5 مقالات عن العراق في الصحف العربية والامريكية يوم الثلاثاء

1 صحافة تصنع الرموز أو تطمسهم
طاهر علوان العرب بريطانيا

لسنا في حاجة إلى مقدمات لكي نتحدث عن مهمة الصحافة المقدسة ودورها في المجتمع. التعريف بالدور هو تحصيل حاصل. لكن هذه الصحافة بإمكانها أن تطلق شخصيات وتعرف بها وتجعلها محط الأنظار وهي نفسها التي بإمكانها أن تعتم على شخصيات أخرى وتجعلها نسيا منسيا.
سيبرر البعض هذا السلوك بأن السبب ليس هو الصحافة في حد ذاتها بل هو قرب أو بعد أولئك الأشخاص من الصحافة.
لكن هذا التبرير سوف يجعلنا في مواجهة صحافي كسول ينتظر كل شيء أن يأتي إلى مكتبه ثم يبدأ هو دوره وقد لا يتعب نفسه فلا يتعدى طرح الأسئلة النمطية والتقليدية المتكررة.
ما الذي يجري والصحافة تكرس نجوما يخصونها وتطمس نجوما آخرين أكثر تطورا ووعيا وتسدل عليهم ستار النسيان؟
المتشككون والذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، يقولون إنها المصالح وحدها هي التي تتحكم في المشهد الإعلامي وصارت المؤسسات الإعلامية ميدانا لمنافسة لا تنتهي في إطار المصالح.
وأما الميتافيزيقيون فيعزون الشهرة السريعة إلى الحظ، وأن هنالك من هم محظوظون مع أنهم قليلو الموهبة وهنالك من يبزونهم مستوى إبداعيا ولكن الغلبة للصنف الأول.
هذه التفسيرات المتناحرة المتقاطعة تقدم لنا واقعا غريبا في ما يتعلق بصناعة الرموز والمشاهير.
وإذا أردنا أن نمضي مع نظرية المؤامرة السائدة في عالمنا العربي فلنمض بعيدا باتجاه كيف تصنع مؤسسات الغرب رموزها.
في البداية لا بد من التأكيد أن الأمر في تلك البلاد قائم برمته على الأرباح ونشاط الشركات، بإمكان شركة ما أن تحتكر مبدعا وتسيطر على منجزه ولا تمنحه إلا نزرا قليلا ساعة أن تطلقه للرأي العام ثم يمكن أن يجني بعض الأرباح بعد ذلك.
هنا سوف يتحول المبدع إلى مشروع وهدف نوعي للشركة يستدعي جني قدر من الأرباح مع اتباع سياسة تسويقية ناضجة والقضية برمتها سوف تدخل دائرة التجارة والترويج التجاري.
لن تكترث شركة الترويج المعتمدة إذا تكاثرت المنابر فهي تعرف أين وكيف ومتى سوف تسوّق الشخصية التي تريدها وكيف تستثمر فيها، وهنا لا يكون لمقولة الحظ ولا العلاقات الشخصية معنى وسيصبح كل شيء في إطار المنفعة والبيع والشراء.
في العالم العربي هنالك تداخل عجيب في هذا الشأن، فالصحيفة تريد أن تمتلئ صفحاتها بالمقالات والأخبار والصور ولأنها على عجل فإنها لا تكترث لشيء عدا أن تسد ذلك الفراغ حتى لو تكررت أخبار الشخصية المشهورة مرات ومرات.
الطابع الشخصي يلفت الانتباه ويشجع جمهور القراء على خوض المغامرة إلى أقصاها. وهي نقطة جذب تحيلنا أيضا إلى استخدام الحياة الشخصية محورا أساسيا في سرد القصة الصحافية.
