6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 موسم اغتيال العراقيات بأيدي «مجهولين» افتتاحية القدس العربي

في ما يشبه مسلسل اغتيالات مستمرا، لقيت عارضة أزياء ووصيفة لملكة جمال بغداد مصرعها مساء أول أمس الخميس، في رابع عملية اغتيال على التوالي بحق نساء في العراق.
مشهد الاغتيال تم توثيقه بشريط فيديو بدائيّ المستوى لكنه يظهر قيام شخصين على دراجة ناريّة بقتل تارة فارس بإطلاق ثلاث رصاصات عليها، لتنضم بذلك إلى الناشطة سعاد العلي، وكل من رفيف الياسري ورشا الحسن، وقد جمع بين هؤلاء جميعا أنهن قتلن «على يد مجهولين».
الشرطة رفضت إعطاء طابع سياسي لمقتل الحقوقية والناشطة العلي التي اتخذت مواقف مؤيدة للاحتجاجات في مدينتها البصرة، وقالت إن لا علاقة له بحركة التظاهرات المندلعة في المدينة، رغم أن من قتلها استعمل سلاحا مزودا بكاتم صوت، فيما لاحظ كثيرون أن حركة القاتل تشير إلى أنه مدرب بشكل جيد، فقد ابتعد عن الكاميرا بسرعة ولم يوجه وجهه إليها كما أنه استهدف رأس ضحيته، مما يدلل على أن العملية مخابراتية.
يعيد تمويه السلطات هذا على مسؤوليتها التذكير بإحصائية أعلنها منتدى الإعلاميات العراقيات تكشف 12 حالة قتل وانتهاك بحق النساء الصحافيات في العراق خلال العام 2018، وتضمنت الحالات، إضافة إلى القتل، والاعتداء المسلح والتحرش والابتزاز والتشهير بالسمعة والاساءة، والتهديد من قبل عصابات مسلحة وغير ذلك من ضروب الانتهاكات الجسيمة بحق الإعلاميات.
تفرض هذه الأحداث أيضا استعادة وقائع بشعة أخرى لا يمكن إنكار طابعها السياسي كما في حادثة اغتيال الإعلامية أطوار بهجت، وكانت أيضا شاعرة وروائية، وعملت في فضائيات عديدة بينها «العراقية» و«العربية» و«الجزيرة» وقد اختطفت واغتيلت مع طاقم العمل الذي معها، أيضا على يد مسلحين «مجهولين».
كما تذكر، لمن يريد حاضر العنف الوحشيّ، والصراعات الطائفية والإقليمية في العراق، بمقتل بلقيس الراوي، زوجة الشاعر السوري الراحل نزار قباني، خلال عملية تفجير السفارة العراقية في لبنان عام 1981 بسيارة مفخخة مما أدى لمقتل 60 شخصا حينها، واتهم فيها النظام السوري وأطراف عراقية، وكان أمرا شديد الرمزية أن توجّه التهمة قضائيا لاحقا إلى رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي بعد مطالبة عوائل الضحايا العراقيين بالتحقيق معه وتجريمه.
تمسك هذه الدائرة الزمنيّة العجيبة الخيط الأسود الذي أوصل حكام العراق الحاليين إلى سدّة السلطة وانتماء كثيرين منهم إلى لعبة الإرهاب نفسها التي يزعمون محاربتها، ورغم أن آلتها للقتل لا تميّز بين الرجال والنساء والأطفال خلال طريقها للقبض على سدّة السلطة لكنّ استهداف النساء يعطيها علامة امتياز خاصّة، فالسلطة الغالبة التي هي فضاء للقهر العامّ، فيها درجات محفوظة للنساء باعتبارهن الكائن الأضعف فيزيولوجيا، وهي درجات تجد أيضا سندا في بعض التقاليد والأعراف الاجتماعية العشائرية، وفي سيطرة الفهم الميليشياتي على الدين وتفسيراته.
يمتلئ التاريخ بوقائع يحاول فيها المستبدون كسر إرادة الشعوب المقهورة من خلال استهداف النساء، والأغلب أن موسم اغتيال النساء في العراق هو أحد أشكال القهر والإخضاع الأثيرة على قلوب المجرمين.
2 العراق وعودة الحديث عن الدولة الحضارية عبد الجليل الزبيدي راي اليوم بريطانيا

في غابر الدهور اقترن الحديث عن الحضارة بالانجازات العسكرية وتوسع الامم في اجتياح الامم الاخرى واستعبادها .
وقبل ذلك ،اي قبل نحو سبعة الاف عام ، اسمينا ما انتجه العراقيون الاوائل من اشكال هندسية للكتابة ثم العجلة. وبناء اول بيت من احجار هندسية الشكل ، اسميناه بالحضارة السومرية ، حتى قال احد الباحثين الاميركيين ان السومريين لو استمروا على تلك الوتيرة لاستطاعوا ان يصنعوا السيارة بحدود الاف الاخيرة قبل الميلاد بعد ان صنعوا العجلة والبطارية المنتجة للطاقة بشكلها البدائي.
