المتطرفون الخارجون عن القانون، وإن كان العريبي يدعي أنه مستهدف من قبل النظام البحريني كمواطن بحريني بريء لم يرتكب جرماً، فالسؤال هنا، لم العريبي عندما هرب من قطر فر إلى إيران بالذات؟ العريبي يدعي أنه تعرّض لإساءة من قبل النظام البحريني، فيما الحقيقة أن الرياضة البحرينية تعرضت لإساءة بالغة من أمثال العريبي الذين أكدوا بفرارهم إلى إيران تبعيتهم إلى الأجندة الإيرانية التي تستهدف شرعية وعروبة مملكة البحرين، وأنه أحد الذيول الإيرانية في مملكة البحرين التي لا تعرف الولاء ولا المواطنة الصالحة ولا الانتماء إلى أرضها!
إن مملكة البحرين كدولة منضوية تحت مواثيق الأمم المتحدة وفي حربها على الإرهاب وتماشياً مع النظام الدولي الداعي لدعم السلام العالمي ونبذ الإرهاب والتطرف وكل ما من شأنه أن يخل بالأمن الإقليمي والدولي، لها الحق كدولة ذات سيادة مستقلة في تنفيذ جميع الإجراءات القانونية ضد العصابات الإرهابية التي يمولها تنظيم الحمدين في قطر وتدعمها بالتدريب العصابات الإيرانية بالمنطقة، وإننا كرأي عام بحريني نؤكد أن ما قامت به أستراليا في استقبال الإرهابي العريبي أمر غير منصف بالنسبة للشعب البحريني ويثير القلق والتساؤلات بشأن موقف السلطات الأسترالية حول الإرهاب والخلايا الإرهابية التي تمولها إيران، وعدم احترامها لأمر القبض الدولي وقانون الإجراءات الجنائية الصادر بحق العريبي.
يدعي العريبي أن السلطات البحرينية تود قتله، لذا فهو يخشى العودة إلى البحرين، ونحن هنا نتساءل، إن كانت السلطات البحرينية تود قتله كما يدعي، فلم سمحت له بالمشاركة في المسابقات الرياضية رغم تورطه في عمليات إرهابية حتى انتهاء إجراءات محاكمته وفق مبادئ المحاكمات العادلة التي تستند على القواعد الدولية والنصوص الدستورية والتشريعات الوطنية كما ذكرت وزارة الخارجية البحرينية، ورغم أنه وجد من هذه المسابقات الرياضية ومن خلال مشاركته في مباراة لكرة القدم في قطر فرصة للهروب إلى إيران؟
العريبي لم يكتفِ بمحاولة الإفلات مما ارتكبه من جرم وإرهاب، إنما يحاول اليوم أيضاً دعوة المجتمع الدولي إلى إيقاف المحاكمة العادلة بشأن رفقائه في الإرهاب والتخريب في مملكة البحرين، وهي دعوات مرفوضة وتثير العديد من علامات الاستفهام بشأن حقيقة حراك العريبي في دعمه للخلايا الإرهابية في مملكة البحرين وتعطيل تنفيذ العدالة والقانون، فهناك جانب مظلم يدعمه العريبي في التشجيع على الهروب من العدالة والقانون بعد رمي الناس بالزجاجات الحارقة ومحاولة قتلهم وتصفيتهم، فهو يدعم الجانب الإرهابي المظلم في مملكة البحرين وبنفس الوقت يزور حقيقته كإرهابي محاولاً بيان أنه بطل سياسي صاحب قضية رأي عام، فيما الحقيقة أن العريبي لا يتعدى كونه إرهابياً هارباً من العدالة، والدليل أن الرأي العام البحريني لم يحرك ساكناً تجاه قضيته ولم تخرج أي منظمة حقوقية أو جمعية سياسية في مملكة البحرين للمطالبة بإعادة النظر في قضيته، لأن العريبي وأمثاله تصنيفه ومسماه الحقيقي إرهابي هارب من العدالة بعد فشل المشروع القطري الإيراني في البحرين.
