1 من وراء تدمير العراق وسوريا.. وايران أم اميركا؟ صالح القزويني
راي اليوم بريطاينا
مع انه لا يراودني شك أن الهدف من مؤتمر وارسو هو نقل العلاقات مع اسرائيل من الخفاء الى العلن؛ إلا أن القائمين عليه وبعض المشاركين فيه شنوا (سواء بشكل مباشر أو عبر الأذرع الاعلامية) هجمة اعلامية واسعة ضد ايران كان الهدف منها الايحاء بأنها هي التي تقف وراء ويلات المنطقة والكوارث التي حلت بها وبالتالي فانها العدو الرئيسي لدولها وليست اسرائيل، إلى جانب إبعاد الانظار عن حقيقة ما يجري في وارسو وهو التطبيع مع اسرائيل.
ولست هنا بصدد تسليط الضوء على الكارثة السياسية التي وقعت في وارسو بقدر التركيز على الذين يقفون وراء الأزمات التي تشهدها دول المنطقة.
إسقاط أنظمة العراق وليبيا وأفغانستان
بغض النظر عن طبيعة الانظمة التي حكمت العراق وليبيا وأفغانستان، فإن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد هذه البلدان الثلاثة والتي أدت إلى إسقاط أنظمتها كانت السبب الرئيس وراء الأزمات المتلاحقة التي شهدتها.
كان يمكن للعراقيين أن يتجاوزوا مرحلة الاحتلال والعدوان الاميركي خاصة وأنه خلصهم من نظام ديكتاتوري ومستبد، غير أن السعودية جاءت لتكمل ما بدأته الولايات المتحدة في هذا البلد، فأشعلت الفتنة الطائفية فيه، وأعتقد أن الجميع يتذكر الفتاوى التي صدرت من منابر مكة المكرمة والمدينة المنورة وتبعتها بعض المنابر في الكويت ومصر وشمال أفريقيا وحتى الدول الغربية التي تقطنها جاليات تكفيرية، والتي تبيح بكل وقاحة هدر دم “الرافضة”، وحرمة التعامل معهم ومصادرة أموالهم واغتصاب نسائهم وقتل أطفالهم.
كانت هذه الفتاوى بذرة المواجهات الطائفية التي كادت أن تتطور الى حرب أهلية، ومع أنها لم تتطور الى حرب أهلية إلا أنها تحولت الى خلافات سياسية تعتبر اليوم من أبرز المشاكل التي يعاني منها العراق، فان الفساد الذي يعاني منه العراقيون هو الولد الشرعي للمحاصصة التي تعتبر بدورها وليدة الخلافات السياسية.
ليبيا ليست أحسن حالا من العراق، فكان السبب الرئيسي وراء أزمتها الحالية هو الحرب التي شنتها الولايات المتحدة والناتو ضدها وأدت إلى إسقاط نظام القذافي، ولكن لو بحثنا عن جذور استمرار الأزمة لرأينا انها تعود الى تدخل بعض الأطراف الاقليمية وتأتي في مقدمتها السعودية التي ترفض حدوث أي تغيير في النظام الليبي وتصر على عودة بقايا نظام القذافي الى الحكم.
أما افغانستان فان الولايات المتحدة وراء أزمتها التي تقترب من عقدها الثالث، واذا اعتبرنا أن الولايات المتحدة أسقطت نظام طالبان لتحالفه مع القاعدة الذي فجر البرجين، فان المخابرات السعودية والاميركية هما اللتان صنعتا القاعدة وقامتا بدعمها.
تدمير اليمن
غير خاف على أحد أن الهدف الرئيسي الذي تسعى السعودية الى تحقيقه في اليمن هو تدمير هذا البلد وجعله يعاني من الدمار لعدة عقود، لكي لا تقوم له قائمة بعد ثورته التي أطاحت بعلي عبد الله صالح، غير أن الرياض لا تملك الشجاعة الكافية لتعلن ذلك، فبررت عدوانها وجرائمها في اليمن بمحاربة الحوثيين بينما نرى أن قوة من تسميهم بالامتداد الايراني تتضاعف يوما بعد آخر، ليس على الصعيد العسكري وحسب وانما على الصعيد السياسي أيضا، اذ أن حركة انصار الله استطاعت أن تفرض شروطها في مفاوضات ستوكهولم.
كبرياء السعودية لا يسمح لها بأن تقول انها انهزمت في اليمن وانها فشلت في القضاء على الحوثيين رغم الدعم الهائل الذي تتلقاه من الغرب وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول العربية والاسلامية، لذلك فانها تعلن أنها تحارب ايران في هذا البلد.