بعدهم جاء الاكديون ،ثم امارات القطر البحري اللتي امتدت من اهوار جنوب العراق والى البحرين الحالية ،ثم السلالات البابلية فالاشوريين ، والى عام ١٦. هجرية وهو اول دخول لجيوش المسلمين الى العراق من جهة البصرة .
في كل تلك المحطات ، برزت ابداعات ونتاجات حضارية وكان قطبها ومصدر الهامها العراق ..
بعد سقوط بغداد سنة 656 هجرية ، بدات عصور الاحتلالات ، ولم يسجل التاريخ للعراقيين ولا للمحتلين اية انجازات وابداعات حضارية ، والى اواخر عقد الخمسينيات من القرن العشرين اي مع قرب نهاية الاحتلال البريطاني للعراق حيث ظهرت محاولات للتأسيس للدولة الحضارية بعد تشكيل مجلس الاعمار وفق اسس علمية وفي سياق رؤية ستراتيجية وضع سقف لها لغاية عام ١٩٩٠ حيث كان الهدف الرقي بالعراق الى مستوى الدول الاوروبية .
مما سبق ،يبدو :
اولا : ان الانتاج الحضاري هو حاجة المجتمع السكاني المتجانس والمتشارك في الجغرافيا والثقافة( اللغة ، التقاليد ومجموعة القيم والضوابط ) .
ثانيا: ان الصناعة الحضارية مرتبطة عقائديا بالانتماء المحلي وحجم ومقدار اندكاك الصانع الحضاري بذلك المجتمع وتلك البيئة .
وعليه نسأل ؛ ماهي اسباب التدني او التراجع الحضاري ؟
* لا انتاج حضاريا في ظل الاحتلال او سيطرة القوة الخارجية .
*لا انتاج حضاريا ما لم ينشأ ويلد او ينمو او يتوفر المنتج او المصنع الحضاري والذي هو نتاج تنمية عقائدية يفرزها المجتمع المتجانس على شكل هوية وطنية او نظام اجتماعي متطور.
والنظام الاجتماعي او ( العقد الاجتماعي) يتطور بعد ان يقضي على امراضه وعاهاته وعناصر تخلف المجتمع .
ايضا ، ان المناخ الايدلوجي ، عامل اساسي في تنشئة المجتمع او الكتلة السكانية اللتي تشكل القاعدة الصلبة لنشأة الحضارة ..
وكلما كانت التنشئة الايدلوجية مثالية ، كان الانتاج الحضاري اكثر رقيا واكثر مساهمة في بناء الدولة الحضارية .
وبعد هذه الاستنتاجات وتحديد الاطر العامة للنهضة الحضارية ، نسال ايضا : هل يمكن للعراق النهوض حضاريا بعد نحو نصف قرن من الانحراف الحضاري والتصدع في البنى الاساسية للبناء الحضاري ثقافيا وفكريا واجتماعيا ؟
بغض النظر عن النظام السياسي الحاكم في العراق ومايعيشه المتشاركون في هذا النظام ، من حالة اغتراب وانفصال ، فان العراق ، يمتلك عوامل اساسية متصلة بجذور حية قابلة لاستيلاد النهوض الحضاري شانه شأن العديد من المجتمعات التي مرت باطوار حضارية سادت ثم بات ثم سادت مرة اخرى .
وماحدث من انحراف حضاري قبل عقود في العراق هو نتاج اختلال حصل في عقلية النظام او الانظمة التي جنحت الى فكرة ( الحضارة – القوة ) وذلك على غرار البابليين المتأخرين والاشوريين الذين اعتقد حكامهم بانهم العرق الاوحد والاخرين اقل شأنا ً فخاضوا الحروب و تبنوا العدائية منهجا في رؤيتهم للاخرين .
وليس هذا شأن العراقيين لوحدهم في فترة ما ، فالالمان ايضا ، وبعد ان انتجت الديمقراطية الالمانية قيادة جديدة بزعامة ادولف هتلر في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي ، نجحت تلك الزعامة في استنهاض القيم الحضارية ووضعت الاطار العقائدي للنهضة الحضارية ، لكن الانحراف حصل حينما اعتقد هتلر بان الحضارة تعني القوة وان الالمان هم العرق والجنس الارقى والاقوى فانهار كل شئ .
ولان المجتمع الالماني المتجانس بقيت في مكنوناته جذوره الحضارية ، عادوا مرة اخرى الى تلك الجذور والاسس ونهضوا من جديد بعد الحرب العالمية الثانية .
والصينيون ،كانوا اكثر وعيا واعمق رؤية ، حينما حددوا وقبل اربعين عاما انهم بحاجة للعودة الى القيم والجذور الوطنية لكي ينطلقوا نحو اقامة مجتمع صناعي يؤمن وقود بقاءه في القرن المقبل وبعد ان يبلغ تعداد سكانه المليارين . فتركوا ايدلوجية القوة والعدائية ، وانتجوا ايدلوجية السلام مع الجميع لكي يسوقوا بضاعتهم للجميع حيث يتطور انتاجهم الصناعي مع استمرار تقدمهم في بناء حضارتهم الوطنية .
