4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 هل تغيرت.. ام تغير الزمان.. ام تغير العراق؟ ادهم ابراهيم

 

راي اليوم بريطانيا
  

ان شخصية الانسان تتكون من الجينات المتوارثة . ومن البيئة المحيطة به سواء بالبيت او المدرسة او الاصدقاء وغيرهم . وهذه الشخصية في سماتها الرئيسة لاتتغير الا قليلا بتغير البيئة والمحيط . ولكن الافكار والنظرة للحياة هي التي تتغير . فعندما كنا شبابا كانت لنا افكارا مثالية وحالمة وكلما كبرنا تبدلت بعض توجهاتنا اما نتيجة تجاربنا او نتيجة تغير الزمن والناس من حولنا، كما ان هناك بعض الثوابت لاتقبل التغيير . واليكم بعض من الامثلة

 فقد كنت سابقا اؤمن بالديموقراطية وحرية الاختيار . ولكنني الان وبعد التجارب المريرة في العراق اصبحت اؤمن بحكم النخبة . لسبب بسيط وهو ان الشعب الامي والجاهل لايستطيع اختيار ممثليه وهو يركض وراء الفتاوي والشعارات الضالة . ولكنني بالمقابل مازلت اؤمن بحرية الكلمة وان الانسان يمثل قيمة عليا لايمكن تجاوزها ولكن يتوجب عليه احترام حرية الاخرين ايضا

 ورغم ايماني بالثورة سابقا وحاليا الا انني اصبحت ضد التحريض الخارجي فالثورة يجب ان تنبع من الداخل، وتكون ثورة سلمية ترفض العنف وتستند على

 فكر حر وعقيدة متحضرة، وليست فورة غضب لتحقيق مطالب آنية او فئوية

وبعد ان كنت اصدق من يدعي الايمان وخوفه من الله، اصبحت لااثق باولئك المتدينين الذين يحملون السبح ويضعون محابس في اصابعهم . واياديهم ممدودة

على اموال البلاد والعباد، ويرتكبون كل الموبقات والخطايا في الخفاء . . وقد آمنت بان العبرة بالقيم التي يحملها الشخص بغض النظر عن ديانته، او تدينه

 وقد كنت اعتقد ان الدين يهذب الفرد ولكنني وجدت ان العبادات اصبحت مجرد طقوس وعادات اكثر منها عبادات . ولكن نظرتي تجاه الخالق والدين لم تتغير فقد كنت مؤمنا غير متدين ومازلت . . ورغم ان الخوف من الموت هو اساس كل خوف، فلم اكن اخشى الموت ولم ازل، فنظرتي هذه لم تتغير رغم التقدم في السن، بل اصبحت اكثر اطمئنانا بعد ادراكي لعظم الخالق وعدالته

وفي السياسة كنت من اشد المؤيدين للمقاومة المسلحة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين فاصبحت اميل الى طرق اخرى، ولعل تجربة جنوب افريقيا بعد انهيار حكومة الفصل العنصري فيها قد غيرت رايي.. اضافة الى اكتشافي ان شعارات المقاومة والممانعة ماهي الا وسيلة لتحقيق مطامع اقليمية، فليست هنالك مقاومة ولا ممانعة ضد العدو بل اصبحت المقاومة ضد شعوب المنطقة الفقيرة المغلوبة على امره.  ومازال العدو يبني ويتوسع في الاستيطان ونحن كنا ومازلنا ندعو في المساجد اللهم اخذل اليهود وانصر العرب والمسلمين، ورغم مضي اكثر من سبعين عاما او اكثر من الدعاء لم ينصرنا الله. لانني ادركت ان الله ينظر الى الاعمال لا الى الاقوال>

اما ايماني بالعقائد السياسية والحزبية فقد تغير بمرور الزمن نتيجة انصراف الناس الى اللهاث على المناصب والمكاسب بدل الايمان بمشروع او منهج جاد لمجتمع زاهر، فاصبحت اميل للانفتاح على الحضارات والعلم اكثر من التحزب لاي فكر ضيق.

وقد كنت اشفق على العبيد والمظلومين فاصبحت احتقر العبيد لانهم يحبون عبوديتهم . لا بل هم ضد من يريد تحريرهم . والشواهد على ذلك كثيرة.

