3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 هل يمكن تطبيق العدالة الانتقالية في العراق؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

يحيلنا تعدد مصادر القوة والعنف، في عراق ما بعد الغزو الانكلو امريكي، ما بين الميليشيات وأحزابها وحكوماتها، الى تنوع أساليب طمس الحقيقة، من الإعلامي التضليلي، الناعم، الى الوحشي المتبدي باختفاء المعارضين والاغتيال والاعدامات الجماعية، بعد استخلاص اعترافات تلفزيونية عن تهم مختلقة.
ذلك كله يمر بلا عقاب، على الرغم من توفر قوائم بأسماء من تم اختطافهم، وتصفيتهم من الأكاديميين والصحافيين والعلماء وأئمة المساجد اثناء وجود قوات الاحتلال، بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر المتعاونين معه من ساسة حكومات الاحتلال. هذه القوائم موثقة من قبل منظمات حقوقية، عراقية ـ دولية، أملا في مساءلة المجرمين في مسار تحقيق «العدالة الانتقالية»، في ظل حكومة وطنية، مستقبلا. وهو مسار تم الشروع بتنفيذ نسخة مشوهة منه، أثر الغزو وتحت الاحتلال، مباشرة، فاستخدم كأداة للانتقام تحت مسمى «اجتثاث البعث»، بأيدي ميليشيات وقوى خارجية، مؤديا الى شرعنة القتل والاقصاء، بدلا من ان يستعيد العراقيون عافيتهم الوطنية والشروع ببناء البلد المهدم.
ان تحقيق العدالة الانتقالية، ليس سهلا الا انه ليس مهمة مستحيلة. ولدينا أمثلة حققت خطوات ناجحة في بلدين عربيين هما المغرب وتونس، وبالإمكان الاستفادة من تجربتيهما إذا ما اخذنا بعين الاعتبار تمايزهما الجوهري عن الوضع العراقي، اذ يتمتع كلا البلدين بحكومة وطنية تبنت مسيرة تحقيق العدالة الانتقالية للجميع بلا استثناء، عبر حقب زمنية مختلفة تمتد، في حالة تونس، الى مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي. ولا تكون حصرا لفئة متضررة دون غيرها، كما لا يشرف عليها ذات الساسة الذين ساهموا أو أشرفوا أو كانوا في موقع المسؤولية حين ارتكاب الانتهاكات والجرائم. وهذا ما لم يتم في العراق، حين اقتصر تطبيق كيفية التعامل مع تركة الماضي، على النظر في قضايا ضحايا النظام السابق وتعويضهم وتجاهل قضايا وحقوق مئات الآلاف من ضحايا الغزو والاحتلال على مدى 15 عاما.
مما يثير تساؤلات جوهرية عديدة حول مفهوم «العدالة الانتقالية»، لا تمس فقط انتهاكات حقوق الانسان في حقبة محددة هي الانتقال من نظام دكتاتوري الى ديمقراطي. لكنها تمس، بشكل مباشر، في حالة العراق، ساسة الحكومة « المنتخبة» حاليا، استنادا الى سؤال أكثر تحديدا وهو: هل بالإمكان تطبيق « العدالة الانتقالية» في بلد محتل؟ وهل بالإمكان تنفيذها بشكل مستقل وشفاف من قبل ساسة تعاونوا مع الاحتلال ويتحملون مسؤولية الخراب المتراكم؟ الى أي حد سيكونون قادرين على كشف الحقيقة وقد انخرطوا بطمسها بدرجة أو أخرى، متغاضين عن الجريمة الأكبر، قانونيا واخلاقيا، في جميع بلدان العالم، أي التعاون مع المحتل؟
تسري هذه التهم على معظم الساسة الذين تناوبوا على استلام المناصب منذ عام 2003، ولا تستثنى منها حكومة رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، بل ربما تعنيه أكثر من غيره لأنه كان قد درس وأقام على مدى عقود في فرنسا، وهو أدرى من غيره بمعاقبتها الصارمة للمتعاونين مع الاحتلال النازي، الى حد دفع الرئيس شارل ديغول الى تأسيس المحاكم الاستثنائية الفرنسية سنة 1944، لا بهدف محاكمة المتعاونين مع الاحتلال النازي باعتبارهم قد ارتكبوا جريمة خيانة تخل بالوطنية، فحسب، بل لوضع حد لفوضى التصفيات خارج القانون. يعرف القانون الفرنسي جريمة خيانة الوطن بانها «القيام عمدا سواء بفرنسا او بالخارج بتقديم دعم مباشر او غير مباشر لألمانيا وحلفائها او الاضرار بوحدة الامة او بحرية الفرنسيين او بالمساواة فيما بينهم». الا تنطبق هذه المواصفات على المتعاونين مع الاحتلال سواء من خارج أو داخل العراق خاصة وانه كان قد صنف بانه « محتلا» بقرار من الأمم المتحدة؟
