1 العراق: الانتفاضة الكبرى مقابل الكتلة الاكبر عوني القلمجي الراي اليوم بريطانيا
لو كان لهذه الاحزاب المشاركة في العملية السياسية، وتلك التي فازت بالانتخابات الاخيرة ودخلت في مستنقعها لاولت اهتماما، ولو من باب الخداع والتضليل، بمطالب الحد الادنى للمنتفضين كالماء والكهرباء، لا ان تنصب جهود قادتها على التحالفات والتسابق فيما بينهم حول تسمية الكتلة الاكبر لتفوز بتشكيل الحكومة القادمة، وتضمن لنفسها حصة الاسد من جسد العراق الجريح، او كما يسموه، دون حياء او خجل، بالكعكة العراقية. لكن مثل هذا الاهتمام يكون معدوما لدى هذه الاحزاب بعد قبولهم بدور الاداة لقوى الاحتلال وتنفيذ مخططاته الغادرة، سواء كان المحتل امريكيا او ايرانيا.
ولضمان حصة الاسد توجه متزعمو هذه الاحزاب، وهم في عز السباق، الى اولي الامر، وخاصة امريكا وايران لتقديم فروض الطاعة والولاء، فهم يعلمون علم اليقين بان هذه الدول هي التي تتحكم بتشكيل الحكومة، وهي التي تسمي رئيسها، بصرف النظر، عن نتائج الانتخابات المزورة او قوة هذه الكتلة او تلك. وخير دليل على ذلك هو ما فعلته مع نوري المالكي الفائز الاول في انتخابات سنة 2014 وحرمته من تشكيل الحكومة، مثلما اسقطت قبله ابراهيم الجعفري، وهو مرشح الكتله الفائزة في انتخابات سنة 2005 ، في حين منعت اياد علاوي من تشكيل الحكومة، دون اي تفسير، وهو الفائز الاول في انتخابات سنة 2010. ولا يغير من هذه الحقيقة، قتال هؤلاء في الوقت الضائع، فهم يأملون من خلاله البقاء في مناصبهم وان كان شكليا، لانها اصبحت في العراق “المحرر”، منجما من الذهب وطريقا للجاه والشهرة، ناهيك عن ان الذي يفقد منصبه سيتعرض للعقاب على يد الشعب العراقي جراء الجرائم التي اقترفوها واموال الحرام التي جنوها، وجراء تعاونهم مع المحتل وتنفيذ مخططه لتدمير العراق دولة ومجتمع.
اما السؤال عن سماح امريكا لهذه الكتل بالصراع حول تشكيل الحكومة لشهور عديدة ولم تحسمه منذ البداية، فذلك يدخل ضمن عملية الخداع والتضليل او”عدة الشغل” كما يقال، حيث تسعى امريكا من وراء ذلك الى اقناع الخلق بان ما يجري من صراع على السلطة، ليس سوى مظهر من مظاهر النظام الديمقراطي الذي اقامته في العراق، اضافة الى اشغال عامة الناس بهذا الصراع وانتظار ما ينتج عنه لكي ينسوا همومهم ومعاناتهم، ويدخلو من جديد في خانة الانتظار مرة اخرى.
اطرق هذا الباب بسبب محاولات اتباع السلطة الحثيثة لقلب الحقائق وتبيض صفحة هؤلاء من خلال تسويق الحكومة المرتقبة وبرلمانها المزورعلى انها حكومة وطنية مستقلة وعابرة للطائفية، وستضم شخصيات من التكنوقراط لتكون قادرة على اخراج العراق من ظروفه الصعبة التي يمر بها حاليا، ليجري الوصول الى تمريرها بين الناس وكسب التاييد لها، وبالتالي تبرئة ساحة احزابها الحاكمة من سرقاتها وجرائمها وتدميرها للعراق دولة ومجتمع.
وكان اكثر ما يثير الاستهجان في هذا الخصوص، هو الموقف الغريب لبعض الاقلام وبعض المثقفين والسياسيين، كونه يضفي على هذه الاكاذيب نوعا من المصداقية، بصرف النظر فيما اذا كانت النوايا حسنة ام مقصودة، ففي الوقت الذي توصل فيه عامة الناس الى قناعة بعدم جدوى المراهنة على الحكومة القادمة واقتناعهم بعمالتها للاجنبي وبفسادها وسرقتها للمال العام وارتكابها للجرائم في وضح النهار، ينهض هؤلاء وبكل حمية وما ملكت ايمانهم من قدرات، لاستمالة العراقيين وتشجيعهم على وضع ثقتهم بها وتعشيمهم بالانجازات التي ستحققها هذه الحكومة القادمة، وخاصة مطالب ابناء الانتفاضة البواسل. هذا الدور الخطيرالذي يقومون به يعد مساندة حقيقية في دعم هؤلاء ومشاركة فعلية في تنفيذ مخطط تدمير العراق واهله. خاصة وان فئات واسعة من العراقيين قد اصابها الاحباط جراء عجز الانتفاضة، منذ اندلاعها قبل عدة اسابيع ولحد يومنا الحاضر، عن تحقيق اي مطلب من مطالبها، سواء السياسية منها او الخدمية، او حتى محاسبة فاسد او مجرم من رؤوس السلطة.
