1 الميليشيات ستذهب بالعراق إلى حتفه الإيراني
حامد الكيلاني العرب بريطانيا
لا يتعامل النظام الإيراني مع العراق بصفته دولة مستقلة وذات سيادة، فتفسيره للتدخل يختلف عن المعايير الدبلوماسية بين الدول، بل إنه على ثقة أن من يتدخل بشؤون العراق الداخلية إنما يتجاوز خصوصيات السياسة الإيرانية.
نظام الملالي منح فرصة الاستفراد بشعب العراق
إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق ولا في تشكيل الحكومة وتحالف الكتلة الأكبر في البرلمان، لكنها، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها بهرام قاسمي، تتابع التفاصيل، خاصة ما يتعلق منها بالحشد الشعبي وبإقالة أحد قادته، وتصرح بأنها ستنظر في الأمر، في الأيام المقبلة، وتقرر ماذا ستفعل.
لا يتعامل النظام الإيراني فعلا مع العراق بصفته دولة مستقلة عنه وذات سيادة، فتفسيره للتدخل يختلف تماما عن المعايير الدبلوماسية بين الدول، بل إنه على ثقة أن من يتدخل بشؤون العراق الداخلية إنما يتجاوز خصوصيات السياسة الإيرانية؛ وذلك سياق طبيعي من وجهة نظر زعماء إيران وأيضا حكام العراق بأحزابهم وقواتهم المسلحة المكونة من ميليشيات ارتقت بالإعداد والتدريب والتجهيز إلى مستوى متقدم بين جيوش المنطقة.
الاحتلال الأميركي للعراق في 9 أبريل 2003 كلل الجهود الإيرانية المستمرة منذ بدء العدوان الإيراني على العراق في 4 سبتمبر 1980 ومنح نظام الملالي فرصة الاستفراد بشعب العراق وافتراس جيشه بقرار الحاكم المدني بول بريمر الذي أصدر قرار الحل انسجاما مع الرغبة الإيرانية الممثلة بزعماء حزب الدعوة والعملاء الآخرين ممن حملوا السلاح ضد وطنهم الأم في الحرب الإيرانية العراقية، والذين تكفلوا بتصفية القادة والطيارين والعملاء وأساتذة الجامعات والأطباء وطابور طويل من المطلوبين لقائمة الاغتيالات الإيرانية انتقاما لدورهم في إيقاف طموحات ولاية الفقيه عند البوابة الشرقية من حدود الأمة العربية مع إيران.
ولاءات الحكام الجدد مهما ابتعدت السنوات عن بداية تاريخ سنة الاحتلال، تظل محكومة بالخيانة والتواطؤ مع الأجنبي، فعمليتهم السياسية بشعاراتها الديمقراطية وانتخاباتها البرلمانية أو بحكوماتها وكتابة دستورها ومرجعية محكمتها الاتحادية، لم تكن إلا هبات من المحتل، ولن تزيدهم مكانة في أعماق عشائرهم ومدنهم وطوائفهم ومذاهبهم أو قومياتهم رغم أنها زادتهم مالا وفسادا؛ فعار الاحتلال سيلاحقهم جيلا بعد جيل حيثما حلوا وارتحلوا.
الانقسام في العراق بين الولاء لأميركا وإيران لن ينتهي مع وجود زعماء الخيانة الذين استقدموا الاحتلال الأميركي تحت ذرائع أسلحة الدمار الشامل؛ فالرئيس الأميركي جورج دبليو بوش اعتذر عمّا وصفه بـ”المعلومات الخاطئة” وهو ما لا يتجرأ العملاء القيام به وحتى سيل اعتذاراتهم الأخيرة للشعب العراقي لا تنصب في اعتذارهم عن ارتكاب جريمة الاحتلال، إنما لصناعة قاعة طوارئ لاستقبال أعراض انهيارات سمعتهم عمليا.
رئيس البرلمان السابق في كلمته أثناء انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد حرص على التذكير بأهمية الحفاظ على “مكتسبات العملية السياسية” وتحصينها من الزلل؛ رغم أن الشواهد تتدافع مزدحمة أمام شعب العراق والرأي العام العالمي والمنظمات الدولية لتؤكد حجم ونوع الزلل في الصراعات بين الكتل وتحالفات الشخصيات المتكالبة على تولي السلطة وترجيح الطرف الأميركي أو الإيراني في مفاضلة بين تجاذبات معلنة وصريحة من الجانب الأميركي، يقابلها تخفّ وكتمان يراد لهما أن يكونا سرّا بما هو مطلوب من الجانب الإيراني، وتحديدا في فترة العقوبات وما سينتج عنها بعد توقع تفاقمها في بداية شهر نوفمبر القادم مع فرض سياسة أميركية اقتصادية صارمة بشأن تخفيض الصادرات النفطية إلى مقتربات نقطة الصفر.
مزادات السياسة والحكم والتبعية تجري في وقت نفضت فيه الحكومة والميليشيات الإيرانية تحت عنوان الحشد الشعبي والقوات النظامية وقوات التحالف يدها من ركام الموصل وما خلّفته من تدمير شامل، دون أن تكلف تلك القوى نفسها تسريع عودة اللاجئين وإعمار مناطقهم وتوفير فرص عمل معقولة لينهضوا من رماد المجازر والإبادات التي تعرضوا لها من إرهاب داعش وعشوائية الحرب عليه، حيث لا حدود أو أرقام مسبقة لمحددات الخسائر المدنية في خطط غرف العمليات.
مازالت معسكرات وخيام اللاجئين من أهلنا في الموصل مدنا بديلة على مدّ النظر لمن يراها، وهي مدن لا تنتج سوى اليأس والعاطلين الباحثين عن إطعام مجاني حدّ الكفاف لأسرهم تحت خيمة الأمم المتحدة.
البصرة التحقت بالموصل والنزوح ليس بالبعيد بعد أن غادرت أعداد من أهلنا فيها إلى مدن أخرى ودول أخرى بسبب توفر الميليشيات الإيرانية وقواعدها الاقتصادية والحزبية، وأيضا توفر التلوث والتصحر والتملح والأمراض مع انعدام الماء الصالح للشرب والاستخدامات الحياتية واختلاطه بسبب تقادم البنى التحتية مع النفط والمجاري بما ينذر بالعواقب الوخيمة في ظل عجز واضح عن تبني حلول تنموية تعيد الحياة إلى البصرة وتستوعب تشغيل الآلاف من العاطلين.