 كما كنت في مرحلة الشباب كثير التبرم من امور الحياة فاصبحت الان اكثر رضا بما انا عليه، فذهب القلق لتحقيق طموحات كثيرة . وحل محله الهدوء والسكينة والرغبة بالتمتع بالاجازات.

سالت احد الاصدقاء هل تغيرت . قال نعم اصبحت احب نفسي اكثر واصبحت انانيا . ولكنني فكرت في نفسي بانني لم اصبح هكذا والحمد لله، فمازلت افضل العطاء . بل تكونت لدي نظرية ان السعادة بالعطاء هي اكثر مما بالاخذ، فالعطاء يحقق رضا النفس بنفس مقدار الاخذ او اكثر منه.

مازلت احبذ اعطاء البخشيش للنادل في المقهى او المطعم، وربما كان ذلك في السابق كبرستيج او اعتزاز بالنفس . الا انني الان اشعر بالرضا اكثر عندما ارى الفرحة او الابتسامة على وجوههم

ادركت الان اكثر من اي وقت مضى ان الحقد على الاخرين لاي سبب كان . وكذلك الزعل على الناس يرتب اعباء” نفسية كبيرة على نفس الشخص اكثر مما هو مؤذي للآخر فتركت الحقد والزعل واكتفيت بتجاهل من اساء لي لا اكثر ولا اقل . كما اصبحت متصالحا مع نفسي الان اكثر من اي وقت سابق.

لقد تغيرت كثيرا من حيث الشكل فقد ذهب الشباب وحل المشيب فهذه سنة الحياة . . ولكن عزائي انني لم اتغير كثيرا من نواحي عديدة . وقد شرحت لكم ما الذي تغير في ومابقي . فهل سألت نفسك . . هل تغيرت انت ام ان الزمان تغير فالزمان مدرسة كبيرة تتغير فيها النفوس والافكار وحتى العقائد احيانا.

2 الصراع على العراق

 

غسان شربل  الايام البحرينية
التوجّس ضيف دائم في العلاقات العراقية-الإيرانية. ومع التوجس شكوك متبادلة ومخاوف تؤكد أن ما بين البلدين يتخطى الخلافات الحدودية. ولطالما قدَّم العراق نفسَه بوصفه الجدار الذي يمنع تدفق النفوذ الإيراني في اتجاه الأرض العربية. ولطالما نظرت إيران إلى العراق كعائق يعترض توسيع دورها وحركتها. وفي هذا المناخ سعى كل طرف إلى امتلاك أوراق على أرض الآخر. اعتبرت إيران أن تركيبة العراق هشَّة يمكن اختراقها عبر المكونين الشيعي والكردي. ولم يتردد العراق في إثارة موضوع عربستان والتعاطف مع أكراد ما وراء الحدود رغم قمعه الأكراد داخل خريطته.

جملة محطات تؤكد الطبيعة الشائكة للعلاقات بين طهران وبغداد. في 6 مارس (آذار) 1975، وقع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي صدام حسين «اتفاق الجزائر» برعاية الرئيس هواري بومدين. قدم صدام تنازلات حدودية لإيران في مقابل توقفها عن دعم الثورة الكردية التي انهارت بفعل هذا الاتفاق. وشكَّلت تلك التنازلات جرحًا في نفس صدام حسين وكانت من بين الأسباب التي دفعته إلى خوض حرب ضد إيران.

قبل عام من انطلاق الحرب وتحديدًا في سبتمبر (أيلول) 1979، شارك الرئيس صدام في قمة عدم الانحياز التي عقدت في هافانا. استقبل هناك وزير الخارجية الإيراني إبراهيم يزدي. بعد اللقاء حاول مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة عضو القيادة القطرية لحزب «البعث» صلاح عمر العلي تشجيع صدام على تعميق الحوار مع إيران الخميني التي كانت تجتاز فترة اضطراب. كان رد صدام قاطعًا: «هذه الفرصة قد لا تتاح مرة كل مائة سنة. الفرصة متاحة اليوم. سنكسر رؤوس الإيرانيين وسنعيد كل شبر احتلوه. وسنعيد شط العرب». وكان صدام افتتح عقد السبعينات بإحباط ما عرف بـ«مؤامرة الراوي» التي رعتها الأجهزة الإيرانية وبعلم الشاه نفسه.