ولا بد ان عبد المهدي يعرف سلم العقوبات الذي حدده ديغول ليضع على رأسها الحرمان من حق الانتخاب والترشح للانتخابات والحرمان من الوظيفة العمومية او شبه العمومية ومن الوظائف السيادية. وسلكت تونس المسار نفسه فكان قانون «تحصين الاستقلال» الصادر عام 1957، الذي تم فيه تعريف المتعاون، تفصيلا، بانه “كل تونسي تعمد اعانة سلطات الحماية بصفة مباشرة او غير مباشرة قبل 31 تموز/يوليو 1954… وكل من باشر وظيفا في مصالح الامن او الصحافة او الاخبار وكل من شارك في المجلس الكبير او مجالس الاعمال او المجالس البلدية… وكل من شارك في تنظيم مظاهرة فنية او اقتصادية او سياسية او غيرها لفائدة الاستعمار». وجاء الحرمان من المشاركة بالانتخابات تصويتا وترشحا والحرمان من جميع الوظائف العمومية من أولويات العقوبة. فلماذا لم يتم الأخذ بهذه العقوبات إزاء المتعاونين العراقيين مع الاحتلال بل وباتوا يحتلون ذات المناصب التي يجب ان يحرموا منها؟
هذه العقوبات تم تطبيقها، فعلا بالعراق، ولكن وفق قانون المحتل فكان قانون «اجتثاث البعث» الذي أصبح خلافا للتجربة الفرنسية بعد التحرير والتونسية (1956 ـ 2011) حملة تطهير منهجية، كما وصفها تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية: «إرث مر… دروس من عملية اجتثاث البعث في العراق». وشكلت حملة التطهير الخلفية لتأسيس « الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة» في عام 2008، التي لم تضع حدا زمنيا لعملية اجتثاث البعث، وبقي عملها، كما هو معنيا بملاحقة المتهمين بالانضمام الى حزب البعث، وان تخللها النظر في إعادة المفصولين ظلما الى وظائفهم، في ظل مناورات وصفقات سياسية في فترات الانتخابات، على الرغم من اسمها المقترن الى حد ما بالعدالة الانتقالية والمفترض ان يشمل انتهاكات وجرائم الحقب السياسية المختلفة.
إن أعمدة العدالة الانتقالية ترتكز على إظهار الحقيقة والمساءلة والمحاسبة والحيلولة دون تكرار الانتهاكات وانصاف الضحايا والمصالحة وان يتم ذلك وفقا لمعايير مقررة وطنيا. وهي النقطة الأكثر أهمية التي تعيدنا الى السؤال الملح: ماذا عمن تعاون مع المحتل، وماذا عن جرائم المحتل نفسه وكل الاضرار التي سببها؟ هل بإمكان المتعاونين معه مطالبته بالتعويضات، قانونيا، من اجل انصاف الضحايا؟
2 برنامج حكومي بطول العراق … لنصف حكومة جورج سمعان الحياة السعودية

انطلق قطار عادل عبد المهدي. وانطلق بنصف حكومة أو أكثر بقليل. نال الثقة مع 14 وزيراً وتأجل بت مصير 8 مرشحين لثمانية حقائب. لكن برنامجه الحكومي كان طويلاً طويلاً، نحو أربعين صفحة. حتى أن أحد النواب المستقلين، فائق الشيخ علي، انتقده متسائلاً بسخرية «هل يوجد برنامج طوله من باب السلالمة بكربلاء إلى باب الطوب بالموصل»؟ وقال إن البرنامج «لن يستطيع تشرشل ولا كليمنت إتلي ولا أديناور تطبيقه، حتى لو ساندهم هتلر وموسوليني وصدام حسين»! ربما لهذا السبب لم يتسن للنواب في جلسة الثقة مناقشة البيان الوزاري. بل لم يهتموا بذلك بقدر اهتمامهم بالتنافس على اقتسام الحقائب حتى الساعة الأخيرة قبل أن يعتلي رئيس الحكومة الجديد، ليل الأربعاء الماضي، المنصة لمخاطبة البرلمان. فقد سبقه إلى مثل هذه البرامج الطموح سلفاه نوري المالكي وحيدر العبادي. ولم يتحقق سوى القليل من برنامجهما. بل تفاقمت في عهدهما أوضاع العراق الاقتصادية والأمنية، وتعمقت الخلافات السياسية. إلا أن الشيء الوحيد الذي ترسخ هو نظام المحاصصة. لذلك، تضاربت ردود الفعل وتقويم الخطوة الأولى للوافد الجديد إلى رأس السلطة التنفيذية في العراق.
