7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 انهم يقتلون المجتمع المدني في العراق!
هيفاء زنكنة
القدس العربي
على مدى ثلاثة أيام تلقى عدد من رجال الدين من محافظة نينوى، شمال العراق «تدريبات مركزة على كيفية بناء السلام والتعايش والحد من الكراهية»، في ورشة أدارها « مشرف على عمليات بناء السلام» من منظمة مجتمع مدني تدعى «سند لبناء السلام». وتهدف المنظمة من خلال الورشة الى»بناء السلام» و«خلق فرص السلام»، بالإضافة الى «التسامح والتآلف والتعايش المجتمعي وفضاء الإنسانية». مما يعني ان المنظمة تفترض، إما بحسن نية أو لأن التمويل المتوافر يتطلب برنامجا كهذا، إن أهل الموصل، خاصة، ونينوى عموما، لم يحدث وأن عاشوا سوية بسلام وان المنظمة قادرة على تحقيق ذلك بقدرة مديرها ولقبه الرسمي «مشرف على عمليات بناء السلام». وهو لقب، ظننته قد استخدم، في البداية، من باب المزاح، في مجال مسميات نشاطات المجتمع المدني المستحدثة، إلا أن مواصلة القراءة أكدت ان المسألة جدية. ويستحق عمل المنظمة الذكر عند رصد مصادر تمويل المجتمع المدني بالإضافة الى النظر في ماهية المشاريع ومدى استجابتها للحاجة الفعلية للمجتمع، منذ الاحتلال عام 2003 وحتى اليوم.
الملاحظ ان منظمة «سند لبناء السلام» تأسست عام 2013 بدعم من «معهد الولايات المتحدة للسلام». وهو مؤسسة يتمتع أعضاء مجلسها بعلاقات وثيقة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية. مما يضع علامة استفهام حول دور المعهد وماهية توفيره التمويل والدعم لمنظمات مجتمع مدني في بلد قامت أمريكا بغزوه، وهي المسؤولة الأولى عن تخريبه، بشريا وعمرانيا، بشكل مباشر وغير مباشر. وتصبح علامة الأستفهام أكبر حين يتم تمويل منظمات المجتمع المدني في البلد المحتل تحت شعار رنان هو «بناء السلام»، فعن أي سلام يتحدثون؟ هل هو ذات « السلام» الذي يحاول الكيان الصهيوني تسويقه، يوميا، بينما يدير آلة القتل المنهجي ضد الفلسطينيين؟ ألم يتم تفريغ السلام من فحواه النبيل بعد؟
مشروع آخر يستحق الاشارة، أنجزته منظمة مجتمع مدني تدعى «مؤسسة تجديد عراق لتنمية وتطوير الاقتصاد» تقدم نفسها باعتبارها « جادة في تطوير الوضع الاقتصادي والعلمي في العراق كمساهمة في بناء العراق الجديد». أما المشروع الذي أنجز نهاية العام الماضي، فهو «حملة تشجيع البدء المبكر للرضاعة الطبيعية»، حيث تدرب خلال يومين 20 شخصا من ملاكات الصحة على «تشجيع الأمهات العراقيات على ترضيع الأطفال حديثي الولادة». ويؤكد موقع المؤسسة على ان الحملة تمت بدعم «من الشعب الأمريكي» و«المؤسسات الإنسانية» ووزارة الصحة وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف). هذه المعلومات، تثير التساؤل حول ماهية المشاريع: فمتى توقفت الأمهات العراقيات عن إرضاع اطفالهن حديثي الولادة؟ حسب علمي، أنه إذا كانت هناك مشكلة فهي ان الأمهات يواصلن الارضاع لسنوات ما لم يكن هناك سبب صحي مانع وليس العكس. بالإمكان اعتبار هذه المشاريع نموذجاً مصغراً لمشاريع «إعادة الاعمار» على مدى أعوام الاحتلال.
وفي كتابه «كانت نيتنا حسنة»، يكشف الدبلوماسي الأمريكي بيتر فان بورن، قائد فريق إعادة الإعمار التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في العراق، عن قائمة طويلة من المشاريع الخيالية أو الوهمية التي قام بها فريق الإعمار وفي كلا الحالتين لم تكن ذات فائدة إطلاقاً للمجتمع العراقي بينما «كلفت دافع الضرائب الأمريكي أموالاً طائلة»، حسب تعبيره، وان كانت الأموال، في الحقيقة، مستخلصة من العراق نفسه.
يتساءل فان بورن أثناء تمحيصه طبيعة المشاريع: «إذا ما تم تعيينك مسؤولا عن «إعمار العراق»، هل ستنفق أموال دافعي الضرائب على لوحة جدارية في أخطر أحياء بغداد لتشجيع المصالحة من خلال الفن؟ ماذا عن إنشاء «مصنع الحليب» النائي المعزول الذي لا يستطيع العاملون فيه نقل الحليب إلى السوق؟ أو إدارة صف لتدريب العراقيات على صنع المعجنات وفتح المقاهي في شوارع قصفت وتفتقر إلى الماء والكهرباء؟».
وإذا كانت مئات المشاريع قد تم تجميدها بعد الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال عام 2011، فإن ما أسس له من فساد مالي بقي متغلغلاً، في بنية الحكومات العراقية ومؤسساتها، من أعلى المناصب القيادية الى أصغرها، ومقبولاً، عملياً، من قبل كل المنخرطين في العملية السياسية، وبات، وهنا الخطر الأكبر، مؤثراً، أيضاً، على طبيعة وعمل «المجتمع المدني»، بذات المواصفات وبدرجات قبول متفاوتة، محليا وعالميا.
