1 دولة المحاصصة باقية وتتمدد في العراق
حامد الكيلاني العرب بريطانيا
كنت أحب القطارات وأعشقها في طفولتي، لأنني ولدت ونشأت في محطات القطار؛ لكنّ واحدا منها صدمني وصاغ بعض رؤيتي للحياة وتناقضاتها عندما وصل قطار “السلام” إلى الموصل محملاً بالإرهاب وحباله التي سحلت عروبة العراق وعلقتها على أعمدة النور وأحرقت البيوت وأوغلت بالانتقام وارتكاب المجازر.
اكتشفت حينها في سنة 1959 ولأول مرة أن الدولة والنظام السياسي بإمكانهما تطويع كلمة الموت وصهرها لتصب منها وجهاً مضاداً بملامح السلام تصفّق له جموع الشعب كما تروج له الدولة.
في ذلك المكان والزمن، لم أكن متطلبا بكثير من الأسئلة لأفهم أثر النظام السياسي وتوجهات الأحزاب ومناصريها المأخوذين بانتمائهم المجرد فقط.
استقيتُ الأجوبة من جار لنا وضعته أقداره في طريق لحظة بدت كأنها غوغائية ومفاجئة لمجموعة بشرية تناست أنه صديق لأسرهم، واستحضرت فقط أوجه التشابه في تقاسيم الوجه بينه وبين رئيس عربي؛ فما كان منهم إلا مهاجمته رغم توسلاته ومقاومته بكلمة “العيب” وترديد لائحة أسماء آبائهم؛ لكنهم تمادوا بتقييد يديه وأركبوه فوق حمار بالمقلوب وساروا به ينددون بالعروبة ويرمونه بالحجارة التي استنزفت دمه وكرامته وغيظ أبنائه لإنقاذ أبيهم.
مازال رجل القطار ذاك، يمر على حماره كلما حضر الشتاء في بلاد توقفت في محطة الاحتلال الأميركي لتجد نفسها رهينة توقيت ليل طويل لا تفارقه لحظة الانتقام وتكرار إرهابها ونزعاتها المريضة بتجارب سلطات ولدت من إشكالية معقدة يمثلها الاحتلال والإصرار المتعمد على اعتباره محطة لبداية التغيير في العراق.
رغم أن الأحزاب الحاكمة تفوق وتتفوق في سيرتها على هؤلاء الذين وضعوا العراق ومصيره وعروبته ذات يوم تحت مرمى حجارتهم مع كل أعرافهم وتقاليدهم وسجايا أسرهم، وبقرار مسبق لإسقاط الوطن الطيب الذي حاول جاهدا النهوض على قدميه مستعيدا ولو بعضاً من الأمل بحثا عن مكانة إنسانية وحضارية يستحقها مع أمته العربية.
الخلافات الحادة والمواجهات السياسية أو المسلحة والإرهاب والإبادة وتدمير المدن بعد الاحتلال، لا تحكمها الصدفة أو اللحظة الطارئة، أو اتهامات تزوير لانتخابات هي أساسا مقيدة إلى قطار يتحرك بالملايين من الذين يعتقدون أنهم يتطلعون إلى مستقبلهم رغم إنهم يمرون ويعبرون ويتوقفون يوميا في محطات متعاقبة من حكومات الاحتلال، حيث الموت ورحيل أجزاء من أثمن ما لديهم من أخوة الوطن أو ثروات مادية أو بيئية أو صفات وراثية طبعت التنوع الثقافي والنسيج الاجتماعي والديني والقومي والإثني الذي أثرى حياة العراقيين، وكان ملاذاً لهم يأمنون ويحتمون به من مصائب الغزاة أو مزاج من يتسلط عليهم.
فاقد الشيء لا يعطيه، والواقع لا ينبئ ببناء دولة بالأحزاب الحالية وتحالفاتها وشخوصها ومحاورها المجربة على مدى سنوات ما بعد الاحتلال؛ إذ كان بالإمكان مع تراكم آثام من تعاون مع المحتل لأسباب يعتقد أنها مبررة، أن ينقلب حتى على نفسه بعد تولي السلطة ليقول قولته في رفض واستهجان النظام أو الحزب الذي ينتمي إليه انتصارا لشعب تعرض لسلسلة متواصلة من عمليات الإرهاب والإذلال.
