1 هل ترك العبادي إيران وحيدة في صحراء كربلاء؟ افتتاحية القدس العربي
تؤكد مؤشرات عديدة أن زيارة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى طهران، والتي كانت مقررة يوم غد بعد اختتام زيارته إلى أنقرة، قد تم إلغاؤها من الجانب الإيراني، وذلك في رد فعل غاضب إزاء موقف العبادي من العقوبات الأمريكية التي فرضت على إيران مؤخراً.
وكان العبادي اعتبر أن العقوبات «خطأ جوهري واستراتيجي» لا يتعاطف معها ويرفضها، لكن حكومته ستلتزم بها «لحماية شعبنا»، إذ «لا نستطيع أن نتعامل بالدولار إلا من خلال الفيدرالي الأمريكي، كبقية دول العالم». وأضاف العبادي: «وفي النهاية، إذا لم نلتزم، أنت تخسر، وأنا لست راضياً عن العقوبات، لكن هذا لا يعني أن أقدم لك خدمة وأؤذي نفسي، وهذا غير مقبول»، مؤكداً أنه «لا يجوز لي كرئيس وزراء العراق أن أتخذ موقفا يضر بمصالح المواطنين».
ومن حيث المبدأ يبدو هذا الموقف وطنياً يضع مصلحة الشعب العراقي فوق كل اعتبار، كما يسلّم من جهة ثانية بالأمر الواقع الذي استسلمت له اقتصادات كونية عملاقة ليست راضية عن العقوبات الأمريكية ولكنها مكرهة على تطبيقها بسبب ارتباط تعاملاتها بالدولار الأمريكي. بيد أن رئيس الحكومة العراقية لا يتخذ هذا الموقف دون توظيفه سياسياً في المشهد الداخلي العراقي الذي يزداد تأزماً بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وعسر التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة.
فالعبادي يدرك أن حظوته لدى واشنطن ورقة هامة لا يستطيع التفريط بها في ضبط التأثير الطاغي الذي تمارسه إيران عبر سلسلة من الأحزاب والتشكيلات والميليشيات المرتبطة بطهران والمنافسة للعبادي، وعلى رأسها «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري و»ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. كما أن العبادي أصغى جيداً إلى الهتافات المعادية للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية، والتي صدحت بها حناجر الآلاف خلال الاعتصامات والتظاهرات الأخيرة في جنوب العراق.
كذلك يدرك خصومه في الداخل أنّ الأمر يتجاوز مسألة العقوبات، ولهذا فقد سارعوا إلى وضع موقف العبادي ضمن سياق نكران الخدمات التي قدمتها طهران للعراق في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فأعلن مجتبي الحسيني ممثل آية الله علي خامنئي في العراق أن تصريحات العبادي «لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة للجمهورية الإسلامية ودماء الشهداء التي قدمت للدفاع عن العراق وتطهير أرضه من لوثة داعش»، بل ذهب أبعد حين أبدى الأسف على موقف «انهزامي تجاه أمريكا».
من جانبها لم تتردد طهران، على أصعدة رسمية وبرلمانية وإعلامية، في شن هجمات عنيفة على العبادي، فنفت أن تكون زيارته على جدول الأعمال أصلاً، واتهمته بتخريب العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولم يتردد موقع «الدبلوماسية الإيرانية» التابع لوزارة الخارجية في نشر مقال يُشبِّهه بـ«أصحاب الحسين الذين تركوه يواجه مصيره وحيدا في صحراء كربلاء». وأما النائب في البرلمان الإيراني محمود صادقي فقد غرد مطالباً العراق بسداد 1.1 مليار دولار كغرامة مقطوعة، لقاء الأضرار التي لحقت بإيران في دفاعها عن العراق، وهو ما كررته نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار، حين طالبت الحكومة العراقية بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب التي اندلعت بين البلدين إبان ثمانينيات القرن الماضي.
وفي هذا كله تأكيد إضافي على أن للتأزم أبعاده الأخرى التي تتجاوز مسألة العقوبات.
2 حماية الأرشيف التونسي ونهب الأرشيف العراقي هيفاء زنكنة القدس العربي
أصدرت «هيئة الحقيقة والكرامة»، بتونس، بلاغا، في الاسبوع الماضي، موجها إلى أصحاب الملفات المودعة لديها من ضحايا انتهاكات حقوق الانسان والتي «لم يستوف فيها التحري نظرا لضعف المؤيدات». دعتهم في البلاغ إلى « تقديم مؤيداتهم أو شهاداتهم أو أي توضيحات إضافية كتابيا تؤيد تصريحاتهم وذلك لتجنب رفض الملفات التي تفتقر إلى مؤيدات كافية».
يؤكد البلاغ عدة قضايا مهمة حول طبيعة عمل الهيئة التي تعتبر نموذجا يستحق المتابعة في بقية البلدان العربية ومنها العراق. أهم النقاط هي قيام الهيئة باجراء التحريات، بشكل دقيق، عن صحة تصريحات المتقدمين اليها كضحايا.
ومن ثم توفير الفرصة لهم لتقديم ما يثبت قضاياهم قبل انتهاء عمل الهيئة. النقطة الثانية تتعلق بطبيعة عمل الهيئة والفترة الزمنية التي يغطيها عملها وكفاءة العاملين فيها. النقطة الثالثة تتعلق بما هو أشمل، أي أن الهيئة انجاز تونسي، وطني، بحت، تم بعد الثورة، بقانون خاص أقره ممثلو الشعب التونسي، لتوثيق ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في عهدي الرئيس الحبيب بورقيبة (1957 ـ 1987) وخلفه زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011)، وذلك «بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية». ويجري العمل، الآن، بعد انتهاء عمل الهيئة على تسليم أرشيف الهيئة، بكل الملفات، كاملا، وفي النسخة الاصلية إلى الارشيف الوطني وذلك «لأهمية الذاكرة وكيفية حفظها للأجيال المقبلة، لإنجاح مسار العدالة الانتقالية باعتبارها أداة للمصالحة الوطنية الحقيقية والمستدامة».