3 المعركة مع إيران… طويلة! خيرالله خيرالله الراي الكويتية

في المدى البعيد، يبقى كلّ الكلام الكبير الذي صدر عن الرئيس دونالد ترامب عن ايران كلاما في غياب أفعال على الأرض. يمكن قول ذلك على الرغم من انّ توصيفه للحال الايرانية في غاية الدقّة، خصوصا عندما يتحدث امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن دورها الإقليمي ومساهمتها في نشر الفوضى والعمل على زعزعة الاستقرار والدمار في المنطقة كلّها.
يظل السؤال في نهاية المطاف اين يمكن لادارة ترامب الحاق هزيمة حقيقية بايران بدل استخدامها بعبعا في عملية ابتزاز أميركية لدول المنطقة كما حصل إبان الحرب العراقية بين 1980 و 1988؟
لا شكّ انّ ترامب كان امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في وضع هجومي اذ اكد انّه «لا يمكن ان نسمح للراعي الرئيسي للارهاب في العالم بان يمتلك اخطر الاسلحة على كوكبنا»، أي السلاح النووي.
على الصعيد العملي، أدت العقوبات الأميركية التي استهدفت ايران والتي ستزداد بدءا من نوفمبر المقبل الى تحقيق جانب من المطلوب. افهمت الايرانيين انّ بلدهم ليس قوّة اقتصادية قادرة على الدخول في مواجهة مع اميركا. لعلّ اكثر ما يدلّ على ذلك انخفاض سعر العملة الايرانية الى رقم قياسي (170 الف ريال في مقابل دولار واحد) بعد اقلّ من أربعة وعشرين ساعة على إلقاء ترامب خطابه في الامم المتحدة.
كان كلام مستشار الامن القومي جون بولتون الذي ترافق مع خطاب ترامب اكثر قساوة بالنسبة الى ايران. لم يتردّد بولتون الذي لديه الهاجس الايراني في ذكر «المرشد» علي خامنئي بالاسم مع تركيز خاص على دور الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري». قال ان الولايات المتحدة «لن تسمح لخامنئي بتدمير دول الشرق الاوسط. نحن نستهدف كبار المسؤولين الايرانيين من بينهم قاسم سليماني وسنواجه كل الخطط الشريرة التي ينفّذها».
لم يكن خطاب ترامب في الامم المتحدة إيرانيا فقط. راح الرئيس الاميركي يوزع الانتقادات يمينا ويسارا شاملا المانيا التي تعمل كلّ شيء، من وجهة نظره كي تكون اكثر اعتمادا على الغاز الروسي. هناك اميركا جديدة في عهد ترامب لا علاقة لها بالطريقة التي كانت تتعامل بها الإدارات السابقة مع حلفائها، بما في ذلك دول الاتحاد الاوروبي والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ذهب ترامب الى حد توزيع شهادات حسن السلوك على مستحقيها من الحلفاء مشيرا على وجه الخصوص الى بولندا وسعيها، على العكس من المانيا، الى الّا تكون أسيرة الغاز الروسي.
وسط كلّ هذا الجانب الفولكلوري لخطاب الرئيس الاميركي، يخطئ ترامب وأركان ادارته اذا كانوا يعتقدون ان المواجهة مع ايران ستكون سهلة وسريعة. فايران في الاعوام الممتدة منذ 1979، صارت لاعبا إقليميا. استفادت من كلّ الأخطاء الأميركية، خصوصا من بقاء القضية الفلسطينية معلقة، فاذا بها تخطفها من العرب وتحولها الى تجارة رابحة لها. لذلك، لا يمكن الا تفهّم لماذا هذا الإصرار لدى الملك عبدالله الثاني على إبقاء خيار الدولة الفلسطينية المستقلة التي عاصمتها القدس الشرقية خيارا متاحا. صحيح ان ايران لا تستطيع ان تبني، لكنّ الصحيح أيضا انها موجودة في كلّ المنطقة وتتحرّش حتّى بدولة مسالمة مثل المغرب بهدف الاعتداء على سيادته الوطنية عبر تلك الأداة الجزائرية التي اسمها جبهة «بوليساريو».
تكمن مشكلة ترامب في انه في حاجة الى انتصارات سريعة. لديه امتحان كبير، بل مصيري في غضون ستة أسابيع عندما تجري انتخابات فرعية لمجلسي الكونغرس. الكثير سيعتمد على نتائج تلك الانتخابات وعلى ما اذا كان الجمهوريون سيبقون مسيطرين على مجلسي الكونغرس، او على احدهما. لا يمكن الاستخفاف بان الرئيس الاميركي لا يزال يمتلك اوراقا عدة يمكن ان تساعده في بلوغ نهاية ولايته بسلام. في مقدّم هذه الاوراق وضع الاقتصاد الاميركي حيث البطالة للمرّة الاولى منذ فترة طويلة دون نسبة الثلاثة في المئة. من لا يجد عملا هذه الايّام في اميركا هو من لا يريد أصلا ان يعمل.
الاهمّ من ذلك كلّه، ان الخطاب الذي يخرج به دونالد ترامب يستهوي الاميركي العادي، أي اميركا الريف والمدن الصغيرة التي اوصلته الى الرئاسة. ما لا يمكن تجاهله ان ترامب خسر كلّ المدن الكبرى امام هيلاري كلينتون في العام 2016، لكنّه فاز حيث يجب ان يفوز كي يصبح رئيسا للولايات المتحدة.