انتحار المدن العراقية، نماذج تزدهر بها الولاءات الانتخابية لأميركا وإيران، وكما يقول زعيم ميليشيا العصائب “لا تستعجلوا ولا تفرحوا فمن يضحك أخيرا سيضحك كثيرا”، ليُرجِح امتلاك تحالف الفتح ودولة القانون مفاتيح تشكيل الكتلة الإيرانية الصريحة في البرلمان والتي أطلق عليها كتلة البناء، وهو اختيار موفق لمفردة التسلط الميليشيوي على مقدرات العراق والعراقيين؛ فالمعنى ينطوي على ما سبق من تخريب على مدى 15 سنة تحت ذات الأحزاب والمرجعيات السياسية والدينية في نظام يتسيد فيه المشروع الإيراني الواقع السياسي.
علاقة الأحزاب الإيرانية بأميركا تتراوح بين جهتين؛ الجهة الأولى تقدم نفسها كسلطة دولة لها مصالح مع الولايات المتحدة كدولة عظمى وتحاول تكريس النفاق في اللعب على حبال متعددة، أما الجهة الثانية فتراهن على ولائها المطلق لإيران دون نسيانها التلميح إلى التغيير وبناء العراق بعد التخريب والتدمير والتحكم الفعلي بالقرار العراقي من منطلق المصالح الإيرانية لاختبار النيات الأميركية مع إيران في العراق والمنطقة.
لذلك فإن المشهد السياسي يتجه إلى معارضة مُعطِلة في البرلمان؛ معارضة من خلفها ميليشيات وكتل بشرية تستطيع تحريكها بأزمة من داخل البرلمان. الكتلتان المتنافستان لديهما هذه الإمكانات وعند فوز أحدهما بالكتلة الأكبر وتشكيل الحكومة فإنه سيذهب إلى الإصلاح بطريقته لكسب التأييد الشعبي مع فتح الباب للاستثمارات في أجزاء من احتياجات الشعب العراقي. عمليات الإصلاح والإعمار والبناء في العراق ستكون بدرجة التعافي والقبول بالحمى بديلا عن تجارب الموت السابقة.
ستذهب الميليشيات بالعراق في النهاية إلى حتفه الإيراني بالصواريخ الباليستية والبرنامج النووي والعقوبات والتهديدات الإسرائيلية لملاحقة تواجدها وأسلحتها الاستراتيجية المنقولة من إيران أو المصنعة في العراق، رغم نفي حكومة العبادي للخبر ومطالبتها بالدليل الملموس؛ أي دليل على شاكلة إبراء ذمة النظام الإيراني من التدخل في شؤون العراق.
ولاية الفقيه تعتبر الانتقادات الموجهة إليها نتيجة تدخلها في العراق تدخلا من خصومها الدوليين والمحليين في شؤونها الداخلية؛ الحقيقة الإيرانية في العراق تؤكد أن ميليشياتها ستضحك أخيرا إن ربحت تشكيل الكتلة الأكبر أو خسرت؛ لكن ثمة حقيقة مقابلة أكثر رسوخا تتكون في الداخل الإيراني والعراقي والدولي والمنطقة ستذرو معها الكثير من الميليشيات وضحكاتها وغطرسة الحرس الثوري أدراج الرياح.
2 أزمة إيران في العراق
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا
ليس تحديد الكتلة الأكبر في مجلس النوّاب العراقي الجديد سوى انعكاس لأزمة مركبة في العراق لا تستطيع إيران الخروج منها، نظرا إلى أنّها جزء لا يتجزّأ من هذه الأزمة.
الأكراد تحولوا إلى بيضة القبان في اللعبة السياسية العراقية
سيأخذ الجدل في شأن من يمتلك الكتلة النيابية الأكبر في العراق وقتا طويلا. لا تبدو إيران مستعدّة للاستسلام السريع للغة الأرقام التي تعني، بين ما تعنيه، أن التحالف بين حيدر العبادي ومقتدى الصدر وآخرين، من بينهم عمّار الحكيم وإيّاد علاوي، استطاع تشكيل الكتلة الأكبر من دون اللجوء إلى الأكراد.
جاء تشكيل الكتلة الأكبر، الذي ردّت عليه إيران سريعا بأنّ هناك من يمتلك أيضا كتلة قادرة على لعب دور في اختيار من سيكون رئيس الحكومة الجديدة، بأن دفعت التابعين لها من قادة الميليشيات المذهبية إلى التصعيد. لم تكتف بجعل أحد قادة الميليشيات يقول “من يضحك طويلا هو من سيضحك أخيرا”، بل عقد السفير الإيراني في بغداد لقاء مع زعماء أكراد بغية استمالتهم إلى الكتلة الإيرانية التي شكلها نوري المالكي وهادي العامري وآخرون من الذين ينسوْن أنّ عودتهم إلى بغداد في العام 2003 كانت على دبّابة أميركية.
تحوّل الأكراد إلى بيضة القبان في اللعبة السياسية العراقية، لكن انضمامهم إلى الكتلة الإيرانية في مجلس النواب العراقي الجديد، من أجل ترجيح كفّة نوري المالكي أو هادي العامري ليس مضمونا. على الرغم من أن لدى الأكراد، أقلّه لدى قسم منهم، حسابا يريدون تصفيته مع حيدر العبادي ودوره في مرحلة ما بعد الاستفتاء على الاستقلال الكردي ومعركة كركوك، إلا أنّ ليس في استطاعتهم التجاهل الكامل لما تسعى إليه الإدارة الأميركية. لعبت الإدارة عبر مبعوثها إلى العراق، بريت ماكغورك، دورا محوريا في تشكيل جبهة عريضة تقف في وجه المشروع التوسّعي الإيراني الذي يعتبر العراق مجرّد ولاية أو محافظة تُدار من طهران.
هناك ما هو أبعد بكثير من التجاذبات العراقية في شأن مَن تكون الكتلة الأكبر التي ستختار رئيس الوزراء العراقي الجديد. هل يخلف حيدر العبادي حيدر العبادي في موقع رئيس الوزراء، أم ستوجد شخصية أخرى قادرة على خلافته من بين أعضاء الكتلة التي تضمّه مع “سائرون”. لا شكّ أن العبادي أظهر أنّه قادر على لعب دور إيجابي على الصعيد الداخلي. حاول قبل كلّ شيء إصلاح ما يمكن إصلاحه منذ خلف نوري المالكي في العام 2014 بعد الهزيمة التي لحقت بالجيش العراقي على يد “داعش” في الموصل.
