7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 «عرائس داعش» وامتحان القوانين في الديمقراطيات الغربية افتتاحية القدس العربي

يواجه عدد من الحكومات الغربية، وخاصة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وأستراليا، معضلات سياسية وأمنية وقانونية إزاء مئات، وربما آلاف، من مواطنيها الذين سبق أن تطوعوا في صفوف تنظيم «دولة الخلافة الإسلامية» في العراق وسوريا، وهم اليوم يعودون بعد الهزائم العسكرية المتكررة التي تنذر باندحار التنظيم نهائياً. ذلك لأن القوانين المعمول بها في هذه الدول لا تتوفر على نصوص كافية أو ملائمة لمعالجة حالات العائدين في معظمها، أو أنها قاصرة عن تأمين الهياكل الإدارية المأمونة التي تكفل استقبالهم وإبقاءهم تحت رقابة صارمة ريثما يبت القضاء في أوضاعهم، وهذا يفسر لجوء بعض الحكومات الغربية إلى خيار الإلحاح على محاكمة الجهاديين داخل البلدان التي تطوعوا للقتال فيها.
تقارير «المركز الدولي لدراسة التشدد» تقدّر عدد المقاتلين الأجانب في صفوف «الدولة الإسلامية بحوالي 20 ألفا، بينهم خمسة آلاف من أصول غربية، وفي عداد هؤلاء ثمة ما لا يقلّ عن 550 امرأة وما يرتبط بهنّ من أطفال. وهذا يشكل الوجهة الأولى للتعقيد القانوني الذي يكتنف التعامل مع زوجات الجهاديين بصفة خاصة، إذ ما الذي سوف تقوله الأحكام المرعية بخصوص تجريم زوجة لم ترتكب أي جرم باستثناء الزواج من جهادي إرهابي؟ وماذا ستقول الأحكام أيضاً عن أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في عائلة مثل هذه؟
ومن جانب آخر، ليس كافياً بالتأكيد أن تلقي الحكومات الغربية بعبء محاكمة الجهاديين على عاتق الحكومات في العراق وسوريا، فالدولة الأولى تتلمس بالكاد طريقها نحو قضاء كفء وغير فاسد، وأما الدولة الثانية فهي واقعة تحت خمسة احتلالات وعشرات الميليشيات والفصائل الجهادية ونظام تابع مهلهل ومن العبث الحديث فيها عن قضاء وقضاة. ولن يكون كافياً، من جانب ثالث، أن يجري سحب الجنسيات من رعايا تطوعوا للقتال في «تنظيم الدولة»، فكيف بسحبها من نساء وأطفال، وماذا سيكون رأي محاكم النقض والمحاكم العليا والدستورية في الطعون التي سوف تُقدم حتماً ضدّ هذه القرارات؟ ثمّ إذا كانت سلطات هذا البلد أو ذاك قد اجازت لنفسها إسقاط الجنسيات عن مزدوجي الجنسية، فماذا ستفعل في المواطنين الذين لا يحملون سوى الجنسية الأم الوحيدة؟
المنطق يقول إن الخيار الوحيد الملائم لمعالجة هذه المعضلات يتوجب أن يكون قانونياً وحقوقياً وليس سياسياً أو أمنياً، فيحاسب كلّ جهادي على ما اقترفت يداه من جرائم طبقاً لأحكام قوانين العقوبات المعمول بها في الدول الغربية، وهي في نهاية المطاف أنظمة ديمقراطية لها صفة دولة القانون والمؤسسات حيث الاستئناف ضد الأحكام والطعن فيها حقّ مشروع يكفله الدستور. وفي ضوء هذا كله فإن معضلة ما بات يُعرف باسم «عرائس داعش» هي في طليعة الامتحانات العصية التي سوف تجابهها هذه الديمقراطيات، خاصة وأن مضامينها لا تقتصر على السياسة والأمن فقط بل تشمل الأبعاد الإنسانية وانتهاك حقوق الطفل والعائلة وأخذ زوجة بجريرة ما ارتكب زوجها.
وسوى ذلك فإن الديمقراطيات الغربية سوف تعيد ارتكاب المظالم القديمة ذاتها، مضاعفة هذه المرة، فلا تؤدي إلى ما هو أقل من تغذية التشدد وإعادة إنتاج الأسباب التي دفعت الشبان والصبايا إلى الهجرة والتطوع والانخراط في تنظيمات جهادية متطرفة وإرهابية.
2 الإعدامات ودورات الانتقام في العراق هيفاء زنكنة القدس العربي
يتم بين الحين والآخر إطلاق نداءات استغاثة من داخل أحد السجون العراقية لجذب الانتباه الى ما يعانيه السجناء من أوضاع مزرية لا تليق «حتى بالحيوانات» حسب تعبير أحد السجناء الذي تمكن، أخيرا، من ابلاغ رسالته الى مصدر موثوق به، منبها الى نقل اعداد من الاحداث المعتقلين بتهمة الإرهاب، من مدينة الموصل، الى سجن الناصرية سيئ الصيت، لكثرة تنفيذ احكام الإعدام. طالب صاحب الرسالة «ذوي الضمائر الحية» والمجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ حياة الفتيان. يحيلنا هذا النداء وتهمة «الإرهاب» التي وسمت الفتيان، وعلى الاغلب اعترافاتهم، الى تصديق ناقل النداء حسب المعطيات المتوفرة حتى اليوم حول واقع المحاكمات الجائرة التي تتم في العراق، في ظل نظام قضائي يتسم بالعيوب العميقة، حسب تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، الحقوقية، حيث «يُحرم المتهمون، ولاسيما المشتبه في علاقتهم «بالإرهاب»، من حقهم في الحصول على الوقت الكافي والتسهيلات الكافية لإعداد الدفاع، وفي عدم تجريم النفس أو الاعتراف بالذنب، واستجواب شهود الادعاء. وتستمر المحاكم في قبول «الاعترافات» التي تُنتزع تحت وطأة التعذيب كأدلة. وحُكم بالإعدام على العديد من المتهمين الذين أُدينوا إثر محاكمات جائرة».
