1 «اجتثاث البعث» ليس حلا عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية
لا أعتقد أن هناك من تتسم مواقفه ورؤيته للأحداث والمواقف والتجارب التاريخية بالعقلانية والموضوعية والإنصاف، يستطيع أن يتجاهل أو يتجاوز الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق خلال سنوات حكم الحزب التي امتدت من عام 1968 حتى شهر مارس من عام 2003 حيث وضع الغزو الأمريكي للعراق نهاية مأساوية لحكم الحزب وتم تصفية جميع قيادات الصف الأول تقريبا فيما شُرّد الآخرون خارج العراق، هذه الأخطاء الكارثية لا تلغي حجم الإنجازات التي تحققت في العراق تحت قيادة الحزب، وخاصة في قطاعات حيوية ومهمة، مثل القطاع الطبي والتعليمي، حيث اعتبرت العديد من المنظمات الدولية تجربة العراق التعليمية والصحية مثالين للنجاح والإنجازات الكبيرة.
أخطاء الحزب المتمثل في قيادته السياسية والحزبية العليا أدت إلى إدخال العراق في الشرك الذي نصب له منذ أن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي وتعاظم القوة العسكرية للجيش العراقي، حيث مثل الخطأ الكارثي المتمثل في قرار القيادة العراقية غزو دولة الكويت واحتلالها بداية النهاية لحكم حزب البعث والنظام الذي أقامه في العراق بشكل عام، إذ كان هذا الخطأ بمثابة الهدية المجانية المنتظرة التي لم يكن للقوى المتربصة بالعراق أن تدعها تمر دون أن تقطف ثمار هذا الخطأ الفادح وتضع نهاية لتطلعات حزب البعث الإقليمية والعروبية.
فأخطاء قيادة الحزب وممارساته في العراق وتجاه مختلف مكونات الشعب العراقي، هي أخطاء وممارسات كان من الطبيعي جدا أن يتصدى لها النظام السياسي الجديد الذي جاء به الأمريكان على ظهور آلاتهم العسكرية، وأن يتخذ موقفا منها ومن القيادة بشكل خاص، وهذا ما حدث بالضبط، حيث زج بها في السجون وأعدم العديد من قادتها وعلى رأسهم الرئيس الراحل صدام حسين فيما البعض منها مازالوا يقبعون في السجون العراقية وآخرون في المنافي.
النظام السياسي الجديد في العراق وهو يريد أن يتصدى لممارسات وأخطاء حزب البعث، وخاصة في الجانب السياسي وقع في خطأ فادح عندما لجأ على حظر نشاط الحزب داخل العراق ووضع قانونا مجحفا من الناحية السياسية وهو القانون الذي أطلق عليه «قانون اجتثاث حزب البعث»، فهذا القانون مجحف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مجحف لأن القانون عمم العقاب على الجميع، أي القيادة وجميع كوادر الحزب الذين ينحدرون من جميع مكونات الشعب العراقي، ولم يحصر القانون فعله في المسؤول عن ارتكاب الأخطاء الكارثية، أي قيادة الحزب.
كما يعلم الجميع فإن حزب البعث العربي الاشتراكي هو واحد من أقدم الأحزاب السياسية العربية وبدأ نشاطه في أكثر من دولة عربية منذ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي على يد السياسي السوري ميشيل عفلق، وأن من أهم إنجازاته هي الاستيلاء على السلطة وقيادة الدولة في كل من العراق وسوريا، (في الأخيرة لا يزال الحزب يمسك بزمام القيادة)، وشأنه شأن أي حزب، وخاصة في المنطقة العربية فإن التجاوزات والأخطاء عادة ما تكون لصيقة بعمله ونشاطه بسبب غياب الشفافية والديمقراطية الحزبية وتفشي الزعامة الفردية وتحولها إلى ديكتاتورية حزبية، كما هو الحال في العراق وسوريا، أيضا الأمر الذي قاد الحزب إلى الوقوع في الأخطاء الكارثية، مثل غزو العراق لدولة الكويت الشقيقة.
