مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 كوبيش تلميذ نجيب للسياسيين العراقيين د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

اللغة الدبلوماسية المراوغة والمخاتلة لكوبيش تشبه لغة بعض رجال الدين وتلاعبهم بالألفاظ عندما يتحدثون عن القضايا السياسية في العراق، فهم مع الشيء وضده، وهي لغة لا يمكن أن توصف إلا بأنها حمّالة أوجه.
العراقيون غسلوا أيديهم من كوبيش بعد أن غسلوها من مرجعياتهم
لم تستطع اللغة الدبلوماسية الناعمة، التي تحدث بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش عن ظروف العراق أمام مجلس الأمن الدولي، أن تواري مخاوفه من مآلات الأوضاع السياسية المقترنة بانعدام الخدمات الأساسية وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت، بعد أن أشار إلى الزحف الجماهيري لمحافظات الجنوب بسبب تردي الأوضاع الإنسانية لا سيما في محافظة البصرة.
اللغة الدبلوماسية المراوغة والمخاتلة لكوبيش تشبه لغة بعض رجال الدين وتلاعبهم بالألفاظ عندما يتحدثون عن القضايا السياسية في العراق، فهم مع الشيء وضده، وهي لغة لا يمكن أن توصف إلا بأنها حمّالة أوجه، ولعل العراقيون انطلقوا من هذه النقطة في تهكمهم القائل إن كوبيش درس كطالب نجيب للسياسيين العراقيين الفاسدين وبعض رجال الدين الشيعة، وأنه أتقن دوره عندما وقف خاشعا كأي شيعي ممسكا بشبابيك قبور الأئمة المدفونين في كربلاء والنجف.
سجل العراقيون أكثر من مغالطة في حديث كوبيش ذاك، خاصة عندما تحدث عن الانتخابات الأخيرة، التي جرت في العراق، قائلا إن “الإقبال كان منخفضا بنحو غير مسبوق على عملية التصويت خلال الانتخابات البرلمانية في 12 مايو، حيث لم يشارك نحو 60 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت”، فلماذا ذهب إلى نسبة الـ60 بالمئة ولم يذهب مباشرة إلى النسبة الحقيقية؟
وكوبيش والعالم كله يعلم أن مقاطعة الانتخابات كانت واسعة ولم تشترك فيها إلا نسبة تقل عن الـ20 بالمئة وثبت أنها أقل من ذلك بكثير مع اكتشاف التزوير الواسع فيها، الذي تم التكتم عليه واللجوء إلى شتى الحيل لإخفائه.
وانظروا كيف يعتبر كوبيش العزوف عن الانتخابات “رسالة قوية لعدم الرضا عن الوضع الحالي في إدارة الشؤون العامة”، لكنه يستدرك ذلك باللغة المخاتلة، ليقول إن “إعادة العد والفرز يدويا للأصوات في انتخابات البرلمان العراقي زادت من ثقة الناخبين في العملية الانتخابية”، في حين أن هذه العملية أججت الغضب الجماهيري وأذكت شعلة التظاهرات الشعبية، لأنها أثبتت للجميع مدى التحايل على إرادتهم.
واعترف في كلمته، أن شح المياه في المحافظات الجنوبية والوسطى سيزداد سوءا وسيضع نحو مليوني عراقي في خطر بالإضافة إلى احتمال التشرد.
لكنه أردف أن “رئيس الوزراء حيدر العبادي بذل جهودا كبيرة لتقديم حلول سريعة وملائمة للمطالب الشعبية المشروعة، مما خفف مؤقتا الأعباء، التي تواجه الأشخاص الذين يعيشون تحت ظروف شاقة”، حاثا “القادة السياسيين على الاستماع إلى صوت الشعب، وتسريع عملية تشكيل حكومة وطنية غير طائفية تشمل الجميع، لها رئيس وزراء قوي ومتمكن، تعطي الأولوية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ومعالجات العبادي التي أشار إليها كوبيش ترقيعية ولم يحصل الغاضبون منها إلا على وعود فضفاضة يعرفون مسبقا أنها هواء في شبك، ولو أنها كانت صادقة لعمل العبادي وقبله نوري المالكي وإبراهيم الجعفري على تحقيقها، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فكيف وقد لدغ العراقيون من الطبقة السياسية العشرات من المرات؟ ثم كيف ستكون الحكومة المقبلة “وطنية غير طائفية تشمل الجميع” إذا كان مرجعها دستور يكرس الطائفية وينبذ الوطنية؟
يان كوبيتش يشغل منصبه منذ 5 فبراير 2015، ولذلك أعطاه العراقيون لقب “لكّام”، وتعني الباحث عن اللقمة ليشبع نفسه، وأنه مادام عاش هذه المدة كلها بين الفاسدين فقد أصبح مثلهم، فمن عاشر قوما صار منهم.
ولفت كوبيش، في كلمته، إلى أن المظاهرات الجارية في المحافظات الجنوبية أبرزت الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التي أهملت وقتا طويلا في تلك المحافظات، مشيرا إلى أن فريق الأمم المتحدة يعكف على إعداد إستراتيجية تهدف إلى زيادة حجم المساعدات. وتساءل المتظاهرون العراقيون ما حاجة العراق إلى مساعدات إذا كفت الطبقة السياسية عن نهبها المنظم لثروات البلاد وحورب الفساد؟
إن العراقيين بعد كلمة كوبيش غسلوا أيديهم من الأمين العام للأمم المتحدة بعد أن غسلوها من مرجعياتهم، وقد غرّد عراقي على فيسبوك وتويتر قائلا “إذا لم تشرق شمس العراق بهذه الانتفاضة فسننتظر المئات من السنين لكي يتحرر العراق كما انتظر أجدادنا من سنة 1258 حتى 1921”.