ولا تكتفي السلطات العراقية بإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المعتقلين بتهمة «الإرهاب»، خاصة، بعد ان شرعنت المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كل أنواع الانتهاكات بحجة محاربة الإرهاب، بل غالبا ما تشمل الاعتقالات المحامين الذين يدافعون عن المتهمين واتهامهم بأنهم أعضاء في التنظيم. ومع حرمان المعتقلين من التواصل مع ذويهم أو العالم الخارجي، عموما، صار من السهل على السلطات العراقية، تنفيذ الإعدامات دون نشر أي أرقام رسمية حول هوية المعتقلين أو جرائمهم أو مشاركة هذه المعلومات مع الجهات الفاعلة الدولية، مكتفية، أحيانا، بإصدار تصريح مقتضب ينص على «تنفيذ حكم الإعدام بعدد من الإرهابيين»، في حال تعرضها لضغط دولي يطالبها باحترام حقوق الانسان، مستهينة بذلك بواحد من أهم حقوق الانسان على الاطلاق وهو حق الحياة الذي تواصل انتهاكه، يوميا، بإعداماتها التي جعلتها تحتل المرتبة الرابعة في اعلى معدلات الإعدام في العالم، بعد إيران، والصين، والسعودية.
يشير فوز العراق بهذه المرتبة «العربية»، الى وجود هوس مرضي يدعى عقوبة الإعدام، ينتشر كما الطفيليات والاعشاب الضارة، بين حكام وساسة البلدان العربية، ولا يوجد في الأفق ما يدل على التخلص منه، إذا ما استمرت حالة الاستبداد السلطوي، واعتبار الشعوب أعداء غير جديرين بالحياة، على وضعها الحالي، ومع ازدياد تنفيذ أحكام الإعدام بأعداد متزايدة من الرجال ولا يستثني النساء، ويمتد، بلا استثناء أيضا، من مصر الى العراق الى المملكة العربية السعودية مرورا بسوريا، ليمنح خارطة الدول العربية لونا قانيا يُزيد من محنة شعوبها وتصاعد الإحساس بالظلم.
الاعدامات، اذن مستمرة وإصدار الاحكام بالإعدام يتزايد، في البلدان العربية وما يجاورها، بسرعة مخيفة تدفع العديد من الناشطين الحقوقيين والقانونيين، الى استخدام مفردات ادانة لم تكن واردة، في قاموسهم اللغوي سابقا، تجاه الحكومات التي حولت العقوبة من حكم نادر الإصدار الى فعل عادي قد يتعرض له أيا كان ولأي سبب كان. اذ يوفر القضاء العراقي، مثلا، للمسؤولين فرصة، لا مثيل لها، لانتقاء التهمة التي يراد منها إنزال عقوبة الإعدام، حيث يسمح بعقوبة الإعدام في نحو 50 ‏جريمة.
فبات من المتعارف عليه في تصريحات ناطقين باسم مجلس حقوق الانسان، بالأمم المتحدة، مثلا، استخدام مفردات على غرار «الإقدام على ‏إعدام الناس بالجملة هو امر بغيض وقذر، وكأنه مسلخ لصناعة اللحوم في مجزرة ‏للحيوانات»، لوصف سلسلة الاعدامات بالعراق و«مسلخ بشري» لوصف التصفيات الجماعية في السجون السورية.
إن اختيار 140 بلدا، من أصل 192 بلدا، عضوا في الأمم المتحدة، التخلي عن عقوبة الإعدام، ليس عبثا، بل ناتج عن دراية واقتناع بأن عقوبة الإعدام هي العقوبة النهائية القاسية واللاإنسانية والمهينة ـ في جميع الحالات بلا استثناء، باعتبارها تشكل انتهاكاً للحق في الحياة نفسه، وان تاريخ البشرية والبحوث ذات العلاقة، أثبتت بما لا يقبل الشك، بان الإعدام ليس رادعا لارتكاب الجرائم بل، غالبا، ما يؤدي الى ولادة جيل يحمل في داخله بذور الانتقام، في حال، اعدام الأبرياء. وهذا ليس مستبعدا إذا ما تم تنفيذ حكم الإعدام، بسبب خلفيات إيديولوجية أو سياسية أكثر من كونه حكمًا للردع. وهو ما نراه بوضوح في العراق. فالقضاء مُسير سياسيا، ينتهشه الفساد، وخاضع كالعبد لمزايدات هستيريا شعبوية الخطاب السياسي مما يساعد على استخدام أحكام الإعدام للترويع والترهيب وكوسيلةٌ لتصفيةٍ وتطهيرٍ عرقيّ تحت مظلة القانون. ففي تموز/ يوليو، مثلا، وفي اعقاب تفجير الكرادة، ببغداد، مثلا، أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي بتنفيذ أحكام الإعدام بشكل فوري في السجون بعد ثلاث ساعات فقط من تفجير الكرادة، وتم اعدام 65 محكوما، كانوا موجودين في السجن عندما تم التفجير الإرهابي.
وبينما يواصل القضاء غير النزيه تنفيذ احكام الإعدام، تقوم السلطات بتغطية الانتهاكات التي ترتكبها أو تتعامى عن ارتكابها، من التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري، ضد المواطنين، بالإعلان عن تشكيل لجان تحقيق. ولم يحدث ونشرت أيا من تلك اللجان، التي يتجاوز عددها المئات، النتائج التي توصلت إليها. وبدلا من ان تقوم السلطة ولجانها بالبحث عن الحقيقة والعثور على الجناة ومحاسبتهم قضائيا، يسارع المسؤولون، تخديرا لمشاعر الغضب الشعبي وتغطية لفشلهم، بتنفيذ احكام اعدام جماعية بمعتقلين، بعضهم موجود في السجن منذ سنوات، بعد أيام من كل تفجير إرهابي.
إذا كان هناك من درس علمنا إياه تاريخ العراق، خاصة، فهو ان تنفيذ أحكام الإعدام لن تحل مشاكل العراق ولن تضع حدا للإرهاب، مهما كان نوعه، بل انه أحد عوائق استعادة اللحمة الاجتماعية والمصالحة، بعد سنوات من تأجج المشاعر وبذر روح الانتقام المستغل سياسيا. أحد الأسئلة التي تستوقفنا عند البحث في عقوبة الإعدام وتعذيب المعتقلين، هو: كيف سيساعد اختطاف فتيان ونقلهم الى سجون، بعيدا، عن ذويهم، تحت طائلة قضاء غير نزيه، معروف بأحكامه الجائرة، الى المصالحة؟
يقول بيتر ماورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر (شباط/فبراير 2019) على وجوب اتباع الإجراءات القضائية وتوفير ظروف احتجاز لائقة تطبق بشكل منصف على جميع المحتجزين بصرف النظر عن الاتهامات الموجهة إليهم أو بلدانهم الأصلية. وإذا كانت السلطات جادة في مكافحة الإرهاب، فيتوجب عليها « الكشف عن مصير العدد الهائل من الأشخاص الذين لا يزالون في عداد المفقودين» الذين تصل أعدادهم مئات الآلاف.