ذكر هذه الحقائق مهم عند مقارنة تجربة الهيئة التونسية، التي واجهت عديد التحديات والمصاعب، بتجربة «مؤسسة الذاكرة العراقية»، التي يحمل هدفها المعلن، بعض التشابه مع هدف الهيئة التونسية، إلى ان توقف العمل فيها، بعد ثلاث سنوات من نقلها إلى بغداد. لماذا توقفت؟ هل لقلة الضحايا، وهم كثر، منذ عهد الاستقلال الوطني؟
عند اجراء المقارنة، يتضح زيف ادعاءات مؤسسيها وكيف نجحوا بالحاق الضرر بمفهوم الحقيقة والتوثيق والمصالحة الوطنية. فالمؤسسة، أولا، غير مستقلة من ناحية التمويل وبالتالي الإدارة. اذ اعتمدت، منذ تأسيسها بواشنطن، بالتزامن مع اصدار الادارة الأمريكية «قانون تحرير العراق»، على عقود نفذتها لصالح وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). ثانيا، كيفية تجميعها للوثائق. تأسست، بداية، عام 1993، باسم» «مشروع البحوث والتوثيق العراقي»، بعد ان رافق باحث عراقي يدعى كنعان مكية منتج أفلام من الــ «بي بي سي»، لتصوير فيلم عن «حملة الانفال»، أثر اعلان أمريكا وبريطانيا شمال العراق منطقة آمنة. قام كنعان مكية، حينها، بشحن كل ما تمكن من الحصول عليه من الوثائق العراقية المهمة إلى أمريكا. كانت تلك خطوة « الباحث» الاولى في استمراره باخراج الوثائق والمخطوطات الاصلية والمذكرات والملفات، بانواعها، من العراق، بحجة كشف « الحقيقة» مما قد يساعد « على دمل جراح مجتمع عومل بقسوة سياسية على اعلى المستويات». وهي مهمة نبيلة، حقا، فيما لو كانت مستقلة فعلا، ومبنية على العمل لتحقيق العدالة لكل العراقيين، وكل حقب الانتهاكات وليس اقتصارها على فترة حكم واحدة، ولم تسخر لنهب ما هو ملك للشعب العراقي، ويشكل جزءا من ذاكرته الوطنية، وتسليمه كغنيمة إلى اجهزة مخابرات ذات الدولة التي قامت بغزو العراق وتخريب بنيته التحتية ،وسببت حرق ونهب المتاحف والمكتبة الوطنية والمعارض والجامعات. وكانت جمعيتا أمناء الارشفة الأمريكيين والكنديين قد أصدرتا بيانا، 22 نيسان/أبريل 2008، أدانت فيه عمل المؤسسة، بقوة، جاء فيه «ذهبت مؤسسة ذاكرة العراق، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، إلى بغداد بعد فترة وجيزة من الغزو وبدأت في جمع أكبر عدد ممكن من الوثائق التي يمكن أن تجدها. بموجب قوانين الحرب، يمكن اعتبار ما قامت به من أعمال النهب، وهو أمر محظور بشكل خاص بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907».
فكيف تقوم مؤسسة كهذه بتضميد جراح سنوات حكم البعث ( 1968 ـ 2003)، ونزيف دم الضحايا، منذ غزو البلد واحتلاله (2003 ـ حتى اليوم) لم يتوقف يوما، خاصة وأن مؤسسها مكية، نفسه، كان من المحرضين على الغزو، وهو الذي تبرع بطمأنة الرئيس الأمريكي جورج بوش، عندما تساءل عن موقف العراقيين من احتلال بلادهم، فهدأ مكية من روعه قائلا: «سيستقبلونك بالازهار والحلوى». وكتب في يومياته عن قصف بغداد في « حملة الصدمة والترويع»، في 2003، « ان صوت القصف موسيقى لأذني».
