6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 من شباط إلى شباط… أحزاب عراقية تحتضر! هيفاء زنكنة القدس العربية
إذا كان شهر آذار/ مارس المقبل، هو شهر استحضار ذكرى الغزو الانكلو أمريكي والعدوان الاجرامي على العراق، فان لشهر شباط / فبراير، حيزا خاصا في الذاكرة الجماعية العراقية، لا ينافسه فيها غير شهر تموز/ يوليو. فشهر تموز يرتبط بتاريخنا السحيق بالإله تموز (الراعي)، الذي عاقبته عشتار آلهة الحب والحرب، عندما اكتشفت خيانته، بإنزاله الى العالم السفلي/ عالم الأموات ثم ندمت فأنقذته لتعيده الى الحياة ستة أشهر سنويا. والأول من تموز هو عيد ميلاد كل العراقيين، الذين لا يعرفون تاريخ ميلادهم. والرابع عشر من تموز، عام 1958، هو ميلاد الثورة (يسميها البعض انقلابا) ضد النظام الملكي، التي صاحبها قتل وسحل رموز العهد الملكي، بطريقة بشعة، غطت على جوانبها المشرقة.
والسابع عشر من تموز/يوليو، عام 1968، هو الانقلاب (يسميه البعض ثورة بيضاء) الذي جاء بحزب البعث العربي الاشتراكي الى السلطة بصحبة اعتقالات وتصفيات، وفي الثلاثين من تموز، بذات السنة، جرى انقلاب أخرى (يسميه البعض تصحيحا) صاحبته اعتقالات وتصفيات لقادة الانقلاب / الثورة الذي تم قبله بأسبوعين.
قد يتبادر الى الاذهان ان سلسلة هذه الاحداث (الدامية أو المشرقة حسب الانتماء الأيديولوجي لمن عايشها او منظور من يكتب عنها)، تُمكن شهر تموز من احتلال قمة الشهور التراجيدية في التاريخ العراقي المعاصر، وبلا منافس، الا ان أحداث شهر شباط الدامية، منذ عام 1949 وحتى اليوم، تثبت أنه ينافس شهر تموز، في مآسيه. كما تثبت أنه لايزال هناك متسع، في الذاكرة الجماعية العراقية، لتراجيديا الأسى والحزن والاحساس بالظلم الناثر للانتقام، على الرغم من اكتظاظها بعقدة الذنب وجلد الذات، للمساهمة أو السكوت (لا فرق) على مقتل الامام الحسين، منذ 1400 عاما. ومنذ ذلك اليوم، واجيال العراقيين تدفع «فوائد» دَيونِ لم يقترضوها.
في شهر شباط/فبراير، من كل عام تزورنا، الذكرى بعد الأخرى، وهي مخضبة بالموت. ففي 14 شباط، 1949، أعدم النظام الملكي تحت الوصاية البريطانية، مؤسس وقائد الحزب الشيوعي يوسف سلمان يوسف (فهد)، ورفيقيه زكي محمد بسيم وحسين محمد الشبيبي. وتم تعليق جثثهم في بغداد. وكان قد شنق قبلهم في الشوارع صلاح الدين الصباغ ورفاقه زعماء حركة مايو 1941 من قادة الجيش العراقي المتمرد على بريطانيا والوصي عبد الاله، وهم اول شهداء الحركة القومية العربية في العراق.
ووصل حزب البعث الى الحكم في 8 شباط/فبراير من سنة 1963، بشكل لا يقل عنفا. اذ استهل بإعدام رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم، بعد محاكمة صورية عاجلة في دار الإذاعة ببغداد، مع اثنين من مرافقيه، وعرض جثثهم، بطريقة مهينة، على شاشة التلفاز، في نفس اليوم. تلت ذلك حملة اعتقالات وتعذيب وتصفيات، طالت أعضاء ومؤيدي الحزب الشيوعي خاصة. وإذا كان الحزب الشيوعي يستعيد ذكرى « يوما لا يقارن ما ارتكب فيه من جرائم الا بما اقترفه الفاشيون والنازيون، وقد يكون فاقهم فيها… ويصعب تصور حجم الدماء الشيوعية الغالية التي سفحها الانقلابيون الفاشيون، وكم الارواح العزيزة التي ازهقوها»، ببيانات وتصريحات نارية، لا يذكر فيها تحالفه ومشاركته الحكم مع أولئك « الانقلابيين الفاشيين» بعدها ببضع سنوات وتصفية جميع القوى الأخرى هذه المرة.