الثابت من الأسماء التي قدمها عبد المهدي إلى مجلس النواب وتلك التي أرجأ تقديمها إلى وقت لاحق أن المحاصصة لم تغب. وإن جاءت تحت غطاء عدد من التكنوقراط في حقائب أساسية، مثل الخارجية والنفط والكهرباء. وبدا واضحاً أن الموقع الإلكتروني الذي أطلقه لفتح باب الترشيحات لحكومته، أرضى بعض الشارع. وعبر ربما عن طموحه وحلمه بإخراج العراق من اللعبة السياسية المستمرة منذ 15 سنة. وحتى إعلان مقتدى الصدر وهادي العامري منحه حرية التصرف والاختيار كان ذراً للرماد في العيون. والتوافق بين الرجلين لم يكتمل عندما أزف الاستحقاق، وحال راعي تيار «سائرون» دون تمرير فالح الفياض مرشح «الفتح» لحقيبة الداخلية. طغت مواقف الأحزاب وليس الكتل البرلمانية على الاستشارات السرية وحتى العلنية. وبدا أن الجميع يدور في فلك القوتين الشيعيتين الرئيسسيتين. وتفاقم الخلاف بين أهل السنة الموزعين بين تلك القوتين على حقيبة الدفاع. ولم ترض القوى الصغيرة بما قسم لها أو لم يقسم، مثل المسيحيين والتركمان. وحتى البصرة عبرت عن امتعاضها من غياب أي ممثل لها في الحكومة الجديدة. أما الكرد فلم يجدوا بعد طريقهم إلى التفاهم. فالحزب الديموقراطي يرغب في الاستئثار بالحصة الكردية ما دام حصد المرتبة الأولى في برلمان كردستان. وما دام الشريك الآخر، الاتحاد الديموقراطي، نال موقع رئاسة الجمهورية. ولا يعرف كيف ستدار الأمور بين الطرفين، وبين بغداد وأربيل، في ظل التنافر بين مسعود بارزاني وبرهم صالح!
الحزب الشيوعي، شريك الصدر في «سائرون» رحبت لجنته المركزية بما سمته «الحراك» في جلسة الثقة. ورأت أنه «حقق خطوة نحو تجاوز نهج المحاصصة، ونجح في إخراج الحكومة جزئياً من هذا النهج». وعزت الفضل إلى كتلة «سائرون» التي خرج راعيها الصدر أول الفائزين في هذه الحكومة العرجاء. ويعني ذلك أنه لم يطلق يد عبد المهدي كما وعد في تصريحاته. بل نجح في تأجيل التصويت على الثقة بباقي الوزراء، لخلافات سياسية وشخصية، بالتعاون مع شريكه حيدر العبادي الذي كان أقال الفياض من موقعه مستشاراً للأمن القومي ورئيساً لهيئة «الحشد الشعبي»، إثر انشقاقه عن كتلة «النصر» والتحاقه بكتلة «الفتح». لكن المحكمة الإدارية أبطلت هذا القرار. لا يعني ذلك أن كتلة «الحشد» فقدت موقعها الحكومي. الكرة في ملعبها الآن وعليها أن تختار شخصاً آخر للداخلية التي تحرص إيران على أن يكون شاغلها قريباً منها. ولعل خير تعبير لوصف ما حدث ساقه إياد علاوي رئيس ائتلاف «الوطنية».
وصف النافذة الإلكترونية لتلقي طلبات الترشيح بأنها «مجرد خداع». وقال أن تشكيل الحكومة الجديدة تسيطر عليه كتلتان شيعيتان مهيمنتان على المشهد السياسي للبلاد وهما «سائرون» و «الفتح». ومثله كثيرون، وبينهم مراجع دينية، لم يجدوا في التشكيلة الجديدة خروجاً عن النظام السياسي القائم. بل إن بعض القوى الصغيرة، من تركمان وسنة وغيرهم ممن طغى عليهم تأثير القوى الكبرى، عبر عن غضبه واحتجاجه.