المفارقة الأخرى، ان يتم تعيين مصطفى الكاظمي، عضو حزب الدعوة الإسلامي الحاكم، ومدير مشروع التاريخ الشفهي في المؤسسة، رئيسا لجهاز المخابرات. فما هي مصداقية التاريخ الذي يوثقه شخص غير محايد، يسيره الاحساس بالمظلومية، كما تدل مقابلات أجريت معه؟ ما هي مؤهلاته الوظيفية في هذا المجال الحساس؟ كيف قام بالتحري عن اصحاب الشهادات الشفهية وتأييد ما سجله؟ أم ان عمله لا يزيد عن كونه وجها آخر من أوجه الاستهانة بآلام الضحايا وعذاباتهم، مما سيؤدي بالنتيجة إلى فقدان الثقة بأي عمل مستقل يتوخى توثيق والمحافظة على الذاكرة الوطنية مستقبلا؟
ان الذاكرة الوطنية هي ذاكرة الشعب كله كما تدون وتدقق، ثروة من محفوظات تعود ملكيتها إلى الشعب كله، ليستخلص منها الدروس التي تجنبه تكرار المآسي وتمده بالقوة من اجل بناء المستقبل. في مجال حقوق الانسان، للارشيف دور أساسي في تحقيق العدالة وحفظ الأدلة ومنع مقترفي الجرائم من الافلات من العقاب، ومنع التزوير، والأفعال الكيدية، لتفادي خلق ضحايا جدد، وإهدار المال العام بدون تمحيص. ومن مسؤولية الحكومات المحافظة على الوثائق، والأرشفة السليمة للمحفوظات هي مفتاح لبقاء الأدلة وسلامتها. وهذا لم يحدث بالعراق، منذ ان قامت القوات الأمريكية بتجميع الوثائق العراقية عند غزو العراق للكويت عام 1990 وحرقها بذريعة العفن، حتى اليوم، حيث لاتزال ملايين الصفحات من الوثائق موجودة في أمريكا، بعد تصنيفها كوثائق سرية او جعلها متاحة لباحثين قام عدد منهم بترجمة ونشر صفحات منها، تم اختيارها وتحليلها بشكل انتقائي. وهي طامة تضاف إلى جرائم النهب والتخريب المتعمد، اذ تتعزز النظرة الدونية الينا، حين يحلل ويكتب الآخرون تاريخنا، وفق منظورهم الخاص، وبلغتهم، وايديولوجيتهم، بينما لا تتاح لنا فرصة الاطلاع على وثائقنا، لصعوبة وتعقيدات الوصول اليها في أمريكا، بينما المفروض ان تكون موجودة في مكانها الطبيعي وهو الارشيف الوطني العراقي. والاهم من ذلك كله، حين الشروع بتأسيس هيئة للحقيقة تستفيد من التجربة التونسية، ان يتم توثيق شهادات جميع الضحايا، بضمنهم ضحايا الاحتلال، ومن قبل عراقيون يعرفون معنى الوطنية.
3 يحق للعراق ما يحقّ لإيران
خيرالله خيرالله العرب بريطانيا
هل يحق لإيران إقامة أفضل أنواع العلاقة مع أميركا وابتزازها في الوقت نفسه يوميا، فيما لا يحق للعراق أن يسأل نفسه عن مكمن مصالحه ومصالح مواطنيه، وأن يعمل على الدفاع عن هذه المصالح؟
العراق يرفض الاستسلام نهائيا لإيران
يوفّر الغضب الإيراني على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رصيدا وطنيا للرجل. لم يعد مستبعدا أن يكون المستقبل السياسي للعبادي صار مرتبطا بمدى قوّة النفوذ الإيراني في العراق. يرفع موقف العبادي من العقوبات الأميركية على إيران من قيمة الرجل الذي كانت هناك نظرة سلبية تجاهه بسبب انتمائه إلى حزب مذهبي مثل “حزب الدعوة الإسلامية” الذي يعتبر نسخة شيعية عن الإخوان المسلمين.
اتخذ العبادي، الذي يشفع له أنّه لم يقم في إيران في أثناء معارضته لنظام صدّام حسين، موقفا شجاعا عندما أعلن أن العراق سيلتزم بالعقوبات الأميركية على إيران. أوردَ تحفظات كثيرة عن العقوبات ووصفها بـ”الظالمة” وأنّها “خطأ إستراتيجي”، لكنّه أكد في نهاية المطاف أن العراق ملتزم تطبيقها. كشف بذلك أنّه يتمتع بحدّ أدنى من الشعور الوطني ورغبة في حماية مصالح العراق. يعرف رئيس الوزراء العراقي، مثلما يعرف غيره، أنّه يمكن أن تتصالح الولايات المتحدة مع النظام في إيران غدا. سيعود عندئذ شهر العسل الذي ساد في مرحلة ما قبل الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003 أو في السنوات الثماني التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض. هل يحق لإيران إقامة أفضل أنواع العلاقة مع أميركا وابتزازها في الوقت نفسه يوميا، إنْ في سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن، فيما لا يحق للعراق أن يسأل نفسه عن مكمن مصالحه ومصالح مواطنيه، وأن يعمل على الدفاع عن هذه المصالح؟
إذا كان جورج بوش الابن سلّم العراق على صحن من فضّة إلى إيران، فإن أوباما هو من استكمل عملية التسلّم والتسليم هذه على نحو رسمي في العام 2010. لماذا يحق لإيران التنسيق الكامل مع الأميركيين، وصولا إلى الاتفاق على من يكون رئيس الوزراء في العراق، ولا يحق للعراق نفسه ذلك؟ هل قَدَرُ العراق أن يكون مجرّد تابع لإيران وأن يضحي بنفسه من أجلها؟
مرّة أخرى، يتبيّن أن العراق يرفض الاستسلام نهائيا لإيران. ما فعله العبادي تعبير عن الرغبة العراقية في المقاومة. برّر موقفه بكلام في غاية البساطة عن الرغبة “في عدم تعريض العراقيين للضرر وحماية شعبنا”. مضيفا “لا نستطيع الخروج عن المنظومة الدولية”. بات العبادي بعد السنوات التي أمضاها في السلطة يعرف ما الذي تعنيه العقوبات الأميركية على إيران وطبيعة الدور الأميركي على الصعيد الدولي. ربّما يعي خصوصا الوزن الاقتصادي للولايات المتحدة التي يشكّل اقتصادها ربع اقتصاد العالم.