«لقد التقيت في الموصل بعائلاتٍ تبحث عن أحبائهم المفقودين. أخبروني بما يعتصر قلوبهم من آلام يومية بسبب عدم معرفة مصير ذويهم. ولا بد للمجتمع ـ والسلطات العراقية ـ التصدي بشكلٍ مباشر لهذه المشكلات التي تؤجج العواطف».
3 حياة الرايس: أكتبُ لأكون كما أريد لا كما أرادت لي الحياة حنان عقيل العرب بريطانيا
صدرت حديثا للكاتبة التونسية حياة الرايس رواية سيرة ذاتية بعنوان “بغداد وقد انتصف الليل فيها”، وفيها تتعرض لفترة تاريخية هامة من تاريخ العراق تبدأ منذ السبعينات. وعن سبب اختيارها لقالب الرواية السيرية تقول “ليس الشكل الروائي أقل خصوبة من شكل السيرة الذاتية. ليست المشكلة هنا في المحتوى، ولكن التداخل يقع على مستوى الشكل. ورغم أن الرواية فن قائم بذاته والسيرة كذلك فن قائم بذاته إلا أنه كثيرا ما يقع التداخل بينهما، وما يجمع بينهما أكثر مما يفرق. فكلتاهما تنتميان إلى مجال السرد القصصي أو ما يماثله بل وتنطلقان منه لبناء نصوصهما، كما تحتكمان إلى الواقع الراهن أو المستعاد في خلاصة تتماهى مع عرض لموقف ما مما جرى ويجري”.

وتتابع الرايس “تشتبك الشخصية المكتوبة بالضرورة في تدوين خطاطة تقترب من الشهادة. الحقيقة أنني اخترت أن أكتب سيرتي الذاتية أو مرحلة من حياتي في شكل رواية، وقد كنت أستطيع أن أختار شكل القصيدة أو المسرح أو غير ذلك، لأن السيرة ليست حكرا على الرواية. وقد كنت وفيّة لميثاق الناقد المُنظِّر لفن السيرة الذاتية فيليب لوجون ووضعت عهدا بيني وبين القارئ في مقدمة الرواية ينص على أنها رواية سيرة واقعية وشهادة على العصر. إذ هي مذكراتي الجامعية ببغداد، وذكرت كل الأشخاص بأسمائهم وكذلك الأماكن والأحداث، لأنها شهادة على الذات وشهادة على الواقع وعلى العصر، وتأريخ لمرحلة زمنية معينة من تاريخ العراق أواخر السبعينات وبداية الحرب الإيرانية العراقية، ولم أتخفّ وراء أقنعة وأسماء مستعارة والتكلم بضمير الغائب مثلما يفعل بعض الكتاب في التقنية الروائية هروبا من إحراجات خاصّة، مع العلم أنه ليس هناك أدب خال من التخييل”.
العُمق الحضاري

تغوص هذه الرواية في فترة تاريخية مؤثرة من تاريخ العراق منذ السبعينات وأوائل الثمانينات وهي المرحلة التي قضتها الكاتبة في بغداد للدراسة، وتوضح “لحقت حكم أحمد حسن البكر، وعشت مرحلة حكم صدام حسين، كما كتبت عن الحرب العراقية الإيرانية التي عشت تفاصيلها وهولها والدراسة على ضوء الشموع في الملاجئ وقت القصف، على إيقاع صفارات الإنذار وقت الغارات وأزيز الطائرات وصوت المدافع والقنابل”.
وتستطرد الرايس “لا يمكن أن نذكر العراق من غير استخراج عمقه الحضاري والرجوع إلى ينابيع حضارة بلاد الرافدين ومدنه العريقة، مدينة الكوفة مثلا يذكر أغلب الناس تاريخها الإسلامي ولكن قليلا من يعرف تاريخها المسيحي وكنائسها الشهيرة ومعالمها التاريخية قبل الإسلام دون إهمال الحياة الثقافية بأهم أعلامها وكتابها وأدبائها، كما كانت تتميز تلك الفترة باستقطاب الطلبة العرب والأجانب من كل الجنسيات بحيث كانت كليتنا عبارة عن فسيفساء حضارية تلتقي فيها كل الجنسيات من مختلف أنحاء العالم وكأنها مركز الكون. وفي النهاية تعتبر الرواية وثيقة سياسية وثقافية وحضارية واجتماعية وشهادة على العصر بأحداث واقعية وأسماء صريحة ووقائع تاريخية”.
وتوضح “شخصيا لا يحرجني وصف النقاد لكتاباتي بأنها ‘أدب نسوي’ وأن أكون من المدافعات عن قضية المرأة، ومن أشرس المدافعات أيضا، كما دافعت عن عدة قضايا أخرى في كتاباتي، لأن الكاتب الذي ليست له قضية ليس بكاتب وإنما هو يلعب لعبة ترصيف الكلمات، ولكني ألحُّ على أن قضية المرأة عندي قضية مجتمع بالأساس وقضية سياسية أيضا باعتبارها تمس الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين البشر، وليست قضية فرد صادف أنه كان امرأة. وأنا أُصنف ‘كاتبة نسويّة’ ربما لأن أغلب عناوين أعمالي تحيل إلى المرأة مثل مجموعتي القصصية الأولى ‘ليت هندا’ وكتابي الثاني ‘جسد المرأة من سلطة الإنس إلى سلطة الجن’، والثالث ‘سيّدة الأسرار: عشتار’ ثم المجموعة الشعرية ‘أنثى الريح’ وسلسلة قصص الأطفال ‘حكايات فاطمة’”.