الفرصة التي قد لا تأتي مرة كل مائة سنة قدمت لإيران على طبق من ذهب وربما من دون تعمد. جاءت الفرصة عبر اقتلاع الأمريكيين نظام صدام وحل الجيش العراقي والذهاب بعيدًا في «اجتثاث البعث». وأدركت طهران أن الفرصة قد لا تتكرر لهذا قررت التوغل في البنية العراقية، ليس فقط لمنع احتمال قيام عراق معادٍ لها، بل لضمان قيام عراق يدور في فلكها. ستتعبد الطريق أمام هذه الفرصة حين ينفذ الرئيس باراك أوباما قراره بسحب الجيش الأمريكي من العراق، علمًا أن قسمًا كبيرًا من النفوذ الأمريكي انسحب من بلاد الرافدين قبل انسحاب الجنود.

مأساة عراقية جديدة ستنجح إيران في تحويلها فرصة. في يونيو (حزيران) 2014، سقطت الموصل بيد «داعش». لم يكن أمام حكومة نوري المالكي غير طلب المساعدة من الأمريكيين. في هذا الوقت أطلقت المرجعية الشيعية ممثلة بآية الله علي السيستاني نداء «الجهاد الكفائي» ضد «داعش». اغتنمت الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران هذا المناخ لتنخرط في «الحشد الشعبي». وفي 2016 وفي ظل حكومة حيدر العبادي وبضغط من إيران تمت شرعنة «هيئة الحشد الشعبي» وباتت جزءًا من المؤسسات الأمنية للدولة.

لم يعد ممكنًا اليوم الحديث عن صراع عراقي-إيراني. إيران تقيم داخل العراق. في نسيجه وقراره ويومياته. إنها معبر إلزامي في اختيار الرئاسات وأصحاب المواقع الأمنية الحساسة. وإذا تفادت المجاهرة بحق التعيين، فإنها تملك بالتأكيد حق النقض ضد الأسماء التي لا تنسجم وتوجهاتها. إنها تتمتع بحضور حاسم داخل المكون الشيعي مع تحقيق اختراقات داخل المكونين العربي السني والكردي. وخير دليل أن الجنرال قاسم سليماني هو من تدخل كي لا تذهب بغداد أبعد في معاقبة الأكراد بعدما اقترعوا بـ«نعم» في استفتاء حق تقرير المصير الذي دعا إليه مسعود بارزاني في سبتمبر 2017.

ما يمكن الحديث عنه اليوم هو ملامح فصل من الصراع على العراق بين أمريكا وإيران. فرضت اعتبارات كثيرة نوعًا من التعايش بين النفوذين الأمريكي والإيراني في عهد حكومتي المالكي والعبادي. اختلفت الظروف اليوم خصوصًا بعد خروج إدارة دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران وعودة واشنطن إلى فرض عقوبات «غير مسبوقة» على طهران.

مقارنة سريعة ذات دلالات. زار ترمب القوات الأمريكية في العراق من دون إعلان مسبق ولم يذهب إلى بغداد، ووصل وزير خارجيته مايك بومبيو إلى بغداد من دون إعلان مسبق عن الزيارة، هذا في بلد أنفقت أمريكا فيه دماء آلاف الجنود ومليارات الدولارات، وتوهمت أنها ستنشئ فيه نظامًا ديمقراطيًا مواليًا لها أو صديقًا في أسوأ الأحوال.

وبعد زيارة بومبيو، جاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وجال بين كردستان وبغداد والجنوب. التقى ظريف المسؤولين، لكنه التقى أيضًا قادة من «الحشد» وزعماء عشائر ورجال أعمال. قال ظريف إنه ليس من حق بومبيو «إطلاقًا أن يتدخل في قضايا إيران والعراق». وذهب أبعد في التوضيح قائلاً: «نحن والعراق لدينا علاقات قبل وجود الولايات المتحدة وسنواصل تلك العلاقات»، لافتًا إلى أن زيارته إلى العراق «أطول رحلة أقوم بها لبلد في العالم».

تواكبت زيارة ظريف مع تصريحات متكررة لنواب عراقيين يدعون فيها إلى صوغ قانون يطالب بخروج «القوات الأجنبية» والمقصود القوات الأمريكية، ذلك أن شيئًا من التسامح ظهر حيال الوجود العسكري التركي بعدما اقتربت أنقرة من موسكو وطهران في الملف السوري. وثمة من يعتقد أن التعجيل بخروج الأمريكيين قد يستدعي التحرّش بهم عبر منظمات «مجهولة»، وهو ما لمَّح إليه تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» نقلاً عن مسؤول إيراني رفيع المستوى في مجال الأمن القومي اعتبر أن المسرح الأكثر احتمالاً للمواجهة مع أمريكا هو العراق.