لا يمكن بأي شكل الاستخفاف بما أقَدم عليه رئيس الوزراء العراقي الذي رفضت طهران استقباله احتجاجا على الإعلان عن التزام بلده تطبيق العقوبات الأميركية. فعندما يواجه العبادي إيران في موضوع حسّاس مثل العقوبات، يكون الرجل يعلم جيّدا أنّه يخوض معركة مصيرية. يكفي الكلام الصادر عن آية الله مجتبي الحسيني ممثل “المرشد” الإيراني علي خامنئي في العراق للتأكّد من ذلك. ذهب الحسيني، المقيم في النجف، إلى حدّ اتهام العبادي بأنّه “ينخرط مع أميركا ويخضع لها في مؤامرتها على إيران التي هي جارة العراق والتي تتحد مع الشعب العراقي في الدين والمواقف”. بالنسبة إلى ممثل خامنئي في العراق فإنّ “الشعبيْن العراقي والإيراني تجسيد للحمك لحمي ودمك دمي. إنّهما بمنزلة شعب واحد”. يذكرّ كلامه بالكلام الذي كان يصدر عن الرئيس الراحل حافظ الأسد إبّان الوصاية السورية على لبنان عن أنّ الشعبين السوري واللبناني “شعب واحد في بلدين”.
يعطي موقف رئيس الوزراء العراقي فكرة عن جدّية العقوبات الأميركية على العراق والرغبة الواضحة لإدارة ترامب في الذهاب بعيدا في تطبيقها. الأكيد أن للرجل حسابات خاصة به تفرضها الصعوبات التي تواجه عودته إلى الموقع الذي يشغله منذ العام 2014 خلفا لنوري المالكي بطل فضيحة اجتياح “داعش” للموصل وتراجع الجيش العراقي أمام هذا التنظيم الإرهابي، بطريقة تذكّر بالهزائم العربية في حرب حزيران – يونيو 1967. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا كيف ستعمل إيران على استغلال العراق من أجل التحايل على العقوبات الأميركية التي ستزداد قسوة في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل؟ من الواضح أن إيران ستعمل على تشكيل حكومة موالية لها في العراق. ستعمل بطريقة أو بأخرى على التخلص من العبادي في أسرع وقت. ليس أمام إيران في حال قررت المواجهة خيارات كثيرة خصوصا في العراق. كذلك ليس أمامها من خيارات أخرى غير تشكيل حكومة لبنانية تكون سوارا في معصمها. وهذا يفسّر إلى حد كبير تلك الهجمة الشرسة على العبادي من جهة، وذلك الإصرار على منع قيام حكومة “وفاقية” في لبنان يشكلها الرئيس المكلف سعد الحريري بطريقة متوازنة آخذا في الاعتبار مصلحة لبنان في تحصين نفسه أمام التقلبات الكبيرة التي تعيشها المنطقة من جهة أخرى.
في كلّ الأحوال، إذا دلّ موقف العبادي من إيران على شيء، فهو يدلّ على أن هناك رغبة شعبية عامة في العراق في تفادي الوقوع تحت الوصاية الكاملة لإيران. كانت نتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الثاني عشر من أيّار – مايو الماضي تعبيرا عن تلك الرغبة. كذلك، كان الحراك الشعبي الذي شهدته مدن ومناطق عراقية عدّة تعبيرا عن نوع من الصحوة العراقية، على الرغم من الكلام الكثير عن أنّ إيران ليست بعيدة عن الاضطرابات في العراق. من يصدر عنه هذا الكلام يقول إن أيدي إيران ليست بعيدة عن محاولات لوقف إنتاج النفط العراقي مستقبلا في حال منعتها أميركا من تسويق نفطها.
يبقى سؤال أخير. ما الموقف الذي ستتخذه الإدارة الأميركية من العبادي خصوصا، ومن الوضع العراقي عموما؟ هل تدعم رئيس الوزراء الحالي وتدفع في اتجاه عودته إلى موقعه بعدما أثبت أنّه مستعد أن يكون وطنيا عراقيا على الرغم من انتمائه إلى حزب مثل “حزب الدعوة”؟
ستكون أميركا في الأشهر القليلة المقبلة منهمكة بإيران التي ستؤخر قدر الإمكان قرارها بفتح حوار من دون شروط مع واشنطن. ستعمل إيران في الأسابيع المقبلة على اختبار مدى جدّية دونالد ترامب والفريق المحيط به الذي على رأسه وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. ستسعى إيران إلى إفهام الإدارة الأميركية أن لديها أوراقا كثيرة في المنطقة، خصوصا في الداخل العراقي حيث الميليشيات المذهبية التابعة لها والتي تتحرّك تحت تسمية “الحشد الشعبي”.
الأكيد أن حيدر العبادي سيكون طوال الفترة المقبلة في موقف لا يحسد عليه، اللهمّ إلا إذا قررت الولايات المتحدة ولو لمرّة أن تقف بحزم مع من يقف معها، وتظهر بالفعل أنّها طرف يمكن الاعتماد عليه في الأوقات الصعبة… وأن العراق يبقى العراق وإيران تبقى إيران. ما يحق لإيران يحق للعراق أيضا، والعلاقة بين واشنطن وبغداد لا تمرّ بالضرورة بطهران!
4 ما هكذا تؤكل الكتف يا حيدر العبادي ياسر الخيرو راي اليوم بريطانيا
قالت العرب منذ القدم الصديق عند الضيق، هذا ما لم يتعلمه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، فتخلى عن إيران في وقت الضيق بعد أن انقذت العراق والعملية السياسية العراقي في عام 2014 بينما الولايات المتحدة ومن خلفها بريطانيا التي يحمل العبادي جنسيتها لم تباليا بخطر سقوط بغداد بيد الدواعش بل في أعسر لحظات عاشها العراق، كان الغرب يطالب بضمانات لنهب ما تبقى من ثروات العراق والتحكم بإراداته، بدلا من مد يد العون أولاً والنقاش لاحقاً.
