ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
1 | عادل عبد المهدي وتحديات المرحلة المقبلة
|
عبد اللطيف الزيدي
|
راي اليوم بريطانيا | ||
لم يكن متوقعاً إلى حد كبير أن يتم تكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة رغم حضوره الطبيعي وتاريخه السياسي، فقبل احتلال العراق كان في المعارضة وبعده في العملية السياسية في داخل البلاد، وذاك كون الأغلبية تعلم بأن حصة رئاسة الوزراء لحزب الدعوة ومن الصعوبة بمكان التنبؤ أنها ستخرج منهم بعد أكثر من عقد ونصف من عمر العملية السياسية التي جاء بها المحتل الاميركي والتي تناوب عليها الحزب سنوات ليست بالقليلة من خلال السيد المالكي ومن بعده السيد حيدر العبادي، وكان الاعتقاد الجازم بإن العبادي هو الأجدر بالمنصب كونه حقق مكاسب كثيرة في فترة حكمه، ولعل أبرزها هزيمة تنظيم “داعش”. وبعد إجماع أكبر كتلتين وهما الإصلاح والبناء، على تقديم السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة تصاعدت الأصوات على ضرورة تنصيب وزراء تكنوقراط، بينما كتل أخرى تنادي بأن يكونوا بعيدين عن الأحزاب، وقسم آخر طالب بأن لا يكونوا أعضاء في مجلس النواب، كل تلك الآراء والمقترحات طيبة وحسنة إذا ما تم تطبيقها أو حتى 10% منها، لكن الأمر صعب ولن تقبل عليه الكتل فعلياً وإن أقرت به ونادت أمام وسائل الإعلام.
ما نفع وزير إن لم يكن تابعاً لكتلة ما؟ وما الذي سيقدمه لمن قدمه لذلك المنصب؟ وما المكاسب التي سيحصلون عليها؟ كل تلك التساؤلات كفيلة بمعرفة أحد أسباب عدم رضاء تلك القوى على ترشيح تكنوقراط أو شخص بعيد عن مجلس النواب، بل وصرح السيد أمير الكناني قائلا: من حق الفائزين بمقعد مجلس النواب أن يقدموا أنفسهم للترشيح للوزرات كونهم جاءوا بأصوات الشعب. المتابع للشأن السياسي العراقي يرى الساسة كل يوم في شأن ورأي مختلف عن اليوم الذي سبقه، وربما الدقائق التي بعد تصريحه تختلف عن دقائق وقت التصريح أو التي سبقتها، وهو ما حدث فعلاً في حديث بعض الكتل في الإعلام عن قضية ورأي مخالف في قضية رئيس الوزراء، ثم بعدها يتحدثون عن عزمهم تقديم طلب للسيد عادل عبد المهدي بإبقاء بعض الوزراء السابقين من كابينة السيد العبادي، وذلك لنجاحهم في عملهم، خاصة وزراء الداخلية والدفاع والنفط والنقل والمواصلات، لتأتي كتلة أخرى وترفض ذلك الطلب بالقول: إننا لم نقدم وزيرا وتم قبوله، بل يتم فرض وزير من قبل رئيس الوزراء العبادي وقبله حكومة المالكي التي استمرت لدورتين وهذا ما أكده السيد محمد الكربولي في أحد لقاءاته التلفزيونية مؤكدا أن وزيري الدفاع والداخلية ليسوا أكثر من منفذين لأوامر وقرارات تفرض عليهم من قيادة العمليات المشتركة والمرتبطة بشكل مباشرة بالسيد القائد العام للقوات المسلحة. كل تلك التناقضات والحديث والصراع الذي سبق عن الكتلة الأكبر، ومن الكتل التي يجب أن تشكل الحكومة، وقسم آخر تحدث عن أن “ألكتلة الأكبر” “تمثيلية” ابتدعها آنذاك من حاول أن يقصي السيد علاوي عن تشكيل الحكومة الذي كان زعيماً حينها للقائمة العراقية التي فازت ب 91 مقعداً وتم الحكم من قبل المحكمة الاتحادية لصالح ائتلاف دولة القانون الفائزة ب 89 مقعدا وعليه تشكيل الحكومة، كل هذه مؤشرات على أن حكومة السيد عادل عبد المهدي ربما لن تشكل بسهولة كون الآراء والمقترحات تأتي بشكلين مختلفين تماماً، ففي علن الإعلام تظهر بشكل وفي السر ضغوطات مباشرة لفرض شخصيات للدخول للكابينة الوزارية الجديدة، مما يجعل السيد عادل عبد المهدي في حرج ربما يجعله قاب قوسين من أن يكون بطلاً كان يحلم به الشارع العراقي منذ 15 عاماً، وقد كتب عن برنامجه الحكومي في إحدى الصحف أنه المسؤول شخصيا عن تشكيل الكابينة الوزارية الجديدة، لكن إذا ما حصل واستجاب لطلبات وضغوط الكتل السياسية وقبل بالاملاءات الخارجية، هذا ما سيجعله خليفة لمن سبقه بكل شيء ولم يأت بجديد وستكون هنا نهايته السياسية فعلاً لإن الواقع العراقي ربما لن يسمح له بتسنم المنصب مستقبلاً وعمره الذي سيدخل العقد الثامن من حياته مما سيمنعه من الترشح للحكومة مرة أخرى، وبذلك يكون أفنى حياته وعمره السياسي بفشل وخسران لا سامح الله وهذا ما لا نأمله نحن كعراقيين ومحبين له ولبلدنا. وللإنصاف فمن المميز في شخص السيد رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي بأنه “يعرف الرياح التي تلاطمت على أرضه، حيث أنه مر في مراحل حياته بالبعث وغادره، ومر في الشيوعية والماوية وغادرهما، ومر في الاتجاه الإسلامي عبر «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، وهو الآن في موقع المستقل” وإن لم يكن كذلك مائة بالمائة. جرب الأفكار وجرب العواصم بعد بغداد أقام في دمشق وبيروت ثم في باريس وطهران، ودراسته الاقتصاد السياسي في فرنسا تؤهله للتعامل مع المشكلات المطروحة على طاولة حكومته، وكذاك إقامته في كردستان العراق في التسعينات تعينه على تفهم هواجس الأكراد ومشكلاتهم، كلها أمور تضاف كنقط إيجابية لشخصه. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
2 | نوبل ناديا مراد: السلام للإيزيديين… والموت للفلسطينيين؟ | افتتاحية | القدس العربي | ||
أثار حصول ناديا مراد، العراقية من القومية الكرديّة والأقلّية الإيزيدية، على جائزة نوبل للسلام (مناصفة مع طبيب كونغولي) الفرح لدى الكثير من العراقيين، وخصوصا من الأكراد والإيزيديين الذين تماثلوا مع قصّتها المروّعة بعد تعرضها للاغتصاب وقتل والديها وستة من إخوتها على يد تنظيم «الدولة الإسلامية»، واعتبرت الجائزة إشارة مهمة من العالم لتكريم المتعرضات للعنف الجنسي من النساء.
أثار النبأ أيضاً مواجع الكثير من النساء في العالم العربيّ، ولكنّه اختلط بحيثيّات محلّية، فمن متسائلة عن سبب تجاهل المغتصبات في سجون النظام السوري، وهنّ بالآلاف، وعن المعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، وعن اغتصاب الجيش البورمي والميليشيات التابعة له لعشرات الآلاف من نساء الروهينجا وخصوصاً مع ملاحظة أن أونغ سان سوتشي، رئيسة الوزراء في ذلك البلد، والمسؤولة عمليّا عن هذا الاغتصاب الممنهج والإبادة المبرمجة هي أيضاً حاصلة على جائزة نوبل للسلام. كان ممكنا طبعاً لنساء العالم كله، بمن فيهن البورميّات والفلسطينيات والسوريات، أن يفرحن بدورهن لنيل ناديا مراد للجائزة المرموقة ولتعيينها قبل ذلك سفيرة للأمم المتحدة، واعتبارها ممثلة لعذاباتهن وأيقونة تلخّص العذاب الجسدي والنفسي الذي تعرضن له لولا بعض المفارقات العجيبة التي أحاطت بالصعود الجليل لناديا مراد من صورة السبيّة لعناصر تنظيم إرهابيّ وصولاً إلى تحوّلها نجمة عالميّة كبيرة. يلخّص هذه المفارقات تصريح خطير لناديا، تكشف فيه أمرين متناقضين حيث تقول إن لها «موقفا حياديا من كافة الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط»، ثم تضيف أنها «ملتزمة» برسالتها الإنسانية «للدفاع عن كافة المضطهدين وفي أي بقعة من العالم». وهكذا فبناء على موقفها «الحياديّ» من الصراعات الدائرة في منطقة «الشرق الأوسط» و«دفاعها عن كافة المضطهدين» قامت ناديا مراد بزيارة إسرائيل وتحدثت مع أعضاء الكنيست عما تعرض له «شعبها» من تشريد وقتل، معبرة عن شعورها بـ«السرور الشديد» لزيارتها، ومتوقعة من «هذا البلد الذي مر بأشياء مثل الهولوكوست سيظهر تفهما للجرائم التي يرتكبها داعش ضد الشعب الإيزيدي وضد العديد من الأقليات في العراق وسوريا». إلى هذه المفارقات الكثيرة لا يجب أن ننسى أن جائزة نوبل للآداب لهذا العام تم إلغاؤها بعد فضيحة تحرش جنسي أدت لاستقالة عدد من أعضاء مجلس الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة، بينهم رئيستها سارة دانيوس، وإحدى أعضائها، كاترينا فروستنسون، التي هي زوجة متهم بالتحرّش الجنسي من بين ضحاياه الكثيرات الأميرة فيكتوريا ابنة الملك السويدي كارل غوستاف (الذي شهد حادثة التحرش بنفسه). بإضافة هذه المفارقات كلّها على التصريحات البائسة لناديا مراد نفسها نتبين خطّين فاضحين في قضية جائزة نوبل المذكورة، يتعلّق الأول بالمؤسسة نفسها، وبميولها الاستشراقية (واليمينية عموما) حين يتعلّق الأمر بمواطني البلدان الإسلامية، وهو ما جعل نيل جوائزها أمراً مثيراً للاشتباه بأنها تختار خطّا معاديا للثقافة الإسلامية ومتملّقا لإسرائيل، ويتعلّق الثاني بالمسار الذي على المرشحين للجائزة اتخاذه للوصول إليها، والأغلب أن الشابة الصغيرة ناديا مراد (والتي تشعر بالتماثل مع الإسرائيليين كما لو كانوا هم أنفسهم يهود الحرب العالمية، ولكنّها تشعر بالحياد حين يتعلّق الأمر بآلام الفلسطينيين) خاضت ذاك المسار بالطريقة المطلوب منها للحصول على الجائزة، وهو أمر لا يمكن أن يعزى لسذاجتها السياسية فحسب. وبذلك قامت جائزة نوبل، وهي المؤسسة الأوروبية الأكثر جلالا وتقديسا، والتي تعاني بدورها من فضائح التحرّش الجنسي، باختيار (تجهيز؟) ضحيّة تناسبها وتتنكر للضحايا الكثر الآخرين، وهو ما اعتبره ناشطون عديدون شكلاً من أشكال «الاغتصاب الحضاري»، يندد انتقائيا بالعنف الجنسي ضد النساء عبر المطهر الإسرائيلي متجاهلا بصفاقة ملايين النساء الأخريات. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
3 | ناشطون من أجل الإنسانية… نحن كثرة وهم قلة | هيفاء زنكنة
|
القدس العربي | ||
