1 طريق حكومة عادل عبد المهدي وألغام الدولة العميقة عبد الحسين شعبان
راي اليوم بريطانيا
استأنف البرلمان العراقي جلساته الاعتيادية بهدف التوصل إلى تسمية الوزراء المتبقين من التشكيلة الحكومية التي باشر بها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، حيث وافق البرلمان على 14 وزيراً وظلّت العقدة قائمة بشأن وزارتين سياديتين هما وزارة الداخلية التي كانت كتلة الفتح برئاسة هادي العامري تصرّ على تسمية فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي وزيراً للدفاع، في حين ترفض كتلة سائرون بقيادة السيد مقتدى الصدر تسميته.
أما الوزارة الثانية فهي وزارة الدفاع التي تقع ضمن حصة السنّية السياسية وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية – الإثنية السائد منذ احتلال العراق العام 2003. وكان رئيس كتلة الوطنية إياد علاوي قد رشح فيصل الفنر الجربا وزيراً للدفاع وهو طيار مشمول بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة الوريث لهيئة ” اجتثاث البعث” التي تأسست في عهد الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر (13 مايو /أيار/2003- 28 يونيو/حزيران/2004) وكان قد اتهم بمشاركته بقمع الحركة الاحتجاجية المعروفة بالانتفاضة الشعبانية في المحافظات الجنوبية بعد حرب الخليج الثانية (مارس/آذار/1991) وعقب تحرير الكويت، لكن محكمة التمييز برّأته من تلك التهمة، ومع ذلك قرر البرلمان للمرّة الثانية تأجيل البت بالأمر وعُلّق اختيار وزيري الدفاع ووزارات أخرى وإن تم لاحقا تسمية بعضهم بالأقساط
وحتى كتابة هذه المقالة ما تزال التجاذبات بشأن وزارتي الداخلية والدفاع مستمرة، على الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية وارتفاع حوادث العنف السياسي كوسيلة لتصفية الخصوم، سواء عبر القتل أم التهديد أم محاولة الاغتيال السياسي والطعن بسير الوزراء الذين تم اختيارهم بأساليب شتى، وهو ما دعا ممثل السيد علي السيستاني الشخصية الدينية المتنفذة في النجف للتحذير من عواقب هذه الظواهر المجتمعية المذمومة على حد تعبير عبد المهدي الكربائي ممثله، لأنها أخذت تهدد المجتمع وتشكل خطراً على المنظومة الاجتماعية.
ويلاحظ أن ظاهرة العنف العشائري والاعتداء على الآخرين والاستقواء على بعض الضعفاء أصبح سائداً وهو ما أثار ردود فعل مختلفة في ظل أزمة سياسية حادة وضعف الدولة وتآكل هيبتها، علماً بأن خطورتها قد تنتقل من البرلمان والفاعلين السياسيين إلى الشارع، خصوصاً على مستوى التظاهرات وأعمال الاحتجاجات، تلك التي ما تزال مستمرة منذ أسابيع في محافظة البصرة التي تعاني من شح المياه ومن تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية والبيئية على نحو مريع مع احتمال انتقالها إلى محافظات أخرى، أو حتى اللجوء إلى لغة السلاح، لاسيّما بين جماعات مسلحة وفصائل شبه عسكرية بعضها يرتبط بالحشد الشعبي وله صلات وثيقة بإيران، وبعضها منفلت من عقاله في إطار ردود الأفعال وحالات الغضب الشعبي.
وكانت قد وصلت تهديدات إلى عدد من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي قد ينذر بخروج الأمور عن السيطرة واندلاع العنف والفوضى. وكان مجهولون قد اغتالوا مؤخراً عضواً قيادياً بارزاً في ” سرايا السلام” التابعة للسيد الصدر وهو حسين الحجامي الذي قتل بهجوم مسلح في منطقة الشعلة ببغداد ذات النفوذ الصدري، بواسطة أسلحة كاتمة للصوت.
وعلى الرغم من البرنامج الحكومي لوزارة عادل عبد المهدي الذي أكد على محاربة الدولة العميقة ، إلا أن اختياره لم يكن بعيداً عن توافقات حصلت في داخلها وفي جوارها وحولها، ومع ذلك كان هناك استبشار أولي في تكليفه لشخصيته المتوازنة ، لكن مثل هذا الارتياح تبدد سريعاً وخيّم على المشهد السياسي منطق الدولة العميقة مجدداً ، لاسيّما حين تشبثت القوى السياسية والكتل البرلمانية بمواقفها واستحقاقاتها كما تقول، وهكذا ظلّت مشكلة رئيس الوزراء بالدرجة الأساسية ورئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان قائمة منذ الانتخابات التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي.
وحتى الآن فإن نحو نصف الوزارة ما يزال شاغراً وبعض الوزارات معلقة وتحتاج إلى توافقات جديدة، يقدّم فيها كل طرف تنازلات للطرف الآخر.
والحديث عن الدولة العميقة يشمل بالدرجة الأساسية اليوم حزب الدعوة الذي حكم بالتحديد منذ العام 2005 ولغاية العام 2018، وتتهم بعض الأطراف السياسية نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق لدورتين بمحاولة عرقلة جهود عادل عبد المهدي من خلال زرعه عناصر خفيّة في أحشاء الدولة بحيث تمثل مراكز قوى، ولاسيّما داخل أجهزة الأمن والمخابرات والجيش وغيرها.
