5 مقالات عن العراق في الصحف العربية اليوم الاثنين

1 عن رئيس الوزراء العراقي القادم عوني القلمجي راي اليوم بريطانيا

كلما تصاعد الضجيج الاعلامي عن الصراع الدائر بين احزاب المنطقة الخضراء لتشكيل الكتلة الاكبر، والاسم الجديد لرئيس الوزراء القادم، يشعر المرء بالغثيان. فهذه الاحزاب، وكل من يتابع الوضع في العراق، يعلم علم اليقين بان امريكا هي التي تتحكم، في نهاية المطاف، بتشكيل الحكومة العراقية وتسمية رئيسها ،بل ووزرائها ايضا، بصرف النظر عن الفائز بتشكيل الكتلة الاكبر. فامريكا لم تزل صاحبة القرار الاول في العراق، وبيدها الحل والربط والسلطان. حدث ذلك مع الفائزين في الانتخابات، السابقة الذين جرى اقصائهم، اما بهدوء كما جرى مع المرشح ابراهيم الجعفري في انتخابات عام 2005، او بطلب شفهي مع الفائز اياد علاوي في انتخابات 2010، او باستخدام العصا الغليظة كما حدث مع نوري المالكي الفائز في انتخابات 2014.
لكن امريكا، وكونها “حقانية وبنت حلال”، فهي لا تنسى حلفاءئها واصدقاءها في المنطقة، الذين قدموا لها الخدمات الجليلة. ومنهم على وجه التحديد ايران. حيث سيكون لكل واحد منهم حصة في الحكومة المقبلة تتناسب وحجم نفوذه داخل العراق. ومن الطريف في هذا الخصوص، فان مبعوث امريكا بريت ماكغورك لم يخف هذا الامر، فهو يجتمع في السر والعلن مع كل الاطراف المتصارعة لتوزيع حصصهم في الحكومة القادمة. ولا يغير من هذه الحقيقة تعاون قاسم سليماني مع المبعوث الامريكي لتشكيل الحكومة القادمة، فايران لن تنال حصتها دون تقديم مثل هذه الخدمة. هذا هو واقع الحال،على الرغم من انكاره من قبل اوساط من السياسيين والمثقفين والمحلليين الذين تعج بهم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. واذا حدث وتمردت كتلة معينة على الاوامر الامريكية، فستلجأ امريكا الى طرد الجميع وتعطي لحيدر العبادي فترة اخرى تحت اسم جديد من قبيل، حكومة مؤقتة او حكومة انقاذ وطني او اي تسمية اخرى.
وفق هذه الحقيقة العنيدة فان الحكومة القادمة، وبصرف النظر عن شكلها او من يراسها، لن تكون سوى امتداد للحكومات السابقة، والتي ستقام على ذات اسس المحاصصة الطائفية والعرقية، ويكون من صلب مهماتها خدمة المحتل الامريكي وتابعه الايراني وليس خدمة العراقيين. وبالتالي فرئيسها سيكون”شيعي” ورئيس برلمانها “سني” ورئيس الجمهورية كردي، ومن حزب الاتحاد الوطني الكرستاني بالذات.
اما الحديث عن الصراع الدائر بين هذه الاحزاب، كونه الدليل على التجربة الديمقراطية في العراق، فان ذلك يعد خديعة كبيرة. فلقد اكدت الدراسات والبحوث الأكاديمية الخاصة بهذا الشأن، بان الاحزاب التي تسعى الى اجراء التحول الديمقراطي في ظل بلد مستقل وذات سيادة، وليس بلد محتل، ينبغي ان تكون مؤمنة تماما بالمبادئ والاسس الديمقراطية لتكون قادرة على اجراء تحول بهذا الاتجاه، ومن يراجع نشاة وجذور وبنية وتركيبة الاحزاب الحاكمة، فان تغييرا كهذا لن يحصل على الاطلاق، فالاحزاب الرئيسية الحاكمة، اما طائفية حتى النخاع مثل حزب الدعوة ومجلس ال الحكيم، والحزب الاسلامي وتيار مقتدى الصدر، واما قومية تسعى لاقامة دولتها المنشودة مثل الاحزاب الكردية،واما مخابراتية مثل جماعة اياد علاوي واسامة النجيفي. يضاف الى ذلك الاختلاف الكبير بين الحديث عن الديمقراطية وبين ممارستها، فعلى الرغم من تبني العديد من دول العالم الثالث الديمقراطية في ادارة الحكم، الا انها على ارض الواقع تستخدم الديمقراطية كستار لتحقيق مصالح الاحزاب الحاكمة، من خلال ابتكار الوسائل والاساليب للالتفاف عليها.