ما هي شرعية محكمة شعبية، يؤسسها حقوقيون عاملون في بلدان مختلفة لوضع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس الوزراء البريطاني، جنبا الى جنب، في قفص الاتهام، لمحاكمتهما بتهمة شن حرب عدوانية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في العراق؟ وإذا كان المشروع الأمريكي ـ البريطاني لغزو واحتلال العراق، هو لتحقيق الديمقراطية، كما تم الترويج له، وإذا كانت النهايات الفعالة للممارسات الإمبريالية، ستحقق الديمقراطية، وهي ما نصبو اليه أيضا، ما هو الفرق بين المشروع الديمقراطي الإمبريالي ومشروعنا؟ تساؤل آخر: ما هي هذه الديمقراطية؟ ومن هم «نحن»؟ ما هي حدود المسؤولية الدولية القانونية والأخلاقية لمساعدة الشعوب المقهورة تحت أنظمة قمعية؟ ما هي مفاهيم حقوق الانسان والمساعدة الإنسانية وكيفية استخدامهما لتبرير الحرب الإمبريالية والاحتلال، من منظور عقيدة المحافظين الجدد، متمثلة بتصريح دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، عام 2002، أن «الحرب على الإرهاب هي حرب من أجل حقوق الإنسان»؟ هذه بعض الأسئلة التي تثيرها د عائشة شوبكشو في كتابها الذي صدر أخيرا، بعنوان « من أجل حب الإنسانية: المحكمة العالمية عن العراق». يعالج الكتاب، بمنهجية أكاديمية، تجمع ما بين علم الاجناس البشرية والعلوم السياسية، تجربة غير مسبوقة في نطاقها العالمي وبنيتها ورقيها، ضمن تقليد «محاكم المجتمع المدني»، لكونها شبكة لا مركزية وغير متداخلة من التعاون التضامني عبر القارات. وهي استمرارية من ناحية المفهوم، وان بتطبيق مغاير، لمحكمة الضمير التي أسسها المفكر البريطاني برتراند راسل عن الحرب الأمريكية ضد فيتنام بالتعاون مع الكاتب الفرنسي جان بول سارتر. اعتمدت د. شوبكشو في مؤلفها على تجربتها الشخصية كطالبة دكتوراة، وكناشطة حضرت الاجتماع التأسيسي للمحكمة، صيف 2003، الذي استغرق ثلاثة أيام، وحضره ناشطون من جميع انحاء العالم. ولها يعود الفضل في تسجيل كل ما دار في الاجتماع من نقاشات لتدارس كيفية وآلية التأسيس. كما حضرت وساهمت بصورة فعالة في جلسات المحكمة التي تم انعقادها في 12 مدينة، حول العالم، من بينها بروكسل ونيويورك ولشبونة وكيوتو باليابان. الكتاب، برأيي، وثيقة مهمة، عن تجربة شارك فيها مئات الناشطين من كتاب وقانونيين وفنانين ومؤرخين، ومن بينهم حوالي عشرين عراقيا، من داخل وخارج العراق، في حقبة شهدت احتلال بلدهم وارتكاب أبشع الجرائم بحق الناس وانبثاق المقاومة. تحاجج شوبشكو الادعاءات التي استخدمت لشن الحرب، من ناحيتي القانون الدولي والإنساني، بالإضافة الى المسؤولية الأخلاقية، مستعرضة مواقف العديد من المفكرين والفلاسفة والأكاديميين، من الحرب كأداة لتغيير الانظمة، بذريعة حمايتها وتحريرها، ومواقف وشهادات اما من ساهموا في المحاكمة او وقفوا ضدها او استصغروا مدى فاعليتها. جاء توقيت الاجتماع التأسيسي للمحكمة، في إسطنبول، بعد ان شهد العالم في 15 شباط/فبراير 2003، أكبر مظاهرة في تاريخ البشرية تتم قبل شن الحرب وليس اثنائها. شارك فيها الملايين ضد حرب كانوا يعرفون جيدا زيف ادعاءاتها. التظاهرة التي صورها مخرج الأفلام الوثائقية الإيراني أمير أميراني في فيلمه «نحن كثرة». وهو عنوان مقتبس من كلمة الروائية الناشطة الهندية أرونداتي روي «لاتنسوا! إننا كثرة وهم قلة. هم يحتاجوننا أكثر مما نحتاجهم». للإجابة حول سؤال شرعية المحكمة، توصل المجتمعون الى ان شرعيتها هي مقاومة الشعب العراقي للاحتلال وحين «تفشل مؤسسات القانون الدولي الرسمية في التصرف، فإن من حق وواجب المجتمع المدني العالمي تشكيل محكمة تروي وتنشر الحقيقة عن حرب العراق». مما يقتضي تأسيس محكمة ضمير، قد لا تملك قوة التنفيذ القانوني، الا انها ضرورية» لقول الحقيقة ونشرها وإنشاء سجل تاريخي بديل لاحتلال العراق، بما في ذلك المقاومة العالمية لها». وأكد الروائي جون بيرغر أهمية إنشاء مثل هذه المحكمة، «اذ يجب الاحتفاظ بالوثائق لأن الجناة، بطبيعتهم، سيحاولون تدميرها. على كل شخص أن يؤرخ الموت والدمار الذي لا يوصف الذي تجلبه. على كل شخص تسجيل المعارضة الكبيرة لهذه الحرب، بحيث لا يصبح بالإمكان نسيان الجرائم». بعد مرور عامين، في حزيران 2005، عقدت الجلسة النهائية، باسطنبول، حيث تم تقديم أربع وخمسين شهادة وتقرير أمام لجنة التحكيم برئاسة الروائية والناشطة الهندية المعروفة أرونداتي روي، وبحضور آلاف المساندين والناشطين في مجال حقوق الانسان. في واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة في المحكمة، دخل عدد من الناشطين العراقيين وهم يحملون راية، بشكل شريط سينمائي، طوله حوالي 22 مترا، مكون من صور جرحى وقتلى ومشوهي ضحايا الغزو واستخدام اليورانيوم المنضب. استمرت بعض اللجان الحقوقية المشاركة في عملها ضد الاحتلال حتى اليوم. وانتظم بعضها بدعم من مؤسسة راسل للسلام في محكمة بروكسل لجرائم الحرب. كما ساهمت في جلسات كوالالمبور الحقوقية التي ادارها رئيس وزراء ماليزيا مهاتير، ويستمرون في لقاءات دورية لشبكة مناهضة الحرب التي دشنت هذا العام مشروع «شهر التضامن مع العراق». من بين العراقيين الذين ساهموا في أعمال المحكمة أما كشهود أو خبراء أو ناشطين أو فنانين: ايمان أحمد، نرمين المفتي، سعاد العزاوي، فاضل البدراني، سلام عمر، رضا فرحان، كريم خليل، هناء البياتي، عبد الاله البياتي، وهناء إبراهيم. الملاحظ ان عدد العراقيين كان، خاصة، في الاجتماعات التأسيسية، قليلا. ربما لصعوبة ومخاطر السفر والظهور الإعلامي في نشاط مضاد للاحتلال مع تزايد استهداف المناوئين له. مما جعل حضورهم، هامشيا، مقتصرا، أحيانا، على تقديم الشهادات. الأمر الذي لم يعتبره المشاركون مشكلة. توضح المؤلفة: «في رأيي، لأنه كان ينظر إلى «الإنسانية» على أنها المجتمع الأكبر الذي انتهكته الحرب على العراق». فأصبحت الحرب على العراق تهديدا للعالم. و«لتوظيف لغة القانون الدولي، اعتبرت الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب العراقي جرائم عالمية ضد الإنسانية». وكما جاء في قرار ادانة الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير «الحرب على العراق هي حرب ضدنا جميعا». مما جعل الحضور العراقي، رمزيا، وحركة المجتمع المدني العالمي تمثله من خلال الدفاع عن نفسها. وهي نقطة مهمة تستحق النقاش والمراجعة بالإضافة الى تقييم المساهمة في المحاكمة ككل، الامر الذي لم يقم به حتى الآن، أيا منا، نحن الذين ساهموا في نشاط، بات جزءا من ذاكرة التضامن الإنساني العالمي. وان نواصل التحدي بنشاط تهدف استراتيجيته، الى استنزاف الامبريالية «فلنسخر منها، بفننا، بموسيقانا، بأدبنا، بعنادنا، بفرحتنا بالحياة، بخيالنا، بكل عزمنا وبقدرتنا على رواية تاريخنا»، كما تقول الرائعة ارونداتي راي. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
4 | الاحتلال ليس واقعا افتراضيا في العراق
|
حامد الكيلاني | العرب بريطانيا | ||
أي مواطن عراقي لا يحتاج أن يقرأ بتأن وتأمل خارطة الأزمات والمشكلات والمصائب والحوادث الفردية والجماعية والظواهر التي ما عادت غريبة على مجتمعنا، ليكتشف الخلل أو التباين والتباعد بين الطبقة السياسية المشغولة بتقاسم نعمة السلطة وامتيازات أحزابها ومنابع تمويلها ومصادر تخطيطها وخوفها أيضا، وبين الشعب. كل شيء متوفر في الأسواق السوداء مما لا تعثر عليه في الواجهات السياسية والدينية والقومية والإثنية، أو على مسافة من سلوكيات وخفايا مجتمع عصفت به الاحتياجات وغابت عنه مفاهيم التعليم والتربية والصحة وأبسط مقومات الحياة وأسباب البقاء؛ مقابل ما عصفت به من تخمة المال والطعام والشعور بالجاه والحماية المختلفة. لا نبحث حتى عن أسباب وجذور الحالات الفردية للجرائم كحادثة اغتصاب الطفل اليتيم جعفر وقتله في حي القاهرة. الحي الذي أعرف تفاصيله وناسه وتنوعه كأنه عراق مصغر، وكيف كان خليطا سياسيا واجتماعيا وعرقيا ومذهبيا متجانسا أفرز لنا أشهر الأطباء وأعظمهم إنسانية وخرّج سياسيين كبارا ومناضلين أوفياء لبلادهم وبيئتهم ومنهم علماء ومفكرون وفنانون ورياضيون. طيلة عقود لم تحدث في حي القاهرة جرائم أو اغتيالات رغم أنه كان يعج بالمتناقضات السياسية والانتماءات، كانت الجيرة والعيش المشترك يتغلبان على واجبات الأمن والمخابرات والتربص على شدة وقعها ونتائجها، إلى أن حدث الاحتلال وما تم التمهيد له من زمن الحصار. اغتصاب طفل يتيم بعد خطفه وقتله، جريمة التقطها وزير الداخلية ليعلن بشخصه إلقاء القبض على الجاني ويتقرر إعدامه العلني في مكان الجريمة ليكون عبرة للآخرين؛ كم من حوادث الاغتصاب في بغداد والمدن العراقية الأخرى لأطفال ونساء؛ وحتى رجال في سجون الميليشيات والسجون الحكومية العنصرية. العراق لن ينهض ولو بمليارات مضافة من وارداته النفطية، حتى لو انقلبت الدنيا بالسياسيين وأصبحوا بين ليلة وضحاها ملائكة يخافون من الله وضمائرهم في شعبهم وأمتهم بعد اغتصاب الوطن ما الذي يقال، إن عن مجريات سجون الاحتلال الأميركي وعمليات الاغتصاب الشهيرة في سجن أبوغريب وكيف كانت عمليات الاغتصاب تجري بمساعدة أفراد من ميليشيات طائفية أرادت أن تؤكد على مشروعها الخبيث بتسجيل جريمتها على أقراص مدمجة بيعت على أرصفة بغداد وبكميات كبيرة كما لو كانت أفلاما إباحية مع سنوات الاحتلال الأولى، أو عن أعداد الجرائم المماثلة في السجون الآن وكم عدد الجرائم العادية لاغتصاب الأطفال مع التحرش الجنسي في المدارس بدافع طائفي التي لا يتم الحديث عنها ويخشى المعلمون وإدارات المدارس التبليغ خوفا من الانتقام والمحاسبة. لكنها ظواهر تتحول إلى لجوء وتهجير متعمد ومحاولة للتخلص من العيش في وطن تم فيه عزل الشعب عن السلطة التي فتكت بلامبالاتها بالاقتصاد والأمن والخدمات، وأنتجت صناعة جريمة إبادة جماعية لم ولن ينجو من آثارها أحد. يعتقد بعضهم أو يظن أنه في مأمن لأنه يحظى بحصانة ما، أو لأنه يحاط بحمايات توفرها الأجهزة الأمنية أو ما هو أعلى منها ونقصد بها الميليشيات التي تتعالى على مقام الدولة؛ لكن أي دولة.