وثمة من يعتقد أن إيران تصرُّ على حسم الوضع العراقي لمصلحتها بالكامل، متخوفة من ضبط تدريجي لحدود دورها في سوريا التي يكاد العالم يسلم بإيكال مصيرها إلى روسيا، فضلاً عن أن التطورات الميدانية في اليمن لا تسير لمصلحة الحوثيين. وفي الصراع على العراق، لم تستطع تركيا أن تحجز لنفسها دورًا بارزًا على غرار ما تحاول في سوريا. أما العرب فالخيار المتاح أمامهم هو الانخراط مع النظام العراقي الحالي لتشجيعه على إدراك أهمية الحضن العربي ولو كعامل توازن.

في العقود الماضية كان الكلام يدور حول الصراع على سوريا، نتحدث الآن عن الصراع على العراق، وبين السياسيين العراقيين من يعتقد أن أمريكا المهتمة بمحاصرة إيران اقتصاديًا لم تعد مستعدة لاستثمارات كبيرة في المصير العراقي، وتفضل نقل هذه الإمكانات والجهود لاحتواء الصعود الصيني.

3     ملجأ العامرية أولى الجرائم

 

 وليد الزبيدي

 

  الوطن العمانية
قد يكون العنوان الاكثر دقة لهذا المقال ” جريمة ملجأ العامرية ببغداد”، ولمن لم تطرق سمعه تفاصيل هذه الحادثة الأليمة، نقول أنه رغم بشاعة جميع الجرائم الأميركية بحق العراقيين منذ أن دفع اولى القنابل والصورايخ صوب المدن العراقية فجر السابع عشر من كانون الثاني من العام 1991 وحتى هذه اللحظة، إلا أن تلك الجريمة تنطوي على اصرار يتوافق والعقلية الأميركية وسياساتها ازاء الشعوب، فقد تم التخطيط لها بعناية كبيرة، ونفذها الطياريون الأميركيون بهمجية واجرام لا مثيل لها إلا تلك الجريمة المشابهة التي ارتكبها الأميركيون بحق المدن اليابانية في العام 1945، حيث لجأ البيت الأبيض إلى استخدام سلاح الجبناء بعد فشلهم في تحقيق نصر عسكري على اليابان في الحرب العالمية الثانية، وفي جريمة ” ملجأ العامرية” استهدف الطيران الأميركي احد الملاجيء الذي تم تشييده لحماية المدنيين من الشيوخ والنساء والاطفال، وكما هومعروف فأن الملاجيء الخاصة بالمدنيين تكون معروفة لجميع الاطراف المتحاربة، وكان هذا الملجأ الذي يقع في اطراف جانب الكرخ من العاصمة العراقية معروفا للجميع، كما أن الطيران الأميركي قد راقب المكان، وكان المشهد التقليدي في مساء كل يوم يتمثل في ذهاب العوائل القاطنة في المنطقة للاحتماء بالملجأ، بعد أن فتك الطيران الأميركي بالعوائل في الكثير من مناطق العراق، ولم يخطر ببال احد من تلك العوائل أن يتحول هذا الملجأ إلى هدف تقصده الطائرات المقاتلة الأميركية .

من التسريبات التي نشرت في وقت لاحق لارتكاب الجريمة أن الطائرات الأميركية راقبت الملجأ عن كثب، وهذا يعني أن تلك الطائرات قد رصدت الاهداف التي تدخل الملجأ في كل ليلة، وهوما يزيد عن الاربعمائة شيخ وأمراة وطفل، يتوجه هؤلاء عند غروب الشمس واحيانا قبل ذلك نحوالملجأ، وغالبا ما تكون عوائل باكملها قد اجتمعت في داخله، وهذا ما زاد من حجم الجريمة وزاد من بشاعتها بعد أن احترقت عوائل باكملها ما عدا الاباء الذين كان اغلبهم في جبهة الحرب، وبعد المراقبة والرصد وجمع معلومات تفصيلية عن بناء الملجأ، فقد تم صناعة عدة قنابل خاصة لهذه الجريمة، وصممت القنبلة الاولى التي اطلقها الطيارون الأميركيون لتتكفل باحكام اغلاق جميع منافذ الخروج، ولأن ابواب الملاجيء تكون ثقيلة جدا ومصصمة لحماية الابرياء بداخله، فقد تم اغلاقها باحكام تام نتيجة تلك القنبلة، وبعد ذلك تم اسقاط قنابل متفجرة حارقة احدثت حريقا داخل الملجأ، بحيث تواصل الحريق الذي يلتهم جثث الاطفال والنساء والشيوخ من الساعة الخامسة فجر الثالث عشر من شباط – فبراير 1991 حتى السابعة صباحا، وكانت اصوات الضحايا تتعالى ثم بدأت بالخفوت والتلاشي بعد أن تحولت الاجسام الى جثث متفحمة.