محاولات تصعيد قضية العريبي اليائسة والفاشلة والقيام بإنتاج فيلم انيمشن توثيقي عن سيرته المظلمة، كلها خطوات تعكس فشل عملاء تنظيم الحمدين وقطر في إثارة زوبعة عالمية، أملاً في انعكاسها على سمعة الرياضة البحرينية والأمنية، ويبدو أن عملاء تنظيم الحمدين في قطر يطمحون لسحب البساط من الرياضة البحرينية التي تعتبر لها الريادة على المستوى الخليجي، وفشل مخططاتهم طيلة السنوات الماضية لا بد أنه أوصل لهم فكرة أنه لا العريبي ولا أمثالهم قادرون على هز شعرة واحدة من النجاح المتواصل للرياضة البحرينية سواء في مجال سباقات السيارات أو غيرها، والبحرين ستظل دائماً عصية على أي محاولات لاختراق الأمن فيها واستهداف سياحها وزوارها خلال المواسم والمحافل الرياضية الدولية، وأنها ستستمر ثابتة كدولة ذات سيادة في تطبيق القانون والنظام وإجراء المحاكمات العادلة التي تعزز حقوق الإنسان وحفظ الأرواح والممتلكات العامة والخاصة واقتلاع أنشطة الخلايا الإرهابية من أرضها.
4 افهموا العراق كما هو
خالد حسين الشطي
الجريدة الكويتية
يبني علماء الاجتماع ويمضي الفلاسفة والحكماء على أن للأمم والشعوب أرواحاً، وللبلدان والأوطان سمات وخصالاً، تخلق لها شخصيات وتظهر في كيانات معنوية أقرب إلى الروحيات، ولا سيما الموغلة منها في الحضارة والعراقة، فكيف بمن استل اسمه منها واندكّ وجوده واضمحل فيها، حتى عاد رمزاً لها وعنواناً؟
وأمام العراق، لا بد من حكمة في التعاطي وعمق في الفهم، وبُعد عن المكابرة ونأي عن الارتجال… وأول ما يلوح لك هنا من روح العراق وشخصيته، هو هويته، القبول بها نزولاً على الحق وإيماناً به، أو الإذعان والتسليم لها مجاراة للواقع وأخذاً بالأسباب.
الهوية التي صبغته، واضطرت كلَّ حكّامه لمراعاتها وحملتهم على التماهي معها، إما إخلاصاً وصدقاً أو كُرهاً واحتيالاً، من خلفاء بني العباس الذين ادَّعوا الدخول في أهل البيت ووظفوا نسبهم الهاشمي لذلك، حتى المغول أنفسهم والإليخانيين ثم الصفويين، الذين اندكوا في الهوية وتطابقوا معها، وانتهاء بملوك الحجاز «الهاشميين» فيصل وغازي (أما العثمانيون فلم يكونوا حكاماً للعراق بقدر ما كانوا استعماراً عاماً للمنطقة والبلاد العربية ككل)… كلهم انطلقوا من أن العراق هو عراق المقدسات وعراق التشيّع لآل محمد، الذي يحمل من التمدن والتحضر والزخم العاطفي وسعة الصدر ما يطيق تعدد المذاهب ويفسح لجميع الفرق الإسلامية، بل يسع الأديان الأخرى من مسيحية ويهودية وصابئة ويرحب بها.
الوحيد الذي تعالى على هوية العراق وازدراها هو صدام. ولم يكتف بذلك حتى عمد لمسخها وسعى إلى تغييرها في عمليات ديمغرافية نوعية، تعيد التركيبة السكانية وتقلبها، بما يزيل الهوية التاريخية للعراق منذ ظهور الإسلام! فكان كمن يردم بحراً بل محيطاً بمجرفة، ويهدّ جبلاً، بل سلسلة جبال، بمعول! وهذا بالتحديد كان السبب الأعمق والسر الأبعد لسقوط نظامه وهلاكه.
