1 العراق بين «انتفاضة» البصرة والحكومة «العميلة» افتتاحية القدس العربي
يقدم فتح قوات الأمن النار الحيّ على متظاهري البصرة وقتل ثمانية منهم وجرح العشرات فيما ترتفع مزادات وصفقات وألعاب تشكيل «الكتلة الأكبر» التي ستحظى بتشكيل الحكومة في البرلمان مشهداً فاضحاً عن حال العراق: مدينة تعوم على بحر من النفط ولكنّها تعاني من إفقار مهول وتهميش ترافقه أزمة صحية متفاقمة بسبب تلوث المياه مما أدى لوقوع أكثر من 20 ألف حالة تسمم، فيما يتقاتل كبار الساسة الذين دمّروا العراق ونهبوه وحوّلوه إلى مستعمرة أمريكية ـ إيرانية على الوصول إلى سدّة السلطة ليتابعوا مراكمة الدمار والنهب والتبعية للأجنبي.
تمثّل البصرة نموذجاً كاشفاً لهذه المعادلة، فإلى غناها «الافتراضي» فإنها المنفذ المائي الوحيد في العراق، كما أن تاريخها يحفل بأسماء الشخصيات السياسية التي ساهمت في صنع العراق الحديث قبل فترة الانقلابات العسكرية والأيديولوجية، ومنها آل النقيب والرشيد والسعدون، وقد تعرضت المحافظة لانتقام كبير بعد امتداد النفوذ الإيراني الذي أدى إلى ما يشبه الاحتلال لمظاهرها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية عبر أكثر من 135 مؤسسة ومدرسة ومركز برعاية ميليشيات وأحزاب تابعة لطهران، حتى صار عناصر الميليشيات يتصرفون كجنود احتلال يستشرسون في قتل المتظاهرين أكثر من القوات الأمنية، وصارت الفارسية لغة السادة المنتصرين فيما صارت شوارعها تحمل صور وأسماء الملالي.
هذا المآل المؤسف للبصرة هو إذن كاشف كبير يساعد في فهم المشهد السياسي الجاري في بغداد (والعكس صحيح)، فرغم أن الصراع السياسي الحاصل حاليا يجري عمليّاً بين كتلتين كبريين شيعيتين، يحضر فيهما الأكراد والسنة وباقي الحركات السياسية الصغرى كتكملة عدد ضرورية، فإن شخصية مثل هادي العامري زعيم «تحالف الفتح»، المتحالف مع تكتل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لا يستنكف، حين لا تهبّ رياح المناصب تجاه سفينته، أن يقول إن الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية (أي التي لا تشكلها طهران عمليّا) هي «حكومة عميلة» مهددا بإسقاطها (أي بإسقاط إيران لها) خلال شهرين.
من المؤسف كثيراً أن يُختصر العراق، أحد أولى الحواضر الإنسانية الكبرى، والذي بدأ أول أشكال الحضارة والثقافة على الكرة الأرضية، إلى هذا المشهد السياسي المخجل في بغداد، وإلى هذا العنف الكبير ضد مواطنيه في البصرة (وقبلها في الموصل والفلوجة والرمادي والنجف وسامراء وكركوك الخ…)، وإلى هذا الفساد الهائل (أو اللصوصية المكشوفة) الذي يضع العراق في أسفل قائمة دول العالم.
وكي لا نكتفي بالمناحة على «أرض السواد»، يمكننا أن نستجمع بعض النقاط المفيدة التي يمكن البناء عليها، ومنها هذا الحراك الشعبيّ الذي يرفض الظلم، وبدلاً من استخدام الرايات الشيعية في تبرير قتل المتظاهرين والتبعية المذلة للخارج فقد شهدنا وجهاً آخر لها في هذا الحراك حيث رفع بعض المتظاهرين راية الحسين (في محافظة كانت سنّية بغالبيتها أو مختلطة طائفيا) كتعبير عن رفض الظلم وكل النظام السياسي القائم وما يمثّله من افتقاد للأمن والتنمية والسيادة والكرامة.
يضاف إلى ذلك أن الكتل السياسية الأساسية المتنازعة، والتي تمتلك أدوات عنف وسلاحا وسطوة، مضطرة لمراعاة نتائج العملية الانتخابية ولإنتاج حلول وسط، كما أن بعضها يتجرأ، ولو لفظا (كما فعل مواطنو البصرة ضد «أولياء أمورهم» السياسيين) على «أولياء أمر» العراق الخارجيين.