يستعيد حزب البعث ذكراه، هو الآخر، ولكن كيوم ثورة “قوضت الحكم الديكتاتوري القاسمي بعد ان انحرف بثورة 14تموز 1958، عن مسارها الوطني والقومي». نُشرت تأكيدا لهذه النقطة، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا ‏ وُصفت بأنها « نادرة جدا لشهداء ثورة الشواف قبل وبعد إعدامهم. الثورة التي انتفض فيها اهل ‎ الموصل ضد الطاغية الدكتاتور عبد الكريم قاسم ودموية الحزب الشيوعي الذي قتل عشرات الآلاف من اهالي الموصل وكركوك ومناطق أخرى من العراق».
وذكر بيان أصدره حزب البعث، الأسبوع الماضي، بأن “الحزب قدم من اجل الثورة كوكبة من الشهداء الابطال»، كما تطرق الى ما اسماه «ردة 18-11- 1963 واصفا إياها بأنها» اقترنت بشن حملات قمعية ضد مناضلي حزب البعث العربي الاشتراكي الابطال من اجل اجتثاثه والقضاء عليه واعتقل آلاف البعثيين وتعرضوا للتعذيب والاعدامات والحرمان الوظيفي».
قسمت الصراعات الدموية الضحايا الى « شهداء» يحملون ختما خاصا بأحد الأحزاب دون غيره. بات الشهيد ملكا خاصا خاضعا للتغييب أو المزايدات السياسية والاستغلال المادي. وبدت الصورة بأوضح صورها في فترة ما بعد الغزو. فصار «الشهيد»، في الأحزاب الطائفية، ورقة مقايضة للحصول على المناصب والعقود والابتزاز.
ولم يقتصر شهر شباط على صراعات وتقاتل الأحزاب الرئيسية فحسب بل تعداها الى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، يوم 13 شباط/فبراير، عام 1991، أمره بقصف ملجأ العامرية المدني، ببغداد، بقنابل (ذكية) حرقت 800 طفل وامرأة اتخذوا من الملجأ ملاذا، من القصف اليومي المستمر، على بغداد، خلال التسعينيات. فأصبحت اجساد الضحايا المتفحمة شهادة حية على جريمة لم يحاسب عليها أحد. جريمة ستبقى «عارا على الإدارات الأمريكية المتعاقبة طالما انها لم تعتذر لذوي الضحايا، وطالما انّها لم تتخذ الاجراءات القانونيّة لمحاسبة المخطّطين والمنفذين لجريمة الحرب هذه»، حسب مركز جنيف الدولي للعدالة.
ان مسؤولية الحرب العدوانية ضد العراق، وهي الجريمة الدولية العليا كما عَرفٌتها المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تقع على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها الأولى بريطانيا. وإذا كان الاحتلال قد قرر محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما صرح بنيامين ب. فيرينكز، أستاذ القانون، وأحد المدعين العامين للولايات المتحدة في المحاكمات العسكرية للمسؤولين الألمان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في مقابلة أُجريت في 25 آب/أغسطس 2006 فانه « كان يجب محاكمة جورج دبليو بوش، أيضاً، لأن حرب العراق كانت قد بدأت من قبل الولايات المتحدة بدون إذن من مجلس الأمن الدولي». وعن إمكانية تحقيق العدالة قانونيا، قال: «يمكن أن تكون هناك دعوى مقنعة بأن الولايات المتحدة مذنبة بارتكاب الجريمة العليا ضد الإنسانية، لكونها حربا عدوانية غير شرعية ضد دولة ذات سيادة».
هذه الجريمة الدولية الأعلى، التي يصر البعض على اعتبارها «تغييرا»، شرذمت الأحزاب العراقية، المؤسسة قبل وبعد الاحتلال، وجردتها من آخر رابط يمنحها شرعية الوجود، وهو الوطنية وتمثيل العراقيين بشكل حقيقي. ليصبح شهر شباط، بتصريحاته الجوفاء وانتقائيته الشعبوية في النظر الى احداث تاريخية تتطلب تشخيص الحقيقة، نموذجا لاحتضار حزبي دام أمده. وستبقى مسؤولية اجبار الدول المعتدية على الاعتذار وتحمل مسؤولية الاضرار التي الحقتها بالبلد بشريا وعمرانيا، مؤجلة بانتظار استعادة الدولة وحكومة وطنية لا تحمل تابوت شهر شباط الثقيل على كتفيها.