استطاع العبادي لعب دور في هزيمة “داعش” من دون أن يعني ذلك نفي جانب من مسؤوليته في تحقيق الهدف الإيراني الذي يشارك فيه النظام السوري. يتمثل هذا الهدف الذي كان وراء إيجاد “داعش” إفلاته على العراقيين والسوريين. كذلك، يتمثل هذا الهدف في تدمير المدن الكبيرة في العراق وسوريا كي لا تقوم لها قيامة من منطلق أنّها مدن سنّية أو مدن مختلطة تشكل حاضنة لثقافة الحياة وللتنوع الثقافي والاجتماعي، كما كانت عليه البصرة وبغداد والموصل وحلب وحمص وحماة في الماضي.
ما هو أبعد من التجاذبات الداخلية العراقية خلفية المشهد العراقي. هناك قبل كلّ شيء الوضع الداخلي الإيراني الذي يفترض ألا يغيب عن البال. تعاني إيران من أزمة على كلّ المستويات نتيجة فشل نظام يعتقد أن الهرب إلى الخارج يغني عن الالتفات إلى هموم الإيرانيين وطموحاتهم. تختزلُ الأزمة الداخلية الإيرانية في الفشل في تطوير الاقتصاد منذ العام 1979 تاريخ سقوط الشاه. وعد المسؤولون الإيرانيون في مرحلة ما بعد الشاه والإعلان عن قيام “الجمهورية الإسلامية” بألا تعود إيران معتمدة فقط على دخلها من النفط والغاز. إيران اليوم تحت رحمة النفط والغاز أكثر من أيّ وقت. شكّل العراق في مرحلة معيّنة متنفسا لاقتصادها المنهار. عرفت بعد العام 2003 كيف تحلب العراق إلى أن جفّ ضرع البقرة التي اسمها الاقتصاد العراقي.
هناك أزمة اقتصادية واجتماعية في إيران والعراق في الوقت ذاته. يأتي ذلك في وقت لا يمكن الاستخفاف بالمواجهة الإيرانية- الأميركية التي تحوّل العراق إلى ساحة من ساحاتها. هناك أيضا تململ شعبي في العراق لن يكون في استطاعة أي حكومة برئاسة العبادي أو غير العبادي، معالجته بسهولة.
ما يشهده العراق حاليا هو فشل مزدوج للمشروعيْن الأميركي والإيراني، هذا إذا كان هناك أصلا مشروع أميركي للعراق باستثناء التخلص من نظام صدّام حسين. حسنا، حصل ذلك عبر حرب مشتركة كانت إيران طرفا مباشرا فيها. يدفع الأميركيون حاليا عدم إدراكهم أن المنتصر الأوّل من حرب، استهدفت نظاما عاد بالويلات على العراقيين وعلى المنطقة كلّها، كانت إيران التي لم تستوعب أنّ ثمّة حدودا للتذاكي وأن العراقيين، بمن في ذلك الشيعة، ليسوا في أكثريتهم مجرّد عبيد لديها.
ليس تحديدَ مَنْ الكتلة الأكبر في مجلس النوّاب العراقي الجديد سوى انعكاس لأزمة مركبة في العراق لا تستطيع إيران الخروج منها، نظرا إلى أنّها جزء لا يتجزّأ من هذه الأزمة. كان أفضل تعبير عن هذه الأزمة الإيرانية في العراق تمرّد شخص مثل مقتدى الصدر على طهران. هذا يفسّر كلّ تلك الجهود التي تبذلها من أجل تشكيل كتلتها في البرلمان العراقي ومنع حيدر العبادي من العودة إلى موقع رئيس الوزراء. في النهاية، تجرّأ العبادي على القول، تعليقا على العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، أن عليه مراعاة مصلحة العراق. كان كلامه واضحا لجهة أن مصلحة العراق والعراقيين تمرّ قبل مصلحة إيران التي اعتقدت أن الحرب الأميركية انتهت بانتصار يسمح لها بأن يكون العراق مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني.
في انتظار الجواب الواضح الذي لا لبس فيه بشأن الكتلة النيابية الأكبر في العراق، لا مفرّ من طرح أسئلة عدة. من بين هذه الأسئلة هل تستطيع إيران التراجع في العراق والاقتناع أن العراق هو العراق وإيران هي إيران؟ إلى أيّ مدى ستذهب الإدارة الأميركية في دعم حيدر العبادي وتشكيل كتلة نيابية يمكن أن تعيده رئيسا للوزراء أو يمكن أن تأتي بشخص يمتلك حيثية عراقية لا يمكن لإيران القبول بها؟ الأهمّ من ذلك كلّه هل من مستقبل للعراق، بمعنى هل يمكن إعادة تركيب البلد بعد كلّ الذي حصل فيه وما حلّ بمدنه؟
تكمن أهمية الولايات المتحدة بأنّ في استطاعتها ارتكاب كلّ الأخطاء التي يمكن لأي إدارة ارتكابها من دون أن يتأثر وضعها الداخلي بذلك. هذا عائد إلى أنّها القوّة الاقتصادية الأكبر في العالم. خسرت أميركا حرب فيتنام. أذلها الفيتناميون في سبعينات القرن الماضي. أقامت فيتنام في مرحلة لاحقة علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة. تريد بكل بساطة الاستفادة من الاستثمارات الأميركية. تخلت فيتنام عن أي دور إقليمي. صار اهتمامها محصورا بشعبها واقتصادها. لماذا لا تتعلم إيران من تجارب الآخرين ومن أن لا خبز لها في العراق الذي قد يعود يوما دولة طبيعية، كما قد لا يعود كذلك بعد كلّ ما تعرّض له في السنوات الستين الماضية… منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي قضى فيه مجموعة من الضباط الجهلة على العائلة المالكة!
3 الى اين تسير ياعراق ولمن ستشكو.. ومن المسؤول عن التشظي الشيعي؟ جهاد العيدان
راي اليوم بريطانيا
من تابع وقائع جلسات مجلس النواب العراقي الرابع لايخرج الا بنتيجة مؤلمة ومثيرة للرثاء وهي ان البيت السياسي الشيعي بات متشظيا متهلهلا كما ان الدعوة المباركة التي انبتتها دماء طاهرة وشيدتها شخصيات مضحية انقسمت هي الاخرى ما بين ابو يسر (حيدر العبادي) وابو اسراء (نوري المالكي ) مما يعكس في كل الاحوال صورة سلبية للمشهدين الشيعي من جهة وحزب الدعوة الاسلامية من جهة اخرى والاكثر ايلاما هو مراهنة الكتلتيين الكبيرتين على اشخاص نكرات ودواعش مازالت ايديهم ملطخة بدماء ابناء شعبنا .انا لاادري لمصلحة من هذا الانقسام ولماذا لايوجد رجل رشيد او جهة صادقة تشد الازر وتوحد الصف وتمنع الانحدار .
