1 الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق د. رياض السندي
راي اليوم بريطانيا
(القسم الأول)
مقدمة
تُعد الكنيسة الكلدانية اليوم أحد لاعبي الحياة السياسية في العراق، فمن ناحية تتمسك التصريحات الرسمية للكنيسة وبطريركها [1] بالتأكيد، مراراً وتكراراً، على ابتعاد الكنيسة عن التدخل في الشأن السياسي باعتبارها مؤسسة دينية روحية وليست حزبًا سياسيًا وإن البطريرك ليس زعيما سياسياً، وأن علاقتها بالسياسة تنحصر ب(الشأن العام)، على حد وصف البطريرك ذاته، وما يتعلق فقط بالتدخل لحماية الحقوق الدينية لمسيحيي العراق (المكون المسيحي)، بينما تأتي مواقف الكنيسة وعلى رأسها البطريرك لتصِّدر صورة الكنيسة كأحد الفاعلين في الشأن السياسي مما يجعل الكثير من المراقبين يؤكدون أن دورها يتجاوز كثيرًا مفهوم المؤسسة الدينية؛ حيث سعت في العقود الأخيرة لتكون وسيطًا سياسيًا بين المسيحيين والدولة ولتبرز كمرجعية سياسية ودينية في آن واحد. وهذا الموقف هو موقف مشابه للكنيسة القبطية في مصر، والكنيسة المارونية في لبنان. وهو في نفس الوقت إستنساخ مشوّه لدور المرجعيات الدينية الإسلامية، الشيعية منها والسنية، وتقليد لنمط الحكم الديني الإسلامي، بما يتقارب مع تجربة ولاية الفقيه الإيرانية، مما يطرح جدلية قديمة وهي: ما هو الدور الذي يلعبه الدِين في الحياة العامة، وخاصة في السياسة وممارسة السلطة، وما حدود ذلك الدور؟
وهذا ما يقتضي تتبعه وبحثه لتأريخ الكنيسة والدور الذي لعبته في أحداث العراق بعد عام 2003 وحتى يومنا هذا.
في العموم، ظلّ البطريرك الكلداني بعيداً عن السياسة، متجنباً لها، وهذا ما جعل الكلدان يتصفون بالواقعية السياسية عموما. [2] وقد حافظ الكلدان في العراق على إعتماد سياسة النأي بالنفس عن الدخول في صراعات سياسية، ولم يذكر التاريخ لهم موقف سياسي محدد إلا إذا مسَّ عقائدهم، لا بل كُل الذي عُرف عنهم هو موالاتهم للحكم القائم، وإمتثالهم لأوامر الحكومة الوطنية، على غرار القاعدة الإسلامية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..)[3] على الرغم من أن أولي الأمر لم يكونوا يوماً منهم. وحتى أول مشاركة للبطريرك الكلداني يوسف غنيمة في مجلس الأعيان العراقي في العهد الملكي، لم تكن سوى مشاركة رمزية لا قيمة لها. ولم يسجل تاريخ العراق الحديث سوى تدخل وحيد لرئيس الطائفة الكلدانية بالسياسة، لإستثناء حالة فرض مناهج الشريعة الإسلامية على الطلبة المسيحيين، مما دَفع بالبطريرك بولس الثاني شيخو (1958-1989) الذي يلقّب ب (البطريرك الحليم) إلى التدخل شخصيا ويصبّ جام غضبه على نائب رئيس الجمهورية المسيحي آنذاك طارق عزيز وإلغاءها. [4]
وتعود أول رغبة في المشاركة السياسية إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتشجيع الأمريكان لرجال الدين على خوض غمار السياسة بقصد الإساءة للأديان وتلويث سمعة رجال الدين الذين إستفادوا على الصعيد الشخصي وخسروا من جراء ذلك أكثر مما إستفادوا على الصعيد الديني. وإنسياقا مع ذلك، فقد تقدم معاون البطريرك آنذاك المطران عمانوئيل دّلي (البطريرك لاحقا) بطلب منحه عضوية مجلس الحكم الذي كان الحاكم الأمريكي المدني في العراق بول بريمر يعمل لإنشائه، إلا إن طلبه رفض، وقد بيَّن بريمر لاحقا ملابسات هذا الموضوع، وأشار لها في مذكراته المعروفة بعنوان” عام قضيته في العراق”، فكتب عن يوم 12 تموز 2003 قائلا: –
“ثُم خطر ببالي أن أبلغ العديد من المرشحين بأنهم لن يكونوا في عداد المجلس.