فالدولة خلال السنوات المنصرمة تعاني من فساد مالي وإداري وسياسي لدرجة أصبح العراق في أسفل السلم الكوني بسبب استشراء الفساد وهو ما ظلّت تؤكده سنوياً منظمة الشفافية الدولية، ففي ظلّ حكومة المالكي وحسب تقرير برلماني تبدد نحو 360 مليار دولار وضاع الكثير من الأموال على مشاريع وهمية، ناهيك عن التلاعب بالمال العام ونهب الثروة أو هدرها بطريقة لا مسؤولة ودون مساءلة تُذكر، وتعكس عملية احتلال الموصل في 10 يونيو/حزيران/2014 مدى تغلغل الفساد حتى داخل القوات المسلّحة التي ينبغي أن يكون لها عقيدة عسكرية وانضباط كبير، ناهيك عمّا صُرف عليها من مبالغ طائلة لإعادة التأهيل، ولم تكن عملية تحرير الموصل ونحو ثلث الأراضي العراقية، لاسيّما محافظات صلاح الدين والأنبار أو أجزاء من محافظتي كركوك وديالى ومشارف بغداد (جرف الصخر)، بمعزل عن استنفار شعبي ودعم دولي عبر تحالف واسع.
إن وجود مراكز قوى وغياب وحدانية اتخاذ القرار والألغام الكثيرة التي احتواها الدستور العراقي والتعارض بين صلاحيات الدولة الاتحادية وصلاحيات إقليم كردستان فيما يتعلق بالبيشمركة والنفط وبعض التداخلات الخارجية ، جعل العراق دولة فاشلة بفعل نظام الزبائنية الذي يقوم على تقسيم الغنائم وفقاً لمصالح طائفية أو إثنية أو حتى امتدادات دولية وإقليمية والدولة الفاشلة ليس بإمكانها تلبية طموحات النخب الفكرية والثقافية ومطالب الناس الحيوية، لاسيّما الخدمات الصحية والتعليمية والتصدي للبطالة فضلاً عن استعادة هيبة الدولة وبسط سلطانها على جميع أراضيها وحماية سيادتها واستقلالها .
والنخب ذاتها في مثل هذه الأوضاع تصاب بالتصدّع في ظل حالة الخوف والاحتقان السياسي، لاسيّما إذا كان هناك سلطات سرّية وقوى نافذة وغير خاضعة للقانون، ولعلّ استمرار معاناة النازحين، سواء عدم عودة الكثير منهم أم الاختفاء القسري لأعداد من الشباب بحجة كونهم تعاونوا مع داعش خلال احتلاله للموصل وما بعدها.
ومقابل تراجع دور النخب الفكرية والثقافية، خصوصاً المستقلة ، نلاحظ تضخّم دور البيروقراطية الطفيلية الحزبية السياسية والدينية والإثنية وتغلغلها في جميع مفاصل الدولة لدرجة إن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كان قد صرّح بوجود عسكريين فضائيين زاد عددهم عن 50 ألف يتقاضون رواتب تصل إلى 500-600 مليون دولار من خزينة الدولة، والأمر يشمل أعداداً كبيرة من المدنيين، فضلاً عن وسائل صرف عديدة في غير أوجه الصرف، تلك التي كلفت الميزانية مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية والمثال الصارخ على ذلك استمرار أزمة الكهرباء منذ ما يزيد عن 15 عاماً، وهؤلاء إذا انضموا إلى القطط السمان المدعومة من مراكز القوى والاستقطابات الطائفية والمذهبية والإثنية، فسيكون لهم القدرة على تعطيل سير عمل الدولة والعبث بأمنها الوطني ونهب الأموال والثروات، بما فيها تهريب النفط، سواء من جنوب العراق (البصرة) التي تعاني من شظف العيش أو كردستان التي تعرضت إلى هزّة كبيرة إثر ردود الفعل إزاء الاستفتاء الذي دعت إليه حكومة الإقليم في 25 سبتمبر/أيلول/2017.
وهكذا تبقى الدولة داخل الدولة والمقصود بذلك المنظمات السرّية ذات السطوة داخل الدولة أو المؤثرة في عملها، سواء أكانت دينية أم عشائرية أم حزبية، بعيدة عن الأنظار وخارج دائرة المساءلة لأن سلطتها سرّية وأذرعها طويلة، ومثل هذا الأمر ساهم في خلق طبقة سياسية جديدة تعتاش على الانقسام الطائفي – الإثني وتستغل غياب وحدانية القرار السياسي وهشاشة الوحدة الوطنية وضعف الهويّة الجامعة، وهكذا تكون الحكومة غير المرئية التي تدار بواسطة الأبناء والأصهار والأقارب والنافذين الحزبيين خفية وتمارس سياسة عميقة ولها ميزانيتها غير الخاضعة للمراقبة.
وإذا كانت الدول الشمولية تمارس دوراً سرياً بواسطة تنظيمات غير منظورة وبزعم حماية الأمن الوطني، فإن انهيار الدولة وحل بعض مؤسساتها العسكرية والأمنية واستشراء الفوضى، في ظل الانقسامات السياسية والمذهبية والإثنية، سيكون أكثر خطورة، وهذا ما فعله بول بريمر الذي قاد إلى تعويم الدولة وحتى الآن فإن محاولات إعادة البناء قد تستغرق زمناً طويلاً، لاسيّما في ظلّ تعدد المرجعيات التي تعلو على الدولة ذاتها أحياناً، وغياب الحد الأدنى من الوحدة الوطنية وحكم القانون واستقلال القضاء.