النساء في العراق، نصف المجتمع يتم التعامل معهن بنوع من التغييب القسري في القوانين والممارسات والاصطياد كأنهن طرائد قتل وتمييز عنصري أحيانا بدوافع نسائية سياسية؛ فالنقد العام لأي من سوءات الدولة أو الخروج على نصوص ولاية فقيهها، ربما بالنسبة للرجال له رد فعل على غير إيقاع عقوبة الموت لمن لا تنصاع من النساء لإرادات قابضة على المال والسلاح في دولة الموت والتخلف. من يتصور أن لمصاصي الدماء في العراق فرعا في الجريمة، ومخدرات عابرة للحدود، وسجونا تغص بتجار الحبوب المخدرة ومتعاطيها، وما نحجبه أكثر وأكثر لنتفرغ إلى كرام أهلنا وخصالهم من الذين يقفون واجمين حتى أمام غياب البندورة وارتفاع أسعارها لأنهم لا يمتلكون سعر شرائها وهم يطلون على أطلال بيوتهم التي كانت عامرة، واليوم يرغمون على التوسل بمشاريع وهمية وعمل سياسي فاشل يسعى مريدوه إلى ترميم شخوصهم بطرح من يعتبرونهم البديل التعويضي لمزيد من الانتظار والصبر على اغتصاب الحقوق ممن كانوا خونة لأرضهم وحملوا السلاح ضد جنود بلادهم في الأهوار، وكانوا سببا في تمرير الإحداثيات للعدو لقصف ثكنات ومعسكرات جيش العراق بالمدفعية والصواريخ الإيرانية. من أقدم على تلك الجرائم هل يبني العراق؟ ولماذا يتم تبييض الصفحات بالإخوانيات واستذكار محاسن عملاء الولايات المتحدة وإيران، الذين استنكفوا حتى من تقديم الاعتذار لشعب العراق عن جريمة الاحتلال التي ارتكبوها وستظل عائقا بينهم وبين أي نوع من أنواع المصالحة مع الشعب أو التغيير؟ العراق تحت حكم الأحزاب الطائفية والعملية السياسية أصبح قاعدة بيانات إجرامية من القمة إلى القاع، حيث هرم السلطة المتخلف والمليء بالتناقضات والتناحر المخزي على مغانم مائدة السلطة. داعش والميليشيات ليسا على الباب، إنهما جزء من السلطة وجزء من بيئة العمل السياسي يغتصبان المدن ويفتكان بها بالتلوث والتصحر والعطش والجفاف والتملح والانحطاط الذي يحصد الآلاف بالأمراض والموت حسرة تحت الحاجة في معسكرات النزوح ومدن اللجوء والانتظار المذل. طيلة عقود لم تحدث في حي القاهرة جرائم أو اغتيالات رغم أنه كان يعج بالمتناقضات السياسية والانتماءات، كانت الجيرة والعيش المشترك يتغلبان على واجبات الأمن والمخابرات من سيأتي إلى حكم العراق لن يكون إلا خادما مطيعا للمشروع الإيراني إن كان من التكنوقراط أو المستقلين أو من الأحزاب الطائفية ومحاور المتخاذلين، ومن هؤلاء من يريد أن يوصل لنا مبررات استسلامه للميليشيات تحت ذرائع حماية من تبقى من أهله وكرامتهم لإيجاد طريق لبناء المدن المدمرة وإزالة معسكرات الذل والخيانة في بلاد أصبح الاغتصاب فيها يستحق جائزة نوبل، بينما الذي تسبب بالاغتصاب الجماعي وهدر شرف العراقيات يتسابق لإبراز مفاتن الأحزاب الطائفية في طريقها لاستلام السلطة. سلطة يرتفع صوتها مسبقا بمطاردة المفسدين والملطخة أياديهم بدماء العراق وغايات الاحتلال المزدوج في مصالحه وتخادمه بين من مازالوا يراوحون في خدمة سادتهم ويطلعون علينا بأوراق سياسية غير مفاجئة عند الحاجة لشخوص أكثر دهاء وخبرة تم إعدادهم وترويضهم بصبر ليوم الاحتيال الأكبر الذي يتجاوز احتيال الكتلة الأكبر التي لم يعد لها من معنى عند شعب العراق سوى أنها كتلة صخرية قاسية لأقلية فاسدة ارتضت أن تلعب دور الدولة المغفلة التي تضحي بكل شيء من أجل شعبها وسلامته في مزايدات الإعلام؛ أما في كواليس الرعب فإنها تستبيح أعراضه وأمواله وغده واستقراره وحقه في الحياة. العراق لن ينهض ولو بمليارات مضافة من وارداته النفطية، حتى لو انقلبت الدنيا بالسياسيين وأصبحوا بين ليلة وضحاها ملائكة يخافون من الله وضمائرهم في شعبهم وأمتهم، لأنهم ببساطة بلا مقود وخارج السيطرة. إن ما أسس له الاحتلال خلال 15 سنة من الجرائم، لا يمكن إزالته أو تهديمه ولا بنصف قرن من غسل العار الذي ينبغي أن يبدأ بتربية أجيال جديدة تقوم على احترام مبادئ افتقدناها يوم تكالبت علينا قوى الاحتلال والنظم السياسية التي لا تعرف سوى مذلة تقبيل يد الآخرين التي تحمل مفاتيح الآخرة أو خزائن المال أو السلاح أو مفاتيح السجون.. هناك أيضا من يعيد إلى ذاكرتي دور الحبال واستخدامها المزدوج. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
5 | هل ممارسة الطقوس الدينية ضرورية | فاروق يوسف | العرب بريطانيا | ||
الدين ليس طقوسه الاستعراضية بل فرائضه التي تكتسب مع الوقت طابعا شخصيا. أن تكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو هندوسيا أو بوذيا فذلك شأنك الخاص الذي لا يحق لأحد أن يناقشك فيه. وهو ما جرى الاتفاق عليه بين البشر منذ أن اهتدى الإنسان إلى التفكير في مسألة “حياة ما بعد الموت”. وتلك مسألة يتعدى التفكير فيها الجانب الدنيوي المباشر للظاهرة الدينية التي صارت جزءا من الحياة اليومية لست هنا في صدد مناقشة حق الفرد في التصريح بتدينه، وهو مصطلح غريب ومستحدث صار يُستعمل في عصرنا العربي الحالي بدلا من الإيمان الذي نصت عليه الأديان شرطا للتسليم بضرورتها ولكنني أرغب في فهم الظاهرة الدينية التي تُقاس على أساس ما يُمارس من طقوس، لا صلة لها بالدين بقدر ما هي محاولات تصويرية للتذكير بوقائع تاريخية هي موقع خلاف بين المؤرخين، بل إن البعض منهم ينفي وقوعها. لقد سطت المرويات الطائفية على التاريخ (الديني) فصارت جزءا منه. بالقوة نفسها استولت تلك المرويات على عقول الناس البسطاء وقلوبهم وسلبتهم القدرة على التفكير بقيمتها ومستوى جاهزيتها النفعية على مستوى ديني بالمعنى الذي يؤدي إلى تقوية الإيمان. غير أن المفجع حقاً أن تحل تلك المرويات ذات الطابع الشعبي الساذج بكل ما تخللها من خرافات محل الأصول الدينية التي هي موقع إجماع. انطوى ذلك الحدث الفاجع على تحول خطير ضرب بعصفه المفاهيم الدينية الراسخة، بحيث صار الناس العاديون يتبعون الطقوس التي فرضتها المرويات من غير أن ينتبهوا إلى تعارضها مع العقيدة. وهو ما يسلط الضوء على مسؤولية رجال الدين الذين صاروا واجهة لجماعات متشددة، صارت تطالب علنا بتطبيق شريعة، يشك الكثير من مؤرخي الظاهرة الدينية أنها كانت مطبقة في مرحلة ما من مراحل صعود الحضارة العربية- الإسلامية، بالرغم من أن تلك الشريعة تلتزم النص الديني حرفيا، بما يجعله متحجرا. الشريعة التي فرضتها التنظيمات الإرهابية المسلحة على المناطق التي استولت عليها في العراق وسوريا من أجل تيسير هيمنتها على المجتمعات بقوة الحلال والحرام ليست أسوأ من الطقوس الحسينية التي صارت الحكومة العراقية تنفق عليها أموالا طائلة تكفي لإنقاذ العراقيين من الفقر والمرض والجهل والحرمان والعوز. على الجانبين تتصاعد أبخرة الجنون الجماعي نفسه، لكن بصيغ شكلية مختلفة، وفقا لمرويات الفتنة الطائفية. لا يجرؤ أحد أن يسأل عن المعنى من وراء كل ذلك الجنون بسبب ارتباط ما يحدث بالظاهرة الدينية. ومن الثابت أن الخوف من الدين هو أسوأ ما تركته الأنظمة السياسية العربية المهزومة من إرث ثقيل لا يزال يتحكم بطريقة تعامل الإنسان العربي مع ما يحيط به من شروط الواقع. لم يجرؤ أحد أن يقول للمتطرفين إن الإسلام لا يقيم في طقوسكم الخرافية ولا في شريعتكم المتحجرة
الخوف من الدين يتخطى الشرائح الشعبية ليلف المثقفين بغمامته. لقد وضعت الرقابة الرسمية ثلاثية الجنس والدين والسياسة في قائمة الممنوعات الصارمة التي يعاقب القانون على تداولها في الخفاء وفي العلن على حد سواء. فكان ممنوعا ولا يزال أن يتم التطرق إلى واحد من تلك الطابوهات الثلاثة التي لا تُمس. ذلك المنع منح المتطرفين من رواة الحكايات المشبوهة وحملة ألوية الجهاد فرصة لإشاعة مفاهيمهم التي لا تمت إلى الدين بصلة. إنها مجرد خزعبلات وتفاهات لا تصمد أمام المعاينة العقلية حمتها للأسف رقابة الدولة. لم يجرؤ أحد أن يقول للمتطرفين “إن الإسلام لا يقيم في طقوسكم الخرافية ولا في شريعتكم المتحجرة” وحتى حين منع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ممارسة الطقوس الحسينية بكل ما تنطوي عليه تلك الطقوس من لطم وضرب للظهور بالحديد وشق للرؤوس بالسكاكين فإن هناك مَن لامه لأنه وقف ضد طقس ديني شعبي، ينبغي احترامه. قيل يومها إن الرئيس العراقي كان طائفيا حين منع اللطم والعويل والتطبير والمسيرات الجنائزية المجانية وضرب الظهور بالحديد. ومن المؤسف أن البعض يربط بين تلك الممارسات العبثية والمجانية المضرة والحرية، فيُقال “حرية ممارسة الطقوس الدينية”. وهي عبارة تنطوي على قدر كبير من الإساءة إلى مفهوم الحرية. كل الطقوس الدينية من غير استثناء هي علامة اختلاف، محاولة من جماعة منطوية على نفسها لإشهار اختلافها في وجوه الآخرين حتى وإن كان أولئك الآخرون يؤمنون بالدين نفسه الذي تؤمن به تلك الجماعة. فالطقوس الحسينية التي لا يمارسها إلا غلاة الشيعة هي محل استفهام بالنسبة لأفراد الطوائف الإسلامية الأخرى، بل إن البعض منها يستنكر تلك الطقوس لغرابتها وانقطاع صلتها بالدين الإسلامي. وعلى العموم فإن كل الطقوس الدينية بما فيها زيارة أضرحة الأئمة والأولياء وتقديم النذور والقرابين هي ليست من الدين في شيء. إنها بدع مضللة، ضررها واضح وما من نفع منها على الإطلاق حتى على مستوى تقوية الإيمان إذا لم نقل إنها تضعفه. وما الحماسة التي يُظهرها الفاسدون في العراق لتلك الظاهرة إلا دليل على ما تنطوي عليه من إساءة للقيم الدينية التي تقف النزاهة في مقدمتها. علينا أن نحتكم إلى العقل في الحكم على ظاهرة يتبناها الفاسدون. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
6 | حكومة عادل عبدالمهدي المرتقبة بين ضغوط الدولة العميقة ومطالب الشعب العراقي المشروعة | فارس العاني
|
راي اليوم بريطانيا | ||
يواجه العراق ومنذ اكثر من خمسة عشر عاماً حالة من عدم الاستقرار ضربت تداعياتها كل مقومات الحياة ويأتي في مقدمتها تدهور الوضع الأمني رغم التحسن البطيء الذي طرأ في السنتين الاخيرتين مقارنة بما قبلها ، ناهيك عن التدهور في الصحة والتعليم وتفشي الأمية بشكل غير مسبوق وانعدام الخدمات الضرورية مما تمخض عن ذلك فقدان مئات الآلاف من البشر نتيجة الصراعات والحروب والأمراض وهجرة إعداد لا تحصى من العلماء والكفاءات وذوي الخبرة الى شتى بقاع العالم للتفتيش عن الأمان والعمل والعيش الكريم الذي فقدوه داخل وطنهم بسبب هذه الصورة السوداوية التي عصفت بالوطن طيلة هذه السنوات وما قبلها اذا اردنا ان نكون منصفين لذلك ، لكن الذي جرى طيلة الخمسة عشر سنة الأخيرة فاق اللامعقول في بلد يمتلك من الخيرات الطبيعية والكفاءات البشرية لا تمتلكه بلدان المنطقة الاخرى التي هو جزء منها ، ولا بد من القول هنا ان الذي يتحمل هذا التدهور هي القوى والأحزاب التي تصدرت العملية السياسة الخائبة بعد الاحتلال وتوّليها للسلطة دون ان تقدم للوطن وشعبه اَي منجزملموس بسبب اعتماد مفهوم المحاصصة بكافة اشكالها المرَضية وهي الطائفية والمذهبية والعرقية لتشمل كل مؤسسات الدولة وكانت نتيجتها إقصاء وعزل اصحاب الكفاءة والنزاهة والحس الوطني ، وفق هذا النمط السيء دخل العراق في النفق المظلم بعدما تحكمت به قوى شتى ليس من اهتمامها الوطن وشعبه بقدر ما يكون اهتمامها بمصالحها الذاتية ومصالح قوى خارجية تتلقى التعليمات منها ! وهي ظاهرة لم تكن معروفة لدى العراقيين منذ تأسيس الدولة العراقية . إذاً العراق اليوم امام مفترق طرق وهو ينتظر تشكيل حكومته المرتقبة ،. فإما ان ينتقل الى مرحلة تصحيح العملية السياسية وتكون مقترنة بتوفير الخدمات الضرورية بكافة أنواعها