6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 زيارة البارزاني إلى بغداد مبادرة واعدة تستوجب التفاعل الإيجابي عبدالباسط سيدا العرب بريطانيا

زيارة الرئيس مسعود البارزاني إلى بغداد هي أكثر من هامة، بل ربما تكون خطوة مفصلية إذا تفاعلت مختلف الأطراف السياسية العراقية إيجابيا مع الرسالة التي كانت وراءها، وبنت عليها من أجل العمل المشترك لإنجاز مشروع عراقي وطني، يعترف بجميع الخصوصيات، ويضمن حقوق الجميع، على قاعدة الاشتراك في الحقوق والواجبات. وكل ذلك لن يتم بلوغه من دون إبعاد العراق عن دائرة الاستقطابات الإقليمية، ومعالجة ملفات الفساد، وتأمين الحد الأدنى، على الأقل، من مستلزمات العيش الكريم لسائر المواطنين العراقيين في جميع أنحاء العراق، لا سيما بعد ما كشفت احتجاجات أهالي البصرة عن واقع تلوث رهيب يعيشه سكان منطقة قابعة على بحر من النفط، وبجوار شط مائي كبير. منطقة كانت في وقت ما مهد الحضارات وبدأ منها التاريخ على حد تعبير عالم السومريات الأشهر صموئيل نوح كريمر.
وتكمن الأهمية الكبيرة لهذه الزيارة في كونها تجسيدا لرغبة حقيقية من جانب إقليم كردستان، ومن جانب الرئيس البارزاني، الزعيم الكردي الأبرز، تحديدا في الوصول إلى قواسم مشتركة، تطمئن الجميع، وتقطع الطريق أمام سعي هذه المجموعة أو تلك، بل هذا الفرد أو ذاك، للهيمنة والاستفراد وتهميش الآخرين والتحكّم بمقدرات البلاد ومصير العباد.
فهذه الزيارة تؤكد استمرارية نهج ثابت اعتمده الرئيس البارزاني على مدى مسيرته النضالية الشاقة المستمرة منذ أكثر من نصف قرن، كان خلالها مثال القائد العسكري الخبير في ميدان مقارعة الدكتاتورية والإرهاب؛ كما كان مثال القائد السياسي الحكيم المنفتح على مختلف الآراء، والباحث المستمر عن الحلول السياسية، لقناعته الراسخة بضرورة بذل كل الجهود السياسية مهما استغرقت من وقت وأخذت من طاقات، وذلك لتحاشي العمل العسكري الذي يظل الخيار الأخير الأصعب، والأكثر ضررا بالنسبة إلى الجميع.
المنطقة تمتلك إمكانيات هائلة لا يمكن استثمارها وتوظيفها لصالح أبنائها من دون توافق إقليمي إيجابي يضع حدا للنزاعات، ويفتح الطريق أمام نهضة صناعية وزراعية وعمرانية توفر فرص العمل
هناك محطات كثيرة تثبت بما لا يترك أي مجال للشك استعداد البارزاني ومعه الشعب الكردي من أجل بناء أفضل العلاقات مع سائر المكونات العراقية ضمن إطار عراق ديمقراطي، يضمن حقوق الجميع. ولكن المشكلة تتمثل دائما في نزوع القيادات التي توالت على دفة الحكم في بغداد نحو الاستئثار والاستقواء بالقوى الإقليمية من أجل فرض السيطرة على العراقيين، عربا وأكرادا وتركمانا وكلدانا وسريانا وآشوريين، بكل دياناتهم ومذاهبهم وطوائفهم.
وما يضفي أهمية استثنائية على الزيارة المعنية، وحرص البارزاني على اللقاء مع جميع الأطراف رغم الخلافات والمناكفات، هو أنها تأتي بعد مرحلة القطيعة التي أعقبت الهجوم على كركوك، والعقوبات التي فرضتها حكومة حيدر العبادي على إقليم كردستان في إطار ردود الأفعال التي كانت على عملية الاستفتاء، وهي العملية التي كانت بناء على قرار برلمان إقليم كردستان المنتخب.
ومن أجل سد الطرق أمام الأحابيل والمكائد التي لجأت إليها أطراف محلية وأخرى إقليمية، وحتى دولية في ذلك الحين، تحمّل البارزاني كامل المسؤولية، وأعلن استقالته من رئاسة الإقليم، ليقدم بذلك نموذجا غير مسبوق في منطقتنا من نماذج القيادات التاريخية التي تتخذ القرارات المصيرية الصعبة، وتكون على أتم الاستعداد لتحمل النتائج.
ورغم صدور تصريحات هنا وهناك، داخل العراق وخارجه، كان الجميع على دراية وقناعة تامتين بأن البارزاني يظل الركن الأساس في أي تفاهم ضروري مطلوب بين أربيل وبغداد.
وجاءت نتائج انتخابات البرلمان العراقي لتؤكد ذلك، فقد حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على ما يعادل كل ما حصلت عليه الأحزاب الكردية الأخرى في الإقليم مجتمعة من مقاعد في البرلمان العراقي. وتعززت تلك النتيجة في انتخابات برلمان إقليم كردستان، وكل ذلك أكد حقيقة معروفة من قبل، فحواها أن مركز ثقل القرار الكردي هو عند البارزاني وليس غيره.