في العراق مثلا عندما يموت مسؤول عرف عنه أنه واحد من سرّاق ما يعرف بمشاريع بغداد عاصمة الثقافة، يفاجأ الجمهور بعاصفة من المديح ومطولات التأبين ثم لعمل غسيل دماغ بأن هذا الشخص كان رمزا ثقافيا وقامة إبداعية لن تتكرر وأن رحيله خسارة للثقافة والمثقفين.
فإلى أين سوف نسير في هذه الدوامة وهل ينبغي علينا أن نتسامح مع الكل لأن القوم قد سوّقوا لنا من هم يعرفونه أفضل منا؟
افتراض أن المحرر يعرف مصلحة القارئ أفضل مما يعرفها القارئ يدفع إلى مثل هذا الترويج الفج القائم على أبوية بطريركية هزيلة ما تلبث أن تتهاوى بمرور الزمن.
من جانب آخر هنالك ثقافة الإشاعة، والتي تقوم على فرضيات الجمهور وذائقته وتفضيلاته وتفرض نفسها على الحياة اليومية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي فتضطر الصحيفة إلى ممارسة اقتفاء الأثر والتماهي مع الرأي العام السائد وإن كانت هنالك أسئلة لن تتم الإجابة عنها تتعلق بحيثيات هذا النمط الصحافي.
2 العراق ولعبة الحرب على الإرهاب عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية

لا يساور أحد أدنى شك في أن الحكومة العراقية المدعومة من قبل حلفائها الإقليميين والدوليين حققت إنجازات عسكرية نوعية في حربها ضد الجماعات الإرهابية، وتحديدا ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). تجلت هذه الإنجازات بصور أكثر وضوحا في تمكن القوات العراقية من طرد عناصر هذا التنظيم الإرهابي من المدن العراقية وأهمها مدينة الموصل ومن باقي المدن العراقية ودفع عناصره إلى تخوم الصحراء والمناطق الحدودية مع سوريا حيث يحتفظ التنظيم ببعض المناطق التي سيطر عليها إبان قوته العسكرية في البلدين، هذه الإنجازات العسكرية والسياسية العراقية، تضع على عاتق الحكومة العراقية مسؤوليات من نوع آخر بحيث تستطيع قطف ثمار هذه الإنجازات على المستوى الوطني بالدرجة الأولى.
بعيدا عن العوامل الخارجية والأيدي الخفية التي أسهمت في بزوغ وصعود نجم هذا التنظيم الإرهابي وسطوعه للدرجة التي سمحت لقيادات هذا التنظيم بالحديث عن دولة تمتد على أراض واسعة من العراق وسوريا وهي الأراضي التي استمد التنظيم تسميته منها، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين لوّح وهدد باجتياح الدول المجاورة لاستكمال تأسيس «دولة الخلافة»، بعيدا عن جميع هذه العوامل، فإن هناك عوامل داخلية، لا نقول أسهمت في تكوين هذا التنظيم، بل ساعدت في صعوده وانتشاره وتمكنه من استقطاب مقاتلين في صفوفه، ليس من خارج العراق فقط، بل استطاع أن يستقطب في صفوفه الآلاف من أبناء العراق وهنا تكمن الأهمية والخطورة.
الانتصارات العسكرية التي حققتها الحكومة العراقية في حربها ضد «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى، يجب ألا تلغي مهمة الحرب السياسية والإعلامية والاجتماعية ضد هذا التنظيم، فالعوامل الداخلية التي مكَّنت هذا التنظيم من التغلغل داخل المجتمع العراقي، لم تنته بعد، حيث المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق لم تتغير لما يوازي التغير الذي أحدثته انتصارات الحكومة العراقية في ميادين القتال، هذه المهمة ثقيلة بكل تأكيد لكن إنجازها ليس مستحيلا، بشرط أن تكون هناك مصداقية في معالجة هذه العوامل واجتثاثها من التربة الخصبة التي ساعدت في ظهور هذه الآفة الخطرة وانتشارها في المجتمع العراقي.
المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها العراق أسبابها كثيرة ومتعددة، منها الفساد ومنها بكل تأكيد ما سببته الجماعات الإرهابية من أخطار ومصاعب أمام الحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، هذه المشاكل سوف تطفح على السطح بشكل أوضح مما كانت عليه خلال اشتداد الحرب على الإرهاب وتصاعد الجرائم الإرهابية التي اجتاحت مختلف المدن العراقية وتسببت في إراقة دماء عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء، هذه المهمة يجب أن تأخذها الحكومة العراقية على محمل الجد.
فمن دون معالجة جدية للأسباب الداخلية التي ساعدت على صعود «داعش» وانتشاره في مساحات جغرافية واسعة من الأراضي العراقية، سيؤدي في النهاية إلى تراكم العوامل ذاتها مرة أخرى وتهيئة المناخ لظهور دواعش آخرين، ذلك أن المعالجة الأمنية وحدها لا يمكن أن تكون علاجا ناجعا ودائما لظاهرة الإرهاب التي انتشرت في العديد من دول العالم، وأكثرها في الدول العربية، والتي كان أخطرها في العراق وسوريا وليبيا، لأسباب كثيرة بما فيها جرائم الغزو الخارجي التي تعرضت لها هذه الدول.
المشاكل الداخلية في العراق والخلافات الحادة، السياسية منها والمذهبية، لا تزال مستمرة، وهذه المشاكل ليس لها علاقة بالحرب على الإرهاب، لكن البعض استغل هذه الحرب في صراعاته الجانبية، السياسية والمذهبية، فالعراق يئن تحت وطأة هذه الخلافات وأن من شأن استمرارها أن يضعف من همة الانتصارات التي حققها في حربه على الإرهاب، ولكن لا يبدو في الأفق أن هناك توجها حقيقيا لتجاوز هذه الخلافات ووضع حد لها على قاعدة الوحدة الوطنية العراقية الحقيقية التي لا تعترف إلا بالانتماء الوطني من دون أي تمييز.
هذه واحدة من الأسباب الحقيقية؛ أي الخلافات السياسية والمذهبية، التي ساعدت على انتشار الإرهاب في العراق وتصاعده والذي كلف الحكومة العراقية وأبناء العراق خسائر بشرية باهظة جدا، فضلا عن الخسائر المادية والاقتصادية التي تمثلت في تعطيل مختلف قطاعات الإنتاج وغيرها، ورغم فداحة ذلك والتحديات التي تفرضها هذه المشاكل على الحكومات العراقية المختلفة، فإن هذه الحكومات وقفت عاجزة عن تجاوزها والبحث الجدي عن حلول ناجعة لها.
يطرح العديد من المراقبين للشأن الداخلي العراقي إمكانية عودة الإرهاب من جديد وبقوة إلى العراق، سواء تحت رداء «داعش» أو تحت أي تسمية أخرى، يستند هؤلاء المراقبون في هذه الإمكانية على ضعف الجبهة الداخلية العراقية بسبب استمرار العجز الحكومي عن معالجة مختلف الأسباب التي ساعدت على انتشار الإرهاب وتصاعده، فالصراع السياسي والعقدي داخل بيوت الحكم في العراق لم يتوقف حتى خلال فترة تصاعد الإرهاب وانتشاره، وهو مستمر حتى الآن رغم الإنجازات العسكرية التي حققها في الحرب على الإرهاب، هذا يعني أن الخطر الإرهابي لا يزال يتربص بالعراق وأن اجتثاث الأسباب التي أدت إلى ظهوره وانتشاره هو المهم، بل والحرب التي يجب على العراق خوضها من أجل بلوغ الانتصار النهائي والحاسم.
3 استراتيجية ترامب بشأن العراق متهورة
مايكل وحيد حنا فوراين أفيرز
تستعد القوات الأميركية للخروج من سورية، وفي أفغانستان يبدو خفض مماثل في عدد الجنود (وربما خروج دائم) وشيكاً مع تواصل محادثات السلام مع حركة طالبان، وفي الثاني من فبراير حوّل ترامب انتباهه إلى محور ثالث في الصراع في المنطقة: العراق.