ويبدو إن سوء الحظ صادف عبد المهدي، فقد واجهت حكومته أزمة حادة إثر ارتفاع ملوحة مياه الشرب في البصرة والمحافظات الجنوبية، ورافقها أزمة بيئية وصحية خطيرة بسبب نفوق كميات ضخمة من أسماك الأنهار والبحيرات في محافظات بابل وواسط والديوانية، لأسباب مجهولة ، ناهيك عن التحديات التي ورثتها من الحكومات السابقة وما تزال العقد الرئيسية قائمة وأولها نظام المحاصصة والألغام التي احتواها الدستور ووجود جماعات مسلحة خارج القانون حتى وإن أُدمجت بالقوات المسلحة، لكن هناك استياء من أوساط واسعة من السكان من سلوكها وخشيتهم من بطشها، على الرغم من أن الجميع يقرّ بالدور المهم الذي لعبه الحشد الشعبي في تحرير الموصل والمناطق التي احتلها داعش.
ولعلّ هذا أول اختبار يواجهه عادل عبد المهدي، فإن استطاع تجاوزه وتوصل إلى توافقات ترضيه في اختيار بقية المرشحين، فالأمر سيكون خطوة مهمة أولى لتجاوز تدرجي وإن كان بطيئاً لما سارت عليه الحكومات السابقة، وإلّا فإن رضوخه للقوى المتنفذة سيجعل منه أضعف من رئيسي الوزراء اللذين سبقاه، فالمالكي والعبادي كانا مدعومين من كتلة سياسية كبيرة ومهيمنة، أما عبد المهدي، فإنه لا يمثّل إلّا نفسه حتى وإن كانت كفاءته ومقدرته السياسية أوسع وأعمق وأكبر من غرمائه السابقين، لكن توازن القوى داخل البرلمان سيكون مؤثراً على توجه حكومته، ولعلّ التجاذبات حول وزارتي الداخلية والدفاع خير دليل على ذلك.
والدولة العميقة التي تحدّث عنها ستكون له بالمرصاد لتعطيل أو تسويف أي قرار يتخذه إذا ما تعارض مع مصالحها، ناهيك عن أي اختلال في المعادلة الإيرانية- الأمريكية للنفوذ سيؤدي إلى خلخلة مواقعه، ولاشكّ فإنه والحالة هذه سيبقى محكوماً بمثل هذا التوازن وغير قادر على تجاوزه. وكان عليه أن يتعامل منذ البداية كرئيس لوزارة قوية ومؤثرة وهو ما يريده الشارع، وإلّا فالأفضل له تقديم استقالته ليحتفظ بهامش طالما ظلّ يبحث عنه في السنوات الماضية.
إن استشراف صورة الوضع العراقي مستقبلياً تكاد تكون ضبابية حتى الآن، فمنذ الاحتلال والعراق يعاني من خمسة تحديات أساسية:
أولها- الطائفية السياسية ونظام المحاصصة وليدها ، وقد قام على الزبائنية والغنائم، المر الذي أضعف الدولة وقوّض من عملية إعادة البناء بسبب التجاذبات المذهبية – الإثنية.
وثانيها- الميليشيات التي أخذت طابعاً ” شرعياً أو شبه ” شرعي” بعد إلحاق قوات الحشد الشعبي بالقوات المسلحة العراقية، واعتبارها جزءًا منه، والميليشيات بشكل عام تنتمي إلى القوى السياسية الشيعية التي شكّلت المشهد الأبرز في الوضع السياسي العراقي بعد الاحتلال.
وثالثها- العنف والإرهاب ، فقد استفحل في العراق على نحو لا مثيل له ، لاسيّما بعد تمكّن داعش من احتلال محافظة الموصل ومحافظتي صلاح الدين والأنبار وسيطرته على أجزاء من محافظتي كركوك وديالى، ووصوله إلى مشارف العاصمة بغداد. وعلى الرغم من هزيمته واندحاره إلّا أن بيئته ما تزال صالحة وبيضه يمكن أن يفقّس ، باستمرار سوء أوضاع النازحين وعدم عودتهم إلى بيوتهم، ناهيك عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية ، والأكثر من ذلك هو عدم استعادة الوحدة الوطنية في إطار مصالحة وطنية حقيقية.
ورابعها- الفساد المالي والإداري الضارب الأطناب في كيان الدولة العراقية والذي ينخر بجسدها وهو الوجه الثاني للإرهاب، فما زال أمام هيئة النزاهة أكثر من 13 حالة فساد كبرى، بينها أكثر من ألف حالة لوزراء ونوابهم وأصحاب الدرجات الخاصة وأعضاء في البرلمان وبعضهم من المتنفذين في الأحزاب القائمة، وغالباً ما يفلتون من العقاب، لأسباب تتعلق بدور القضاء ومحاولات التأثير عليه وبتواطؤ مع بعض المتسيّدين في الدولة ومفاصلها.
خامسها – هشاشة السيادة الوطنية، فالنفوذ الإيراني لا يزال قوياً ومؤثراً في العراق، سواء أكان بشكل مباشر أم غير مباشر، غبر القوى السياسية الحليفة لإيران أو عبر علاقات خاصة طائفية أم مصلحية أم أمنية، وكذلك فإن الولايات المتحدة لها نفوذ قوي سياسي واقتصادي وعسكري وأمني، وهو مكفول في إطار معاهدة الإطار الإستراتيجي بين بغداد – واشنطن، الأمر الذي يجعل السيادة العراقية معوّمة، وهو ما يعطّل إمكانية الخروج من المأزق الراهن، لذلك فالاعتقاد السائد إن العراق سيستمر يدور في أزمته ما لم تتوفر إرادة سياسية موحدّة، تستطيع أن تنهض به لتتجاوز نقاط ضعفه الحالية وتضعفه في إطار محيطه العربي، علماً بأنه يملك طاقات وكفاءات كبيرة ولديه موارد هائلة، ولكن ما يحتاجه هو اختيار الطريق السليم وبتعاون شامل عابر للطائفية والمحاصصة وإطار حكم القانون.