محطات قطار العراق بعد يوليو 1958 شهدت مفترقات سياسية حادة، أصعب ما فيها أننا رأينا الإخوة في البيت الواحد يختلفون ويتقاتلون تعصباً لاختياراتهم وقناعاتهم المبدئية أو الشكلية في الانتماء إلى هذا الحزب أو حب ذاك الزعيم
ثمة خيوط رابطة بين الأنظمة السياسية على تباين الشخصيات، فالقاعدة تتكون من تاريخ خيانتهم للعراق وليس نضالهم السياسي والفكري لخدمة قضية الوطن الذي دأبت عليه عادة أحزاب المعارضة في دول العالم.
يكفي أن تاريخهم جاء بالاحتلال الأميركي، لإدانتهم بالخيانة العظمى إضافة إلى ظواهر الفساد والسرقات والإثراء وإشهار الولاء للمذهب والطائفة الذي تحول إلى معبر لتطبيع العلاقة مع الاحتلال الإيراني وتبريراً لخيانة العراق والإيقاع بشعبه في حرب أهلية طاحنة، مازالت تلقي بمخلفاتها من بين رحاها على شكل تجاذبات ومصالح واستنفارات مبطنة للاستيلاء على وزارات دسمة بالتعاقدات والأموال، أو للتلويح باستتباب المشروع الإيراني في العراق، أو في إرادة ميليشياته المنضوية للحشد الطائفي، كلازمة مؤسساتية يصر عليها رئيس وزراء الحكومة الجديدة عندما يضعها مع البيشمركة الكردية والقوات النظامية تحت سقف المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تحمي العراق، وكأنه يريد أن يوصل لنا بديهية إبقاء سلاح الميليشيات بحوزة أهدافها في حصره فعلا بصلاحيات دولة لن تغادر نظام المكونات والمحاصصة الطائفية والقومية والسياسية.
حصص تقاسم المناصب الوزارية وتوزيعها، إشارة إلى تعداد سكاني لتقسيم عروبة العراق طائفيا، مع عزل الأكراد ككتلة غير متجانسة مع حكومة المركز أو بين حزبيها الرئيسيين، الذي يرى أحدهما في مدينة كركوك مدينة محتلة من حكومة بغداد.
الهوى الكردي يرى في المادة 140 من دستور الاحتلال حلا يقترب من الاستحواذ على قدس الأقداس لحلم الدولة الكردية المستقلة في العراق؛ دون أن ننسى التذكير بالهوى الإيراني في ضمّ مدينة السليمانية لاعتبارات تاريخية لا يجهلها حزب الاتحاد الوطني ولا يصطدم بها، مع أنه يداريها بتقارب المواقف مع حكومة الاحتلال الإيراني أو مع النظام الإيراني بتفاهماته وزياراته المتبادلة، وما أسفرت عنه من فوز مرشحهم برئاسة الجمهورية داخل برلمان أصبحت فيه الكلمة العليا لإيران في السياسة والسلاح.
محطات قطار العراق بعد يوليو 1958 شهدت مفترقات سياسية حادة، أصعب ما فيها أننا رأينا الإخوة في البيت الواحد يختلفون ويتقاتلون تعصباً لاختياراتهم وقناعاتهم المبدئية أو الشكلية في الانتماء إلى هذا الحزب أو حب ذاك الزعيم.
تلك النزاعات في حساباتنا، على ضراوتها وقساوتها وجنونها لم نتوقع أن تصل إلى ما وصلت إليه من حدود عنف وتشظي وعدمية، إلا مع انطلاق قطار المشروع الطائفي الإيراني لنظام الملالي من محطته في فبراير 1979، وبصعود هؤلاء الركاب من حكام اليوم الذين قدموا نموذجاً في مبالغة الخيانة، حيث لا تنفع معهم كل مفردات قاموس “العيب” لإنقاذ العراق وبقايا عروبته.
2 العراق..بين السيستاني والخميني جينيف عبدو الاتحاد الامراتية
استغرق الأمر خمسة أشهر منذ الانتخابات الوطنية في العراق، لكن أصبح للدولة أخيراً رئيس وزراء جديد هو عادل عبدالمهدي. لكن في الحقيقة، لا هو ولا الرئيس الجديد برهم صالح، ولا الزعيم الديني مقتدى الصدر، الذي فاز تحالفه بأغلبية المقاعد البرلمانية في مايو، سيكون له التأثير الأكبر على ما إذا كان العراق سيجري الإصلاحات الضرورية ليصبح دولة مستقرة ومزدهرة. والشخصية المحورية هو آية الله علي السيستاني، البالغ من العمر 88 عاماً، وهو رجل الدين النافذ بين الشيعة في العراق.
وعلى رغم من أن السيستاني يتبع عرف البقاء عموماً بعيداً عن الدور المباشر في السياسة، فإنه انخرط على مدار أشهر في المفاوضات الجانبية لجمع الفصائل المتنازعة التي توصّلت في نهاية المطاف إلى اتفاق حول تسمية عبدالمهدي، وهو خبير اقتصادي ونائب رئيس سابق.