فتح غزو الولايات المتحدة العراق في عام 2003 والاحتلال الكارثي الذي تلاه الباب أمام التمرد الإسلامي والطائفية في قلب العالم العربي، وساعدا أيضاً إيران في توسيع نفوذها، وما زالت المنطقة والعالم يعانيان العواقب، ولكن رغم هذا التاريخ المضطرب، تبقى القيادة العراقية منفتحة على نحو بارز على المساعدة الأمنية والدبلوماسية الأميركية.
تُعتبر هفوة ترامب أكثر إيلاماً لأن انفتاح العراق المتواصل على التعاون الأمني والاستخباراتي المثمر يميزه عن شركاء الولايات المتحدة كافةً في الشرق الأوسط، بما فيهم مصر والمملكة العربية السعودي، نتيجة لذلك يكون العراق حليفاً ضعيفاً لكنه حيوي وسور في وجه النفوذ الإيراني.
يشكّل الجهاز الاستخباراتي في البلد خير مثال، إذ تجمع وكالات متنافسة عدة المعلومات وتخوض عمليات لمكافحة الإرهاب، حيث تثق الولايات المتحدة ببعض هذه الوكالات وتزودها باستخبارات قيمة، وفي المقابل تثق إيران بوكالات أخرى، ولكن في مقابلة مع شبكة CBS، دعم ترامب، على ما يبدو، خفض التدخل الأميركي، معتبراً أن الولايات المتحدة تستطيع دوماً «العودة إذا شاءت»، لكن هذا خطأ، فلا يمكننا في ليلة وضحاها إعادة بناء الشراكات والبنية التحتية المكلفة التي تبقيها متماسكة.
تراجع التعاون الاستخباراتي في مرحلة سابقة عقب خفض عدد الجنود الأميركيين في عام 2011، وعندما بدأ مقاتلو داعش بالتدفق من سورية بُعيد ذلك، ما كان العراق مستعداً، ولكن بعد المرور بهذه الدورة من الانفصال، والصدمة الناجمة، وتجدد التعاون، يملك العراق والولايات المتحدة اليوم صورة أوضح عن قيمة هذه الشراكة وأهميتها، ومن الضروري أن يتعلّم القادة العراقيون أيضاً هذا الدرس، مع أن الضغوط السياسية المحلية تغريهم باتباع خط معارض للولايات المتحدة.
كان العراق البلد الذي دُمّر فيه النظام الإقليمي عام 2003، لذلك يشكّل نقطة الانطلاق المنطقية لمعالجة الهزات الارتدادية، ولا شك أن المساهمة في إعادة التوازن إلى المنطقة من خلال الدبلوماسية يشكّل استخداماً أفضل للنفوذ الأميركي، مقارنةَ بالضغط على الشركاء العراقيين وتحويل البلد إلى ساحة صراع للخصومة الأميركية-الإيرانية.
من المؤكد أن عملية إعادة التوازن هذه ستدفع السياسات المحلية والأوضاع الأمنية في العراق نحو الاستقرار، إلا أنها تشمل أيضاً إعادة إرساء الروابط مع الجيران العرب، هذه الروابط التي ضعفت بعد قرار صدام حسين المشؤوم غزو الكويت في شهر أغسطس عام 1990.