لم تترك الأحزاب السياسية هذه المرة الخيار الكامل لعبد المهدي. وشوهد رموز منها في باحة البرلمان يشاركون في «الصفقة» وهم ليسوا أعضاء في المجلس! والمهم الآن أن قطار الحكومة أقلع وإن بعربة واحدة. ولا يعني ذلك أن ما حققه الصدر سيكون على حساب إيران والقوى الحليفة. طهران ليست قلقة على حصتها في بغداد، ما دامت القوى الشيعية هي التي تقتسم الحكم وتوزع الحصص. كما أن رئيس الحكومة الجديد لا يمكنه الخروج عليها. ولا واشنطن قلقة، بل هي رحبت بالحكومة وبعض الوزراء. التفاصيل لا تعني هذين الطرفين الخارجيين ما دام «التوازن» بين حضورهما قائماً وثابتاً. المهم كيف سيحافظ عبد المهدي على حياده أو استقلاله، وكيف سيترجم برنامجه الطويل، في حين أنه لا يتمتع بغطاء حزبي بمواجهة الضغوط الهائلة للقوى الحزبية والطائفية. لجأ الآن، كما فعل سلفاه، إلى تولي حقيبتي الداخلية (للشيعة) والدفاع (للسنة) بالوكالة. حاول بالموقع الإلكتروني للمرشحين أن يعطي أملاً للشعب باختيار الكفوئين للوزارة الجديدة. لكن الواقع شيء آخر. رضخ بطريقة مواربة لـ «نظام المحاصصة». بات اليوم أمام امتحان كبير. كيف سيوفق بين جشع الأحزاب ورغبات الشارع الذي قال كلمته في الانتخابات سواء بالمقاطعة أو بمعاقبة بعض القوى. والذي بات رقماً في المعادلة السياسية. ألم يجبر هذا الشارع القوى على تبديل شعاراتها ومسمياتها للإيحاء بخروجها من عباءة الدين أو التبعية لهذه القوة الخارجية أو تلك؟

حيدر العبادي ورث تركة ثقيلة من سلفه نوري المالكي. ونجح في قيادة المعركة على الإرهاب، وفي إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية. لكنه أخفق في القضاء على الفسادين الإداري والمالي، وفي تجاوز نفوذ الأحزاب والقوى التي لن تتوقف عن زج مناصريها ومحازبيها في مفاصل الإدارة التي أثقلها عبء الموظفين في القطاع العام. يناهز عددهم سبعة ملايين يستنزفزن ما يربو على ثمانين في المئة من الموازنة العامة! والسؤال هل سيكون بمقدور عبد المهدي رد عقارب الساعة إلى الوراء واختصار هذا العدد الهائل من البطالة المقنعة؟ وماذا يبقى من المال العام لتوفير الخدمات وإعادة تأهيل البنى التحتية والمدن التي دمرتها الحروب المتتالية، والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات، فيما العراق يعتمد اعتماداً شبه كلي على عائداته النفطية لتمويل الخزينة؟ كيف سيحقق للمواطنين الذين كانوا يندفعون إلى الشارع في احتجاجات متكررة منذ 2010 رغبتهم في قطع دابر الفساد؟ هم يريدون رؤوساً تقطع، ولعل هذا مقياسهم لنجاح أي رئيس حكومة. هم لا يعيرون بالاً للظروف التي تحيط بهذا الملف الذي لا يمكن طي صفحته من دون تعاون قوى خارجية لجأ إليها الفاسدون. فالرشى وسرقة المال العام عرف أبطالها كيف يفيدون من الثغرات أو الآليات القانونية وما تتيحه المؤسسات المالية والشركات في الخارج. لذا، يبدو صعباً تقديم رؤوس كبيرة إلى القضاء.
ما يلح عليه العراقيون توفير الخدمات ووقف الفساد أولاً وأخيراً، ووقف التدخلات الخارجية. يريحهم أن يعلن عبد المهدي أن العراق سيعطي الأولوية لمصالحه الخاصة واستقلاله في ما يخص مساعدة الولايات المتحدة في تطبيق العقوبات على إيران. قال: «نريد أن نبعد العراق من أي تدخل في قضايا الدول الأخرى وشؤونها، سواء بلد مجاور أو أي بلد آخر في العالم». سار في هذا على منوال سلفه ولكن بتعبير مختلف. حملت طهران وحلفاؤها على العبادي وكان استعجل في موقفه قبل بدء العقوبات.