بالاستناد الى كلّ الخطب التي القاها ترامب منذ دخوله البيت الأبيض، تبدو المواجهة مع ايران آتية لا محال. لا يمكن بالطبع استبعاد حركة دراماتيكية من الرئيس الاميركي في مرحلة معيّنة، لكنّ تجارب الماضي القريب تظهر انّه ليس رئيسا اعتباطيا كما يقول الذين ينتقدونه.
هل هو مستعد لمعركة طويلة مع ايران؟ ثمّة جانبان للجواب عن هذا السؤال. الاوّل هل لدى اميركا الرغبة والإمكانات لقطع اذرع ايران الممتدة الى هذه الدولة العربية او تلك؟ امّا الجانب الآخر للجواب فهو مرتبط بالقدرة الأميركية على الضغط في الداخل الايراني.
هناك بكل وضوح تلازم بين ما يدور في محيط ايران وما يدور في الداخل. هناك دائما رغبة لدى النظام في نقل معاركه الى خارج أراضيه. سيكون العراق احدى ساحات المعركة مع الولايات المتحدة. سجلت ايران نقاطا عدة على الولايات المتحدة في العراق. أوصلت محمد الحلبوسي الى موقع رئيس مجلس النواب كاشفة انّها قادرة على الإمساك بالورقة السنّية أيضا في البلد. ترافق ذلك مع تدجينها مقتدى الصدر الذي صار صاحب اكبر كتلة في مجلس النواب الجديد وقطع الطريق على عودة حيدر العبادي الى موقع رئيس الوزراء.
في المقابل، لم تسجّل الولايات المتحدة أي نقطة على ايران في العراق باستثناء انّها عرقلت مساعيها لايصال احد رجالاتها الى موقع رئيس الوزراء. بكلام أوضح، صار هناك مجهود مشترك أميركي – إيراني يعطل تشكيل حكومة عراقية. ليس ما يدعو إيران، التي تعطّل أيضا تشكيل حكومة لبنانية، الشكوى من هذه الحال. كلّ ما يعطل عودة الحياة الى طبيعتها في بلد مثل العراق او لبنان لا يمكن الّا ان يكون موضع ترحيب لديها.
لا يمكن الاستخفاف بايران، لا في العراق ولا في سورية ولا في لبنان ولا في قدرتها على تحويل بيروت غرفة عمليات ثانية للحوثيين في اليمن بعدما تبيّن ان العلاقة بين هؤلاء و«حزب الله» علاقة اكثر من عضوية.
ستظهر الايّام والاسابيع المقبلة هل ترامب جدّي ام لا في الموضوع الايراني. هل يذهب مباشرة الى حيث يجب ان يذهب أي الى افهام اركان النظام الايراني ان معاركه معه لن تخاض في الساحات التي يختارونها للمنازلة. محور المعركة سؤال واحد وحيد هل اميركا قادرة على خنق الاقتصاد الايراني ام لا؟
4 حادث الأحواز ليس مَنْ… لكن لماذا؟ محمد الرميحي الشرق الاوسط السعودية

منظر القتل العشوائي منظر مقزز لأي إنسان سوي، والإرهاب مذموم في أي مكان وقع، وبأي شكل من الأشكال هو تجلى، منظر الهاربين من الرصاص في الأحواز الذي بُثّ على وسائل التواصل الاجتماعي، يثير كل مشاعر الإنسان السلبية، ليس فقط قتل الجنود الروس في نعشهم الطائر يستحق الإدانة؛ فهي حالة إنسانية بالضبط كحالة قتل السوري في المدن والقرى السورية لمدة ثماني سنوات بقنابل روسية وميليشيات إيرانية أو مؤجرة من إيران، تسقط سقوف المنازل على رؤوسهم، ويبحثون عن أطفالهم الرضع بين الركام والغبار المتطاير وينتشلونهم أشلاء، وبعضهم بالملايين يخاطرون في ترك بلدانهم عبوراً من البر إلى البحر الهائج، فراراً من قنابل ورصاص صُنعت في مكان ما في الأرض الإيرانية! أشكال الإرهاب كلها مدانة في الأحواز أو في غيرها، قتل فيها أشخاص أو آلاف من البشر. دفع رواتب «حزب الله»، والأحزاب المحاربة مع أو نيابة عن إيران في كل من سوريا