الظروف الداخلية والإقليمية والدولية جميعها تساعد على توافق واقعي بين بغداد وأربيل، توافق من شأنه حل جملة المشكلات العالقة وفق الأطر الدستورية والقانونية، وعلى قاعدة مراعاة المصلحة الوطنية التي لا يجوز أن تكون مجرد شعار لتجاهل مصالح العراقيين، جماعات وأفرادا، في جميع المناطق العراقية من دون أي تمييز.
وما يُستشف من النفس الوطني الذي تؤكده الرئاسات العراقية الثلاث هو أن النية موجودة لدى مختلف الأطراف للنهوض بالعراق، وإبعاده عن دائرة الصراعات الإقليمية والدولية، وذلك لن يكون من دون تضافر جهود الجميع، مع تفهم كامل لطبيعة العلاقات المتشابكة مع الجوار الإقليمي، لا سيما مع كل من إيران وتركيا، ولكن تبقى العلاقات مع المحيط العربي هي الأهم.
وفي مقدور العراق أن يؤدي دورا جامعا توافقيا بين مختلف الأطراف على أساس مراعاة وقائع التاريخ والجغرافيا، والتداخل السكاني، والمصالح الاقتصادية المشتركة.
لقد أثبتت التجربة العراقية الطويلة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أن فتح المجال أمام التغلغل الإيراني في مفاصل الدولة والمجتمع العراقيين، قد أدى إلى نتائج كارثية لم تكن في صالح العراقيين، ولن تكون على المدى الطويل لصالح الإيرانيين. فهكذا تدخل يؤدي إلى خلخلة في معادلات توازن المنطقة، وارتفاع وتيرة سباق التسلح، الأمر الذي سيترتب عليه المزيد من الاستنزاف، وعدم التركيز على التنمية التي تستوجب استغلال الموارد البشرية والطبيعية بصورة عقلانية رشيدة، وبما يضمن مستقبل الأجيال المقبلة، لتحقيق نهضة اقتصادية إقليمية، تضمن فرص التعليم والعمل للأجيال المقبلة.
الزيارة تؤكد استمرارية نهج ثابت اعتمده الرئيس البارزاني على مدى مسيرته النضالية الشاقة المستمرة منذ أكثر من نصف قرن، كان خلالها مثال القائد العسكري الخبير في ميدان مقارعة الدكتاتورية والإرهاب
فالمنطقة تمتلك إمكانيات هائلة لا يمكن استثمارها وتوظيفها لصالح أبنائها من دون توافق إقليمي إيجابي يضع حدا للنزاعات، ويفتح الطريق أمام نهضة صناعية وزراعية وعمرانية توفر فرص العمل، وترفع من مستوى المعيشة، وكل ذلك من شأنه تجفيف منابع الإرهاب، والحد من قوافل اللاجئين الباحثين عن مستقبل أفضل في بلاد الآخرين سواء في أوروبا أم غيرها من الدول.
ومن المفروض أن يطمئن أمر كهذا أصحاب الشأن، خاصة بعد تصاعد موجة الحركات الشعبوية الجديدة التي تشهدها العديد من الدول الأوروبية. وهناك مخاوف حقيقية من أن تستغل هذه الحركات الصعوبات الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن تشهدها العديد من الدول المعنية في المستقبل القريب، لترفع من وتيرة شعاراتها اليمينية المتطرفة التي تهدد عملية الاستقرار على مستوى المجتمعات الوطنية وعلى مستوى القارة بأسرها، وهي العملية التي كانت الأساس للنهضة الأوروبية منذ أيام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
المشروع الوطني العراقي، الذي لن يكون من دون استقلالية القرار العراقي لصالح جميع العراقيين، هو الأساس لاستقرار البلد ونهوضه، ومثل هذا الاستقرار هو المفتاح لإعادة التوازن إلى المعادلات المختلّة.
ومن هنا، نرى أهمية الاستفادة القصوى من المناخات الإيجابية التي وفّرتها زيارة الرئيس مسعود البارزاني إلى بغداد على الصعيد الوطني العراقي. أما أن تظل الشعارات العاطفية غير المقرونة بالأفعال وتبقى المجاملات الخاوية هي الطاغية، وينطلق كل طرف حرصا على مكتسباته الشخصية أو الفئوية على حساب المصلحة الوطنية، فهذا معناه المزيد من تبديد الإمكانيات والتيه في حسابات الآخرين.

2 هذه هي إرادة شيعة العراق
السيـــــــد زهـــــــره

اخبار الخليج البحرينية

التقرير يرصد نتائج استطلاعات للرأي ودراسات استقصائية جرت في العراق مؤخرا حول قضية واحدة هي: ما هو موقف الشيعة في العراق من إيران ومن وجودها ونفوذها الطاغي في البلاد؟
لنتأمل جيدا النتائج التالية التي انتهت اليها هذه الاستطلاعات والدراسات:
* انخفضت نسبة الشيعة العراقيين الذين لديهم مواقف مواليه لإيران من 88 في المائة في 2015 إلى 47 في المائة في خريف عام 2018. وخلال الفترة نفسها، ارتفع من لديهم مواقف مناهضة تجاه إيران من 6 في المائة إلى 51 في المائة.