2 لا تزايدوا على العراق في موضوع التطبيع كفاح محمود كريم راي اليوم بريطاني
قُبيل نهاية العام الماضي كشفت تل أبيب عن إن ثلاثة مجاميع عراقية سياسية اجتماعية ضمت 15 شخصاً، زارت إسرائيل خلال العام الماضي 2018، وبحثت قضايا خاصة بإيران والتطبيع، وأشارت الخارجية الإسرائيلية في بيان نشرته على موقعها الرسمي في “تويتر” آنذاك إلى:
“أن زيارة الوفد العراقي الثالث إلى إسرائيل جرت قبل عدة أسابيع″، وأضافت أن:
“الوفود ضمت شخصيات سنية وشيعية وزعماء محليين لهم تأثيرهم في العراق، زارت متحف ياد فاشيم لتخليد ذكرى المحرقة، واجتمعت ببعض الأكاديميين والمسؤولين الإسرائيليين”، مشيرة إلى:
” أن الخارجية الإسرائيلية تدعم هذه المبادرة دون إيضاح الهدف منها”.*
وقد أدى هذا التسريب الخبري من لدن الخارجية الإسرائيلية إلى عجاجة ترابية رافقتها عاصفة من الأحاديث والمزايدات الغارقة بثقافة المؤامرة وعُقدة العلاقة مع إسرائيل، مما أدى إلى حدوث تسونامي إعلامية وأمواج عاتية من التصريحات النارية الملتهبة حول موضوع ربما يكون افتراضياً أو بالوناً مخابراتياً أو تجربة مختبرية لقياس ردود الأفعال، أو ربما كان حقيقة أراد أصحابها التمويه وحتى النفي كي لا تتم تصفيتهم أو أولادهم كما حصل لآخرين سبقوهم في زيارات مماثلة، ولكن الغريب في الأمر أن وسائل إعلام دول عربية لها علاقات متينة مع إسرائيل، بل وتنسيق على مختلف الأصعدة، كانت ملكيّة أكثر من الملك، وانبرت بتكثيف حملتها الدعائية وكأنها اكتشفت كوكباً جديداً في الكون يشبه الأرض، وتناست أن حكوماتها وفعالياتها السياسية والاجتماعية تُقيم على قدم وساق علاقات مع أبناء وبنات العم في “اسراطين” كما أسماها رئيس ليبيا وملك ملوك ٲفريقيا شهيد الوحدات الاندماجية معمر القذافي ذات يوم.
وبعيداً عن مسرح المزايدات العراقية الحالية المعروفة بأنغامها الإيرانية الشجية وألوانها الفارسية الزاهية، وخاصةً فيما يتعلق بالشيطان الأكبر وإسرائيل، فٳن الإعلام العربي وخاصة إعلام الدول التي تتمتع بعلاقات مهمة مع دولة إسرائيل أو على الأقل ليس لها موقف معادي منها، أو حول زيارة الوفد العراقي المفترضة إلى إسرائيل إلى قضية قومية تمس المصالح العليا لأمة العرب ومستقبلها، بل وربطها بقضية الصراع الإقليمي بين دول الشرق الأوسط فيما بينها، والصراع التاريخي بين الروس والأمريكان، حتى شعر المراقب لأداء تلك الوسائل الإعلامية بأننا نعيش مرحلة طيب الذكر ٲحمد سعيد مذيع صوت العرب في ستينيات القرن الماضي وصاحب صرخة سنرميهم في البحر، وكأنما نصف أراضي العراق تحت سيطرة الصهاينة!
أكثر ما أثارني هو سؤال مذيعة بإحدى الفضائيات العربية التي اهتمت كثيراً بالزيارة، ربما أكثر من اهتمامها بزيارة الرئيس السادات إلى تل أبيب في سبعينيات القرن الماضي، حينما سألتني وبحماسة وأسف شديدين: “كيف يقبل العراقيون زيارة وفد منهم إلى إسرائيل، ٲلا يعتبر ذلك انتحاراً سياسياً لأي حزب أو فرد؟
وبصرف النظر عن صحة الخبر المنشور حول الزيارة المفترضة، فقد تناست معظم وسائل الإعلام العربية بشكل ساذج أو لئيم رفرفة العلم الإسرائيلي في عاصمة العروبة والإسلام قاهرة المعتز، وبقية العواصم العربية والإسلامية، ناهيك عن علاقة وزيارات الرئيس الفلسطيني وملك الأردن ورئيس مصر وكثير من زعماء ووزراء ومسؤولي الأمتين العربية والإسلامية لدولة الكيان الصهيوني!