حزب البعث في العراق يضم في صفوفه مئات الآلاف إن لم تكن الأعداد تخطت خانة المليون، وبغض النظر عن مدى إيمان أعداد من الكوادر الحزبية بمبادئ الحزب وأهدافه، وما إذا كان الدافع وراء الانضمام إلى الحزب هو تحقيق مصلحة ذاتية أم غير ذاتية، فإن لكوادر الحزب الحق الكامل في مواصلة العمل السياسي بعد الإطاحة بالحزب من على قيادة الدولة وأن محاكمة وإدانة قيادته وحرمانها من العمل السياسي لا يجب ألا ينجر على الكوادر، وبالتالي فإن «قانون اجتثاث البعث»، هو قانون ظالم بحق الكوادر الحزبية وفي تناقض مع حرية العمل السياسي التي يتحدث عنها النظام السياسي الجديد في العراق.
فحرمان شريحة عريضة من المواطنين من ممارسة العمل السياسي تحت مظلة المبادئ التي يؤمنون بها، هو تعد صارخ على الحقوق الدستورية وعلى مبدأ المساواة الذي يعتبر ركنا مفصليا من أركان العدالة الدستورية، ولا ننسى أن أعداد هذه الشريحة ليست قليلة، فالحزب وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود استطاع أن يستقطب في صفوفه كوادر حزبية كبيرة العدد، وللحقيقة، فإن الحزب استثمر سلطته السياسية في تعزيز انتشاره الحزبي وبسبب تفضيله الكوادر الحزبية على غيرهم، فإن ذلك شكل دافعا للعديد من المواطنين للانضمام إلى الحزب، لكن ذلك لا يلغي أن هناك من انضم وانخرط في صفوفه لإيمانه بمبادئه وسياسته.
لست من المؤمنين بمبادئ حزب البعث وآيديولوجيته، وأختلف كثيرا مع مواقف قيادته السياسية من قضايا عربية وإقليمية كثيرة، سواء كان الحزب الحاكم في العراق أم في سوريا، ولكن ما أريد أن أوضحه وأؤكد عليه هو أن النظام السياسي العراقي الجديد الذي استطاع بقوة القانون الذي وضعه أن يحاكم ويعاقب قيادة حزب البعث العراقي وينفذ الأحكام بحقه، ووضع حدا لوجودها الفعلي على ساحة العمل السياسي جراء هذه الأحكام، فإن هذا النظام لن يستطيع أن يجتث الحزب مهما سن من قوانين، نعم مثل هذا القانون يستطيع أن يمنع العمل السياسي تحت مظلة حزب البعث العربي الاشتراكي، لكن القانون ليس بمقدوره أن يجتث مبادئ الحزب من قلوب المؤمنين والمقتنعين بها، أضف إلى ذلك، وهذا في اعتقادي الأهم، أن العدالة وحقوق المواطنة المتساوية لا تقر التمييز بين المواطنين بسبب انتماءاتهم الحزبية وقناعاتهم الآيديولوجية.
2 عبد المهدي والمئة يوم الأولى في الحكم
د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
باشر الدكتور عادل عبد المهدي مهام منصبه رئيساً لمجلس الوزراء في العراق بوضع لمسات مختلفة عما وضعها سابقوه، ما يمكن اعتباره بمثابة تحد للواقع الذي كرسته النخب السياسية.
فقد اختار مكتباً خارج المنطقة الخضراء لممارسة مهامه كمرشح لرئاسة الوزارة وعقد لاحقاً، بعد اعتماد وزارته في المجلس النيابي، أول اجتماع للمجلس خارج هذه المنطقة، وقد سبق له أن أعلن عن نيته إزالة العوائق التي تفصل هذه المنطقة وتحرم الدخول إليها.
كما أعلن أنه لا يعترف بوجود دولة عميقة وأن هناك دولة واحدة يتولى هو رئاسة مجلس وزرائها، ويبدو أنه اختار مدخلاً لذلك، وبدأه بإعادة هيكلة المكاتب المرتبطة برئاسة الوزارة وإجراء تغييرات جذرية فيها.
عبد المهدي يعلن أنه لن يغادر العراق في المئة يوم الأولى من تبوئه منصب رئاسة الوزارة، وهي إشارة لها دلالاتها السياسية، فالمئة يوم الأولى في سدة الحكم قد أصبحت جزءاً من التقاليد السياسية الأميركية لأول مرة منذ تبوأ فرانكلين روزفلت منصب الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1933 لمواجهة الكساد الاقتصادي، واعتبرت منذ ذلك الحين مقياساً مبكراً لمدى نجاح الرئيس في مهمته ومؤشراً على مستوى الأداء المتوقع على مدى الدورة الرئاسية البالغة أربع سنوات.