كانت الحكومة العلوية – الجعفرية هي حلم غالبية الشعب العراقي وكانت هي الهدف الذي من اجله سقطت كواكب مخلصة ومتميزة من الشهداء والعلماء الذين كانوا يمثلون حالة الوعي المتقدم للامة واليوم لو استفتيت الشعب لوجدت ان الغالبية لاتريد سوى رحيل هؤلاء ولو تابعتم مواقع التواصل الاجتماعي لوجدتم السب والشتم واللعن لهذه الثلة الحاكمة التي باتت منبوذة بنظر الناس ولقد نجح الامريكان تماما عندما سمحوا لهم بالتسلق للحكم من اجل تلويث البيئة الشيعية بهذه القناعات وتاكيد مقولة ان الشيعة لايعرفون غير اللطم والندب وشج الرؤوس .
من المسؤول عن هذا التشظي الشيعي – الشيعي والدعوتي – الدعوتي , هل هي المرجعية كما يحلو للبعض , ام هي حركة الواقع ومساراته اليومية . ام هي النظرية الشيعية المتهمة بالتقية والاغراق في الماضي , ام انه (الانا ) الحاكم والمعشعش في رؤوس بعض القادة واصحاب الحل والعقد , ام انه الصراع الدولي والمخطط الصهيو – امريكي والصراع الدولي الاقليمي على العراق .
تساؤلات مهمة واساسية من اجل تكوين رؤية واضحة لاكتشاف الذات والهوية والاطلاع على معميات ومجاهيل الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب العراقي اليوم الذي يشرب الماء المالح غير المصفى وياكل الطعام المنتهي المدد والقادم من كل اصقاع العالم دون ان ياكل مما ينتج او يزرع .
تساؤلات ضرورية يمكن طرحها بطريقة اخرى هل المشكلة في الشعب اساسا ام في الطبقة الحاكمة ام في طبيعة التكالب الدولي والاقليمي على العراق , ولماذا يعامل الشعب العراقي المعطاء كسلة من المهملات او طبقة بيض فاسد فيما تكرس الطبقة الحاكمة كل المكاسب لصالحها دون ان تاخذ بنظر الاهتمام مصير هذا الشعب او مطالبه او طموحاته او ارادته .
اين يكمن الخلل في هذا الواقع الماساوي الذي تمر به الامة العراقية التي هي نتاج المصائب وجرائم الانظمة الحاكمة العبودية وضحية الحكومات العميقة والعقيمة ولماذا تغيب الخدمات عن هذا البلد وتتربص به الحروب والدواعش والمافيات الارهابية والعقول المتخلفة والضمائر العفنة .
الحديث ذو شجون والتساؤلات لاتتوقف طالما ان هناك مخطط تدميري للعراق وان بعض العراقيين هم شركاء في هذا المخطط التدميري الذي سيفتح باب الفتنة على مصراعيها في القادم من الايام , اتذكر ان الشهيد السعيد ابو حسن السبيتي (هادي السبيتي ) الذي اغتاله النظام الصدامي في الاردن وهو احد قادة الدعوة الاصلاء كان يؤكد على الهوية في الفكر والاعتقاد والانتماء دون ان تكون الهوية مجالا مغناطيسيا لجغرافية التحزب او جغرافية التموطن او التمذهب , وهذا ما نفتقده اليوم تماما رغم الادعاء بالمواطنة العراقية الشكلية او الانتماء للحركة الاسلامية او العلمانية , كما اتذكر المفكر القائد الشهيد ابو ياسين (عز الدين سليم ) الذي كان يقول ان عقلية التخلف تساوي عقلية التحزب او بالعكس وان سبب ماسي العراق هو الاهتمام بالمظهر الخارجي دون المظهر الانساني وان مشكلة الانسان العراقي هو انه ينقاد بسهولة للمظاهر الشكلية – النفاقية دون ان يعي حقائق الواقع ويدرك مظاهر الاشخاص اي ان طبيعة الانسان العراقي الطيب والوديع هي السبب في ارتهانه لاناس متكسبيين لاتهمهم الا مصالحهم ولاهم لهم سوى الصعود على اكتاف وجماجم الاخرين .
وعندما كنت التقي بشباب الاخوان المسلمين العراقيين ايام زمان كانوا ينتقدون الواقع السياسي للحركة الاسلامية الشيعية لاعتبار انها اسيرة المؤثرات التاريخية والغيبية والشخصية ورغم اني كنت في ذلك الوقت اناقشهم وارد اقوالهم الا اني ومع مرور الايام اكتشفت ان الحركة الاسلامية الشيعية مصابة الى حد كبير بظاهرة اللاانتماء حيث انها اتخمت بعناصر تسلقية لاتاريخ ولاعلاقة لها بجهاد الحركة فيما تجاهلت العناصر الاصيلة – المجاهدة التي ضحت بكل شئ من اجل العمل الحركي الشمولي , ولكنها لم تحصل ايام الحصاد على اي شئ سوى مرضاة الباري والخروج من وحل المكاسب والمغانم .
وما نشهده اليوم من انقسام وتشظي بين اخوة الجهاد والبيت الواحد ماهو الا هو نتاج للظواهر والمظاهر التي اشرنا اليها وهي انعكاس للمظاهر الدنيوية الرخيصة التي حكمت هذه الشخصيات والمسميات التي تاجرت في القضية وتاجرت في الدين وفي الوطن لتكون وبالا على نفسها وعلى حزبها وعلى شعبها وعلى امتها , فالى اين تسير ياعراق؟ والى من ستشكو ؟.
4 استياء شعبي ورسمي عراقي من التصرفات الإيرانية عبدالمنعم ابراهيم
اخبار الخليج البحرينية
يبدو أن التذمر الشعبي في العراق انتقل إلى (السياسيين) من التصرفات الإيرانية، حيث قال رئيس الحكومة (حيدر العبادي) مؤخرًا: «إن الأمانة التي نحملها تستدعي منا عدم المجازفة بمصير شعبنا لصالح إرضاء إيران أو أي دولة جارة أخرى».. وانتقد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإيرانية فيما يخص إمدادات المياه إلى العراق، وشدد على أنه «ليس من حق أي دولة جارة أن تقطع مياه نهر الكارون عن شط العرب»، وكانت الزميلة (الشرق الأوسط) قد كتبت يوم أمس الأول أن «مدنا عدة شهدت مظاهرات واحتجاجات غاضبة ضد السلطات المحلية والاتحادية على ضعف الخدمات وتلوث مياه الشرب الذي بلغت الإصابات بسببه 30 ألف إصابة، وأغلق مئات المتظاهرين مواقع استراتيجية مهمة، بما فيها حقول نفطية، كما اعتصم محتجون في منفذ (الشلامجة) الحدودي الرابط بين العراق وإيران».