وهنا علينا أن نتوقف، ونهمس في آذان من يهمهم الأمر، ممن شمَّر عن ساعده وأقبل، وكشف عن ساقه وتحزَّم، أن «ائتوا البيوت من أبوابها»… إنَّ الدخول إلى العراق من «البوابة العربية» عبر خطاب يستبطن ملء الفراغ بما يحول دون الامتداد الفارسي، هو المقولة الصدامية والنظرية البعثية بعينها، وهي فلسفة «البوابة الشرقية» التي جرَّت على العراق والمنطقة ما جرَّت.
علينا أن نخرج من «عُقدتنا» ونتعاطى بما يتجاوز محنتنا، ونتفهم الحقائق التاريخية والجغرافية كما هي، ونرى الأمور من خلال ما تفرزه معطيات الساحة ومخرجات الواقع المعيش… وقد يفاجأ جملة من السياسيين، بل القادة العرب، الذين غلبهم الإعلام وأخذهم التلقين، وقُل إن شئت دس الرأس في التراب، من هذا الظهور الصارخ للشعائر الدينية الشيعية، وتصدمهم القدرة على هذه التعبئة المليونية السنوية، والحضور الجماهيري الكاسح، الذي يمسح العراق من أقصاه إلى أدناه براية «الحسين» الحمراء.. ولكن هذا ليس لنا نحن في الكويت، الجيرة الأقرب إلى ضلعي المثلث الذي يعتصرنا: العراق وإيران، بل حتى الضلع الثالث في امتداده الساحلي ومنطقته الشرقية، فنحن نعرف جيداً أن هذه هي الهوية الحقيقية للمنطقة، وهذا هو الواقع الذي عجزت مطحنة الحروب المتلاحقة، وأخفقت السجون والمعتقلات، وعجز الاضطهاد والتنكيل وحتى المقابر الجماعية، وفشلت سياسات التهجير القسري وعمليات التغيير الديمغرافي… عن أن تمسها وتنال منها، بقي العراق كما كان، بل ازداد تألقاً وإشراقاً.
وهذه هي الرؤية والسياسة التي كانت تحملها دولة الكويت، قبل التوغل التكفيري، ونماء التيار الديني، والسقوط في هاوية التطرف، الذي أنزل بالبعض لوثة عقلية وألحق بآخرين العمى والصمم! ولو عدنا لأرشيف علاقتنا بالعراق، لطالعتنا أول ما طالعتنا صور حكام الكويت ورجالاتها في زيارات للعتبات المقدسة. ومما علينا فهمه واستيعابه، أن عبدالله أو صباح السالم لم يذهبا لزيارة العتبات المقدسة من فراغ، ولم يحملا الهدايا والقربات من تشيُّع لعليّ أو ولاء للحسين! بل من فهم وتعاطٍ استراتيجي، وحكمة تفرض تجاوز التعصب المذهبي والحقد التكفيري، والنظر في مصلحة الكويت قبل كل شيء، التي تفرض احترام الجار، وأولى مراتب الاحترام هي النزول على هويته والاعتراف بشخصيته. ولو كان العراقيون الحقيقيون يملكون أمرهم، وكانت أيديهم مبسوطة، وكان الاضطهاد عنهم محسوراً، لما كانت مطالبات عبدالكريم قاسم لتكون، ولا حادثة «الصامتة» لتقع، ولا كان الغزو الصدامي ليجري، لكنها الأيدي التي غيَّبت الشعب، وراحت تغذيه عبر إعلام شمولي، صوَّر لها ما شاءت، وساقها نحو ما أرادت.
العراقيون كرماء، بل في صدارة العرب كرماً دون منازع، وعاطفيون لقلوب ملأها حب أهل البيت ومعايشة ظلاماتهم، تتفوق فيهم الأريحية ويغلبهم الحياء، ولا يهزمهم شيء ويُشعرهم بالعجز إلا الإحسان. وهم متسامحون في كل شيء، إلا في هويتهم وكرامتهم، ومذهبهم أمر في صميم هويتهم، فالعراق عندهم لا يُذكر إلا مضافاً إليه المقدسات، إنه عراق المقدسات، عراق العتبات، عراق علي والحسين، من سامراء الى النجف وكربلاء، وفي القلب بغداد، رايات رفعتها سواعد فتية آمنوا بربهم، وسقيت بأنهار من دمائهم، والرجال لا يتخلون عن راياتهم.