الأكثر غرابة أنها فعلاً كانت مثل زوبعة خريفية بدأت دون سابق إنذار وسرعان ما تلاشت وكأنما شيئاً لم يكن!
3 هل للخليجيين “مقاتلون أجانب” في سوريا؟! فاطمة عبدالله خليل
الوطن البحرينية

حارب آلاف من المقاتلين الأجانب في الحربين الأهليتين السورية والعراقية مع الأطراف المتنازعة، وكانوا من السنة ومن الشيعة والعرب والخليجيين ومن الروس والأكراد والأفغان والباكستانيين، وكل لون وجنس ذكور وإناث، وحتى صبية بالكاد وصلوا سن الحلم. وقد مات بعضهم، وفر بعضهم، لكن منهم من لايزال مع «داعش» لا يستطيع الفرار أو التخفي فهم كثيرون. وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في 2 يونيو 2016 أن مجتمع الاستخبارات التابع لها يقدر أن «ما يزيد على 40000 مقاتل أجنبي قد ذهبوا للنزاع في سوريا ومن أكثر من 100 بلد»، أما وزارة الدفاع الروسية فقدرت أن «هناك حوالي 25000-30000 من الأجانب يقاتلون مع «داعش»». ولأن الجرح الأفغاني لايزال في جسدنا، لذا لا يمكن نسيان الدرس الذي لقننا إياه أبناؤنا من الأفغان العرب، وذلك تعبير إعلامي أطلق بداية على مجموعات عربية قاتلت السوفيات بأفغانستان ثم عادت إلى أوطانها فاتجه بعض أفرادها إلى العنف والإرهاب والتكفير. فهل استوعبنا الدرس للتعامل مع المقاتلين الأجانب من الخليجيين؟!
دق ناقوس الخطر قبل أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين دعا فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية الحليفة لاسترداد أكثر من 800 عنصر من «داعش»، فقد سلم عشرات العناصر من «داعش» أنفسهم، بعدما حاصرتهم قوات سوريا الديمقراطية في آخر معاقل التنظيم شرق الفرات. وأضاف أنه تم إلقاء القبض عليهم في سوريا، ومحاكمتهم، محذراً من أن بلاده لا يمكنها الاحتفاظ بهم، وليس أمامها بالتالي سوى خيار واحد سيئ يتمثل بإطلاق سراحهم، ملوحاً بإمكانية «اختراقهم» أوروبا. وأضاف: «لقد فعلنا الكثير، صرفنا وقتاً وأموالاً، وحان الوقت لأن يقوم الآخرون بدورهم».
ناقوس الخطر المطلوب دقه ينبع من حقيقة ألا مركز دراسات أو معهد دراسة بحثية خليجي مختص قد حصر الخليجيين الذين قاتلوا في سوريا والعراق، أو على الأقل من يتوقع أن يكونوا لايزالون مع «داعش» حتى الآن، وينتظرون فرصة التسلل إلى دول الخليج ويفعلون ما فعله الأفغان العرب. وإن عدد الخليجيين المحصورين تحت مسمى «المقاتلين الأجانب» في سوريا يمكن التكهن به إذا علمنا أن عدد من سقط من الخليجيين في سوريا مع نهاية 2016 وصل ستة آلاف مقاتل بحكم تواجد القسم الأكبر من المقاتلين الخليجيين ضمن صفوف «داعش» و«جبهة النصرة»، ذراع تنظيم «القاعدة» الإرهابي في الشام، وهم من تعرض للقصف والهجمات من الجو من التحالف ومن القوات النظامية ومن الروس، أقل من تعرض الخليجيين الآخرين الذين يقاتلون مع الحشد الشعبي ومع القوات النظامية السورية.