يشكّل مستقبل العراق محور اهتمام استراتيجياً لكبار اللاعبين في الشرق الأوسط، ويعود ذلك خصوصاً إلى موقع هذا البلد في نقطة مفصلية في عدد من العلاقات المهمة: بين الولايات المتحدة وإيران، وبين إيران والعالم العربي، وبين الدول العربية. تبنت أخيراً دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، مقاربة عملية للعراق، فقد أعادت السعودية ترسيخ الروابط الدبلوماسية مع هذا البلد، وفتحت مجدداً المعابر الحدودية، وأخذت مبادرة للتعاون الاقتصادي والأمني المستقبلي. تمثل هذه بالتأكيد خطوات طال انتظارها، ورغم ذلك لا تشكّل بعد إطار عمل شاملاً، علماً أن هذه مهمة طموحة ينبغي للولايات المتحدة أن تدعمها بكامل نفوذها.
يجب ألا تكتفي الدولة العراقية بالتصدي للوضع الأمني المضطرب غالباً، بل عليها أيضاً أن تعالج الفساد المستشري والصعوبة المزمنة في تأمين الخدمات الأساسية للناس. على سبيل المثال، قادت أزمة مياه الشرب في مناطق من البصرة إلى تظاهرات اتخذت منحى مميتاً الخريف الماضي، حيث ربط رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي يتبوأ هذا المنصب منذ شهر أكتوبر عام 2018، مستقبله السياسي بوضوح بتقديم الخدمات الأساسية، حتى إنه أعطى هذا الهدف الأولوية على حساب تحقيق الوحدة السياسية في جكومته (أو حتى ملء مناصب مهمة). أخبرنا أحد مستشاري رئيس الوزراء: «أمامنا سنة أو ربما أقل لإصلاح هذا الوضع، فإذا لم ننجح في تزويد الناس بالمقدار الكافي من الكهرباء بحلول فصل الصيف، نكون قد خسرنا».
تتيح أزمة الحوكمة هذه للولايات المتحدة فرصة تقديم مساعدة ملموسة، ونظراً إلى ضيق الوقت، قد يكون عبدالمهدي مستعداً للعمل عن كثب مع الولايات المتحدة. تبحث بغداد عن عقود لشركات الطاقة الأميركية في مجال قطاع النفط العراقي، وقد بدأ مستشارون تقنيون دوليون وشركات أميركية بمساعدة العراق على التوصل إلى طريقة لتشغيل محطاته للطاقة باستخدام احتياطي الغاز الطبيعي غير المستثمر سابقاً في البلد. كذلك تتقبل الحكومة الجديدة مساعدة الولايات المتحدة في عدد من مسائل الحوكمة، مثل تنظيم وزارة الدفاع وترتيب مسار المعاملات التي على المواطنين إنجازها.
سهّلت واشنطن على العراق قبول مساعدتها بتقديمها هذه المساعدة مقابل كلفة سياسية متدنية نسبياً، وما كان باستطاعة العراق إنزال الهزيمة بداعش لولا الدعم الأميركي مثلاً، إلا أن الولايات المتحدة لم تفرض عليه رد الجميل بمنحها نفوذاً مفرطاً في السياسات العراقية بعد ذلك، وفي المقابل حاولت إيران باستمرار تعزيز نفوذ الميليشيات الموالية لها في النظام السياسي العراقي.
مع بدء الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية وربما أفغانستان (محاولة تصحيح ضرورية إنما سيئة التنفيذ لمغالاة الولايات المتحدة في التوسع)، يشكّل العراق امتحاناً لقيمة التعاون المتواصل، وفي مرحلة من إعادة النظر الدقيقة في التزامات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يقدّم العراق فرصة لبناء روابط دبلوماسية، وأمنية، واستخباراتية تعاكس الميول الراهنة وتعود بالفائدة على الطرفين.
لكن النجاح يعتمد في المقام الأول على تعقل وحسن تقدير إدارة افتقرت غالباً إلى هاتين الصفتين وتواصل رؤية العراق في مرتبة ثانية بالنسبة إلى أهدافه الإقليمية الرئيسة، حتى حين يتخبط العراق في نقص طاقة كبير، تحضه إدارة ترامب على التوقف عن شراء الطاقة من إيران. ما من مقدار من الدبلوماسية قد يتخطى هذا المستوى من قصر النظر، وإذا لم تعدّل الولايات المتحدة إطار مقاربتها إلى العراق، فستنجح في تقويض أحد المسارات القليلة المتبقية للتدخل البنّاء في المنطقة.