2 حرب امريكا الاقتصادية على ايران.. لمصلحة من؟ مزهر جبر الساعدي راي اليوم بريطانيا
مع بداية التحول الجديد في السياسة الامريكية او السياسة الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط وعلى وجه التحديد في المنطقة العربية وجوارها الاقليمي؛ زار وزير خارجية امريكا العراق، زيارة خاطفة ومن ثم الى القاهرة في اطار جولة يزورلاحقا، فيها الاردن والكويت وقطر والامارات والسعودية وعُمان، على ضوء المدخلات الجديدة للسياسة الامريكية في المنطقة العربية وفي العالم التى تستوجب حشد التاييد وما إليه لتلك السياسة. امريكا هذا الثور الهائج والمتجبر تخطط لشييء خطير وستراتيجي في الشرق الاوسط، يستهدف دولة بعينها وهي ايران كنظام وليس كدولة.. واول هذه المنصات في الاستهداف هو محارتها اقتصاديا والضغط على دول المنطقة ومنها العراق في اجباره بشكل او باخر بحجة او باخرى على ان يركب في سفينة العقوبات الامريكية هذه، على ايران.
ايران شكلت وجع وسخونة دائمة للراس الامريكي وما ينتج هذا الراس من خطط في الميدان وفي اول هذه الخطط او ما يقع في مقدمتها، صفقة القرن، بل هو المخطط الجامع لكل الخطط الفرعية الاخرى والتى تغذي او توفر الميدان لنجاح هذا المخطط، الصفقة.. بصرف النظر عن وضع ايران وما تعمل، ايران لها مالها وعليها ماعليها، ايران ليست حمامة سلام او حمل وديع او هي ليس لها اطماع او توجهات ذات بعد قومي، جميع دول المنطقة والعالم تنشط في العمل من اجل مصالحها اكثر باكثير مما تقوم به ايران ومنها روسيا وتركيا ودول اخرى في الجوار عبر المتوسط، لكنها اي ايران تدعم محور المقاومة للاطماع الامريكية في المنطقة العربية وجوارها الاقليمي وكذلك خططها في صفقة القرن التجارية. امريكا تريد قص اذرع ايران في المنطقة العربية وفي مقدمة هذه الاذرع هو ذراع المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله المقاوم في لبنان، الذي شكل ويشكل باستمرار هاجس قلق امني للكيان الاسرائيلي ومن الطبيعي هناك امور اخرى لاتقل اهمية وربما اكثر اهمية من محاربة حزب الله عبر تقزيم ايران وتهشيم قوتها الاقتصادية.
وزير خارجية امريكا في كلمة له في الجامعة الامريكي في القاهرة قال بما معناه: لسنا غزاة ومحتلين، سوف نرحل عندما تنتهي مهمتنا، وهذا هو الكذب في اقبح صورة من صور الكذب والخداع الامريكي والتى لا تدانيها في مضمار الخديعة هذه اي دولة في العالم. هناك من يظن او يتصور بان امريكا سوف تقوم بتوجيه ضربات لأهداف منتخبة في ايران، هذا امر لن يحصل إلا في حالة واحدة؛ ان يحدث خطأ ما، وهذا الخطأ من المستبعد ان يحدث ويكون له في الميدان فعل، لأحتراس الطرفين من الاقتراب من منطقة الاحتكاك..ان اللعبة هنا، لعبة في الاقتصاد ولي الاذرع والغلبة في النهاية لمن يصبر دولة وشعب على تحمل الحرمان وقرص العوز والحاجة والقدرة على المطاولة في الصبر، وهنا ما نقصد ايران دولة وشعب.
السؤال هنا والذي توججه المقبلات من الاسابيع والاشهر وربما السنوات؛ هل ان هذا المخطط سوف يمر او يبدأ او يتابع اجراءته بسهولة؟.. ان هذه السياسة الامريكية الجديدة على درجة كبيرة من الخطورة سواء باتجاه حركتها او ما تنتج تلك الحركة من افرازات خطيرة على المنطقة العربية المهتزة اصلا، وعلى العراق تحديدا…لأنه سوف يكون الأكثر تاثرا بتلك السياسة. امريكا تسعى ان تحقق في الميدان، تحققا مستداما: امرين اساسين، هما امن اسرائيل المستدام عبر تمرير صفقة القرن التجارية؟
وتحويل دول المنطقة العربية الى حقول ابقار حلوبة، كي تسيطر بها وبغيرها في مناطق اخرى في العالم، على الكرة الارضية( دول العالم الثالث..) بما على سطحها وتحتها من خيرات..بوتين الرئيس الروسي قال في معرض حديثه عن العلاقات مع امريكا: ان امريكا تسعى للسيطرة على العالم. نعود الى حرب الاقتصاد الدائرة الآن والتى سوف يشتد اوراها في القادمات من الاوقات، بين امريكا وايران، بابعادها التاثيرية على دول المنطقة؛ ان امريكا في حيازتها او انها تمتلك اوراق ضغط كبيرة جدا، من تلك التى لها ثقل كبير جدا في انتاج النتائج..من هذه النتائج انخفاض صادرات النفط الايراني بدرجة كبيرة في المستقبل القريب جدا، ان لم يكن قد انخفض فعلا.