والعراق واليمن هو أيضاً إرهاب، تستنزف إيران وتدفع من خزينة الشعوب الإيرانية لقتل الآخرين الأبرياء والآمنين، والجنرال الإيراني يظهر علناً في مناطق عربية متجولاً أيضاً شكل من أشكال الإرهاب، ولولا هذا الدعم لانتهت الحرب الأهلية في سوريا منذ زمن، وتغلبت مصالح كل السوريين على شهية بعضهم في الحكم والسلطة، ولولا الدعم الإيراني لأصبح في اليمن مدارس بدلاً من منصات صواريخ. ويحصل كثير من التابعين لإيران – منظمات وجماعات – على التدريب والتمويل من أجل أن يثخنوا في الجسم العربي الجراح العميقة، وفي الوقت نفسه تُستنزف ميزانية الجمهورية الإسلامية الشحيحة أصلاً والواقعة تحت حصار دولي، فينتج من كل ذلك عدم استقرار وعوز مزمن في الداخل الإيراني، مُشاهَد من سقوط العملة إلى شح المواد الأساسية، إلى انتشار الفساد والبطالة الذي يقابله القمع. وعلى سبيل تسويق المأساة داخلياً لكسب الرأي العام الداخلي، سارعت طهران باتهام دول خليجية بعينها، كما سارعت باتهام دول غربية وأوروبية بأنها خلف أحداث الأحواز الدامية، هنا الخطيئة التي تعيد ارتكابها طهران، كما ارتكبها عدد كبير من الدول القمعية، لوم الآخر والإصرار على عدم النظر إلى الأقرب، ودراسة الأسباب الحقيقية، باتهام الأبعد، وتسويق ذلك على الجمهور الإيراني والموالين لطهران. حقيقة الأمر، لو كان هناك عقل سياسي لا يقع تحت الحشد والتهويل والتضليل، لاعترف بأن هناك أخطاء مميتة في مسيرة النظام، هي التي تجعله، في الحالة الأحوازية، وفي غيرها، يُضيع البوصلة. فهناك في عربستان يقدر العرب الشيعة في الجنوب الإيراني (الأحواز) بما لا يقل عن 25 مليون نسمة تقريباً مهضومي الحقوق، حتى شيعيتهم لم تشفع لهم، وهناك عدد كبير من «الأقليات»، إن صح التعبير، بل إن العنصر الفارسي بحد ذاته هو أقلية من ضمن الأقليات، فشل النظام في الاعتراف بالتعددية العرقية والمكانية والمذهبية، وفشله الاقتصادي وتوفير حد أدنى من الحريات، وافتراضه أن صيغته فقط في الحكم هي التي يجب أن تسود، مع تدخل طويل مزمن ومكلف وعبثي في الجوارين الأدنى والأبعد، هو الذي يسبب تلك الشروخ في جسم الدولة الإيرانية «الإسلامية»، ويجعل من الأحداث السابقة، وحادث الأحواز وأحداث مماثلة في المستقبل قابلة للحدوث. هذا التجاهل جعل من النظام في طهران يستدعي ممثلي ثلاث دول غربية، هي الدنمارك وهولندا وإنجلترا للاحتجاج على سقف الحريات عندهم، على أساس أنها متاحة للمعارضة الإيرانية، لا أعرف لماذا استثنيت باريس! إلا بسبب الانتقائية التي هي الصفة الملاصقة للنظام، نسي أو تناسى من وجه اللوم في وجه ممثلي الدول الثلاث حقيقتين؛ الأولى أن هناك لدى دول كثيرة متحضرة حرية القول متاحة، مهما كانت ولأي سبب، والأخرى، وهي الأهم، أنه لولا حرية القول تلك، لما استطاع السيد الخميني أن يسجل على كاسيتات وهو في مقامه الفرنسي في نوفول لوشاتوه، تلك الرسائل الساخنة للشارع الإيراني التي حملت جميع من في الحكم الآن إلى السلطة، لم يتوقف مقدم الاحتجاج ليتذكر، أنه لو خضعت السلطات الغربية منذ أكثر من أربعين عاماً لاحتجاجات الشاه، في خفض سقف الحريات عندهم، وتسليم الخميني لسلطاته، كما يطلب الآن، لما كان هو في السلطة في ذلك المكتب المكيف في وزارة الخارجية الإيرانية اليوم!