ويعتبر وضع السيستاني في قمة هرم سياسي أمر غير مسبوق بالنسبة لرجل دين عراقي. وطوال تاريخ الشيعة، وحتى ثورة 1979 التي أدت إلى إنشاء نظام ثيوقراطي في إيران، كان رجال الدين الشيعة يرفضون الاضطلاع بأنفسهم بصورة مباشرة في شؤون الدولة.
لكن آية الله الخميني، مرشد الثورة الإيرانية، هو من أحدث تغييراً جذرياً في دور كبار القادة الدينيين بمفهومه ولاية الفقيه، وكان منطق الخميني في دخول السياسة مرتكزاً على فكرة أنهم كنواب على الأرض للإمام الغائب، المهدي، فإن رجال الدين، لاسيما نفسه، لهم سلطة سياسية مطلقة على كل الشيعة.
ويرفض السيستاني، وهو أيضاً مواطن إيراني، فكرة ولاية الفقيه، لأنه يعتقد أنها تفضي إلى الديكتاتورية، وخير مثال على ذلك إيران. لكنه تخلى عن عرفه غير السياسي لأنه يدرك أن الدولة العراقية ضعيفة في الوقت الراهن، ومحاصرة في صراع حزبي وعرضة لخطر الطموحات الاستراتيجية الإيرانية.
ونقل عنه قلقه الشديد من أن إيران لعبت دوراً كبيراً بصورة متزايدة في العراق منذ سحب الولايات المتحدة معظم قواتها من العراق في عام 2011. ولا يعني ذلك أن رجل الدين الأقوى في العراق متحالف دائماً أو خاضع للمصالح الأميركية، فهو أولاً، وقبل كل شيء، قومي.
وتشير مصادر دينية في مدينة النجف العراقية المقدسة عند الشيعة أن لعب السيستاني دور بارز في الحكومة حالياً، هو بدافع «الضرورة». بيد أن الخميني استخدم المفهوم ذاته عندما نصّب نفسه زعيماً مطلقاً لإيران، بعد أقل من عام على عودته من المنفى لقيادة الثورة.
وعلى رغم من ذلك هناك فارق مهم بين الطريقتين اللتين فسّر بهما الرجلان «الضرورة». فالسيستاني يرى أنه من الضروري اجتماعياً وأخلاقياً الحفاظ على المصلحة العامة، والتي يطلق عليها «الحسبة»، وتقتضي وجود شخص نافذ للتدخل من أجل «التوجيه بتطبيق الصالح ومنع الخطأ». وأما الخميني لم يُفرّق بين مصلحة الشعب ومصلحة الحكومة.
ولا يستمد السيستاني نفوذه بالتعيين مثل المرشد الإيراني علي خامنئي. ورغم أن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها نفوذه الديني على الحياة اليومية لأتباعه في العراق وخارجها، للانخراط بصورة مباشرة في السياسة الحزبية، إلا أنه أكد في السابق سلطته في مساعدة الدولة. فقد حضّ العراقيين على محاربة تنظيم «داعش»، ولعب في عدد من المناسبات دور الطرف المحايد بين إيران والولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، كان على خلاف مع الصدر، الذي حارب أنصاره في السابق القوات الأميركية واعتبروا أن على الولايات المتحدة مغادرة بلادهم.
وبتوسيع دوره إلى خارج النطاق الديني ليتضمن قضايا مثل الحفاظ على النظام العام، يمكن أن يرسم السيستاني مساراً جديداً ودائماً للمؤسسة الدينية العراقية المعروفة بـ«المرجعية». لكن المهم هل يمكنه مواصلة القيام بهذا الدور الكبير؟ وهل سيخرج بعد وفاته مزيداً من رجال الدين القادرين على ممارسة تأثير مماثل؟
ربما يرغب بعض العراقيين في استمرار تدخل السيستاني، لأنه على أي حال شخص يمكنه التوصل إلى الحلول الوسط، فهو لم يستخدم نفوذه القوي للمساعدة في حلحلة الجمود بشأن تشكيل الحكومة الجديدة فحسب، لكنه أسهم أيضاً في وصول «برهم صالح» إلى منصب الرئيس. (وعبدالمهدي، من التكنوقراط ويعتقد أنه أكثر حياداً في المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران).