لكنه وفي مطلق الاحوال سوف لن يصل الى مرحلة التصفير، ليس بسبب التهديد الايراني باغلاق مضيق هرمز، فالذكاء الايراني، وتحديدا الذكاء الفارسي والاذري، اللذان يقودان ايران حاليا، يعرفان ما يترتب على هذا الاجراء ان اقدمت ايران عليه من نتائج، تقود الى تدمير اسطولها البحري؛ لأنه يعطي الحجة الدولية او الشرعنة الدولية، لأمريكا على ان تقدم على هذا العمل التدميري، وانما لسبب اخر يختلف كليا عن التهديد الايراني ألا وهو: ان امريكا لاتريد وفي اي حال من الاحوال، تدمير ايران كدولة، بل تسعى الى تغيير النظام او هو من يغير، تحت الضغط الاقتصادي المسلط على شعوب ايران والغير مسبوق، طوعا ذاته ويلبس ثوبا اخر غير ما هو يرتديه الأن..وهذا امر مستحيل لسبب واضح وبسيط: لأن هذا التغيير سوف ياتي على اعمدة ارتكاز النظام الايدولوجية، ذا الابعاد الوجودية..
وهذا امر مرفوض جملة وتفصيلا، من رأس الهرم حتى القواعد.. ان الاعلان الامريكي عن الانسحاب من سوريا والتموضع في العراق، يقع في اطار هذا المخطط الذي تهيء امريكا عوامل وشروط انجاحه. بومبيو وزير خارجية امريكا قال عند زيارته الخاطفة الى العراق بان امريكا سوف تعمل على استقلال العراق في حقل الطاقة وهنا نسأل اين كانت امريكا عن حقل الطاقة في العراق خلال ستة عشر عاما منذ غزوها واحتلالها، العراق.
ان هذا التوجه او الاجراء وكذلك غيره من الاجراءات الاخرى، جميعها تقع في دائرة حرب امريكا الاقتصادية على ايران. وزير خارجية امريكا زار وسوف يزور دول الخليج العربي بالاضافة الى مصر والاردن والعراق لتكوين جبهة او لتجيش جبهة بامكاناتها في حقل الطاقة والاقتصاد والمال ضد ايران او معاونة امريكا في تغيير النظام الايراني من خلال مدارج الاقتصاد والمال والنفط.
السؤال الملح هنا ماهي مصلحة تلك الدول وشعوبها في محاربة ايران وبالذات في هذا الوقت الذي يشهد تحولا جذريا في السياسة الامريكية في المنطقة العربية واول هذا التحول هو العمل الجدي على تصفية القضية الفلسطينية وجعل الكيان الاسرائيلي دولة طبيعية بلا ثمن قانوني واخلاقي اي حق الفلسطينيين بدولة ذات سيادة، ووضعها في الخانة التى بها تتسيد اقتصاديا وعلميا وتقنيا على اقتصادات دول المنطقة العربية بما فيها بل في اولها دول الخليج العربي، نقول ان لا مصلحة لشعوب العرب في الحشد والتوجه الامريكي ومن وراءه الاسرائيلي في محاربة ايران اقتصاديا ومخابراتيا وسياسيا واعلاميا، بل على العكس هو ضد مصالح شعوب العرب في المنطقة العربية.
ان الاعلان الامريكي عن الانسحاب من سوريا؛ يؤشر او يشير الى بداية تحول ستراتيجي خطير في المنطقة العربية وجوارها الاسلامي..وليس التمهيد للانسحاب الامريكي كليا من المنطقة كما يعتقد الكثيرون..وما يؤكد هذا ما صرح به احد المسؤولين الامريكيين من ان امريكا سوف تحتفظ بوجودا راسخا في الشرق الاوسط..
3 أمنياً.. ضعف العراق ليس بديلاً لقوته
د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
تحول العراق، الدولة القوية في الشرق الأوسط، منذ فرض الحصار عليه في أغسطس 1990، إلى دولة ضعيفة، دُمرت قدراتها العسكرية والاقتصادية في عاصفة الصحراء، ثم أسقطت بسهولة في حرب خاطفة، كما هو معروف عام 2003. إلا أن زوال القيود التي تكرس ضعفها بعملية التغيير، لم يجعل الطرق سالكة أمامها نحو إعادة البناء والتعافي من حالة الضعف، كما حصل مع ألمانيا واليابان، عقب الحرب العالمية الثانية، فالنزعة لذلك، قابلتها نزعة أقوى نحو الإبقاء على حالة الضعف، سواء عن تصميم وتخطيط لدى البعض، أو غفلة وجهل لدى البعض الآخر.
والحقيقة أن ما شهدناه على مدى الخمس عشرة سنة منذ التغيير، من إصرار على بقاء أو إبقاء العراق دولة في حالة الضعف، ليس غريباً في العلاقات الدولية، خاصة في المناطق التي تشكو من عدم الاستقرار، كالشرق الأوسط، ومع دولة كالعراق، لم تكن تتروى حكوماتها طويلاً قبل اعتماد سياسات متشنجة، والدخول في صراعات مسلحة، ما يقلق الدول المجاورة على أمنها القومي، الذي ترى أبعاده في ضعف العراق وإبقاءه مشغولاً بجراحاته.