لا نجادل في وجود برامج سياسية تدعي، زورا وبهتانا، الوطنية والاخلاص، سواء من قبل القدامى ذوي الوجوه الكالحة او من القادمين الجدد ذوي الاقنعة المخادعة، لكن الوقائع العنيدة اثبتت، بما لا يدع مجال للشك، بان كل هذه البرنامج ليست سوى حبر على ورق، غرضها ذر الرماد في العيون. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان زعيم كتلة سائرون مقتدى الصدر، وبعد فوزه مباشرة بالانتخابات، قد تخلى بالكامل عن برنامجه المتضمن 45 بندا، وخاصة البنود المتعلقة بمحاربة الفساد والغاء المحاصصة الطائفية، ودعوته الى ثورة حقيقية ضد الفاسدين وفتح ملفاتهم الكبرى ووضعهم خلف القضبان، وخير دليل على ذلك، مبادرات مقتدى لاقامة تحالف مع عمار الحكيم، ومع هادي العامري، الذي يعلن بانه يسعى لان يكون العراق مثل ايران ويؤمن بولاية الفقيه، ومع اياد علاوي عراب الاحتلال، الامريكي. وهذا بدوره سيؤدي حتما بمقتدى الصدر وتيارة الى الاشتراك بالحكومة القادمة وقبوله مجددا بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية. اما حديثه عن تشكيل كتله معارضة في البرلمان، اذا لم ينفذ برنامجه المنمق، فهذه بدعة جديدة لا مكان لها من الاعراب كما يقال.
لكن هذه الحقيقة، رغم مرارتها واثارها السيئة ونتائجها الضارة، لا تبيح لنا التخلي عن دورنا السياسي من خلال الدعوة الى التمسك بموقف المعارضة الوطنية العراقية، وبالذات الانتفاضة الباسلة والاخذ بيدها لتعود قوية ومهابة وواعدة، ومن دون ذلك فان هذه الحكومة القادمة ستواصل عملها وتنفيذ مخطط تدمير العراق كما تريد امريكا وتابعتها ايران على اكمل وجه، ومن يراهن على القادمين الجدد وعلى قدرتهم في الاصلاح مراهنة ساذجة، فالذي يدخل العملية السياسية في ظل الاحتلال يصبح تابعا للاجنبي وياتمر باوامره دون ريب او شك. وفي هذا الخصوص، فان الدور السياسي الذي نعنيه، ليس صورة محسنة، عن تلك التي الفناها من قبل، والمتعلقة بالنشاط السياسي ضد الحكومة واظهار عمالتها، فهذه قد فضحت نفسها بنفسها، وانما نعني به غير ذلك. والمقصود هنا تعبئة الناس وتهيئتها وتشجيعها من اجل دعم الانتفاضة بكل الوسائل والسبل المتاحة، ودحض محاولات النيل منها، او تشويه سمعتها، وحمايتها من الانتهازيين والوصولين الذي يحاولون ركوب موجتها لتحقيق مكاسب فئوية او حزبية، كون هذا الفعل السياسي يشمل مساحة اوسع في المجتمع وله قدرة اكبر على تعبئة مكوناته واطيافه السياسية.
نعم، الانتفاضة لم تتمكن من السير قدما نحو تحقيق اهدافها، الا ان ذلك لا يعني اطلاقا هزيمتها، فلقد سبق للانتفاضة، منذ انطلاقتها في بداية عام 2011 ، ان مرت بمثل هذه الحالات، لكنها تمكنت من نفض الغبار عنها وولدت من رحمها انتفاضات عديدة كان ابرزها تلك الانتفاضة العملاقة التي شملت لاول مرة معظم المدن العراقية، وخاصة المدن الجنوبية، وشاركت فيها جميع فئات الشعب وتياراته السياسية المختلفة واديانه ومذاهبه المتعددة. ولاول مرة ايضا ترتقي شعاراتها المطلبية، مثل توفير الخدمات كالماء والكهرباء، الى شعارات سياسية، من قبيل الغاء المحاصصة الطائفية والعرقية وتعديل الدستور وفصل الدين عن الدولة وتطهير القضاء ومحاسبة المفسدين الخ. بل ذهب بعضا منها ابعد من ذلك، لتصل الى حد المطالبة بطرد المحتل، سواء كان امريكي او ايراني، والمقصود بهذه الانتفاضة تلك التي اقتحم ابنائها المنطقة الخضراء واجبرت وزراء الحكومة ونواب البرلمان على الهروب كالجرذان المذعورة، ولولا سرقة الانتفاضة من قبل مقتدى وتياره والحزب الشيوعي واتباعه لاسقطت العملية السياسية دفعة واحدة.