صلب الإشكالية الإيرانية، أن النظام قد وضع نفسه في سكة مسدودة، هي استمرار الثورة وإخضاع البلد لكل متطلباتها، وتجاهل كامل لمتطلبات الدولة، على أمل أن يصبح الجوار، وبخاصة العربي خاضعاً لها، في محاولة غير معلنة لسيادة «العنصر الفارسي» القومي!، وقتها يتمتع الشعب الإيراني بالاستقرار والنماء كما يعدون. إنه بالضبط حلم إبليس في الجنة، واضح من العقبات التي تواجه النظام أن فشله مركّب في السقوط في غيبوبة الثورة، وعدم وجود آلية لصحوة «الدولة»، ولا يريد أن يفهم أن الخضوع في بعض الجوار ما هو إلا خضوع انتهازي في أغلبه. خذ مثلاً استمرار الحوثي في تجويع اليمنيين وسحق أطفالهم، وأخيراً تنظيم «جماعات تشبه الجستابو» في صنعاء لجر المخالفين إلى السجون والتعذيب، مثل هذه الممارسات لا يمكن أن تقدم للشعب اليمني المدرسة والمستوصف، وقبل ذلك الاستقرار! مثلها مثل ضبابية النظام السوري الذي أثخن شعباً بكامله بالبراميل المتفجرة، وترك ملايين الأطفال دون تعليم، وفتح سجوناً أكثر عدداً من المستشفيات، مهما طال به العهد فهو بالتأكيد مقاوم من جموع غفيرة من السوريين ومعه كل حلفائه. نظام البعث الأسدي لم يستطع أن يقدم شيئاً في الماضي، ولن يفعل ذلك في المستقبل، بل إن المشاهد أن روسيا الاتحادية تغرق في بحر من التورط السياسي والعسكري، كما غرقت سابقتها في أفغانستان، هذه المرة بشكل أكثر فداحة. أما وضع الإيراني في بغداد فالشواهد تبرز يومياً على رفض الشارع العراقي لذلك النفوذ، وهو رفض يتجاوز قشرة الانتماء الطائفي إلى لبّ الانتماء الوطني، وتجلى في حرق تلقائي لمبنى القنصلية مؤخراً في البصرة. أما العجز الكامل فصورته شاخصة في لبنان، حيث يتحكم «حزب الله» في مفاصل الدولة اللبنانية بقوة السلاح، ويفرض على آخرين تحالفاً في مجمله انتهازياً، وفي الوقت نفسه تتضخم هجرة اللبنانيين الأصحاء عقلاً، كما يغمس لبنان في غياهب الديون والبطالة والتلوث والفساد والنفايات، وتنظم فيه برعاية الحزب البلطجة! بيت القصيد أن المتسيدين في النظام الإيراني لا يريدون أن يروا أو يعترفوا بالفشل الواسع النطاق لمشروعهم، إن كان ثمناً مشروعاً، ولتلك العشوائية السياسية، وهم بالتالي يزحفون مع أخذهم من مشى معهم إلى الهاوية، والمزيد من الآلام والدم، في محاولة الإجابة الصعبة عن سؤال من فعل ذلك، بدلاً من السؤال المستحق لماذا تم فعل ذلك؟!
آخر الكلام:
السيد حسن روحاني على منبر الأمم المتحدة «يشتكي» مما سماه «الإرهاب الاقتصادي» ويتجاهل بفوقية إرهاب البنادق والصواريخ الإيرانية على أرض العرب!
5 مشكلات العراق ستتفاقم إن لم يتغير النظام السياسي حميد الكفائي الحياة السعودية

يبرهــن النظـــام الســياسي العراقي المعمول به حالياً، عدم جدواه مرة بعد أخرى، حتى أنه أصبح مدعاة للسخرية والتندر، فلا أحد يثق فيه أو يحترمه، حتى بين المشاركين فيه، وقد أصبح بقاؤه معيباً على دولة مثل العراق، تحتاج إلى حكومة قوية وحازمة.
فبعد مرور 140 يوماً تقريباً على إجراء الانتخابات، لم يتمكن العراقيون من انتخاب رئيس للجمهورية ولا رئيس للوزراء، بينما اختاروا شاباً رئيساً للبرلمان بطريقة يكتنفها شك وغموض. مثل هذا النظام الخاضع لاستغلال ذوي النفوذ وتدخل القوى الخارجية يحتاج إلى إصلاح عاجل، وعلى البرلمان المنتخب أن يعطي هذه المسألة أولوية في جدول أعماله، فاستمراره لن يكون في مصلحة أحد باعتباره قابلاً للاستغلال والتلاعب.
المادة 55 تنص على أن ينتخب مجلس النواب رئيساً له ونائبين في جلسته الأولى التي يجب أن يدعو إليها الرئيس المنتهية ولايته خلال 15 يوماً من مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج. لكن هذا الانتخاب لا يحصل في شكل تلقائي، بل تتداوله الكتل السياسية في ما بينها لفترة طويلة كي تتوصل إلى «توافق» حول رئيس البرلمان ونائبيه، وهذا التداول قد يستمر 9 أشهر كما حصل عام 2010. وبسبب التوقيتات الدستورية الصارمة، فإن الكتل السياسية تبقى تتفاوض في ما بينها على توزيع المناصب والحصص الحكومية قبل مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج لأن الوقت سيكون شحيحاً بعد هذا الإجراء. وقد أصبح من أعراف النظام السياسي العراقي أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنّة، وعلى رغم الاستنكار اللفظي للتخصيص الطائفي للمنصب، إلا أن الجميع إنساقوا وراء هذا التقليد، فلا يرشح أحد نفسه لرئاسة البرلمان إن لم يكن سنياً.