في زيارة لمستشار الأمن الوطني العراقي السابق، الدكتور موفق الربيعي، كشف لي الأخير أن الدعم الأمريكي للعراق تأخر في عام 2014 ستة أشهر، لأن الأمريكان كانوا مصرين على تخلي المالكي عن سدة الحكم مقابل دعم العراق في الحرب على داعش الذي كان يقف على أبواب بغداد؛ هذا كان الشرط الأمريكي الثاني لتقديم المساعدة للعراق، أما الشرط الأول فكان قبل سقوط الموصل حين طلبت الحكومة العراقية من الجانب الأمريكي قصف معسكرات داعش في صحراء العراق الغربية، فردت الحكومة الأمريكية بالرفض وقالت لن نقدم خدمة مجانية للمالكي.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن المالكي، لكن الهدف من الكلام هو كشف المقاربة الأمريكية تجاه العراق؛ على الجانب الآخر قدمت إيران الدعم بالمال والسلاح والدماء للشعب العراقي في الحرب على داعش، واستشهد عدد من خيرة رجال إيران وهم يقاتلون تنظيم داعش الارهابي في قصبات العراق وسوريا. الشعب الإيراني المحاصر منذ قيام الثورة قدم مليارات الدولارت من أجل دعم العراق ومنع انهيار الدولة العراقية وتحول عراق العروبة الى أفغانستان ثانية؛ فما كان رد العبادي؟
في أول موقف احتاجت فيه إيران المساعدة أعلنها العبادي وبصراحة، لن أدعمكم! وسألتزم بالعقوبات الأمريكية الظالمة عليكم، دفاعا عن مصالح العراق، تصريحات العبادي دقت اسفين التفرقة بين الشعبين الذين تقاربا كثيراً خلال السنوات الماضية، ووضعت النظام الإيراني في موقف لا يحسد عليه المعارضة التي اعتبرت أن الحكومة ضيعت مليارات الدولارات لدعم بلد تخلى عنها في أول مطب، بل الأنكى من ذلك، أن إيران الفارسية لم تطالب العراق بتعويضات حرب الخليج الأولى التي تبلغ قيمتها 1000 مليار دولار كما فعلت الكويت العربية الشقيقة، وهذا أصبح اليوم مطلباً شعبياً في إيران في ظل الضغوط الاقتصادية الأمركية وتصريحات العبادي.
من الجميل أن يفكر كل قائد بمصالح شعبه وهذا أمر طبيعي، ولكن يا ابا يُسر لا تنسَ!
1-الأمم المتحدة ادانت العراق في حرب الخليج الأولى وأقرت التعويضات ويمكن لإيران أن تطالب العراق بها؛
2-إيران زودت العراق بالكهرباء حتى بعد تجاوز ديون العراق لإيران المليار دولار ولم تقطع الكهرباء عن العراق إلا بعد مواجهتها أزمة داخلية اعلان برنامج للقطع المبرمج في كافة أنحاء إيران ومنها العاصمة طهران؛
3-إيران صانت عرشك ومنعت سقوط المنطقة الخضراء بيد داعش، يوم كانت أمريكا تضع الشروط؛
4-المستشارون الإيرانيون حرصوا على أموال الشعب العراقي وقادوا معاركاً نظيفة في العراق، على العكس من الأمريكان الذين استخدموا سياسة الأرض المحروقة وتشهد على ذلك الموصل؛
5-قد لا تتمكن إيران من حماية مصالح الشعب العراقي، لكنك تعرف أن أمريكا هي التي تريد انتهاك مصالح الشعب ومصادرة أمواله وتحويل العراق الى بقرة حلوب أخرى؛
6-كان الأجدر بك الابتعاد عن سياسة المحاور الاقليمية والوقوف على الحياد الذي اعتدت عليه، والاكتفاء بادانة العقوبات الأمريكية التي تستهدف الشعوب أولا، وعدم الاعلان بسماجة عن الرضوخ للأوامر الأمريكية؛
7- وأخيرا يا أبا يُسر إذا حلقت لحية جارك، بلل لحيتك.
5 الخميني.. مخالفة الثَّوابت الإمامية رشيد الخيون الاتحاد الاماراتية
خالف آية الله الخميني(ت 1989) التقليد الشِّيعي الإمامي في أكثر مِن أصل، هذا ما ورد في سلسلة الدُّروس التي كان يُلقيها بالفارسة، عندما كان مقيماً بالنَّجف(1965-1978)، والتي جُمعت في كتاب «الحكومة الإسلامية». خالف العقيدة الإمامية، في وراثة الحُكم، بما يتضح منه أنه وافق الخلافة الرَّاشدية، التي لم تكن وراثية ولا ملكية. يقول الخميني: إن الإمام الحُسين(قُتل61هـ) نهض ضد الحكم الوراثي «فليس في الإسلام نظام ملكي وراثي، وإذا كان هذا نقصاً في اعتبارهم فليقولوا: إن الإسلام ناقص»(الخميني، الحكومة الإسلامية). معنى هذا أن الحُسين، حسب الخميني، لا يورث الحُكم، في حال كُتب له استلامه، لولده علي بن الحسين(ت نحو95هـ)، والأخير لم يورثه لولده وأحفاده مِن بعده، حتى آخرهم المهدي المنتظر!