أولا. (المطران (البطريرك لاحقا في 2003/12/3 دّلي، زعيم طائفة المسيحيين الكلدان. فقد كانت الجالية المسيحية الصغيرة في العراق مجزأة، على غرار كافة الطوائف الدينية في البلد. كان هناك الكلدان الذين يبدو إنهم يفوقون الآشوريين عدداً، لكنهم لم يكونوا منظمين جيدا مثلهم وأقل فعالية سياسية. وللمحافظة على هدف الحصول على أصغر هيئة تمثيلية ممكنة، كان لدينا مكان لمسيحي واحد فقط في المجلس) يقصد مجلس الحكم الانتقالي). أخذنا ممثلاً للمسيحيين الآشوريين وتوقعنا أن يسبب ذلك إستياء لدى الكلدان. وكان ذلك صحيحاً، إذ في تلك الليلة لم يكن قلب المطران يفيض بالمحبة المسيحية. فبعد التذمر من إستبعاده، غادر غاضباً”.[5]
وعلى العموم فلم يكتب لهذه المحاولة النجاح، وأعتبرت محاولة فاشلة من الكنيسة الكلدانية للتدخل في صلب السياسة، بداية العهد الأميركي في العراق.
وإذا ما تتبعنا مواقف الكنيسة الكلدانية بعد سقوط بغداد عام 2003 وإحتلال الولايات المتحدة للعراق، نجد أن مواقفها السياسية كانت دوماً مثار جدل كبير، مما أدخلها في صراع مع أتباعها من جهة ومع الكنائس الأخرى في العراق من جهة أخرى، إلاّ إنها نالت إستحسان الحكومة والمرجعيات الدينية الإسلامية، لتعزيز حالة تدخُل رجال الدين في السياسة والسلطة، وهيمنتهم على حياة الناس بسلاحي الدين والسلطة، وهو الأمر الذي إستفحل كثيراً منذ سقوط النظام السابق.
وسنحاول تتبع هذه المواقف، وفقا لتصريحات البطريركية الكلدانية وإعلامها، كما هو مثبت على موقعها الرسمي وفي الصحافة والإعلام العراقي والعالمي. وقد قمنا بتصنيف تلك المواقف وكما يلي: –
أولا. في العلاقة بين الدين والسياسة
الإبتعاد عن السياسة
لم تمضِ أكثر من ثلاثة أشهر بعد تقليد لويس ساكو مطران كركوك، بطريركاً على الكنيسة الكلدانية في حاضرة الفاتيكان بروما حيث مقر الكنيسة الكاثوليكية، بتاريخ 1 شباط 2013م، حتى صرّح في 22 أيار/مايو 2013، بما يلي:
” البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية
بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق
(لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية ومسؤوليتها أن تزج نفسها في العمل القومي والسياسي على حساب رسالتها هذان المجالان من اختصاص العلمانيين).” [6]
ثم عاد وأكد مرة أخرى ” إننا نؤكدُ أن مجال العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم اللغة وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن حقّ الناس وتحميهم، لكننا لا يمكن أن ننخرط فيها أو نكون داعين لها. هذا خطٌّ أحمر. نبقى نلتزمُ بدعوتنا الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تمييز.” [7]
“أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد أن تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى أبدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبا سياسيا للمسيحيين.” [8]
“وبهذه المناسبة أوكد أن الكنيسة ليست بديلاً للسياسيين المخلصين ولا موازية لهم، إنما هي جزء من الوطن والشعب وتسعى لتقول كلمة حق في الشأن العام وخصوصا في مجال بناء السلام وتحقيق العدالة وتأمين حياة كريمة للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم، وتبقى تحب الناس وكل الناس وتتفانى في خدمتهم على مثال المسيح مؤسسها.” [9]