لم تكن ولادة «المجتمع المدني» الذي برز بمنظماته وشبكات اتصالاته، في العراق المحتل منذ عام 2003، طبيعية. فباستثناء قلة من المنظمات المستقلة، فعلاً، جاءت ولادة معظم البقية مشوهة، بعدما أعلن ديك تشيني، وزير الخارجية، أن أي عمل مدني تدعمه جزء من سياستها الرسمية وليس كما تشاء المنظمات أو الناشطون. عدد منها كان جزءاً من القوة الناعمة لبلدان أخرى ساهمت بالغزو وكانت قد أسست في الخارج لتسويق الخطاب الدعائي لشن الحرب، ومن ثم تم تصديرها الى داخل البلد لترويج خطاب «بناء الديمقراطية». العدد الآخر، تم تأسيسه داخليا، في فترات تطلبت نشاطا دعائيا ترويجيا معينا، مثل تأسيس مئات المنظمات قبل الانتخابات لتصويرها بأنها «نزيهة وشفافة». هذه المنظمات تتلاشى حالما تنتفي الحاجة اليها وينتهي التمويل. وإذا كانت من أبرز مصادر الدعم والتمويل لمنظمات « المجتمع المدني» الناشطة داخل العراق هي وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي) ووزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في فترة الاحتلال الأولى فإن مسؤولية التمويل تقاسمتها منظمات أمريكية، مدعومة حكوميا، باشرت ذات المهمة وهي: المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، والمعهد الجمهوري الدولي، ومركز المشروعات الخاصة المستقلة، والمركز الأمريكي للتضامن الدولي من أجل العمل («مركز التضامن»)، وعدة منظمات أصغر مثل معهد الولايات المتحدة للسلام. مهمتها، على اختلاف أسمائها، تصدير السياسة الأمريكية تحت أغطية ملونة ومزركشة بالديمقراطية والمصالحة والسلام.
ولم يقتصر هوس تأسيس المنظمات على بلدان الاحتلال فقط، إذ سرعان ما اكتشف ساسة الحكومة العراقية أهميتها كأداة للتظاهر بالديمقراطية وحقوق الانسان أمام المجتمع الدولي والدول المانحة من جهة، ولإجهاض عمل المنظمات المستقلة من جهة أخرى. فباتت المنظمات الكبيرة المهيمنة على الساحة امتداداً طبيعياً للحكومة، اذ يحتل رؤساء عدد من أكبر منظمات المجتمع المدني المهيمنة على الساحة مناصب حكومية عليا، بالإضافة الى الأحزاب الفاسدة القادرة على التمويل، وتم تحويل «المجتمع المدني» من مجموعة من المنظمات التطوعية التي تنشأ وتعمل باستقلالية عن الدولة إلى واجهات لمن يدفع ناهيك عن تمثيل السياسة الخارجية لدول أخرى، والأدهى من ذلك حين تكون الدولة الممولة هي محتلة للبلد وعملت بمثابرة على تهديم بنيته التحتية وسببت مقتل مليون مواطن.
ان تدخل الأحزاب ووصاية الحكومة يعني موت المجتمع المدني فما بالك بالتدخل الأجنبي؟ ما بالك إذا كان الأجنبي هو المحتل الذي هدم البلد وعاد متظاهراً ببناء السلام من خلال منظمات ومشاريع تغذي قلة من المستفيدين أو السذج، وتمنع قيام مجتمع مدني فاعل يعمل على تشكيل الوعي ورفع المستوى الثقافي والتفكير المستقل والانجاز الحقيقي.
2 هل تقصف الطائرات الاسرائيلية مواقع الحشد الشعبي العراقي؟ وكيف سيكون الرد؟ كاظم الموسوي راي اليوم بريطاني

حسب ما نشرته وكالة الانباء سبوتنيك يوم 2019/1/18 عن مصدر حكومي في بغداد، نقلته من هيئة بث اسرائيلية باللغة العربية، إن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أبلغ رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، اثناء لقائه به في بغداد، بأن واشنطن لن تتدخل إذا قصفت إسرائيل مواقع الحشد الشعبي في العراق. وذكرت هيئة البث على لسان المصدر العراقي أن رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، أبدى انزعاجه من ذلك، وأكد لبومبيو أن لهذا الأمر تداعيات خطيرة على المنطقة.
كان وزير الخارجية الأميركي، قد التقى في 2019/1/9 الرؤساء العراقيين، ووزير الخارجية محمد الحكيم، والقوات الأميركية، بعد وصوله إلى بغداد في زيارة غير معلنة مسبقاً. وذكرت وكالة رويترز أن الزيارة تهدف لطمأنة العراق بشأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، والتحذير من أن إيران لا تزال تشكل خطرا أمنيا في المنطقة(!). وأفاد بيان لوزارة الخارجية الأميركية أن بومبيو أكد في لقائه مع عبد المهدي، التزام الولايات المتحدة دعم سيادة العراق وبحث هزائم تنظيم “داعش” في الآونة الأخيرة في سوريا، واستمرار التعاون مع قوات الأمن العراقية(!).
وسبق أن صرح مصدر سياسي عراقي مطلع (من هو ؟ ولماذا يحجب نفسه؟!) وفق وكالات، قبل ذلك، أن بومبيو أبلغ بغداد بوجهة النظر الإسرائيلية، التي تقول بعدم جدوى مهاجمة مقرات الفصائل العراقية المرتبطة بإيران داخل سوريا، لأنها تعود كل مرة إلى تنظيم صفوفها والانطلاق من العراق مجددا. وأوضح المصدر أن الولايات المتحدة ما تزال ترفض السماح لإسرائيل بتنفيذ غارات داخل الأراضي العراقية، لكنها لن تستطيع أن تقف إلى الأبد في وجه هذه الرغبة الإسرائيلية(!). وأضاف أن “الولايات المتحدة تقدّر عواقب تعرُّض أي هدف داخل الأراضي العراقية لاعتداء إسرائيلي، بغض النظر عن السبب”، وعبّر المصدر عن قناعته بأن “إسرائيل ربما توشك فعلا على اتخاذ قرار يقضي بمهاجمة أهداف داخل الأراضي العراقية”. وزاد المصدر: “الرسالة التي نقلها بومبيو إلى عبد المهدي، سبقتها رسالة أخرى، صادرة من السفارة الأمريكية في بغداد، ونُقلت إلى زعماء بعض الفصائل العراقية المسلحة من خلال وسطاء”. وتتكرر مثل هذه الأخبار بين يوم وآخر. وتنقلها وكالات الاخبار والفضائيات باساليبها التي تستثمر في التضليل الإعلامي بدون حرج أو خجل.
ومضى المصدر المطلع إن “مضمون الرسالة يقول: إذا تعرض مبنى السفارة الأمريكية في العراق للقصف، فسيهاجم الجيش الأمريكي جميع مقرات الفصائل العراقية المسلحة في بغداد”(؟!).