* اختلاج النبض:
ندرك أن هناك من سيقول إنه لم يعد لنا مقاتلون لا مع «الحشد» ولا مع «داعش»، كما سيقول البعض أن لدينا برامج للمناصحة للعائدين. ولكن هل نتائجها كافية؟ وما هي الإجراءات التي اتخذناها في الخليج استعداداً لنداء ترامب كما نادى الأوروبيون تعالوا خذوا إرهابييكم؟!
4 ترحيل الأزمات ليلى بن هدنة البيان الاماراتية
تتوالى الأزمات والمصاعب في العراق، ولا يكاد يمر يوم إلا ويتم صنع واستحداث توتر جديد، فهروب قادة «داعش» من سوريا إلى العراق يمثل خطراً كبيراً على أمن ووحدة هذا البلد الذي يفتقد في التشكيلة الحكومية لوزراء الأمن، فالوضع الذي يعيشه العراق اليوم نتاج ترحيل الأزمات، فجذور المخاطر الأمنية تقبع في الأزمات السياسية التي لم تحل بعد، والتي تقع على عاتق الكتل السياسية في العراق التي كرست سياسة المحاصصة في الحياة السياسية.
حقق العراق بالقضاء على تنظيم داعش نصراً أمنياً، لكن النصر الأكثر تحدياً هو النصر السياسي – الذي بقي دائماً ليوم آخر، فالأزمات السياسية التي تراكمت ستؤدي إذا لم يتم حلها إلى ظهور «داعش» مجدداً ولو باسم آخر، لأن هذا التنظيم سبق أن استثمر في أزمات العراق أيام رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ودخل الموصل دون أي عناء. لذلك كلما فشلت الحكومة في برامجها وخططها ومهامها. كلما ازداد خطر ظهور تنظيم متشدد. فلا يوجد أمن من دون نظام سياسي مستقر.
فالذين يتحينون الفرص لضرب العراق واستقراره يستخدمون سلاح الفتنة الطائفية لتمزيق الجبهة الداخلية وتنفيذ أجندات خارجية، فالعراق بلد تعدد فيه مكونات عديدة، وكل مكون من هذه المكونات له رؤية خاصة، لكن في هذه الفترة البلد محتاج إلى حالة توافقية لترتيب الوضع السياسي والأمني في البلاد من خلال تطوير استراتيجية للتعامل مع التهديدات الإرهابية لتنظيم داعش تقوم أساساً على المصلحة الوطنية للبلاد، ووضع التجاذبات السياسية جانباً والاهتمام أكثر بتأمين وضع البلاد وعدم ترك هذا البلد رهينة للمخططات الخارجية.
نجاح العراق في مواجهة وتجاوز تحديات ما بعد «داعش» لا تقف عند سلطة معينة بل تستوجب التعاون بين الجميع، حيث يتم تجاوز المحاصصة وتكريس هدف واحد وهو وحدة العراق بوضع حلول وتصورات تتوافق مع المرحلة وتستجيب لمطالب الشعب، التوترات الطائفية في المنطقة، تُوفر أرضية تعزز عمليات تلك الجماعات للعودة مجدداً إلى العراق، ومن دون توافق سياسي بين كل مكونات العراق فسيظل هاجس التربص والعقلية الكيدية، حاضرين عند أي منعطف سياسي مهم يمر به الوطن.
5 روسيا والعراق… كلاهما يلتفت نحو الآخر فيتالي نعومكين
الشرق الاوسط السعودية
لسنوات طويلة، ربط تعاون وثيق بين روسيا والعراق. ورغم أن هذه العلاقة شابها في الحقبة السوفياتية تنكيل الحاكم السابق للعراق بالشيوعيين العراقيين، وبالأكراد أيضاً، فإن نظرة الشعبين – رغم تلك الظروف – تميزت بتعاطف قوي ربط فيما بينهما.
والملاحظ أن هذه السمة طبعت العلاقة تجاه المكونين العربي والكردي للشعب العراقي، لأن موسكو أيدت في عهود سيطرة الاستعمار، من دون أي تحفظ، تطلعات العراقيين نحو التحرر الوطني، ومنذ عام 1958 فعلت الكثير للمساعدة في تعزيز استقلال بلادهم.