بينما الشِّيعة يرون أن الإمامة تُشيد على الوراثة في الحُكم، أي على ما نقضه الخميني، عقيدة الإمامة، حتى غدت أصلاً مِن الأُصول، ووفقها أصبح الخميني نائباً للإمام الثَّاني عشر، حسب «ولاية الفقيه المطلقة»! فهذا سؤال يُطرح على المبشرين بفكرة ولاية الفقيه مِن الإماميين، والذين اعتبروا الخميني وخليفته خامنئي المدافعين عن المذهب! ربَّ معترض يقول: إن الخميني قصد الملكيات والأنظمة الوراثية، التي نبذها الإسلام كنظام الأكاسرة بالشَّرق والهراطقة بالغرب، وإن الإمام علي بن أبي طالب (اغتيل40هـ)، وبنيه الاثني عشر، يحكمون بموجب وصية إلهية! لكن بالتالي يبقى الحُكم وراثياً، وفيه ضمناً نظام ولاية العهد الابن عن الأب، التي رفضها الخميني في كتابه بصريح العبارة.
بعد خلافه مع فقهاء الإمامية بإلغاء الوراثة في الحكم، يأتي الخميني، في ولاية الفقيه، على إلغاء وراثة الأنبياء، سوى العِلم، ناقلاً عن «رواية أبي البختري»، والتي جاء فيها: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورَثوا الأحاديث، فمَن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كلِّ خلف عدولاً، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»(الحكومة الإسلامية).
لكن ماذا عن الموقف مِن أرض «فدك»؟! التي حسب التقليد الإمامي أن السيدة فاطمة(ت11هـ) ورثتها عن أبيها، بعد أن صارت له في العام السَّادس للهجرة(المسعودي، مروج الذهب)، وجرى عليها خلاف بعد وفاته؟ فهل سيسقط ما أتى في الأثر الشِّيعي عن حق فاطمة وبني هاشم بميراث النَّبي؟! وأن جواب الخليفة أبي بكر الصِّدِّيق (ت13هـ) لهم كان صحيحاً: «أما أني سمعتُ رسول الله يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقةً، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته»(الطبري، تاريخ الأُمم والملوك)؟!
بعدها يُخالف الخميني التقليد الإمامي بقبول فكرة «التَّفويض»، وهذا ألغته المقولة الإمامية في مسألة القدر: «لا جبر ولا تفويض»(المظفر، عقائد الإمامية)، بينما الفقيه حصل على السُّلطة، حسب ولاية الفقيه، بالتفويض الإلهي، بنيابة الأئمة. يقول الخميني في «ولاية الفقيه العامة»: «إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل، فإنه يلي مِن أُمور المجتمع ما كان يليه النَّبي(صلى الله عليه وسلم) منهم، ووجب على النَّاس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم مِن أمر الإدارة والرِّعاية والسِّياسة للناس ما كان يملكه الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، وأمير المؤمنين(ع) على ما يمتاز به الرَّسول والإمام مِن فضائل ومناقب خاصة؛ لأن فضائلهم لم تكن تخولهم أن يُخالفوا تعاليم الشَّرع، أو يتحكموا في النَّاس بعيداً عن الله، وقد فوض الله الحكومة الإسلامية الفعلية، المفروض تشكيلها في زمن الغيبة نفس ما فوض إلى النَّبي(ص) وأمير المؤمنين(ع) مِن أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات، وتعيين الولاة والعمال، وجباية الخراج، وتعمير البلاد، غاية الأمر أن تعيين شخص الحاكم الآن مرهون بمَن جمع في نفسه العِلم والعدل»(الحكومة الإسلامية). إذا قالت الإمامية: إن الله فوض النبي والأئمة بالحكم، فهذا لا يتحقق إلا بظهور المنتظر، لكن الخميني جعل التفويض للفقهاء، وعليهم أخذه بالثَّورة، وأنهم ورثة علم الأنبياء وسلطاتهم السِّياسية! وبالتالي فالحاكمية عنده تكون إلهيةً بالتفويض.
كيف للعقل اعتبار التفويض الإلهي، الذي يُورثه الفقيه عن النُّبوة والإمامة، نظرية سياسية يصبح وفقها الفقيه حاكماً مطلقاً بتكليف إلهي، أليس هذا يتماثل تماماً مع فكرة وادعاء تفويض الله للأباطرة والملوك الحكم على أنهم ظله على الأرض؟! يقول أبو العلاء المعري(ت449هـ): «كذب الظَّنُ لا إمامٌ سوى العقل/مشيراً في صبحه والمساء/فإذا ما أطعته جلب/الرَّحمةَ عند المسير والإرساء»(لزوم ما لا يلزم). أقول: قد يعقل العقل فكرة ولاية الفقيه، وهو الإمام مثلما وصفه المعري ونجده كذلك، إذا كانت نظرية سياسية بشرية، تُخطئ وتصيب، لكنها ستكون خيالاً مكثفاً، منزوعةً عن الواقع، إذا ما قُدست بالتفويض الإلهي.
6 علاقة أميركا بالعراق تحتاج إلى تقويم مايكل نايتس* الوطن السعودية
على الرغم من فوز تحالف العبادي بـ42 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، إلا أن العبادي بحد ذاته لا يسيطر سوى على ستة مقاعد. وفي المقابل، يسيطر الزعيم الكردي مسعود بارزاني على ما يقل عن 26 مقعدا، بينما يشكل الفصيلان الشيعيان «تيار الحكمة الوطني» وتحالف «سائرون» حاليا نواة الحكومة المقبلة. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه النتائج وتأثيرها على توازن القوى في بغداد بشكل مختلف داخل العراق وخارجه.