انعكس ضعف العراق في ناحيتين مهمتين، فقد أصبح ساحة مغرية للتنظيمات الإرهابية للقيام بأنشطتها التدميرية، ومسرحاً للدول المجاورة والبعيدة لتصفية حساباتها، كما أصبح من جانب آخر، وسيلة لتوسع النفوذ الإيراني، وتعزيز مواقعه إقليمياً. هناك محوران يمكن من خلالهما تقويم العوامل التي تعمل على إبقاء العراق دولة ضعيفة في المنطقة، الأول محلي، والآخر إقليمي، كل منهما ينطوي على العديد من العوامل المتداخلة مع بعضها، إلا أن كليهما من تداعيات الإخلال الخطير بالتوازنات محلياً وإقليمياً، الذي حصل بعد التغيير.
على مستوى المحور المحلي، مظاهر ضعف الدولة، يتجلى في تفشي الفساد في أوصالها على نطاق واسع، وتفكك نخبها السياسية، وتوظيف آليات غريبة لتحقيق المنافع، والتخلي في أحيان كثيرة عن الدستور، والرجوع إلى التوافقات بين زعماء الكتل السياسية، بديلاً عن الالتزام به. أما على المستوى التنفيذي، فتقييد أيدي رئيسها بسبب قوة بعض النخب خارجها، لا يقتصر على التدخل في صناعة القرارات، بل يتجاوز ذلك إلى إضعاف قدرات الدولة وأجهزتها الأمنية، بوجود قوى عسكرية تضاهي ما لدى الدولة، بل قد تفوقها عدداً وتسليحاً، وهي من الناحية الشكلية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، الذي هو وفق الدستور، رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه من الناحية الفعلية ليست كذلك.
أما ما يتعلق بالمحور الإقليمي، فبالقدر الذي يخدم ضعف العراق، إيران، وينسجم مع استراتيجيتها في التصعيد ضد هذه الدولة أو تلك في المنطقة، بين الحين والحين، فهذا الضعف يساعدها على تعزيز وجودها في سوريا ولبنان، وتسهيل التواصل مع حلفائها هناك، ويخدمها في خلق المتاعب للولايات المتحدة، والتخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية، ترى دول أخرى في المنطقة، خطورة على أمنها القومي على المدى البعيد، مع بقاء العراق دولة ضعيفة، فضعف العراق ليس البديل لقوته ضماناً لأمنها.
حالة الضعف والبقاء فيها ليس خياراً عراقياً، فالتعافي الذي يحتاجه العراق على جميع المحاور بدون استثناء، يتطلب «حضوراً» لحكومة قوية، تتخذ قراراتها استناداً إلى رؤية وطنية، لا تجامل بها هذه الدولة أو تلك. إلا أن ما يكرس استمرار الوضع على حاله، هو بقاء التوازنات على حالها، والاستمرار باتباع السياسات التي أوصلت العراق إلى هذا الوضع من الضعف، هيكل مترهل، وضعف في كفاءة صناع القرار، وخلو برامج الحكومات المتعاقبة من خطط جادة لتحديث البنية التحتية للبلد، إذ لا توجد نوايا لمعالجة مشاكل الاقتصاد المتهاوي، وتوقف آلاف المصانع عن العمل، وزيادة اعتماد العراق على استيراد مختلف البضائع. كما تخلو البرامج من خطط لمعالجة الشح في المياه، والتراجع الشديد في الإنتاج الزراعي، كما تفتقر هذه البرامج إلى إثبات «الحضور»، عن طريق تفعيل أدوات السيادة.
مجمل هذه السياسات، قد أثقلت كاهل العراق بالديون، وأدخلته دائرة الخطر، واحتمال ارتهان ثروته النفطية لدى الدائنين، فقد تجاوز حجم هذه الديون المئة والعشرين بليون دولار، ما حدا بنائب رئيس صندوق النقد الدولي، تحذير الحكومة العراقية في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق في فبراير 2018، بأنها ستكون عاجزة عن تسديد ديونها وتسديد الفوائد المترتبة عليها، التي ستبلغ 60 % من عائداته عام 2022.
4 وهم «العلندا» تقضي على السرطان روضة كريز
الجريدة الكويتية
استخدمت العلندا Ephedra بكثرة في الطب الصيني القديم لعلاج الربو والبرد واضطراب حرارة الجسم، لاحتوائها على الكوليودات المهمة طبياً مثل الإفيدرين والبسيودوإفدرين، ومن بدائل الأمفيتامين، وغيرهما من المواد المهمة. وذكرت كثير من الأبحاث الطبية العشبية أنها وجدت في العراق قبل آلاف السنين من الأدوية المهمة التي كانت تعود للنباتات المقدسة القادمة من إيران والشرق!
لقد زادت الدراسات والأبحاث حول سمية هذه النبتة وتعارضها كثيراً مع أدوية الضغط أو أدوية تنظيم ضربات القلب والخفقان واحتشاء العضلة القلبية، غير أن بعض العطارين أو الأشخاص العاديين قد تنبهوا إلى استعمالها، ولم يأخذوا بعين الاعتبار العادات اليومية في الحسبان، كشرب القهوة أو الشاي في الصباح مثلا، وهذه العشبة إذا أُخذ منها كوب كبير على الريق الباكر، ثم تناول فنجان القهوة المعتاد، فقد تؤدي إلى الوفاة! ومنذ القدم تستخدم العلندا في الطب الصيني ضد الرشح ومحفز للقلب والرئتين، وما زالت إلى يومنا هذا تُستخلص منها مادة البسيودوإفدرين القابض للأوعية الدموية بالجرعات القليلة، غير أنها ترفع ضغط الدم عند الجرعات العالية ولا يُنصح باستعمال هذا الدواء من قبل مرضى الضغط العالي والقلب، على سبيل المثال Actifed ،Cirrus، في حين استعملت العلندا كثيراً كمقلل للشهية عندما تكون بشكلها الخام مع مسحوق القهوة، فتقلل الوزن وتزيد من طاقة الحرق في الجسم، خاصة عند الرياضيين، ورواد كمال الأجسام! وفي 2003 أوقفت الولايات المتحدة التعامل مع المكملات التي تحتوي شيئاً منها.