ولأسباب مفهومة؛ سيطر بعد عام 2003 نوع من الفتور على علاقات الطرفين، لكنه لم يستمر طويلاً. ورغم أن واشنطن أصبحت شريكاً استراتيجياً لبغداد، فإن تقارب مواقف ووجهات النظر لدى روسيا والعراق حيال قضايا إقليمية وعالمية كثيرة، وتنامي الدور الروسي المزداد في المنطقة، فضلاً عن الإرث التاريخي من التعاطف الذي ربط الشعبين… كلها أسباب دفعت بالعلاقة بين البلدين إلى التقارب مجدداً. وإلى حد كبير، لعبت عودة الاستقرار تدريجياً إلى العراق دوراً في هذا المجال، خصوصاً في إطار المدّ المتصاعد للرغبة في تبني سياسات خارجية مستقلة، تقوم على تنويع العلاقات الخارجية.
دخل العراق بعد إلحاق الهزيمة بـ«داعش» مرحلة تعزيز الاستقرار، والعمل بنجاح على تقويض خطوط التصدع التي غذّت لفترة طويلة مشاعر عدم الثقة المتبادل والعداء والصدامات الشرسة بين المكونات العرقية والمذهبية والنخب التي تمثلها.
ومع ذلك، لا يزال هناك كثير من المشكلات الجدية، التي لم تجد حلولاً بعد، ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية – السياسية في البلاد، ويكفي التوقف عند عدد منها…
يصنف علماء السياسة الغربيون المجتمع العراقي على أنه من المجتمعات المنقسمة بعمق. وشهد كثير من المجتمعات التي يشار إليها عادة بهذا التصنيف، مراحل من الصراعات العنيفة الحادة. لكن في معظم الحالات كان التدخل الخارجي يعد المحرك الرئيسي للانفجار في تلك المجتمعات. وهذا ما حدث في العراق. واليوم، لا تتنافس المكونات العرقية – المذهبية الرئيسية فيما بينها فقط (بما في ذلك السنة والشيعة والأكراد)، فالأكثر انتشاراً هي الصراعات داخل الجماعات المختلفة نفسها، بما في ذلك القبائل والعشائر والتكتلات المتضامنة الأخرى، وكذلك الأحزاب والتكتلات السياسية.
الوضع يزداد تعقيداً بسبب وجود الميليشيات المسلحة في البلاد (وفقاً لبعض التقديرات يتراوح عددها بين 45 و60 تنظيماً). ورغم أن كثيراً منها لعب أدواراً مهمة في تحرير البلاد من «داعش»، فإن الواضح أنه ما زال على المجتمع أن يقطع شوطاً بعيداً قبل الوصول إلى المصالحة الوطنية الكاملة.
وفي العراق ثمة مشكلة معروفة جيداً، تتعلق بالمناطق «المتنازع عليها» أو «المختلطة». تكفي الإشارة إلى الصراع بين الأكراد والعرب حول كركوك. وإلى الأحداث في سنجار؛ حيث ارتكبت أعمال عنف ضد الإيزيديين، من جانب متطرفين؛ بينهم للأسف مجموعات تنتمي إلى قبائل عربية محلية. وكذلك ثمة مشكلات في أماكن توزع التركمان (على سبيل المثال تلعفر)… وهكذا دواليك.
ولا يمكن الارتكان إلى أن «داعش» تلقى هزيمة نهائية؛ إذ ما زالت «جيوبه» موجودة في مناطق عدة من البلاد. وما زال المسلحون يرتكبون أعمالاً إرهابية، وإن كان ذلك بمعدلات أقل من السابق بكثير.
وطبقاً لاستطلاعات أجراها في الموصل بعد تحرير المدينة من قبضة «داعش» مجموعة من الباحثين الغربيين؛ بينهم على سبيل المثال سكوت أتران؛ الخبير البارز في شؤون الإرهاب، فإن مشاعر التعاطف مع فكر تنظيم داعش ما زالت منتشرة بين سكان المدينة (علما بأن الغالبية رحلت منها) رغم إدانة التصرفات البشعة التي قام بها هذا التنظيم.
وتعد مشكلة إعادة إعمار المدن المدمرة (على سبيل المثال الموصل وسنجار) وتحديث البنى التحتية في البلدات أيضاً من المشكلات الحادة المطروحة على جدول الأعمال، ومجرد سرد اللائحة الطويلة من هذه المشكلات سوف يستغرق كثيراً من الوقت.