4 هل «داعش» صناعة استخبارات غربية؟
أحمد الحناكي
الحياة السعودية

انقسم المحللون تجاه هوية داعش ونشأتها، غير أن هناك تساؤلات كثيرة عن دور الاستخبارات الأميركية، وتسند ذلك إشارات كثيرة، منها ظهور داعش المفاجئ من دون مقدمات وبشكل فعّال، ما يوحي بوجود قوة كبيرة خلفها.
ففي مقالة للكاتب إسحاق الشيخ يعقوب يقول فيها: «أن تقول داعش صناعة أميركية: هو ما يستهوي داعش ويستهوي أهلها الذين يمسكون بتراث الظلام فينا. أن تكون داعش صناعة أميركية يعني أن يكون شيء منها من الصناعة الأميركية، أفي داعش شيء من الصناعة الأميركية؟ أفي داعش من عِلْمِ أميركا ومن حداثة أميركا ومن التقدم العلمي والتكنولوجي والفني والسينمائي في أميركا؟ أفي داعش بهجة ودهشة هوليود في أميركا؟ لا شيء في داعش من أميركا؟ فكيف تكون داعش صناعة أميركية؟ إن ما في داعش هو شيء منا وفينا ومن لحمنا ودمنا، داعش صناعة بعض كبت التراث عندنا.. أفي داعش التي تدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية شيء من كتب التراث الأميركي، أم من كتب التراث عندنا؟».
ومع التقدير للكاتب إسحاق الشيخ يعقوب، فعلى افتراض أن أميركا هي من يقف خلف داعش فهل تريد منها إعلاناً بذلك؟ إنها ستحرص قطعاً على ألا تترك أي أثر يربطها بداعش، بل هي تريد أن تقول إن هذا الورم السرطاني المدعو داعش لن يُزال إلا عن طريقنا، وهو مبرر قوي لوجود أميركي في المنطقة.
وعلى افتراض أن داعش جناح إسلامي متطرف لا يتبين أي علامة على مواقفه تجاه الكيان الصهيوني، وهذا يعزز إمكان أن تقف خلفه الاستخبارات الأميركية، وفي مشوار العنف الذي قطعه الداعشيون في سورية أو العراق لا ملامح تعكس أنهم يمثلون الإسلام المعتدل، بل إنهم يعبّرون عن وحشية طاغية وعنف مبالغ فيه، لا يفرقون به بين مختلف الديانات أو الطوائف، أي نوع من الفوضى الخلاقة، وهو ما تجيده الإدارة الأميركية.
كما نلفت إلى رواية الجندي الأميركي السابق الذي خدم في العراق استيبان سنتياجو بعد تنفيذه هجوم مطار فلوريدا، من أنه خلال زيارة سابقة لمكتب التحقيقات الفيديرالي (إف.بي.آي) تم إجباره على العمل مع تنظيم داعش، وأكد أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) سيطرت على عقله لإرغامه على مشاهدة أشرطة فيديو للتنظيم الإرهابي.
بينما ندد رئيس أفغانستان السابق حميد كرازي بالولايات المتحدة، ذاكراً أن «تنظيم داعش هو وليد الولايات المتحدة، ولقد ظهر في أفغانستان في العام 2015 في زمن الوجود الأميركي، وهو سلاح في يد واشنطن».
بل إنه سبق للرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو أن اعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولتان عن نشوء «داعش»، وقال لوكالة كوبية رسمية، إن «الموساد الإسرائيلي تآمر مع السيناتور الأميركى جون ماكين من أجل إنشاء داعش»، وأضاف كاسترو أن ماكين هو حليف إسرائيل الدائم، إذ أنشأ الطرفان «داعش»، والتي تتحكم حالياً بجزء كبير وحيوي من العراق، وأكثر من ثلث سورية. (سبتمبر 2014).