لنغير الاتجاه قليلا ونعود الى الادلة الدامغة والوقائع العنيدة، التي تؤكد ما ذهبنا اليه،على الرغم من الاشارة اليها في مقالات سابقة، تيمنا بمقولة فذكر ان نفعت الذكرى، لانها الفيصل في تحديد مصداقية الحكومة القادمة او عدمها، من خلال تحديد موقعها ومكانتها لدى المحتل، وكيف ينظر اليها، والطريقة التي يتعامل بها مع اعضاءها. على امل ان يجد العراقيون في الانتفاضة الشعبية ضالتهم للخروج من محنتهم، بدل الاستمرار في المراهنات الخائبة وانتظار المجهول.
الحقيقة الاولى تخص المحتل في كل مكان وزمان، حيث هناك عدد من الاشكال التي يعتمدها هذا المحتل تجاه البلد الذي احتله ومنها، الحكم المباشر، اما عبر حاكم عسكري او مدني او مندوب سامي، او تنصيب حكومة محلية عميلة يجري تسويقها على انها حكومة وطنية ومستقلة. وهذا ما فعله المحتل الامريكي، حيث استبدل الحاكم العسكري جي كارنر والمدني بول بريمر بمجلس حكم، ثم تلاه حكومة اياد علاوي، ثم تلتها حكومات اخرى. ولم يحدث قط ان تمردت حكومة من هذا النوع على سيدها، أو فرضت شروط عليه او طالبت برحيله.، بل ان بول بريمر قال عن قادة الاحزاب الحاكمة في وصاياه العشرة الى خلفه جون نغروبونتي بالقول،” اياك ان تثق بأي من هؤلاء الذين أويناهم واطعمناهم نصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص”.
والحقيقة الثانية تشير الى موازين القوة التي تفرض نفسها على العلاقة بين بين بلد محتل واخر واقع تحت الاحتلال، الامر الذي يفرض فيه القوي، اي المحتل الامريكي، شروطه والتي ثبتها باتفاقيات عديدة، ومن ابرزها اتفاقية العراق الامنية التي جعلت من العراق مستعمرة امريكية بامتياز.
اما الثالثة فهي تخص اهداف امريكا في العراق، وهي باختصار شديد لا تقتصر على العراق والسيطرة عليه وعلى ثرواته او نفطه او حماية الكيان الصهيوني من خطره فحسب، وانما تتعداه لان يكون العراق المحتل الحلقة المركزية في بناء الامبراطورية الامريكية الكونية التي تحكم العالم حتى نهاية التاريخ، وبالتالي فان ادارة العراق من قبل اهله كما ادعت امريكا يعد نكتة سمجة.
الحقيقة الرابعة هوان التاريخ لم يقدم لنا مثلا عن محتل ترك غنيمته طواعية لمجرد مطالبة حكومة البلد المحتل بذلك،وانما يلجا المحتل الى الانسحاب اذا لم تتمكن قواته المحتلة من الصمود امام المقاومة، او ان الاهداف التي جاء من اجل تحقيقها لم تعد تساوي التضحيات التي تقدم على هذا الطريق. وهنا لابد من الاشارة الى ان المحتل، رغم المأزق الذي يعاني منه، لم يصل بعد الى هذا الحد. وما يشيعه البعض بان المحتل اخذ عصاه ورحل، فانه يحلم في عز النهار، حيث لازال في العراق قواعد عسكرية في طول البلاد وعرضها، وفيها من الاسلحة المتطورة ما تكفي امريكا لخوض حرب ضد اي بلد في المنطقة.
الحقيقة الخامسة تخص العملية السياسية بكل مكوناتها من انتخابات وحكومة وبرلمان ودستور، فهذه قد جرى تصميمها بطريقة لا تسمح اطلاقا للقادمين الجدد على تغيير قواعدها التي استندت اليها، وابرزها المحاصصة الطائفية والعرقية، وهذه تتعاكس مع اي نظام ديمقراطي يكون هدفه خدمة البلاد واهلها.
الحقيقة السادسة وهي التي اثبتت صحتها على ارض الواقع، هي ان الحكومات السابقة هي حكومة اشرار ودمى تتحرك باوامر اللاعبين الكبار، وبصرف النظر عن نوعها، سواء كانت “حكومة توافقية” أو “حكومة اغلبية”، أو استندت الى المحاصصة الطائفية والعرقية، أو تحولت الى علمانية، فانها ستكون حكومة مصممة على مقاس المهمة التي ستوكل اليها في المرحلة القادمة.