“العمل القومي والسياسي مجالُ العلمانيين، إننا نؤكدُ أن مجال العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين.” أنذرُ كهنة الكنيسة الكلدانية بعدم التدخل بالسياسة وفصلها عن المسيحية. [10]
جاء في البيان الختامي للسينودس الكلداني الذي أختتم أعماله في بغداد برئاسة البطريرك لويس ساكو للفترة بين (5 – 11 حزيران 2013)، وهو الأول منذ انتخاب غبطته وتنصيبه ببغداد يوم (6 آذار 2013)، ما يلي:
“ثامنا: يؤكد الآباء أن ما جاء في رسالة غبطة البطريرك بخصوص العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم لغتنا وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، لكن لا يمكن لأفراد الإكليروس بجميع درجاتهم الانخراط فيها أو التحول إلى دعاة لها. على أعضاء الإكليروس الالتزام الكامل بدعوتهم الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تفريق.”[11]
“كما نشجع أبناءنا الكلدان على التعاون مع الجميع للخير العام وعدم التشظي إلى جماعات بلا هوية والانسياق وراء مشاريع وهمية تضر بالمسيحيين. كذلك نشجعهم على الانخراط في الشأن العام والعملية السياسية كشركاء أصيلين لهذه الأرض المباركة وأداء دورهم جنبا إلى جنب مع إخوتهم المواطنين في بناء دولة مدنية حديثة وقوية تناسب حضارة بلادهم ومجدها، وتحترم حقوق الجميع ومساواتهم.” [12]
“تشجيع المسيحيين على الانخراط في الأحزاب الأخرى والترشّح في قوائم انتخابية ما عدا الكوتا، خصوصًا في انتخابات 2014 ليكون عدد نوابنا أكبر.” [13]
” البطريرك لا يقدم نفسه بديلا للأحزاب السياسية ولا للنواب.” [14]
وبيّن ساكو أن “الكنيسة لا تلعب دورا سياسيا وأي مرجعية دينية لا تلعب هذا الدور وإنما توجه فقط ولا نسعى لاستنساخ الإسلام السياسي، ولا يوجد لدينا طموحات سياسية ورَفضْتُ طلبات بالترشيح للبرلمان”. [15]
” أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد أن تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى أبدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبا سياسيا للمسيحيين. يكفيه ما له من مسؤوليات وأعباء، …”. [16]
التدخل في السياسة
كثيرا ما تدخل بعض رجال الدين المسيحي بمسائل سياسية هامة ومثار خلاف وجدل، مثل تجديد رئاسة إقليم كردستان، والإستفتاء الكردي عام 2017، وترشيح بعض الأسماء للمناصب الحكومية، ناهيك عن كثرة المقابلات للسياسيين العراقيين والأجانب، وأقامة العلاقات معهم، دون أن يصدر موقف من البطريرك ضدهم، بل كان في كثير من الأحيان يُبّرر مواقفهم تلك بوجودهم ضمن مناطق نفوذ تلك الأحزاب، أو ربما خشية البطريرك نفسه من سطوة تلك الأحزاب.
ويبدو أن تدخل رجال الدين المسيحي من الكلدان لم يعد -في الواقع العملي- مخالفة لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية، ولم يطلب بطريرك الكلدان منهم ذلك، عدا التصريح السابق عام 2013 في بداية تقلده منصب البطريركية، بدليل أن صيغة إعلان الطاعة للرئاسة الكنسية الخاصة للمطارنة المنتخبين لعام 2014، تضمنت طاعة البابا والبطريرك، وحماية أموال الكنيسة، وخدمة الشعب الموكل إليهم بكل أمانة. ولم تتضمن الصيغة المذكورة أية إشارة أو حظر لممارسة السياسة، بما يدُل وفقا لمفهوم المخالفة على جواز ذلك أو إباحته. [17]
وأعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وأخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على انشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ”.