وقد عبرت موسكو عن ارتياحها لملاحظة أن تحسين إدارة الدولة يساهم في حل هذه المشكلات، وإن التقارب الحاصل في الفترة الأخيرة، بين موسكو وبغداد، كما ذكرنا سابقاً لم يأت من فراغ وهو يخدم مصالح البلدين. وقد تم إنجاز كثير من العمل. وتعمل في العراق شركات الطاقة الروسية «لوك أويل» و«غازبروم نفت» و«سيوزنيفتغاز»، ولدى شركة النفط العملاقة «روس نفت» خطط أيضاً في العراق.
وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات في صناعة النفط والغاز 10 مليارات دولار. ويجري النظر في مشروعات استثمارية جديدة في مجالات عدة، مثل الطاقة الكهربائية والنقل والزراعة… وغيرها. وعلى المستوى التعليمي، هناك أكثر من 4 آلاف طالب عراقي يدرسون في الجامعات الروسية في تخصصات مختلفة.
نقطة أخرى لها أهمية خاصة؛ في الآونة الأخيرة، قام عدد من النواب العراقيين بطرح مبادرة لاعتماد قانون حول انسحاب القوات الأميركية من البلاد. لقد أعجبني حقاً كيف رد الرئيس برهم صالح بحرص ومسؤولية على سؤال حول هذا الموضوع في اجتماع «ملتقى الرافدين» ببغداد في 4 فبراير (شباط) الحالي. لا أريد أن أكرر كلمات رئيس الدولة أو أعلق عليها، لكن المنطق هنا واضح.
لدى العراق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة. وفي عام 2017، وقع البلدان اتفاقية إطار حول الصداقة والتعاون بين البلدين. والقوات الأميركية موجودة في العراق بشكل شرعي ولكن مؤقت، ومهامها تقتصر على محاربة الإرهاب، ودعم استقرار الوضع في البلاد.
في الوقت نفسه، لا يسمح الدستور العراقي من حيث المبدأ بنشر قوات أجنبية في البلاد. بين السطور يمكنك أن تقرأ أن القوات الأميركية يمكن أن تبقى على أراضي العراق فقط ما دام ذلك ضرورياً، وفقاً لما هو منصوص عليه في التفويض الموكل إليهم.
لا ينبغي الظن أن هذا العامل يمكن أن يؤثر بأي شكل على علاقة روسيا مع العراق. ورداً على سؤال عما إذا كانت روسيا قلقة بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق، قال وزير الخارجية سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي بموسكو في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، أعقب مفاوضاته مع وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم: «نحن نحترم حق العراق السيادي مثل أي بلد آخر في تقرير أفضل السبل لضمان أمنه، وبما أن القوات الأميركية توجد على الأراضي العراقية بالاتفاق مع الحكومة العراقية، فإن الشروط التي يحددها القانون الدولي تحظى بالاحترام الكامل».
يجب التنويه بأن روسيا تتعامل بالدرجة نفسها من التفهم مع الوجود الأميركي في المنطقة. وأوضح الوزير بعد تلك العبارات أن بلاده «تنطلق من أن الوجود العسكري الأميركي في العراق يلبي الأهداف المنصوص عليها، وهي مكافحة الإرهاب ومساعدة الحكومة العراقية على تعزيز استقرار الوضع، وليس من أجل حل المهام الجيوسياسية في هذه المنطقة بطريقة ما، والتي تسعى إلى تحقيق الأهداف الأحادية للولايات المتحدة. وليس لديّ أي شك في أن القيادة العراقية تنطلق من هذا الفهم أيضاً».
في الوقت ذاته، أعاد لافروف إلى الذاكرة خلال حديثه في 4 فبراير الحالي بالجامعة السلافية الروسية القيرغيزية، أنه رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان وصف في اليوم السابق غزو العراق بأنه خطأ فادح، فإنه «ومع ذلك، لا نشهد تراجعاً لنهج التوغل في بلدان تحكمها أنظمة لا تعجب الولايات المتحدة».
بالمناسبة، تتعاون روسيا والعراق بنجاح في مكافحة الإرهاب. ويساعد في هذا الأمر «مركز بغداد للمعلومات»، حيث يقوم كل من روسيا والعراق وإيران وسوريا بتنسيق تحركاتها في هذا المجال.
وثمة أسباب للأمل في أن تكون الزيارة المرتقبة إلى روسيا من قبَل الرئيس العراقي برهم صالح، الذي برز بصفته رجل دولة له خبرة واسعة ومحل ثقة، بداية مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين.