إذن هناك تذمر شعبي عراقي كبير من السلوك الإيراني في العراق، وانتقل هذا التذمر إلى الطبقة السياسية، أو جزء كبير منها على الأقل.. ففي السابق كانت إيران تتدخل في الشؤون الداخلية العراقية من خلال المليشيات الشيعية المسلحة الموالية لها، ومنها بعض فصائل (الحشد الشعبي)، بالإضافة إلى زعامات سياسية موالية لإيران مثل (المالكي) و(العامري) وآخرين، لكن حاليا انتقلت إيران إلى معاقبة الشعب العراقي وليس الحكومة العراقية، سواء من خلال قطع أنهار تصب في شط العرب أو وقف تزويد العراق بالكهرباء بحسب اتفاقيات مبرمة سابقًا.
من غير المستبعد أن ينعكس هذا الجو المشحون بالاستياء الشعبي من التصرفات الإيرانية في العراق في قرارات سياسية في أوساط الأحزاب التي تتجه إلى تشكيل حكومة عراقية لا تستلطف إيران، ولا إيران تستلطفها، وإذا حدث هذا فإن العراق القادم لن يكون (عراق الأمس)، حيث كان (قاسم سليماني) يصول ويجول في العراق كالحاكم بأمر الله!.. وخصوصًا بعد تسريب تقارير تقول إن إسرائيل ألمحت إلى أنها قد تستهدف أسلحة وصواريخ إيرانية في العراق، ما يدفع أي حكومة عراقية قادمة إلى تقليص النفوذ الإيراني العسكري والمليشياوي المسلح في الأراضي العراقية.
كل هذه الرمال المتحركة في العراق من اعتصام محتجين عراقيين في منفذ (الشلامجة) الحدودي بين العراق وإيران، حتى تشكيل حكومة عراقية جديدة غير موالية لإيران.. هذه الرمال المتحركة قد يدفن فيها النفوذ الإيراني القديم في العراق.. ويبقى السؤال: ما مصير (الطابور الخامس) الإيراني هناك؟
5 غياب «الصدر» والصمت الإيراني رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
مرت، قبل أيام، أربعون سنة(28-31/8/1978) على غياب موسى الصَّدر، وحتى الآن ما زالت الواقعة لُغزاً. حتى سقوط النِّظام الليبي، يعد أتباعه مقتله غياباً، وكأن الفكرة تجسيد لغياب الإمام، التي على أساسها شُيدت الدَّولة العبيدية والفاطمية(297-567هـ)، فالمجلس الشِّيعي الأعلى بلبنان ظل يُشار، بعد اختفائه، إلى خليفة الصَّدر رئيساً بالنيابة. هذا، وظل الحال على ما هو عليه بعد مقتل القذافي(2011)، وفتح السّجون وكشف الأسرار. أقول: ما زالت عقيدة الغياب خصبة، ألم تتفرع منها «ولاية الفقيه» نفسها!
وُلد الصَّدر ونشأ بإيران، بعد انتقال والده صدر الدِّين الصَّدر(ت1954) إليها من العِراق، بطلب مِن مؤسس حوزة قمّ(1921) عبد الكريم الحائري، (ت1937) للتدريس هناك. ليس كما أدعى أحد الكُتاب الإيرانيين، الذي يعتبر حتى اسم العراق إيرانياً، بأن آل الصَّدر إيرانيو الأُصول، بينما أُصول الأسرة بين العراق ولبنان، فمِن الأسرة كان محمد الصَّدر(ت1956) رئيس وزراء العراق، ورئيس مجلس الوصاية.
كان الصَّدر في الستينيات، مِن القرن الماضي، أحد المدافعين عن الخميني (ت1989)، فقد نشرت له صحيفة فرنسية مقالاً يطالب فيه بعودته مِن منفاه، وقام بجولة على أوروبا والفاتيكان للغرض نفسه. ناهيك عن علاقة المصاهرة بين عائلة الصَّدر والخميني. فأحمد، نجل الأخير، متزوج مِن ابنة أخت موسى الصَّدر، وقد كتبت فاطمة طباطبائي كتاباً تحت عنوان «ذكرياتي»، ذكرت فيه أحوال خالها تفصيلاً.
تحدثت كشاهدة عيان عن كيفية وصول الصَّدر إلى لبنان، والبداية بتأسيس المجلس الإسلامي الشِّيعي الأعلى(1967-1969)- بعد دراسته عند الخميني، وحسين منتظري(ت 2009)- لإدارة شؤون الطّائفة الشيعية هناك، وسط اعتراضات مِن قِبل رجال دين مِن الشِّيعة اللبنانيين، وأنشأ مؤسسات خيرية، كمؤسسة «موسى الصَّدر».
أسس الصَّدر منظمة «أمل»، والتي كان نصر الله أمين عام «حزب الله» عضواً فيها، وهو صغير السِّن، لذا يمكن اعتبار «الصَّدر» أول مِن تصدى للعمل السياسي الدِّيني المسلح بلبنان، وإن كان لم ينتظم في حزب إسلامي. فما نقرأه عن نشاطه السِّياسي، يعطينا فكرة بأنه كان جزءاً مِن تسليح المجتمع اللبناني طائفياً ودينياً، إلى جانب صقور الطوائف الأُخر، وكانت له صلات مع محمد باقر الصَّدر(أعدم 1980، ناهيك عن صلة القرابة والمصاهرة بينهما، وحصل أن انتقده محمد باقر على خطاباته في الكنائس، فبرر ذلك العمل بأنه لصالح الشِّيعة(طباطبائي، ذكرياتي).
كان أبرز مساعدي الصَّدر في عمله السياسي والعسكري مصطفى شمران، أو جمران(قُتل1981)، وصل إلى لبنان وساهم في تأسيس «أمل» وقيادتها. اختاره الخميني وزيراً للدفاع، ونائباً لرئيس الوزراء، ورئيساً للحرس الثَّوري. يذكر موسى الموسوي حفيد أبي الحسن الأصفهاني وصديق مصطفى الخميني(ت1977)، أن حسين مصطفى الخميني لا يحترم شمران، فذكر أنه أهانه في مطار طهران، وهو لا زال وزيراً(الموسوي، الثَّورة البائسة). يُعد شمران من أشد المتحمسين للحرب مع العراق.