شهادة على الذات وشهادة على الواقع شهادة على الذات وشهادة على الواقع
وتقول الكاتبة التونسية “أكتبُ لأكون كما أريد أن أكون لا كما أرادت لي الحياة. أي: أكتبُ لأكونَ حاضرة الآن، ولأبقى حين أغيب. فكتابة الذات إن لم تكن ذات بعد إنساني ينطلق من التجربة الفردية ليمس الإنسان أينما كان وفي أعماقه ووجدانه، فهي غير ذات جدوى سواء كانت بالنسبة للمرأة أو الرجل”، مشيرة إلى أن كتابها المُقبل سيكون الجزء الثاني من رواية السيرة الذاتية المتعلقة بباريس بعد بغداد.
مسيرة إبداعية

بدأت الرايس حياتها الأدبية بكتابة القصة من خلال مجموعتها القصصية “ليت هندا” التي تلتها مجموعتان أخريان هما “أنا وفرنسوا وجسدي المبعثر على العتبة” و”طقوس سريّة وجحيم” ثم مسرحية ميثولوجية “سيّدة الأسرار عشتار” وهي ملحمة شعرية وقصة حب أسطورية بين عشتار وتموز، ثم جاء ديوان الشعر “أنثى الريح”.
وتقول الكاتبة عن كتابتها للشعر “الشعر ليس في القصائد إنما هو مبثوث في الكون. وما على الكاتب إلا اقتناص ومضاته ونفحات طيب ريحه. وأنا في السرد أو في القصيدة أحب أن تكون جملتي شعرية ومفردتي شعرية. ولعل ذلك ما يجعل النقاد يرون أن نصوصي القصصية والروائية والمسرحية تتميز بمناخات شعرية وطقس شعري. وهذا يسعدني لأني أحب أن يكون نصي وثيرا وثريّا متنوعا يجمع بين السرد والشعر والفلسفة باعتبار اختصاصي الفلسفي أيضا”.

نشرت الرايس مجموعتها القصصية الأولى “ليت هندا” عام 1991، وبدأت كتابة القصّة أوائل الثمانينات من خلال النشر في الجرائد والمجلات التونسية والعربيّة على مدى عشرية كاملة، ولم يأت نشر المجموعة الأولى إلا بعد إحساسها بالنضج الإبداعي، وبعد طول عمر إبداعي تلته عدّة قصص وعدة كتب تقول الرايس “لم أنس تلك القصص وقد استيقظ فيّ مؤخرا ما يشبه ‘الضمير الإبداعي’ وراجعت فيها نفسي ووجدت أنني وإن تنكرت لها فإنها لم تتنكّر لي ولم تنكرني وبقيت شاهدة على بداياتي، ورأيت أن أعود إليها فأظهرها على الملأ من جديد وأضمنها إعادة طبع مجموعة ‘ليت هندا’ بما يليق بفضل البدايات في مسيرتنا وتكويننا الأدبي والإبداعي، وأهديها للقراء من جديد الذين أحبوها وافتقدوها ولامونني إذ أقصيتها أو كنت قاسية عليها، وهم الحكم في النهاية. وهي تاريخي وبداياتي ومرحلة التأسيس لمسيرتي القصصيّة خاصة والأدبيّة عامّة”.
4 إيران تستثمر في عطش العراق
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق مقرر لها أن تبدأ في الحادي عشر من مارس المقبل بعد سلسلة تحضيرات لوفود دبلوماسية ومصرفية وتجارية وأمنية، كان أهمها ما قام به وزير الخارجية المستقيل محمد جواد ظريف من حملة علاقات ولقاءات أثناء زيارته التي انتهت بتلك العبارة من أرض مدينة كربلاء “سيمضون ونبقى” بما فيها من دلالات رمزية تتجاوز الوجود الأميركي إلى التوغل التاريخي في أرض العراق.
آخر الواصلين إلى بغداد هو نائب وزير الخارجية عباس عراقجي الذي التقى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في إطار التهيئة للتوقيع على مذكرة تفاهم بين العراق وإيران وُصفت بأنها لتحقيق المصالح المشتركة، ولعل ما ورد في بيان المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء حول القضايا العالقة وفي مقدمتها حفظ حقوق العراق بمياهه الإقليمية يؤكد إعادة رسم السياسات المائية بما يخص تدفق الأنهار في مجاريها الطبيعية إلى داخل العراق، بعد أن حولت إيران مسارات مصباتها إلى داخل أراضيها، ويفترض أن الحقوق تتناول أيضا الأزمة في شط العرب وانجراف خط التالوك باتجاه الأراضي العراقية وهذا يضمن لإيران مساحات إضافية خارج حدودها.
المعطيات تشير إلى تفاهمات، وإن كانت متأخرة، حول الأضرار التي تعرضت لها الزراعة في جنوب العراق بما تسببت فيه من هجرة شبه جماعية للفلاحين، إضافة إلى زيادة نسب التلوث والتملح في المياه تحديدا في البصرة وما نتج عنها من احتجاجات أعقبت إصابة الآلاف بالتسمم.
لكن لماذا في هذا التوقيت تبدو المواقف أكثر مرونة وباتجاهات وغايات مختلفة رغم أن النظام الإيراني لم يكترث بالآثار السلبية لسياساته على العراقيين، وقضية المياه من بينها وفي مقدمتها لصلتها اليومية بحياة المواطنين. كما أن سياساته عرّضت الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران إلى الإحراج لأنها استترت بالصمت إزاء ما تعرضت له المدن في الجنوب من مصائب وكوارث شح المياه وتصريف مياه البزل الإيرانية.
إيران تسعى بعد العقوبات الأميركية إلى ضمان مصالحها بتواجدها السياسي والاقتصادي في العراق بتدعيم منظومة العلاقات في إطارها الشكلي بين الدول، وذلك يحصنها من التساؤلات عن خرق العقوبات بما يسهل أيضا مهمة الحكومة في العراق وما يلتحق بها من قوى إيرانية فاعلة في السلطة للإفلات من التدقيق الأميركي لمدى استجابة العراق لمصالحه، بعيدا عن ضغوط القرار الإيراني المعروف بأنه مُلزِم، وبطواعية، لحكام عراق ما بعد الاحتلال.