ومن اللافت للانتباه أن العراقيين كانوا أقل تركيزا على إيران خلال هذه الدورة الانتخابية. فهم يعلمون أن بلادهم ليست على ما يرام، وبالتالي يعتبرون أن اختيار السياسيين القادرين على معالجة الوضع يبدو أكثر أهمية بالنسبة لهم من اتباع خطوط حزبية طائفية. فعلى سبيل المثال، ركَّزت ثلاث نقاط مركزية في برنامج «سائرون» على إعادة بناء العلاقات مع الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إعادة فرض عقوبات أميركية ثقيلة على إيران ستصبح بلا شك مسألة ساخنة بالنسبة للعراقيين. فبعضهم يعتقد أن الاقتصاد العراقي سيستفيد إذا ما أبقت العقوبات بعض الواردات الإيرانية خارج العراق.
وفي كافة الأحول، ففي حين أن وضع العراق الراهن ليس خطيرا بنفس القدر الذي شهدته البلاد في الفترة 2011-2014، إلا أنه تتم إضاعة الفرص لتحسين الأمن. وبينما تم تشتيت «تنظيم داعش»، إلا أنه من نواحٍ معينة أصبح التعامل مع هذا التنظيم أكثر صعوبة. وما زال العراقيون غير مستعدين لتولي المرحلة التالية من القتال بمفردهم نظرا لافتقارهم إلى القدرات الضرورية لمكافحة التمرُّد ومكافحة الإرهاب. ونتيجة لذلك، تواجه البلاد اليوم مستويين مختلفين من التهديد. فخلال ساعات النهار يتخذ تنظيم داعش موقفا دفاعيا، ولكنه يتمتع بحرية تنقُّل مطلقة في مناطق أساسية أثناء الليل.
وعلى نطاق أوسع، تُعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق غير متوازنة وتحتاج إلى إعادة تقويم. فبغداد تريد من واشنطن أن تُبدي مرونة فيما يتعلق بسياساتها تجاه العراق، بينما يريد المسؤولون الأميركيون معالجة مشاكل البلاد بسرعة أكبر بعد مضي عدة سنوات على انخراطهم العميق في العراق. ومن جانب آخر، تريد إيران إبقاء العراق ضعيفا ومعتمدا عليها.
وللحد من تأثير طهران السلبي على العراق، ومساعدة الحكومة العراقية على تعزيز قوتها وشفافيتها، لا بد لواشنطن من أن تتحلى بالصبر وتعمل عن كثب مع المسؤولين في بغداد. وبالمثل، يجب أن تكون العقوبات الأميركية المفروضة على إيران مصممة بما يراعي مصلحة العراق.
ويجب على واشنطن أيضا توفير المزيد من المساعدات، فيما يتعلق بالاستخبارات المالية وجهود مكافحة الفساد وبرامج التدريب والحماية المخصصة للقضاة، فضلا عن الدعم في مجال الاستخبارات المضادة ومكافحة الإرهاب لمواجهة تنظيم داعش.
*زميل أقدم بمعهد واشنطن- عمل ملحقا بقوات أمن محافظات العراق – (عضو معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) – الأميركي
7 لماذا تُطالَب بغداد برعاية مصالح طهران؟ حميد الكفائي الحياة السعودية
لستُ مهووساً بكره إيران والإيرانيين، بل أعتقد بأن الشعب الإيراني من أرقى شعوب العالم وأعرقها حضارة، وهو شعب فخور ومتحضر ويستحق حياة كريمة ونظاماً سياسياً أفضل من نظام ولاية الفقيه الذي يرزح تحت نيره منذ أربعة عقود. ولستُ مؤيداً العقوبات الأميركية على إيران، فأنا، كعراقي عانى بلده من عقوبات قاسية دامت ١٢ سنة، أعلم فداحة الأضرار التي تلحقها العقوبات الاقتـــصادية بحياة الشعوب، وكيف أنها تهدم الأسس الثقافية والأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات. وليس في مصلحة العراق أن تفرض عقوبات على جيرانه لأن الأضرار تتعدى الحدود هذه الأيام.
نعم، هذه المقدمة ضرورية قبل الحديث عن موقف العراق من العقوبات الأميركية على إيران، الذي أعلنه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، قائلاً أنها ظالمة وخاطئة، لكن العراق سيلتزم بها لأنه سيتضرر إن لم يفعل، وأن مسؤوليته هي رعاية مصالح العراق، خصوصاً أنه غير قادر على تغيير الموقف الأميركي.
موقف العبادي هو ما كان سيتخذه أي مسؤول حريص على مصلحة بلده، فمسؤوليته هي حماية مصالح العراق وليس التضحية بها من أجل جار «عزيز» لم يكترث يوماً لمصلحة العراق، وفي ظل كل الأنظمة التي حكمته. لا لوم على بلد يرعى مصالحه، فلا وجود لبلد «ملاك» يسعى إلى رعاية مصالح البلدان الأخرى، إلا في مخيلة بعض العراقيين الذين ربطوا مصائرهم، مختارين، بإيران، وقد آن الأوان لأن يكونوا عراقيين فحسب.
لن أعود إلى الوراء أكثر من أربعة عقود، هي عمر النظام الحالي، لأن الأحزاب العراقية لم تكن موالية لإيران أيام الشاه، لكنها اعتبرت نظام الولي الفقيه نظاماً إسلامياً يجب الدفاع عنه لأنه يمثل «بيضة الإسلام» التي يجب الحفاظ عليها بأي ثمن! لكن استعراضاً سريعاً لسلوك «الجمهورية الإسلامية» تجاه العراق خلال أربعة عقود يشير بوضوح إلى أنها تسعى إلى تحقيق مكاسب على حساب العراق.