قال ضابط عراقي سابق (ما اسمه وماهي رتبته؟!) لوكالة “ناس” العراقية، (2019/1/17) وهو ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن “حجم القوة القتالية الأمريكية في العراق لا يتعدى 5 آلاف جندي”، مشيرا إلى أن “هذه القوة، قادرة على شن حروب ضد 3 دول في المنطقة، في آن واحد”، ومع ذلك، فإن “استخدام العنصر البشري الأمريكي في أية مواجهة قد تشهدها المنطقة، لم يعد واردا بالنسبة للبنتاغون”. وأضاف، أن “الوجود العسكري الأمريكي على أرض العراق يتحول إلى عبء إذا ازداد، إذ سيكون هدفا متحركا وسط بيئة معادية، يكلف الكثير على متسوى التموين والتواصل”، وهو ما يفسر توقعه خفض عديد الجنود الأمريكان في العراق إلى نحو 2000، في غضون أشهر. وقال إن “الأمريكان لا يحتاجون قوات برية في حال قرروا الاشتباك مع أي طرف في المنطقة، فهم يعتمدون على التفوق التكنولوجي، والطائرات بشكل أساس”.
هذا كلام ورد بعدة صياغات واساليب وانتشر كثيرا ومثله سُرب بالمفرد، ويصب في الهدف ذاته. ومهما كانت لغة الخبر وتسريبه وصياغته والهدف منه وترويج المسميات التي يكرسها مع الاعلام الحليف له في المنطقة خصوصا، فان الكيان الاسرائيلي والمطبعين معه لا يخفون رعبهم من الحشد الشعبي وما انجزه من انتصارات فعلية على الارض لهزيمة الارهاب الداعشي المدعوم من القوى والاجهزة الدولية وحلفائها في المنطقة. وتاتي هذه التهديدات في سياق ذلك. كما نشطت وكالات الاعلام الصهيوعربية بنشر اخبار مبرمجة بان وزير الخارجية الامريكي قدم قائمة تضم 67 فصيلا من الحشد الشعبي، وطلب من الحكومة تجريدها من السلاح واعتقال من يرفض ذلك، فحسب المصدر الذي أعلن ذلك ونقلت الوكالات وغيرها منه أو حسب الإتفاق المرسوم لها ورد ما يلي: (دبي – العربية.نت، (2019/1/16) حصلت “العربية” من مصادر عراقية في العاصمة الأميركية، (اقرا “موظفين” في مكاتب إعلام أجهزة المخابرات) واشنطن، على قائمة بأسماء الميليشيات، طلبت الولايات المتحدة الأميركية من العراق تجميدها وسحب السلاح منها، في حين طلب رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، من الجانب الأميركي إعطاءه وقتا للرد. ومن بين الميليشيات التي شملتها القائمة الجناح العسكري لمنظمة بدر بزعامة هادي العامري، وكتائب حزب الله العراقي، ولواء أبوفضل العباس، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي. وفيما يلي قائمة الأسماء بالتفصيل) !. ( وتنشر اسماء 67 فصيلا واسماء قيادات لها ومواقعها وتعيد النشر الوكالات والوسائل منها دون استفسار او سؤال عن مصداقية أو صدق الاخبار والاستهداف منها). كما اشير الى زيارة وزير الخاجية الفرنسي للنجف الاشرف ومطالبته المراجع الدينية بالهدف نفسه وحمله رسالة امريكية اسرائيلية .. وكلها اخبار مسمومة يراد بها الاساءة لدماء شهداء الحشد وابطاله الذين سطروا بصمودهم وصلابتهم صور البطولة والتضحية والايثار. كما أنها إعلاميا يراد منها توجيه رسائل تهديد سياسية إلى أطراف متعددة، داخل العراق وخارجه، ولاسيما الى ايران، أو خصوصا لها، مع العمل على تكريس المسميات التي تليق بالمصادر اكثر من المستهدفين منها.
ان من لا يعرف الوقائع والحقائق او الذين لايبحثون عنها الا من تلك المصادر الصفراء او اعوانها ممن لا يقلون خطرا عنها، يشنون حملاتهم ويشتركون معهم في تشويه الصور في محاولات كي الوعي والمساهمة في الحرب على قوى المقاومة والممانعة ومسيرة الكفاح التحرري.
ولهذا يستدعي الرد فورا على مثل الحملات العدوانية وغسيل الادمغة الموجه والمنظم. أو لا يمكن السكوت عليها طويلا وتمريرها دون أن يعرف أصحابها خطورتها عليهم أساسا، أو أنها لعب في النار لا يسلمون منها في أية احتمالات تحصل.
مهما تكون التصريحات أو الرسائل فهي تدور في فلك خطط ومشاريع صهيو غربية تستهدف الامة وقواها وتتطلب الجاهزية الواعية الاستراتيجية لها والرد الحاسم والمباشر عليها دون تردد او انتظار لتكون عبرة ودرسا للعدو بكل اشكاله.
3 الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق
د. رياض السندي
راي اليوم بريطانيا
(القسم الثاني)
ثانيا. الفكر السياسي للكنيسة الكلدانية
تاريخيا، ” كانت الكنيسة الكلدانية أول كنيسة شرقية تتّحد بروما سنة 1553، حيث إنشقت عن الكنيسة النسطورية”. وقد تناوب على رئاستها (18) بطريركا منذ 1553-2013. وآخر بطاركتها هو البطريرك الحالي مار لويس روفائيل ساكو الذي تم تنصيبه بطريركا للكنيسة الكلدانية في 1/2/2013.
ومن المفترض إنها تعالج قضاياها ومن بينها مسألة تعاطي الكنيسة ورجالها السياسة، طبقا لتعليمات الكنيسة الكاثوليكية في روما.
وقد تطرق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965) في الدستور الرعائي “الكنيسة في العالم المعاصر” إلى موضوع حياة الجماعة السياسية حيث خصص فصلاً كاملاً لهذا الموضوع بعنوان ” الجماعة السياسية والكنيسة “، نقتبس منه الفقرة 76، التي تنص على ما يلي: –
76- إنه لفي بالغ الأهمية أن ننظر نظرة صحيحة إلى العلاقات بين الجماعة السياسية والكنيسة لا سيما في المجتمعات التعددية. ويجب أن نميز بوضوح تام بين الأعمال التي يقوم بها المؤمنون، أفراداً أم جماعات، بأسمهم الخاص، كمواطنين مسترشدين بضميرهم المسيحي، والأعمال التي يقومون بها بأسم الكنيسة وبالإتحاد مع رعاتهم.
نظراً إلى مهمة الكنيسة وصلاحيتها فهي لا تختلط بحال من الأحوال بالجماعة السياسية ولا ترتبط باي نظام سياسي. إنها العلامة والضمانة لما يمتاز به الشخص البشري من تسام ٍ.