ما يمكن قراءته من كل هذا أن الخروج من محنة العراق هو منجز تاريخي طويل تتشارك فيها نضالات المظلومين وطموح نخب سياسية أفضل مع تغيّر موازين القوى الإقليمية… وإن الصبح لناظره لقريب.
2 العراق.. صراعات تعصف بالصف الشيعي
د. باهرة الشيخلي
العرب بريطانيا
كلمة العراقيين سيقولونها عما قريب، بعد أن وصلت بهم الأمور إلى الإبادة المعلنة عن طريق الماء المسموم والأسلحة المختلفة، وقد بدأت هذه الكلمة في محافظة البصرة وستتبعها المحافظات الواحدة تلو الأخرى.
كلمة العراقيين سيقولونها عما قريب
قبل إجراء الانتخابات العراقية في 12 مايو الماضي بـ48 ساعة، قال الأمين العام لحزب الدعوة، نوري المالكي إن حزب الدعوة دخل بقائمتين، الأولی دولة القانون ويترأسها نوري المالكي، والثانية النصر ويترأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي، في تدبير انتخابي يريد القول إنه لا توجد أي خلافات داخل الحزب.
وبيّن أنهم عمدوا إلى هذا التدبير لكي تكون هناك فسحة أمام الناخب، فالذي لا ينسجم مع دولة القانون بإمكانه أن ينتخب النصر، ولكن كلا النتيجتين ستكونان لحزب الدعوة. هي زلة لسان تخفي وراءها حقيقة العلاقات الداخلية لحزب الدعوة.
وانتهت الانتخابات وإذا بالربيع، الذي وصفه المالكي في تصريحه، شتاء تكتنفه رياح تنبئ بصراعات حادة داخل هذا الحزب، ورماد يخفي تحته نارا حامية أفصحت عن خلافات بين الطرفين، وأن وثيقة الاتفاق كانت في الحقيقة، وثيقة خلاف، امتدت إلى علاقة حزب الدعوة بقائمة “سائرون”، التي يتزعمها مقتدى الصدر، لتشعل نار معركة شيعية شيعية، فضحت الفاعل الحقيقي وراء تفجير أكداس الذخيرة التابعة لميليشيا سرايا السلام في مدينتيْ الصدر وكربلاء.
وصار الصف الشيعي صفين؛ تقف إيران خلف أحدهما فيما تقف أميركا خلف الآخر، وينذر ما بينهما بمعارك يتخوف العراقيون من أن تدور رحاها في قلب بغداد.
في ذروة هذا التوتر نشرت وكالة رويترز تقريرا كشف أن طهران نقلت صواريخ إلى العراق، فيما نفت إيران ذلك، ولكن رويترز أسندت معلوماتها إلى مصادر إيرانية وعراقية وغربية أبلغتها أن طهران قدمت صواريخ باليستية لجماعات تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وأنها تطور القدرة على صنع المزيد من الصواريخ.
وتلقف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هذه التقارير ليعرب عن قلقه تجاهها فهي تتحدث عن نقل إيران صواريخ باليستية إلى العراق، معتبرا ذلك انتهاكا جسيما لسيادة العراق وقرار مجلس الأمن 2231.
الغريب أن وزارة الخارجية العراقية أبدت “استغرابها” من تقرير رويترز، في بيان صدر عنها الأحد الماضي، قالت فيه “في الوقت الذي تؤكد الوزارة أن العراق غير ملزم بالرد على تقارير صحافية لا تمتلك دليلا ملموسا على ادعاءاتها ومزاعمها، فإنها تؤكد أن جميع مؤسسات الدولة العراقية ملزمة وملتزمة بالمادة السابعة من الدستور والتي تنص على عدم استخدام الأراضي العراقية مقرا أو ممرا لأي عمليات تستهدف أمن أي دولة أخرى”.
وإذا كان مفهوما أن تصدر إيران تكذيبا، فمن غير المفهوم أن تنفي الخارجية العراقية ما جاء في تقرير رويترز، إلا إذا كانت هذه الوزارة هي صوت إيران الرسمي في العراق.