في رأيي المتواضع أننا تأخرنا كثيراً في الانفتاح على العراق، وإن كان العذر في عدم الاستقرار، فإن أبواب التدخل في الحقل الاجتماعي، الرافد الأصلي للميدان السياسي، كانت مشرعة، ولا سيما عن طريق المرجعية الشيعية التي كانت وما زالت منفتحة على الكويت بشكل كبير، ويبدو أنها حفظت لها عدم تلوثها المباشر بملف الإرهاب، وعدم تدخّلها بما يفتت الساحة ويعقِّدها ويزيد من تأجيج الصراعات فيها.
عموماً، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً… لكن علينا أن نعرف من أي الأبواب ندخل، وكيف عسانا أن نكسب هذا الشعب، فهو الثروة الحقيقية، قبل الصفقات وتكوين الأسواق التجارية وخلق التكامل الاقتصادي الذي يولد حرصاً متبادلاً يبعث على الاستقرار، فإن الضمانة الأولى والأخيرة هي بناء سد من الرفاهية والنعيم الذي يجب أن يعيشه العراقي (ولا سيما في جنوبه)، مما يجعله يزهد في الهجرة إلى الكويت، ناهيك بغزوها واحتلالها.
5 تكتيك إيراني آخر يفشل في العراق عدنان حسين
الشرق الاوسط السعودية
تراجعت في الأسبوعين الأخيرين حدّة حملة إيرانية انخرطت فيها أطراف عراقية ظلّت تدعو إلى السحب العاجل لقوات التحالف العاملة في العراق، في إطار الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي. أهم مغزى لهذا التراجع فشل تكتيك آخر في سياق سياسة إيرانية مقصودة على هذا الصعيد.
في الأساس، ما كانت رصينة ولا واقعية الأطروحة التي تقدّم بها البعض من أعضاء مجلس النواب العراقي وقوى سياسية إسلامية عُرِفت بخطابها الشعبوي وبتناغمها مع السياسة الإيرانية الخارجية، وهم يضغطون لاستصدار قرار أو تشريع بأن وجود قوات التحالف الدولي في العراق – الأميركية خاصة – لم يعد لازماً أو مرغوباً فيه، ويتوجب بالتالي إنهاؤه فوراً أو بعد حين قصير، رغم استمرار تهديد التنظيم الإرهابي، بل عملياته القاتلة والمزعزعة للأمن الوطني في مناطق عدة متفرقة.
الأطروحة استندت إلى عنصر وحيد هو السيادة الوطنية، وهذا بالمقارنة مع عناصر أخرى ضعيفة، لذا لم تلق الأطروحة التأييد الكافي الذي ابتغاه أصحاب الحملة في الأوساط الشعبية خصوصاً، فلم تتحوّل إلى قضية رأي عام ضاغطة، ذلك أن العراقيين مشغولون بأشياء أخرى تتّصل بحياتهم اليومية ومتطلباتها وأمنهم، ومن أجلها نظّموا حركات احتجاجية عاصفة في السنوات الأخيرة غيّرت بعضاً من قواعد اللعبة في العملية السياسية. من أهم هذه الشواغل نظام الخدمات العامة المنهار والحال المعيشية المتردية التي يعكسها ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، وتفشّي الفساد الإداري والمالي الذي «يشفط» ما يزيد على نصف تخصيصات الموازنات العامة ليضعها في أرصدة البيروقراطيين الفاسدين المتراوحة مناصبهم بين رئاسات الإدارات العليا وقيادات الإدارات المتوسطة، فلا يبقى للناس العاملين في ميادين الإنتاج، النفط والزراعة والصناعة والخدمات، غير الفتات الذي لم يزل مئات الآلاف من العراقيين يجمعونه من مكبّات القمامة في المدن رغم بحر النفط الذي تعوم فيه بلادهم.