الحقيقة السابعة ان امريكا تريد من كل ذلك تكريس احتلالها للعراق الى اجل غير مسمى، وبالتالي فلابد للحكومة القادمة ان تكون ذات مظهر ديمقراطي، وفي نفس الوقت توافقية، اي عدم السماح لاي كتلة بتجاوز حدودها والتفكير بانفراد هذا الطرف او ذاك في السلطة على حساب الاخرين، وعليه فان طلب امريكا بتشكيل حكومة يرضى عليها الجميع يدخل ضمن هذا الاطار.
اما المطلوب من الحكومة القادمة، هو العمل الجاد من اجل انهاء الانتفاضة الشعبية عبر استخدام جميع الوسائل بما فيها استخدام الالة العسكرية. ومنها اقناع الناس بالتخلي عن الانتفاضة والعودة الى بيوتهم من خلال تحسين بعض الاوضاع الخدمية والامنية على قاعدة المثل الذي يقول اللي شاف الموت يرضى بالسخونة. وهذا يعني فقدان الانتفاضة مساحة واسعة من محيطها الشعبي، الامر الذي سيحرمها الكثير من الدعم والتاييد، فالانتفاضة العراقية ليس لها سند اخر تتحصن به غير الناس. خاصة ونحن نواجه حكومة واحتلال مركب لديهم امكانات عسكرية وسياسية واعلامية هائلة، ولديهم ايضا ادوات محلية من احزاب وتجمعات على امتداد مساحة العراق، ودول جوار تقدم المساعدة للامريكيين كلما احتاجوا لها.
سيقول البعض اين هي الانتفاضة التي تتحدث عنها؟
لا نجادل بان الانتفاضة تراجعت، وفشلت في تحقيق اي هدف من اهدافها، ولا اجادل ايضا في العقبات الكبيرة التي تحول دون قدرتها على مواجهة مثل هذه التحديات والمخاطر في الوقت الحاضر، لكن الذي اجادل فيه بقوة واصرار، بان الانتفاضة لم تصل الى الحد الذي يؤدي الى فشلها او نهايتها. وبصرف النظر عن جميع الاحتمالات التي ستواجها الانتفاضة، ينبغي على لجانها التنسيقية واجهزة اعلامها استعادة زخمها، من خلال القيام بحملة سياسية واسعة النطاق، لفضح وتعرية الحكومة الجديدة، مثلما ينبغي التوجه الى الجماهير وجميع الاحزاب والتجمعات المناهضة للاحتلال، وحتى الشخصيات الوطنية، للتخلي عن الوقوف الى جانب الحكومة وعمليتها السياسية، والتوجه للمشاركة في الانتفاضة كل حسب قدرته واستطاعته. ولكي يتحقق هذا الهدف النبيل، ينبغي على ابناء الانتفاضة، الان وليس غدا، الاسراع في تحقيق وحدة اللجان التنسيقية في قيادة واحدة موحدة، لتكون المرجعية لكل ابناء العراق الذين يسعون الى تحرير بلدهم وتحقيق مطالبهم المشروعة. اذ من دون تحقيق ذلك سيكون الدرب طويلا وشاقا.
اقول قولي هذا للذين راهنوا، ولا زالوا يراهنون على العملية السياسية، او على الحكومة القادمة، ان يتخلوا عن هذا الطريق الذي لن يؤدي الا الى مزيد من المعاناة واراقة الدماء البريئة، فهذه العملية وضعت كسلاح لخدمة المحتل، وان متزعميها مهما اختلفوا فيما بينهم، فانهم في نهاية الامر اصدقاء وحبابيب، وكل همهم تقديم خدمات اكبر للمحتل والفوز بالجاه والمال لاطول مدة ممكنة. هذه الظاهرة ليست استثناءا عراقيا، وانما هي سمة العملاء في كل مكان وزمان.
2 إيران تستخدم العراق قاعدة صواريخ ضد دول الخليج العربي عبدالمنعم ابراهيم اخبار الخليج البحرينية

مجددًا يصبح العراق ساحة تهديد للدول العربية المجاورة من قِبل إيران، فقد نقلت وكالة (رويترز) عن مصادر إيرانية وعراقية وغربية أن إيران قدمت صواريخ باليستية لجهات شيعية تقاتل بالوكالة عنها في العراق، وأنها تطور القدرة على بناء مزيد من الصواريخ هناك؛ لردع الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط، ولامتلاك الوسيلة التي تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة، وقد تم نشر هذه الصواريخ في جنوب العراق وغربه.. بتعبير آخر، نشر هذه الصواريخ يستهدف السعودية ودول الخليج العربية.