وكان هذا مؤشرا آخر على أن إيران تعد لانتهاج سياسة أقوى في ما يتعلق بالصواريخ في العراق، ما سيؤدي إلى تفاقم التوتر، الذي زاد بينها وبين واشنطن، بعد قرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، المبرم عام 2015 مع قوى عالمية كبرى.
تهدف إيران من تحركاتها هذه إلى أن تقاتل أميركا في العراق ليس بجنودها، وإنما بميليشياتها في العراق، ولا يهمها أن يدفع شيعة العراق ثمن معركتها. وجاء قرار حيدر العبادي بإقالة فالح الفياض، المتربع على عرش جهاز الأمن ومن جميع مناصبه، ليذكي الصراع بين الأطراف الشيعية ويثير غضب إيران، التي وجدت أن خيوط اللعبة ستفلت من يديها، فوصفت إقالة الفياض بأنها إضرار بالشعب العراقي، وقالت بلغة خالية من أي دبلوماسية إنها تتابع ما يجري من تصرفات خاطئة وإنها ستتخذ الإجراءات المطلوبة.
لكن هذا فعلٌ، وينتظر العالم رد الفعل الذي يعاكسه في الاتجاه ويساويه في القوة، وهو كلمة العراقيين، التي سيقولونها عما قريب، وقد بدأت هذه الكلمة بالإعلان عن نفسها في محافظة البصرة وستتبعها المحافظات الواحدة تلو الأخرى.
3 العراق كدولة واحدة انتهى! محمد واني الجريدة الكويتية
ثمة حقيقة لابد من ذكرها وهي أن العراق بتركيبته السكانية المختلفة وطبيعته الفسيفسائية المتناقضة، من الصعب فيه بل من المستحيل بناء اتفاق جماعي موحّد على ثوابت وطنية واحدة؛ لأن كل مكون أو مجتمع من مجتمعاته الثلاثة الرئيسة (السنة والشيعة والكرد) لديه نظرته الخاصة لتلك الثوابت.
حال العراقيين لا يسر عدواً ولا صديقاً، يعيشون في أزمة دائمة ومشاكل لا أول لها ولا آخر، أزمة تجر وراءها أزمة أتعس منها وألعن، حتى تحول العراق إلى بلد الأزمات، والأزمة هي الصناعة الوحيدة التي يبرع فيها العراقي ويجيدها، ومن يقترب منه يأخذ حصته كاملة من البؤس والتعاسة، كثيرون اكتووا بناره وعانوا منه الأمرّين، وأبرزهم الكرد.
فمنذ أن ألحقهم الاستعمار البريطاني بالعراق، وهم يلاقون منه العنت والعذاب، فمن الأنفال والإبادة الجماعية والقصف بالقنابل الكيماوية إلى التهجير والتعريب والحصار والتجويع الجماعي والتشيّع الطائفي للحكام الجُدد الذين لم يمضِ وقت طويل على بسط سيطرتهم على الحكم حتى أدخلوا البلاد في حرب طائفية شعواء، ذهب ضحيتها مئات الآلاف.
ومازالت وتيرة الشحن الطائفي تتصاعد حتى ظهر تنظيم «داعش» الإرهابي بأبشع صوره في الموصل والمناطق السُّنِّية الأخرى، وما كادت مدينة الموصل تتحرر وأزمة داعش تخفّ حتى ظهرت أزمة الاستفتاء الكردي والتهيئة لحرب أخرى لاستعادة الأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك من يد الأكراد وطردهم منها بالقوة العسكرية وبدعم مباشر من قوات ميليشيات الحشد الشعبي. ولم تهنأ القوات الحكومية والميليشيات بالنصر كثيراً، حيث استغلت قوات «داعش» غياب قوات البيشمركة الكردية من تلك المناطق، وعاودت نشاطها من جديد وصعّدت عملياتها الإرهابية اليومية.