ان هذه الانتفاضة الشعبية التي نتحدث عنها لم تزل نيرانها متقدة، ولم تزل طاقاتها وامكاناتها الثورية والابداعية متفجرة، والقيادات الشابة التي افرزها طريق الكفاح، على مدى السنين الماضية، اصبحت واعية واكثر خبرة. ومن جهة اخرى يزداد يوما بعد اخر حجم الاستياء الشعبي ضد الحكومة وعمليتها السياسية الطائفية، ليشمل طول البلاد وعرضها، جراء السقوط السياسي والاخلاقي المدوي لاطرافها، وجراء الدمار والخراب والقتل وسرقة ثروات البلد والفساد المالي الاداري وانعدام الخدمات. في حين لا تلوح في الافق اية بارقة امل لتحسين الاوضاع المزرية، فالفئة المتحكمة بالسلطة والقرار، مصرة على رفض اي إصلاح مهما كان متواضعا تحسبا من المطالبة باصلاحات اخرى اكثر قيمة وجدية.
كاتب هذه السطور على يقين بان هذه الانتفاضة ستقرب من موعد الانتفاضة الكبرى، وعلى يقين ايضا بان شعاراتها لن تكون سلمية الى الابد، وبان اعلامها لن تكون بيضاء، وان سلاحها لن يقتصر على اللافتات والهتافات، وانما سترتفع الى جانبها، شعارات ثورية مدوية واعلام حمراء ، وسلاحها ما يتوفر بيد ابنائها من حجارة او عصا او بندقية، فشعبنا قد ادرك تماما، بان المحتل، او عملائه، سواء كانوا من هذه الطائفة او تلك، من هذا الحزب او ذاك، لن يتنازلوا عن مكسب واحد من مكاسبهم طواعية او سلميا، وهذه حقيقة ومن يجانبها يساهم مساهمة فعالة في تثبيت سلطة الاحتلال وعمليته السياسية من جهة، ويشجعها على الاستمرار في تدمير العراق واستباحة دماء ابنائه من جهة اخرى.
نعم الانتفاضة الكبرى قادمة عاجلا ام اجلا والنصر سيكون حليفها هذه المرة بكل تاكيد.
2 لماذا “نكبتم” العراق؟! وليد صبري الوطن البحرينية
وكأننا نسمع أصوات الشعب العراقي وهو يصرخ مستغيثاً من الطغمة السياسية الحاكمة التي أضرت به أيما ضرر، على مدار أكثر من 15 عاماً منذ إعلان سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، ثم الاحتلال الأمريكي للبلاد، وتسليم العراق لإيران على طبق من ذهب، على وقع دعوات أمريكية زائفة بحياة ديمقراطية براقة، وعدوا العراقيين أن يحيوها، لكن الحقيقية المُرَّة هي الاستيلاء على نفط العراق، والقضاء على أحد أقوى الجيوش العربية، والتنكيل بالشعب، واستغلال أخطاء قاتلة لحاكم يصنف في المقام الأول على أنه بعثي، ديكتاتوري، قبل أن نحسبه على أنه من الطائفة السنية الكريمة. وإذا كان العراقيون قد عانوا قبل الاحتلال من طغيان وعدم حكمة صدام، لكنهم بعد الاحتلال يعانون الآن من ديكتاتورية عشرات الصداميين، في بلد يعوم على النفط، وينتج نحو 5 ملايين برميل من الخام يومياً، ومن المنطقي أن يكون الدخل السنوي يتجاوز عشرات المليارات من الدولارات سنوياً نتيجة بيع النفط الخام، لكن خيرات العراق على مدار عقد ونصف، ليست لأهله، بل للطغمة السياسية الحاكمة، ولأمريكا وإيران. ولا شك في أن الحكومات الشيعية المتعاقبة فشلت فشلاً ذريعاً حتى الآن في أن توفر الخدمات الأساسية للشعب العراقي، ناهيك عن ضعف الحالة الأمنية، وانتشار الفساد، والفقر، والأمراض، والأوبئة. ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، حل العراق في المرتبة الـ169 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد لعام 2017. ومن المعلوم أن الموارد النفطية للعراق تبلغ نحو 89% من ميزانيته، كما أنها تمثل 99% من صادرات البلاد، لكنها تؤمن 1% فقط من الوظائف من العمالة الوطنية لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على عمالة أجنبية، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها.
من جانبها، أكدت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» تصنيفها الائتماني للعراق عند «B-/B» مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها قالت في تعليقها على التصنيف المالي إن «التطور السياسي والاقتصادي يعرقله فساد واسع الانتشار»، حيث اعتبرت الوكالة الدولية أن «محاربة الفساد والتهديدات الأمنية الخارجية تمثل تحديات رئيسة للعراق في الأجل القصير»، في حين أن العراق يعد ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، كما أنه يمتلك رابع أكبر احتياط للنفط الخام في العالم.