وهذا يعني أن إيران (تستنسخ) تجربتها في اليمن في تزويد الانقلابيين الحوثيين بالصواريخ الباليستية لتهديد أمن السعودية، لكن هذه المرة من خلال مليشيات شيعية موالية لها في العراق لتهديد دول المنطقة.. وإذا كان اليمن محتلاً من قبل الانقلاب الحوثي في صنعاء والحديدة، فإن العراق لديه حكومة تقول دائمًا إنها تحترم علاقاتها مع جيرانها العرب، وتحديدًا مع السعودية ودول الخليج.. فكيف لهذه الحكومة العراقية أن تسمح لإيران بأن ترسل وتصنع صواريخ باليستية إيرانية (زلزال وفاتح وذو الفقار) التي يتراوح مداها بين 200 و700 كيلومتر إلى الأراضي العراقية، وتهدد بها جيران العراق من الدول العربية؟!
المشكلة الأكبر أن هذا يحدث أمام نظر (القوات الأمريكية) الموجودة في العراق.. وأمام الاستخبارات الأمريكية هناك.. فهل (واشنطن) لا تكترث للانتشار الصاروخي الباليستي الإيراني على الأراضي العراقية.. أم أنها سوف تكترث فقط حين تستهدف هذه الصواريخ الإيرانية قواتها العسكرية في العراق؟!
وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس) ترأس مؤخرًا اجتماعا ضم ممثلين لدول التعاون الخليجي ومصر والأردن والمغرب لمناقشة التحديات الأمنية في الشرق الأوسط.. فما فائدة هذه الاجتماعات الأمريكية-العربية إذا لم تتحقق نتائج على أرض الواقع.. (واشنطن) تعرف تمامًا أن الحوثيين في اليمن وبعض المليشيات الشيعية العراقية هي قفازات خطيرة في يد إيران، لكننا لم نجد الحزم الأمريكي الكافي ضد القفازات الإيرانية.. فلا حزم أمريكي في اليمن ولا حزم أمريكي في العراق!
3 وقفات مع كلمة أبو بكر البغدادي
مصطفى حمزة الحياة السعودية
حملت كلمة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، التي بثها مساء ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، العديد من الوقفات والدلالات، أولها يتعلق بتوقيتها الذي يأتي بعد قرابة عام من آخر كلمة له، والتي كانت في أيلول (سبتمبر) 2017، ليرد بذلك على إشاعة وفاته أو مرضه الشديد، التي ترتبت عليها انقسامات بين عناصر التنظيم ومطالبات بإسقاط بيعته بسبب عجزه عن القيام بمهامه. واختار توقيت كلمته خلال أيام عيد الأضحى، للإسقاط على ما فعله والي الكوفة خالد بن عبدالله القسري، من التضحية بالجعد بن درهم، وذبحه بعد خطبة العيد بسبب قوله بخلق القرآن، ليطالب زعيم «داعش» بتقليد «خالد» والتضحية بالعلمانيين والملحدين في هذا العيد، وهو ما صرَّح به في نهاية كلمته.
الوقفة الثانية تتعلق بمدة الكلمة التي بلغت 54 دقيقة و39 ثانية، وهي أطول كلمة للبغدادي من بين 12 كلمة له، وربما قصد بذلك إظهار قوته وقدرته على الحديث لوقت طويل، ليدلل على أن صحته جيدة.
الوقفة الثالثة: حملت الكلمة عنوان «وبشر الصابرين» لتثبيت عناصر التنظيم مع تراجعه على الأرض، وهو ما ظهر في نهاية خطاب البغدادي لعناصره بقوله: «فإن مع الضيق فرجاً ومخرجاً ولن يغلب عسر يسرين»، و» نبشركم بأن الدولة بخير حال»، مع أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وحاول زعيم «داعش» تثبيت أنصاره على ما هم عليه من القتل والدماء، بتشبيه هزيمة تنظيمه بهزيمة الصحابة في غزوة «أُحُد» حتى تتمايز الصفوف بعد أن دخل معهم منافقون كثيرون عقب الانتصارات التي حققوها في غزوة بدر، كأن الله ينزل بالتنظيم ابتلاءاته وهزائمه لتنقية صفوفه.