فالجماعة السياسية والكنيسة مستقلتان، لا ترتبط الواحدة بالأخرى في الحقل الخاص بكل منهما. غير أنهما تقومان، وإن بأدوار مختلفة، بخدمة الدعوة الفردية والإجتماعية للناس ذاتهم. وإنهما لتقومان بهذه الخدمة لخير الجميع وبمزيد من الفاعلية، بقدر ما تحاولان دائماً أن تتعاونا تعاوناً صحيحاً نسبة إلى ظروف الزمان والمكان أيضاً.
والنقطة الأهم في هذه الرسالة الكنسية الكاثوليكية، هو التفريق بين المؤمنين (المسيحيين) في الحياة السياسية، ودورهم فيه، وبين الكنيسة (رجال الدين) ودورهم فيها، مشدّدة على إن دور الكنيسة يختلف عن دور الجماعة السياسية، ويجب التمييز بينهما، لإن “الكنيسة لا ترتبط بأي نظامٍ سياسي”.
“وتُحضِر الكنيسة الكاثوليكية التدخل في الشأن السياسي وتعتبرها مهمة قاصرة على العلمانيين. وقد جاء هذا الحظر في التعليم الكاثوليكي المسيحي البند 2442:
ليس من اختصاص رعاة الكنيسة التدخل المباشر في البناء السياسي وتنظيم الحياة الاجتماعية. فهذه المهمة جزء من دعوة المؤمنين العلمانّيين، العاملين بمبادرتهم الخاصة مع أجل مواطنيهم. ويمكن أن يكون للعمل الاجتماعي ُسُبل واقعية متعددة. ويجب أن يكون أبدا لأجل الخير العام ومتوافقا مع الرسالة الإنجيلية والتعليم الكنسي. ويعود إلى المؤمنين العلمانيين “أن يُحيوا الشؤون الزمنية بغيرة مسيحية، وأن يسلكوا فيها َكفعلة سلم وعدالة.”
وقد طرح موضوع العلاقة بين الكنيسة والسلطة بشكل مثير للجدل بعد تقلُد لويس ساكو منصب بطريرك بابل على الكلدان في عام 2013، وبعد أ، تخلى، عمليا، عن مفهوم الفصل بين الكنيسة والسياسة التي أعلنها عقب توليه المنصب مباشرة.
فثارت الإنتقادات من أتباع الكنيسة الذين لم يَعهدوا أن يمارس رجال الكنيسة الكلدان هذا الدور السياسي، والذي لعِبَته الكنيسة الأثورية عند تشكيل الدولة العراقية بداية القرن العشرين ودفعت هي وأتباعها ثمناً باهضاً في تصدي الجيش العراقي لهم في مأساة سميل عام 1933. بينما إرتأت الكنيسة الكلدانية أن تنأى بنفسها عن دهاليز السياسة وتقلباتها، وهذا ما جنبها هي وأتباعها صدمات السلطة طيلة أكثر من 80 عاماً. إلا أنها بعد عام 2003 وإثر سقوط نظام صدام حسين، وبتشجيع من الأمريكان ومجاراة لرجال الدين المسلمين وخاصة الشيعة منهم، لذا فقد قررت دخول المجال السياسي منذ اليوم الأول، وسعى المطران عمانوئيل دلِّي إلى الإشتراك في مجلس الحكم المؤقت، إلا أن الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر رفض ذلك.
وبعد موجة الإنتقادات الكثيرة للكنيسة الكلدانية وموقفها من السياسة والسلطة، الذي يبدو في ظاهره متناقضاً لباطنه. فعلى الرغم من كثرة الإدعاءات بعدم التدخل في السياسة ولعب دور سياسي، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك. وخير دليل على رغبة الكنيسة في ممارسة السياسة ولعب دور سياسي متميز على صعيد السلطة، هو التنظير السياسي الذي يقدمه البطريرك الكلداني ذاته، ويعززه عدد من الكتاب المسيحيين الموالين للبطريرك والمبررين لمواقفه. وقد إنطلقوا يبّررون تدخل رجل الدين في السياسة بحجج وذرائع شتى. إن من يتصفح موقع البطريركية الكلدانية سيجد عدد لا بأس به من أمثال هؤلاء الدُعاة ووعاظ السلاطين.
وفي هذا المجال فقد دبَّج البطريرك الكلداني ساكو أو إعلام البطريركية عدد من المقالات حول ذلك، منها:-
توضيح حول دور البطريركية الكلدانية وتحركاتها
“من المؤسف أن نسمع من بعض رؤساء الكنائس في بغداد انتقادات حول تحركات غبطة البطريرك الكلداني وزياراته وتصريحاته.
البطريرك ساكو يمثل أكبر كنيسة مسيحية في البلد، له أبرشيات لا توجد للكنائس الأخرى، ولو كشفنا عن احصائياتها لصدم المنتقدون. للكلدان في العراق إمكانيات بشرية ومالية وثقافية وسياسية وبإمكانهم التفرد بها، لكنهم مسيحيون منفتحون وغير متعصبين ويساعدون الكل من دون النظر إلى هويتهم، الكل يعلم ماذا قدمت الكنيسة الكلدانية للمهجرين والبطريرك نفسه دعا عدة مرات إلى الوحدة والى تشكيل مرجعية سياسية مسيحية!”
المشهد السياسي المسيحي في العراق
“كان قد طرح غبطة البطريرك ساكو منذ بداية تسنمه لمسؤوليته مشروع تكوين مرجعية سياسية علمانية موحدة للمسيحيين على قاعدة الكفاءة. هذا الطرح رفض بحجة إن المسيحية ديانة وليست قومية؟ وكلما بادر لجمع شملهم برزت الاختلافات والتوجهات المنفعية الذاتية الشخصية أو القومية.”.

جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي

” الكنيسة والسياسة موضوع لا غرابة يثير الجدل، وقد تكتنفه الضبابية، عندما تطلق الآراء بشتى الاتجاهات وعلى مختلف المستويات. وتأتي كتابة هذا المقال من موقع بطريركي مسؤول، لنوضح الرؤية للقارئ الكريم، وخصوصا لأبناء كنيستنا الأحبة، من حيث الموقف المبدئي من هذا الجدل والتعامل الكنسي التراتبي معه… للمسؤول الكنسي الأعلى كلمته وموقفه ومن باب أولى في أوقات الأزمات، وذلك للدفاع عن الشعب وحقوقه. ولكن أين يكمن الفساد؟ “

الكنيسة والشأن العام (السياسة)
“الكنيسة تتدخل عندما يتعلق الأمر بالبلد والناس في قضايا مصيرية. وصمتها غير مقبول في مثل هذه الحالات!! ومن حق الكنيسة التدخل في الشؤون العامة وممارسة تأثيرها الإيجابي على الوضع العام. ويجب أن تكون للكنيسة كلمة في الشأن العام Res publica كالتغييرات الجادة التي طرأت على المجتمع في مجالات عدة، وما نتج عنها من ظلم وإرهاب وإجحاف. إن الضرر الذي لحق بالمسيحيين خلال السنوات الماضية، رغم أنهم سكان البلد الأصليون، كان فادحاً، بتهجيرهم من أرض أجدادهم وتهميشهم ومسح معالمهم مما إضطرهم إلى ترك البلاد وتسبب في تقليص عددهم من المليون والنصف إلى نصف المليون. إنها مأساة إنسانية حقيقية.”

توضيح حول ما سُمّي بـتدخل الكنيسة في السياسة (الترشيحات)
” صدرت عن بعض الأشخاص والجهات الحزبية المسيحية تعليقات غير مسؤولة ومستفزة، وتفتقر إلى اللياقة الأدبية في موضوع تدخل الكنيسة في الشأن السياسي.
إن الكنيسة تهتم بالشأن العام وهو جزء مهم من رسالتها لخير الناس وحفظا لحقوقهم وكرامتهم، كما فعل المسيح ويفعل البابوات.
الكنيسة ليست بديلاً للدولة، ولا موازية لها، وإنما هي جزء من المجتمع وتسعى للشراكة الفاعلة من اجل تحقيق العدالة وتطبيق القوانين واحترام حقوق كل إنسان. ولما قال يسوع بشأن العُملة التي قدمت له: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (متى 22/21) إنما قصد: أعطوا الضرائب لقيصر وهذا حقه، واعطوا ما لله حقه إي الطاعة وممارسة المحبة والرحمة والغفران تجاه بعضنا البعض.”
وفي تصريح أخر صدر عنها في 24/12/2018 ما يتناقض تماما مع هذا التوجه، ويبين بأن لا علاقة للكنيسة بترشيح وزراء.
والواقع أن الشأن العام هو مصطلح فضفاض يسرى على جميع المسائل ذات الاهتمام أو القلق المشترك، وتنصرف للسياسة والإعلام، والمسائل الإجتماعية والصحية والإقتصادية. فأسعار البترول هي شأن عام، ومرض الإيدز وغيره من الأوبئة هي شأن عام أيضا.
وكانت الحركات الإسلامية من أوائل من إستخدم هذا المصطلح للتدخل بالسياسة، لهذا ظهر نوع جديد من الفقه سُمّي ب (فقه الشأن العام). “يستند على موقف أبو حامد الغزالي الذي يرى إن صلاح الدين مؤسس على صلاح الدنيا وليس العكس… لأنه الإسلام أصول وفروع، السياسة من الفروع إذن لا يمكن أن نقطع الصلة بين السياسة وبين الدين، نحن نقول هناك سياسة شرعية ولذلك الحديث عن إنه تسييس الدين وتسييس الدين هذا خطأ، هذا كلام يريد أن يحول الإسلام إلى نصرانية تدع مال قيصر ومال الله لله، … ويقصد بالشأن العام، التدابير التي تجعل الحياة حياة إسلامية سليمة، هذا معنى الشأن العام.”
ولكن ألا يُحَوّل تدخل رجل الدين المسيحي بالسياسة، المسيحية إلى الإسلام؟
4 لماذا “ولاية الفقيه” حدث طارئ في السياق الشيعي العربي
علي الأمين
العرب بريطانيا

“ولاية الفقيه” السياسية وما تمثّله على مستوى نظام الحكم، حدث طارئ في السياق الشيعي التاريخي، الشيعة العرب ومنهم اللبنانيون في القرن العشرين اندمجوا في السياق الاجتماعي والسياسي، وكانوا جزءا من الاجتماع العربي العام، وكانت المؤسسة الدينية المتمثلة بالحوزة العلمية في النجف الأشرف وامتداداتها في البيئات الشيعية، لا تعارض الواقع السياسي والسلطة، لكنها لا تعطي شرعية له، فوظيفة الحوزة العلمية كانت إدارة الملة.
ولاية الفقيه شيء مختلف ولا يزال طارئا في السياق الفقهي والسياسي، هذه الولاية رسّخت نفسها وتمددت كقوة عسكرية أمنية مالية، وليس كبعد ثقافي، هي أخذت شكل الصواريخ في لبنان، ولم تستطع أن تدخل حوزة النجف لتتحول إلى مسار فقهي، فموقف النجف لا يزال يعتبرها بدعة.
ولاية الفقيه أمسكت بموارد دولة، وسيطرت من خلالها على المؤسسات الدينية في إيران، وحولتها إلى أداة من أدواتها، وتحاول من خلالها التأثير في المجال الشيعي العربي.
لم تستطع أن تغير المزاج الشيعي، نجحت في إنتاج دوائرها الخاصة، وهي دوائر قائمة على بنية أمنية وهرمية ولم تستطع أن تخترق المجتمع إذ يوجد مجال شيعي بمعناه الثقافي والفقهي والمجتمعي عجزت ولاية الفقيه في اختراقه وهو لا يزال موجودا وقائما بتنوعه.
كما أنها لا تتناغم مع المزاج الشيعي العربي، والمزاج العربي عموما، ففي ولاية الفقيه شيء من الكسروية (نسبة إلى ملك الملوك كسرى) فنمط المُلك السياسي في المجتمعات العربية طابعه عائلي، فيما العقل الكسروي يتسم الحاكم فيه بخصائص إلهية.
المشكلة في عدم بروز هذا المجال الشيعي العربي الراسخ، هو نتيجة عدم وجود مشروع عربي، أي في غياب الجهة التي تستطيع أن توظف هذه الظاهرة. فحال التخبط العربي، لم يولد خطابا عربيا جامعا، قادرا أن يستوعب ويستثمر هذا المجال الشيعي الثقافي والفقهي والمجتمعي. لذا فولاية الفقيه في تمثّلاتها العربية، خلقت واقعا سياسيا وأمنيا نتيجة الفراغ العربي، ونتيجة الارتباك الشيعي في التموضع.