كان أغلب العاملين، في مؤسسات الصَّدر، مِن أتباع الخميني، إلا أن معترضين على الصَّدر نقلوا إلى الخميني أنه «يحضر مجالس النِّساء وهنَّ بلا حجاب» (طباطبائي، ذكرياتي). لهذا بدا الخميني ليس على وفاق معه، لكن هل ممكن أن يكون هذا سبباً كافياً للتباعد بين الرَّجلين، كي يصمت الخميني عن اختفاء الصَّدر، ويكون نظامه صديقاً مميزاً للنظام الذي قتله، إذا لم يكن هناك ما هو أعمق؟! يُستشف هذا مما ذكرته طباطبائي مِن أن زوجها أحمد الخميني اقترح على خالها الصَّدر الذهاب إلى النَّجف لتوضيح موقفه لوالده، لكنه أجاب: «لن أُدافع عن نفسي»(نفسه).
فالسؤال، وبعد أربعين سنةً، وكان الخميني في أعلى السُّلطة لعشر سنوات، لم تنطق إيران، التي تُقدم نفسها حامية لرجالات الشِّيعة، بكلمة عن مصير أحد الخلصاء للخميني، قبل طرح ولاية الفقيه، ضد الشَّاه والذّابين عنه، والممهدين لتأسيس «حزب الله»، فيما بعد. فلا صحة لِما أُشيع عن علاقة الصَّدر بالنظام الشَّاهنشاهي، فحسب ما دونته زوجة نجل الخميني عن خالها، أن السَّفارة الإيرانية ببيروت طالبته بتسليم جواز السَّفر، لأنه غير مرغوب به.
مع ذلك، كانت العلاقة بين نظامي القذافي وإيران الشَّاهنشاهية مقطوعة، فعادت مع الثَّورة(1979)، وظلت هكذا حتى نهاية النِّظام اللِّيبي، ووصل الوفد الليبي بعد الوفد الفلسطيني مهنئاً بالثَّورة. فهل كان الصَّدر يشكل، بعد وصوله لبنان، منافساً للخميني، على قيادة الشِّيعة سياسياً، أو اختلف مع فكرة «ولاية الفقيه»، التي طرحها الخميني بالنَّجف؟! لذا تحول خصماً، وإن كان من قادة المذهب. فأحمد الخميني، وبشهادة زوجته، أشار إلى الفقهاء المختلفين مع والده بالمنحرفين، وعلى الأرجح أن الصَّدر بحساب الخميني كان منحرفاً عن الولاية المذكورة.
لا نظن أن الصَّدر كان أكثر حضوراً، في الفقه الإمامي، مِن المرجع شريعتمداري(ت1985) ولا المرجع الخاقاني(ت1985)، الذَّيَن بطش بهما نظام «ولاية الفقيه»، وطُبق عليهما وصف الخميني الابن منحرفون؟! الخلاصة، كان الصَّمت الإيراني مِن غياب الصَّدر لُغزاً آخر بعد لُغز الغياب.
6 تهديد إسرائيل وولادة حكومة بغداد عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط السعودية
أتصور لو كان موعد الانتخابات البرلمانية في العراق العام الماضي، لربما تمكنت إيران بسهولة من فرض رئيس الوزراء وحكومته. لحسن حظ العراقيين أن الأمور تطورت داخليا وخارجياً، بما ليس في صالح الجنرال قاسم سليماني الذي يعتبر نفسه حاكم الهلال الخصيب. كما أن الأميركيين، وحلفاءهم المهمين، نشطوا هذا العام، واعتبروا الانتخابات شأنا خطيرا يستوجب المتابعة وموازنة الضغوط الإيرانية. وكذلك دخل الإسرائيليون على الخط بأسلوبهم، فهددوا بقصف الوجود العسكري الإيراني في العراق، ولن يبالوا.
على أي حال، يبدو أن عدد النواب الفائزين في البرلمان العراقي المستعدين للوقوف ضد مطامع نظام إيران هم الأكثرية. فقد التحق بكتلة «سائرون» المعتدلة، ويتزعمها المرجع الشيعي مقتدى الصدر، أكثر من 170 نائباً، بما يجعلها تتفوق على الكتلة «المحسوبة على إيران»، بزعامة نوري المالكي وهادي العامري.
ومن الطبيعي أن تكون إيران مصدومة، فقد كانت تعتبر العراق ولاية مضمونة لها أكثر من سوريا ولبنان. وها هو استثمارها السياسي والأمني والعسكري يتبخر أمام ناظريها، ولا ننسى أنها تعزو الفضل لنفسها في تحرير الموصل من «داعش»، وإنقاذ بغداد من الانهيار حينها.
وليس غريبا ما أذاعته قناة «سكاي عربية» أمس، من أن نوابا قالوا إنهم تلقوا تهديدات بالقتل من الإيرانيين إن هم ساندوا كتلة «سائرون». ويكفي قراءة البيانات والأخبار الصادرة عن المؤسسات الإيرانية لندرك مدى الغضب في بلاط آية الله خامنئي، فكلها تجمع على اعتبار تقدم «سائرون» مؤامرة أميركية، وترفض أن تحترم اختيارات ممثلي الشعب.
أما بالنسبة لإسرائيل فمن الواضح أن تصريحاتها رسائل تهديد إلى إيران، وأي حكومة عراقية مقبلة قد تفكر في أن تنحني لمطالب طهران. فقد حذرت الحكومة المقبلة من أن استضافة بطاريات الصواريخ الإيرانية الهاربة من سوريا داخل العراق سيجلب المقاتلات الإسرائيلية، ولن تحميها السيادة من المطاردة والقصف.
هل إسرائيل جادة في تهديدها، مدركين أن العراق دولة مستقلة مستقرة بخلاف سوريا؟ وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، عن قصف قوات الحرس الثوري الإيراني في العراق لمح إلى أنه «لا نقيد أنفسنا بالأراضي السورية. وهذا ينبغي أن يكون واضحاً»، وكرر التهديد نفسه نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
الحقيقة الواضحة للجميع أن العراقيين اليوم يحسمون مستقبل بلدهم ومستقبل أبنائهم، لا الحكومة ورئاسة الوزراء فقط. صعود أي جماعة موالية لإيران سيجعل هذا البلد الكبير، الذي عانى كثيراً، مطية لنظام يعيش أحلك أيامه. فنظام طهران ينوي استخدام العراق دولةَ مواجهة، ككيس رمل يحتمي به على خط النار مع الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها. أيضاً، يريده أن يغسل دولاراته ويشتري منه بالتومان (عملته المحلية). يريد استخدام العراق لتهريب البضائع، وكسر المقاطعة المفروضة عليه، وأن يستخدم مياهه لفك الأزمة التي يعانيها الريف هناك بسبب سوء سياساته التنموية، وتبديد مدخرات البلاد في حروب لبنان وسوريا واليمن. يريد أن يجعل من العراق لبنانا آخر، تنشط فيه ميليشياته، مثل«حزب الله» العراقي، وتقاتل له كما يفعل «الحوثي» في اليمن و«حزب الله» في لبنان.