* انخفضت نسبة الشيعة الذين يعتقدون أن إيران شريك موثوق به في العراق بشكل حاد، من 76 في المائة إلى 43 في المائة، خلال الفترة نفسها.
أما أولئك الذين يعتقدون أن إيران ليست شريكًا موثوقًا به، فقد ارتفعت من 24 في المائة إلى 55 في المائة.
* ارتفعت وبشكل كبير جدا نسبة الشيعة العراقيين الذين يعتقدون أن إيران تشكل تهديدًا حقيقيًا لسيادة العراق، وقد قفز هذا الرقم من 25 في المائة في عام 2016 إلى 58 في المائة في 2018.
الباحث العراقي منقذ داغر الذي اشرف على إجراء هذه الدراسة لخص هذه النتائج وما تعنيه بالقول ان الدراسة اثبتت ان الشيعة العراقيين يعتبرون ان إيران هي المسؤولة عن بؤسهم على كل المستويات. على المستوى السياسي يعتبرون ان إيران هي الداعم الأساسي لجميع الحكومات العراقية التي هيمنت عليها الأحزاب الشيعية، والتي فشلت فشلا ذريعا في توفير اي مستوى معيشي لائق للعراقيين بشكل عام وفي المناطق الشيعية خصوصا.
وعلى المستوى الاقتصادي، أغرقت البضائع الإيرانية الأسواق العراقية، خاصة في المناطق الشيعية القريبة من الحدود بين البلدين، وهي منتجات رخيصة ورديئة في ذات الوقت، وتؤثر هذه الممارسة سلبا على الاقتصاد المحلي، حيث تدمر المشروعات الإنتاجية العراقية الصغيرة والمتوسطة في مجالي الزراعة والصناعة. وقد توقف أكبر مجمع للبتروكيماويات، إضافة إلى آلاف من مزارع الطماطم في البصرة، عن الإنتاج بسبب هذه المنافسة غير المشروعة. ويعتبر الشيعة ان إيران مسؤولة عن ازمة النقص الكبير في المياه الصالحة للشرب في جنوب العراق، الذي يغلب عليه الشيعة ونقص إمدادات الكهرباء.
كما نرى، هذه النتائج تظهر بوضوح ان الأغلبية الساحقة من شيعة العراق تعتبر الوجود الإيراني خطرا على البلاد وتهديدا لها، وتعتبر ان هذا الوجود هو أكبر اسباب أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بعبارة اخرى، شيعة العراق يرفضون وجود إيران، ويريدون من إيران ان ترحل عن بلادهم، وأن تنتهي سطوتها التي تفرضها.
هذه اذن هي إرادة شيعة العراق. وإذا اضفنا إلى ذلك موقف سنة العراق المعروف من إيران، فمعنى هذا ان شعب العراق بشيعته وسنته يعتبرون إيران تهديدا ويرفضون وجودها.
لنلاحظ هنا ان نتائج هذه الدراسة، تفضح في جانب أساسي منها دعاوى إيران وأكاذيبها حين تزعم أي حرص على شيعة العراق ومصالحهم. شيعة العراق انفسهم يعتبرون ان ما تفعله إيران في بلادهم لا علاقة له بأي مصلحة لهم بل يدمر مصالحهم، ويخدم فقط اطماعها التوسعية القبيحة.
السؤال المهم هنا هو: إذا كانت هذه هي مواقف شعب العراق وإرادته، فما الذي يمنع اذن من ترجمة هذه الإرادة في شكل مواقف وسياسات عملية تتبناها الحكومة العراقية وتسعى إلى مواجهة إيران وخطرها وإنهاء وجودها؟
الجواب ببساطة وباختصار شديد هو ان إيران تفرض وجودها ونفوذها الطائفي التوسعي بالإرهاب المباشر وبالقوة الباطشة إما مباشرة أو عبر عشرات من المليشيات المسلحة العميلة لها في العراق. هذه المليشيات تصادر ارادة الشعب العراقي بالقوة وبالإكراه والإرهاب.
في نفس الوقت، فإن القوى السياسية في العراق هي في مجملها قوى عاجزة وفاسدة لا تعبر عن الشعب العراقي، ولا يمكن القول انها تعبر عن إرادته بأي شكل.
ومع هذا، فإن نتائج مثل هذه الاستطلاعات والدراسات تؤكد ان شعب العراق نفسه لن يظل صامتا طويلا، وسيأتي الوقت الذي ينتفض فيه ليقتلع بنفسه هذا الوجود الإرهابي الإيراني، ويقتلع معه كل القوى والمليشيات الطائفية الفاسدة.
3 من الذي بلا أخلاق ومباديء؟ اذا كانت الوطنية نذالة فهل العمالة شرف؟ صباح علي الشاهر
راي اليوم بريطانيا

يقولون وهم يرون ما حولهم من فضائح السياسين أن السياسة بلا أخلاق ومباديء ، لكنهم لا يقولون أن السياسين من حولهم بلا أخلاق ومباديء. لا يقولون فيمن العيب ، وعند من الخطأ . لا أحد بمقدورة العيش من دون سياسة ، السياسة قدر الإنسان طالما هو يعيش في مجتمع ، وحتى لو إنغلق وأسرته في عالم منعزل عن كل شيء ، فإنه سيكون مضطراً لتسويس أمر أسرته، ولمزاولة السياسة من أجل أن يمضي ركب هذه الأسرة المنغلقة المنعزلة عن كل شيء .