لقد كانت جريمة بشعة بكامل ما تحمل هذه الكلمة من دلالات.

 

4  سياسيون بلا حدود

 

 

يوسف غيشان

 

   الدستور الاردنية
اذا لم ترغبوا في أخذ العبرة، فلتأخذوا القصة على سبيل  الطرافة فقط لا غير…. كان سليمان باشا  أحد رؤساء الوزراء الذين تناوبوا على الوزارة  العراقية، خلال فترة الانتداب البريطاني ،خلال النصف الأول من القرن المنصرم، وكان الرجل يريد أن يصنع لنفسه شعبية بين الناس، ليرضى عنه الإنجليز ، وتدوم وزارته وتدوم وتدوم…. مثل شفرات ال(ناسيت)…بالطبع لم يكن الرجل هو الأول أو الأخير في محاولة استرضاء بريطانيا ، لأنه يعرف أن الجهاز الذي يحدد مدى صلاحيته كرئيس للوزراء  في يد بريطانيا تكبسه أنّى شاءت وتحدد التاريخ الذي تشاء.

عام 1937 سمع سليمان باشا عن مظاهرة ستخرج في بغداد ضد تقسيم فلسطين، فتأنق ونزل مع حراسه الى المظاهرة وشارك فيها ، وسار معها طائفا في شوارع بغداد ،وربما هتف ببعض شعاراتها مع المشاركين المناوئين لسياسات بريطانيا في فلسطين،  وربما شتم بريطانيا بأقذع المسبات، على طريقة إخوتنا العراقيين.وقد شهد ذلك العام -وخلال الثورة الشعبية التي اندلعت منذ عام 1936- شهد محاولة بريطانية لتطبيق وعد بلفور بكامل حيثياته،في فلسطين.

في المساء وبعد انتهاء المظاهرة ، استدعى السفير البريطاني رئيس الوزراء العراقي سليمان باشا، وأنبه ووبخه – وربما شتمه- بسبب مشاركته الفاعلة والفعلية  في مظاهرة ضد انجلترا، واعتقد السفير ، بأن رئيس الوزراء العراقي ، ربما يكون قد تحول الى وطني قومي غيور .

لكن سليمان باشا ، خيّب ظن السفير البريطاني وقال مدافعا عن نفسه:

– سعادة السفير..نحن في النهار نمشي معهم، وفي الليل نعمل ما تطلبون.

قد يبدو تصرف دولة رئيس الوزراء مستنكرا وغريبا عن عاداتنا وتقاليدنا، لكننا اذا نظرنا حولنا بكل واقعية ، نجد أن دولة الرئيس سليمان باشا كان يؤسس لمدرسة عريقة  ودائمة الحضور والتأثير والتأثر …..مدرسة الإزدواجية وتعدد الخطابات وتناقضها ، مع انها تخدم في النهاية هدفا واحدا ..وهو ليس الهدف الوطني بكل أحرف وكلمات التأكيد والتوكيد، المتوفرة بكثافة في كتب النحو العربية.

لا أعرف رد سعادة السفير البريطاني على سليمان باشا،  ولا أعرف موقفه الشخصي منه كإنسان، لكنه  في النهاية رجل دبلوماسي ،  ويخدم دولته العظمى (آنذاك) ،بالتأكيد اطمأن للرجل ، وتبددت مخاوفه حوله ، وأحس بالإشفاق عليه ، وهو يراه يبلع ريقه بانتظار رد سعادة السفير .

 ولا بد أن سعادة السفير البريطاني ،  طبطب على ظهر رئيس الوزراء  العراقي وقال له:

– إبق  كما انت يا صديقنا العزيز ..هكذا نريدك أن تكون بالضط، وبدون ربط .