تدمير سوريا
القاصي والداني يدرك أن الدمار الذي حل بسوريا كان وراءه سعي بعض البلدان ومن بينها السعودية الى توسيع رقعة الاحتجاجات الشعبية ومن ثم عسكرة هذه الاحتجاجات، وكان الهدف الرئيس وراء ذلك هو تدمير سوريا وجعلها تنشغل بمشاكلها وأن تتوقف عن دعم المقاومة الفلسطينية، ولتحقيق ذلك وضعت السعودية وتركيا والغرب شروطا تعجيزية تأتي في مقدمتها رحيل الرئيس السوري عن الحكم، واليوم يلقون بمسؤولية الدمار على ايران وروسيا وفصائل المقاومة، بينما الجميع يقر أن الجيش السوري وروسيا وايران وأصدقائها طردوا الارهابيين واعادوا الاستقرار لسوريا.
حتى الأمس القريب كان وزير الخارجية السعودي يطالب باسقاط الاسد ويؤكد أن بلاده ستواصل دعمها للمعارضة السورية، ويقصد بذلك المعارضة المسلحة التي كانت وراء الدمار الذي حل بسوريا.
البحرين
السعودية تلعب الدور الرئيسي في استمرار أزمة البحرين، من خلال تدخلها العسكري في قمع الاحتجاجات “تحت غطاء قوات درع الجزيرة”، وارغام الحكومة البحرينية على اللجوء الى الخيار الأمني لحل الأزمة وعدم تقديم أية تنازلات للمعارضة، ونتيجة للموقف السعودي فان التسوية السياسية تم تجميدها.
2 اخلع نعليك.. فانت في العراق خالد الناهي راي اليوم بريطانيا
صيغة الامر التي كلم بها الخالق نبيه، توضح أمرين، أولهما قدسية المكان الذي أراد دخوله نبيه موسى (عليه وعلى نبينا واله الصلاة والسلام)، والأخر عدم معرفة النبي لمكانة هذا المكان، لذلك كلمه سبحانه لينبهه لما هو مقدم عليه.
العراق من الأماكن التي تسعى أغلب دول العالم للحصول على موطئ قدم فيه، فتجدها مرة تحاول بسط نفوذها العسكري، كما تفعل أمريكا وتركيا، وأخرى تحاول بسط نفوذها السياسي، من خلال التدخل في شؤونه وقراراته ومحاولة توجيه الحكومة الوجهة التي تحقق مصالحها، كما يفعل جميع دول الجوار للعراق.
لم يعد خافيا على أحد، أن هناك صراع إرادات، بين أمريكا وحلفائها من دول الإقليم، وبين إيران وحلفائها من الإقليم أيضا، وكلا الطرفين يعتقد، أنه لا يمكنه كسب المعركة، الا من خلال نفوذ قوي في العراق.
الغريب أن جميع الأطراف المتصارعة، تعلم بأهمية العراق، الا ساسة العراق لا يعلمون ذلك.. فتجدهم يقبلون بالحلول الخارجية، التي تراعى فيها دائما مصلحة بلدانهم قبل كل شيء، مستصغرين شأنهم، معتقدين ان الجميع أفضل منهم، لذلك تجد كل طرف فيهم يميل لجهة او محور معين.
حاولت المرجعية الدينية، في أكثر من مناسبة، تقديم النصح اليهم، وافهامهم بأن العراق هو الطرف الأقوى في المنطقة، ان أراد ساسته وشعبه ان يجعلوه كذلك، لكن دون جدوى.. فلم يستمع ويطبق كلامها الا القليل منهم، حتى قالت في احد خطب الجمعة من خلال ممثلها في الصحن الحسيني الشريف( يأبى البعض الا ان يكون ذيلا)
ان عدم إدراك كثير من الساسة لأهمية الدور العراقي الدولي والإقليمي، جعل المرجعية تتدخل بالشأن السياسي العراقي، وبصورة مباشرة للمرة الأولى من بعد فتوى الجهاد الكفائي، من خلال حديثها مع ممثلة الأمم المتحدة، بعدم إمكانية ان يكون ساحة لتصفية الحسابات، او منطلق لاعتداء دولة على دولة أخرى.
هناك دعوات وان كانت خجولة، ليلعب العراق دور وسيط بين دول المنطقة المتخاصمة” إيران والسعودية”، وهي محاولة قام بها قبل عدة سنوات السيد مقتدى الصدر، ولم تلقى إذنا صاغية من كلا الدولتين، وأخرى طرحها السيد عبد العزيز الحكيم، ولا زال يتبناها السيد عمار الحكيم، فيما كان السيد اياد علاوي دعوات متكررة للتهدئة، وإمكانية لعب دور الوسيط بين أمريكا وإيران.
تبقى هذه الدعوات فردية وغير مجدية، ان لم يشعر جميع الأطراف، ان هذه الدعوات تمثل رأي الحكومة العراقية، وأن العراق يرفض ان يكون طرفا في الصراعات القائمة في المنطقة.
فهل شعر ساسة العراق، انهم في وادي العراق المقدس؟.. وأنهم يجب أن يخلعوا ولائهم لغير العراق، ويكونون سببا في استقرار بلدهم والمنطقة برمتها!