وبجانب هذا فإن السيادة الوطنية لم تكن مما يمكن أن يستفزّ العراقيين ويستنهضهم إلى درجة الثورة، فعلى مدى عقود اختفى كل أثر لها تقريباً، منذ إعلان الحرب على إيران ومواجهة الخسارة الجسيمة فيها، ثم باحتلال الكويت وما نجم عنه، وعن حرب إيران من كارثة وطنية شاملة أدّت إلى موت وأسر وفقدان أكثر من مليون عراقي وإهدار كرامتهم، فضلاً عن خروج أراض لهم ومصادر ثروة وطنية، بينها نصف شط العرب ومناطق حدودية واسعة، من السيادة الوطنية، وإذلال الدولة العراقية وجيشها والشعب العراقي بفرض عقوبات اقتصادية قاسية للغاية دفعت بكثير منهم إلى بيع حتى أبواب بيوتهم ونوافذها، وهجرة الملايين منهم إلى الخارج، وهي حلقة جهنمية استكملت بحرب إسقاط نظام صدام 2003، وإحلال طبقة سياسية فاسدة إدارياً ومالياً محله تدير البلاد الآن على نحو لم يقلّ مأساوية عن إدارة نظام صدام.
والآن فإن سيادة العراق الوطنية ليست في حصن مكين تحت حكم أصحاب الصوت العالي، فهي مُنتهكة على مدار الساعة من إيران وتركيا، فضلاً عن الولايات المتحدة وغيرها.
ليس هذا هو السبب الوحيد لعدم ملاقاة الحملة ضد القوات الأميركية التأييد من الرأي العام العراقي، فالعراقيون يعرفون أن الحملة مدفوعة الثمن سلفاً، سياسياً ومالياً، لصالح جهة إقليمية منخرطة في صراع مع الولايات المتحدة على النفوذ في العراق ومنطقة الشرق العربي كلها، هي إيران، وأنه ما من مصلحة للعراق الآن في إنهاء وجود قوات التحالف التي جاءت لردّ خطر الإرهاب «الداعشي» على أعقابه، وهو ما حصل بطلب من الحكومة العراقية، استناداً إلى اتفاقية رسمية موقّعة بين حكومتي البلدين.
والعراقيون لم يغب عن بالهم أن هذا الإلحاف في الدعوة لسحب القوات يمكن أن يؤول إلى ما انتهى إليه سيناريو مماثل في 2011 عندما أنهت حكومة نوري المالكي وجود قوات التحالف رغم الاتفاقية، لتفتح أبواب العراق أمام أكثر الجماعات الإرهابية تطرفاً، تنظيم داعش الذي أقام دولته المزعومة على امتداد ثلث مساحة العراق من مناطق الحدود مع تركيا وسوريا إلى مشارف العاصمة بغداد والحدود الشرقية مع إيران التي كانت هي أيضا، كما النظام السوري وتركيا، ممن ساعدوا في تمكين «داعش» من السيطرة بدعوى مواجهة الاحتلال الأميركي، وهو ما تطلّب من العراق شنّ حرب مهلكة ومدمرة لمدة زادت على الأربع سنوات لم تنته أو تتلاش أخطارها إلى اليوم في الواقع، فمجاميع مسلّحة من «داعش» لم تزل تتحرك داخل الأراضي العراقية وعبر الحدود مع سوريا، مهددة بالسيطرة من جديد على بعض المواقع وإلحاق خسائر بالمدنيين والقوات العسكرية والأمنية، وبغداد لم تزل تعتبر «داعش» مصدر الخطر الأول للأمن الوطني والمهدّد الرئيسي للسيادة والاستقلال الوطنيين.
إيران والجماعات السياسية والميليشياوية التابعة لها في العراق استخدمت على الدوام قضية وجود القوات الأميركية ورقة للضغط والابتزاز، من دون اعتبار لمصالح العراق الوطنية. هذا بالضبط ما يدركه الرأي العام العراقي الآن أكثر من السابق، وهو ما يفسّر عدم سريان حمى الحملة المطالبة بالانسحاب من دوائر هذه الجماعات إلى الأوساط الشعبية، وهذا تطور مهم في الوعي الشعبي العراقي سيكون من الخطأ الجسيم عدم الاكتراث به.