ومعالجة ظاهرة البطالة الهائلة من خريجي الجامعات والمعاهد وغيرهم وكذلك محاسبة الفاسدين الذين نهبوا المال العام وبخلاف ذلك ذهاب البلد الى المجهول لا قدر الله. اذاً مهمة إصلاح الحالة العراقية الراهنة تقع اليوم على عاتق السيد عادل عبد المهدي الذي تم تكليفه رسمياً بتشكيل الوزارة بعدما تم ابعاد حزب الدعوة الاسلامي وحلفائه عن قيادة السلطة التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عشر عاماً والتي تمخض عنها دخول العراق في اوضاع وازمات لا يحسد عليها . لقد قوبل تكليف عبد المهدي من قبل العراقيين بارتياح وترقب وبدعم وتأييد إقليمي ودولي ، لذلك فهو امام مهمات صعبة جداً اذا ما اراد انتشال العراق من الواقع الذي يعيشه كما تعهد قبل تكليفه بمهمة تشكيل الوزارة ، لهذا عليه ان يستغل الدعم والتأييد الداخلي والخارجي مستنداً الى حراك الشارع العراقي ومطالبه المشروعة التي قدم من اجلها التضحيات وان لا يعيد او يكرر سياسة سلفه العبادي في تقديم الوعود تلو الوعود بدون شيء ملموس يوقف ظاهرة الفساد المالي والاداري الذي اجتاح مؤسسات الدولة وعلى اعلى المستويات ، نعم المهمة الملقاة عليه وعلى طاقمه الوزاري الذي تعهد بأختياره من ذوي النزاهة والوطنية والكفاءة ليست مهمة سهله لان هناك من يتربص به اذا ما شعروا باستهدافهم باجرائاته التي سيقدم عليها وهؤلاء المتربصين كُثر لانهم تغلغلوا في كل مفاصل الدولة وكونوا لأنفسهم ( دولة عميقة ) ، وعلى البرلمان في دورته الحالية ان يثبت وطنيته وإخلاصه للجمهور ألذي صًوّتَ له وان لا ينساق وراء من يعملون على تحقيق مصالحهم ومصالح احزابهم على حساب مصلحة الوطن وشعبه ، وعلى البرلمانيين الوطنيين الحريصون على وحدة واستقرارونهضة العراق ان يسلكوا نفس النهج عندما تمردوا على توجيهات رؤساء كتلهم اثناء التصويت السري على منصب رئاسة الجمهورية واختاروا المرشح المناسب للمنصب في المرحلة الراهنة ونتمنى عليهم ان ينحازوا وبشكل علني الى جانب الشعب الذي انتخبهم في كل القرارات التي سيتخذها البرلمان في دورته الحالية والتي تصب في مصلحة الشعب وحاضر ومستقبل العراق وان يغادروا خنادق المحاصصة المقيتة بكافة اشكالها والتي كانت السبب في انهيار البلد . لذلك على القوى المتضررة التي ستحاول عرقلة او إسقاط الحكومة الرشيدة والكفوؤة .. كما وصفها رئيس الجمهورية برهم صالح اثناء خطابه الاول الذي وجهه للشعب العراقي ، على تلك ( القوى) ان لا تتجاهل رد فعل الشارع الغاضب حيالها وحيال من يقف ورائها ويدفعها لزعزعة الأوضاع وخلط الأوراق في الداخل انسجاماً مع ما تطلبه قوى خارجية !تسعى لجر العراق الى جانبها على حساب مصلحة العراق في ضوء الصراع الذي تشهده المنطقة وعلى الحكومة المرتقبة وصناع القرار فيها ان يضعوا نصب اعينهم أولاً واخيراً مصلحة الشعب العراقي فوق مصالح الآخرين الذين لا يريدون لبلدنا الاستقرار والازدهار وان يتم تعامل الحكومة القادمة مع المتغيرات الدولية واحداث المنطقة وفق رؤية تبعد بلدنا عن التورط في اي صراع قادم لان شعبنا لم يعد يتحمل اكثر مما تحّمَلَهُ طيلة العقود الماضية ٠ خلاصة ما تقدم وكما يقول المثل: الكرة اليوم في ملعب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي تعهد قبل التكليف بأن يضع العراق على الطريق الصحيح بعيداً عن المحاصصة التي انهكت البلد وفرقته ، وهذا يتطلب منه قبل كل شيء ان يرفض مرشحي الكتل والأحزاب رغم ادعائها انهم مستقلين وان يكون حراً في اختيار طاقمه الوزاري ويبدأ في عملية الإصلاح وتفكيك الأزمات الداخلية التي تعصف بالعراق بهدف الوصول الى بناء دولة المؤسسات التي ينتظرها العراقيون ، ونجاحه في مهمته هذه ستحسب له وتجعل منه (المنقذ ) في نظر العراقيين واذا حدث العكس فسوف يتحمل المسؤولية بأعتباره المسؤول الاول والأعلى في السلطة التنفيذية . واذا ما وجد انه ليس بمقدوره تجاوز ضغوط الكتل ومافيات ( الدولة العميقة ) فمن الأفضل له ان يعتذر عن مهمة تشكيل الوزارة ويضع الكرة في الملعب الاخر ويترك القرارللشارع العراقي ليتصرف وفق الطرق التي يرتأيها للحصول على حقوقه المشروعة سلمياً . |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
7 | لبنان والعراق عند نقطة الصفر | السيـــــــد زهـــــــره | اخبار الخليج البحرينية | ||
قبل أيام، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بحسرة وألم إن الوضع في لبنان عاد إلى نقطة الصفر. كان يتحدث عن جهود تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات. الذي حدث أنه بعد أن كان رئيس الوزراء سعد الحريري قد أعلن قرب تشكيل الحكومة، تفجرت خلافات بين الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية أعادت الوضع إلى نقطة الصفر، كما قال بري. أكثر من خمسة أشهر، ويعجز لبنان عن مجرد تشكيل حكومة جديدة. ليس في الأمر أي غرابة. هذا وضع طبيعي. حقيقة الأمر أن لبنان لم يغادر نقطة الصفر أصلا كي يعود إليها. نعني أنه طالما أن لبنان محكوم بالطائفية وبنظام المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب، فسيظل عند نقطة الصفر ولن يتقدم إلى الأمام. أي نظام طائفي محكوم بالمحاصصة الطائفية لا يمكن أبدا أن ينجح في التقدم بالبلاد إلى الأمام، ولا يمكن أن يتجاوز أزماته المسعتصية، ولا يمكن إلا أن يكون نظاما عاجزا عن حماية المصلحة الوطنية. أسباب ذلك كثيرة، لكن في مقدمتها أسباب ثلاثة: 1 – أنه في ظل النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية، فإن كل ما يهم الأحزاب والقوى السياسية هو مصالحها الطائفية الضيقة ومنافعها الطائفية، ولا يهمها كثيرا أي مصلحة وطنية عامة. وحين تتعارض المصلحة الوطنية مع المصلحة الطائفية، فإن الأولوية هي للطائفية. 2 – أنه في ظل هذا النظام، لا قيمة ولا وزن أو اعتبار للكفاءة والمقدرة في اختيار المناصب العامة؛ بمعنى أنه عند تشكيل الحكومة واختيار أشخاص لتولي مناصب عامة، فإن كل ما يهم الأحزاب والقوى الطائفية هو أن يكون هؤلاء من بين المنتمين إليهم طائفيا، حتى لو لم يكونوا على أي قدر من الكفاءة أو القدرة على خدمة الوطن.
3 – أنه في ظل النظام الطائفي، يكون القرار الوطني مسلوبا؛ بمعنى أن الطائفية تفتح المجال واسعا حتما أمام الدول والقوى الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية والتحكم بالقرار الوطني على أسس طائفية. هذا ناهيك عن أن القوى الطائفية عادة ما تكون في خدمة دول وقوى أجنبية أساسا. يصح كل هذا بالنسبة إلى أي نظام طائفي يقوم على المحاصصة الطائفية. وبالنسبة إلى لبنان، فإن ما يزيد من محنته وورطته، وجود حزب طائفي يمتلك ترسانة من السلاح ويفاخر بعمالته للنظام الإيراني هو حزب الله، وعن هذا الطريق يفرض سطوته على الحياة السياسية وعلى القرار الوطني. وما يقال عن لبنان يقال أيضا عن العراق ولنفس الأسباب. العراق بعد الاحتلال الأمريكي غرق في الطائفية، وتأسس فيه نظام طائفي يعتمد المحاصصة الطائفية. وفي العراق مئات المليشيات الطائفية المسلحة العميلة للخارج في أغلبها. وقد جرت في العراق انتخابات مؤخرا، وتم تعيين رئيس للوزراء، لكن لا أحد يعلم هل سيستطيع تشكيل حكومة فعلا أم لا. أغلب الظن أن الأمر سينتهي به إلى نفس ما انتهى إليه الأمر في لبنان. الشعب العراقي أظهر مؤخرا رغبته في التحرر من الطائفية وفي التحرر من السطوة الإيرانية وفي إقامة حكومة لا طائفية تنهض بالبلاد، وبعض القوى السياسية أظهرت أيضا رغبتها في البعد عن نظام المحاصصة، وتشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن الأحزاب الطائفية. لكن انظر ماذا جرى. الأحزاب والقوى الطائفية في العراق أعلنت رفضها المطلق أن يكون الوزراء من المستقلين أو من التكنوقراط بعيدا عن الأحزاب. اشترطت على رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أن يكون الوزراء من بين أعضاء هذه الأحزاب، وأن يقدموا هم الأسماء المقترحة لتولي الحقائب الوزارية. والنتيجة معروفة، إما أن يفشل رئيس الوزراء في تشكيل حكومة بعد مرور أشهر، وإما أن يشكل حكومة طائفية لا كفاءة لها كالعادة، وعاجزة بالتالي عن حل أي أزمة والتقدم بالبلاد خطوة واحدة إلى الأمام. وفي المحصلة النهائية، سيظل لبنان والعراق عند نقطة الصفر طالما بقيا في قبضة الطائفية والمحاصصة الطائفية، ولن يحدث أي تقدم إلى الأمام. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
8 | نادية مراد.. و”أيتام الأحقاد”!! | وليد صبري | الوطن البحرينية | ||
لا شك في أن الأكاديمية الملكية السويدية قد وفقت إلى حد بعيد هذا العام في اختيار منح جائزة نوبل للسلام 2018، إلى كل من الناشطة الإيزيدية العراقية نادية مراد، والطبيب الكونغولي دينيس ماكويغي، حيث كانت الأولى من «سبايا» تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي، فيما كان يعالج الثاني ضحايا الاغتصاب في بلده جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث حصدا جائزة نوبل للسلام «تكريماً لجهودهما لوضع حد لاستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، فيما يجسدان قضية عالمية تتخطى إطار النزاعات، عندما جازفا شخصياً بحياتهما عبر النضال بشجاعة ضد جرائم الحرب والمطالبة بإحقاق العدالة للضحايا، ومن ثم لا يمكن الوصول إلى عالم أكثر سلمية إلا إذا تم الاعتراف بحقوق النساء الأساسية وأمنهن والحفاظ عليهما في أوقات الحرب»، وفقاً لما أعلنته لجنة نوبل النرويجية، في أسباب اختيارهما لنيل الجائزة الدولية. وإذا كان الطبيب موكويغي الحاصل على الجائزة بعد أن عالج 50 ألفاً من ضحايا جرائم الاغتصاب من نساء وأطفال وحتى رضع عمرهم بضعة أشهر في مستشفى بانزي، الذي أسسه عام 1999 في بوكافو شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يحظَ بالتغطية الإعلامية العالمية الكافية التي يستحقها كونه أحد القلائل المناضلين عالمياً «الذي يرسم خطاً أحمر للاغتصاب كسلاح حرب»، إلا أن المناضلة نادية مراد، لم تحصد الجائزة فقط، بل استحقت أيضاً تقدير العالم واحترامه كونها أصبحت «أيقونة الكفاح ضد الاغتصاب» وعرفت العالم على مأساة الإيزيديين خلال حكم تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي في العراق، لذلك كان تسليط الضوء عليها كونها إحدى ضحايا الرق الجنسي تحت حكم التنظيم المتطرف، حيث عاشت تلك الفتاة فظاعات لا يمكن تصورها، لكنها استطاعت أن تجسد ملحمة صمود ضد الاستعباد الجنسي، والسبي، وانتصرت بإرادتها على طيور الظلام في أسوأ الحقبات التي مر بها أبناء الطائفة الإيزيدية، لذلك، صنفت على أنها المدافع الأول والأبرز عن قضية تلك الأقلية المضطهدة في العراق. نادية مراد باسي طه فتاة إيزيدية عراقية من قرية كوجو في قضاء سنجار ولدت في سنة 1993، عاشت حياة هادئة ومستقرة، حتى أغسطس 2014، تاريخ اجتياح تنظيم الدولة «داعش»، لقريتها في قضاء سنجار، حيث تغيرت تلك الحياة بالكامل، وانقلبت رأساً على عقب، لتعيش جحيماً في عهد «داعش»، وكانت شاهدة على مجزرة قرية كوجو مسقط رأسها غرب محافظة نينوى على جبل سنجار قرب الموصل، حيث فقدت نادية مراد نحو 700 من أهل قريتها بينهم أمها و6 من أخواتها في مجزرة لـ «داعش» استغرقت نحو ساعة، لتصبح تلك الفتاة على مدار نحو 3 أشهر من ضحايا التنظيم المتطرف في العراق، بعد أن اختطفت، وظلّت على مدار 3 أشهر «جارية» لدى «داعش» وتعرضت للضرب والتعذيب والاغتصاب، ومرت بتجارب قاسية بخضوعها لمعاملة الرقيق من قبل مقاتلي