العراق: “حرب المناصب العليا والمبالغ المليارية “ عبد اللطيف الزيدي راي اليوم بريطانيا

رب سائل يسأل والاستفسار حق عن سبب تأخر اختيار رئيس للبرلمان ونائبيه بعد انتهاء الانتخابات منذ أكثر من أربعة أشهر وخرق الدستور بعد عقد جلستين من غير إنهاء الاختيار، وحتى لا يتراوى لذهن القارىء أن هناك تعمداً في الكتابة عن منصب رئيس البرلمان فقط، بل نقول لا، فرئاسة الجمهورية والوزراء لا تزالان غير محسومتين من قبل القوى الفائزة ولها تحفظات وشروط على بعضها البعض فهي ليست أوفر حظاً ولا أحسن حالاً من غيرها من الكتل السنية.
لنأتي للب المشكلة وتاريخها ونقول بأن انتخاب الرئاسات الثلاث يأتي على أسس المحاصصة الطائفية وهذا ما اعتاد عليه البلد منذ احتلال البلاد عام 2003 وإلى الآن حيث أن رئيس الجمهورية كوردي والبرلمان سني والوزراء شيعي ، في الوقت الذي لم تحتو مواد الدستور على اي نص أو قانون يؤكد ذلك ولكن جرت الأعراف هكذا وباتت الأمور تسير بهذا الاتجاة، وبعد سلسلة الاحتجاجات الغاضبة التي عمت جنوب البلاد وراح ضحيتها قتلى وجرحى تبعتها اعتقالات لعدد من الناشطين ثم عقبتها جلسات طارئة للبرلمان الجديد والتي لم يتم التأكد من دستوريتها من عدمه، وتم استجواب العبادي وبعض من وزرائه ويقابلهم محافظ البصرة وعدد من المسؤولين ليعلو ضجيج المشاجرة والمشادة الكلامية بينهما العبادي وصار ما يشبه “المسرحية ” كما وصفتها بعض الكتل “الشيعية” حيث تم “تسقيط” العبادي فيها وإظهار المحافظ بالموقف البطولي الشجاع ليتم بعدها بدقائق مطالبة العبادي بالاستقالة من منصبه وكابينته الوزارية وهذا لم يحدث ولن يحدث.
اليوم وبعد ان تحتم على النواب إختيار رئيساً للبرلمان ونائبيه بدأ مزاد بيع المنصب بين الكتل الفائزة “السنية” وحدثت انشقاقات من الكتل الكبيرة وأولها تحالف المحور الوطني بزعامة الشيخ خميس الخنجر لينسحب السيد أسامة النجيفي ويبدأ سياسة الانسحاب للكتل الأخرى من غير التنسيق مع قيادات التحالف مقابل ضمانات من الكتل التي انضموا إليها وبدأ دعم أسامة لمنصب رئيس مجلس النواب العراقي ، وهنا بدأت المشكلة وتطورت لما لا نعرف أين ستكون نهايتها وبدأ التناحر بين قيادات الكتل السنية عن أحقية من سيتسنم المنصب والذي يعد أعلى سلطة تشريعية في العراق.
المثير للجدل والاستغراب أن غالبية المرشحين لرئاسة مجلس النواب متهمون بقضايا “فساد أو إرهاب ” ومَن رفع الدعاوى عليهم بالأمس همو من رشحهم اليوم وأعلن دعمهم، والمرشحون لرئاسة الجمهورية ليسوا بأحسن حال من البرلمان، ورئاسة الوزراء هي الأخرى بنفس المعضلة فالمرشحون للمنصب غالبيتهم متهمون “بالفساد” وممن تحوم حولهم تهم عدة وما سرقة مصرف الزوية ببعيدة.
تغريدة السيد مقتدى الصدر قبل يومين كانت صريحة وواضحة بمطالبته بحكومة تكنوقراط “مستقلين” وفي حال لم يتم تنفيذ ذلك سيتجه للمعارضة السياسية، وهذا ما أكدته كتل داخل تحالف النصر لكن توارد الأخبار وسرعة المتغيرات تنبأ بغير ذلك فعظمة السلطة وجمال “المال” يغير النفوس من حال إلى حال والمناصب والكراسي تغير الرأي بين لحظة وأخرى.
وتفعل مشروع البيع والشراء بالمناصب السيادية حتى وصل سعر كرسي رئيس البرلمان إلى 30 مليون دولار وما بين 15 و 20 مليون دولار مقابل التنازل من المتنافسين على هذا المنصب، الأمر الذي أشعل لهيب الشارع العراقي خصوصاً في الجتوب والوسط وبات لسان المواطن العراقي: ” كم سيحصل الفائز بهذا المنصب إذا كان ما سيدفعه لشراء المنصب يفوق مرتبات الآلاف من الموظفين ” .
تطورات كثيرة جاءت تباعاً خلال الأيام القليلة الماضية محاولة إنتاج تحالف يضم سائرون والفتح، بعد فشل المحاولة الأولى التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات، فالجميع يعلم أن لا إمكانية لتشكيل حكومة من دون مشاركة سائرون والفتح، والخلاف كان حول الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة فكتلتا الفتح ودولة القانون، ومِن خلفهما إيران، كانا يريدان تشكيل تلك الكتلة لضمان رئاسة الوزراء من خلالها، وبالتالي تكون هي عماد هذه الحكومة، يقابله تحالف للعبادي وسائرون، المدعومين من الولايات المتحدة الاميريكية، اللتان باتتا بمحاولات إعادة النصاب والتفكير بعقلية اللاعب الإيراني، لكن الجميع، بما فيها الولايات المتحدة وإيران، على يقين بأنه لا يمكن تشكيل حكومة حقيقية من دون وجودهما معا، وقد عجلت إزاحة العبادي من سباق الترشيح لأول مرة، وبشكل عملي،
إعادة إنتاج هكذا تحالف بين سائرون والفتح، وبالطبع لا إمكانية لإقصاء حزب الدعوة من هكذا معادلة، وذلك من خلال ترتيب شبيه بترتيب سنة 2014، والتي تجمع كلا من المالكي والعبادي، وفي إطار هذه المعادلة ليس من خيار أمام الحكمة سوى الالتحاق، ففكرة المعارضة يمكن أن تنجح كشعار وبروباغندا، ولكن لا مكان لها في النظام السياسي العراقي، كما اوضح ذلك المحلل السياسي الدكتور يحيى الكبيسي وهو أقرب للواقع.
ما حدث وسيحدث يفرض واقعاً جديداً يجب التعامل معه والتفكير جدياً في التحالفات والتوجهات التي حكمها الاستقطاب القائم بين سائرون وحلفاؤها، والفتح وحلفاؤها، كما سيجعل الجميع يفكرون بذات قواعد اللعبة التي حكمت تشكيل الحكومات الثلاث السابقة في السنوات2006 و2010 و2014.
ما سيفرض على الفاعلين الرئيسيين في العراق، الولايات المتحدة وإيران، القبول بما تفرضه الوقائع على الأرض بعيدا عن التجريد الأميريكي، والعقائدية الإيرانية! .
وفي الأثناء ينتظر العراقيون واقعاً جديداً ووضعاً ينتشلهم مما هم فيه ولكن المتابع والمراقب للشأن العراقي يرى غير ذلك تماماً فمن يشتري ويبيع بمقعده البرلماني ويدفع الملايين لشراء منصب ما أو وزارة لا يمكن التعويل عليه بمستقبل أفضل لبلدٍ انهكته الحروب ودمره الفساد واغرقته الديون. ويبقى السؤال هو ما الذي سيقدمه السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الجديد لأهله وناخبيه.