وقد أظهر دور السيستاني في كل ذلك ذكاء سياسياً. ففي البداية أصدر فتوى بأنه لا ينبغي أن يتولى أي سياسي خدم في منصب عام في الماضي منصب رئيس الوزراء. لكن بحسب محمد رضا، نجل السيستاني، تم إعفاء عبدالمهدي من هذا القيد لأنه كان قد استقال من أحدث مناصبه كوزير للنفط العراقي قبل إتمام مدته.
وقد تمكن السيستاني، في معرض مساندته لعبدالمهدي، من الإطاحة بمرشحين آخرين من المنافسة يخضعان بقوة للنفوذ الإيراني، هما: نوري المالكي الذي تولى رئاسة وزراء العراق من 2006 إلى 2014، وهادي العامري، زعيم الميليشيا الذي حصل ائتلافه على ثاني أكبر عدد من مقاعد البرلمان في مايو. واستغل السيستاني إحدى خطبه في أيام الجمعة لانتقاد المالكي بصورة غير مباشرة، قائلاً للعراقيين: «إياكم والسقوط في فخ من أفسدوا ومن فشلوا».
ويرى السيستاني ورجال دين آخرون أن إيران تمارس نفوذاً أكبر مما يحتمل على العراق، وعملوا لسنوات على تقليص نفوذ طهران. ويقول جواد الخوي، الباحث الديني والأستاذ في النجف، «إن هناك رغبة بين المرجعية والشعب في تولي حكومة وحدة وطنية حقيقية جديدة». لكن مثل كثيرين في العراق، تخشى المؤسسة الدينية من التدخل الخارجي.
3 العوامل الجيوسياسية تحوم حول أسواق النفط وليد خدوري الحياة السعودية
أيام معدودة تفصلنا عن تجديد العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ولكن الأسعار تتراجع. فبعد ارتفاع سعر «برنت» إلى نحو 86 دولاراً في الفترة الماضية، عاد وانخفض تدريجاً إلى نحو 76 دولاراً، على رغم اقتراب موعد العقوبات واحتمال منع نحو 1.4 مليون برميل يومياً من الصادرات الإيرانية البالغة نحو 2.4 مليون برميل يومياً.
وعلى رغم أن العقوبات الأميركية تفرض مقاطعة شاملة للصادرات الإيرانية، يتضح أن إيران ستنجح في اختراق هذا الحصار بطرق مختلفة. فمن جهة، عمدت إلى بدء الشحن قبل الحصار وإرسال ناقلاتها محملة بالنفط لترسو قرب الأسواق الآسيوية وتفريغها بعد العقوبات. وهناك الحسومات على الأسعار لترغيب المصافي بشرائه الآن وتخزينه، إضافة إلى الاتفاق مع الدول الأكثر استيرادا للنفط الإيراني، أي الصين والهند، لدفع قيمة النفط المستورد بعملاتها المحلية بدلاً من الدولار، وتفادي التعاملات المصرفية مع الجهاز المالي الأميركي. وهناك تفاهمات واتفاقات مع الدول المجاورة، أي روسيا، العراق، وتركيا، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، التي لها في إيران شبكات من أنابيب النفط والغاز.
وعلى رغم هذه المحاولات لتفادي الحصار الشامل، تراجعت واردات كوريا الجنوبية من النفط الإيراني إلى الصفر في أيلول (سبتمبر) الماضي، واستطاعت سؤول تعويض الإمدادات الإيرانية عبر الاستيراد من أستراليا والولايات المتحدة. واستوردت كوريا الجنوبية 148 مليون برميل من النفط عام 2017، شكلت النفوط الإيرانية 15 في المئة منها.
وتستمر الدول الأوروبية في استيراد النفط الإيراني والتعاون الاقتصادي معها، للحفاظ على عضويتها في الاتفاق النووي، على رغم انسحاب الولايات المتحدة منه. وأخيراً وليس آخراً، يبقى احتمال اللحظة الأخيرة لتجنب واشنطن وطهران المواجهة، والولوج في مفاوضات مطولة للحفاظ على الاتفاق النووي، مع إدخال بعض التعديلات. ويوجد احتمال أن يكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسلوبه السياسي الذي استعمله مع كل من كوريا الشمالية و»اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية» (نافتا) مع المكسيك وكندا، الذي يعتمد تهديد الخصم بأقسى العقوبات، ثم بدء المفاوضات.