أما المادة 70 من الدستور فتنص على أن ينتخب مجلس النواب خلال 30 يوماً من أول انعقاد له رئيساً للجمهورية بغالبية ثلثي الأعضاء، ثم بالغالبية البسيطة إن لم يتحقق نصاب الثلثين. لكن انتخاب رئيس الجمهورية يخضع هو الآخر للتوافقات السياسية والطائفية والقومية وتجري مداولات مطولة بين الكتل من أجل اختيار الرئيس. وقد جرت العادة على أن يكون كردياً، وعلى رغم أن الدستور لم ينص على ذلك، وليس هناك دستور محترم في العالم يشترط مثل هذا الشرط، ولكن لا يرشح أي شخص جدي نفسه للرئاسة إن لم يكن كردياً ينتمي إلى أحد الحزبين الرئيسيين، علماً أن هناك الآن أحزاباً أخرى مهمة مثل حركة التغيير والاتحاد الإسلامي وحراك الجيل الجديد. وبسبب الخلاف بين الحزبين الكرديين التاريخيين، يكتي وبارتي، فإنهما قدما مرشحين مختلفين لمنصب رئيس الجمهورية وليس مرشحاً موحداً كما فعلا سابقاً. وكان الاتفاق بينهما أن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصة «يكتي»، ورئيس الإقليم من حصة «بارتي»، لكن إلغاء منصب رئيس الإقليم قد أخل بهذا الاتفاق. الموعد الدستوري الأخير لانتخاب الرئيس هو الثالث من الشهر المقبل، وفي حال عدم اتفاق الحزبين على مرشح واحد، فإن البرلمان سيحسم المنصب عبر التصويت السري. لكن هذه الطريقة قد تنتج مفاجآت، فهناك الآن مرشحة للمنصب، هي النائب السابق سروة عبدالواحد التي تتمتع بشعبية واسعة في العراق بسبب موقفها المناهض لانفصال كردستان الذي تبناه المرشحان الآخران، فؤاد حسين وبرهم صالح.
وبعد اختيار الرئيس، يأتي تطبيق المادة 76 أولاً، التي تنص على أن يكلِّف رئيس الجمهورية الجديد مرشح الكتلة الأكثر عدداً، تشكيل الحكومة، وقد جرت العادة على أن يكون رئيس الوزراء شيعياً. والكتلة الأكثر عدداً هي الكتلة التي تبرز بعد المصادقة على نتائج الانتخابات وتعلن عن نفسها في جلسة البرلمان الأولى. لكن ما عقّد هذا النظام المعقد أصلاً هو تفسير المحكمة الاتحادية لعام 2010، الذي يُعتقد بأنه حصل بضغط من رئيس الوزراء آنذاك، نوري المالكي، الذي أراد أن يبقى في السلطة على رغم أن قائمته لم تكن الأكثر عدداً، ما أجاز تشكيل الكتلة الأكثر عدداً بعد إعلان النتائج، ما يعني أن مفاوضاتٍ لها أول وليس لها آخر سوف تتواصل لفترة غير محددة للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة. وحتى الآن، لم يتمكن العراقيون من تشكيل حكومة من دون «إقناع» من دول أخرى.
غير أن هذه «الفتوى» القضائية ليست عملية، ولم تكن مقصودة أصلاً في النص الدستوري، بل أصبحت عائقاً أمام تطبيق النظام الديموقراطي الذي يلهج بذكره السياسيون، بينما لم يعد معظم أفراد الشعب العراقي يثق فيه لأنه لم يجلب عليهم غير الفساد والبطالة وشح الخدمات وتدهور الأمن وتدخل الدول الأخرى وهيمنة الميليشيات المسلحة وقادتها الذين «فازوا» في الانتخابات ويتوقعون أن يقودوا العراق نحو «بر الأمان».
لا شك في أن النظام البرلماني هو الأفضل للعراق لأنه يعكس تلاوين المجتمع العراقي ويضمن تمثيلاً لكل المكونات، وهو النظام السائد في العالم، إلا أن التشرذم السياسي غير السائد في معظم البلدان الديموقراطية في العالم، قد جعل منه نظاماً مستحيلاً وغير عملي، ما يستدعي تعديل الدستور وإدخال ضوابط تمنع حصول مثل هذه الفوضى. لكن التعديل يتطلب توافقاً بين العرب والكرد وباقي المكونات لأن المادة 142 – رابعاً تشترط عدم معارضة الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر لأي تعديل دستوري، ما يعني أن هناك فيتو كردياً سيعيق أي تعديل محتمل يعارضه الأكراد.
وتتعارض المادة 142 – رابعاً تعارضاً صارخاً مع مبادئ الديموقراطية المنصوص عليها في المادة الثانية – أولاً – ب من الدستور نفسه، وليس هناك أي مخرج من هذا المأزق إلا عبر تفسير جديد تصدره المحكمة الاتحادية، وهي الهيئة الوحيدة التي يحق لها تفسير مواد الدستور. ويمكن المحكمة الاتحادية أن تعتبر المادة 142 – رابعاً باطلة لأنها تتعارض مع نص دستوري سابق لها هو المادة الثانية – أولاً – ب. وفي ظل غياب توفر الإرادة السياسية لإجراء إصلاح حقيقي، فإن الدستور سيبقى عائقاً أمام أي تقدم يمكن أن يحققه النظام الحالي، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الإداري، وقد تكون المحكمة الاتحادية الملاذ الأخير لتعديل الدستور ووضع البلد على سكة جديدة تقوده إلى الاستقرار.