علماً أنه جاهد لإخراج العراق من تركة ثقيلة خلفها سلفه ونجح في الإبقاء على حد معقول من التوازن بين القوى الداخلية والخارجية المؤثرة والفاعلة. لكن الظروف الحالية المحيطة ببلاد الرافدين ستشكل عبئاً كبيراً على عاتق عبد المهدي. ستواجه الجمهورية الإسلامية بعد أيام الوجبة الثانية من العقوبات الأميركية الأشد.
وهي تعول على العراق بوابة رئيسية بين بوابات أخرى للالتفاف على هذه العقوبات. فهل يستطيع رئيس الحكومة الجديد حمل «جمرة التوازن» بين طهران وواشنطن وتجنيب مواطنيه تداعيات هذا الصراع الجديد؟ وقبل ذلك، هل يمكنه مواجهة المشكلات الداخلية التي عجز سلفه عن حلها؟ قد يمنحه الشارع والقوى الحزبية فترة سماح سنة، طالت أو قصرت، من أجل جني ثمار برنامجه «الطويل» طول العراق وعرضه… إلا إذا لجأ إلى الاستقالة التي يضعها في جيبه كلما جبهته الصعاب، كما فعل في السابق!
3 في حادثة خاشقجي: زهو القوة الغادر المخاتل د. فهد العرابي الحارثي الرياض السعودية
لا أدري لماذا التغافل عن حقيقة أن القصص المتعلقة بمغامرات الأجهزة الأمنية في كل بلدان العالم لا تخلو من «التجاوز» أو الذهاب إلى أبعد من التعليمات الحاكمة للمهمة، وذلك إما بفعل الاجتهاد الفردي، أو بفعل زهو القوة، وغرور النفوذ، والنزوع إلى السيطرة، فللمغامرة سكرات خطيرة وقاتلة في أحايين ليست بالقليلة، قرأنا وسمعنا عن ذلك في حالات كثيرة في الشرق وفِي الغرب، والملفت أن الأجهزة الأمنية في محيطنا العربي لم تنج من هذه الوضعية المريبة المرتابة، فنعرف أن هناك أجهزة أمنية تجاوزت، بنشوة القوة وزهوها، المساحات الممنوحة لها، وتمادت في استغلال الثقة، بل لعلها جعلتها حقاً مكتسباً لا ينازعها فيها أحد، لتتحول إلى وحش بغيض ينهش أو يلتهم كل من يعترض طريقه، ولاداعي الآن للاستغراق في تسمية بعض الأمثلة هنا عربيا، فهي موجودة ومعروضة في مذكرات بعض الأمنيين ممن أرادوا إزاحة العبء الثقيل الذي يرزح فوق ضمائرهم، والحق أن الأجهزة الأمنية العربية لا تختص بهذا فقد عرف عن أجهزة أمنية في العالم الحر ومن لفّ لفه بأنه من الصعب أحياناً كبح جماح نشوة الشعور بالقوة، وزخم النفوذ، اللذين ينتج عنهما الزهو الغادر المخاتل، فهكذا تصرفت كتائب الـ CIA والـFBI تجاه المناوئين للسياسات الأميركية في الداخل الأميركي وفي الخارج، و لاسيما فِي الحديقة الخلفية للدولة العظمى (أميركا اللاتينية) وهكذا كانت آخر ساحات سكرات نشوتها وعذاباتها في العراق، وفِي سجن أبو غريب تحديداً (ومثلا) وكل ذلك كان مما لا يلتقي ولا يتفق أبداً مع القيم الأميركية التي تزهو أميركا دائماً بأنها هي هدفها فوق الكوكب مهما كان الثمن! لقد كانت تخرج أميركا للعالم لتنكر ما حدث أو تقول أن هذه تصرفات فردية، وأن الإدارة السياسية على غير علم بها، فهي تدينها، ولا تقبل بها، ومطلوب من العالم أن يأخذ بروايتها، وليس له أن يشكك بها، أو يتساءل حولها، ولو فعل ذلك فالدولة العظمى لا تأبه به ولا بما يقول مهما علا شأنه،