[1] البطريرك (ج بطاركة أو بطارقة) كلمة يونانية مكونة من شطرين، ترجمتها الحرفية “الأب الرئيس″؛ ومن حيث المعنى فهي تشير إلى من يمارس السلطة بوصفه الأب، على امتداد الأسرة، ولذلك فإن النظام المعتمد على سلطة الأب، يدعى “النظام البطريركي”. أما في المسيحية، فتتخذ الكلمة معنى رئيس الأساقفة في الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية؛ ويدعى مكتب البطريرك البطريركية. أما المؤرخون العرب فقد اصطلحوا على الكلمة لفظ “بطريق”. ويكبيديا-الموسوعة الحرة.
[2] في رسالة كتبها السياسي والقائد الأثوري أغا بطرس إلى أتباعه من منفاه في باريس بتاريخ 4/1/1922، يذكر فيها زيارة وفد من عائلة البطريرك الآثوري إلى بطريرك الكلدان عمانوئيل الثاني بقصد الإندماج معهم، فأبدى البطريرك الكلداني موافقته بشرط إستبعاد المسائل السياسية وتركها للسياسيين، فيقول: ” اتذكرون يوم قام (مار طيماثاوس) أسقف الملبار مع (سورما خانم) بزيارة (مار عمانوئيل) بطريرك الكنيسة الكاثوليكية سنة 1919 في بغداد وعرضا عليه الاتحاد. الم يرحب هذا الحبر الجليل بهذه الفكرة ..؟ ليقول لهما بالحرف الواحد (إذا أردتم توحيد الطقس الكنسي نأتي بالطقس النسطوري والكلداني ونراهم مع مراعاة الزيادة والنقصان ثم نوحده وأما إذا قصدتم توحيد الأمة فهذا من واجب العامة فعلى الرؤساء من كلا الطرفين الاجتماع والقيام بإنجاز هذه المهمة التاريخية وإنها لخطوة هامة جدا في هذا الظرف. وأما مسؤوليتنا تقتصر على القضايا الطقسية والمذهبية فقط). لم يكن لجواب البطريرك (عمانوئيل) وقع طيب عند الضيفين فغادرا خائبين”. أنظر، نينوس نيراري، آغا بطرس سنحاريب القرن العشرين، ترجمة فاضل بولا، سان دياغو 1996، ص232.
[3] سورة النساء:59.
[4] وهذا الموقف قد تكرر في عهد البطريرك الحالي ساكو وبشكل أخف، حيث أشار إلى أنه ” لقد وردت في كتابيّ التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي والخامس الإعدادي عبارات غير دقيقة وغير لائقة ومؤسفة تحض على الكراهية والفرقة، وهي بعيدة عن قيم التسامح ومبادئ المواطنة والعيش المشترك. إن دور وزارة التربية هو تنشئة الطفل تنشئة سليمة ومتكاملة، كي يقبل الأخر كاخ في الإنسانية وكمواطن وليس كخصم ينبغي إقصاؤه… نودّ أن ننوّه بأن للآيات والأحاديث في كل الديانات، أسبابها وظروفها التي لا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار، فبعضها يبطل العمل به بعد أن تزول ظروفه ومبرراته، وبعضها كان علاجا لحالات معينة… هذا ما أحببت التنويه عنه مع جلّ محبتي واحترامي للإخوة المسلمين وبينهم يوجد علامات مضيئة.” الكردينال لويس روفائيل ساكو، حول بعض عبارات مسيئة للمسيحيين في كتب التربية الإسلامية لوزارة التربية، موقع البطريركية الكلدانية، في 21/12/2018. http://saint-adday.com/?p=27333
[5] بول بريمر، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006، ص 131.
[6] البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية، بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق صحيفة الزمان في 22/5/2013. http://www.azzaman.com/?p=35002
[7] رسالة من غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو إلى إكليروس الكنيسة الكلدانية في كلّ مكان، 19 مايو، 2013. العمل القومي والسياسي مجالُ العلمانيين.
[8] البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع أبونا الإلكتروني في 2016/03/17.
[9] البطريرك لويس روفائيل ساكو، المسيحيون ما بعد داعش، موقع البطريركية الكلدانية في 12/7/2017.
[10] مناشدة من بطريرك الكلدان لعملٍ سواء، 28 مايو، 2013.