ولعل أحدث ما صدم العراقيين، ما أعلنه المتحدث باسم مجلس محافظة البصرة جنوب العراق -الغنية بالنفط- أحمد السليطي، من أن «محافظة البصرة باتت منكوبة جراء الارتفاع المتصاعد لتلوث المياه بسبب زيادة الملوحة»، على وقع تحذيرات مكتب حقوق الإنسان المحلي من خطورة الأوضاع في المحافظة. وأوضح السليطي، وفقاً لما نقلته وكالة الأناضول للأنباء أن «مجلس المحافظة حذر في وقت سابق من حصول حالات تلوث في البصرة باعتبارها محافظة يصب فيها نهرا دجلة والفرات القادمان من المحافظات الشمالية مروراً بوسط البلاد وجنوبها»، مشيراً إلى أن «البصرة وبسبب توقف المشاريع والمشاكل التي تعاني منها باتت منكوبة».
والعبارة الأخيرة في تصريحات المسؤول العراقي مؤشر قوي إلى مدى الإهمال الذي يعانيه العراقيون فيما النخبة السياسية الحاكمة تتصارع فيما بينها، وتسابق الزمن، على اختيار الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها اختيار رئيس الوزراء العراقي القادم.
لذلك سارع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق هاشتاغ «أنقذوا_البصرة»، على خلفية تسجيل آلاف الإصابات جراء التلوث، ونقص الأدوية، وارتفاع نسبة الملوحة في المياه. الأمر ذاته، دفع مفوضية حقوق الإنسان بالبصرة، إلى التحذير من خطورة الأوضاع بالمحافظة نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة وزيادة التلوث، حيث حملت الحكومة العراقية المسؤولية لأنها «لم تتحرك بأي إجراء يوازي حجم الكارثة»، على حد تعبير المفوضية.
ويبدو أن الصراع السياسي المحتدم بين الطبقة السياسية على حكم العراق، أنسى المسؤولين، الخدمات الأساسية التي يجب أن تكون متوفرة في أي بلد، وليست في بلد من المفروض أنه غني، ويعوم على ملايين البراميل من النفط يومياً التي من المنطقي أنها تدخل مليارات الدولارات من النفط سنوياً لخزينة البلاد.
وتخوض الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة الرئيس حيدر العبادي امتحاناً صعباً لمواجهة تلك الأزمة، في حين هدد 25 عضواً في البرلمان العراقي، فازوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن محافظة البصرة، بعدم التصويت لصالح الحكومة المرتقبة، في حال لم تضع حلولاً لمشاكل المحافظة أبرزها شح مياه الشرب وتلوثها.
ووفقاً لما ذكرته وزارة الموارد المائية العراقية فإن «البصرة، تعتمد في الغالب على مياه شط العرب لتغذية مشاريع معالجة المياه، إلا أن نسبة الأملاح الذائبة في المياه بلغت مؤخراً بلغت «7500 tds»»، وهي وحدة قياس نسبة ملوحة المياه، بينما تؤكد منظمة الصحة العالمية، أن النسبة تصبح غير مقبولة في حال تجاوزت «1200 tds».
ولا يلوح في الأفق أي مساعدات إيرانية أو أمريكية لانتشال العراق من أزماته، بل على العكس، تؤكد إيران بين فترة وأخرى سعيها لابتزاز العراقيين، ومطالبة حكومة العراق بأموال وتعويضات عن حروب وصراعات جرت قبل نحو 40 عاماً، وهو ما ظهر جلياً قبل أيام في تغريدة كتبتها مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، معصومة إبتكار، حينما قالت على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «يجب إضافة التعويضات البيئية لحرب العراق والحرب الكويتية والأضرار التي لحقت بالخليج، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات». وذكرت أن «الحكومة الثامنة «حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي»، رفعت شكوى للجنة الأمم المتحدة بهذا الشأن». وهي بذلك تطالب بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة حرب الخليج الأولى، التي اندلعت بين البلدين في عهد صدام حسين واستمرت 8 سنوات بين عامي 1980 و1988. ولم يتوقف الأمر عند المسؤولة الإيرانية، بل إن نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني محمود صادقي، طالب العراق بدفع تعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية، وقال في تغريدة على «تويتر»، إن «الحكومة الإيرانية أجلت التعويضات على العراق بسبب المحنة التي يمر بها، والآن الحكومة العراقية توافق على العقوبات القمعية ضد الشعب الإيراني بدلاً من التعويض»، وكان يغمز من قناة إقرار رئيس الحكومة المنتهية ولايتها حيدر العبادي على التزامه بالعقوبات الأمريكية الجديدة المفروضة على إيران.