حزب الله يقوم نفوذه في المجتمع على ضخ المال والسلاح والسيطرة على المؤسسات الرسمية والمدنية والدينية، كأي نظام استبدادي يفرض سلطته وخطابه بالقوة المادية
من الأساس لم تقم نظرية ولاية الفقيه على قاعدة علمية، كما الماركسية على سبيل المثال التي لا تزال توصف كنظرية علمية، ولاية الفقيه ليست لديها هذه البضاعة، هي نفسها على هامش الفقه الشيعي، وأرضيتها الاجتهادية ركيكة. غير قابلة للتطبيق في أي مكان ولا للتعميم، نظرية سياسية لم يمكن تطبيقها إلا في إيران، وهذه الوضعية تفقدها صفة النظرية.
حتى في إيران، أنتجت واقع قوة مدعم بالعناصر اللازمة لاستمراريتها، لم تنتج نظرية في السلطة، بقيت سلطة تبحث عن مسوّغ ديني، فضخمت المضمون الديني فيها، لأجل أن تحفظ استمراريتها وبقاءها سلطة تستمد مشروعيتها من الله. هل هذه نظرية سلطة؟!
ولاية الفقيه التي قدمها الإمام الخميني هي سلسلة محاضرات ألقاها في فترات مختلفة، وهي تفتقد الأرضية الفقهية على ما أكد معظم المراجع والعلماء الشيعة (السيد الخوئي- الشيخ شمس الدين).
وقد يطرح سؤال هل استطاعت ولاية الفقيه أن تغير الهوية الشيعية العربية؟ الولاء لحزب الله كمعبّر عن ولاية الفقيه على سبيل المثال. لم يكن لدى شيعة لبنان ولاء ثقافيا، ولأن طبيعة الأمور تفرض أن الأكثرية السنية في البيئة العربية فشلت في صوغ مشروع عربي، وتمّ اختراقها من قبل جماعات إرهابية وعنفية وإلغائية، فالجمهور الشيعي انحاز لحزب الله باعتباره قوة أمنية عسكرية وتوفر الحماية، لا لكونه خيارا سياسيا أو ثقافيا أو فقهيا. فحزب الله يعوّض لك كشيعي لبناني عقدة التهميش ولكن ولا مرة نجح في إقناع الشيعة أنه حالة ثقافية أو فقهية.
إلى جانب ذلك عدم وجود أو عدم رسوخ الخبرة السياسية لدى الجماعة الشيعية، ساهم في جزء من الاغتراب عن الواقع العربي، كما أن الواقع العربي تتحكم به وتتصارع فيه مشاريع سلطة وليس فيه مشاريع مواطنة تحترم التنوع.
أما العراق فلديه مكونان على هذا الصعيد: المكون الأول الحوزة الدينية، فحوزة النجف مؤسسة على معادلة تقوم على التكيّف مع المحيط العربي، وهي تتبنى مشروع الدولة المدنية.
المكون الثاني استقلالية العراق، فالعراقي غير مضطر أن يكون تابعا، وليس لديه عقدة نقص أو شعور دونيّ تجاه الإيراني أو سواه كما هو الحال في لبنان. هذان المكونان يمكن لهما أن يولدا مسارا شيعيا عربيا بقاطرة عراقية يضيق مساحة ولاية الفقيه. وحتى اليوم يمكن أن نلاحظ بيسر أن ولاية الفقيه لم تستطع رغم نفوذ الدولة الإيرانية من أن تغير في هوية النجف الراسخة أو في جعل قيادات دينية وسياسية وازنة أن تتبنى هذه الولاية.
المشهد الاجتماعي والثقافي العميق في العراق، لم تغيره ولاية الفقيه، ولم تتحول إلى حالة راسخة في المجتمع، وكما هو حال حزب الله في لبنان، هي حالة يقوم نفوذها في المجتمع على ضخ المال والسلاح والسيطرة على المؤسسات الرسمية والمدنية والدينية، كأي نظام استبدادي قادر على أن يفرض سلطته وخطابه والولاء له بالقوة المادية.
لكن يمكن ملاحظة أن البيئة الشيعية العربية بدت ضعيفة أمام اكتساح ولاية الفقيه كقوة نفوذ، وذلك نتيجة لأمرين: عنصر التهميش للبيئة الشيعية العربية، الذي أعاق بلورة تصور فقهي حول الانتظام السياسي الحديث والمعاصر، رغم ذلك ظلّ المسار التقليدي للحوزة الدينية في النجف، يشكل عنصرا فيه من الإيجابية تجاه الاجتماع السياسي العام، فالحوزة تعاملت مع الشأن السياسي والسلطة على وجه الخصوص بواقعية، لم تعطه شرعية ولكن لم تنافسه أو تزاحمه على مجاله. فالعقل الديني الشيعي والذي عبّرت عنه الحوزة، اعتبر نفسه مستقيلا من المشهد السياسي، فالحوزة النجفية أقالت نفسها من المشروع السياسي ومن العمل السياسي.
ويستند ذلك إلى فكرة ولاية الأمة على نفسها، التي تقوم على أن ليس للمؤسسة الدينية سلطة منفصلة عن دائرة الاجتماع، بطريقة أخرى المؤسسة الدينية مؤسسة اختصاص كالاختصاصات الطبية والهندسية وعلم الاجتماع والاقتصاد وغيرها من مجالات العلم.
الفقه الشيعي تأسس في بيئة بغداد في القرن الثالث الهجري مع الشيخين الطوسي والمفيد، أي تأسس في بيئة عقلية كلامية. وتيار المعتزلة شكل ذروة التنوير في العقل الإسلامي والتشيّع بمعناه الفقهي خرج من هذا التيار وهذا التنوير، العقل مرجعية والعقل هو الفيصل. لذا فالعقل الشيعي الاثني عشري يستطيع أن يتكيّف مع المتغيرات لأن قاعدته عقلية.
العقل الفقهي الشيعي براغماتي “ننتظر الإمام المهدي ونتكيّف ونتعاون مع الواقع″. وهذا بحد ذاته يحول دون أسر الاجتماع السياسي بفتاوى سياسية، ويتيح مجالا للتنوع وللخيارات السياسية، ولا يسقط في فخ تكفير المجتمع. وهو ما نشأ كعنصر مؤسس للعديد من حركات الإسلام السياسي في البيئة السنية، واستلهمها الإسلام السياسي الشيعي في حزب الدعوة وفي ولاية الفقيه لاحقا. هي ظواهر تبقى على هامش المكوّن الشيعي العربي.