الاتفاق على ضمان تدفق الأنهار من إيران يشبه في جوهره الاستثمار في القرش الأبيض بانتظار اليوم الأسود، وملالي إيران وطيلة السنوات الماضية استثمروا في “العطش” العراقي حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه إعادة المياه إلى أحواض أنهارها الطبيعية موضع مساومة ومقابل أثمان سيدفعها العراق بإرادة نظامه السياسي الخاضع لولاية الفقيه من اقتصاده وسيادته وصحة مواطنيه واستقرارهم.
حجب المياه وإطلاقها لا يختلف كثيرا عن حجب الإرهاب أو إطلاقه بما فيه تنظيم داعش، فالتوقيتات تضع العراقيين، كما فعلت إيران غالبا، في موضع الاختيار بين الموت أو القبول بالمرض على طريقة صناعة الميليشيات بالفتوى المذهبية، ثم صياغة قانون وتمريره إجباريا في البرلمان بصلاحيات وميزانية مالية وتسليح وبرعاية حكومية وماكنة إعلامية أدت إلى المفاضلة بين داعش كتنظيم إرهابي، وبين الحشد “الشعبي” كتنظيم مُعلن بولائه لولاية الفقيه.
السياسيون والإعلاميون في العراق من الموالين لمشروع الملالي وعلى غير عادتهم في السنوات التي سبقت احتلال داعش للموصل والأنبار وصلاح الدين، يحاولون التخفيف من خطر العمليات والاغتيالات والاختطافات في جبال مخمور أو تلال حمرين أو جزيرة الرمادي الواسعة، رغم أن الميليشيات وقياداتها كانت تروج لمخاطر عودة التنظيم الإرهابي بعد إعلان “التحرير” لأن الانتخابات النيابية كانت على الأبواب وكابوس المأساة كان يراد له خدمة الصناديق التي شيّعت الميليشيات إلى مقاعد مجلس النواب.
الإعلام الإيراني في العراق يحاول ضغط الخسائر باللامبالاة أو العبور على الأرقام الفعلية ومخاطر الإرهاب، لأن الأمر يتعلق هذه المرة بداعش من زاوية الصراع الأميركي الإيراني في العراق باعتباره الشماعة والمبرر لبقاء القوات الأميركية، وذلك مصدر قلق للقوى الخاضعة لإيران بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترصين قاعدة عين الأسد لمراقبة إيران وخنق تمددها، وبشواهد بناء مكثف لمدارج سلاح الجو الأميركي في إقليم كردستان الذي يبدو، هو الآخر، في حيرة من علاقاته مع إيران بسبب ولاء حكومة المركز لولاية الفقيه، وما ستسفر عنه زيارة روحاني لبغداد، وبدا ذلك واضحا في قرار الإقليم إيقاف تدفق النفط إلى إيران، ثم إلغاء القرار بعد عشرة أيام من التصديق عليه.
ما يجري في إيران يفسر لنا أهمية العراق بالنسبة لولاية المرشد في هذه المرحلة، فحرق صور الخميني والمرشد خامنئي أصبح من يوميات الاحتجاجات في المدن الإيرانية الكبرى لما تسبب فيه النظام خلال “أربعينية” حكمه من قمع وتعذيب وإعدام وإرهاب للشعوب الإيرانية التي باتت تطلق على اللحوم الحمراء والدجاج تسمية السلع الفاخرة كناية عن الجوع والفقر وارتفاع نسب البطالة وتدهور قيمة العملة والتضخم، ما دعا ممثل خامنئي في طهران المدعو ملا صديقي إلى شن هجوم صريح على هؤلاء المطالبين بالإصلاحات بديلا عن تبذير الأموال على الحرس الثوري وأذرعه الميليشياوية في الخارج بالقول “نحن لم نقدم الدم من أجل البطون” بكل ما تعنيه هذه العبارة من تسخير النظام الإيراني لكل موارده وإمكاناته من أجل أهداف صادرات مشروعه الإرهابي.
بعد تجربة سنوات الاحتلال لم يعد هناك أدنى شك في أن القوى الإيرانية في العراق تستاء من أي تقارب عربي مع العراق ولو ضمن التوازنات الإقليمية، إلا إذا كان في ذلك التقارب ما يدفع العراق إلى إجراء المزيد من المقايضات مع إيران قياسا لحجم علاقاته مع دول محيطه العربي.
بمعنى أن التقارب العربي مع العراق أعطى ثماره بما نراه من تطبيقات إيرانية على أرض الواقع. وهي تطبيقات تؤكد أن إيران في موضع الشك من دورها في العراق وباتت تلعب دور العربة الأخيرة والمتأخرة عن الركب محاولة اللحاق ببقايا مشروعها بما تمليه تجاذبات سياساتها الإقليمية وبرسائل متناثرة لم تعد تنطلي على أحد رغم ما تحمله من تنازلات في الشكل والمضمون، خاصة بعد خطابات المرشد وما ورد فيها من نقد حاد تجاه سياسة الرئيس حسن روحاني واعترافاته المستمرة بسيطرة الحرس الثوري على الاقتصاد في تبرير إخفاق الحكومة في ردم الفجوة بين متطلبات الإيرانيين ونظام حكم ولاية خامنئي، وإخفاقها كذلك في السياسة الدولية وهو ما يبرر استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني المتوقعة إلى العراق يبدو أنها تتطلب المبالغة في الاستعدادات لهدف التهيئة للتوقيع على مذكرة تفاهم شاملة ستحمل في طياتها إعادة الكثير من مفاهيم تدفق مجاري الأنهار، لكن من العراق إلى النظام في إيران.
5 استقالة ظريف وإفلاس نظام خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا

لا تقدّم استقالة وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف ولا تؤخّر. يمكن أن تكون أهميتها الوحيدة في أنها تعبّر عن إفلاس نظام وعد أبناء شعبه بكل ما يمكن أن يحلموا به، فإذا بما يزيد على نصف الإيرانيين يعيش بعد أربعين عاما من قيام الثورة وسقوط الشاه تحت خط الفقر. ربما كان ذلك السبب الذي دفع وزير الخارجية الإيراني منذ العام 2013 إلى الاستقالة عبر “إنستغرام”، غير المحظور في الداخل الإيراني، مع “اعتذار عن التقصير من الإيرانيين”.
في النهاية، انتصرت “الثورة” على فكرة محاولة إقامة دولة في إيران. دولة تحترم نفسها وتهتمّ برفاه شعبها ومصلحته وتعرف حدودها وحجمها الحقيقيين، وتعرف كيف يكون التعاون مع جيرانها القريبين والبعيدين.