وجاء الرد العراقي على الابتزاز الإيراني على لسان النائب السابق في مجلس النواب العراقي فائق الشيخ علي، بعدما غرد على «تويتر» قائلاً «رداً على مطالبة نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني محمود صادقي العراق بتعويضهم عن الحرب بـ1.1 مليار دولار أمريكي، فإنني باسم عوائل ضحايا الإرهاب أطالبك وأطالب دولتك بـ11 مليار دولار أمريكي، تعويضاً عن مليون عراقي قتلتموه، حينما أدخلتم القاعدة إلى بلادنا منذ 2003 بحجة محاربة الأمريكيين».
* وقفة:
لعل ما يدعو العراقيين إلى الحسرة على أوضاعهم أن البلاد الغنية بالنفط منكوبة بفساد الطغمة السياسية التي تتصارع من أجل الحكم ومنصب رئيس الوزراء على وقع نهب أمريكي إيراني لثروات الشعب!!
3 إيران تبتز العراق سعيد الحمد الايام البحرينية
على نحو مفاجئ وفي توقيت ملتبس تعاني فيه إيران من ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، ويمر فيه العراق بمنعطف غامض مع سخونة خلافات تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، خرجت أصوات مسؤولة من طهران تطالب العراق بدفع تعويضات مالية ضخمة عن حرب انتهت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ظلت فيها طهران صامتة عن موضوع التعويضات خصوصاً بعد فرض هيمنتها على العراق والقرار والمسار العراقي منذ عقد ونصف كان فيها لإيران اليد الطولى في العراق.
تضاعفت الأصوات وتزايدت المطالبات على لسان أكثر من مسؤول وبرلماني إيراني بما أثبت أن المطالبات لم تأتِ من فراغ، وأن هناك من يحركها أوراق ضغط في توقيت مضغوط يمر به العراق وتمر به إيران.
إذن هل تبحث ايران عن تعويض عجز مالي في ميزانيتها عن طريق بغداد التي خوت خزينتها العامة إثر السرقات والاختلاسات التي جاوزت المليارات.
أم أن إيران تلعب بورقة ضغط بعد إحساسها وشعورها أن حكومة قادمة «العبادي» تلوّح مجرد تلويح بالخروج من بيت الطاعة الإيراني، وهو تلويح أغضب إيران، فلوّحت بالتعويضات حتى يسحب العبادي تلويحاته وتلميحاته وتصريحاته الاستهلاكية التي أزعجت طهران وقم.
إذن التعويضات ورقة ضخمة مخبوءة تحت عمامة قم لوقت الحاجة التي ترى إخراجها والتلويح بها ضروري حتى تعود أي حكومة عراقية قادمة الى بيت الطاعة الإيراني، كون التعويضات ستضع برنامج أي حكومة أمام امتحانٍ عسيرٍ وصعب لن تنجح فيه أمام شعبها وسيف التعويضات مسلط على رقبتها الهشة في ظل وضع اقتصادي خطير تمر به العراق، ويمر به الشعب العراقي الذي انتفض بقوة وبطريقة غير مسبوقة، وخرج في احتجاجات صاخبة وجادة وجديدة أنذرت القادم الى المنطقة الخضراء، يحسب حساباً لشعب لم يكن في الحسبان منذ العام 2003.
مشكلة «الساسة» العراقيين القادمين الى مقاعد وكراسي الحكم لإيران عليهم سطوة وسلطة، فجميعهم خرجوا الى الملعب السياسي من ملاعب طهران بل معظمهم لعبوا مع إيران ضد العراق أثناء تلك الحرب التي تطالب إيران اليوم بتعويضات مالية ضخمة عنها.
والمفارقة الصاعقة أن الذين لعبوا مع إيران في تلك الحرب ضد بلادهم، مطلوب منهم بوصفهم الحكومة العراقية دفع التعويضات صاغرين، فهل يستطيع اللاعب أن يمتنع عن الدفع لمن دربه وأهله؟؟
لم نسمع ولم نقرأ من المعنيين العراقيين كالعبادي والمالكي وعمار الحكيم وهادي العامري أي تعليق على مطالب إيرانية يعرفون أصحابها حق المعرفة ويعرفون من أوعز وأمر أولئك الأصحاب بتمريرها الآن.
بالتأكيد هي رسالة لمن ذكرناهم ولغيرهم كثر ضمن اللاعبين ضد بلادهم العراق مع إيران وفي صفّها طوال ثماني سنوات عجاف حرب تطالبهم إيران بدفع التعويضات إن هم فكروا مجرد تفكير او صرحوا عن الابتعاد خطوات قصيرة عن طهران.
إيران تعتبر العراق «ضيعة» كضيعة صاحبها حسن نصر اللات، والعراق هي المحافظة الإيرانية التي يحكمها قاسم سليماني بوصفه محافظ العراق والمندوب السامي الإيراني فوق الأراضي العراقية.
وبالنتيجة لهكذا منطق وهكذا تفكير لا يجوز لمسؤول عراقي سواء كان العبادي او العامري او عمار الخروج عن النص الإيراني، وإن كررها سيتم إخراجه من فوق خشبة المسرح بإشارة من محافظ العراق سليماني.