الجميع في انتظار قرار الحسم العراقي الذي سيعني الكثير للعراق والمنطقة.
7 انعزال لكنّه… تدخّل حازم صاغية الحياة السعودية
يطيب للبعض وصف إدارة دونالد ترامب بالانعزاليّة. الوصف صحيح تؤكّده القائمة الطويلة من الروابط والاتفاقيّات العابرة للحدود التي انسحبت منها تلك الإدارة، أو هدّدت بالانسحاب. كذلك تؤكّده السياسة المعلنة حول عدم التدخّل في الصراعات، باستثناء ما يتّصل منها مباشرة بأمن الولايات المتّحدة الأميركيّة. الحرب على «داعش» في العراق وسوريّة مَثَل معبّر.
لقد فصلت ساعات فحسب بين قرارين «انعزاليّين»: واحد يقضي بالتوقّف عن تقديم دعم بقيمة 300 مليون دولار عن الدولة والجيش الباكستانيّين. هذا القرار يأتي تطبيقاً لما أعلنته الإدارة في كانون الثاني (يناير) الماضي من وقف دفع أيّ معونة أمنيّة لباكستان. القرار الثاني، الأفدح، هو وقف تقديم المعونات لمنظّمة الـ «أونروا» (غوث اللاجئين الفلسطينيّين) التابعة للأمم المتّحدة.
«الانعزال» هذا هو، في الحالتين، تدخّل. حيال باكستان، لوحظ أنّ حجب المعونة جاء عشيّة زيارة وزير الخارجيّة مايك بومبيو إليها، والأهمّ أنّ ذلك يحصل مع انتخاب «الوجه الجديد» عمران خان على رأس حكومة باكستانيّة جديدة. أيضاً: لا يغيب عن البال أن الولايات المتّحدة ستنفق هذا العام 46 بليون دولار في أفغانستان.
حيال اللاجئين الفلسطينيّين، التدخّل أفظع: إنّه يأتي بعد الاعتراف الأميركيّ الشنيع بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي موازاة الترويج لـ «صفقة القرن»، فيما الاستيطان الإسرائيليّ ماضٍ في قضم الأرض الفلسطينيّة. أخطر من ذلك أنّ إراحة إسرائيل من «حقّ العودة» (وهو شعار تنعدم أصلاً شروط تنفيذه) ستخلق مشكلة أكبر مثلثّة الأضلاع، معطوفة على المشكلة الإنسانيّة للفلسطينيّين التي ستزداد تفاقماً:
فأوّلاً، ستتعرّض الأنسجة الوطنيّة والأهليّة في مجتمعات اللجوء الفلسطينيّ، وهي مضطربة أصلاً، إلى مزيد من الاضطراب. أصوات أكثر حدّة ولؤماً وعنصريّة سترتفع، في هذه المجتمعات، ضدّ المدنيّين الفلسطينيّين. كذبة «لا للتوطين، نعم للعودة» ستكسب المزيد من الألسنة الملتوية المعبّرة عن نفوس ملتوية.
وثانياً، وهذا سرّ الموقف الألمانيّ والأوروبيّ المعترض على خطوة ترامب، سوف يدقّ أبواب أوروبا مزيد من اليائسين والمفقرين الذين هم بلا مكان ولا جنسيّة.
وثالثاً، وأخيراً، سيزداد انتفاخاً البطن الراديكاليّ والعدميّ في منطقتنا. إنّه لن يغذّي العداء للغرب فحسب، بل يغذّي أيضاً العداء للحياة نفسها. يحصل هذا فيما لم يُقفل بعد ملفّ «داعش» وإخوانه.
سياسة ترامب هذه التي تجمع بين الانعزال والتدخّل، لا ترى البدائل إلا نقائض، مستخدمة قدراتها الماليّة وغير الماليّة لفرض مفهوم بدائيّ جدّاً عن العالم وعن السياسة وعن الآخر. وفقاً لهذا التصوّر، ليس هناك أيّ مكان للديبلوماسيّة أو التدرّج في التأثير أو الرهان على غِنى ما قد يلده الواقع ومعطياته. فإمّا أن يكون الطرف المعنيّ بالأمر عبداً، لا يجيد إلا الطاعة، أو أن يُهدَّد بـ «حلّ نهائيّ» لقضيّته، على نحو ما هو مطروح على الفلسطينيّين اليوم. إنّ المشكلات، والحال هذه، لا «تُعالَج» إلا بتحويلها إلى مشكلات أكبر، إلى مشكلات يتراءى للسيّد ترامب أنّ حرائقها لن تندلع إلا في «الخارج». في يومنا هذا، يُعدّ ذلك وهماً محضاً. فالانعزال التدخّليّ لن تعصمه انعزاليّته عن تدخّل الآخرين فيه.
8 عطش البصرة والصراع على السلطة يخنقان العراق حميد الكفائي الحياة السعودية
ربما يمر العراق حالياً في أخطر مرحة في تاريخه، فالأزمات تعصف بالدولة من كل حدب وصوب بل أصبحت تهدد تماسكها. فمن أزمة الثقة بالنظام السياسي التي دفعت معظم العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات، ثم القيام باحتجاجات واسعة، إلى أزمة الكهرباء المتفاقمة، إلى أزمة تشكيل الحكومة التي تزداد تعقيداً مع تصاعد الاحتراب بين المحورين المتنافسين على تشكيل الكتلة الأكبر، إلى أزمة عطش البصرة وانتشار التلوث وتصاعد الملوحة نتيجة قطع إيران المياه عن شط العرب، وإهمال الحكومات المتعاقبة قطاع المياه والخدمات.
أزمة العطش في البصرة معقدة بسبب تداخل المسببات وتعلقها بجهات متعددة، عراقية وإقليمية وعالمية، وكل من يحاول تبسيط المشكلة وإلقاء اللوم على جهة واحدة إنما يجانب الحقيقة. محطات الإسالة وأنابيب نقل المياه في البصرة متهالكة بسبب قدمها، فبعضها أنشئ قبل ثمانين عاماً، وكان يجب أن يستبدل منذ سبعينات أو ثمانينات القرن الماضي، لكن انشغال العراق في الحروب ثم تكبيله بحصار دولي خانق لإثني عشر عاماً، قد حالا دون تجديد شبكات المياه أو نصب محطات حديثة. وهذا الجانب من المشكلة يتعلق بالإدارة المحلية للمياه في البصرة التابعة لوزارة البلديات، التي أدمجت أخيراً بوزارة الإعمار والإسكان، ونُقل معظم صلاحياتها إلى حكومة البصرة. كان على وزارة البلديات وحكومة البصرة أن تضعا حلولاً ناجعة لهذه المشكلة الخطيرة قبل تفاقمها، وهنا يكمن تقصير يقترب من الإجرام.
