قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن المحاولات الأمريكية – الإيرانية لتنصيب حلفائهما في مناصب قيادية بالحكومة العراقية المقبلة، وصلت إلى طريق مسدود، وبات الفشل عنوان صراعاتهما.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها من بغداد: إن “التنافس الأمريكي – الإيراني على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة كان غير عادي، ولكنَّ عمل إحدى الدولتين ضد الأخرى أفشل محاولاتهما”.
ومنذ الانتخابات العراقية في 12 مايو الماضي، تنافس المبعوث الأمريكي للعراق بريت ماكغورك، والجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وسعى كل منهما لدعم مرشح لكل من رئاسة الوزراء والبرلمان والجمهورية.
وأمضى ماكغورك وسليماني معظم الأشهر الماضية، في لقاءات مع سياسيين سُنة وشيعة وأكراد، لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي تقدم مرشحها لرئاسة الحكومة.
ويرى عباس كاظم، المؤرخ والمحلل السياسي العراقي، أن “هذا النفوذ الأجنبي ألغى نفسه في نهاية المطاف، فالولايات المتحدة وإيران إحداهما ضد الأخرى، وكل واحدة منهما تعمل من أجل إفشال الأخرى؛ ومن ثم باء الطرفان بالفشل”.
وتابع قائلاً: “بعد الانتخابات العراقية التي جرت في السنوات السابقة، كانت واشنطن وطهران تدخلان في صفقة سرية، تفضي إلى التوافق على رئيس الحكومة، كل رؤساء الحكومات السابقة كانوا رؤساء اتفقت عليهم كل من أمريكا وإيران”.
لكن هذه المرة -تقول الصحيفة- يبدو أن المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين لم يتمكنوا من الاتفاق على اسم رئيس الحكومة الجديد، وسط حالة من الغضب تجتاح الشارع العراقي؛ بسبب عدم كفاءة الحكومة، فضلاً عن النبرة العدوانية المرتفعة بين كل من واشنطن وطهران.
وأمضى سليماني وقته في الحديث مع الأحزاب الشيعية لحثّها على تنحية خلافاتها جانباً، والاندماج من أجل تشكيل أغلبية نيابية؛ ومن ثم الحصول على حق تعيين رئيس الحكومة، لكن يبدو أن جهوده لم تثمر حتى الآن؛ إذ لم يتم التوافق بعدُ على مرشح إيران المفضل لرئاسة الحكومة.
ولم يكن ماكغورك، المبعوث الأمريكي للعراق، أفضل حالاً من سليماني؛ فلقد فشل هو الآخر في تحقيق توافق بين مختلف الأطراف العراقية؛ بل أصبح وجوده في بغداد يمثل بالنسبة للبعض صورة أخرى من صور تناقص النفوذ الأمريكي بالعراق.
كما لم يستطع ماكغورك، رغم النفوذ التقليدي لواشنطن على العديد من السياسيين السُّنة والأكراد، تأمين دعمهم لرئيس الوزراء حيدر العبادي، مرشح أمريكا المفضل، الذي قاد العراق في الحرب على تنظيم داعش، وقاده أيضاً خلال أزمة اقتصادية خانقة، ونجح في تحقيق الوحدة الوطنية، ولكن رغم ذلك يبدو أن حظوظه باتت ضعيفة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم اختيار محافظ الأنبار، محمد الحلبوسي، رئيساً لمجلس النواب العراقي (البرلمان) على حساب المرشح المدعوم أمريكياً لهذا المنصب، وهو وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، رغم أن الحلبوسي أعلن صراحةً أنه سيعمل مع الولايات المتحدة وإيران، وفق الصحيفة.
يقول يوسف الكلابي، وهو برلماني عراقي مقرب من العبادي: “كان هناك تنافس دائم بين واشنطن وطهران، لكن ليس مثل الآن، كلتاهما تستخدم نفوذها لاختيار رئيس الوزراء، وإذا استمرت المنافسة بهذا الشكل فلا أعرف من سيفوز، لكنني على يقين بأن الذي سيخسر هو الشعب العراقي”.
ولم تكن العلاقات الأمريكية – الإيرانية على هذه الدرجة من العداء والتنافس في العراق، ولكن منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اتخذت العلاقات بين البلدين منعطفاً آخر، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وبعد مرور أشهر دون تشكيل الحكومة، بدأت الاضطرابات تعصف بالعديد من المدن العراقية، وتحولت في بعضها إلى العنف المسلح، وأضرم متظاهرون غاضبون النار بالقنصلية الإيرانية في البصرة، وتم استهداف السفارة الأمريكية في بغداد بعدة قذائف صاروخية.
وتنقل “واشنطن بوست” عن دبلوماسي غربي في بغداد قوله: “إن الصواريخ التي استهدفت السفارة الأمريكية أطلقتها مليشيات شيعية متحالفة مع إيران، وتعكس حالة من الغضب الإيراني؛ بسبب عدم قدرة طهران على فرض مرشحها على العملية السياسية في العراق، ولكن لا يمكن تأكيد أنها كانت بأوامر مباشرة من سليماني”.
كما أن السفير الأمريكي لدى العراق، دوغلاس سيليمان، أكد في بيان صحفي، أن “الولايات المتحدة تحترم العملية الديمقراطية في العراق، وتدعم عراقاً قوياً وذا سيادة ومستقلاً، ونحن نتطلع إلى العمل مع الحكومة الجديدة ومساعدتها على توفير الخدمات الأساسية لجميع المواطنين”.
وأفرزت نتائج الانتخابات العراقية التي جرت في مايو الماضي، تكتلات لا يمكن أن تشكل الحكومة منفردةً إلا من خلال التحالف مع كتل أخرى، وهو ما صعَّب مهمة إيران والولايات المتحدة، فهذه هي المرة الأولى التي تؤدي فيها الانتخابات إلى انقسامات داخل الشيعة والسُّنة والأكراد أنفسهم، حيث انقسم السُّنة على مرشحهم لرئاسة البرلمان، كما انقسم الشيعة حيال مرشحهم لرئاسة الحكومة، وأيضاً انقسم الأكراد حول مرشحهم لرئاسة الجمهورية.
يقول الكلابي: “إن السياسة العراقية تشهد صحوة؛ لأن الجمهور يضع الولاءات الدينية والعِرقية جانباً، ويطالب بتحسين الحياة المعيشية”.
ويعتقد المؤرخ السياسي العراقي عباس كاظم، أنه “من الأفضل للولايات المتحدة وإيران أن تمنحا العراق قدراً من الاستقلالية في اتخاذ قراراته، وأن يتم التعامل معه بوصفه حليفاً وليس تابعاً أو وكيلاً”.