وهكذا جاءت تصريحات إيران بشأن التعويضات كنوعٍ من التهديد الفارسي الذي يفهمه من عاش هناك، ومن لعب مع الفريق الإيراني لسنوات وسنوات، لذا فقد صمت صمت القبور وتقبل التهديد.
4 العراق والانكشاريون الجدد! مشاري الذايدي الشرق الاوسط السعودية
صبيحة يوم 9 يونيو (حزيران) عام 1826، خرجت قوات السلطان العثماني محمود الثاني؛ سلطان الإصلاحات الإدارية العثمانية، الملقب بـ«السلطان عدلي»، إلى «ميدان الخيل» في إسطنبول الذي كانت تحتشد فيه فرق الانكشارية المتمردة على السلطان والدولة، فهزم الانكشاريون، المخيفون، هزيمة شنعاء، وسقط منهم 6 آلاف شخص.
في اليوم التالي، أصدر السلطان محمود الثاني قراراً بإلغاء الانكشارية، وحلّ تنظيماتهم العسكرية وإلغاء أسماء فيالقهم وشاراتهم. لذلك عدّ جماعة من المؤرخين أن هذا اليوم كان ميلاداً جديداً و«حديثاً» للدولة العثمانية. واليوم، مع فارق الزمن والصفات، نجد قوات «الحشد الشعبي» الطائفي العراقي تشابه نوعاً ما دور وضرر وتحديات الانكشارية العثمانية على سلامة وصحة جسد الدولة!
صاحب ميلاد هذه الميليشيات؛ «الحشد»، ذات النفس الطائفي الشيعي الفوّاح، والارتباط العضوي الواضح بالمخ الخميني في طهران، جدل ولغط وغضب وشكوك، وتنشيط سامّ للمناخ الطائفي والقومي والميليشياوي، من كل الأطراف.
ورقة «الحشد الشعبي»، الذي يقوده أبو مهدي المهندس رفيق درب هادي العامري، تحولت اليوم إلى كارت يتلاعب به ساسة الأحزاب الشيعية، تارة بالتودد له؛ وتارة بالتجافي عنه.
من هؤلاء رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي صدر عن مكتبه، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، مؤخراً مذكرة مثيرة، جاء فيها التشديد على «عدم تسييس (هيئة الحشد الشعبي)»، وذاك ردّا على أمر صدر من قيادة «الحشد» بتحريك فرقه وإخراجها من بعض المدن السنّية، تملقاً للأحزاب السنّية التي من ثوابتها خروج «الحشديين» من مدنهم. ويعتقد بعض المراقبين العراقيين أن هذه «حركة» من الحليفين؛ العامري والمالكي، لكسب صوت السنّة، طبعاً مؤقتاً، وهي خطوة موجهة ضد تحالف «الصدر – العبادي».
«الحشد» نفسه، وعبر رموزه الميليشياوية، لا يكنّ تقديراً خاصاً للعبادي، هو أقرب إلى «المجاهد» هادي العامري وحليفه نوري المالكي، ولذلك قال «الحشد» في بيانه إن العبادي يتملق قوى خارجية؛ «لأجل الحصول على الولاية الثانية».
أوس الخفاجي، قائد ميليشيا «أبو الفضل العباس»، ذكر هذه القوى الخارجية بوضوح سابقاً فقال: «عزل حكومة العبادي هو السبيل الوحيد لاستعادة القرار العراقي المرتهن لواشنطن». العبادي سبق له مغازلة قيادة وعصابات «الحشد الشعبي»، وشدد على رفض حلّ «الحشد الشعبي»، وأفاض في تمجيد «الحشد».
بالعودة لبداية المقال، قد تبدو مقارنة «الحشد» العراقي الشيعي بالانكشاري العثماني، مبكرة وصادمة للبعض، لكن هذه هي الحال؛ إن أريد للعراق أن يتعافى من مرض اللادولة، ويتحرر من سلطة «أغوات الانكشارية الجدد».
جاء في التاريخ العثماني أن رئيس الإنكشارية (آغا الانكشارية) كان يملك مقرّاً خاصاً في إسطنبول، ومكاتب بالجهات التي تعمل الفرقة بها، ويعدّ من أبرز الشخصيات في الدولة العثمانية.
تشابه الأغوات القدامى والجدد!
5 لبنان – سورية – العراق حازم الأمين الحياة السعودية
رد الجيش الأميركي على الرسالة التي نُسبت إلى أبو بكر البغدادي وطلب من أنصاره فيها الصبر ووعدهم بـ «فتوحات» قريبة، بأن الرجل لم يعد مهماً وأن تنظيمه صار في المراحل الأخيرة من هزيمته، وأن تصريحاته لم تعد تلقى الاهتمام في الدوائر الأمنية الغربية. والرد هذا على ما فيه من تجاهل لحقائق «النصر على داعش»، يملك مقداراً من الواقعية يمكن للمرء أن يوافق واشنطن عليه، مع تحفظٍ عن المبالغة في الاطمئنان، لا سيما أن «داعش» كان جزءاً من حرب أهلية طُوب فيها منتصر مذهبي على مهزومٍ مذهبي، وهذا بدوره مولدٌ لاحتمالات موازية لـ «داعش».
لكن وفي موازاة الرد الأميركي على البغدادي ما زال «داعش» حاجة لأنظمة الحروب الأهلية لكي تُصّرِف عبره أزماتها. في سورية كشفت الوقائع الدامية التي شهدتها محافظة السويداء الشهر الفائت عن هذه الحاجة، فإخضاع الجماعات المحلية ما زال يتطلب لعب النظام على الوتر المذهبي، ومن أقدر من «داعش» على تلبية هذه المهمة. ما جرى في السويداء هو تطبيق حرفي ومبتذل ومكشوف لهذه الحقيقة. لكن ليست هذه حال سورية فحسب، فالطبقة الحاكمة في العراق تعيش حالاً من الاختناق وتتخبط في فسادها وارتهانها وهو ما يستوجب عدواً تعيد عبره إنتاج نفسها. «داعش ما زال يعيش بيننا»، هذا ما يُردده الكثير من المسؤولين العراقيين. وبين الحين والآخر يُستدعى صحافيون لتصوير حروبٍ في الصحراء مهمتها تسجيل مزيدٍ من الانتصارات لا يعرف المرء شروطها ولا ظروفها ولا وقائعها. يقول الجيش مثلاً إنه داهم «مضافات» للتنظيم الإرهابي، وأن عناصر التنظيم الذين كانوا يشغلونها هربوا إلى سورية.
الحرب على التنظيم في سورية تدفع بعناصره إلى العراق، والحرب عليهم في العراق تدفعهم إلى سورية. بيانات جيوش «مكافحة الإرهاب» على طرفي الحدود تكشف هذه المعادلة على نحوٍ مذهل. والحقيقة أن ما تبقى من «داعش» يعيش آمناً خارج هذه البيانات، ومهمة المرحلة الأخيرة من الحرب على التنظيم هي تثبيت أنظمة الجريمة والفساد والمذهبية في هلال الحرب الأهلية المشرقي.
لبنان بدوره انضم إلى الراغبين في حصة من جبنة المنتصرين على «داعش»، وها هي أجهزته الأمنية تذيع كل أسبوع تقريباً بياناً عن نصرٍ أمني جديد على التنظيم، وهذه البيانات تُصور لبنان بصفته هدفاً يحلم أمراء التنظيم في مخابئهم في أن ينجحوا في الوصول إليه. لا بل أن «العدو التكفيري» صار صنواً لـ «العدو الصهيوني» في خطاب النصر اللبناني الذي يُضلل نظام الفساد والفشل والارتهان.
والحال أن نظرة من مسافة على حال الأنظمة الحاكمة الثلاثة في العراق وسورية ولبنان تكشف تشابهاً مخيفاً في أساليب حكمها جماعاتها، من دون أن يعني ذلك إغفال التفاوتات. المذهبية عصب الأنظمة الثلاثة، والفساد الهائل والوقح، والارتهان لدولة أو لدول خارجية، وهيمنة خطاب نصرٍ كاذب إلا أنه مدوٍ وهائل وفاعل. واليوم يمكن أن نضيف «داعش» إلى عناصر التشابه هذه، فالتنظيم صار جزءاً من هوية هذه الأنظمة وعنصراً في سعيها إلى التماسك.
كل هذا لا يعني أن «داعش» صار وهماً، وأن عملية دحره أنجزت، لا بل يعني العكس تماماً، فالتنظيم لطالما شكل حاجة في ظل الحروب الأهلية التي تعيشها المنطقة، وهذه الحاجة التقت مع شروط أخرى انعقدت جميعها في لحظة ولادته وتدفقه على المدن والمناطق. شرط الحروب الأهلية ما زال قائماً، لا بل تعزز بانتصار جماعات على جماعات، ومذاهب على مذاهب، وأنظمة مستبدة على شعوبها. أما الشروط الأخرى فهي تماماً ما فشل فيها التنظيم، ذاك أنه تحول عدواً للبيئة المتضررة من الأنظمة، وهو ما أدى إلى تسهيل دحره في مدنها ومناطقها.
واليوم يعيش هؤلاء الناس هزيمة مضاعفة، فقد هزمتهم أنظمة «الحرب على داعش» وهزمهم «داعش»، والمنطق يقول إن حال الهزيمة هذه لن تدوم طويلاً وسيأتي من يستثمر فيها.
6 انقذوا البصرة مشرق عباس الحياة السعودية
هو شعار رفعه العراقيون بالتزامن مع اكتشاف المئات من حالات التسمم بين الأهالي، بسبب ارتفاع نسب التلوث في مياه البصرة، وكانت سبقته تظاهرات حول تردي الخدمات في المدينة، وانقطاع الكهرباءعنها مع احتلالها صدارة مدن العالم الأعلى حرارة لعدة أسابيع مضت. والبصرة لمن لا يعرف مزاياها، ليست فقط منفذ العراق البحري الوحيد، ومكمن معظم ثروته من النفط والغاز والمعادن، وملتقى نهريها اللذين يشكلان شط العرب، ويغذيان أعرق سلالات النخيل، بل هي قبل كل ذلك مركزاً حضارياً تاريخياً أغنى هوية العراق، وفرادته، وتنوعه الثقافي والفكري.
إن يستغيث سكان البصرة الذين تضرب الأمثال بحلاوة لسانهم، وطيب معشرهم، وحسن أخلاقهم، وصبرهم وهم ينامون على بحيرات النفط تحت أرضهم الساخنة، وتؤرخ جدران منازلهم التي صدعتها القذائف، وصدورهم التي عبث بها اليورانيوم المنضب، لتاريخ من الحروب الظالمة، فتلك مفارقة لا يمكن فهمها إلا في العراق الذي تقف حكوماته أمام حق البصرة بمياه صالحة للشرب متسمرة منذ عقود، كأنها تواجه معادلة رياضية غير قابلة للحل.
يشعر الأهالي في السنوات الأخيرة بأن مدينتهم تنهار أمام اعينهم، تموت رويداً مزارعها العامرة، تكنسها المشروعات النفطية المتنامية وحدود أمن الشركات الأجنبية من جهة، وتجور مياه الخليج المالحة على شطهم ونهريهم فتكاد تمحو ما تبقى من جهة ثانية.
تسمرت الحكومات العراقية أمام قطع إيران المتسلسل لروافد دجلة وشط العرب، وتسمرت أمام استمرار تركيا ببناء السدود العملاقة التي تدفع البصرة أكبر أثمانها، كما تسمرت أمام اتهامات فساد لمعظم المشروعات الخدمية والاستثمارية التي تم تسليمها إلى أصدقاء الأحزاب من دول مجاورة وثبت أنها مشروعات نهب منظم، وهي تتسمر اليوم أمام سؤال يطرحه شباب لم تمنعهم أيام عيد الأضحى من التظاهر تحت الشمس الحارقة: «هل يلام من يتعرض للإبادة على غضبه؟».
لا تريد الأحزاب المحتشدة في بغداد لتقاسم مناصب الحكومة، أن تستمع إلى استغاثات البصرة، بل أنها لا ترغب بالاستماع إلى استغاثة كل العراقيين. لا يشعر من يضع جواز سفره في جيبه مستعداً للرحيل بقارب نجاة إلى خارج الحدود ببوادر غرق السفينة، أن وظيفته الحقيقية هي ترميم الثقة تعديل المسارات وفهم اتجاهات الريح.
عندما تستغيث البصرة، فلأن الأرض تشعر بأنها تحتضر، وأصحاب ملايين الأقدام التي تمد جذورها في ترابها يشعرون، طيور شط العرب تشعر، وقبائل الآبار النفطية، وجاموس الأهوار، وسعفات النخيل وتمر البرحي وسمك البني والشبوط، فالكارثة لا يشعر بها إلا من يعيشها ويعرف تبعاتها. لا يمكن التفكير بأي إصلاح محتمل للعراق قبل أن تجيب القوى السياسية العراقية عن أسئلة البصرة، وقبل أن يفهم العراقيون كيف يمكن أن تطالب بالإنقاذ مدينة زودت الخزينة العراقية بمعظم مواردها، وتمتلك الحق دستورياً بحصة من ثمن بيع كل برميل نفط، وأخرى من ثمن تجارة موانيء أم قصر وخور الزبير وأبو فلوس، وثالثة من نتاج معابر سفوان والشلامجة؟. واسئلة البصرة لا تتعلق بإعادة اكتشاف الفيزياء الكمية، بل هي ببساطة تتعلق بأموال يجب أن يعرف مصيرها، أقرها الدستور للمدينة الأغنى في العراق، وربما في العالم، في مواردها، والأفقر في واقع حالها.
والإجابة لن تتطلب حشوداً من المحاسبين والمدققين الماليين، بل هي قد تبدأ من تحديد الأحزاب التي أشرفت وما زالت عبر قواها المسلحة على موانئ البصرة ومنافذها، وأصبح لها حصة ثابتة من كل تجارة العراق، وتمتد للحكومات المحلية التي تسلمت المال وأهدرته في مشروعات فاسدة، وصولاً إلى الحكومة المركزية التي فشلت في إعداد خطط كبرى للنهوض بالمدينة التي من المفترض أن تتحول بعد إكمال ميناء الفاو المتعثر، إلى واحدة من أهم مراكز التجارة الدولية، كما تقاعست أمام خنق مياه العراق تركياً وإيرانياً.