من جهته، ذكر الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن أن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية (MI6) والموساد الإسرائيلي وراء ظهور تنظيم «داعش».
وتعاونت أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، في عملية يرمز لها بـ «عش الدبابير»، وفقاً لموقع «ذي إنترسيبت» في تسريبات نقلها عن سنودن.
وأظهرت وثائق مسربة من وكالة الأمن القومي أنها قامت بتنفيذ خطة بريطانية قديمة تعرف بـ «عش الدبابير» لحماية إسرائيل، تقضي بإنشاء تنظيم شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر مغاير.
ووفقاً لوثائق سنودن، فإن الحل الوحيد لحماية إسرائيل يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجّه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده.
5 السودان إلى أين؟ تركي محمد السديري الحياة السعودية

عندما أطلق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بعض المصطلحات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط مثل «الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد»، الذي سيتحول من أنظمة ديكتاتورية إلى نظام ديموقراطي تشارك في بنائه مؤسسات المجتمع المدني (بحسب رأي من أطلق هذه الشعارات)، هلل البعض وكبر مرحباً بهذا التوجه، ولم يمضِ وقت طويل حتى انكشف المستور وسطعت شمس الحقيقة، واتضح أن هذه المصطلحات ما هي إلا أوهام في أذهان من أطلقها ومن صدقها، وبالتالي تتحول تلك المصطلحات إلى الخريف العربي والفوضى الهدامة وما إلى ذلك. هذا مع استبعاد نظرية المؤامرة التي يعتقد الكثير بأنها جزء لا يتجزأ من فكر من أطلق فكرة «الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة».
هذه الشعارات داعبت مخيلات البعض من الطبقات الدنيا الذين يعانون من الفقر والبطالة وقلة ذات اليد في بعض الدول العربية، لتنطلق الاحتجاجات أولاً في تونس بعد أن أحرق شخص نفسه لتعم التظاهرات أرجاء تونس بأكملها، مطالبة بإسقاط النظام وإسقاط الرئيس زين الدين بن علي. سقطت حكومة زين الدين بن علي وتغيرت الأوضاع والوجوه التي تحكم البلد، لكن الأوضاع الاقتصادية استمرت في سوئها إن لم تكن أسوأ من قبل، بسبب صراعات القوى السياسية وقلة الموارد.
في ليبيا تم إسقاط نظام معمر القذافي، وهو ولا شك نظام سيئ؛ فما الذي حدث في هذا البلد؟ صراعات دموية بين جماعات مختلفة التفكير والآيديولوجيا تغذيها دول غربية وإقليمية وتمدها بالمال والسلاح، استنزاف لموارد البلد وقتل وهدم وتدمير.
أما في مصر فقد شنت حملة شعواء مشبوهة ضد الرئيس حسني مبارك بزعامة حزب الإخوان المسلمين المدعومين من بعض الدول الإقليمية مثل تركيا وإيران ومن يسير بفلكهم، استمر الصراع لفترة سفك فيها الكثير من الدماء، ليتنحى الرئيس حسني مبارك وتجرى انتخابات رئاسية يفوز بها حزب الإخوان المسلمين. تلك الانتخابات اتهم الإخوان بتزويرها لتنطلق الاحتجاجات من جديد، ما أدى إلى تدخل الجيش والسيطرة على «أم الدنيا» وحمايتها من شرور ما سمي بـ «الربيع العربي»، آسف أقصد «الخريف العربي» والفوضى الهدامة.