ويقولون لا صداقة دائمة في السياسة ولا عداوة دائمة .
دعونا نتفحص هذا القول ، لنأخذ مثلاً أن ثمة من يريد سلب بيتك ، ولا نقل بلدك، وهو يعاديك طالما أنت لا تسلمه بيتك ، وأنت تعاديه طالما إنت ترفض تسليمه بيتك ، هل تبقى عداوته لك إذا تنازلت له عن بيتك ، إذا منحته الحق في التحكم بالدار والتصرف بها ، وأن تصبح مستأجراً مثلاً ؟
ألم يقولوا أن السياسة مصالح، وهي كذلك فعلاً ، وأن الصداقات والعداوات تتغير تبع تغير المصالح ، وهذا صحيح أيضا.
الذي يريد سلبك دارك لا يعاديك لذاتك ، وإنما يعاديك لأنك تحول بينه وبين تحقيق رغبته ، أي تحقيق مصالحه، فإذا تنازلت له عن حقك ، أي عن مصالحك ، لم تعد عدوا له ، وربما ستصبح صديقاً ، وأجيراً وعاملاً له في دارك .
إذن سقطت المباديء في هذه الحالة ، فالمبدأ أن تدافع عن بيتك ، لكنك لضعفك ، أو حماية لأسرتك ، أو لأي إعتبارات أخرى ، تنازلت عن المباديء فضحيت بدارك ، ومنحتها لمغتصب . إلى هنا أنت شخص متنازل عن المباديء ، مجبراً أو مضطراً ، جباناً رعديداً ، أم حكيماً حصيفاً .
تظل الأخلاق التي قد لا تفارقك حتى وأنت متنازل عن المبدأ ، الأخلاق هنا تتعلق بموقفك من مغتصب دارك ، هل ستتحول إلى مُبرر ومُسوغ لمحتل دارك ، أم رافضاً له ، حتى ولو في قرارة نفسك ، وهنا بالضبط ، سيتحدد إن كنت جباناً رعديداً ، أم مجبراً حكيماً، أكنت بلا مباديء أم بلا أخلاق ومباديء .
نعم لا عداوت دائمة ولا صداقات دائمة في السياسة ، ولكن مع تغيير الحال ، وتحول أحد الطرفين إلى خانة أخرى ، هي خانة المستسلم للأقوى ، وليس لصاحب الحق ، أو إذا تم التوصل لموقف وسط يحفظ مصالح الطرفين ، ومصالح أي طرف هنا ستتحدد بمدى قوته ، وقدرة الطرف الآخر على المناورة .
مازل الشعار الناصري ( نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا ) صائب ، ولعله يختصر ببساطة متناهية حال السياسة والسياسين ، وهي البديل المبدئي والأخلاقي للقول الهزيل ” لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة”، ذلك أن ثمة مصالح ، توصف بالوطنية هي التي تحدد الصديق والعدو، وفي تحققها وصيانتها ، يمكن أن يتحول العدو إلى لا عدو، وصولاً إلى مراحلة التعاون المشترك على تحيقق المصالح المشتركة فيما بعد .
إذا إستثنينا الساسة الفاسدين ، فعن أي مصالح يعمل ساسة العالم ؟ إنهم يعملون لمصلحة وطن ، وأبناء هذا الوطن ، قد ترتبط هذه المصلحة بمصلحة فئات معينة من الشعب ، أو طبقات محدده ، لكنها على العموم ستنحصر في مصلحة هذا الوطن ، تماماً مثلما تنحصر مصلحة أي شركة بالنسبة لمديرها الحريص ، حتى ولو ذهب نتاج جهده وعمله وإدارته الجيده لمجموعة من الأشخاص ، يمثلون مثلاً مجلس إدارة الشركة . المهم هنا أن مصلحة الشركة تنبثق من داخلها ، تماما مثلما تنبثق مصالح الأوطان والمواطنين من داخل الوطن . إنبثاق مصالح الأوطان من داخلها هو الذي يحدد إن كانت هذه المصالح مصالح حقيقية للأوطان ، أي مصالح وطنية حقاً ، أم مصالح وهمية ، مفبركة ، لغايات أخرى لا علاقة حقيقية للأوطان بها .
****
في السياسة أخلاق ومباديء ، وإلا لتم مساواة الحسين بيزيد، وعمر بقاتله أبو لؤلؤة .. قد لا يفلح صاحب الأخلاق والمباديء في منازلة ما مع عديمها ، ولكن الأخلاق والمباديء سوف لن تموت بموت صاحبها ، و حاملها ، والمدافع عنها ، مثلما لا يفقد الثوري ثوريته لأنه لم ينتصر في منازلة ، فسبارتكوس ثائر رغم أنه لم ينتصر في نهاية المطاف، وجيفارا ثائر رغم أنه إنهزم أمام أعدائه المرتزقة .
ستكون قيمة أي عالم بلا قيم ومباديء وأخلاق ، ليس أكثر من “عفطة عنز” كما قال الأمام علي .
الصراع في جوهرة وإن إرتدى لبوسات مختلفة يجري بين أن تكون لنا قيم وأخلاق ، أم نعيش في عالم خال منها ، أي خال من العدالة والحرية والمساواة ، وكل القيم النبيلة ، هل نسعى لفضاء أنساني رحب ، أم لسيادة قيم التوحش .