2 «تعويضات» تطالب بها إيران مشرق عباس الحياة السعودية

ابتداء، ليس هناك أي بند في أي قرار دولي يتعلق بالحرب العراقية – الإيرانية يخص التعويضات عن تلك الحرب، كما أنه ليس هناك حتى أي تداول رسمي إلى اليوم حول هذا الموضوع، والقرارات الدولية المتعلقة بالحرب ليست سراً ليتم اكتشاف بعضها بين الحين والآخر على يد هذا النائب أو ذلك المسؤول الإيراني، بل هي نصوص معلنة تبدأ بالقرار 517 لعام 1980 وتنتهي بالقرار 685 في 1991، حيث أغلق الملف.
وهذه المقدمة تحاول توضيح أن ما استندت اليه نائب الرئيس الإيراني معصومة ابتكار وقبلها النائب محمود صادقي، إضافة إلى تصريحات عدة سبقتهما في السياق ذاته، وهو دعوة الحكومة العراقية إلى دفع تعويضات عن تلك الحرب، يمثل وجهة نظر إيرانية خالصة، ولا يمت بصلة إلى أي قرار دولي، كما أنه لا ينتمي إلى أي سياق قانوني مُقَرّ، ولا يفسَّر سوى بأن الأجواء التي صاحبت غزو الكويت ومهّدت للغة دولية قاسية تجاه النظام السابق، كانت مناسَبة لمطالبة إيران بتعويضات حينها. ولا ضرورة لتفسير القرارات الدولية ذات الصلة والتدقيق فيها، لكن من الضروري التدقيق في مناسبة التصريحات الإيرانية الأخيرة، التي تأتي في أجواء تشديد الولايات المتحدة العقوبات على إيران، وإعلان العراق التزامه بها مع تأكيده الوقوف مع الشعب الإيراني. يبدو أن الموقف الرسمي العراقي استفز الجانب الإيراني، وربما كان المتوقع أن يقرر العراق تقاسم آثار العقوبات مع إيران، وأن يُفلس مصرفَه المركزي، أو أن يرفض بيع نفطه تضامناً مع «الجيران».
للتذكير، فإن موقف الشعب العراقي ثابت ولا يتغير من مفهوم العقوبات الاقتصادية ورفضها، ويتعلق الامر بالآثار الكارثية التي تركها الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينات القرن الماضي، وأن من حق العراق -بسبب ما ترتبه العقوبات الإيرانية على مصالحه- المطالبة باستثناءات تفضيلية ومعاملة خاصة.
لكن يبدو أن بعض القيادات الإيرانية لا ترغب بفهم الضرورات العراقية، فالسيدة ابتكار مثلاً، تبدو مقتنعة تماماً بـ «البروباغاندا» التي روجت لها وسائل إعلام عربية وحاولت وسائل إعلام إيرانية تكريسها، بأن العراق لن يكون أكثر من ضيعة إيرانية، الأكثر أنها فهمت حقاً أن بلادها قد وقفت مع العراقيين وأنقذت بلادهم من الضياع، وربما اقتنعت -بحكم كونها بعيدة من صلب مطبخ اتخاذ القرار الإيراني- أن بلادها قدمت تضحيات من أجل شيعة العراق، وقد تكون مصدومة فعلاً بكلام رئيس الحكومة العراقية عن الالتزام بالعقوبات الأميركية، حتى أنها قد تكون وقعت تحت تأثير طروحات مستشار الرئيس علي يونسي حول الإمبراطورية الفارسية التي تستعيد نفسها!
لكن ما تجهله نائب الرئيس المحسوبة على الإصلاحيين، ليس فقط أن التعويضات حول حرب العراق لم تكن أكثر من دعاية إيرانية داخلية، بل أنها تجهل حقيقة تدخل بلادها في الشأن العراقي بعد العام 2003 ومدياته وآثاره، كما تجهل موقف العراقيين، شيعتهم قبل سنتهم، من تبعات هذا التدخل، والتجربة السياسية الفاشلة والفاسدة التي أنتجها.
لا غرابة في أن الإصلاحيين في إيران أكثر حساسية تجاه العراق من محافظيه الذين يمتلكون أسرار السياسة الإيرانية للسنوات الماضية، فالإصلاحيون مقتنعون تماما بأن ثروة بلادهم يتم تبديدها للدفاع عن العراق ودول أخرى في المنطقة، وبعضهم يهاجمون المنهج الحالي للنظام من هذه الزاوية، حتى أن الرئيس السابق أحمدي نجاد انضم إلى طابور المعترضين، لولا أنه يفهم جيداً مقدار الأذى الذي لحق بالشعب العراقي جراء التدخل الإيراني في شؤونه، وأن نظرية الدفاع المقدس عن العراق ليست أكثر من خرافة أخرى كخرافة تعويضات الحرب التي يطلق عليها في إيران «حرب الدفاع المقدس»!
للحقيقة وجوه متعددة، لا يراها الغاضبون من الموقف العراقي في إيران، خصوصاً في الشق الإصلاحي، بينما يراها المحافظون جيداً، لأنهم يعرفون بواطن الأمور أكثر مما يعرف الزعماء العراقيون أنفسهم، واحدة من هذه الأوجه أن العراق كما تركته سنوات الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني محطماً، لا يمتلك في الأساس خيار المفاضلة بين قبول العقوبات أو رفضها، والأخرى أن قضية «التعويضات» ليست حتى ورقة ضغط، فإيران تمتلك أوراق ضغط وتهديد في العراق أكبر بكثير من هذه القضية الميتة.