لذلك نقول إن الأعشاب قد تكون فعالة وبسُمّية عالية كالأدوية الكيميائية المستخلصة منها، إن لم تستعمل بالطريقة الصحيحة والجرعة التي يتفق عليها من قِبل المختصصين بالأعشاب، ولا ننصح باستعمال العلندا أو أي من الأعشاب الطبية إلا بالرجوع إلى المتخصصين المعتمدين ومعرفة الطريقة السليمة للاستعمال، خاصة لمن يستعمل العلاجات المزمنة حتى لا تتعارض، وقد تم مؤخراً اعتراف منظمة الدواء والغذاء العالمية عن العلندا أنها من الأدوية الخطرة على المستهلك. غير أن هناك نقطة مهمة جداً أود لفت انتباه القارئ العزيز لها وهي أن العلاجات النباتية، وإن عرفنا ودرسنا مواضع الاستعمال وجرعاتها، لم تُدرس إلى الآن مضاعفاتها وسُمّيتها مع عشبة أخرى خلال وصفة العلاج! على سبيل المثال عشبة السنا والكاسكارا والعشرج في خلطات الأعشاب المسهلة، فإنها تعمل على زيادة طرح الماء من الأنسجة كمليّن، في حين تسبب نقصاً في الفيتامينات وتزيد التقلصات المعوية وتسبب ألم المعدة، ويعتبر ذلك سيئاً على من يأخذها بغرض إنقاص الوزن!
5 الكبار يذكرون حسنات الكبار
خالد القشطيني
الشرقط الاوسط السعودية
هذا ما قاله الشاعر المصري حافظ إبراهيم عن مصر في عهده. ينطبق القول على كثير من الدول الشرق أوسطية، وعلى رأسها العراق الذي اعتاد رجالاته وفنانوه ومفكروه ألا يحظوا بالاعتراف إلا خارج بلدهم وبين غير إخوانهم.
كان من هؤلاء الدكتور محمد فاضل الجمالي؛ رحمه الله. كنت أقرأ الكتاب الذي أصدرته «دار الحكمة» في لندن في تأبينه، ولفتت نظري فيه كلمة الدكتور عز الدين العراقي؛ السياسي والوزير المغربي، عندما قامت الحكومة الفرنسية بنفي الملك محمد الخامس، رحمه الله، من بلاده وإصرارها على تثبيت حكمها الاستعماري في المغرب. بذل سائر الحكومات العربية والإسلامية، وبذل ساستها وقادتها، جهودهم من أجل الرد على الحكومة الفرنسية وإرغامها على الإذعان لإرادة الشعب المغربي وطموحه للاستقلال التام في ظل محمد الخامس. برز من بين هؤلاء الساسة محمد فاضل الجمالي الذي هز محافل الأمم المتحدة بخطبه البليغة في التنديد بفرنسا وسياستها نحو المغرب العربي.
أخيراً حدث ما لا بد من أن يحدث، واضطر الفرنسيون إلى التراجع، وعاد محمد الخامس ظافراً منتصراً إلى بلاده في تلك الاحتفالات التي لم تشهد المملكة المغربية مثيلاً لها، وسارع الجمالي إلى تهنئة الملك بعودته والشعب المغربي بتحرره.
لم تمض غير أشهر قليلة حتى حدث انقلاب 14 يوليو (تموز) 1958 في العراق. وكان من أولى خطوات العهد الجديد اعتقال محمد فاضل الجمالي، وإحالته إلى «محكمة الشعب» والحكم عليه بالإعدام. في هذه الأثناء كان عبد الكريم قاسم قد دعا الملك محمد الخامس لزيارة العراق. ولكن العاهل المغربي تذكر الجمالي وأفضاله. فقال لهم: لن أزور العراق حتى يلغى هذا الحكم ويطلق سراح الجمالي. ولم يستطع العهد الجديد غير أن يذعن لطلب الملك، فصدر عفو عن الجمالي وأعيد إليه جواز سفره فالتحق بالجمهورية التونسية التي كانت سعت هي كذلك لإطلاق سراحه. دعته فوراً للتدريس في الجامعة. مكث هناك حتى عام 1997 حين وافاه القدر المحتوم في 24 مايو (أيار) ودفن خارج بلاده.
يمضي الدكتور عز الدين العراقي فيقول إنه ما إن سمع بموت محمد فاضل الجمالي حتى خف لزيارة بيته المتواضع وتقديم التعازي للأسرة. وهناك في غرفة الاستقبال، وجد أمامه الصورة التي واظب الفقيد على تزيين بيته بها. وكانت صورة العاهل المغربي الملك محمد الخامس، رحمه الله.
كبار الرجال يفكرون في حسنات الكبار، وصغار النفوس لا يرون غير سيئاتهم ونقائصهم!
