كتب محلل شؤون المنطقة في صحيفة “هآرتس”، العبرية، تسيفي بارئيل، أن التقارير المتعلقة بعزم الرئيس ترامب على سحب القوات الأمريكية من سوريا يجب ألا تكون مفاجأة، لسبب واحد على الأقل. يقوم ترامب عادة بتغيير السياسات مثل تغيير الجوارب، ولم يكن هناك أي سبب يفترض أنه سيعمل بشكل مختلف في سوريا.
صحيح أنه في أبريل الماضي أعلن أنه سيسحب القوات الأمريكية، لكنه غيَر رأيه منذ ذلك الحين، إذ دخل في صراع خطير مع البنتاغون ووزارة الخارجية. قبل ثلاثة أسابيع فقط، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، إن الانسحاب الأمريكي من سوريا مرهون بقرار دبلوماسي مقبول في سوريا وإنشاء نظام معقول هناك. بكلمات أخرى، تم استبدال الانتصار على “داعش”، والذي كان حتى ذلك الوقت السبب الرئيسي للوجود الأمريكي في سوريا، بحجة جديدة: انتظار نظام مستقر في سوريا. وحتى في هذا، لا تساهم الولايات المتحدة بشيء، لأن إدارة التطورات الدبلوماسية في سوريا تقع بالكامل في أيدي روسيا، التي انضمت إليها تركيا وإيران.
وقال المحلل الإسرائيلي إن انسحاب ترامب يترك روسيا تحتفظ بالأوراق في سوريا، فيما تتجرع إسرائيل خيبة أمل مريرة. ولكن، على الرغم من هذا، ستنحني إسرائيل أمام انسحاب ترامب من سوريا. وإذا التزم ترامب بقراره بالانسحاب ولم يستسلم للضغوط التي يمارسها عليه وزير الخارجية، مايك بومبيو، ووزير الدفاع، جيمس ماتيس، أو إذا استيقظ مع بعض الخيال الجديد، فستقوم الولايات المتحدة بإخلاء القاعدة في “التنف” على الحدود السورية العراقية، التي عملت رادعا يمنع دخول المليشيات الشيعية إلى سوريا.
كما ستقوم الولايات المتحدة بإخلاء قواعدها الشمالية، وستتخلى عن فكرة إقامة مراكز مراقبة على طول الحدود مع تركيا لحماية الأكراد، وستغادر منبج، التي تخضع الآن للحكم الكردي، تاركة المدينة مفتوحة للتدخل التركي. صحيح أن حجم القوات الأمريكية في سوريا لم يكن كافياً للقيام بعمليات “تكتيكية” كبيرة، لكن وجودها كان بمثابة منطقة تحكم وردع، وفقا لما أورده المحلل الإسرائيلي، الأمر الذي منع الصراع مع القوات الروسية والتركية والسورية والإيرانية. وهكذا، منعت الولايات المتحدة توسيع التدخل التركي شرقا من مدينة عفرين.
وسيتعين على الأكراد أن يقرروا ما إذا كانوا سيشنون حرباً طويلة وربما يائسة ضد تركيا، أو يبحثون عن مخرج مع موسكو، دون أن يكونوا قادرين على فرض شروط تتعلق بالترتيبات المستقبلية في سوريا. والأكراد هم بلا شك أكبر الخاسرين في أعقاب قرار الولايات المتحدة بالانسحاب. وليست هذه هي المرة الأولى، في تاريخهم، التي تظهر فيها الولايات المتحدة حليفًا غير موثوق به.
وبالنسبة لإسرائيل، وفقا لتقديرات المحلل “بارئيل”، لم يكن للوجود الأمريكي في سوريا الكثير من الثقل بخصوص حملتها ضد الوجود الإيراني في سوريا، لكن كان لها أهمية كبيرة في وضع قواعد اللعبة فيما يتعلق بروسيا، في تحديد مناطق الصراع المنخفض في الجنوب وإبعاد القوات الإيرانية عن حدود الجولان. في كل ذلك، كانت واشنطن إما مشاركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال دعمها لإسرائيل في اجتماعات متعددة الأطراف ووجودها في سوريا، مما منحها صفة شريك نشط. علاوة على ذلك، طالما أن هناك قواعد أمريكية في سوريا فإنها تمكن بعض “المرونة العسكرية”، مما يسمح بزيادة عدد القوات عندما تكون هناك حاجة لمزيد من التدخلات المحلية المكثفة.
ورأى المحلل أن انسحاب هذه القوات يعني أن أي انتشار جديد في سوريا سيصبح الآن خطوة سياسية معقدة وطويلة، تتطلب موافقة الكونجرس، لأن مثل هذه الخطوة يمكن تفسيرها على أنها فعل حرب. يمكن لترامب الآن أن يتباهى بأنه قد التزم بتعهده في الحملة الانتخابية، ولكنه في الوقت نفسه فصل الولايات المتحدة عن ساحة أخرى كان يمكن أن يكون لها تأثير كبير فيها.