لذلك، ليس صدفة أن الاستقالة جاءت مع وصول رئيس النظام السوري بشّار الأسد إلى طهران في زيارة مفاجئة تميّزت بالحضور الطاغي للجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، خصوصا في لقاء بشار الأسد مع رئيس الجمهورية حسن روحاني ومع “المرشد” علي خامنئي. بدا الأسد الابن وكأنّه جاء إلى طهران تلبية لدعوة من سليماني وهو يزورها كواحد من فريق عمل إيراني، يشرف عليه “الحرس الثوري”، وليس كـ”رئيس دولة” اسمها الجمهورية العربية السورية، كما يعتبر نفسه. بدا ذلك واضحا عندما غاب العَلَم السوري عن الصورة مع كلّ من خامنئي وروحاني…
دفع ظريف ثمن الاعتقاد أن السياسة يمكن أن تمارس عن طريق الألعاب البهلوانية والعلاقات العامة وتوزيع الابتسامات والتظاهر بالبراءة. خلط عمليا بين الدبلوماسية والبهلوانيات. ذهب ضحيّة هذا الخلط بعدما ظنّ أن الولايات المتحدة هي باراك أوباما وأن باراك أوباما هو الولايات المتحدة، وأنّ الرهان على خداع العالم والبناء على الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الذي تمّ التوصل إليه صيف العام 2015 يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية. ما قد يكون أهمّ من ذلك أن ظريف وبغطاء من روحاني اعتقد أنّ الاتفاق في شأن الملفّ النووي يسمح لإيران بممارسة سياسة الدفع إلى أمام بمشروعها التوسّعي من دون حسيب أو رقيب. لذلك، سكت “الحرس الثوري” طول هذا الوقت عن ظريف إلى أن شعر أن كلّ حساباته خاطئة وأنّه كان عليه أن يرحل مع نهاية ولاية باراك أوباما. كان خروج أوباما من البيت الأبيض وجون كيري من وزارة الخارجية بمثابة بداية النهاية للوزير الظريف الذي استغل جهل كيري بما يدور في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج إلى أبعد حدود.
جاءت إدارة دونالد ترامب لتقول إن ثمّة حدودا للسذاجة وأن الولايات المتحدة ليست قادرة بعد الآن على رفع العقوبات عن إيران ومتابعة العمل بالاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني وما يترتب على ذلك. صارت هناك إدارة أميركية جديدة مزّقت الاتفاق النووي وزادت العقوبات. هناك إدارة فتحت كلّ ملفات إيران منذ احتجاز رهائن السفارة الأميركية في طهران عام 1979، وعلى غير استعداد لأي تساهل مع الأدوار التي تلعبها السفارات الإيرانية في العالم في خدمة “الحرس الثوري”. ما الذي لدى محمد جواد ظريف يقوله لأيّ مسؤول أوروبي أو غير أوروبي يسأله مثلا عن نشاطات “حزب الله” في لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين وفنزويلا… أو عن تورط السفير الإيراني في نيروبي في محاولة تهريب عنصرين من “الحرس الثوري” محتجزَيْن في كينيا؟
كان على ظريف التأقلم مع ظروف عمل جديدة فرضت الإدارة الأميركية شروطها. لعلّ فشله الأكبر كان في رهانه على أن الأوروبيين يستطيعون عمل شيء لإيران مع تمسّكهم بالمحافظة على الاتفاق النووي. تبيّن أن أوروبا لم تعد ذات وزن وأن كلّ دول العالم، بما في ذلك الهند والصين، مجبرة على الرضوخ للمطالب والعقوبات الأميركية بطريقة أو بأخرى.
أكثر من ذلك، اكتشف ظريف أنّ بقاء أوروبا إلى جانب إيران سيكون له ثمنه. هذا ما دفع قاسم سليماني إلى التحذير قبل أيّام من أي مفاوضات تتناول الدور الإقليمي لطهران. قال إن اتفاقا من هذا النوع “يهدف إلى القضاء على الروح في إيران الإسلامية وحركتها”. أشار إلى أن هناك نية لاتفاق آخر على غرار الاتفاق النووي. بدا واضحا أن أكثر ما يخشاه سليماني هو دخول إيران في اتفاقات في شأن صواريخها ودورها الإقليمي. قال “إذا خضعنا لاتفاق ثان. سنضطر إلى تطبيق اتفاقات أخرى. إنهّم يريدون أن تخسر البلاد هويتها في الجوهر”. ما لم يقله سليماني أنّ إيران ترفض الثمن المطلوب منها أوروبيا. يبدو ذلك واضحا من خلال الطريقة التي تمت بها زيارة بشّار الأسد لطهران وظروف هذه الزيارة. تعكس طريقة الزيارة وظروفها أجواء تصعيدية في طهران ورغبة واضحة في إغلاق الأبواب أمام كلّ بحث في الدور الإقليمي لـ”الجمهورية الإسلامية” وما تفعله هنا وهناك وهنالك.
على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي الذي انعقد أخيرا، لم يجد وزير الخارجية الإيراني سوى الاستنجاد بصدّام حسين لتبرير سعي إيران إلى تطوير صواريخها. لم يجب عن سؤال في غاية البساطة: هل كان صدّام حسين ليجد مبررا لمهاجمة إيران في العام 1980 لو اعتمدت “الثورة” سياسة عاقلة في التعاطي مع دول الجوار بدل سياسة “تصدير الثورة”؟ لو تصرّفت إيران بعقلانية تجاه العراق وقتذاك، لكان العالم كلّه وقف في وجه صدّام.
ذهب ظريف ضحيّة لعبة لم يدرك حدودها اسمها لعبة التذاكي في وقت تبدو إيران مقبلة على أحداث كبيرة. ليست استقالة ظريف بمثابة استقالة لوزير خارجية عادي، بمقدار ما أنّها هزيمة لخط سياسي جمع بين وزير الخارجية ورئيس الجمهورية. لا شكّ أن روحاني سيجد نفسه في وضع صعب في الأسابيع المقبلة بعدما تبيّن أن أصحاب السلطة الحقيقية في “الجمهورية الإسلامية” هم قادة “الحرس الثوري” الذين يقولون إن إيران “حققت تسعين في المئة من أهدافها في سوريا”، في حين أن كلّ يوم يمر يكشف مدى عداء الشعب السوري لكل ما هو إيراني ويمت له بصلة من قريب أو من بعيد.