التنظيم المتطرف، وتعرضت للاغتصاب من 13 داعشياً، لكنها لم تكن وحدها بل كان معها الآلاف من نساء وأبناء ديانتها فكانوا جميعاً ضحية الرق الجنسي في الموصل، شمال العراق، معقل التنظيم المتطرف، قبل أن تتمكن من الفرار من الموصل، بمساعدة أسرة مسلمة، حيث حصلت على هوية مكنتها من الانتقال إلى كردستان العراق، ومن الإقليم الشمالي، سافرت إلى ألمانيا، حيث تلقت العلاج من الأذى الجسدي والنفسي الذي لحق بها على يد التنظيم المتطرف. وربما هذا ما دفع المناضلة الحقوقية إلى إطلاق حملات ضد الاغتصاب والاستعباد أثناء الحرب على «داعش»، حيث كانت أول ضحية للاتجار بالبشر تشغل منصب سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، قبل أن تحصل على جائزة المجلس الأوروبي باسم فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان عام 2016، وجائزة ساخاروف لحرية الفكر عام 2016، وفي أغسطس الماضي، أعلنت زواجها من العراقي عابد شمدين في مدينة توتغاد بألمانيا. ورغم محاولات أعداء الإسلام، أيتام الأحقاد، الصيد في الماء العكر واستغلال قضية تلك الفتاة للهجوم عليه، كونهم استندوا زوراً وبهتاناً إلى أن التنظيم المتطرف يعبر عن «فكر الإسلام المتشدد»، واستغلال انتهاكات «داعش» ضد أبناء وبنات الديانات غير المسلمة، وحديثهم المبتذل عما يسمى بـ «النفاق الإسلامي»، إلا أنهم يفشلون في كل مرة، نتيجة جهلهم، بتعاليم الإسلام السمحة، وبالشريعة التي كرمت المرأة أيما تكريم، سواء المرأة المسلمة، أو غير المسلمة، ولم يدعُ الإسلام إلى اضطهاد أية طائفة أو ديانة أو عرقية أو إثنية، وليس أدل على ذلك من أن هناك أكثر من 150 آية في القرآن الكريم تحض على حرية العبادة والفكر والرأي والمعتقد، في حين أن الشريعة الإسلامية كانت واضحة تماماً في التفريق بين حرية المعتقد من جهة، وبين سوء الأخلاق، من جهة أخرى، وحتى وإن اقترف الأخيرة مسلمون أو متأسلمون. * وقفة:
فشل «أيتام الأحقاد» في استغلال قضية نادية مراد للترويج إلى مزاعم ما يسمونه بـ «النفاق الإسلامي» كونهم يجهلون عمداً أن أكثر من 150 آية في القرآن الكريم تحض على حرية الفكر والمعتقد.. ألا ساء ما يدعون!! |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
9 | نادية مراد .. ما وراء نوبل ! | عائشة سلطان | صحيفة البيان الاماراتية | ||
لم تمنح جائزة نوبل للسلام هذا العام لشخصيات سياسية، لا لسياسيين في مجال التصالح مع إسرائيل، ولا مناضلين قبعوا في المعتقلات والسجون سنوات طويلة ثمناً لنضالات طويلة ضد الاحتلال والأنظمة الفاشية، نوبل للسلام ذهبت هذا العام لشخصيتين تبنتا بكل شجاعة قضايا إنسانية شديدة الحساسية: الفتاة العراقية الإيزيدية نادية مراد ضحية ممارسات وحوش داعش، ودنيس ماكويغي، طبيب النساء والتوليد الكونغولي الذي تبنى معالجة النساء ضحايا الاغتصاب، هاتان الشخصيتان اللتان بزغتا من بين الركام والمخلفات البشعة التي تسببت فيها الحروب والتنظيمات الإرهابية والتطرف والفقر والعنصرية في العالم الثالث. فحين كانت الفتاة الإيزيدية العراقية نادية مراد ترفع صوتها في كل البلاد العربية التي زارتها ضمن حملة واسعة للفت الانتباه وشحن الرأي العام ضد جرائم الاغتصاب وتجارة البشر وبيع الفتيات واستعبادهن جنسياً على يد قطعان داعش في العراق، كان هناك من يقف إلى جانب داعش ويغض الطرف عن جرائمه، فتُركت وحيدة تعرض مأساتها. إن الثمن الغالي الذي دفعته نادية قاد في النهاية لتجريم داعش وكشف وجه مقاتليها البشع ومنح الضحية فرصة الانتصار على جلاديها. ولدت نادية مراد عام 1993، في قضاء سنجار بالعراق، واختطفت عام 2014 من قبل مسلحي داعش وهي ابنة 21 عاماً بعد أن تم لهم قتل ستة من أشقائها، ومن ثم تعرضت للاغتصاب الجماعي والمتكرر، وبيعت أكثر من مرة، واستُقدمت إلى مناطق عدة لهذا السبب، إلى أن تمكنت من الهرب لتخوض معركة استرجاع حقها وحقوق عشرات الفتيات، والانتصار لكرامتها المهدرة ولإنسانيتها أولاً دون خوف أو تردد، فاستحقت جائزة نوبل للسلام هذا العام. من الأهمية القصوى القول بأن وجود القانون لا يعني شيئاً إذا لم تعضده معرفة الإنسان بحقوقه، ودفاعه عنها، ووجود جهات قادرة على تبني قضيته وإنصافه حين تعجز بلاده أحياناً عن إنصافه كما حدث مع الفتيات الإيزيديات اللاتي لم يجدن جداراً يتكئن عليه أمام تغول إرهابيي “داعش” وأمام صمت العالم، وحتى حين أنصفت جائزة نوبل نادية كجزء من تكفير عالمي لما لاقته هي وأخواتها، فإن جماعات وفصائل ورجال سياسة في بلادها لم يرقهم هذا الفوز، وكأن نادية كشفت سوآتهم، وكأن الجائزة فضحت صمتهم! إن أي إنسان حر يرفض التجاوز على إنسانيته ويرفض إهانة كرامته، كما فعلت نادية سيتحمل كل شيء ليدافع ليس عن نفسه فقط، ولكن عن كل إنسان معرض ذات يوم للمصير نفسه، لذلك تسلحت بإرادتها ووعيها بحقوقها وبالقانون وبالعالم، متناسية الخوف من الفضيحة ومواقف الناس وتقييماتهم الضيقة. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
10 | صراعات الأكراد.. وخسائرهم | وحيد عبد المجيد | صحيفة الاتحاد الاماراتية | ||
الأكراد مظلومون. هذا ما هو ثابت في التاريخ المعاصر. ظُلموا في البلدان التي يعيشون فيها، ومازال الظلم واقعاً عليهم بدرجات متفاوتة. لكنهم في الوقت نفسه ظالمون. ظلموا بعضهم البعض، ومازالوا. وسواء أكان ظلمهم لأنفسهم أقل من ظلم غيرهم لهم، أو أكثر، فهم يتحملون مسؤولية أساسية عن معاناتهم، لعجزهم عن حل الخلافات بين أحزابهم وجماعاتهم، ومن ورائها عائلاتهم السياسية، بالحُسنى. وظهر في كثير من صراعاتهم أنهم يفتقرون إلى مقومات أساسية ينبغي توفرها لدى كل من يتطلع إلى الاستقلال بغض النظر عن أحقيته. وممارسات أكراد العراق اليوم دليل جديد على ظلمهم لأنفسهم، مثلما كانت الحال منذ عام 2003 عندما أُتيحت لهم فرصة فريدة لم يحظ أقرانهم في أي بلد آخر بمثلها. فقد أُقيم النظام السياسي في العراق «الجديد» على أساس اتحادي «فيدرالي» يوزع السلطات في البلاد بطريقة غير مركزية. تتمتع الأقاليم في النظام الاتحادي بصلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية. لكن ما أُتيح لأكراد العراق في ظل هذا النظام كان أكبر من الصلاحيات المتضمنة في النظام الاتحادي، لأن ضعف الحكومة الاتحادية في بغداد مكَّن إقليم كردستان من تجاوز هذه الصلاحيات. كان بإمكان أكراد العراق أن يقدموا تجربة صالحة في إدارة الإقليم وتنميته، فتصبح قدوة ونموذجاً. لكن الصراعات الصغيرة، والأطماع الشخصية والعائلية والحزبية، بددت تلك الفرصة التي قد لا يجد الأكراد مثلها مرة أخرى في أي من البلاد التي يوجدون فيها. وشهدت الأسابيع الأخيرة أحد تجليات هذه الممارسات التي تُضعف موقف الأكراد في مطالبتهم بالاستقلال، وتُفقدهم القوة المعنوية اللازمة لإقناع غيرهم بأنهم يستحقون تحقيق حلم تاريخي يراودهم، ويبدو أنه سيبقى حلماً، ليس لقوة من يرفضونه في المنطقة، ولكن لأنهم يضعفون أنفسهم في المقام الأول. اشتد تناحر الحزبين الرئيسيين في كردستان على منصب رئيس الجمهورية العراقية المخصص ضمنياً للأكراد في إطار نظام الحصص «الكوتا» المعمول به منذ عام 2003. وتزامن هذا التناحر مع تفاقم الصراعات في داخل إقليم كردستان بسبب الانتخابات التي أُجريت لاختيار برلمان محلي جديد في آخر سبتمبر الماضي. فقد رفض «الحزب الديمقراطي الكردستاني» استمرار التفاهم السابق مع غريمه «الاتحاد الوطني الكردستاني» على أن يكون منصب رئيس الجمهورية العراقية من نصيب الأخير. وبعد أن رشح «الاتحاد الوطني» برهم صالح لهذا المنصب، أعلن «الديمقراطي الكردستاني» ترشيح فؤاد حسين. ودخل الحزبان في معركة كسر عظم، وركض قادتهما إلى بغداد سعياً لبناء تحالفات لنيل العدد اللازم من الأصوات. وأحدث صراع الحزبين على منصب رئيس الجمهورية ارتباكاً في الساحة السياسية العراقية، وتداخلت المساومات التي سعى كل منهما لعقدها من أجل الفوز بالمنصب مع التحركات التي يقوم بها التحالفان الأساسيان في هذه الساحة (تحالف الإصلاح، وتحالف البناء) لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها أن ترشح من يتولى رئاسة الحكومة. وأسفرت هذه المساومات عن ترجيح كفة برهم صالح. لم يقبل «الحزب الديمقراطي الكردستاني» ما حدث، ورفع راية الغضب، وأعلن انسحاب مرشحه بشكل غير رسمي. لكن جولة التصويت الثانية في الجلسة التي عقدها مجلس النواب في الثاني من أكتوبر الجاري حسمت الصراع لمصلحة مرشح «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وأدى ذلك إلى توسيع الهوة التي باتت غير مسبوقة بين قطبي الإقليم الكردي، وتصاعد الصراع بينهما على انتخابات برلمان إقليم كردستان، وازدادت الاتهامات المتبادلة بممارسة التزوير كل في مناطق سيطرته ونفوذه. وينطوي هذا المشهد على دلالات سلبية بالنسبة للأكراد عموماً، ويثير التساؤل عما يمكن أن تؤول إليه الصراعات بينهم بعد أن قدم الحزبان الرئيسيان في كردستان العراق أسوأ صورة يمكن أن يأخذها العالم عنهم، وبددا آخر فرصة لتقديم تجربة أفضل من تلك التي شهدها المجتمع الدولي في الانتخابات العراقية العامة التي أجريت بمشاركتهما في مايو الماضي. ولعل أهم الأسئلة التي يثيرها مشهد انتخابات إقليم كردستان، وصراع الحزبين الرئيسيين فيه على منصب رئاسة الجمهورية العراقية، هو: ماذا يمكن أن يفعل الأكراد باستقلالهم إذا افترضنا إمكان حصولهم عليه؟ وهل تتصاعد في هذه الحال الصراعات بينهم على نحو يهدد بتكرار السيناريو البائس في جمهورية جنوب السودان؟ الكاتب |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
11 | التسامح.. أَمل مِن رَحمِ المأساة | رشيد الخيّون | صحيفة الاتحاد الاماراتية | ||
حصلت نادية مراد العراقية الإيزيدية، مؤخراً، على جائزة «نوبل للسلام»(مناصفة) لهذا العام، ولعلَّ في ذلك شيئاً من تعويض مأساتها على يد أزلام «داعش»، بعد اجتياح سنجار(2014). فمنطقتنا في العقود الثلاثة الأخيرة تعرضت إلى عواصف هائجة مِن المذهبية والتَّعصب الدِّيني، وتوجت بالقتل على الهويات، أي أن كل ذنب الإنسان أنه ولد على دين ومذهب أمه وأبيه، والحديث يقول: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ…»(موطأ مالك). يبقى الظلم على أساس الدِّين والمذهب والعِرق واللَّون واقعاً إذا لم يُصار إلى تكريس التَّسامح والتعايش الاجتماعي، كثقافة تبدأ بقوانين رسمية، ويدخل في التَّربية والتَّعليم، مع عقوبات صارمة لا تهاون فيها، لأن الإيذاء العنصري يعادل القتل الرُّوحي والبدني، فكيف إذا كان اغتصاب وبيع النساء أسيرات، مثلما تعرضن له بنات ديانة نادية مراد؟! نقرأ في رسالة التنويري الفرنسي فولتير(ت1778)، التي كتبها العام(1763)، وقامت بترجمتها هنرييت عبودي، زوجة الباحث التنويري الموسوعي جورج طرابيشي(ت2016)، نقلتها إلى العربية، مع صعوبة ماكتبه فولتير في القرن الثَّامن عشر، ونشرتها «رابطة العقلانيين العرب» عن دار «البترا»(2009). جاءت رسالة فولتير في عنوانها مطابقة لرسالة التنويري الإنكليزي جان لوك(ت1704)، وعلى ما يبدو لا وجود لتطابق في المحتوى بقدر ما هناك تطابق بالهدف، ومَن يقرأ الرسالتين يبان له الاختلاف بلا عناء، كذلك لا يبدو فولتير كتب رسالته متأثراً بلوك، والسبب أن الأول كتب بتأثير مأساة، أي ولدت هذه الرِّسالة العظيمة، قياساً بزمن الحروب الدِّينية والمقاتل على أساس مذهبي، مِن رحم جريمة بشعة تعرضت لها عائلة بروتستانية على يد غوغاء ومحكمة كاثوليكية. في عام(1762) هزَّ الحكم بالقتل، على التاجر «كالاس» البروتسانتي بوضعه في دولاب وتقطيع جسده، مدينة تولوز الفرنسية، وقُتل على حد عبارة فولتير «بسيف العدالة»، والحكم على زوجته وولده وشخص آخر بالحُكم نفسه. أُتهم «كالاس» بقتل ولده أنطوان، الذي انتحر(1761)، وكان سبب انتحاره أنه تخرج محامياً، ولم يجد عملاً في المحاكم لأنه بروتسانتي بمدينة كاثوليكية، وبما أنه كان ميالاً إلى الاكتئاب والانطوائية، أوصلته الحالة إلى شنق نفسه. غير أن سُكان المدينة، الذي يحتفلون سنوياً بقتل أربعة آلاف (هرطقي)، كأحد أعيادهم، أحاطوا بدار «كالاس»، وأشار أحدهم إلى أن الأب قتل ولده، لأن الأخير أراد الخروج من البروتستانية، فلفقت التهمة وحُكم على الأسرة بالقتل، وفصل البنات عن الأُم، وصار أنطون المنتحر قديساً، وضحية الدفاع عن مبادئه الدِّينية! ليس هناك أدلة غير التخمين وما يتداوله الغوغاء الهائجون، فأعدم الأب، وظلت الأم تنتظر التنفيذ بها، والقضاة لا يريدون الإعفاء عنها وابنها الثَّاني وصديق أنطوان، لأنهم سيتورطون ببراءة الأسرة، وقد أعدموا الأب بأسلوب بشع. كانت هذه الحادثة المؤلمة وراء عمل فكري وثقافي جليل، وهو «رسالة في التسامح»، كدعوة للتعايش ليس بين المذاهب المسيحية، في القرن الثامن عشر، إنما بين أديان البشرية وأعراقها جمعاء، وصدرت بعد عام على تلك المأساة(1763). يقول فولتير في أحد فصول رسالته «التَّسامح الكوني»: «لم أكن في حاجة إلى حَذقٍ كبير، أو للغة متكلفة، كي ما أثبت أن على المسيحيين أن يكونوا متسامحين في ما بينهم، غير أني سأذهب إلى أبعد مِن ذلك، فأدعوا إلى اعتبار البشر جميعاً إخوة لكم. ماذا؟ قد تجيبون أيكون التُّركي(المسلم) شقيقي؟ والصِّيني شقيقي؟ واليهودي؟ والسِّيامي؟ أجل بلا ريب، أفلسّنا جميعاً أبناء أب واحد، ومخلوقات إله واحد»! يقطع «فولتير» الطَّريق على مَن يتعذر بممارسة تلك الشعوب الكراهية ضد المسيحيين: «قد يقول قائلكم، ولكن هذه الشعوب تحتقرنا، تعتبرنا مِن عبد الأوثان! حسناً سوف أقول لها إنها مخطئة، وقتئذ أني قد أربك هذا الإمام المكابر، أو ذلك الرَّاهب البوذي السِّيامي المتعجرف، إذا ما خاطبتهم على النَّحو التَّالي: «هذه الكرة الأرضية الصَّغيرة، ليست أكثر مِن نقط ة دائرة في الفضاء، على غرار كرات أخرى عديدة، ونحن ضائعون في هذا الكون الشَّاسع لامتناهي الأبعاد. إن الإنسان الذي لا يتجاوز طوله 5 أقدام، لا يُمثل شيئاً يُذكر في هذه الخليقة». أقول: كم مأساة حصلت بمنطقتنا، مثل هذه، مع اختلاف الأسلوب، لكن السَّبب واحد، فمَن لا يتذكر الفتاة الإيزيدية «دعاء»، التي قتلها غوغاء مِن أبناء قومها رجماً بالحجارة(2007)، لكن أهلها امتحنوا بمحنة «جان كالاس»، فهب مقاتلو «القاعدة» للثأر لها، على أنها أشهرت إسلامها، فصارت أختهم، حالها حال أنطوان مع الكاثوليك، عندما ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شاب مسلم، وقد قتلوا نحو عشرين رجلاً إيزيدياً، وصارت القُرى الإيزيدية تحت نيران تفجيراتهم آنذاك. هذا مجرد مثال، وإلا ما جرى ويجري في القُرى المصرية أو الباكستانية المشتركة، كثيراً على منوال قضية «كالاس»، غير أن (كالاسنا)، لم ينتج رسالة بحجم ما أنتجه فولتير، مع أن المأساة مازالت فاعلة فينا. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
12 | علامات أمل للتغيير الإيجابي في العراق
|
لينا الخطيب | صحيفة الشرق الاوسط السعودية | ||
مر العراق بأوقات عصيبة على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. انتصار الحكومة العراقية عسكرياً على «داعش» لم يترجم بعد إلى فرص عمل لأولئك الذين فقدوا سبل معيشتهم في المناطق التي كان يحكمها التنظيم سابقاً والتي تم تدميرها في الحملة العسكرية الدولية ضد «داعش»، كما هو الحال في الموصل. تحسن الوضع الأمني في البلاد لكن هجمات الإرهابيين مستمرة، خصوصاً أن «داعش» يحاول تأكيد نفسه في أعقاب فقدان معظم سيطرته الإقليمية في العراق وسوريا. لا يزال الفساد مشكلة مستوطنة، حيث صنفت منظمة الشفافية الدولية العراق الدولة الـ 169 من أصل 180 دولة على مؤشر الفساد الخاص بها. ويلقى باللوم على الفساد كسبب لمشكلة تلوث المياه في البصرة التي أصابت سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق، الذي شرب من مياه البصرة الأسبوع الماضي، وأصيب بالتسمم لتلوثها. ومع ذلك، ورغم كل هذه القضايا السلبية والخطيرة، هناك بصيص من الأمل في العراق. أحد التطورات الإيجابية في البلاد هو تزايد البراغماتية السياسية التي تتخطى الخطوط الطائفية. في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو (أيار) الماضي، شهد العراق لأول مرة تحالفاً بين الحزب الشيوعي والحزب الذي يقوده رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر، والذي قدم نفسه إلى الناخبين ليس على أسس دينية ولكن قومية إصلاحية. هذا الائتلاف، المسمى «سائرون»، حصل على مقاعد أكثر من أي حزب آخر في انتخابات هذا العام. بعد ما يقرب من أربعة أشهر من النقاش حول تشكيل الحكومة، تم تعيين رئيس وزراء توافقي الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى رئيس جمهورية معروف بقيمه المنفتحة، وهو أول رئيس من نوعه للعراق. كانت عملية انتخاب الرئيس في العراق في عام 2018 هي أيضاً الأولى من نوعها في البلد حيث لم تكن موجهة من قبل الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها مختلف أعضاء البرلمان. كان هناك عدم توافق في الآراء داخل الكثير من الأحزاب حول من الذي يجب أن يتم انتخابه رئيساً، الأمر الذي ترك أعضاء البرلمان يصوتون للمرشح الذي اعتقدوا أنه كان أكثر ملاءمة. لذا كانت انتخابات عام 2018 هي أول انتخابات رئاسية مفتوحة في العراق. هناك أمل في ألا يكون هذا التطور استثنائياً بالنسبة للبلاد وأنه يمكن للعراق أن يستمر على طريق الانفتاح السياسي. إن السلوك السلس الذي أبداه رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي نحو خليفته عادل عبد المهدي تمت الإشادة به كمثال على البراغماتية السياسية القائمة على قبول الهزيمة كجزء من أي عملية سياسية، وهو ما يخالف الاتجاه المألوف في الشرق الأوسط في النظر إلى الانتخابات باعتبارها لعبة غالب أو مغلوب محصلتها صفر. إن الاحتجاجات التي تجري في جميع أنحاء البلاد حالياً بما في ذلك البصرة هي بالطبع مصدر للقلق لأنها تؤكد خطورة مشكلة الفساد في العراق. لكن كما علق زميلي ريناد منصور، في هذه الاحتجاجات، ينادي الناس بمحاسبة قادتهم، بما في ذلك المتظاهرون الشيعة الذين ينتقدون زعماء الشيعة والمحتجون السنة الذين ينتقدون الزعماء السنة. هذا الاتجاه نحو السياسة القائمة على القضايا لا يعني أن الطائفية في العراق قد اختفت، ولكن هذا يعني أن هناك وعياً متزايداً بأهمية قضايا مثل الشفافية والمساءلة. هذه لحظة محورية للعراق، تأتي بعد وقت قصير من تحرير معظم المناطق التي كان يحتلها «داعش»، وتشير إلى أن الانتصارات العسكرية بالنسبة إلى الناس العاديين في العراق ليست كافية. الاحتجاجات هي صرخة من قبل أفراد الشعب العراقي أنهم يدركون تماماً حقوقهم كمواطنين ومسؤوليات الدولة تجاههم. ويقع العبء الآن على عاتق السلطات العراقية لإظهار أنها تستمع لمطالب العراقيين. في الأسبوع الماضي، منحت لجنة جائزة نوبل للسلام جائزة عام 2018 إلى نادية مراد، وهي ناشطة عراقية إيزيدية نجت من قبضة «داعش» لتصبح سفيرة ضد الاتجار بالبشر والعنف الجنسي وناشطة من أجل حقوق الإيزيديين. هذا إنجاز مهم لأنه أول جائزة نوبل على الإطلاق للعراقيين. وقد كانت الحكومة العراقية نفسها هي التي رشحت نادية مراد لجائزة نوبل للسلام عام 2016. والحكومة تحتفل بجائزتها التي تستحقها عن جدارة كإنجاز للعراق. ولكن تأتي جائزة مراد في فترة شهد خلالها العراق سلسلة من جرائم القتل التي تستهدف النساء. عملت امرأتان مقتولتان في مجال التجميل، وأخرى كانت عارضة في وسائل التواصل الاجتماعي، والرابعة كانت ناشطة في الخطوط الأمامية في احتجاجات مكافحة الفساد الجارية في البصرة. تتكهن السلطات العراقية بأن بعض جرائم القتل هذه هي جرائم ذات طبيعة شخصية، وتقول ببساطة إن التحقيقات فيها مستمرة. ولكن يقول بعض المراقبين في البصرة إن قتل الناشطة الحقوقية، الدكتورة سعاد العلي، من المرجح أن يكون ذا دوافع سياسية، وإن الجناة يبدو أنهم ميليشيات تحاول سحق الاحتجاجات. ورغم أن العلاقة بين النساء اللاتي قُتلن للوهلة الأولى يبدو أنها تقتصر على جنسهن، فإنهن كنّ جميعهن يتحدثن بصراحة عن حقوق المرأة. لذلك لا يمكن للحكومة العراقية أن تشيد بفوز نادية مراد بمصداقية من دون إيلاء اهتمام جاد لمسألة حقوق المرأة في العراق بشكل أعم، ولمسألة قتل النساء الأربع. يمثل منح جائزة نوبل للسلام لنادية مراد رصيداً مهماً للإصلاحيين العراقيين الذين يتمتعون بنفوذ سياسي، مثل الرئيس الجديد. لقد حان الوقت الآن لتحويل قيمهم إلى سياسات. ومن دون تكريس جهود جادة لأمور مثل حقوق المرأة، فإن أمثال مراد نفسها سيصبحون أهدافاً لأولئك الذين يريدون إسكات أصوات النساء. هذه فترة مهمة في تاريخ العراق الحديث. على المستوى الشعبي، سواء من خلال حركة الاحتجاج أو نشاط المطالبين بحقوق المرأة، هناك مؤشرات على أن التغيير الإيجابي ممكن. على المستوى السياسي، هناك أيضاً لمحات من نفس الطينة. ويحدونا الأمل في أن يبذل قادة العراق الجدد الجهود اللازمة للعمل مع القواعد الشعبية في برنامج الإصلاح في البلد. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
13 | أولويات الحكومة العراقية الجديدة… وفرصة لرسم المستقبل | مينا العريبي | صحيفة الشرق الاوسط السعودية | ||
حكومة جديدة. فرصة جديدة. هذا ما يتمناه الكثير من العراقيين على الرغم من المصاعب التي تواجه البلاد. لا بد لنا أن نشعر ببصيص أمل بإحداث تغييرات مع الإعلان عن الرئيس الجديد لجمهورية العراق برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي. وبالطبع هناك عراقيون يقولون إن الوجوه تتغير ولكن الواقع لا يتغير. ومن الصعب إلقاء اللوم عليهم بعد الذي عانوه خلال السنوات والعقود الماضية. فعلى المسؤولين الجدد أن يبرهنوا جديتهم في خدمة الشعب وبالتزامهم بالقسم الذي أدوه عند توليهم المقاعد البرلمانية والمناصب الرسمية. لا شك أن بشخص برهم صالح، المعروف بثقافته العالية ومطالبته بإعادة الهيبة إلى الدولة، هناك فرصة لتقوية رئاسة الدولة. كما أن إعلان عادل عبد المهدي بأنه «مستقل» ومنفتح على العمل مع جميع الأطراف يوحي بإمكانية العمل الجدي لتشكيل حكومة سلمية. بالطبع هذان الشخصان مع الاحترام لهما يعملان ضمن نظام عانى من الفساد والانقسامات والمحاصصة والجريمة المنظمة، ناهيك عن نفوذ دول لديها أطماع في العراق. ولكن لا يمكن أن يتغير هذا الحال من دون شخصيات مستعدة لمواجهة التحديات والمخاطرة بمصالح أحزابها مقابل المصلحة العامة. لا بد هنا من الاعتراف بجهود رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي تسلم منصبه والبلد على حافة الهاوية. وعلى الرغم من بعض إخفاقات الحكومة السابقة، سعى العبادي إلى مناهضة السياسات الطائفية. وكان عليه أن يوازن بين ضرورة دحر «داعش» وإرهابه وبين كبح جماح قوة الحشد الشعبي المتنامية. واليوم يسلم العبادي البلاد وهي بحال أفضل مما تسلمها من سلفه نوري المالكي. الـسابيع المقبلة ستشهد اختبار تشكيل الحكومة – هل ستكون على غرار خلفيات صالح وعبد المهدي وسطية ومقبولة بشكل واسع؟ ـم ستحتم الحسابات السياسية اختيار شخصيات مثيرة للجدل وتخدم مصالحها الحزبية؟ تشكيلة الحكومة وقدرتها على تخطي الاحتقانات السياسية من أجل تنفيذ برنامج وطني جامع ستكون أساسية لمساعدة العراق على الخروج من دوامة الأزمات المستمرة. هناك اختلاف واضح بين الأحزاب حول كيفية تشكيل الحكومة واختيار الشخصيات المناسبة لشغل المناصب الوزارية. ولكن الأهم من أسماء تلك الشخصيات هي برنامج الحكومة المقبلة وأولوياتها. لائحة المطالب طويلة ولكن هناك ست أولويات يجب أن تنتبه الحكومة الجديدة لها: الأولوية الأهم والأبرز تبقى في تزويد الأمن والأمان للشعب العراقي. خلال الساعات الـ48 الماضية، انفجرت عبوات ناسفة في 3 مناطق عراقية بينما تم الإعلان عن مقتل ناشطة عراقية في البصرة، لتصبح سادس امرأة بارزة تغتال في البلاد منذ 4 أسابيع. وتزويد الأمن يأتي من خلال الاستمرار في بناء القوات المسلحة العراقية وإصلاحها، بالإضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة. الأولوية الثانية المرتبطة بالأولى وهي تأمين حياة كريمة للشعب العراقي، وخاصة في ما يخص الخدمات الأساسية. النهوض بمجالات التعليم والصحة أساسي لإحراز أي تقدم ملموس. من الصعب التصديق بأن الدولة المنتجة لما يقارب من 4 ملايين برميل من النفط يومياً ما زالت تعاني من شحة الكهرباء والمياه الصالحة للشرب. ولا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة التي أدت أخيراً إلى إصابة 100 ألف من سكان البصرة بالتسمم بسبب تلوث المياه. كما من الضرورة وضع آلية لمساعدة المستضعفين مثل الأيتام والأرامل وغيرهم. فبحسب آخر إحصائية موثوقة، هناك في العراق ما بين 800 ألف ومليون طفل فقد أحد أبويه. وغالبية هؤلاء يعيشون دون خط الفقر. الأولوية الثالثة تعتمد على بناء اقتصاد سليم وجعل الثروة النفطية ركيزة لبناء اقتصاد ما – بعد النفط، بدلاً من جعله أساساً للفساد المستشري في البلد. الإصلاحات المالية ومحاربة الفساد ضرورة ملحة. وكل ذلك يجب أن يصب في صالح معالجة مستويات البطالة العالية في البلاد، خاصة بين الشباب والتي تصل إلى 30 في المائة في بعض المحافظات. كما أن الاقتصاد القوي ضروري لإعادة البنى التحتية الضرورية للبلاد. هذه الأولويات الثلاثة أساسية لإعادة ثقة الشعب بالحكومة وبالدولة. علينا ألا ننسى أن انتخابات هذا العام شهدت أقل نسبة من المشاركة بين الناخبين، بنسبة 44.5 في المائة حسب أعلى التقديرات. ويجب إعادة الثقة بالسلطة وهو أمر لن يكون بالسهل بعد سنوات من الإخفاقات. وهنا ننتقل إلى الأولوية الرابعة وهي تقوية العقد الاجتماعي بين الشعب والدولة في العراق، بالإضافة إلى تقوية مؤسسات الدولة من جديد. والعمل على تعزيز المواطنة وجعلها جزءاً جوهرياً في هذه المعادلة، بعد أن حلت الطائفة والعشيرة والحزب والإثنية محل الهوية الوطنية. أما الأولوية الخامسة فهي تقوية مؤسسات الدولة لضمان سيادة القانون في البلاد، وهذا يعتمد كله على الدستور. الدستور العراقي بحاجة ملحة إلى المراجعة وتعديل بنود أساسية فيه على رأسها تلك المتعلقة بكيفية إدارة النظام الفيدرالي. من دون دستور قوي، مرتكز على سيادة القانون وحماية القضاء، لن يكون بالإمكان محاربة الفساد المالي والسياسي ولا بناء ثقة المواطن بالدولة. أما خارجياً، فعلى العراق أن يأخذ مكانه الطبيعي في وسطه العربي وعلى الساحة الدولية من خلال بناء علاقات إقليمية ودولية متوازنة. وهذه هي الأولوية السادسة. تقوية العلاقات الإقليمية وخاصة مع الدول العربية التي تبدو منفتحة على العراق بطريقة ملحوظة فرصة يجب ألا تضيع. اتصال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وغيرهم من القادة العرب بكل من صالح وعبد المهدي فور اختيارهما لمنصبيهما مؤشر واضح على الدعم العربي للحكومة العراقية – عليها أن تتجاوب وبسرعة معها. ومع تزايد الضغوط على إيران، بما في ذلك فرض عقوبات أميركية جديدة الشهر المقبل، من المتوقع أن تسعى طهران لتوسيع تدخلاتها في العراق للاستفادة المادية والسياسية. وهنا سيكون على الحكومة العراقية أن تحمي مصالح العراق وتحرص على سيادته الكاملة. إنها تحديات جسيمة ولكنها تمثل فرصة يمكن للقادة الجدد من خلالها أن يغيروا مسار تاريخ العراق ورسم مستقبله في حال أصغوا لنبض الشارع وسعوا لتحقيق طموحات الشعب العراقي. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
14 | طوق ترامب يضيق الخناق على بكين وطهران | ألان فراشون | صحيفة «لوموند» الفرنسية | ||
يسعى الرئيس الأميركي إلى حمل بكين على تعديل شطر من سياستها الاقتصادية وثني طهران عن طموحاتها الإقليمية. وعلى وقع العقوبات الاقتصادية، يتحدى دونالد ترامب الصين وإيران. واقتصاد الصين ضخم يضاهي الاقتصاد الأميركي. أما الثانية، أي إيران، فهي قوة وازنة استراتيجياً في الشرق الأوسط. وفي الحالين، يرمي ترامب إلى تغيير عميق في سياسات هذين البلدين، وكل منهما في مجاله راجح النفوذ. وعلى خلاف الشائع، ليس الرئيس الأميركي الـ45 انعزالياً، بل هو «تدخلي». وحين مغادرته في نهاية الشهر الماضي اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك، حدد أهدافه: إلزام طهران الصدوع بالمفاوضة من جديد على برنامجها النووي والتخلي عن طموحاتها الإقليمية؛ وتغيير جزء من السياسة الاقتصادية الصينية. وأهداف ترامب ضخمة تعيد إلى الأذهان طموحات المحافظين الجدد في عهد جورج بوش الابن: رسم وجه العالم و «قولبته». ويرى الصينيون والإيرانيون أن مساعي ترامب ترمي إلى حفظ ماء الوجه. فترامب فرض على السلع الصينية المستوردة 200 بليون دولار من الرسوم. والصين متهمة بالافتقار إلى النزاهة في العلاقات التجارية بأميركا. ففي سعيها إلى التربع في مرتبة عملاق الابتكار التكنولوجي في 2025، تتلاعب بقواعد التنافس وتسيء استخدامها، على قول الأميركيين. وتريد واشنطن إلزامها على التراجع والتفاوض معها في هاتين المسألتين، ومثل هذه المفاوضة يقوض ركناً من أركان نموذج النمو الصيني. والنزاع مع الصين متعدد الأشكال. فإلى الحرب التجارية المعلنة، وصفت الولايات المتحدة الصين بـ «الخصم الاستراتيجي»، وانتقدت طموحاتها الإمبريالية في آسيا وعسكرة بحر جنوب الصين. وفرضت عليها واشنطن أخيراً غرامة جزاء شراء السلاح من شركة روسية مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية في النزاع الروسي– الأميركي. ولا مفر من اعتبار بكين أن السياسة الأميركية مؤامرة للحؤول دون بروز الصين قوة عظمى. ولطالما قيل للصينيين أن «قرن المذلة بدأ حين أجبرت المملكة المتحدة سلالة كينغ في القرن التاسع عشر على تنازلات تجارية، على نحو ما يذكر جدعون رخمن في صحيفة «فايننشل تايمز». وعلى رغم أن أوروبا تعاني من المشكلات الاقتصادية– التجارية نفسها مع الصين، لا توافق على سياسة ترامب. وعلى خلاف الصين، إيران قوة إقليمية فحسب وليست عملاقاً دولياً. ولكن ترامب يتهمها بالشرور كلها. فهي وحش متقلب الأحوال والألوان مثل الحرباء. فترامب ينزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في منزلة «الجهاديين» السنّة أو عراق صدام حسين في عهد جورج بوش الابن. ففي خطابه يصفها بالعبارات نفسها: قوة «غير مشروعة»، «تزرع الفوضى والموت والدمار» في المنطقة كلها. وعلى وقع عقوبات اقتصادية قاسية، يسعى الرئيس الأميركي إلى حمل طهران على التراجع والتنازل: قبول التفاوض من جديد على اتفاق فيينا لضبط برنامجها النووي المبرم في 2015 مع ألمانيا والصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وانسحب من الاتفاق هذا ترامب في أيار (مايو) المنصرم. فواشنطن تريد تشديد الرقابة على النووي الإيراني، وتسعى إلى أن تشمل المفاوضات الجديدة ترسانة طهران الصاروخية الباليستية. وتطعن الولايات المتحدة في سياسة إيران الإقليمية: مساندتها بشار الأسد ونفوذها من طريق ميليشيات محلية في العراق ولبنان. ومساعي ترامب تمس بنواة الهوية الإيرانية: ميل تاريخي إلى التوسع. وفي سبيل حملها على التفاوض، تطبق واشنطن اقتصادياً على طهران، وتحظر عليها تصدير نفطها. والعقوبات الأميركية أخطبوطية تصل أذرعتها إلى أصقاع العالم كلها. ومهما كانت جنسية الشركة الساعية إلى إبرام معاملة نفطية مع إيران، في وسع واشنطن عزلها عن النظام المالي الأميركي. ولذا، لا تتردد الشركات المتعددة الجنسية الأوروبية في حسم قرارها، والنأي بنفسها عن التعامل مع طهران. وعلى رغم أن أوروبا تشاطر أميركا مآخذها الاقتصادية– التجارية على الصين، وقلقها من سياسة إيران في الدول العربية، تدافع بروكسيل عن اتفاق فيينا- وتقول الأمم المتحدة أن الإيرانيين يحترمونه إلى اليوم-، وتزعم أنها تتصدى للحظر الأميركي. وليس ترامب انعزالياً، فهو يتصدى لأحد محركات النمو الصيني ويسد شريان من شرايين حياة النظام الإيراني. ولا تعرف بكين وطهران السبيل إلى جبه ترامب. ويرى المتفائلون أن سياسة ترامب تحتذي على ما درج عليه في التفاوض: نطالب بأقصى الممكن، ثم ننتظر النتيجة. وترامب يستند إلى سابقة سياسته مع كوريا الشمالية، وهو يتوقع أن يتفاوض معه الصينيون والإيرانيون عاجلاً أم آجلاً. ولكن ما ينتظره ليس مضموناً. فبكين كما طهران تلتزم الصبر في انتظار انقضاء ولاية الرئيس الأميركي. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
16 | جرعة «كيماوي»… فلا تمزق الاستقالة | مشرق عباس | صحيفة الحياة السعودية | ||
لا يحتاج الأمر إلى الشجاعة فقط، بل إلى التشخيص السليم، ليقال إن العراق في حاجة إلى إجراءات إصلاح خطيرة ومؤلمة، تماماً كما يحتاج المصاب بالسرطان إلى نظام علاج «كيماوي» كحل أخير غير مضمون النتائج.
ونعم… العراق قد أصابه سرطان الفساد، وتقاسم الشركات السياسية والميليشيات والمنتفعين والوصوليين، والترهل الوظيفي، وغياب الإيمان الوطني، في أعلى سلطاته. ونعم.. يحتاج الأمر الى شجاعة اعتراف، وتقدير موقف عاجل، ورؤية علاج شاملة يقودها حكماء لمنع السرطان أولاً من الانتشار، واجتثاثه كمرحلة ثانية. على ذلك، لا يغدو تغيير الوزراء والرؤساء والبرلمان، حلاً، إذا لم يقترن بشكل فعلي باستعداد عام لسلوك طريق العلاج الصعب والمؤلم، والذي يتضمن إعادة صوغ هيكلية الدولة بالكامل، بما يسمح بترشيق كادرها الوظيفي المترهل (نحو 3 ملايين موظف) وإلغاء وزارات وهيئات ومديريات فائضة أصبحت مجرد باب لاستنزاف الموازنة، وطرد الموظفين والمستشارين الفضائيين الذين قبلوا على أنفسهم استحصال مرتبات من دون تقديم خدمة فعلية، أو في الأقل الدوام في المؤسسات التي يحق على بعضها أن يطلق عليها بالتعبير العراقي «دوائر فضائية» لأنها بمجملها فائضة. ومن ثم تجب إعادة صوغ قوانين الدولة وصلاحيات مركزها واطرافها، وإضفاء الشفافية والعلنية على عقودها ومصروفاتها، ووضعها أمام المجهر، لقطع الطريق أمام المزيد من قوافل الفساد المتربصة بكل دينار في سعر برميل النفط، ومطاردة كبار الفاسدين بلا هوادة ومراجعة الحسابات السابقة بلا خطوط حمر، ووضع الجميع متساوين أمام القانون. لن تكون حقنة «كيماوي» عاجلة، بل كورس علاج كامل، من ضمن تبعاته سقوط شعر الرأس، وتحمل ألم اعضاء الجسد، وتقبل الاصفرار والوصول إلى حافة الانهيار. لا سلسلة خيارات أمام السرطان، فإما أن تقتله وتحرص على عدم ظهوره مرة أخرى مستعيناً بأحدث ما وصلت إليه العلوم الحديثة، وتكنولوجيا العلاج، والاستعداد النفسي للمقاومة، أو يقضي عليك مهما حاولت الادعاء بأنك مصاب بالإنفلونزا.