لا يمكن النظر إلى الإسلام الشيعي في لبنان من خارج أزمة الاجتماع السياسي العربي، والتنوع لدى الشيعة اللبنانيين والعرب عموما هو الحقيقة المجتمعية الراسخة، التي تشكل ولاية الفقيه عنصرا طارئا وغريبا، هي ظاهرة عاجزة بطبيعتها أن تنتج وعيا ثقافيا وفقهيا راسخا في الاجتماع الشيعي، وعاجزة عن أن تقدم منجزا فكريا أو ثقافيا ولا حتى فقهيا. إنها على السطح ليس أكثر.

5 مصير كركوك يقرره الشعب العراقي فاروق يوسف العرب بريطانيا

يَهبُ عادل عبدالمهدي كركوك للأكراد بعد أن استعادها حيدر العبادي منهم. رئيس الوزراء العراقي الحالي يفسد ما فعله رئيس الوزراء السابق. أيمكن النظر إلى تلك المسألة الحساسة بتلك الطريقة التي تنطوي على الكثير من التبسيط من غير الاستفهام عن موقع الأكراد في الحياة السياسية العراقية، ومستويات علاقات إقليمهم بـ”بغداد” التي يتنازعون معها على كركوك.
كان الاستفتاء الذي فرضه مسعود البارزاني على الأكراد واضحا في نتائجه. “نعم للانفصال. لا للبقاء جزءا من العراق”.
ما شجع الوصول إلى تلك النتيجة أن هناك دولة للأكراد في شمال العراق اسمها “كردستان” كانت قائمة منذ ربع قرن. تلك الدولة صُنفت باعتبارها إقليما تابعا للدولة العراقية، ولكنه تصنيف كاذب لا يستقيم مع الواقع.
صحيح أن تلك الدولة كانت برأسين عنيدين هما أشبه بالعدوين. أحدهما في أربيل والثاني في السليمانية، غير أن الرأسين لا يعترفان بسيادة العراق ولا بحكم بغداد ولا بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية. وهما يعرفان أكثر من غيرهما أن بغداد تكذب حين تدّعي السيادة على ما تسميه بــ”الإقليم الكردي”، فهي لا تملك فيه شيئا.
الإقليم الكردي كذبة اخترعتها بغداد التي لم تعترض على إقامة حدود بين ذلك الإقليم وباقي أجزاء العراق تشبه الحدود بين دولتين، وليس مسموحا للعراقيين بدخول أراضي الإقليم إلا إذا كان لديهم كفيل فيه. تلك الدولة التي تُسمى إقليما لها حصة في ثروات العراق كفلها الدستور الذي ساهم الأكراد في كتابة الكثير من فقراته.
غير أنها، في المقابل، تشعر أنها ستكون ناقصة من غير كركوك. وكركوك الغنية بالنفط لمَن لا يعرفها كانت دائما مدينة يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد. بل إن هناك اعتقادا شعبيا كان يعتبرها مدينة التركمان. تلك الأقلية التي ضاع صوتها وسط قعقعة السلاح.
بتخليها عن كركوك تكتب بغداد آخر سطر في كتاب الفجيعةبتخليها عن كركوك تكتب بغداد آخر سطر في كتاب الفجيعة
تلك التركيبة المعقدة يمكن أن تكون سببا لنشوب حرب بين العراق وبين دولة كردستان في حال أعلنت الأخيرة عن قيامها باعتراف عالمي. وهو ما لم يحدث حتى الآن.
الاستفتاء الكردي الذي انتهى إلى وجود رغبة شعبية في الانفصال، يؤكد أن الدولة الكردية بعد أن تم إنجازها واقعيا ستكون حقيقة معترفا بها في وقت من الأوقات. وهو ما يجب أن تحتسب له حكومة بغداد وهي تتفاوض بطريقة المزايدة على كركوك.
مشكلة حكومة بغداد أنها لا تعرف حدودا للعراق سوى تلك الحدود التي تحيط بالمنطقة الخضراء، وهي منطقة الحكم المحصنة. والأكراد من جهتهم يعرفون أن مَن يحكم في بغداد لا يملك حسا وطنيا يؤهله للدفاع عن وحدة أراضي العراق والسيادة الوطنية بمفهومها الحقيقي، وهو جاهل في ما يرتبه عليه وجوده في السلطة من مسؤوليته إزاء ممتلكات ذلك الوطن.
وهنا بالضبط يكمن مصدر القلق العميق على مصير المدينة التي من المؤكد أنها ستشهد موجة تهجير ونزوح إذا ما استعادت الميليشيا الكردية “بيشمركة” السيطرة عليها بعد سحب بغداد لقطعات الجيش العراقي. ذلك لأن تكريد كركوك في ظل صمت حكومي سيفتح الباب واسعا أمام تهجير من تبقى فيها من سكانها العرب.
وكما هو واضح فإن إلحاق المدينة بـ”إقليم” كردستان واقعيا لا يعني فقط التخلي عن ثرواتها، بل وأيضا عن بشرها. وهو ما يشكل إعلانا رسميا من بغداد بأنها لن تكون معنية بمصير المكونات غير الكردية التي شكلت عبر التاريخ عنوانا للتنوع الاجتماعي الذي عاشته كركوك عبر التاريخ.
بتخليها عن كركوك تكتب بغداد آخر سطر في كتاب الفجيعة الذي صنع من العراق بلدا للمقاطعات المغلقة طائفيا وعرقيا. غير أن التخلي عن كركوك، وهو أمر في غاية الخطورة، لا يمكن أن تقرره حكومة بغداد بل يجب أن يُعرضَ على الشعب في استفتاء عام. فليس مهما أن تكون غالبية السكان في كركوك كردية أم عربية أم تركمانية. المهم في الأمر أن كركوك هي مدينة عراقية يتم انتزاعها بما يشبه المكيدة التي يمكن أن تتعرض لها أي مدينة من مدن العراق.
كركوك عراقية وهي ما تبقى من روح العراق في تنوعه الخلاق. لذلك فإن مصيرها يجب أن يكون في سياق إرادة شعبية لا في أيدي لاعبين صغار، يؤدون أدوارا ثانوية في مسرحية للدمى.