بنى محمّد جواد ظريف كل رصيده على الاتفاق الذي وقعته إيران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا في شأن الملفّ النووي. كان لديه ما يبيعه لإدارة باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري. لم تعد هناك بعد الآن بضاعة قابلة للتسويق لدى “الجمهورية الإسلامية” التي تبدو مصرّة على البقاء في سوريا في ظلّ نوع من التفاهم الروسي – الإسرائيلي.
أخطر ما في الأمر أنّ هامش المناورة لدى إيران لم يعد واسعا. صار عليها العمل في الهامش الضيّق المتاح مع ما يمكن أن يؤدي إليه من تصعيد في ظلّ المعرفة التامة بأن الخروج من سوريا هو خروج من طهران. فبداية خروج الأسد الابن من دمشق بدأت مع خروجه العسكري من لبنان…
6 «تيك تينز» البرمجية والترميز للأطفال العراقيين باميلا كسرواني
البيان الاماراتية

فاطمة التميمي، صاحبة مشروع «تيك تينز» في أربيل تتحدث عن تفاصيل فكرتها وأسباب الاهتمام بالبرمجية، كأداة بأيدي الأطفال، وكيفية إقناع أولياء الأمور بأهميتها.
الحاجة أمّ الاختراع، مقولة شائعة تنطبق على فاطمة التميمي. هذه العراقية المتزوجة، والأم لثلاثة أطفال، تخرجت في كلية الصيدلة في جامعة بغداد عام 1996، وعملت صيدلانية لمدة 20 سنة. إلا أن الظروف والحرب شاءت ألا تواصل مسيرتها المهنية: فانتقلت فاطمة من البصرة إلى الفلوجة، لتستقرّ لاحقاً في أربيل منذ عام 2014.
وهنا تخبرنا «عندما نزحنا إلى أربيل، توقفت عن العمل، وفقدنا كل ما يخص العمل، بسبب خروجنا من المحافظة التي كنّا نقطن فيها. أنا بطبعي أحب تعلم أشياء جديدة. وقضيت سنوات في أربيل، لا شيء أفعله، ولا يوجد لدينا أصدقاء ولا عوائل نعرفها».
لكن الوضع تغيّر عندما رأت إعلاناً عن دورات لغات البرمجة تُقدّم مجاناً للنازحين لمدة 10 أشهر. فالتحقت بها، وتعلّمت كل شيء من الصفر، هي التي لم تكن تعرف معنى برمجة أصلاً. وتفصح لنا «تعلمتها وأعجبتني كثيراً. رأيت أنّها تغيّر تفكير وأسلوب الشخص وطريقته في الحياة. كما أدركت أهميتها في بناء البرامج والمواقع الإلكترونية، والكثير من الأشياء».
تابعت التميمي عدداً من الدورات، وحصلت على العديد من الوعود بوظيفة تدريس الشباب الترميز، إلا أن سرعان ما تلاشت فرص التوظيف. وفي هذه الفترة، تعرّفت إلى أليس بوزلي، المؤسسة الشريكة لـ «فايف وان لابز»، وهي حاضنة أعمال تساعد رواد الأعمال اللاجئين في تطوير أعمالهم في الشرق الأوسط، واكتشفت أن المؤسسة تُنظّم دورة لاحتضان الناشئين، وإعطائهم مساندة مادية ومعنوية.
فسجّلت التميمي، وعرضت فكرة «تيك تينز» لتفوز بالمركز الأول، وتبدأ رحلة مدرسة البرمجيات.
«تيك تينز» تقدّم عدداً من البرامج: الأول موجّه للأطفال من عمر 6 إلى 9 سنوات، لتصميم لعبة صغيرة وبسيطة بلغة خاصة بهم وممتعة، الثاني، موجه لمن هم بين 8 و12 سنة، ويتضمن تصميم ألعاب عبر لغة سكراتش، والثالث، وهو برنامج أكثر تعقيداً لمن هم بين 13 و17 سنة، من أجل تعليمهم تصميم المواقع الإلكترونية.
برامج متعددة ضمن رحلة محفوفة بالمطبّات، حملت التميمي إلى تغيير محور مشروعها. فهي كانت انطلقت بتقديم صفَّين تجريبيَين مجاناً، لكنها عزفت عن بدء التسجيل في الصفوف الفعلية، بسبب ظروف كثيرة، منها سوء توقيت إطلاق المشروع، الذي تزامن مع امتحانات آخر السنة للطلاب، ثم العطلة الصيفية، أضف إلى ذلك موقع المركز الذي اختارته، والذي لم يكن مناسباً.
الأمر لم يُشكّل حجر عثرة في دربها، حيث قررت التميمي إغلاق المركز والعمل بطريقة مختلفة. فراحت تجول المدارس الدولية لإقناعهم في إدراج دورات البرمجة في منهجها، أو منحها فسحة لكشف هذا العالم للطلاب. وثانياً، قررت العمل على افتتاح مركز مع سيدات تعرّفت إليهنّ خلال دورة الاحتضان، وكلّ منهنّ يملكن أفكار مشاريع ناشئة، لكنهنّ لا يملكن، مثلها، الإمكانات للتحليق بمفردهنّ.
ولكن، ما سبب إصرار التميمي على المضي قدماً بمشروعها؟ تفصح لنا أنها عندما رأت فضول أولادها، عندما كانت تتابع دورة الترميز، باتت الأمور واضحة جداً. وتخبرنا أن ابنها كان مندهشاً، عندما كانت تعمل على لغة الخدش لإحدى الألعاب، حيث قال لها «كيف صممت هذه اللعبة؟ أنا كنت ألعبها، ولم أكن أعلم أنني يمكنني القيام بها أيضاً».
وترى التميمي أن الأولاد محاطين بالأجهزة، ومتى تكشف لهم أهمية الترميز، وأهمية تصميم التطبيقات والألعاب التي يستخدمونها أصلاً، تُسهم في تنمية عقولهم وتغيير الطريقة التي يفكرون فيها. وبالتالي، يصبحون مبدعين وخلاقين أكثر.