6 صندوق الرسائل العراقي مشرق عباس الحياة السعودية

الحديث متواتر في العراق عن حالة من القلق تساور الأوساط السياسية والشعبية، نتيجة الخطوات المتسارعة التي تُتخذ أميركياً كإغلاق القنصلية في البصرة، وسحب الهيئات والوفود والمنظمات ووسائل الإعلام، بل والحديث مع إيران في شكل مباشر عن سياساتها في العراق من دون حتى الحديث مع العراقيين، رداً على تهديدات إيرانية عبر وكلاء محليين بضرب المصالح الأميركية والقضاء على «مؤامرة أتباع أميركا العراقيين»!.تقول إيران دائماً أن في إمكانها معاقبة أميركا في العراق، تردد ذلك في رسائل متواصلة أدمنها العراقيون ودفعوا أثمانها غالياً، وهي رسائل مفهومة وصريحة على رغم إنكارها، ومع ذلك، فإنها لا تريد حقاً إلا الجلوس مع أميركا للتفاهم في النهاية، ومثل ذلك أنه في اليوم الذي يدعو الرئيس روحاني الى الحوار مع واشنطن، فإن خطيب جمعة طهران يعتبر انتخاب رئيس البرلمان العراقي الحالي «صفعة لأميركا»! وهذا أمر معتاد ولم يعد يثير الغرابة، لكن الجديد أن واشنطن ترامب باتت تهدد بدورها بمعاقبة إيران في العراق أيضاً! للحقيقة، إن الولايات المتحدة عليها مراجعة دفاتر حكومات بوش وأوباما، لتكتشف أنها هي من ساهمت في الوضع العراقي المهلهل، وعندما تقرر الحديث بقوة مع إيران بطريقة إرعاب الشارع العراقي من حدث مزلزل ربما يقع قريباً ستكون عواقبه على العراقيين لا محالة، تترك خلفها إرثاً من التعاونات الثنائية لإبقاء العراق ضعيفاً ومحكوماً بحكومات فاسدة ومخترقة وفاشلة لا تمتلك القدرة على اتخاذ القرار من دون العودة الى المبعوثين الساميين الأميركي والإيراني، اللذين يتعاملان مع البلد ومن فيه كأرض متنازع على ملكيتها. ترغب طهران في معاقبة العراقيين على إحراق قنصليتها في البصرة، وتتهم مثقفين وإعلاميين ونشطاء وبسطاء وفقراء ومسحوقين لم يبلغ معظمهم سن الرشد بالتنسيق مع القنصلية الأميركية في «مؤامرة كبرى»، فتنشر صوراً في وسائل التواصل الاجتماعي للقنصل الأميركي مع شباب من منظمات مجتمع مدني خلال دعوة غداء عامة، كأدلة قاطعة على هذه «المؤامرة»، ومن ثم تبدأ القوى المحلية المتعاونة معها، عمليات ترويع في الشارع وفي وسائل التواصل ضد المدنيين العراقيين.
الحقيقة المرة التي يتغاضى عنها الطرفان معاً، أن قوى المجتمع المدني في العراق والمجموعات الثقافية والتي لا تنكر أنها ساهمت بوطنية عالية في إطلاق الاحتجاجات العراقية استجابة لإرادة الشارع ضد الفساد والظلم والتعسف والانسياق للأجنبي، كانت وما زالت مصدر شك واتهام من السفارتين الأميركية والإيرانية معاً، وزيادة في كشف ما يجب أن يكشف، فإن الأموال الغزيرة التي يئن الرئيس ترامب في خطاباته على صرفها في العراق، كانت تجد طريقها دوماً الى جيوب القوى التي تتهمها واشنطن بأنها قريبة من إيران، وأن على الخارجية الأميركية أن تراجع حساباتها المالية، والأسماء والشخصيات والمنظمات التي صرفت عليها موازنات سفارتها في بغداد لتكتشف الأمر، بديلاً عن الحديث كضحية، والتصرف في منآى عن العراقيين، والصمت إزاء حملة التنكيل والتهديد التي يتعرض لها أبرياء بتهمة التآمر معها ضد إيران!
ومن ثم، على الإدارة الإيرانية أن تصارح مواطنيها وأتباعها في العراق، بحقيقة الأمر، فكيف يمكن أن تتحول قوى سياسية جمعت المال وشيدت القصور والاستثمارات تحت شعار «محاربة النفوذ الإيراني في العراق» الى أقرب حلفاء طهران؟ كيف يمكن تصوّر أن الانتصار السياسي الذي تفتخر به إيران اليوم، يأتي من الذين جمعوا مال السفارة الأميركية وسفارات الجوار الإقليمي بدعوى محاربة الاحتلال الإيراني؟ وفي أي منطق يتم تحويل عراقيين رفضوا الاحتلال الاميركي كما رفضوا النفوذ الإيراني، وحاربوا في ساحات المعارك ضد «داعش»، وجرحوا وقتلوا وتدمرت حياتهم بأكملها، الى مستهدفين وأهداف للانتقام من أميركا لمجرد أنهم يطالبون بوطن يليق بهم ويليق باسمه وتاريخه وليس مجرد حليف ذليل لهذه الدولة أو تلك؟
إذا كانت ثمة مواجهة محتملة بين واشنطن وطهران، فإن الطرفين يحتملان تبعاتها، وأن عليهما معاً تقليب دفاتر ملاحظات موفوديهما ورسائل عملائهما الحقيقيين، والسياسات الخاطئة التي قادت الى هذه اللحظة، وإذا كانا يريدان توجيه الرسائل، فإن ثمة صناديق رسائل كثيرة في المنطقة والعالم، أكثر فائدة من صندوق الرسائل العراقي الذي نخرته شظايا السيارات المفخخة.