وأوهم «البغدادي» أنصاره بأن الله إذا أراد أن ينصر عبده كسره أولًا، ليكون النصر على مقدار الذل والانكسار الذي يتعرض له العبد، وأن تسلط الأعداء سبب لنيل الشهادة، مستدلاً بآيات قرآنية تخص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الرابعة: عكست كلمة «البغدادي» الطائفية التي يتغذى عليها تنظيمه وينمو في بيئتها، إذ وصف أميركا بـ»حامية الصليب»، والنظام السوري بالنصيري، والحكومة العراقية بالرافضية الصفوية، وصوَّر الدول المتحالفة لمحاربة «داعش» بأنهم يمارسون حرب إبادة شاملة لأهل السنة، وذلك لأن التنظيم يدعو الى حرب صليبية وطائفية يكون مكانها مرج دابق شمال حلب السورية.
الوقفة الخامسة: استخدم «البغدادي» مفردات شيخه وأستاذه سيد قطب بوصف مجتمعات الأرض بالجاهلية، وهو ما يعكس تقسيمه العالم إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا كفر فيه وهم الذين بايعوا «البغدادي»، وفسطاط كفر لا إيمان فيه ويمثله كل مجتمعات الأرض التي لم تبايعه، مع ما يترتب على ذلك من معاداة هذه المجتمعات والسعي الى قتلها وقتالها بحجة الجهاد المزعوم.
الوقفة السادسة: عكست الكلمة هزيمة التنظيم وتراجعه ومحاولات أميره رفع معنويات أتباعه، بأن ما يمر به «داعش» من فقد أراضيه ما هو إلا ابتلاء واختبار من الله ثمنه الجنة – على حد توهمه – ليشجع أنصاره على الاستمرار في القتال وبذل المزيد من الأنفس، معززاً ذلك بأن فقد الأرض لا يعني نهاية المعركة.
الوقفة السابعة: أظهر «البغدادي» الندية بين تنظيمه والولايات المتحدة الأميركية بهجومه على أميركا وزعمه بأن تراجعها وانكسار هيبتها في عين حلفائها سببهما ضربات التنظيم، وأن عناصره أفشلت ما كانت تحلم به أميركا من السيطرة وبسط النفوذ! زاعماً أن أميركا تعيش أسوأ مرحلة تمر بها في تاريخها المعاصر، وأنها في طريقها إلى الزوال.
الوقفة الثامنة: طَعْنُ زعيم «داعش» في الفصائل الأخرى ووصفها بالمرتدة واتهامها بالتحالف مع نظام الأسد والدعوة إلى قتال عناصر تلك الفصائل، تؤكد نظرية «الجهاد ضد الجهاد»، وأقصد بها الجهاد المزعوم ضد الجهاد المزعوم أيضاً، والتي أدت إلى تشظّي التنظيمات الإرهابية التي تُسمى زوراً بالجهادية، وانقسامها على نفسها.

الوقفة التاسعة: كلمة «البغدادي» جددت الدعوة الى نظرية التوحش والفوضى التي يقوم عليها التنظيم بدعوته أهالي سورية الى فتح العديد من جبهات القتال لاستعادة المناطق المحررة من تنظيم «داعش»، ودعوة أهل الأردن الى الثورة على حاكمهم، زاعماً بأن صلاح الحال لن يكون إلا بخلع من أسماهم بالطواغيت.
الوقفة العاشرة: استخدم زعيم «داعش» نظرية الإيهام التي أوهم من خلالها أنصاره بأن تنظيمه لا يزال متماسكاً وأن دولته المزعومة لا تزال باقية وتتمدد، وذلك بدعوته أهل السنة الى اللحاق بركب خلافته المزعومة في «العراق والشام واليمن وسيناء وخراسان وليبيا وغرب أفريقيا ووسطها والصومال وشرق آسيا والقوقاز ونجد والحجاز وتونس والجزائر وكشمير»، على الرغم من عدم وجوده في كثير من هذه الدول، وفقده قرابة 90 في المئة من أماكن سيطرته في المناطق التي كان موجوداً فيها.
الوقفة الحادية عشرة: يمكن أن تُسمى كلمة البغدادي بـ «خطاب الوداع» الذي ينعي فيه تنظيمه بسبب قوله: «ومن نافلة القول أن يعلم كل مجاهد في هذا الزمان أنه من غير ثبات طائفة الإيمان ومجابهتها آلة العدو الضخمة الهائلة حتى وإن أفضى ذلك الى اصطلامها، فلن تحيا هذه الأمة ولن تقوم للإسلام دولة، فلا بد من طليعة تضحي، وتكون القنطرة التي تعبر الأمة من خلالها إلى ميادين العزة والكرامة»، ولا أتوقع أن تكون للبغدادي كلمة أخرى بعــد هذا الكــلام.