ذات يوم قال رجل ما ، يقال أنه عراقي ، وهو يرى بغداد تُحرق بقنابل المحتل :” كنت أسمع أعذب سموفونية” ، وقال آخر وهو عراقي مع الأسف : ” لا يمكن أن يكون الجندي العراقي نذلاً بحيث يرفع بندقيته بوجه محرره” ، محرره هو المحتل الأمريكي ، واليوم يزعم آخر أن الأنذال يرفعون راية الوطنية ، فهل هذه بداية لتتويج الخونة واللاوطنين بتاج السمو ؟
إذا كانت الوطنية نذالة ، فهل العمالة شرف ؟!
4 الغراوي.. لا يصلح لدور «قميص عثمان» رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية

أصبحت البصرة على صوت رصاص مزّق جسد الشَّيخ وسام سبهان الغراوي (16/11/2018)، صاحب العِمامة البيضاء الذي اختار أن يكون مواظباً في ساحات الاحتجاج، ولأنه صاحب عِمامة ولا حزب ولا ميليشيا له، يكون أمره عند العَمائم المسلحة أكثر خطراً، على الخط الذي يُشار إليه بالخط الولائي. جرت العادة أن يذاع اسم المغدور أو المغدورة، وبعد أيام تظهر وزارة الدَّاخلية ببيان يتوعد القتلة، ليطمئن الجمهور أنهم لن يفلتوا مِن العدالة، لكن العدالة غلست عن قتل أكثر من عشرين امرأة جماعياً بحجة الدفاع عن الفضيلة، والميليشيا التي نفذت أصبحت جزءاً من الحكومة! فهل سيُكترث لاغتيالات فردية؟!
تكاثرت الاغتيالات بفئة محددة من المواطنين، نشطاء في الاحتجاجات، ونساء يعملن في مجال التجميل، وشباب اُتهموا بالتمرد في أزيائهم وثقافتهم، ومِن بينهم المثليون، وبائعو المشروبات، والمتهمات بشرفهنَّ. مرَّت ببغداد والبصرة والموصل موجة قتل الحلاقين والأطباء والصحافيين والصحافيات وأساتذة الجامعة وضباط وطيارين من الجيش السابق واللاحق وغيرهم، وحتى هذه اللحظة لم يُعلن اسم قاتل رسمياً، لأنه ينتمي إلى جماعة مسلحة، صار لها ضلع في السُّلطة، وأعضاء في البرلمان ووزراء، وقادة متنفذون.
صار الكاتب والباحث كامل شياع (اغتيل 2008) رمزاً للاغتيال تحذيراً من الثقافة، حتى وصل حال الثقافة العراقية أن يجسر على شغلها ضابط شرطة ومؤذن مسجد وعضو في ميليشيا. فشياع لم يُقتل لشخصه إنما لدوره، فلو بحثت في سلوكه لم تجد عداوة في ضميره لأي إنسان، تحمل الوزير الذي قصده بالأذى لأنه ضابط شرطة وهو مثقف، والوزارة وزارة الأخير، وتحمل تهور الواعظ لأنه الوزير في زمن الوعاظ.
اغتيل هادي المهدي (2011) وصار رمزاً للاغتيال بسبب الاحتجاج، ولم يكن القتل برصاص الشرطة ولا الجيش إنما بالقوى الظهيرة غير المرئية، قُتل الشاب «كرار نوشي»، وغدا رمزاً للشباب المتمرد على سريان التخلف، تمرد بما لا يخدش حياء أحد، فكرار فنان أراد عزل نفسه عمَّا يحيطه بالمظهر. اغتيلت سعاد العلي فصارت رمزاً للناشطات المدنيات، ولمن يُطالب بحياة مناسبة لأهل البصرة. اغتيلت «تارة فارس»، فما زالت، هي وقتيلات معها، رمزاً لمحاولة إعادة بغداد لأسلوب حياتها، فأكثر العواصم تشدداً لم تفرغ من محل تجميل، لكنها اتهمت بفعل موبقة كاذبة، مثلما اتهمت العلي بالعمالة.
إذا قتلوا «شياع» لأنه منافس القتلة بمشروعه الثَّقافي، و«نوشي» لأنه أثار تحفظهم بملابسه، و«فارس» لأنها تُشيع ثقافة التجميل التي تتعارض مع وسطهم، وسعاد العلي بالعمالة، مثلما يدعون، لكن ما هي التهمة التي أٌلصقت برجل يعتمر عمائمهم، ملتزم بثياب قادة الجماعات، ولا يدعو إلى (إفساد)، فما هي التهمة التي قُتل بها الشَّيخ الغراوي، وما هي تهمة محامي المتظاهرين المغيبين؟! وما هو سبب قتل آخرين، ومنهم ما زال مغيباً؟! مَن له حق إصدار الحُكم وتنفيذه، والدولة بسلطتها، جهازها القضائي وأمنها وشرطتها وجيشها، تبدو مأسورة إلى تلك الجماعات، والتي ما زالت لا تُعامل معاملة العصابات!
يقول إياد جمال الدِّين، عاش ودرس بحوزات إيران، ويعرف لغة القوم وأسلوبهم الثَّوري: «إنّ سلسلة الاغتيالات التي تعصف بالعراق هذه الأيّام، هي تكرار لسلسلة الاغتيالات التي شهدتها طهران عام 1997، لمواجهة الغزو الثقافي الأميركي في إيران. وقف محمد خاتمي ضد سلسلة الاغتيالات، كلّ الذين اغتالوهم في طهران شباب صغار لا أهمية لهم، باستثناء (داريوش) فروهر الذي كان قتله هو السبب الرئيس لكشف جرائم الاغتيالات تلك، لكن مَن يكشف سلسلة الاغتيالات في العراق المنكوب مَن النظام الديني الأيديولوجي» (من صفحته على الفيسبوك).
أقول قد نفهم اغتيال المختلفين في الثقافة والملبس، ولنقل ممَن اتهموا بالثقافة الغربية التي تتعارض مع ما هو مرسوم للشعب العراقي من ثقافة حتى لا ينطبق عليها مفهوم الخُرافة، لكن اغتيال الشَّيخ الغراوي، أمضى وأعمق، ففتوى قتله التي نفذت به مضاعفة. كان الرجل صاحب عِمامة وليس راعي حزب وميليشيا، خشيةَ أن صوته سيُضاعف أصوات المحتجين.
هكذا أصبح التَّدين لا يُقاس بالعبادة، إنما بالمواقف السياسية، يقول أبو نُخيلة السعدي (قُتل145ه) في ما يعبر عمَّا قصدناه: «لما رأيتُ الدِّين ديناً يُؤْفكُ/وأَمست القُبةُ لا تستمسكُ/يُفتقُ مِن أعراضها ويُهتكُ/ سرتُ من البابِ فطار الدَكدكُ»(الجاحظ، كتاب الحيوان)، والدّكدكُ «ما تكبسَ واستوى مِن الرَّمل».
علينا التَّذكير بنتائج خطب ومواعظ العمائم مِن أصحاب الفضائيات، فهم قتلة بخطبهم، طالما حشدوا بها ضد المدنيين، والشَّيخ الغراوي كان في المقدمة، بعد أن رأى «الدِّين ديناً يؤفكُ»! صار القتل مواسمَ، وهذا موسم صيد مدنيي البصرة! دماء تسيل، ولا محطة عالمية وإقليمية ذكرت القتيل، لا من «الإخوانية» ولا مِن الولائية، ولا الغرب ولا الشَّرق! وكأن دمه لا يستحق خبراً، ولو في حاشية من حواشي الفضائيات، لم يُرفع قميصه المدمى على سارية، لأنه لا يصلح للعب دور «قميص عثمان».

5 لنكن شاكرين على زوال «داعش»

ديروي موردوك
ناشيونال ريفيو

بينما يحتفل الأميركيون بعيد الشكر، لنكن شاكرين على أن خلافة “داعش”، التي تضاءلت كثيراً، كادت تسحق، ولنصفق لدور إدارة ترامب في تقليص هذا الخطر إلى حد كبير، فعندما تسلم ترامب سدة الرئاسة، لم يكن “داعش” مجرد مجموعة إرهابية أخرى، بل كان يدير أمة صغيرة إسلامية متطرفة، فقد سيطر التنظيم على 45325 كيلومتراً مربعاً تقريباً بين العراق وسورية (أي ما يعادل ضعف مساحة ولاية نيوجيرسي)، حسبما أشار جايمي ماكينتاير من موقع “واشنطن إكزامينر”.
طبّق مقاتلوه الخمسة والثلاثين ألفاً الشريعة، وفجروا مواقع تاريخية، ورموا رجالاً مثليي الجنس عن مبان عالية، وهجروا، واضطهدوا، وذبحوا آلاف المسيحيين، والشيعة، واليزيديين، كذلك سارع الإسلاميون المتطرفون الأغبياء إلى “داعش”، وركبوا موجة الجهاد، وساهموا في امتداد درب هذا التنظيم الدموي من باريس إلى بروكسل وسان بيرناردينو، وهكذا نشرت هذه المجموعة الإسلامية الفاشية الرعب بين الأوروبيين والأميركيين، ودرّب تنظيم “داعش” أيضاً القتلة، وألهم عبر الإنترنت مجرمين منفردين ليشنوا الهجمات في أي مكان وزمان.
ولكن بحلول شهر سبتمبر الماضي تقلص هذا البلد الإسلامي الإرهابي بحق إلى نحو 518 كيلومتراً مربعاً كانت كل ما تبقى له.
أشار بيان صدر في 27 سبتمبر عن عملية العزم الصلب، إلى أن الجهود المتعددة الجنسيات التي قادتها الولايات المتحدة أدت إلى “تحرير نحو ثمانية ملايين عراقي وسوري من حكم “داعش” الوحشي، وتقليص قبضته على الأراضي إلى نحو 1% مما كان يسيطر عليه سابقاً”. وعملت القوات الديمقراطية السورية عن كثب مع الأميركيين للقضاء على “داعش”. وتشير التقارير إلى أن القتال العسكري يتركز اليوم على حصن داعش في دير الزور بمحاذاة نهر الفرات.

أخبر السفير جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، وكالة رويترز: “يتواصل القتال ونأمل أن ينتهي في غضون بضعة أشهر، وأن تكون هذه الأراضي الأخيرة التي يسيطر عليها “داعش” بطريقة شبه تقليدية، لكن الهزيمة النهائية لا تعني ببساطة القضاء على سيطرة آخر وحدات “داعش” العسكرية التقليدية على الأراضي، بل تشمل أيضاً ضمان أن “داعش” لن يعاود الظهور في الحال كخلايا نائمة ولن يرجع كحركة تمرد”.
فقدَ التنظيم كل أراضيه تقريباً، لكن الأكثر أهمية على الأرجح خسارته الكثير من مكانته، فما قد يدفع أي إنسان إلى مواجهة الشمس الحارقة ورمال صحراء القاسية لينضم إلى وهم حقيقي: الخلافة الإسلامية اليوم؟ يبدو هذا أشبه بخوض غمار نهر الراين للمحاربة إلى جانب ألمانيا النازية في مارس عام 1945.
لمَ انهار مقر تنظيم داعش بالكامل تقريباً؟ أدت خطوات أوباما الخجولة إلى هجمات الرئيس ترامب القوية.
أخبرني جيم فيليبس، باحث في مجال الأمن القومي في مؤسسة “التراث”: “أدار البيت الأبيض برئاسة أوباما تفاصيل الحرب ضد “داعش” ولم يحسن القيام بذلك، فقد اضطرت وزارة الدفاع الأميركية إلى وقف ضرباتها بسبب القيود السياسية المتشددة التي فُرضت على استعمال القوة. استبعدت إدارة أوباما أولاً الضربات الجوية ضد حقول النفط الخاضعة لسيطرة “داعش” بسبب خوفها من وقوع ضحايا من المدنيين”. لكن هذه السياسة المذهلة جعلت من داعش المجموعة الإرهابية الأكثر ثراء في العالم بعدما غرق في عائدات النفط.
أضاف فيليبس: “يستحق الرئيس ترامب الثناء لرفعه القيود السياسية العقيمة عن الجيش الأميركي، مصعّداً الحملات الجوية، ناشراً المستشارين الأميركيين وقوات العمليات الخاصة في مواقع أقرب من القتال، ومسرّعاً هزيمة داعش. كذلك اضطلع الجيش الأميركي بجزء كبير من عبء الحملة الدولية لهزيمة داعش، فلولا المشاركة الأميركية، لاستمر داعش في صلب خصومه واستعباد النساء غير المسلمات جنسياً”.
تشكّل هذه التطورات الإيجابية على الأرجح أخباراً جديدة بالنسبة إلى معظم الأميركيين، فلم تنشر وسائل الإعلام التقليدية، التي تكره ترامب، هذه الرواية كي لا يحظى الرئيس بأي مديح لجعله الولايات المتحدة والعالم أكثر أماناً وتخليصهما من أولئك القتلة المتعطشين للدم (داعش لا الصحف).
كتب بيل داغوستينو، محلل في مركز الأبحاث الإعلامية، الشهر الماضي: “منذ اليوم الذي تسلم فيه ترامب السلطة، خصصت شبكات البث الثلاث في نشراتها الإخبارية المسائية أكثر من 10 آلاف دقيقة لرئاسة ترامب، 33 دقيقة منها فقط تناولت طريقة تعاطي الإدارة مع القتال ضد داعش في العراق وسورية”.
إذاً، هذا هو الوضع: ساهم الرئيس ترامب في تقليص داعش بنسبة 99% في حين أمضى معذبوه في نشرات الأخبار المسائية 99.7% من وقتهم في النظر في الاتجاه المعاكس.
6 عراقك نجد والسعودي عراقي! تركي الدخيل
الشرق الاوسط السعودية

ما زالت في نفس العبد الفقير إلى الله، غصة، لأني لم أزر بغداد؛ عاصمة الحضارة، خصوصاً عندما كنت أستمع إلى جدي، عبد العزيز الدخيل، رحمه الله، وهو يحدثنا عن قطعه على قدميه، من بريدة وسط نجد، حيث كانت قبل اختراع السيارات، ووصولها للمنطقة العربية، أكبر سوق للجمال في العالم، ولا تزال.
كانت تجارة الجد، ووالده، كما قسمٌ كبيرٌ من أهل نجد، في بيع وسيلة التنقل الأهم آنذاك: «سفينة الصحراء»؛ الجمل، وصنفَ هؤلاء باسم «أهل العقيلات»، لأنهم كانوا يعقلون إبلهم؛ أي يربطونها، وهو أصل فكرة العقال الذي يرتديه العرب فوق الشماغ، ثم إذا وصلوا لغايتهم خلعوا العقال وربطوا به راحلتهم، وكأنهم يوقفون سياراتهم في مواقف مظللة كما نفعل اليوم.
والدي وأعمامي يحدثونني عن العراق بمحبة له ولأهله، وما زال بعض أبناء العمومة هناك، منذ هجرة الأجداد التي بدأت منذ نحو مائتي سنة.
قطيعة السعوديين مع العراقيين وبالعكس، مع امتدادهم العشائري والوجداني والفكري، تلك التي أصبحت حقيقة منذ غزو صدام للكويت في التسعينات، وتوالت القطيعة إلى حدٍ قريب… امتدت لربع قرن أو يزيد.