[11] http://www.nadibabil.com /البيان-الختامي-للسينودس-الكلداني-الذ/
[12] أنظر موقع البطريركية الكلدانية، بيان “سينودس – مجمع” أساقفة الكنيسة الكلدانيّة المنعقد في روما برئاسة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكليّ الطوبى 4 – 8 تشرين الأول 2017، http://saint-adday.com/?p=19624
[13] رسالة من البطريرك ساكو إلى سياسيي أبناء شعبنا الموقرين، 16 سبتمبر، 2013.
[14] المشهد السياسي المسيحي في العراق، إعلام البطريركية، موقع البطريركية الكلدانية في 16 يناير، 2016.
[15] ساكو لحوار المدى: نوابنا ليسوا بالمستوى المطلوب ونطالب المرجعيات بموقف مشرف من البطاقة الموحدة، موقع البطريركية الكلدانية، في 12 فبراير، 2016.
[16] البطريرك لويس روفائيل ساكو، جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع البطريركية الكلدانية، في 16 مارس، 2016.
[17] صيغة إعلان الطاعة للرئاسة الكنسية الخاصة للمطارنة المنتخبين، موقع البطريركية الكلدانية في 20 يناير، 2014.
2 النظام الإيراني يتعامل مع العراق كمستعمرة عبدالمنعم ابراهيم اخبار الخليج البحرينية
كلما ازدادت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران فكَّر النظام الإيراني في بدائل لإنعاش اقتصاده من خلال الاعتماد على الدول العربية الخاضعة لنفوذه مثل العراق وسوريا ولبنان، حتى لو كان ذلك على حساب اقتصادات هذه الدول، وقد نشرت (أخبار الخليج) بالأمس تقريرًا لمراسلها في بغداد بعنوان (طماطم إيران تغرق البصرة وتشعل غضبا في شوارعها) حيث تتدفق مئات الشاحنات المحملة بالطماطم الإيرانية إلى مدينة البصرة برغم المنع الحكومي استيرادها من أي بلد بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي منها عراقيا. وبعد شهرين من قرار منع استيراد الطماطم تعرضت أربعة آلاف مزرعة لأضرار متفاوتة، فيما تعرضت 250 مزرعة أخرى لإبادة شاملة في منطقة الزبير نتيجة وباء غامض! والجهات العلمية العراقية لم تجد تفسيرًا لذلك الوباء الذي دمَّر حقولاً للطماطم تكفي لإغراق أسواق المدن الجنوبية بالكامل، فيما حاولت جهات سياسية إسدال الستار على الكارثة الزراعية التي تعرضت لها البصرة! بينما يرى الأهالي أن الوباء كان بفعل فاعل وأن المحاصيل الزراعية في العراق لم تعرف هذا النوع من الوباء طوال التاريخ المعاصر. ويربط مزارعو الجنوب العراقي بين الوباء المفتعل وخطة مبرمجة لإغراق السوق العراقي بالطماطم الإيرانية.
واضح تمامًا أن النظام الإيراني يتعامل مع العراق كمستعمرة يتصرف فيها كيفما يشاء، حتى لو انتقل وباء كارثي إلى مزارع الطماطم العراقية من أجل إنعاش سوق الطماطم الإيرانية في العراق؛ أي إنها تريد أن تجعل العراق معتمدًا بالكامل على الاقتصاد الإيراني ليس في الزراعة فحسب، بل كذلك في الطاقة الكهربائية أيضًا، وقد لاحظنا بوضوح أنه بمجرد خروج مظاهرات عراقية تندد بأفعال إيران في البصرة قامت إيران بقطع إمدادات الكهرباء عن العراق! ولولا تدخل الدول الشقيقة المجاورة للعراق مثل الكويت والسعودية بتوجيه المساعدات السريعة لمساعدة المواطنين في البصرة لكانت معاناتهم أطول وأشد صعوبة قبل حلول الشتاء.
إيران تفعل الأمر ذاته في سوريا أيضا، حيث اشترت أو بالأحرى استولت على معظم العقارات في دمشق، والمدن التي توجد فيها مليشياتها المسلحة، كما كانت عيناها على مناجم الفوسفات لولا تدخل النفوذ الروسي وتوقيع موسكو عقودا طويلة الأجل للاستثمار في مناجم الفوسفات السورية.