4 الكردي المهدور
مشرق عباس
الحياة السعودية

لا يمكن حصر منصب رئيس الجمهورية العراقية بشخص، وبالطبع لا يمكن قصره على حزب أو قومية معينة، فما تطالب به غالبية العراقيين يذهب إلى أن تكون المناصب خارج التصنيف الحزبي والطائفي والقومي، بل أن دعوات مهمة تتصاعد لاعتماد النظام الرئاسي أو في الأقل المختلط بما يضمن انتخاباً مباشراً للرئيس يمنحه صلاحيات استثنائية.
وبالتعامل مع واقع الحال، فإن على القوى السياسية الكردية ترشيح رئيس الجمهورية، وهذه القوى مختلفة اليوم حول طريقة الترشيح والأسماء المقترحة، فللمرة الأولى قد لا يقتصر الأمر على خيارات داخلية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أو حتى الصيغة المتقدمة في طريقة الاختيار لعام 2014 عندما فاز فؤاد معصوم بالترشح بأصوات كتلة التحالف الكردستاني مجتمعة وبفارق بسيط عن برهم صالح، وانما ثمة مصالح وضرورات عراقية تحتم قبولاً عراقياً عاماً للرئيس، وهو الشرط الذي بات مقترناً أيضاً بمنصبي رئيسي الحكومة والبرلمان.
إن الأحزاب العراقية باتت مجبرة في هذه المرحلة على التعاطي ولو شكلاً مع المطالب الشعبية العربية والكردية على حد سواء باختيار تشكيلة حكومية قوية ومتجانسة وفعالة وقادرة على تحقيق الامن والبناء وايضاً لا تمثل انعكاساً مباشراً لنظام المحاصصة الحزبية.
وبصرف النظر عن التقييم العام لفترة رئاسة فؤاد معصوم، فإن الرجل كان أعلن في لحظة توليه قضيتين، الأولى أنه لن يرشح لولاية جديدة، والأخرى أنه كان يرى أن برهم صالح هو الأحق بالمنصب. بالطبع هناك شخصيات كردية عديدة كفوءة ومقبولة، وبعض هذه الشخصيات طرحت أسماؤها للترشح أخيراً أيضاً، وربما تراجعت حظوظ برهم صالح بعد خلافاته المعلنة مع قيادات الاتحاد الوطني ومن ثم انشقاقه، في اثر غياب الزعيم التاريخي للحزب جلال طالباني، لكن صالح سوف يستمر باعتباره مرشحاً افضل وأكثر قبولاً بالنظر إلى متطلبات المرحلة واستحقاقات المنصب المهدورة.
ولا جديد في القول أن رئيس جمهورية العراق ليس مجرد مندوب لحزبه في بغداد، ولا حتى ممثلاً لقومية أو مذهب، كما انه ليس منصباً “تشريفياً” كما جرت الإشارة خلال السنوات الماضية، بل تقع على عاتق الرئيس أدوار كبيرة عليه أن يتصدى لها، أبرزها في المطلق مراقبة الخروقات الدستورية والإعلان عنها، والرئيس في هذه الحال يمثل صوت الدستور والراعي لتطبيقه، بالإضافة إلى حقه في تقديم مشروعات القوانين اسوة بمجلس الوزراء، وهو هنا يتقاسم مسؤوليات السلطة التنفيذية التي يعتبرها الدستور مكونة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، ونزعم أن هذه الادوار لم يتم التصدي لها بفعالية، في التجارب السابقة، فالراحل طالباني مارس أدواراً أكبر من صلاحيات الرئيس الفعلية، فيما مارس معصوم أدواراً أقل من صلاحياته.
واذا كان العنوان الرئيس للمرحلة السابقة هو الحرب على “داعش” بما فرض اعتبارات مختلفة في التعاطي مع هذه الحرب، فإن التحدي الذي يطرحه الاحتجاج الشعبي أمام القوى السياسية لا يقل أهمية، وهي مطالبة بتبني محاربة الفساد وبناء بيئة قانونية سليمة لتحصين الدولة كعنوان للمرحلة المقبلة.
أن يكون برهم صالح كردياً مهدوراً، فلأن هناك أكراداً مهدورين كثر، ولأن الصراعات والتحديات الحزبية الكردية الداخلية، أعاقت الاستفادة في السنوات الأربع الماضية من دوره وعلاقاته وخبراته في منع ومعالجة العديد من تداعيات الأزمات بين اربيل وبغداد قبل وقوعها وتفاقمها وتهديدها الطرفين معاً، وأن يكون عراقياً مهدوراً أسوة بالكفاءات العراقية المهدورة، فلأن المؤسسات التنفيذية كانت ومازالت بحاجة إلى رؤية مختلفة في ادارة مرحلة ما بعد “داعش” بمشاركة أكثر فاعلية للمجتمع الدولي. وعملاً بمبدأ عدم التوقف أمام الأشخاص، يمكن الحديث عن ضرورتين:
الأولى: اشتراك الجميع في مسؤولية اختيار المناصب وعدم القبول بمبدأ أن ثمة منصب محتكر لحزب أو شخص.
والثانية: أن العراق بحاجة فعلية إلى قيادات كفوءة ومهنية قادرة على التصدي للمرحلة المقبلة.
تطبيق هذه الضرورات قد لا يكون سهلاً في ضوء إصرار الاحزاب على التعامل مع مؤسسات الدولة كغنيمة، ومع العراق باعتباره عقاراً تحت سلطة “القسام الشرعي”، لكن معاندة ارادة الشارع العراقي بمكوناته المختلفة لن يكون امراً سهلاً أيضاً.
5 كلمة البغدادي بعد خطاب العبادي: ماذا يعني النصر؟ وحيد عبدالمجيد | الحياة السعودية

«إن ميزان النصر والهزيمة عند المجاهدين أهل الإيمان والتقوى ليس مرهوناً بمدينة أو بلدة سُلبت، وليس خاضعاً لما يملكه المخلوقون من تفوق جوي، أو صواريخ عابرة، أو قنابل ذكية… إن كفتي هذا الميزان تخضعان لما يملكه العبد من يقين بوعد ربه، وثبات على توحيده وإيمانه، وإرادة حقة في قتال أعداء الدين».هكذا حدد زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبو بكر البغدادي مفهومي النصر والهزيمة، في تسجيل صوتي تحت عنوان «وبشر الصابرين»، تم بثه في 22 الشهر الماضي على صفحة مؤسسة «الفرقان» الإعلامية المؤيدة لهذا التنظيم.

بدا البغدادي، في هذا المقطع، وفي مقاطع أخرى، من كلمته الطويلة التي استغرقت 25 دقيقة، كأنه يرد على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولكن بعد أكثر من ثمانية أشهر على خطاب النصر الذي وجهه في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017.
قال العبادي في ذلك الخطاب: «لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة، وانتصرنا بعون الله وصمود شعبنا وبسالة قواتنا»… جزم العبادي بتحقيق نصر مبين، وخاطب العراقيين: «من حقكم أن تفخروا بنصركم، لأنه من صُنع أيديكم، فحافظوا على نصركم الكبير…». وقبل أن يختم هاتفاً «عاش العراق منتصراً»، أكد أن النصر الكبير يعني أن أرض العراق حُررت بالكامل: «نعلن لأبناء شعبنا، ولكل العالم، أن الأبطال الغيارى وصلوا إلى آخر معاقل «داعش»… وأن علم العراق يُرفرف اليوم عالياً على أبعد نقطة حدودية».
كان العبادي يرسم ما أسماه كاتب هذه السطور صورة نصر تم صنع مثلها من قبل في بلدان عربية تخضع لسلطة مطلقة أو فاشلة تعجز عن تحقيق اختراق أو إنجاز حقيقي (راجع: صورة «النصر» من بورسعيد إلى الموصل، «الحياة»، 20/7/2017).
لم يكن الأمر في حاجة إلى كثير من البحث لمعرفة أن النصر الذي زفه العبادي إلى العراقيين ليس إلا صورة صنعها، وأن النصر الحقيقي يصبح ممكناً عند إصلاح الاختلالات السياسية والاجتماعية التي تدفع الأفراد إلى اللجوء إلى انتماءاتهم الأولية (الدينية والمذهبية والعرقية والعشائرية، وغيرها)، خصوصاً حين يزداد خوفهم من سلطة تُرهبهم، أو يشتد يأسهم منها، وينحسر التفاعل الطبيعي العابر لهذه الانتماءات بينهم، فيزداد الميل إلى الانغلاق والتعصب، ومن ثم التطرف، وصولاً إلى العنف.
وفي مثل هذه الأحوال، يتعذر النصر الحقيقي على الإرهاب، لأن البنية الاجتماعية تخلق حواضن له، فيُعاد إنتاجه، ويتمكن فلوله المهزومون في معارك عسكرية من السعي إلى إعادة تنظيم صفوفهم، وتحييد آخرين، على النحو الذي تفيد مؤشرات عدة بأنه يحدث في العراق الآن.