الجانب الثاني من المشكلة يتعلق بوزارة الموارد المائية التي تنظم استهلاك المياه وتوزيعها بين الزراعة والاستهلاك البشري. فبعد تناقص المياه العذبة في البصرة في التسعينات، قامت الوزارة بحفر قناة تمتد من منطقة (البدعة) في محافظة الناصرية إلى منطقة (أبو صخير) شمال البصرة، لتنتقل منه المياه إلى محطات الإسالة المقامة على شط العرب.
لكن تهالك الأنابيب الناقلة قد تسبب في تسرب معظم المياه قبل وصولها إلى محطات الإسالة البعيدة عن مصدر المياه، ما دفع مديرية ماء البصرة إلى الإستعاضة عن مياه مشروع البدعة العذبة، بمياه شط العرب المالحة والملوثة وهنا تكمن المشكلة التي تسببت في تسمم السكان. لا توجد شحة في المياه العذبة من مشروع البدعة، فمعظم المصادر تؤكد أن هناك كميات تكفي لثلاثة ملايين إنسان بمقدار مئتي لتر للفرد الواحد يومياً.
والجانب الثالث للأزمة هو الجانب الإقليمي، فمياه العراق كلها تأتي من تركيا وإيران، وبعضها يمر عبر سورية، وبسبب تزايد استهلاك هذه البلدان المتزايد للمياه، بدأت تتجاوز على حصة العراق المائية. تركيا وسورية أنشأتا السدود على الفرات منذ السبعينات، وقد تسبب ذلك في تناقص تدفق مياه النهر إلى ما دون النصف. ثم أقامت تركيا سد «أليسو» العملاق على نهر دجلة الذي سيتسبب في تفاقم شحة المياه في العراق مستقبلاً عندما يبدأ الأتراك استخدامه.
إيران أقامت السدود على نهري الكارون والكرخة وإعادت مياههما إلى أراضيها، ومنعت وصول أي كمية من المياه إلى العراق، وهذا هو السبب المباشر لزيادة نسبة المياه الملوثة في شط العرب وتصاعد الملوحة القادمة من الخليج. تناقص المياه العذبة في البصرة ألحق أضراراً جسيمة بالأشجار والزراعة والأحياء المائية، وأخيراً خلق أزمة مياه الشرب الحالية.
أما الجانب العالمي فهو تزايد استخدام المياه خلال نصف القرن الماضي في كل دول العالم بسبب تزايد عدد السكان، وهناك الآن اتفاقات أو مفاوضات بين الدول المتشاطئة على الأنهار العالمية لتقاسم المياه بينها.
الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا بغياب المسؤولية وانعدام الكفاءة أو كليهما، هو لماذا لم تتنبأ الحكومات المتعاقبة، الاتحادية والمحلية، بهذه الأزمة وتفكر بمعالجات ناجعة تنقذ السكان من العطش؟ هل من المعقول أن البصرة، ميناء العراق الوحيد، ومدينة النفط والنخيل والفن والأدب، وتلتقي فيها أربعة أنهار عملاقة، هي دجلة والفرات والكارون والكرخة، تعاني من نقص مياه الشرب؟ الأزمة ليست مفاجئة وأهالي البصرة يشتكون من تدني جودة المياه منذ عقود. إنها حقاً كارثة إنسانية لا بد من التحقيق في أسبابها ومحاسبة المقصرين.
المحزن في الأمر هو أن الحكومة البريطانية تنبأت بحصول الأزمة وقدمت قرضاً بقيمة 16 مليار دولار لإنشاء محطات لتحلية المياه، ونصحت بأن تنفذ المشروع شركة «بايوتر» البريطانية المتخصصة. لكن وزارة البلديات تلكأت في قبول العرض وظلت تماطل حول ربط القرض بشركة «بايوتر»، علماً أن هذه الشركة معروفة بخبرتها وقدراتها الكبيرة على تنفيذ هذه المشاريع. يبدو أن هناك مسؤولين أرادوا شركات أخرى أن تنفذ المشروع لأسباب ليست خافية.
وبينما البصرة تعطش ويصاب مواطنوها بالتسمم ويتظاهر الالآف منهم نتيجة لشظف العيش، تحتدم المعركة بين الأحزاب السياسية حول تشكيل الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة المقبلة! المحور المدعوم إيرانياً ينشط في تقديم الوعود للأحزاب من أجل استقطابها للانضمام إليه. أما المحور المدعوم أميركياً، فهو الآخر يسعى جاهداً إلى تشكيل هذه الكتلة، والعراقيون الآن واقعون بين ضغوط السليمانيْن: الجنرال قاسم سليماني والسفير دوغلاس سليمان! لا يبدو أن أحداً مكترث لمأساة البصرة، أو الاحتجاجات الصاخبة فيها التي تواجهها الشرطة بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع. يبدو أن السياسيين العراقيين يعيشون في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وبدلاً من أن يتخلوا عن طموحاتهم لمراكمة المزيد من المال والنفوذ، فإنهم يتصرفون وكأنه ليس هناك أي مشكلة في العراق! هؤلاء غير جديرين بالقيادة لذلك يجب على العراقيين البحث عن بدائل.
إن فشل الأحزاب الحالية وعدم اكتراثها بأزمة العطش والتلوث والتسمم وتصاعد الملوحة في البصرة، إضافة إلى تدهور الخدمات الأساسية والأوضاع المعاشية في عموم العراق، تستدعي أن تتحلى هذه الأحزاب بمقدار من المسؤولية وتتخلى عن (حقها) في تشكيل الحكومة وتتجه نحو تشكيل حكومة من الخبراء غير السياسيين كي تنتشل البلد من مشكلاته المستعصية. لن تنجح أي حكومة تشكلها الأحزاب الحالية في إيجاد حل لمشكلات العراق، لأنها ستنشغل في جني المكاسب لأعضائها وقادتها، فقد حصل هذا سابقا وسيحصل مستقبلا. الوضع الحالي يتطلب تضحيات جساما، وأقل تضحية تقدمها الأحزاب هي النأي بالنفس عن المشاركة في الحكومة المقبلة والسعي إلى تشكيل حكومة خبراء مستقلة.