فالرئيس الجديد يواجه عادة في هذه الفترة الزمنية أبرز ما ترك سلفه من قضايا آثر ترحيلها له. فهل يوجه عبد المهدي بهذا التصريح دعوة للمهتمين بالشأن السياسي العراقي لتقييم أدائه نهاية المئة يوم؟
البيان الوزاري للدكتور عبد المهدي كتب بعناية وهو بمحاوره الخمسة جاء كما جاءت برامج سابقة لإسلافه، ثرياً أنيقاً مرتباً مهندماً فضفاضاً ومجدولاً وفق مراحل محددة تنتهي بنهاية الفترة الرئاسية، دون أن يشخص بوضوح العقبات التي تعترض تنفيذه، وهي كثيرة على رأسها الفساد الذي تكرس وتغلغل بعمق في جميع مفاصل الدولة.
البيان الوزاري فيه الكثير من الوعود التي تدخل تحت باب المثاليات، وربما ترقى إلى مستوى التمنيات في أطر الأوضاع السياسية الراهنة في العراق من جهة، ومدى الحرية التي يتمتع بها عبد المهدي في اتخاذ القرارات لتنفيذها بعيداً عن قيود الكيانات الكبيرة التي تراقب عمله وتترصد هفواته من جهة أخرى.
من السابق للأوان تقويم وزارة الدكتور عبد المهدي التي تعرضت لنقد شديد من قبل بعض الأوساط الإعلامية، فهي لمّا تكتمل بعد إذ لم يتمكن من إمرار سوى ثلثيها في مجلس النواب، معظمهم غير معروفين، ولم يسبق لهم أن شغلوا مواقع وظيفية متقدمة يمكن من خلال أدائهم فيها رسم صورة لما ستنجزه، ومدى ملاءمة قدراتهم مع متطلبات البرنامج الوزاري، وهو ما تسبب في توجيه النقد في وسائل الإعلام.
يباشر عبد المهدي مهام رئاسة الوزارة في ظروف محلية وإقليمية بالغة الحساسية، فعلى المستوى المحلي عليه وبشكل عاجل تقديم ما يخفف من الغليان الشعبي، خاصة في محافظة البصرة التي أطاحت بسلفه وحرمته من ولاية رئاسية ثانية، وعلى المستوى الإقليمي انتهاج استراتيجية منحازة بالكامل لصالح العراق مع قرب فرض المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران التي تتطلع إلى العراق كبوابة للالتفاف على هذه العقوبات والتخفيف من شدتها.
أوضاع العراق لا تزال استثنائية متشظية في كل حدب وصوب منذ خمس عشرة سنة، معالجتها بحاجة ماسة لزعامة سياسية قوية وحازمة تتجاوز التقيد بتوافقات الكيانات السياسية، وهو ما اشترطه عبد المهدي لقبوله التكليف، إلا أن من الصعب القول إنه قد صمد في موقفه أمام ضغوطات هذه الكيانات، وأن خياراته لشخوص وزارته قد جاءت وفق ذلك.
تنفيذ البرنامج الوزاري لحكومة عبد المهدي يتطلب مواجهة شجاعة للقضية الجوهرية، فالإصلاح في العراق يتطلب قبل أي شيء آخر إصلاح النظام السياسي الذي سمح بتقهقر البلد عقوداً من السنين إلى الوراء والعمل على إحالة الأفراد والكيانات السياسية المسؤولة عن ذلك إلى القضاء.
فمن البديهيات التي لا جدال حولها أن تكشف العيوب وتُدان السياسات المنحرفة ويُفضح عرابوها في أطر النظام الديمقراطي في أي بلد من العالم، وذلك للحضور القوي لمؤسسات هذا النظام وللهامش الواسع من الحريات المتوافرة في إطاره، فالفساد بأنواعه من الصعب أن يتفشى في بلدان تحكمها أنظمة ديمقراطية وهي مفارقة محيرة من الصعب تفهمها في الحالة العراقية.