6 كي نهزم الخمينية الطائفية حمد الماجد الشرق الاوسط السعودية

مَن يسبر حال تغلغل النظام الطائفي الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، خصوصاً بعد هزيمة «داعش» والفصائل الجهادية في سوريا وبدء إحياء الروح في علاقة عدد من الدول العربية مع نظام بشار الأسد والحض الغربي على إنهاء الصراع في اليمن، سيخْلص إلى نتيجة مُرَّة مفادها أن الرياح تجري بما تشتهيه سفينة الخمينيين، وأن النظام الإيراني مُصِرٌّ على بقاء احتلالهم لهذه الدول.
وإن شئتم لطَّفنا العبارة وقلنا تغلغلهم ونفوذهم. كما لا يبدو أن زعماء الدول الغربية، عدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من خلال رصد مواقفهم الباهتة الرخوة من نظام الملالي، قلقون من هذا التغلغل والسيطرة المحكمة للخمينيين في هذه الدول، ما دامت لهم مصالح اقتصادية وسياسية مع إيران، وما دام التهديد الإيراني لدول المنطقة ينبوعاً ترشف منه الدول الغربية صفقات السلاح الضخمة، وما دام خصوم الخمينيين تربك صفوفَهم الخلافات والشقاقات.
فإذا كانت الدول الغربية «غير جادة» في إنهاء الهيمنة الإيرانية على هذه الدول الأربع، العراق وسوريا ولبنان واليمن، وغير قادرة على كبح جماح إيران في محاولات جادة لبسط سيطرتها على الدول الصغيرة في المنطقة، وإحداث الفوضى في الدول الكبيرة عبر عملائها والمسوقين لآيديولوجيتها، فيكون لزاماً على دول المنطقة المتضررة من الشغب الإيراني ونفوذ الخمينية الطائفية أن تراجع استراتيجية الصراع مع إيران مراجعة شاملة.
هذه المراجعة الشاملة لاستراتيجية الصراع مع الخمينية الإيرانية تقوم على ركائز منها تهدئة النزاعات السياسية «البينية» في المنطقة قدر المستطاع، لأن الذئب الإيراني الدموي الطائفي بالمرصاد لكل «ضحية» تهرب من أتون الصراعات السياسية، دولاً أو منظمات أو حركات أو أفراداً، ومن يغادر جبهة التصدي لتغلغل الخمينية فهو بالضرورة خسارة لهذه الجبهة ومكسب للخمينية الطائفية، فمن أبسط أبجديات العلاقات الدولية واستراتيجية الصراعات أن تقوم أولاً على تحييد المخالف وتجسير العلاقات معه، وثانياً تمتين العلاقة مع الموافق وتثبيتها وتعزيزها.
ولهذا وجدنا التحالفات الدولية الكبيرة تبني تحالفات راسخة على الرغم من الخلافات الآيديولوجية والدينية والمذهبية وتباين وجهات نظر أعضاء التحالف تجاه عدد من الملفات السياسية والاقتصادية، كما تتناوب الأحزاب ذات المرجعيات الآيديولوجية والسياسية المختلفة على الحكم في الدول الغربية، ومع ذلك تبقى الخطوط العريضة، ومنها الحفاظ على التحالفات وتعزيزها، خطاً أحمر لا يمكن لأي حزب التفريط فيه أو إضعافه.

7 العراق «تحت» عمامة السيستاني
فارس بن حزام الحياة السعودية

بعد أن نجح العراق في تنظيم أول انتخابات برلمانية، ظهرت في شباط (فبراير) ٢٠٠٥ صورة المرجع الديني علي السيستاني على غلاف مجلة «نيوز ويك» تحت عنوان: «وجه العراق الجديد»، وفي أسفل الغلاف سؤال جوهري: هل سيستخدم آية الله علي السيستاني نفوذه ليشكل دولة ديموقراطية أم دينية؟
الإجابة واضحة بعد كل هذه السنين، فبقصد أو من دون قصد، أشرف السيستاني على صياغة الشكل الجديد لعراق ما بعد صدام؛ عراق متديّن. ولولا شجاعة شرائح واسعة من العراقيين، لصار نسخة جديدة من شكل إيران؛ دولة متطرفة بغطاء ديموقراطي، إذ طوّق غطاء السيستاني العملية السياسية بأفكار دينية، وطوال تلك الأسابيع تصدر شخصياً المشهد السياسي للبلاد، ولم يمضِ القانون المنظم لشكل الدولة الانتقالية من دون مباركته، بل أشرف شخصياً على تدوين دور الدين في الدولة، ما جعل من متطرفي الشيعة حكاماً وقادة أحزاب تسيّر العراق ١٥ عاماً.
وخلاصة ذلك، نظام حكم ببرلمان فرضه المتطرفون على الشعب، وحكومة عاجزة عن اكتمال التشكيل، وهذه نتيجة لنقل النماذج الفاشلة من لبنان إلى العراق.
في 100 عام، جرّب العراق كل النماذج العربية؛ نظام ملكي، شيوعية عبدالكريم قاسم، قومية عبدالسلام عارف، بعثية البكر وصدام، احتلال، إسلام شيعي متطرف. وكل أنموذج نال قسطاً من «مئوية» العراق بعد نهاية العثمانيين؛ ٣٧ عاماً للملكية، ومثلها للبعث، خمسة أعوام للشيوعية، ومثلها للقومية.
وفي شأننا المعاصر، لم يكن جل معارضة البعث طوال عقود من المتدينين، بل إن حجمهم كان ضئيلاً مقابل التيارات الأخرى المعارضة في «عالم صدام حسين»، غير أن تكاتفهم، مع الدعم الإيراني وغطاء السيستاني، انتهى إلى هذا الأنموذج البائس في الحكم، وإدارة شعب غني بحضارته وثرواته، فمع كل حكم كان النسيج الاجتماعي الداخلي في الأرياف يتشكل وينسجم مع اتجاه الحاكم، وتبقى المدن حاضرة المعارضة. ولذا، عندما أتى الحكم الحالي خاض معركة التوجيه خارج بغداد، وأعاد ضبط مسارها إلى اتجاهه، وبلغنا هذه النتيجة: العاصمة للحكومة، والمدن والأرياف للأحزاب المتطرفة.
واليوم، لا شيء يوحي بالتغيير الجوهري، سيمضي العراق في هيئته الحالية تحت رحمة الأحزاب الدينية سنوات طويلة مقبلة، وهي سُنة الحياة السياسية في بلاد الرافدين، فشعبه لا يسعى للإصلاح والتغيير من تلقاء نفسه، بل يتكيف مع الموجود، وهو ما أنتجته اتفاقات سلام دولية قبل قرن، وانقلابات عسكرية فكرية، واحتلال فشل في تركيب نظام صالح.