6 الضلع الناقص في إشكالية عودة إرهابيي داعش لأوروبا هيثم العايدي
الوطن العمانية
منذ تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي والتي قال فيها إنه يتعين على بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة أكثر من 800 من مسلحي تنظيم داعش والذين هم تحديدا في قبضة مقاتلي مايسمى قوات سوريا الديمقراطية في سوريا مشيرا إلى أن الولايات المتحدة قد تضطر لإطلاق سراح هؤلاء الإرهابيين تصاعدت مخاوف أوروبا لتضع حكوماتها عددا من السيناريوهات للتعامل مع الموقف غير أن كل هذه السيناريوهات ينقصها ضلع أساسي يتمثل في المؤسسات القضائية والأمنية السورية التي لها الحق في التعامل بالقانون مع هؤلاء الإرهابيون لما ارتكبوه على أرض الدولة السورية.
فيبدو أن الرهان على ثبات الوضع السوري واستمرار دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية جعل أوروبا تدير ظهرها لمشكلة مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية قبل أن يفاجأ الأوروبيين بتغيرات الموقف الأميركي ليبدأوا في دراسة آليات التعامل مع هذه القضية.
ومن ضمن هذه الآليات إيجاد أدلة مقبولة وكافية لمحاكمتهم أو آليات ما يسمى إعادة دمج الأفراد المتطرفين للغاية والعنيفين أحيانًا من جديد في المجتمع ما إن يمضوا مدة عقوبتهم هذا بالإضافة إلى الأعباء الملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية لتقييم مدى خطورة هؤلاء العائدين أو تعقبهم ومراقبتهم خاصة وأن الكثير من مرتكبي الحوادث الإرهابية في أوروبا هم من هؤلاء العائدين والذين تم تصنيفهم على أنهم من ذوي الخطورة المنخفضة.
كذلك فإنه وبالنظر على اللقاءات الإعلامية مع كثير من الأوروبيين الذين شاركوا في القتال في سوريا والعراق وكثير منهم من النساء يزعمون أنهم لم يشاركوا في القتال وأحدثهم البريطانية شيماء بيجوم التي قالت إنها غير نادمة على ما فعلته ولكنها تريد العودة إلى بريطانيا خوفاً على سلامة ابنها الذي لم يولد بعد.
ويقول خبراء إن الادعاءات بأنهم لم يشاركوا في القتال شائعة، ولا يمكن اعتبار النساء بريئات دائماً فبعضهن عملن في الشرطة الشرعية وفي التجنيد.
ومن بين الحلول المطروحة تغيير التشريعات مثل تجريم السفر إلى أماكن القتال أو تحويلهم على المحكمة الجنائية الدولية أو عقد صفقات معهم لتسليم قيادات وأعضاء آخرين متورطين في جرائم أكثر فظاعة.
إلا أن أي من هذه الحلول لم يتطرق إلى حق الدولة السورية نفسها في محاكمة من ارتكبوا جرائم إرهابية على أراضيها، حيث إن هذا الحل يعتبر واقعيا نظرا لوجود الأدلة والتشريعات التي تجعل من هذه المحاكمات أمرا طبيعيا.
وإذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعد الوحيد الذي أقر بهذه الحقيقة، حيث قال إنه يجب محاكمة مقاتلي تنظيم داعش الفرنسيين الذين تم أسرهم في العراق وسوريا في الدول التي يواجهون فيها اتهامات ـ مع قوله إن بلاده ستطلب تحويل عقوبات الإعدام المحتملة إلى أحكام بالسجن مدى الحياة ـ فإن الكثيرين لا يريدون التطرق لهذا الأمر ربما لعدم اكتراثهم بالدعوات التي نبهت منذ بدء الأزمة بأهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، حيث تثبت الأيام أن هذه الدعوات هي الأصدق.