6 نهاية “داعش” وبقاء “الداعشيين”! زهير ماجد الوطن العمانية
لعل الكثير من الإعلاميين باتوا على معرفة بالخرائط “الداعشية” التي رسمت فيها أشكال جديدة لعالم عربي وإسلامي يندرج تحت عنوان دولة الإسلام، وهي في كل الأحوال تتفق مع ما وضعه برنار لويس الذي تجاوز عمره المائة عام تقريبا من تقسيمات لبلاد العرب.
شعر “الداعشيون” في بدايات دورهم أن ما رسموه على الورق بدأ يعطي ثماره، وخصوصا بعد أن تلقوا الدعم من الدولة العظمى ومن دول أخرى، وكان الرهان على أن إيصالهم إلى غاياتهم سوف يعني إقامة تلك “الدولة” وتحقق شروطها.
ربما ساعد “الداعشيون” ما جرى في الساحات العربية من تخريب منهجي، وفي العراق تحديدا إسقاط صدام حسين، وكان سقوط مدينة الموصل بأيديهم بمثابة الترجمة الرابحة لخطتهم. وهكذا بدا العالم وكأنه يدخل فعلا دورة جديدة لنظام يريد، ليس فقط التغيير، بل اقتلاع وتدمير كل ما هو قائم من تاريخ وحضارة وقيم وأخلاق وسياسة ونظام اجتماعي إضافة إلى التغيير الجغرافي. من هنا رأينا ممارسات العنف التي قدمها “داعش” من حرق وقتل وسحل وتفنن في عمليات الإعدام والإبادات الجماعية وصلب وتدمير، حتى أنه في مدينة الرقة السورية المهدمة كليا من قبل هذا التنظيم، تم تدمير البنى التحتية فيها في عملية مدروسة لا سابق لها.
كادت الخطة “الداعشية” أن تنجح لولا حالة الاستبسال للجيش العربي السوري، وللقوى العراقية المسلحة بكافة أشكالها، إضافة إلى المهارات التي أضافتها تنظيمات أخرى مساعدة. ورغم التدمير الهائل الذي أوقعته معارك تنظيف البلدين من “الداعشية”، إلا أن المهم في ذلك كان القضاء على وجودها.
كانت المعلومات تشير إلى أن الأميركي قام بعملية إنقاذ لقيادات “داعش” عبر طائراته المروحية التي حطت في أكثر من مكان داخل سوريا والعراق، بل حمى مئات القيادات من سوء المصير حين شعر أن نهايتهم باتت وشيكة، فإما الاستسلام أو الموت.
تنفس العالم الآن لكن “الداعشيين” ما زالوا طلقاء، فمن أماكن تجمعاتهم إلى ما يسمى بالذئاب المنفردة، هم الآن تجمعات صغيرة مرمية هنا وهناك، يراد لها أن تلعب دورا ما في وقت ما، إذ ما زال الرهان عليها لتكون المخرب للمنطقة، ولإضفاء جو من الفوضى المدروسة، ومن حرمان أهل المنطقة من العيش بسلام لمدة غير معروفة، في الوقت الذي يتحقق فيه العكس لإسرائيل، أمانا وازدهارا والمزيد من القوة، أمام مشهد عربي زيادة في التفتت والتقاسم والتقسيم.
الآن يقال إن هنالك انقلابا حصل على زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، ومهما يكن الخبر صحيحا أو كاذبا، فالمسألة تعني أن هؤلاء الإرهابيين ما زالوا موجودين بيننا، وفي ربوع بلادنا، لهم دور مرسوم لم ينته أجله وقد لا ينتهي، بل هو مرتبط بوجود الكيان العبري على ما يبدو وكما تدل تحليلات فيها الكثير من هذا المنطق.
“داعش” الآن إذن في حالة بعثرة، وهو في محاولة دؤوبة لإعادة قراءة ما جرى، إضافة إلى رسم صورة جديدة له، أقلها أعادة الجسم المفتت إلى طبيعته وتحديد المرحلة المقبلة. فمن استولد هذا التنظيم لن يسمح بقتله نهائيا، ومن وضع له الدور، لن يسمح بالقضاء عليه .. ليس هنالك ولادة تنظيم بهذا الحجم وبهذه القوة وهذا الأداء القتالي مع نوعية سلاحه، إلا وكان وراءه أم وأب.