وتُعد كلمة البغدادي، والرسائل المتضمنة فيها، أهم هذه المؤشرات حتى الآن. الكلمة في حد ذاتها نقطة تحول جديدة في مسار الإرهاب، والحرب عليه، بعد ثبوت أن البغدادي ما زال في قيد الحياة، ولم يُقتل، بخلاف ما ورد في أنباء نُشرت وبُثت مرات، وروجت مصادر روسية معظمها. كما لم يصبه الوهن بعكس ما جاء في روايتين كانت الثانية منهما قبل أقل من أسبوع على بث كلمته التي بدا فيها – أو ربما حاول أن يبدو – قوياً، ومُصمّماً على مواصلة المعركة، ومتحدياً ما قاله العبادي في خطاب النصر في نهاية العام الماضي.
فقد نشرت «وول ستريت جورنال» في 17 الشهر الماضي رواية منسوبة إلى إسماعيل العيثاوي القيادي في «داعش»، من داخل محبسه في العراق، عن آخر اجتماع شارك فيه، وحضره البغدادي في أيار (مايو) 2017، أي في الفترة التي بدأت دفاعات التنظيم في الموصل تنهار، وأخذ يتراجع، ويفقد في كل يوم مساحة من الأراضي التي سيطر عليها. ملخص رواية العيثاوي أن البغدادي كان واهناً ونحيفاً بوضوح لافت، وأن صوته كان متهدجاً يُسمع بصعوبة، وأن لحيته كانت أكثر شيباً.
ليس عاقلاً، في طبيعة الحال، من يصدق رواية منسوبة إلى شخص محبوس في سجن عربي. وهذا يفسر المسافة الواسعة بين صورة البغدادي فيها، وما يمكن استنتاجه من كلمته الطويلة التي سجلها لتوجيه رسالة مفادها أن المعركة لم تنته، وأن تنظيمه الإرهابي لم يُهزم، بل يقف موقف الند للولايات المتحدة التي زعم أن الحرب معها في الدرجة الأولى، وأن هذه «الحرب سجال، وما وضعت أوزارها».
فضلاً عن ذلك، بدا البغدادي في هذه الكلمة أكثر تطرفاً، وهو الذي كان الاعتقاد شائعاً بأنه بلغ في هذا التطرف أعلى مراتبه، وأكثر دموية. فقد دعا، في مناسبة عيد الأضحى التي بُث التسجيل خلاله، إلى «التضحية بكل علماني وملحد ومرتد محارب لله ورسوله»، أي قتل عامة الناس، مسلمين وغيرهم، أينما كانوا.
عاد البغدادي، إذاً، في أول تسجيل صوتي له منذ 28 أيلول (سبتمبر) 2017، أي قبل أسبوعين تقريباً على تحرير مدينة الرقة من قبضته، مُنذراً متوعداً لا لشيء إلا الرهان على أنه يستطيع استثمار سياسات النظام الذي وجه العبادي باسمه خطاب النصر، والنظام الذي قتل أكثر من ربع مليون سوري وهجّر ملايين العُزل، كونها تخلق «مظلومية سُنية»، وتُنتج من ثم بنية يمكن أن يجد فيها ما يُعينه.
والأرجح أنه من دون هذه السياسات، ما كان في إمكانه أن يجد ملجأ آمناً يُعتقد أنه في منطقة ما في البادية الواسعة التي يقيم مقاتلوه قواعد فيها، وينتقلون بين جانبيها العراقي والسوري، وينفذون عمليات إرهابية ضد أهداف متزايدة في الموصل وكركوك وديالى والأنبار، وفي دير الزور وصولاً إلى السويداء في 25 تموز (يوليو) الماضي.
لم تُحرّر أرض العراق كاملة، إذاً، بخلاف ما أكده خطاب النصر للعبادي، ولم يتحقق النصر المبين، ليس لأن «داعش» أقوى من أن يمكن الإجهاز عليه، بل لأن الشعب العراقي لم يُحرّر بعد من ظروف تزدهر في ظلها النزعات المذهبية، ويجد الإرهاب في تداعياتها مفارخ وحواضن يراهن عليها لتعويض ما يخسره. لذا، ربما لا تكون مجرد مصادفة اعتراف الناطق باسم البنتاغون شون روبرتسون بأن «داعش في وضع جيد لإعادة تنظيم صفوفه» قبل أربعة أيام فقط على بث كلمة البغدادي التي تحمل المعنى ذاته.