لا زلنا نأمل ذلك…
3 العراق: 70 جعجعة بلا طحن
جورج منصور الحياة السعودية
يعرف عن العراقيين حنكتهم وفكاهتهم وتعليقاتهم السياسية الساخرة، وهم يتباهون كونهم”مفتحين باللبن” ولا تفوتهم شاردة او واردة، إلا وعلقوا عليها. إذ انهم من اكتوى بنارالسياسيين المتنفذين والفساد الذي يزكم انوفهم منذ ست عشرة سنة، وهم يفهمون جيدا، انه كلما اراد مسؤول في الدولة تسويف قضية ما وطمس معالمها ورميها في سلة المهملات، فإنه يقوم بتشكيل لجنة خاصة بها. فما بال العراقيين اليوم، وقد شكل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي “المجلس الاعلى لمكافحة الفساد”، واصدرمن اجله امرديواني رقم 70 بتاريخ 31 كانون الاول (ديسمبر) 2018 ورصد الاموال له.
جاء تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد، بعد ان سئم المواطن من الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وانعدمت الثقة بينه وبين المسؤولين في الدولة ولم يتلق غير الوعود الفارغة. الحكومة التي لم تقدم له خبزا يسد به رمقه ولا وقودا يتدفء به او كساء يغطيه ويقيه برودة الشتاء ولا كهرباء تخفف عنه حرارة الصيف اللاهب ولا دواء يشفيه ولا مستشفيات تعالجه ولا مدارس مناسبة لاطفاله.
لا اعتقد ان المواطن العراقي سوف يفرح وتنفرج اساريره ولن يتوهم بان المجلس الجديد سيكافح الفساد ويعاقب المفسدين، لان في العراق “هيأة النزاهة” التي تشكلت بموجب الامر المرقم الصادر عن مجلس الحكم في عام 2004، و”ديوان الرقابة المالية الاتحادي” الذي تأسس في عام 2011 حسب الامر المرقم 31 ويرتبط بمجلس النواب، و”مكاتب المفتشين العموميين” التي اسسستها سلطة الائتلاف تحت رقم 57 لسنة 2004، وكلها تكلف خزينة الدولة اموالا طائلة دون ان تقدم شيئا في مكافحة الفساد.
ألم يكن من الاهمية بمكان ان يتم دعم هذه الهيئات والتشكيلات وان تمنح الصلاحيات والاستقلالية الكافية لممارسة عملها في كشف الفساد وتحويل الملفات الى القضاء والمحاكم لمعاقبة المفسدين، بدلا عن تأسيس مجلس جديد ليكون بديلا او بمثابة الغاء هيأة النزاهة وديوان الرقابة ومكاتب المفتشين؟
ان تشكيل المجلس الاعلى وضم هيئات مستقلة تحت يافطته، يعتبر تدخلا في شؤون هيأة النزاهة، باعتبارها كيانا مستقلا، يرتبط بالسلطة التشريعية وتحديدا بمجلس النواب، ولا يحق لرئيس الوزراء الاشراف على عملها او درجها ضمن خانة المجلس الاعلى، كون ان رئيس الوزراء يمثل السلطة التنفيذية، وعلى العراق ان يسير باتجاه فصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية.
والتجربة العراقية الفاشلة في مكافحة الفساد، تذكرني بتجربة سنغافورة الناجحة. يكتب رئيس وزراء سنغافورة الاسبق (لي كون يو)، الذي قضى ثلاثين عاما من حكمه في محاربة الفساد وتعزيز الاقتصاد وفتح ابواب الاستثمارات وتحسين المستوى المعيشي للشعب، في مذكراته (من العالم الثالث الى الاول) عن قصة سنغافورة في الازدهار وطريقتها في مكافحة الفساد الذي بدأ من قمة هرم الدولة الى اسفله، واصبحت الدولة الاقل فسادا باحتلالها المرتبة الرابعة في العالم. التجربة التي بدأت في عام 1975 عندما ادانت احدى محاكم سنغافورة وزير البيئة لقيامه، هو وعائلته، برحلة مجانية الى اندونيسيا، على حساب رجل اعمال. واصدرت حكما عليه بالسجن لاربع سنوات وصادرت ممتلكاته، التي كسبها عن طريق الثراء غير المشروع.
لا يحتاج العراق الى مجلس جديد، بقدر حاجته الى حملة لكشف الفاسدين ومقاضاتهم والى ارادة قوية وصارمة وقرارات شجاعة ومحاكمات جادة وعادلة لحيتان الفساد وكبار المسؤولين المتهمين بالسرقات والاستيلاء على ممتلكات الآخرين والاثراء على حساب المال العام، والى خطوات عملية لمكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، إذ ان في هيأة النزاهة 13 الف ملف فساد ينتظرالاجراءات اللازمة.
العراقيون لا ينتظرون من المجلس الاعلى لمكافحة الفساد اطلاق الشعارات الطنانة ولا الوعود الجوفاء ولا ان يكون حلقة زائدة ورقما جديدا مضافا الى ما تم تشكيله خلال السنوات الست عشرة الماضية من هيئات مشابهة، ولا ان يتحول الامر الديواني رقم 70 الى جعجعة بلا طحين.