مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الأحد

1 إشكالية حكم العراق شملان العيسى الاتحاد الاماراتية

تواجه الحكومةُ العراقيةُ معضلةً جديدةً في محاولتها الحفاظَ على علاقاتٍ طيبة بكل من واشنطن وطهران. الرئيسُ العراقيُ برهم صالح صرّح يوم الأحد الماضي بأن المحادثات مع الولايات المتحدة مستمرة فيما يتعلّق بالعقوبات على إيران، مشيراً إلى الحاجة لأخذ ظروف بلاده الخاصة بالاعتبار، وموضِّحاً: لا نريد أن يحمل العراق وزر العقوبات الأميركية على إيران.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت بعد أيام من إعادة فرض العقوبات على قطاع النفط الإيراني، في الخامس من شهر نوفمبر الجاري، أنه بإمكان العراق مواصلة استيراد الغاز الطبيعي وإمدادات الطاقة من إيران لمدة 45 يوماً.
ويشار هنا إلى أن العراق حالياً يشتري 1300 ميغاوات من الكهرباء من إيران، كما يشتري منها الغاز الطبيعي بكميات معتبرة.
مشكلة العراق اليوم ليست متعلقةً بطبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة.. فهناك العديد من دول العالم تربطها علاقات طيبة بواشنطن وأخرى بطهران، ولم تواجه إشكالية كبيرة في علاقتها بالطرفين. لكن مشكلة العراق تكمن في ازدواجية ولاء بعض الساسة فيه؛ فالأحزاب الحاكمة، ومنها «حزب الدعوة الإسلامي» الذي حكم العراق منذ عام 2004، ولاءُ معظم قادته لإيران والمراجع الدينية الإيرانية، مما أتاح لطهران الحصول على تسهيلات في العراق لا تحلم بها أي دولة أخرى.. وذلك مقابل رضى المرشد الإيراني على أداء الساسة الشيعة العراقيين. هذه العلاقة الحزبية جاءت على حساب الشعب العراقي، وليس سراً أن أموال العراق يذهب كثيرٌ منها لمساعدة إيران وتعزيز نفوذها الإقليمي. وهو النفوذ الذي يَحُول في العراق دون قيام أي محاولة وطنية عراقية لتوحيد صفوف الشعب العراقي والاهتمام بقضاياه التنموية؛ من تحسين لمستوى المعيشة وتقديمٍ لأبسط الخدمات من كهرباء وماء ومدارس وطرق ومستشفيات وغيرها.
الأحزاب الحاكمة في العراق لها مواقف رافضة بشكل علني للتواجد الأميركي في العراق، وقد طالبت برحيل القوات الأميركية من بلاد الرافدين.. لكن عندما داهم الإرهاب مدن العراق واحتل الموصل، عاد قادة هذه الأحزاب لمطالبة الولايات المتحدة بحماية نظامهم من الإرهاب. واليوم توجد قوات أميركية في العراق لتدريب الجيش العراقي، لكن تواجدها ليس المشكلة، بل المشكلة تتلخص في تفشي الفساد وسوء الإدارة ودعوات الانفصال من جانب الأكراد وعودة عمليات «داعش» الإرهابية.
هذه المشاكل تجعل الساسة في العراق محتارين؛ فهم من جهة لا يستغنون عن الوجود الأميركي، ومن جهة أخرى يريدون توثيق العلاقة مع إيران التي تحمي وترعى وتوحد الأحزاب السياسية في الحكم، رغم فشل الإدارة الطائفية في تطبيق الإصلاح.
ورغم حقيقة أن نظام الملالي في طهران قد قطع المياه عن البصرة وقطع الكهرباء عن الناس البسطاء في الجنوب، فإن القادة العراقيين ما زالوا يطالبون واشنطن بتفهم وضعهم وظروف بلادهم الخاصة.
مقتدى الصدر كان صادقاً عندما هدد السنّة المعتدلين في البرلمان العراقي بقوله: «الصحوة السنية قادمة ضد سياسييكم الفاسدين»، مبنياً أن الصحوة العراقية قادمة ضد الثلة السياسية الظالمة، وقال مخاطباً العراقيين عموماً: «كل من وصل إلى البرلمان باسمكم لا يعيركم أي اهتمام.. وها نحن نغير بعض واقعنا السياسي المرير».
2 بعثيون من بلدي!
محمد السداني
الجريدة الكويتية
عندما نتحدث عن حزب البعث علينا أن نتذكر أبشع المصطلحات في الاستبداد والظلم والتفرد بالرأي وإلغاء الآخر، وهذه الصورة هي نتاج ما عاصرناه وعاصره من قبلنا من ظلم وقهر في دول البعث التي ذهبت دون رجعة، ولعل تخلف الرؤية البعثية ومخالفتها للنظام العالمي الديمقراطي هو ما جعل منها رؤية شوهاء لا تصلح أن تطبق على أرض الواقع.
وكنت أظن خطأً أنَّ البعث ولّى إلى غير رجعة، ولكنَّ الرؤية البعثية والنظام البعثي شبحان يتجسدان في أي صورة وأي جنسية وأي دولة، فمظاهر التفرد بالرأي وتقديس السلطة ومسح الأجواخ هي مظاهر رأيناها كثيرا في حاشية صدام حسين وحافظ الأسد وغيرهما من البعثيين الذين ملأوا الدنيا بهرجة كاذبة وشعارات رنانة لم نستفد منها شيئا، وها نحن نرى بعثيين من بلدي بغترة وعقال وربما «بشت» يكممون الأفواه ويحاذرون أن تطلق عبارة أو جملة أو مقالة من الممكن أن تفهم أنَّها ضدَّ توجه السلطة أو رؤسائهم و«معازيبهم»، فيمنع الفكر والرأي والقول، لا لأنه مخالف ولكنَّه أمرٌ من الممكن أن يزعزع صورتهم أمام المتنفذين.
لقد عشنا زمنا ونحن نحارب البعث في مواطنه، لما لقيناه من ظلم واعتداء وانتهاك لدولتنا وحقوقنا وشعبنا، ولكنَّنا لم نكن نتخيل أنَّنا سنجد بعثاً يولد من رحم هذا البلد الذي لطالما تغنت به الدول في مستوى الحريات، بعث لا ينادي بالقومية العربية ولا باتحاد الأمة، لكنَّه ينادي بتقديس أشخاص ومؤسسات وغيرها من أماكن النفوذ والسلطة.
فلو أمعنت النظر قليلاً فيما يطرح في الإعلام والصحافة والتغريدات ووسائل التواصل الاجتماعي لعرفت جيداً أنَّنا نعيش بعثاً جديداً لا صوت فيه لمن يعارض أو لمن يختلف أو لمن يفكر بطريقة لا تعجب أصحاب الألقاب والمناصب والسلطة والمال، بعث يمارس الاستبداد في الرأي فيمنع قبل أن يقال، ويحجب قبل أن يظهر إلا من رحم ربي، والغريب أن من يقوم بهذا الأمر هو نفسه من يتشدق بشعارات الحرية وقبول الآخر، ومن الممكن أن تجده عضواً في إحدى منظمات حريات الصحافة أو حقوق الإنسان، ازدواج في المعايير وانشطار في الآراء لا يمكن للعقل السليم أن يستوعبه.