و… نعم، لا يجدر اعتبار نزعة رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي إلى الاستقالة من المناصب الرسمية (فعلها نائباً لرئيس الجمهورية، ووزيراً للنفط)، سبة عليه، كما لا تجب مطالبته بتمزيق ورقة الاستقالة التي صرح مرة بأنه يضعها دائماً في جيبه، بل عليه أن يقدم كتاب استقالته مع الأمر الديواني الذي يوقع عليه والقانون المؤلم الذي يعمل على تمريره، وليس بطريقة رئيس إحدى الهيئات الذي كان «بروز» ورقة استقالته ووضعها في صدر مكتبه للوجاهة، وإثبات النزاهة، ثم صمت عنها وسحبها وربما أحرقها، مطلاً من شرفة مكتبه على خراب البلاد، وتغول فساد فاسديها في عصره، متعللاً بعدم قدرته على مواجهة ضعف القوانين، والإجراءات القضائية المعقدة، والضغوط السياسية المتنفذة. على عبد المهدي ان يحمل ورقة استقالته فعلاً، ولا يعرضها عندما يزعل، أو يغضب، أو يتعرض للضغوط، أو تتم مواجهته بالحقائق المرة، كحال المنسحبين من المعركة مع اشتداد أوارها، بل عليه أن يعرض أولاً كل الحلول المؤلمة التي يحتاجها العراق، وأن يجبر القوى السياسية على ترك مهرجان المزايدة السياسية والانضمام إلى المكاشفة المريرة مع الشعب، وأن يضع استقالته وربما حياته قرباناً للإصلاح، ولا يهم بعد ذلك ماذا يحصل، ولا كيف ستتعرض القوى السياسية المرتكبة بحق هذه البلاد إلى الإحراج والفوضى، ولا حتى كيف ستتصرف من بعده، فيومها قد منح الشعب ما يحتاجه ليدافع بنفسه عن نفسه ضد السرطانات التي تلتهم خريطته. لن يكون الصمت مجدياً، لأي مسؤول عراقي، ولن يكون بإمكانه تمرير السنوات ودفعها للحصول على وجاهة الاسم والقصر والحمايات وبعض الاستثمارات، فأمواج العراق قد تكون أعلى من كل الأسوار الممكنة، وأخطر من حرفة السياسيين بركوبها. و… نعم، بلادنا قد نخرها السرطان، وهو لم يعد مرضاً ميؤوساً منه، لكن العلاج، في حاجة إلى الإيمان والإقدام، لا اليأس، ولا التغاضي، ولا التحذلق السياسي، ولا نبش تاريخ السحر والشعوذة بحثاً عن الأمل… العراقيون عليهم أن يصنعوا أملهم بأنفسهم، ويسيروا معاً في الرحلة الصعبة، فقد كانوا فعلوها لقرون طويلة سبقت. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
17 | عادل عبد المهدي في أنفاق العراق | نبيل ياسين | | صحيفة الحياة السعودية | ||
لا يبدو أفضل من الـ «فايسبوك» العراقي، اليوم، لقراءة الآمال والتعويل على تكليف عادل عبد المهدي تشكيل الحكومة وتقديم المطالب التي تتعلق بقضايا هي الإرث الذي تركته الحكومات السابقة، والمتعلق بملفات الأمن والفساد والبطالة والصحة والتعليم والغذاء والكهرباء والإعمار. الـ «فايسبوك» ذاته يكشف عن شماتة بـ «حزب الدعوة» وحرمانه، بعد أربع مرات، من الاستمرار في منصب رئاسة الحكومة، والتبشير بانتهاء دوره القوي، لأسباب خاصة وعامة، منها أن المرجع السيستاني لم يكن على وفاق الحزب منذ الولاية الثانية للمالكي حين حصل الاقتراب الحاد من إيران وتصعيد التوتر مع مرجعية النجف، فساهم ذلك في مزيد من إضعاف «حزب الدعوة» فضلاً عن الانشقاقات فيه التي أفرزت أربعة أجنحة جعلته غير قادر على الطيران باتجاه واحد. خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة اتسع نطاق الانشقاق في «حزب الدعوة»، وبات واضحاً أن جناح المالكي كان يسعى إلى إضعاف العبادي تمهيداً لعودة ذلك الجناح، لكن السخط الشعبي، الذي عبر عن نفسه في تظاهرات واحتجاجات واصطدامات قوية منذ عام ٢٠١١، وسّع الهوة بين «الدعوة» والمرجعية الدينية، فعام ٢٠١٢ كانت الجهود منصبة على عودة اية الله الحائري، مرجع «حزب الدعوة»، من إيران إلى النجف لينافس مرجعية السيستاني، لكن هذه الجهود أفشلت من النجف نفسها ولم يكتب لها النجاح، بيد أنها كانت ضربة قوية على رأس مسمار الخلاف بين ايران والعراق، بين مرجعية النجف ومرجعية قم. وقبيل الانتخابات الأخيرة، كانت شعبية «حزب الدعوة» قد تقلصت، إذ قاطعت نسبة كبيرة جداً (قرابة ٨٠ في المئة) الانتخابات احتجاجاً ويأساً، لكن التلاعب بنسب الانتخابات ونتائجها أعاد أجنحة الدعوة، مع بقية الكتل السياسية، إلى البرلمان، الأمر الذي لم يحظَ برضا مرجعية السيستاني، لكن الضربة الكبرى كانت عدم فعالية «الكتلة الأكبر» التي اخترعتها المحكمة الاتحادية عام ٢٠١٠ بضغط من المالكي في تفسير المادة الدستورية الرقم (٧٦ أولاً)، إذ لم تعد مناورات تشكيل هذه «الكتلة» بعد الانتخابات الأخيرة مجدية بظهور ترشيح المرجعية، على الأغلب استناداً إلى روايات مقربة، فضلاً عن أن عبد المهدي، وأثناء نقاش لنا عام ٢٠١٧ ذكر أنه ما يزال يُستقبل لدى المرجعية في وقت امتنعت فيه عن استقبال السياسيين. بتقديم عادل عبد المهدي، من خلال مقتدى الصدر، صاحب أعلى المقاعد الانتخابية (٥٤ مقعداً) قبل جميع أعضاء الكتلة الأكبر فلم يقدموا مرشحاً آخر، في انعطافة كبيرة في مسار العملية السياسية، فعبد المهدي كان ترك «المجلس الأعلى» ولم ينضم إلى «تيار الحكمة» (عمار الحكيم) فاعتبر مستقلاً، ومستجيباً رغبة المرجعية مرتين، الأولى حين استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية، والثانية حين استقال من وزارة النفط قبل سنتين، ما أكسبه ثقة المرجعية. بيد أن هذا تفصيل من مشهد اختياره، فالتفاصيل الأخرى تكشف عن بروز الرغبة في خلق توازن جديد لا يكون الثقل الاكبر فيه لحزب، خصوصاً «حزب الدعوة»، وأن يكون المنصب مفتوحاً على التعاون مع القوى السياسية الأخرى وعلى التوازنات الإقليمية والدولية، فما كان يقال عن الفيتو الإيراني ضد عبد المهدي بعد كل انتخابات يطرح فيها اسمه، قد جمّد أو لم يكن فاعلاً هذه المرة، بل ربما يتحول هذا الفيتو، على يد عبد المهدي، إلى خلق أجواء مناسبة لتفاهم أميركي- إيراني يخفف التوتر بين البلدين، مثلما هو في حاجة إلى خلق بيئة جديدة لغرب العراق وغرب آسيا، تفهم ما أسميه شخصياً «علاقات المحيط»، فالعراق (الشيعي) إذا افترضنا خطورته في تصورات بعض جيرانه، ليس أكثر خطورة من (العراق السني) الذي اجتاح الكويت، وليس أخطر من (مصر السنية) في عهد عبد الناصر الذي قاتل في اليمن. كما أن عبد المهدي شخصية سياسية قومية تتمتع بعلاقات عربية واسعة تقريباً، وهو شيعي غير متعصب وغير طائفي، ومثقف، أي أنه، نظرياً، يفهم وظائف الدولة السياسية والاقتصادية، وهو، غالباً، وأثناء كتاباته ومناقشاته يقدم (رؤية) لا (رؤيا) تبتعد من الايديولوجيا وتقترب من المشاريع والبرامج. وبهذا يستطيع أن يعيد للدولة بعض مؤسساتها ويخلق بيئة قانونية وسياسية وإدارية لذلك، وعبد المهدي يعرف أن غياب دور الدولة يعني وجود أزمة ثقافية تتفرع منها الأزمات السياسية والاقتصادية الأخرى، ومعالجة الأزمة الثقافية تتناسب مع الطروحات الفكرية لعبد المهدي. إن أفق تقليص دور المحاصصة (خارج محاصصة الرئاسات الثلاث) يبدو مفتوحاً الآن، فهناك فرصة لإعادة تأسيس المحاصصة التي لا تتخلى عنها الكتل البرلمانية بحجة الاستحقاق الانتخابي، بخلق مساحة (محاصصة) للمستقلين للمشاركة في التخطيط وصناعة القرار. لكن عبد المهدي سفينة في عاصفة، فالبحر السياسي في العراق غير آمن، والذين يريدون الاشتراك في توجيه هذه السفينة أو قيادتها، كثيرون وقد تكاثروا منذ عام ٢٠٠٣ حتى الآن، واتخذوا مواقع مدنية وعسكرية في جهاز الإدارة والحكم. أما الأكراد، فلعبد المهدي معهم، كما هو معروف، علاقات سياسية قوية، وستكون معالجة التوتر (التقليدي) كما أصبح، بين الحكومة الاتحادية وبين الإقليم، ممكنة إذا أراد الأكراد له أن ينجح في مهمته هذه، كشركاء لهم حقوقهم الدستورية، فكثير من النجاحات المطلوبة من عبد المهدي ترتهن بتعاون القوى الأخرى معه، خصوصاً أنه لا يستخدم لغة الوعد والوعيد في خطابه الفكري والسياسي، وله قدرة على المحاججة والحوار من دون تعصب. الـ «فايسبوك» ذاته، يعكس، من جانب آخر، حجم الهجوم على عبد المهدي، مختلطاً بحقائق قليلة وتلفيقات كثيرة، وبسبب ما يسميه كثيرون، ثقافة التسقيط، فإن أربع سنوات مقبلة، ستكون بمواجهة (الجيوش الإلكترونية) السرية والعلنية لقوى لم تتحول بعد، إلى (الثقافة الديموقراطية)، هذه الثقافة التي يعرّفها المفكر الفرنسي آلان تورين بأنها الإيمان بعدم إمكان عودة الديكتاتورية، وهذا لا يعني في العراق سوى استخدام مختلف الوسائل لتأسيس دكتاتوريات من نوع خاص تقدم ثقافة التلبيس السياسي وتعتمد عليها. سيكون نجاح عبد المهدي، مرتهناً باستقلاليته، التي تعني في جملة ما تعنيه، حريته في اختيار أطقم عمله ونشاطه السياسي والإداري، أطقم تفهم وتدير تقليص مجال تدخل أعضاء الهيئة التشريعية بوظائف السلطة التنفيذية، وهو واحد من أهم مجالات الفساد في العراق، كما تفهم تعزيز سلطة القانون المفقودة وتديره، فلا مساواة ولا نزاهة ولا تكافؤ فرص ولا عدالة ولا أمن ولا وظائف ولا اقتصاد غير ريعي (كما يأمل عبد المهدي) من دون تعزيز سلطة وسيادة القانون، وهذا يتطلب منه أيضاً تجاوز (القوائم السوداء) التي وضعتها أحزاب وحكومات على عدد غير قليل من الكفاءات والخبراء والأدمغة التي أبعدت من المساهمة في التخطيط والإدارة. التحدي القديم- الجديد، الذي ظهر بتصاعد الاحتجاجات والاصطدامات في محافظة البصرة، سيحتاج إلى قدرة على الفرز، فالأحداث تضمنت مطالب مشروعة وطبيعية، لكنها اختلطت بأهداف سياسية دولية وإقليمية حاولت أن تستثمر المطالب الشعبية ذات الطابع الاجتماعي الخدمي وتحولها إلى صراع سياسي خطير، وقفت حكومة العبادي منه موقف المتفرج العاجز عن الحلول واجتراح المبادرات. هذه هي الصورة اليوم، فكيف ستغدو الصورة بعد إكمال عبد المهدي كابينته الوزارية ومباشرتها أعمالها؟ هل نتفاءل بهذا الدور ونعول عليه؟ ربما، فليس، في الطبقة السياسية الحالية من يستحق التفاؤل به غيره. |
|||||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر | ||
18 | الاختيار العراقي لعادل عبد المهدي | حمادة فراعنة | صحيفة الدستور الاردنية | ||
لا يقل عادل عبد المهدي الوطني المعتدل، رئيس الوزراء العراقي أهمية وخبرة وتجربة من الرئيس برهم صالح، فقد تربى قومياً حينما التحق مبكراً في صفوف حزب البعث، وتثقف يسارياً على يد الشيوعيين، وتعلم القتال وفنونه وشجاعته حينما تطوع بصفوف حركة فتح الفلسطينية وقاتل معها في لبنان خلال فترة الثمانينيات، وهذا ما علمته منه شخصياً. قال لي في إحدى اللقاءات حينما أكرمني بالاستقبال في منزله، حينما تطوعت وكُلفت بالإسهام لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، قال لي « صحيح أنني شيعي بالمعايير المذهبية، والتصنيفات الضيقة السائدة، ولكنني لست إيرانياً، ولا أدين لطهران بأي فضل علي، وأُصنف نفسي على أنني قومي عربي، ولكن مواطنتي العراقية هي الأساس، ومصلحة العراق لها الأولوية على ما عداها من حسابات «. لهذا سيكون للعراق شأن واستقرار بقيادة الثنائي برهم صالح وعادل عبد المهدي، والتفاهم بينهما سيشكل أرضية متينة للعمل المشترك بينهما بدفع العراق خطوات مطلوبة وضرورية إلى الأمام، وغطاء قوياً لمواصلة تحقيق تطلعات شعبهم من أجل عراق ديمقراطي تعددي لكيلهما وما يمثلان مع الضلع الثالث الذي يمثله رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، فالشعب العراقي بمكوناته الثلاثة ووحدته الوطنية، يستحق غير ما يتعرض له من أذى وتمزق وإفقار وتدني في الخدمات الحيوية الضرورية، وسرقة لمقدراته وثرواته. العراق ثري بقدرات شعبه وتعدديته وزراعته وإنتاجه وثرواته، ولكنه يحتاج للأمن والاستقرار والطمأنينة وهذا ما يتوسل له العراقيون وما يتطلعون إليه لعل الفريق المثلث يوفر لهم، للجميع أمل العراقيين ولهفتهم، خاصة وأنهم أصحاب تجربة سياسية وحزبية بعد أن تحولوا إلى مستقلين حزبياً ولكنهم ملتزمون وطنياً، وهذا مصدر قيمتهم. لا شك أن نجاح الثلاثي كل من موقعه في رئاسة الدولة والوزراء والنواب، تم حصيلة موازين قوى داخلية، ولكنها عكست تفاهم غير معلن، وغير مباشر بين طهران وواشنطن، نظراً لنفوذ العاصمتين على بغداد، ولكن هذا التفاهم إن كان له سلبيات بسبب النفوذ والسيطرة، فله أيضاً إيجابيات في تبريد الجو السياسي المحتدم، لعل القوى السياسية العراقية تملك بنفسها زمام المبادرة في التخلص من نفوذ العاصمتين اللتين لعبتا دوراً منفصلاً أو متفقاً عليه من تحت الطاولة، في تدمير العراق وسلبه حريته وتماسكه وقدراته، طهران لمصلحتها حتى تبقى متفوقة على بغداد، وواشنطن لمصلحة العدو الإسرائيلي، عبر نفوذ اللوبي اليهودي الصهيوني الذي حرّض على مهاجمة العراق وحصاره وتدميره، واحتلاله من العاصمتين سواء بالتناوب أو بالتفاهم أو بالتعارض. طهران تنتقم من بغداد على خلفية الحرب العراقية الإيرانية وتجرع السم وفق الراحل الإمام الخميني، وتل أبيب تنتقم من بغداد التي شاركت في كل الحروب العربية الإسرائيلية من 48 إلى 56 إلى 67 إلى 73، وفي دعم الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وبالتالي لا مصلحة للعدو الإسرائيلي أن تبقى بغداد واقفة على رجليها المستقلتين، وهذا ما يدركه العراقيون وعليهم أن يتصرفوا على أساسه. |