وتشدد أن هذه الدورات لا تتطلب مهارات خاصة للأطفال، قائلة «أنا علّمت أطفالاً ليس لديهم كمبيوتر محمول في المنزل. مع الوقت، تكبر المهارة معهم ويتعلمون أسرع، وينتقلون من مستوى إلى آخر».
ولكن، في منطقتنا، ما زال الوعي حيال البرمجة وأهميتها في صقل عقول أجيال المستقبل، وتوفير وظائف الغد ناقصاً، حيث تشدد التميمي أن الصعوبة الأكبر لم تكن تعليم الأولاد لغة البرمجة، لا، بل حث الأهالي على دفعهم نحوها. وتخبرنا «عندما كنت أُعلن عن الدورة، كان الأهل يسألونني إن كانت دورة لغة أجنبية أم رياضيات، يتفاجؤون عندما أجيب بأنها دورة برمجة». فاضطرت إلى تنظيم دورات تفسيرية لأولياء الأمور!
«تيك تينز» مشروع لتنمية عقول الأطفال، وأيضاً فرصة عمل جديدة لرائدة الأعمال العراقية، التي ترى أن الكثير ما زال ضرورياً لمضاعفة الاهتمام في منطقتنا. وتقول «طبعاً تعليم البرمجة ما زال في بداياته بالنسبة للدول العربية والشرق الأوسط.
نرى بعض المبادرات في الإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن، ولكن أقدم أكاديمية لتعليم الترميز بدأت في عام 2016». على الرغم من هذا التأخير، ما زالت التميمي تؤمن أنه مع تطور العلم والمجتمع وتغيير الزمن، سيتغير الوضع بالتأكيد.
7 ماذا فقدنا بعد التحرير؟
حمد إسماعيل الأنصاري الرأي الكويتية
تحل علينا اليوم الذكرى الثامنة والعشرون لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، ذلك اليوم الذي لا يمكن أن تغيب تفاصيله عن ذاكرة من عايشه أبداً، ففي ذلك اليوم انتهت أزمة الاحتلال الذي استمر لمدة سبعة أشهر، عانى فيها الشعب الكويتي الأمرّين، كما سطّر فيها أسمى معاني التضحية من خلال صموده ومقاومته للمحتل، فكان ذلك الانتصار بعودة الكويت لأهلها، ولكن لم يكن ذلك الانتصار هو الوحيد، فقد كان هناك انتصار آخر حققه الشعب الكويتي… وهو عودة الحياة الديموقراطية وعودة الدستور الذي انقلبت عليه السلطة في العام 1986.
ثمانية وعشرون عاماً مرت على تحرير الكويت من الاحتلال الغاشم، وما زلنا نتساءل؛ هل استفدنا من تلك التجربة المريرة؟
الحقيقة أنني لا أعتقد بأننا استفدنا من تلك التجربة بالشكل الصحيح، فشعبنا الذي لا يزال يتغنى بموقفه وتضامن جميع فئاته أثناء فترة الاحتلال، نراه اليوم مفككاً يضرب بعضه بعضاً سواء بدافع العنصرية البغيضة أو الطائفية المدمرة، كما أن مكسب عودة الحياة الديموقراطية بدأنا نفقده شيئاً فشيئاً، بسبب العبث السلطوي بالنظام الديموقراطي والحياة السياسية.
لقد كان من الممكن أن يكون يوم التحرير في العام 1991 هو يوم ولادة دولة الكويت الرابعة، فذلك الحدث يعتبر مفصلياً وشبيها بتلك المراحل المفصلية التي مرت الكويت بها منذ بدايتها كإمارة ثم انتقالها لمرحلة الدولة في عهد المغفور له الشيخ مبارك الكبير، نهاية بمرحلة الاستقلال والدولة الدستورية في عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، إلا أن هذا لم يحدث – وبالتأكيد – لم يتم استكمال العمل بمشروع الدولة الدستورية ذات النظام الديموقراطي، بل يبدو لي ولجميع المتابعين للوضع السياسي بأن الدولة تسير في طريق التراجع عن ذلك المشروع.
فالديموقراطية الكويتية – اليوم – تعيش أسوأ مراحلها، بعد مرسوم الصوت الواحد المجزوء وإقرار العديد من القوانين المقيدة للحريات، بينما كان من الممكن أن يتم تطوير دستور 62، والتحول إلى النظام البرلماني مكتمل الاركان، إلا أن السلطة كانت واضحة منذ يوم تحرير الكويت بنيتها في عدم استكمال مشروع الدولة الحديثة، حيث ماطلت السلطة بعودة العمل بالدستور وعودة الحياة البرلمانية، فأعادت المجلس الوطني… بعد التحرير مباشرة، إلا أن الشعب قال كلمته ولم يكن لتلك السلطة أي خيار آخر سوى عودة الحياة البرلمانية.
اليوم ونحن نحتفل بذكرى التحرير علينا أن نفكر جدياً بأننا بحاجة ماسة لتحرير الحياة الديموقراطية واستكمال مشروع بناء دولة الكويت الحديثة، تلك الدولة التي كان يسعى لبنائها الآباء والأجداد، ولولا تزوير 67 والانقلابين على الدستور لاخلتف وضعنا اليوم، وربما كنا قد استكملنا ذلك المشروع ووصلنا إلى مرحلة الديموقراطية الحقيقية.
نحن اليوم نمر بمرحلة مشابهة لتلك المراحل المهمة والمفصلية في تاريخ الكويت، وقد بات من الضروري أن يعي الشعب أهمية تطوير المنظومة السياسية واستكمال بناء دولة الكويت الحديثة، كما لم يعد من المقبول التحجج بالاحتلال كعذر لتأخر التطور في الكويت، فالكويت قبل ثمانية وعشرين عاماً كانت تسبق دول المنطقة بمراحل كبيرة، بينما نجدها اليوم تتأخر بسنوات ضوئية عن تلك الدول في جميع المجالات، والسبب الحقيقي لذلك التراجع ليس الاحتلال إنما هو الفساد الذي استشرى في جميع مؤسسات الدولة، وسوء الادارة الحكومية لموارد البلد، وقد بات من الضروري أن نبدأ العمل على إعادة مشروع بناء دولة الكويت الحديثة واستكمال الديموقراطية والاستفادة فعلاً من تلك الدروس المريرة التي مررنا بها على مر السنين.