ثمة حقيقة لابد من ذكرها وهي أن العراق بتركيبته السكانية المختلفة وطبيعته الفسيفسائية المتناقضة، من الصعب فيه بل من المستحيل بناء اتفاق جماعي موحّد على ثوابت وطنية واحدة؛ لأن كل مكون أو مجتمع من مجتمعاته الثلاثة الرئيسة (السنة والشيعة والكرد) لديه نظرته الخاصة لتلك الثوابت، فالوطنية عند الكرد غير الوطنية عند السنة والشيعة، ولاؤهم للوطن الذي ينتمون إليه وهو كردستان وليس للعراق بالتأكيد، فهم بشكل عام لم يشعروا يوماً بأنهم عراقيون ينتمون إلى الأسرة العراقية ويتبعون النظام السياسي في بغداد، وهذا الشعور التنافري الرافض للانصياع للأمر الواقع جلب عليهم ويلات ومصائب لا حصر لها، ودخلوا في صراعات طويلة ودامية مع الحكومات العراقية المتعاقبة.
وكذلك الأمر بالنسبة للسُّنة والشيعة، فالوطنية تتحقق عند السُّنة عندما تهيمن العروبة على الحكم وتقود البلاد، فهم مع العراق العربي التابع للأمة العربية الكبيرة من المحيط إلى الخليج، وليس مع العراق الطائفي الذي يوالي إيران ويوظف موارد البلاد الاقتصادية لنشر التشيع وتصدير الطائفية وتشكيل الميليشيات المسلحة كما تسعى الشيعة للوصول إليه.
وإذا ظنت الولايات المتحدة الأميركية أو إيران أنها تستطيع أن تمنع العراق من التفكك والتقسيم على المدى البعيد على الأقل أو أن تضغط على الأحزاب العراقية بتشكيل حكومة «توافق» وطنية تجمع المتناقضات الثلاثة في بوتقة واحدة موحّدة وتستمر دون مشاكل وأزمات عميقة، فإنها مخطئة ونظرتها الاستراتيجية للعراق ناقصة وفهمها لطبيعة المكونات العراقية المتنافرة غير ناضج!
انعكست التجاذبات السياسية الكبيرة والاختلافات العميقة في الفهم والرؤية والمصالح وطريقة إدارة الحكم بين المكونات الثلاثة الرئيسة وأحزابها وزعمائها، وكذلك بين الأحزاب والكتل داخل كل مكون وإصرار كل طرف على تكريس برامجه السياسية وفرض مصالحه، على تشكيل الحكومة الجديدة في الوقت الذي حدده الدستور وكل المباحثات والاجتماعات قد فشلت في تشكيل الكتلة الأكبر المكلفة بتشكيل الحكومة رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية في البلاد.
وثمة عوائق ومشاكل أخرى تعترض تشكيل الحكومة الجديدة، وحتى إن تشكلت فإنها لا تستمر طويلاً وتنتهي بها المطاف إلى الفشل والسقوط! ومن هذه العوائق أن كتلة «دولة القانون» التي يتزعمها رئيس وزراء السابق نوري المالكي، ومعها كتل أخرى كبيرة ونافذة مثل كتلة «الفتح» التي يترأسها زعيم منظمة بدر وكتائب ميليشيا الحشد الشعبي هادي العامري، لديها أجندة سياسية خطيرة لقيادة البلاد، وهي تشكيل الحكومة على أساس «الأغلبية السياسية»، وهي العودة إلى المربع الديكتاتوري السابق بحسب بعض المحللين وإعادة المركزية القوية «القبضة الحديدية» للبلاد، ولكن بقيادة شيعية متطرفة!
وإذا ما وافق الكرد والسنة على تمرير هذه السياسة الإقصائية أو أجبروا على قبولها، فإن المزاجية الطائفية هي التي ستتحكم في البلاد ولن يبقى للدستور أي قيمة جوهرية على أرض الواقع، مما يعمل على تجميده ونسف مواده، كما نسف المالكي المادة 119 التي تقضي بإقامة الأقاليم في المحافظات، وجابه المتظاهرين في المناطق السُّنية الذين طالبوا بتطبيق هذه المادة الدستورية المهمة بالرصاص عام 2012، باعتبارها دعوات انفصالية!
4 الكتلة البرلمانية الأكبر بين إرادتين احمد صبري الوطن العمانية
”… تشكيل الكتلة الأكبر أصبح مرهونا بالإرادتين الأميركية والإيرانية وثقل كل منهما على الساحة العراقية وتأثيرهما في تحديد أولوياتهما خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أن العلاقة بين واشنطن وطهران تشهد مزيدا من التصعيد مع قرب حزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، الأمر الذي قد يحد من دور الأخيرة في العراق وانعكاس ذلك على حلفائها في بغداد..”