بقدر ما أتألم شخصياً لهذه القطيعة، إلا إنني أسلّي نفسي بآلاف المنفيين من العراق، من كل الأعراق والمذاهب، وحجم ألمهم لمفارقة مراتع الصبى، وبُعدهم عن الأهل والخلان، وكأنهم يتمثلون أبيات ابن الرومي:
وحبب أوطان الرجال إليهمُ
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمُ
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسدٌ إن بان غودرت هالكا
لقد رأيت عراقيين يعيشون في حالة مادية مميزة في أوروبا وأميركا، لكني ما إن أحدثهم عن العراق حتى تهيض المشاعر، وتغرق العيون بالدموع. كيف لا؟! والعرب تقول:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
يندر أن يوجد سعودي ليست له ذكرى في العراق أو مع العراقيين، فدجلة والفرات كان ماؤهما محل جذب، وظلال نخيل البصرة تمتد إلى مدننا وصحارينا، عبر الزبير، ويعرف هؤلاء في ديارنا بالزبارة… من عاش هناك وقضى زهرة شبابه، ومن ولد وصار جداً. ولـ«سوق الشيوخ» من توابع الناصرية منزلة لدى أهل نجد، حيث عُمرت الخميسة، وما زالت أطلالها تحفظ ذلك التاريخ. أي سعودي لا يطرب لغناء حضيري أبو عزيز، أو داخل حسن؟! وما إن ظهرت الأغنية في بغداد حتى شاعت بيننا. كل سعودي درس في جامعات العراق في الستينات وما بعدها وما قبلها، يتحدث مثلما كان يتحدث القدماء عن تفقههم في بغداد العباسية.
ما تعرض له العراق من أزمة في الحروب والحصار يُخص به السعودي، الذي عاش هناك وتنعم، وحمل الذكرى الطيبة. امتدت العشائر وتشابكت، على اختلاف المذاهب؛ شمر والشعلان والجبور والطائيون… وإن عطبت ذاكرة البعض في فورات الكراهية التي يعمقها عادة الإسلام السياسي وخطباء التعصب، فذاكرة الأدب ما زالت حية، وكأنني أرى المجتهد محمد سعيد الحبوبي، صاحب العمامة السوداء الكربلائي النجفي، في نهايات القرن التاسع عشر، يقف وسط سوق «المشاهدة»، حيث كانت تُقيم أسرته، في حائل يقول:
بلادك نجد والمحب عراقي
فغير التمني لا يكون تلاقي
كان أبرز أسباب مطاردة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لـ«إخوان من طاع الله»، غزواتهم المتكررة للعراق، وكانت أخراها في بداية العشرينات من القرن الماضي، وبعدها حصل اللقاء التاريخي بين ملكيْ السعودية والعراق، واستمرت العلاقات بلا شوائب حتى حرب الخليج الثانية.
توجه جدنا؛ الصحافي القصيمي، سليمان الصالح الدخيل، إلى بغداد للدراسة واكتشاف عالم العراق الثري، حتى صار أحد البغاددة. حمل الصحافي والمثقف في قلبه وحقائبه الود الغامر لأهل العراق، فإذا درس على يد عالم بغداد محمود شكري الآلوسي، ارتبط مع المجتهد هبة الدين الحسيني الشهرستاني النجفي والكاظمي، بعلاقة قد تبدو غريبة في أذهان حاملي الكراهية اليوم، ومن يتصفح مجلة «العلم» (1910 – 1912) النجفية، فسيجد التعاون المتبادل مع سليمان أفندي، حسبما يظهر اسمه في المجلة المذكورة، حيث الإعلانات لصحيفته «الرياض»، والمجلة تُطبع مع «الرياض»، التي أصدرها في بغداد (1910).
كان الأساتذة العراقيون، وهم من علماء وقتهم، محل ترحاب في جامعة الملك سعود، بعد فصلهم لظروف سياسية من جامعة بغداد، ولما حاول أحد رموز الإسلام السياسي التحريض ضدهم، استقبلهم الملك فيصل بن عبد العزيز ليرد عنهم القلق، ويشعرهم بأن الدار دارهم… وتلامذتهم السعوديون ما زالوا يذكرونهم بتكريم لأسمائهم… وإن انتهت تلك الأيام، فصورة العالم اللغوي محمد مهدي المخزومي باقية تزين واجهة قسم اللغة العربية في الجامعة المذكورة. إثر ذلك اللقاء الحميم سمّى عالم النفس نوري جعفر ابنته «نجود»، وحفيده «فيصل». قوة العراق قوة لجيرانه، وعزته عزة له، فهو المنزل والأهل.
تمر الهزات السياسية، وتعبر بلداننا منعطفات التاريخ، لكن الجوار باقٍ، وهل رأيت بلداً اختار جواره؟!… إنه قدر من الأقدار، وجوار العراق بشعبه وترابه ومائه القدر الجميل.
قال الحبوبي، وبعاطفة المُغرم: «غير التمني لا يكون تلاقي»، ولكننا نقول: تمنينا والتقينا، ولن نقبل بأن يجدد أنصار الكراهية موجات الانقطاع، فإذا كان الحبوبي رحمه الله يقول: «بلادك نجد والمحب عراقي»، فليسمح لنا أن نقول: «عراقك نجد والسعودي عراقي».