في اتفاقية الجزائر الموقعة بين العراق وإيران عام 1975، تنازل صدام عن حق العراق في شط العرب ووافق على أن يكون خط ثالوغ وسط شط العرب الحدود الرسمية بين البلدين! وخط ثالوغ هذا متحرك باتجاه العراق بسبب حركة المياه، ما يعني أن حدود إيران بمرور الزمن تتمدد نحو العراق وأن شط العرب لم يعد نهراً عراقياً. هذه الاتفاقية التي اضطر العراق إلى توقيعها تحت تهديد الشاه وتدخله العسكري في الشؤون العراقية، هي اتفاقية مجحفة فلماذا تتمسك بها «إيران الإسلام» التي عارضت كل ما فعله الشاه؟
حاربت إيران العراق ثماني سنوات عجاف قتل فيها أكثر من نصف مليون شاب عراقي، وكلفت العراق وإيران مئات البلايين من الدولارات. فإن كان صدام لا يهتم إلا لإدامة نظام حكمه، وقد كان كذلك، فلماذا أصرت «الجمهورية الإسلامية المباركة» على مواصلة حرب أهلكت الحرث والنسل وأحرقت الأخضر واليابس، رافضة كل عروض السلام من العراق والوساطات الدولية والإسلامية؟ وإن كان العراق قد احتل أراضي إيرانية، وإن هناك مبرر لإخراجه منها، فما هو مبرر استمرار إيران في الحرب بعدما استعادت راضيها عام 1982؟
لقد بدأنا نسمع مسؤولين إيرانيين كباراً يطالبون العراق بـ «تعويضات» بسبب شنه الحرب على إيران، لكن الحرب استمرت ثماني سنوات بسبب إصرار إيران على مواصلتها، وإن كانت هناك تعويضات مستحقة فهي للعراق على إيران، وأي تعويض مهما عَظُم، فلن يعيد الشبان الذين أحرقتهم الحرب أو يزيل إعاقة نصف مليون عراقي.
في 1991، فرضت أميركا وبريطانيا ومعهما دول أخرى، عقوبات قاسية على العراق، جعلت العراقيين يصارعون من أجل البقاء أحياء. هل خرقت إيران الحظر الأميركي والدولي على جارها «المسلم» وساعدت العراقيين المحتاجين إلى الغذاء والدواء؟ لم تفعل، باستثناء تسهيل تهريب النفط العراقي لمصلحة أشخاص معينين في نظام صدام.
في أواخر 2009، احتلت القوات الإيرانية، على حين غُرة، حقل الفكة النفطي العراقي في محافظة ميسان (الشيعية)، ولولا وقوف الولايات المتحدة مع العراق، لاختفى الحقل كما اختفت ممتلكات عراقية أخرى مثل الطائرات التي «أودعها» صدام لدى إيران قبيل حرب 1991. ومنذ عام 2003، قامت إيران بحرف مسارات الكثير من الأنهر والروافد الداخلة إلى العراق وأعادت المياه إلى إيران مع علمها بحجم الأضرار التي يتكبدها العراق والعراقيون (الشيعة) في تلك المناطق بسبب هذه الإجراءات غير المشروعة.
وبسبب إقامة إيران السدود على نهري الكارون والكرخة اللذين كانا يصبان في شط العرب، ومنع وصول المياه إلى العراق، تصاعدت الملوحة في محافظتي البصرة والعمارة وقضت على النباتات والأحياء وألحقت أضراراً فادحة باقتصاد المنطقة المعتمد على الزراعة والأسماك وتربية الحيوانات. وكنتيجة، تحاول الحكومة العراقية الآن إقامة محطات لتحلية المياه المالحة من أجل توفير مياه الشرب لسكان المنطقة التي يلتقي عندها نهرا دجلة والفرات العظيمان.
ومنذ سقوط نظام صدام وحتى الآن، مولت إيران عشرات الميليشيات في العراق وسلحتها ودربتها. ما الذي تجنيه إيران من هذه الميليشيات غير إضعاف العراق وجعله يخرج من أزمة ليدخل في أخرى؟ أليس الأجدر بها، إن كانت حقاً دولة صديقة، دعم مؤسسات الدولة العراقية بدلاً من الميليشيات؟ ومنذ 2003، امتلأ العراق بصور القادة الإيرانيين وسميت شوارع المدن بأسمائهم وأصبح الجنرال قاسم سليماني يتجول في العراق بحرية واحترام لا يجدهما حتى في بلده، بل يحضر اجتماعات الكتل السياسية العراقية المهمة ويشارك في النقاشات، علماً أنه لا يتحدث عادة في الشؤون السياسية الإيرانية، فمهمته عسكرية واستخباراتية بحت.
إن كانت هذه مواقف إيران، وهذا غيض من فيض، فلماذا يريد عراقيون من الحكومة أن تضحي بمصالح العراق وعلاقاته الدولية من أجلها؟ أليس الأجدر بالحكومة الإيرانية أن تتخذ الإجراءات المطلوبة لدرء العقوبات أو مواجهتها؟ متى يفكر هؤلاء العراقيون في أن بلدهم أولى بالولاء من بلد آخر لم يأتِ منه سوى الخراب والأذى؟
العالم الحديث يتعامل مع الناس حسب هوياتهم الوطنية، وكل من يتخذ هوية موازية، دينية كانت أم طائفية أم قومية، لن يجد له مكاناً فيه، بل سيبقى محتقراً حتى يحترم هوية الدولة التي ينتمي إليها. الهوية الوطنية لا تتناقض مع أي هوية فرعية، ولا تعني أن حاملها لا يتعاطف مع الأقوام الأخرى، لكنها تحتم عليه أن يسعى إلى تقوية الدولة التي ينتمي إليها مقابل الدول الأخرى.