6 السياسة.. فن تحقيق الممكن د. حمد اللحيدان
الرياض السعودية
في ضوء المتغيرات والتحولات التي تشهدها المنطقة على وجه الخصوص في سورية والعراق وغيرهما التي تتحكم فيها أطراف عديدة وسعياً وراء استقرار المنطقة، نجد أن السياسة تتغير طبقاً لما تفرضه ظروف الواقع، ولذلك نجد أن المواقف السياسية تتبدل طبقاً للواقع المستجد، وهذا يعني أن السياسة عبارة عن إدارة وفن يتم من خلالها تحقيق الممكن، فالسياسي المحنك يقوم بممارسة دوره ونظره على حقائق متغيرة على أرض الواقع لكل منها متطلباته وظروفه، ولهذا تجده يتعامل مع كل منها من خلال الحلول الوسط عبر منطق الواقع المعايش وليس المفترض من خلال العناد تحقيقاً لمواقف سابقة لأن الأخير يجعل السياسي مغامراً، وهذا يؤدي في الغالب إلى كارثة لا تحمد عقباها. وهذا هو الفرق بين أن يتعامل السياسي بمرونة مع متطلبات الواقع وظروفه والعمل على حلحلتها من خلال ترك مساحة للممكن يمارس فيها الحوار والمد والجزر والمعايشة والتعديل والتبديل للوصول إلى حلول وسط طبقاً للمثل القائل “لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم”.
وهذا بالطبع يفرض ديناميكية التعامل بروح التلاؤم لا روح التخاصم، وهذا هو المفتاح الرئيس للوصول إلى الهدف بالأساليب المرنة، وهذا في الغالب يؤدي إلى الالتقاء في منتصف الطريق مع الطرف الآخر ما لم يكن أحمق كنظام الحمدين، ومجمل ذلك ينعكس على التعايش مع الآخر بواقعية يكون مردودها الحتمي إيجابياً على كل الأطراف، وهذا الأسلوب تكون نتيجته تحقيق المصلحة الوطنية التي من أهم نتائجها تحقيق السلم والأمن الإقليمي لكافة الأطراف.
وهذا كله يحتاج إلى التمتع بطول النفس والتحمل وبعد النظر، وقبل ذلك وبعده العمل على تحقيق الممكن من خلال الإمساك بشعرة معاوية. وهذا والحمد لله ديدن قيادتنا الرشيدة التي تبحر بسفينتنا بمهارة وتوازن وحزم وعزم منقطع النظير، والدليل على ذلك تمكن دولتنا من حل عدد كبير من الصعوبات والانتصار على الاستهدافات والمؤامرات التي تحاك ضدها والخروج منها منتصرة، أما الأعداء والمتآمرون فذهبوا إلى مزبلة التاريخ وسوف يتبعهم من يحذون حذوهم.
أما ممارسة التعامل مع الأحداث من خلال سياسة المقامرة والمغامرة فإنه يخلق باباً واسعاً لكل من الخصوم والأعداء والمحرضين والشامتين والحساد لتكوين عدة جبهات مواجهة تجمعهم على الرغم من اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم ومصالحهم. كما أن ممارسة هذا الأسلوب في العمل السياسي والإداري يصنفها القاموس السياسي على أنها دكتاتورية سواءً كانت بصورة جمعية أو فردية، ولعل من الأمثلة التي مورست فيها تلك السياسة في العصر الحديث ما قام به كل من هتلر الذي كان السبب في الحرب العالمية الثانية وما قام به صدام حسين الذي كان عناده السبب الأول لدمار العراق من خلال الدخول في حرب الخليج الأولى ثم احتلال الكويت مما تسبب في حصار العراق وبالتالي احتلاله وما نتج عنه من دولة فاشلة وحروب طائفية، وهذه الأيام يقوم بشار الأسد بنفس الدور حيث دمر سورية وقتل وشرد أهلها، ناهيك عن جلب المحتل الأجنبي إلى بلاده وغيرهم ممن جلبوا الكوارث على أوطانهم بسبب غياب حس السياسي المحنك الذي يمارس حراكه طبقاً لمتطلبات الواقع وظروفه دون تشنج وتفريط بالثوابت ودون الاخلال باستقلال الوطن وأمنه واستقراره..
7 دمقرطة العرب!! عبدالعزيز حسين الصويغ المدينة السعودية
قبل الحرب على العراق، كان كثيرون يتوقَّعون أنه ما إن يحدث التغيير الذي راهنت واشنطن على أنه سيكون نموذجاً للديموقراطية، فإن عدوى الديموقراطية ستنتقل -تباعاً- من العراق إلى بقية الأنظمة العربية، «تحت ضغط المطالبة الشعبية بديموقراطية مماثلة للديموقراطية العراقية، فتسارع الشعوب العربية لخلق مثيل لها، وربما من خلال اتباع الأسلوب ذاته، أي بقوة السلاح الأمريكي».
كان العائق من انتقال عدوى «الديموقراطية» من العراق إلى بقية الأقطار العربية، ليس فقط عدم حدوثها على الأرض العراقية، ولكن لأنها -لو كانت تحقَّقت- فإنها تكون قد تمت بتأثير خارجي، لا تقبله مُعظم الشعوب العربية، خاصة إذا كان مصدره «واشنطن»!، فالديموقراطية التي تُصدِّرها الإدارة الأمريكية تعتمد أساساً على قيام نظام سياسي موالٍ يُحرِّكه السفير الأمريكي، ويقوم على أساس تمزيق الشعب العربي إلى طوائف متصارعة، وكذلك على خلق عداء بين البلدان العربية، وفق المصالح الأمريكية.. وفق نفس «نظرية الدومينو» سالفة الذكر.