في سورية الجميع يسمع ويرى ما لحق بالشعب العربي السوري الشقيق من قتل وهدم وتدمير وتشريد تحت شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وحكم شرس يريد البقاء حتى ولو على أنهار من دماء شعبه الذي شرد في أصقاع الأرض، من منا لا يتألم عندما يرى الشيوخ من الجنسين مع أطفالهم يعيشون في مخيمات لا تقي من زمهرير الشتاء أو لواهب الصيف المحرقة.
في العراق كانت البداية حيث أسقطت الحكومة بالقوة العسكرية، وتركت البلد للصراعات العقائدية والمذهبية والقبلية والطائفية، مدعومة بتدخل الدول التي تبحث عن مصالحها وليس عن مصلحة الشعب العراقي، كانت تجربة العراق مفتاحاً لتطبيقها في دول عربية أخرى (كما أسلفنا أعلاه)، ولكن ليس بطريقة الغزو الأجنبي، وإنما عن طريق دغدغة أحلام الفقراء، مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها لنشر الفوضى الهدامة. الغريب في جميع الدول العربية التي وقعت في فخ «الخريف العربي»، أن تنطلق التظاهرات والاحتجاجات تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، لم نشهد احتجاجات منظمة تطالب بإصلاحات محددة كما هو الحال في احتجاجات «السترات الصفر» في فرنسا، أو كما حصل في الأردن عندما انطلقت احتجاجات ضد رفع أسعار الوقود.
السودان هذا البلد قليل الموارد كثير السكان كثير المشاكل والصراعات، وأنا أشاهد عبر القنوات الفضائية ما يحدث فيه من استمرار الاحتجاجات، أقول ما أشبه اليوم بـالبارحة، الشعارات والهتافات نفسها من المحتجين؛ «الشعب يريد إسقاط النظام».. «الشعب يريد تنحي الرئيس». أخشى ما أخشاه أن ينزلق السودان إلى ما انزلق إليه من سبقوه في فوضى ما يعرف بـ «الربيع العربي»، أقصد الخريف العربي والفوضى الهدامة.
أسوق هذا الكلام ليس دفاعاً عن رؤساء تلك الدول، فكل له أخطاؤه، فيهم المتسلط والديكتاتور ومن يريد احتكار الحكم طوال العمر ومن يريد أن يورث الحكم لأبنائه في نظام جمهوري، وهناك من انتشر الفساد والمحسوبية في فترة حكمه. والأمر الثاني المستغرب أن الفوضى الهدامة لم تطل سوى أنظمة جمهورية ترفع شعارات طنّانة وتدعي التقدمية وترى أن الأنظمة غير الجمهورية أنظمة رجعية متخلفة. سقطت دول الشعارات التقدمية بعد أن طفح الكيل بشعوبها، وبقيت الدول العقلانية التي تبني بصمت بعيداً عن الشعارات الزائفة. والأمر الثالث الذي يربط بين هذه الدول التي ضربتها الفوضى هو كون حكامها من جهات عسكرية. التنمية يا سادة تتطلب بالدرجة الأولى توفير بيئة آمنة وبنية تحتية جيدة وأنظمة تحمي حقوق المستثمر والمواطن، رأس المال «جبان»، والمستثمر لن يجازف باستثماراته في مكان غير آمن لا يحميه من تقلبات أمزجة النافذين بالسلطة. أخشى ما أخشاه أن تطال الفوضى الهدامة دولاً أخرى لم تعتبر بما حدث لأشقائها من بقية الدول العربية، وأن تجتاحها عاصفة التغيير وتسقط في ظل الفوضى الهدامة التي لم تجلب لتلك الدول سوى النهب والسلب والقتل والتدمير، أما بالنسبة للشعوب العربية فلعلها تطالب بإصلاح الأنظمة القائمة بدلاً من المطالبة بإسقاطها والدخول في حلقات من الفوضى.
في الختام، أشير إلى حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «نعمتان مجحودتان الصحة في الأبدان والأمن بالأوطان»، وأرجو أن يعم السودان العزيز الأمن والأمان، وألا ينزلق للفوضى الهدامة.