3 البصرة طارق إدريس الانباء الكويتية
هذه المدينة العراقية القديمة التي أسسها الصحابي الجليل عتبة بن غزوان المازني سنة 14 هجرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي أول مدينة تبنى بعد الفتح الاسلامي للعراق.
وقد وقعت فيها «معركة الجمل» في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة 36 هجرية، والبصرة عاش فيها عدد كبير من المشاهير والأدباء والعلماء وفيها «معبد قديم لليهود» كما فيها يعيش عدد من أهل الصابئة والمسيحيين.
كما يشتهر فيها قضاء «الزبير» وهو أكبر أقضية البصرة الستة (القرنة – شط العرب – المدينة – الفاو وأبو الخصيب والزبير)، والبصرة شريان حيوي للعراق «بحري وبري» والبصرة غنية بالنفط والزراعة!
والبصرة عاش فيها الكثير من المشاهير كما أسلفنا ومنهم العلامة الجاحظ والأديب الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكذلك علامة النحو «سيبويه» والعلامة الحسن بن الهيثم وكذلك الحسن البصري وأبوالأسود الدؤلي، ومحمد بن سيرين وكذلك المحدث أبوداود السجستاني، ومن العلماء المعاصرين الشاعر بدر شاكر السياب والأديب المفكر أحمد الخفاجي!
وبالبصرة مرقد الصحابي طلحة بن عبيد الله ومرقد الزبير بن العوام ومرقد الحسن البصري ومرقد محمد بن سيرين.
وبالبصرة أكبر جامع للإمام علي بن موسى الرضا، كما أن البصرة اشتهرت بمهرجان الشعر والأدب الذي يمتد تاريخه 1400 سنة ويسمى مهرجان «المربد»! وهنا نقول إن هذه المدينة الاسلامية والعربية العريقة التي هي أقدم من بغداد العاصمة، بل أقدم من بعض المحافظات العراقية الأخرى أهملت في العهد الحديث وأصبحت «مكبا» للنفايات والملوثات رغم أهميتها التاريخية والاسلامية وهي من أشهر المدن العربية والاسلامية الكبرى. ى
اليوم البصرة تسحق سياسيا واقتصاديا وبشريا لتصبح من أفقر المدن العربية رغم أن باطنها فيه ثروة نفطية كبرى تغذي العراق كله لأن البصرة الشريان البحري والنفطي الأهم بالعراق، لكن للأسف أهملت من كل الأنظمة والحكومات المتعاقبة وازدهرت في العهد الملكي ثم تلاشت وأصبحت اليوم طي النسيان!
البصرة العريقة لها تاريخ حافل بالعلاقات التجارية البحرية والبرية مع العالم، وكانت موانئ البصرة في التاريخ الحديث من أهم موانئ المنطقة العربية لاطلالتها على الخليج العربي، ولتجار البصرة علاقات قديمة مع تجارة القارة الهندية والقارة الافريقية منذ عهد الاسلام ويمر بها طريق الحرير والتوابل القديم! والبصرة قبل بنائها كانت أرضا عربية متصلة بجزيرة العرب وبلاد الرافدين سكنتها أعرق القبائل العربية الكبرى والذين لهم امتداد عريق بعرب الجزيرة العربية وأهلها! فكيف البصرة اليوم هكذا تهمل وتتلاشى سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وبشريا وتصبح على هامش أولويات الحكومات العراقية المتعاقبة.. فهل تستحق هذه المدينة العربية هذا الإهمال والنسيان! البصرة كما صورها بدر شاكر السياب.
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
هذه هي البصرة اليوم!
4 وجوب ممارسة الحزم في وجه النظام الإيراني الداعم الإرهاب آلخو فيدال كوآدراس الحياة السعودية
في أعقاب فشل وإخفاق نظام الملالي في الاتفاق النووي الإيراني بسبب خروج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، سعى النظام الديني الحاكم في إيران لإقامة علاقات جيدة وواسعة مع الاتحاد الأوروبي، حتى يبقى الاتحاد الأوروبي مستمراً في سياسة التماشي والمهادنة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأن القمع داخل إيران وتصدير الإرهاب للخارج كان يستلزم دعماً دولياً.
في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩، أعلن مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي أنه أضاف اثنين من العملاء الإيرانيين وهما مدير قسم الأمن الداخلي في وزارة المخابرات وأمن النظام الإيراني على قوائم الإرهاب الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وقام المجلس أيضا بتجديد التدابير والإجراءات المقيدة فيما يتعلق بالأشخاص والمؤسسات التي كانت مدرجة سابقاً على قوائم هذا الاتحاد.
أحد العملاء الاثنين اللذين تم وضعهما على قوائم الاتحاد الأوروبي يدعى أسد الله أسدي وهو مسجون حالياً في بلجيكا بانتظار محاكمته، إذ إنه أساء استخدام حصانته الديبلوماسية وقام بإيصال المواد المتفجرة لعميلين مرتبطين به من أجل تنفيذ عمليات إرهابية في التجمع السنوي للمعارضة الديموقراطية الإيرانية منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٨ في قاعة فيلبنت باريس، إذ تم اعتقاله في ألمانيا وهو في طريق عودته إلى النمسا.
وقد اعترف الزوجان الإيرانيان – البلجيكيان اللذان كانا على ارتباط مع عميل مخابرات النظام الإيراني هذا بجميع أعمالهما وأنشطتهما الإرهابية، وأن أسد الله أسدي هو قائد هذه العملية الإرهابية، وبهذا يكون الاتحاد الأوروبي قد اتخذ خطوة إيجابية بهذا الإجراء المبدئي في إحلال أمنه الخاص وإفشال مخططات هذا النظام على أرض أوروبا، وبهذا الشكل أصبح فهم الدول الأوروبية لماهية الملالي الإرهابية والقمعية أقرب للواقع.
فليس هناك شك بأن ممارسة الحزم في مواجهة النظام الإيراني وطرد من يسمون ديبلوماسيي هذا النظام من أرض أوروبا وإغلاق سفاراته التي هي مراكز للإرهاب وتدريب الإرهابيين ستجعل من قارتنا أكثر أمنا واستقراراً.
إن هذا الإجراء الأوروبي الفعال والمناسب كان له ردات فعل مختلفة داخل النظام الإيراني، ومن بينهم وزير الخارجية وأيضا المتحدث باسم الخارجية، ولكن من بين ردات الفعل المختلفة كان هناك موقف مثير للاهتمام أكثر من غيره.
أمير عبداللهيان المستشار الخاص لرئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية هدد قائلا: «يجب مواجهة الأوروبيين بالصدمة بأن يعلموا أننا لن نبقى وحيدين في نفق ذي اتجاه واحد في الاتفاق النووي، والآن يجب على الأوروبيين الذين هم في مأمن من الإرهاب والمنافقين تلقي رسالة معقولة وحكيمة، ولكن يجب أن تكون صادمة».
وبالنظر للوضع السياسي المتزلزل للملالي بسبب الانتفاضة والاحتجاجات والثورات الواسعة خلال العام الماضي في جميع أنحاء إيران يمكن أن يتبادر هذا السؤال الى الذهن: ما هو نوع هذه الديبلوماسية في القرن الـ21؟ وهل سيتوقف هذا النظام الإيراني الداعم الإرهاب عن القيام بأعمال إرهابية في الدول الأخرى؟
جواب هذا السؤال واضح جدا: هذا النظام لا يملك حلا لمواجهة أزماته سوى القمع والكبت في الداخل الإيراني وتصدير الحروب والإرهاب لخارج حدوده، ولقد كانت هذه الطريقة معروفة ومثبتة على مدى الـ40 سنة الماضية للنظام الإيراني.
كما أن التدخلات المدمرة لهذا النظام في دول المنطقة ومن بينها العراق وسورية ولبنان واليمن وأفغانستان هي لهذا السبب. آية الله خامنئي المرشد الأعلى اعترف بهذا الموضوع مرات عدة بأنهم لو لم يحضروا في بقية البلدان ولو لم يحاربوا في سورية والعراق ولبنان لكان يجب عليهم أن يدفعوا ثمن ذلك في المدن الإيرانية.
إن سعي النظام الحثيث لكبح وقمع انتفاضة الشعب الإيراني التي ما زالت مستمرة ضد الحكومة بلا توقف منذ أواخر كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧ يثبت هذا الطرح والنظرية. لذلك وبشكل حقيقي، إذا كان يملك هذا النظام قدراته وإمكاناته فلا يتوانى لحظة واحدة عن أعماله الإرهابية في أوروبا وبقية دول العالم، ولو مر يوم ولم يقم بهذه الأعمال فهذا سيكون بسبب حزم الدول في التعامل مع هذا النظام لأنه أصبح عاجزًا بسبب ذلك ولا يستطيع ارتكاب جرائمه الإرهابية فيها.
مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الذي سافر أخيراً لدول الشرق الأوسط قال في ١١ كانون الثاني في الجامعة الأميركية بأنه لن يحمى بعد الآن الملالي الحاكمين في إيران، وأضاف بأننا «منضمون للشعب الإيراني الذي يطالب بالحرية والمحاسبة».
ومن هنا فإن العصر المخجل الذي أوجدته أميركا لنفسها سابقاً وأيضاً عصر السياسات التي أدت لظهور كل هذه الآلام والمعاناة قد انتهى.
وهذا الموقف من جانب وزير الخارجية الأميركي مبدئي ومهم جداً، وعلى الدول الأوروبية أيضا اتخاذ مواقف حازمة ومتوافقة مع حلفائها الأميركيين في سياساتها الخارجية، لقد ضاق الشعب الإيراني ذرعاً من ظلم وقمع وفساد الملالي الحاكمين في إيران، وأعلنوا خلال شعاراتهم ونداءاتهم بأنهم لا يريدون هذا النظام ويطالبون بإسقاطه التام والكامل.
لذلك يجب على دول العالم وخاصة الدول الأوروبية الوقوف بجانب الشعب والمقاومة الإيرانية، فالشعب الإيراني يعتمد خلال انتفاضته على بديل ديمقراطي قوي جداً ومنظم يسمى المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهذا المجلس يشمل جميع طبقات وشرائح الشعب الإيراني ومنظم بشكل جيد، والآن تحت قيادة السيدة مريم رجوي يقوم المجلس بقيادة وتوجيه الانتفاضة في داخل إيران أيضاً عن طريق معاقل الانتفاضة، وذلك بالإضافة لنشاطاته السياسية.
لو حقا تريد الدول الأوروبية إحلال الأمن والسلام يجب عليها دعم البديل الديموقراطي للملالي والاعتراف رسمياً بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وببرامجه المعلنة من أجل إحلال الديموقراطية في إيران وحق مقاومة الشعب الإيراني من أجل إسقاط الفاشية الدينية الحاكمة في إيران.
يجب على الاتحاد إدراج الأجهزة الأساسية للقمع في إيران أي كامل قوات الحرس ووزارة المخابرات على قوائم الإرهاب، وذلك من أجل استكمال إجرائه في إدراج مسؤولي النظام الإيراني.
وفي أعقاب هذا الإدراج من الضروري جداً طرد جميع عملاء مخابرات النظام الإيراني الذين يعملون تحت غطاء ديبلوماسي في الدول الأوروبية من الأراضي الأوروبية.
وهذه الخطوات ضرورية جدا من أجل دعم المطالب المشروعة للشعب الإيراني المضطهد الذي عانى ٤٠ عاماً من الظلم والاستبداد الذي كانت تمارسه بحقه هذه الدكتاتورية القمعية.
الشعب الإيراني شعب شريف ومتحضر ولن ينسى أبدا أولئك الذين قرروا دعمه في نضاله العادل ضد القمع، كما أنه لن يسامح ولن ينسى أولئك الذين تعاونوا مع الملالي الذين استباحوا بلاده.
* نائب رئيس البرلمان الأوروبي سابقاً رئيس اللجنة الدولية للبحث عن العدالة (ISJ).
* بروفيسور في الفيزياء النووية ، كان نائب رئيس البرلمان الأوروبي من اسبانيا منذ عام ١٩9٩ حتى عام ٢٠١٤؛ وفي الوقت الحالي يشغل منصب رئيس اللجنة الدولية للبحث عن العدالة وهي منظمة غير حكومية مسجلة في بروكسل.