تحاول الطبقة السياسية التي تدير شؤون العراق منذ احتلاله وحتى الآن أن تعيد إنتاج نفسها بصيغ جديدة من أجل استمرارها في التفرد بالقرار السياسي، ووأد أي مخرج سياسي يؤدي إلى الفضاء الوطني، ويخرج العراق من نظام المحاصصة الطائفية الذي كان سمة المرحلة الماضية.
وما أنتجته الانتخابات الماضية يشير إلى أن العراق سيبقى ارتهان قراره السياسي بالخارج رغم الدعوات المتصاعدة لرفض الإملاءات الخارجية في تقرير مستقبله وتحديد أولوياته.
المشهد السياسي كان حافلا بالتطورات السياسية في العراق، الذي أنهى انتخابات شابها التزوير، يواجه اليوم اختبارا أصعب في تشكيل الحكومة الجديدة بسبب الصراع بين أحزاب تقليدية تفكر في تكرار سيناريو السنوات الماضية، وأخرى تحاول المجازفة بتبنيها سياسة جديدة تلبي أصوات العراقيين في تحقيق الوحدة الوطنية وتحجيم النفوذ الخارجي.
واللاعب الإقليمي على ما يبدو فشل في توحيد الأحزاب الحليفة الفائزة في الانتخابات وهي “النصر” و”سائرون” و”ائتلاف دولة القانون” “والفتح” و”الحكمة”، وأخفقت جهود توحيدها وانقسمت فريقين متخاصمين، الأول يضم “النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر و”تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم وأعلن هؤلاء رفضهم للتدخل الإقليمي وقرروا إبرام تحالف مع زعيم ائتلاف “الوطنية” إياد علاوي وقوى سنية. أما الفريق الثاني فيضم “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي و”الفتح” بزعامة هادي العامري وهو الفريق المقرب إلى إيران.
وأخفق الطرفان في أول جلسة للبرلمان العراقي في تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر داخل مجلس النواب الجديدة تمهيدا لاختيار رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة وفقا للدستور العراقي، على خلاف السنوات الماضية عندما كانوا يتوحدون في كتلة كبيرة ويتفاوضون مع الكرد والسنّة حول تقاسم المناصب.
وفي خضم احتدام الصراع على تشكيل الكتلة الأكبر والظفر برئاسة الحكومة فإن الأطراف السنية ما زالت محايدة بين الفريقين الشيعيين المتنافسين لتشكيل الكتلة الأكبر، وإن المفاوضات ما زالت مستمرة مع جميع الأحزاب للوصول إلى صيغة قد تلبي مطالبها إذا تحالفت مع أي المتنافسين وفي مقدمتها إعادة إعمار المدن السنية، وإطلاق سراح المعتقلين والمشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي وحصر السلاح بيد الدولة مع ضمانات مكتوبة وملزمة لتحقيق هذه المطالب.
والموقف الكردي لا يختلف عن الموقف السني الذي اتخذ موقف الانتظار لغاية انجلاء جولة الصراع لتحديد الموقف المستند إلى عدة مطالب في صدارتها حسم مصير كركوك والمناطق المتنازع عليها ورواتب البيشمركة وتصدير النفط، ناهيك عن مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل وتجسيد الشراكة في اتخاذ القرار السياسي ومستقبل العراق.
إذًا.. تشكيل الكتلة الأكبر أصبح مرهونا بالإرادتين الأميركية والإيرانية وثقل كل منهما على الساحة العراقية وتأثيرهما في تحديد أولوياتهما خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أن العلاقة بين واشنطن وطهران تشهد مزيدا من التصعيد مع قرب حزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، الأمر الذي قد يحد من دور الأخيرة في العراق وانعكاس ذلك على حلفائها في بغداد الذي يواجهون معارضين على رهانهم على العامل الخارجي، الأمر الذي سيعطي أرجحية ودفعة لتحديد ملامح الكتلة البرلمانية التي ترفض الإملاءات والتعويل على العامل الخارجي في تقرير مستقبل العراق بعد السنوات العجاف، لا سيما وأن حركة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في تصاعد ورفعت سقف مطالبها لتصل إلى أداء الطبقة السياسية وفشلها في مهمتها والمطالبة الواضحة في إعادة النظر في النظام السياسي الذي أنتجه الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد.