4 مقالات عن العراق يوم الجمعة في الصحف العربية

1 حكومة عراقية بالخلطة الإيرانية فاروق يوسف العرب بريطانيا

كل الذين وقع الاختيار عليهم لإدارة العراق متشابهون، إنهم انتهازيون، تابعون، نفعيون، خاضعون لكل ما يُملى عليهم، متطلعون إلى سلطة تتيح لهم الحصول على امتيازات.
عمائم شيعية سنية كردية بخلطة إيرانية ملفقة
الغريب في الأمر أن إيران ليست وحدها مَن يقوم بذلك. هناك أطراف عديدة صار الكشف عن تدخلها في الشأن السياسي العراقي أمرا لن يحرجها. وليس مستبعدا أن تجد تلك الأطراف في نوري المالكي الشخص المناسب لقيادة المرحلة المقبلة بالرغم مما تحوم حوله من شبهات الفساد.
ومن قال أن رائحة الفساد تزكم كل الأنوف. هناك أنوف تتطلع إلى المزيد من الرائحة النتنة إذا ما تعلق الأمر بالعراق. وهي في ذلك لا تختلف عن الأنف الإيرانية التي تسرها الرائحة المنبعثة من امتزاج الدم بدخان الحرائق.
لا يزال العراق ممكنا باعتباره مختبرا لتجارب الآخرين. فالإرادة الوطنية فيه مغيبة تماما وكل قواه السياسية لا همّ لها سوى اقتطاع حصصها من الغنيمة التي هي عبارة عن ثروة العراقيين المنهوبة.
لم تفشل محاولات التغيير لأنها لم تقع أصلا. كل ما وقع هو عبارة عن مناورات جرت من خلالها المزايدة على الوطنية من أجل كسب الوقت أولا وتخدير الشارع الغاضب ثانيا ومن ثم إجبار الخصوم على القبول بتسويات تتعلق بحصة هذا الطرف أو ذاك.
صمتُ الجميع يعني الموافقة وقد يعني الأسوأ وهو الخضوع. فهل سينتظر العراقيون أن تُشكل حكومتهم مرة أخرى بالخلطة الإيرانية
لا شيء سيدخل في جيب الشعب. بل ستبقى الأوضاع على ما هي عليه بعد أن يتم التراضي ويستيقظ النائمون على صيحة الديك الإيراني. تأخر العراقيون في الوصول إلى مرحلة اليأس المطلق.
لذلك لن يصدق سياسيو الطوارئ أن أحدا في إمكانه أن يزيحهم من دائرة الحكم التي يجولون فيها براحة ودعة واطمئنان. هناك أطراف عديدة غير إيران تعهدت بحمايتهم وهي ذات الأطراف التي تعمل على وصولهم إلى مواقع كراسيهم.
ليس هناك يمين أو يسار في العراق. ليس هناك من هو رجعي محافظ أو تقدمي متحرر. كما أنه ليس هناك من هو عقائدي أو عملي. كل الذين وقع الاختيار عليهم للعمل في إدارة العراق سياسيا متشابهون في كل شيء.
إنهم انتهازيون، تابعون، نفعيون، خاضعون لكل ما يُملى عليهم، متطلعون إلى سلطة تتيح لهم الحصول على امتيازات لا يتمتع بها سياسي في العالم، حريصون على الوصول إلى أقصى ما يتيحه لهم المنصب من فرص للاستيلاء على الأموال السائلة. إنهم خدم لقراصنة قاموا باختطاف سفينة محملة بالكنوز انحصرت مهمتهم في نهب تلك الكنوز أمام أعين أسيادهم القراصنة.
الإرادة الوطنية في العراق مغيبة تماما وكل قواه السياسية لا همّ لها سوى اقتطاع حصصها من الغنيمة التي هي عبارة عن ثروة العراقيين المنهوبة
لذلك فإن الحديث عن صفات من نوع “شيعي” و”سني” و”كردي” هو نوع مبتذل ورخيص من الهذر الذي لا معنى له. فبعدما طفحت الحقائق على السطح وتبين أن الشيعي جائع ومحروم في ظل حكومة شيعية وأن الكردي فقير ومشرد في ظل استقلال الإقليم بحصته من الثروة العراقية وأن السني مشرد ونازح في ظل تمتع ممثليه بحماية إيرانية فإن القبول بتمثيل المكونات من قبل السياسيين لم يعد ممكنا وأن وجودهم في السلطة فقد شرعيته الصورية.
ما هو حقيقي أن كل الأطراف السياسية في العراق هي إما إيرانية الولاء وإما هي إيرانية الهوى عن طريق وكلاء إقليميين. وليس صحيحا ما يُقال من أن تيارا سياسيا عراقيا يرغب في الانفصال عن إيران نهائيا. ولو كان الأمر كذلك لأعلن ذلك التيار عن عزوفه عن المشاركة في عملية سياسية يديرها زعيم فيلق القدس في الحرس الإيراني قاسم سليماني.
صمتُ الجميع يعني الموافقة وقد يعني الأسوأ وهو الخضوع. فهل سينتظر العراقيون أن تُشكل حكومتهم مرة أخرى بالخلطة الإيرانية؟ ما يعني أن إيران ستظل تهيمن على العراق لأربع سنوات مقبلة.
أعتقد أن الكواليس السياسية ستنجب حكومة من ذلك النوع. لن تخيب تلك الحكومة آمال العراقيين بل ستقمعها بجدارة. ذلك لأن الخلطة الإيرانية المقترحة هذه المرة ستكون شيعية سنية كردية ملفقة.
2 في ذكرى إعدام صدام حسين… ما الذي تحقق للعراق د. طارق ليساوي راي اليوم بريطانيا
كلما إحتفل المسلمون بعيد الأضحى المبارك، إلا و تذكر جزء واسع من المسلمين حدث إعدام الرئيس الشهيد “صدام حسين”، إذ تم إعدامه في فجر يوم عيد الأضحى 10 ذو الحجة الموافق ل 30 كانون الأول 2006. و قلنا جزء من المسلمين لأن بعضهم يرى أنه طاغية ظالم و هلم جرا من الإتهامات، ولا يستحق تبعا لذلك وصف “شهيد”، و برأيهم أن إعدامه بهذه الطريقة هو إنتصار للحق و العدل و هذا الرأي يسود لدى جزء واسع من “الشيعة”، وأيضا أعداء صدام القدامى…
والجدير بالذكر، أن إعدامه تم صوريا من قبل الحكومة العراقية التي نصبها الإحتلال الأمريكي، وجاء أفرادها على ظهر الدبابة الأمريكية وبحماية المارينز.. فعلى الرغم، من أنه وفقا للقانون الدولي يعد أسير حرب إلا أن سلطات الاحتلال سلمته للحكومة العراقية تحايلا على مقتضيات القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949.
هذا وقد استنكرت العديد من الشعوب العربية و الإسلامية، و قطاع واسع من الحقوقيين و المراقبين الكيفية و التوقيت و السياق الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام، ورأى كثيرون أن “صدام حسين لم يحظى بالعدالة التي يستحقها مذنبا كان أم لا، ورأوا في شنقه في أول أيام العيد توقيتا أُسيء اختياره أو اختير مع سبق الإصرار والترصد…”.
و بعد مرور نحو عقد ونيف على إعدامه و نحو 15 سنة على احتلال العراق، و بالنظر إلى ما تحقق للعراق خلال هذه الفترة ، لا يسعنا إلا الترحم على الرجل، بل إن قطاع واسع من أولئك الذين عارضوا حكمه أصبحوا يتحسرون على أيام حكمه، فرغم الحصار الذي فرض على العراق منذ غزو الكويت إلى حدود تاريخ الاحتلال الأمريكي للبلاد، فمع كل هذا الحصار الغاشم، إلا أن الشعب العراقي لم يعاني ما يعانيه في عهد “الديموقراطية” الأمريكية، و الاحتجاجات الشعبية بجنوب العراق، و التي تطالب بالكهرباء و الماء و الشغل، خير مثال على مانقول…
كما أن وضع الإقليم العربي، والتغلغل الإيراني في العراق، و العديد من العواصم العربية، دليل على صواب رؤية و تصور نظام صدام حسين، وسعيه لمحاصرة تمدد نظام ولاية الفقيه الذي سيطر على إيران في أعقاب الثورة التي أطاحت بنظام الشاه.. كما أن موقف الرجل من بعض الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وخاصة بالخليج، كان فيه قدر من الحدس السياسي، فمن كان يتصور أن يتم سفك الدم العربي بمباركة و دعم مالي و سياسي من قبل دول الخليج، و في مقدمتها السعودية ، ومن كان يتصور أن تهرع البلدان العربية إلى الإرتماء في الحضن الصهيوني، و التحيز للصهاينة، و التفريط في القدس والتواطؤ على تسليمها للصهاينة بموجب ما أصبح يعرف بصفقة القرن و قرار “ترامب ” بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ولم نرى رد فعل رسمي أو حتى شعبي مؤثر و معترض على هذا القرار…
و الواقع أني لا أدافع عن الرجل، فمن دون شك أنه كان طاغية، وارتكب أخطاء سياسية، وانتهاكات جسيمة في حق شعبه، لكن و نحن في شهر ذو الحجة، ألم يتم حرق و قتل مسلمين عزل، في محرقة رابعة العدوية من قبل نظام السيسي، و بدعم من بلدان الخليج، و مباركة من القوى الغربية التي ترفع شعار حقوق الإنسان عندما يكون ذلك في مصلحتها، وتغض الطرف عن انتهاك حقوق الانسان ، بل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عندما يخدم ذلك مصالحها الاقتصادية و السياسية، ويخدم مصلحة الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى…
نعم ارتكب الرجل خطأ سياسيا جسيما بغزو الكويت، ودون شك استدرج لذلك من قبل الإدارة الأمريكية، لكن بالمقابل لماذا تتدخل اليوم السعودية و الإمارات في اليمن و تحاول احتلال مواقع حيوية فيها، ولماذا تتدخل روسيا في سوريا و “النيتو” في ليبيا، أليس في ذلك انتهاك لسيادة هذه البلدان ? فبأي حق يحل هذا التدخل العسكري وسفك دماء الشعب اليمني و الليبي و السوري ..?
فالرجل كرمه الله بأن يعدم في أعظم أيام الله، و أعدم بأيدي قوات الإحتلال الأمريكي ، بينما رأينا في ثورات الربيع العربي أنظمة تسقط بأيدي شعوبها، ورئيسين عربيين يقتلون بأيدي من إستضعفوهم وظلموهم، و لولا التدخل الأجنبي و الثورات المضادة لرأينا المزيد من الأنظمة تسقط وتحاكم أو تعدم ، ورأينا كيف سفكت دماء العزل في ثورات الربيع العربي، ودمرت بلدان بأكملها لا لشيء سوى لأن الشعوب رفعت شعار الحرية، الكرامة و العدالة الاجتماعية…
مات الرجل وهو يدافع عن شعبه، ومات أبناءه وهم يحملون السلاح في وجه المحتل، ولم يترك خلفه أموال طائلة في البنوك الغربية و الملاذات الضريبية، فحتى القصور و المنقولات كانت مملوكة للدولة العراقية…نترحم على الرجل ، لأنه لم ينهب بلده على غرار ما فعل حكام عرب سابقون و لاحقون…و على غرار ما فعل حكام العراق الجدد، فالثروات المنهوبة في العراق تقدر بمئات ملايير الدولارات من ثروات العراق النفطية التي تذهب لجيوب وحسابات خاصة…فيكفي الشعار الذي حمله المحتجين في البصرة “لا نعاني من قلة الموارد ولكن من كثرة اللصوص”…
وننوه أنه لا ينبغي تفسير كلامنا هذا على أنه تعاطف أو تأييد للطغيان و الإستبداد السياسي، و انتهاك حقوق و كرامة الإنسان ، فنحن نرفض كل هذه الممارسات و نستهجنا، لكن ندافع عن الرجل من منطلق مبدأ بسيط مفاده، أن كل من تعارضه أمريكا و إسرائيل و تحاربه و تعدمه، فهو تبعا لذلك، يخدم مصلحة شعبه و أمته، بينما من تكيل له الولايات المتحدة و الصهاينة المدح و الدعم والحماية، ينبغي النظر إليه بقدر كبير من التوجس، فهؤلاء من دون شك يخدمون مصالح أسيادهم و بالضرورة يتم ذلك على حساب مصالح الوطن و المواطن و قضايا الأمة…
فالمؤكد أن الكل سيموت إن أجلا أم عاجلا، لكن بون شاسع بين من يشنق بأيدي أكبر قوة عسكرية شهدها التاريخ، وبين من يعدم بيد ضعفاء و مستضعفي وطنه الذين نهب ثرواتهم وخرب مستقبلهم، فصدام ديكتاتور و طاغية، لكن حتى أشد معارضيه، لم يتهموه باللصوصية و تهريب ثروات العراق لحسابه و حساب أفراد أسرته، لكن لننظر إلى حال عراق ما بعد الإحتلال، فبدلا من ديكتاتور واحد أصبحت البلاد تعيش تحت وطأة 1000 ديكتاتور، وبعد مرور نحو 15 سنة من إسقاط نظام صدام لا أمن تحقق، و لا ديموقراطية أينعت، و لا عيش كريم تجذر، إذ لازالت غالبية الشعب العراقي تعاني التهجير والعوز و انعدام الأمن، والدمار و الفساد هو المشهد المهيمن..
لكن غالبية الشعب العراقي أدركت أنها كانت ضحية للتضليل وتحريف الحقائق، وشيطنة صدام حسين ونظامه، لكن سبحان الله فالذين داسوا صور صدام بالأقدام أصبحوا يحملونها على الأكتاف إحتجاجا على الفساد والطائفية، و نهب ثروات البلاد، وهذا الوعي هو خير انتصار لذكري الرجل ، الذي نؤكد على أنه ارتكب أخطاءا و جانب الصواب، لكنه لم يكن لصا و لا خائنا لوطنه وأمته، لكن أصل الحكاية أن تطلعه لبناء عراق قوى مستقل لم ترضي أمريكا و ربيبتها إسرائيل فهل ينكر أحد أن طائرات هذه الأخيرة دمرت في جنح الظلام، المفاعل النووي العراقي تموز ليلة7 حزيران 1981، خشية حصول العراق على قنبلة نووية?… والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
3 حظ العبادي في بغداد… وليس في طهران سليمان جودة
الشرق الاوسط السعودية

توقعتُ أن تسمع طهران كلاماً مختلفاً من المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، وهو يرد على الصفحة الأولى من هذه الجريدة، صباح الأحد، على مطالبات إيرانية متكررة هذه الأيام، بتعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت مطلع ثمانينات القرن الماضي، ودامت ثماني سنوات.. ولكن المتحدث السابق قال كلاماً ليس هو بالتحديد، الذي على إيران أن تسمعه في هذا المقام، وأن تنصت إليه!
ولو عدنا إلى الوراء شهراً بالكثير، أو بعض الشهر، فسوف نرى القصة كلها على صورة أوضح في إطارها العام، وسوف نعرف لماذا تذكرت حكومة المرشد علي خامنئي، الآن، والآن فقط، أن حرباً دارت بين البلدين قبل ثلاثين عاماً، وأن الإيرانيين خسروا فيها، وأنهم يريدون تعويضاً عن تلك الخسائر، وأنهم تجرعوا فيها كأساً من السم، على حد تعبير الخميني وقتها، وهو يوقّع على قرار وقف القتال، وأن حكومة حيدر العبادي المنتهية ولايتها في بغداد، هي التي عليها أن تسدد فاتورة تلك الحرب!
القصة.. باختصار.. أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دعا حكومات العالم والمنطقة، إلى الالتزام بالعقوبات التي فرضها على النظام الإيراني الحاكم.. وهو لم يشأ أن يدعو مختلف الحكومات إلى ذلك، وحسب، ولكنه قالها صريحة عالية الصوت: إما معنا.. وإما مع إيران.. ولا شيء في المنطقة الوسط!
ولأن العبادي يعرف أن له حدوداً جغرافية مباشرة مع الإيرانيين، ولأنه يعرف أيضاً أنه مسؤول في العاصمة العراقية عن التعامل مع ما صرح به ترمب.. على الأقل إلى حين تشكيل حكومة عراقية جديدة يكون هو على رأسها أو لا يكون.. فلقد كان عليه أن يبادر بإعلان موقفه مما أعلنه الرئيس الأميركي، وهذا ما حدث، وكان تعامله، في حقيقة الأمر، تعاملاً متوازناً للغاية، فقال ما معناه أنه لا يتعاطف مع العقوبات الأميركية على الدولة الإيرانية الجارة، ولكنه حرصاً على مصالح عراقية يراها من موقعه، لن يكون أمامه سوى الالتزام بها!
وما كاد الرجل يقول بهذا الكلام المتوازن، الذي لا يميل فيه إلى الجانب الأميركي، ولا إلى الجانب الإيراني، إلا بمقدار ما يحقق مصالح بلاده ويحفظها، وهذا حقه، حتى قامت عليه الدنيا في العاصمة الإيرانية، ولا تزال تقوم، والواضح أنها سوف تظل قائمة لفترة، لا لشيء، إلا لأن رئيس الوزراء العراقي قال ما يعني أنه مسؤول عراقي، وما تفرضه عليه مقتضيات مسؤوليته، وأن الطبيعي أن ينحاز إلى ما يحقق مصلحة كل مواطن في بلده، ويراعيها، ويحفظها، وأن أحداً إذا كان يتوقع منه ما هو خلاف ذلك، فهو مخطئ!
ورغم ذلك كله، ورغم أنه في تصريحه قد وزن كلامه بميزان دقيق، فإنه أحس بينه وبين نفسه فيما يبدو، وبتأثير من الحملة الإيرانية المتصاعدة عليه، بأن حديثه ربما يكون قد جاء قاسياً بعض الشيء، فراح يخفف ما ظن أنه قسوة في الحديث، وقال الثلاثاء قبل الماضي، ما معناه أيضاً، أن موقف حكومته في ملف العقوبات، ليس الالتزام بها كلياً، بالمعنى المفهوم في كلامه السابق عنها، وأن الموقف سيتركز بالأساس في عدم التعامل مع إيران بالدولار.. وبذلك.. يكون قد أخذ خطوة إلى الخلف، على أمل منه في أن تصادف خطوته عقلاً يستقبل على الجانب الإيراني، فيحسن الاستقبال، ويُقدر فيحسن التقدير، ويستوعب فيحسن الاستيعاب!
ولكنه لم يصادفه طبعاً.. ومن أين سوف يصادفه؟!.. فلو كان في طهران إعمال للعقل من هذا النوع، ما كانت الجمهورية الإيرانية في هذا الموقف الصعب الذي تقفه اليوم.. ليس مع الولايات المتحدة وحدها.. ولكن مع جيران لها في المنطقة على امتدادها، وكذلك مع دول أخرى في العالم!
ولم يكن غريباً، والأمر على هذا النحو، أن تتسرب أنباء من مواقع هنا، وأخرى هناك، معروفة بقربها من حكومة الملالي في إيران، فتعزف جميعها نغمة واحدة لا تتغير ولا تتبدل.. هذا النغمة هي أن العبادي بموقفه في موضوع العقوبات، قد قضى على حظوظه في أن يعود إلى رئاسة الحكومة العراقية من جديد، أو حتى في أن يكون طرفاً في معادلة الحكم التي لا تزال تتشكل في العراق، منذ جرت الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) الماضي، ومنذ جرى الإعلان عن نتائجها فكان حزب العبادي، واحداً من أربع قوى سياسية، احتلت المقدمة، ووقفت في الصدارة وحازت ثقة الناخبين!
وهكذا.. بدا التدخل الإيراني في الشأن العراقي المجرد، تدخلاً سافراً، وعلى درجة من التبجح لا يمكن أن يقبل بها عراقي، يعرف أن صوت الناخب في صندوق الاقتراع، هو وحده الذي يأتي برئيس الوزراء الجديد.. لا إيران، ولا غير إيران!.. وقد كان هذا التوجه الأعوج في السياسة الإيرانية، هو بالضبط ما أرادت إدارة ترمب بعقوباتها، أن تغيره في العقل الحاكم الإيراني.. التوجه الذي يمارس وصاية على دول جارة في المنطقة، ليست من حق الذين يمارسونها، مهما حاولوا أن يصوروا لأنفسهم أنها من حقهم.. فما يتصورونه شيء.. والمبادئ الحاكمة لسيادة الدول، والتي لا بديل عن احترامها شيء آخر تماماً!
وقد كانت أصوات مختلفة في إدارة ترمب تؤكد.. ولا تزال.. أن الهدف من العقوبات ليس هو إسقاط نظام خامنئي، ولا السعي إلى تغيير الذين يحكمون في إيران حالياً، بالقوة، ولكن الهدف هو تغيير سلوك إيراني مُخرب في المنطقة، لا يمكن أن يستمر، ولا أن يتواءم معه العالم.. وتشاء الصدفة البحتة، أن تبدأ الحملات الإيرانية على العبادي، ثم تتصاعد، هذه الأيام، ليرى العالم الذي يعنيه استقرار هذه المنطقة منه، أن هذا السلوك مع رئيس وزراء العراق، هو بالضبط المطلوب تغييره، وهو على وجه التحديد، المراد الإقلاع عنه إيرانياً، وبالكامل.. لأنه سلوك ليس قاصراً على بلاد الرافدين، ولكنه ممتد منها إلى دول غيرها في منطقتنا، يعاني أبناؤها من عواقب هذا السلوك أشد المعاناة.. واليمن أمام أعيننا خير مثال!
ولذلك.. فالرد على لسان المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية، كانت له لغة أخرى مُفترضة، على خلاف اللغة التي خرج عليها لنا.. لغة لا يجري استدراجها إلى الكلام عن أن العراقيين لن يتحملوا أوزار نظام سابق، كان هو الذي بدأ حرب الثمانينات، كما قال المتحدث السابق.. ولا حتى إلى القول بأن على الإيرانيين أن يتجنبوا استعداء العراقيين، كما قال أيضاً.. وإنما تقول إن على إيران التي تذكرت الحرب فجأة، وتذكرت خسائرها دون مقدمات، أن تفهم أن العراق دولة ذات سيادة، وأن الشأن العراقي يخص العراقيين وحدهم، مهما طال العبث الإيراني هناك، وأن حظوظ العبادي في رئاسة الحكومة، تحددها عوامل تتفاعل في الداخل العراقي، وبدوافع وطنية مجردة، ولا تحددها رياح تهب من الحدود مع إيران!