ومن الأسئلة المطروحة، هل يشكل الحصار على الصادرات النفطية الإيرانية شحّاً في الأسواق، وإلى أي مدى؟ وهل يمكن تعويض النقص في الصادرات الإيرانية؟ وفي هذا السياق، يوجد طاقة إنتاجية إضافية تسمح للدول المصدرة تعويض تراجع النفط الإيراني، وهذه الطاقة متوفرة عند السعودية خصوصاً، إضافة الى روسيا والولايات المتحدة (النفط الصخري) والعراق والامارات. ولكن الوضع تفاقم في ظل نقص إنتاج كل من ليبيا ونيجيريا وفنزويلا وكازخستان. وتُظهر التجارب السابقة أن كلما تقلصت الطاقة الإنتاجية الفائضة، خصوصاً عند الدول النفطية الكبرى، كلما تتخوف الأسواق من تهديد لأمن الطاقة، ما يرفع الأسعار ويؤدي إلى تقليص الطلب على النفط لاحقاً، وتدهور الأسعار.
وعلى رغم إمكان تعويض نقص النفط الإيراني، هناك 3 عوامل تُقلق الأسواق، فماذا إذا قررت إيران تنفيذ تهديداتها بإغلاق «مضيق هرمز» أمام كل الصادرات النفطية الخليجية البالغة نحو 15 مليون برميل يومياً، ما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية خطيرة، إذ لا يمكن تعويض هذا النقص على رغم وجود بنية تحتية من أنابيب وموانئ لشحن نحو 7 ملايين برميل يومياً من النفط السعودي عبر البحر الأحمر ونحو مليوني برميل يومياً من النفط الإماراتي من بحر العرب جنوب «مضيق هرمز». ومن الممكن أن يؤدي اغلاق مضيق هرمز، على رغم ضآلة هذا الاحتمال الذي لم يحصل سابقاً، إلى رد فعل عسكري أميركية على المنشآت النووية الإيرانية وعلى منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية، ما سيؤدي الى زيادة عالية في أسعار النفط ويهدد اقتصادات الشرق الأوسط.
وستشكل أي زيادة عالية وسريعة للأسعار إلى ارتفاع في أسعار النفوط الأميركية، في ظل خط أحمر أميركي للأسعار المحلية للبنزين، فأي سعر أعلى من 3 دولارات لغالون البنزين في الولايات المتحدة يؤدي إلى استياء شعبي نظراً إلى الاستعمال الواسع للمركبات. وهذا الأمر سيترك بصمة في نتائج الانتخابات التشريعية بعد أسبوعين تقريباً، والتي ستقرر إلى حد بعيد مدى نفوذ ترامب، خصوصاً إذا خسر الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب، كما هو مرجح.
ويتوجب أيضاً الأخذ في الاعتبار التطورات والتداعيات لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، إذ هدد ترامب بفرض بعقوبات على السعودية، التي ردّت بتهديد مضاد بفرض عقوبات أيضاً. وتتردد إشاعات عن إمكان فرض السعودية حظراً نفطياً مشابهاً لحظر عام 1973، ولكن الرياض نفت ذلك جملة وتفصيلاً، إذ صرح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح في مقابلة مع وكالة «تاس» الروسية بأن «ليس لدى السعودية أي نية لتكرار المقاطعة النفطية كما حصل عام 1973، أو استعمال النفط سلاحاً». وأضاف: «حكومتنا تتعامل مع هذه القضية من خلال القنوات السياسية المعنية، والسعودية دولة مسؤولة، إذ استخدما لعقود عدة النفط كعامل اقتصادي مسؤول عبر تحييده عن السياسة».
ويبقى سؤال آخر من دون جواب حتى الآن، ماذا ستكون ردود فعل الولايات المتحدة تجاه الدول والشركات التي ستستورد النفط الإيراني بطريقة أو بأخرى؟ فالدول المعنية عديدة ومهمة، إذ تشمل الصين والهند وأعضاء السوق الأوروبية المشتركة التي أعلن وزراء خارجيتها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تحديهم للعقوبات الأميركية. هل ستواجه واشنطن كل هذه الدول بفرض عقوبات عليها وعلى شركاتها؟ وماذا ستكون ردود فعل الدول والشركات التي ستلاحقها واشنطن؟ وتتمثل أهمية القرار الأوروبي بتوفير الحماية القانونية للشركات الأوروبية التي تتعاون مع إيران في ظل القوانين الأوروبية، ما يعني ليس فقط حق تحميل النفط الإيراني بل أيضاً الاستثمار في الصناعة الإيرانية.
وسيؤدي الحصار الأميركي، كغيره من العقوبات التي فُرضت خلال العقود الأخيرة، إلى تفاقم المشكلات التي تواجه الاقتصاد الإيراني المنهك، والتي تتمثل في انهيار قيمة الريال أمام الدولار وتأجيل العديد من المشاريع النفطية، ما سيؤخر تطوير الطاقة الإنتاجية النفطية.3 مقالات عن العراق