1 العراق نموذجا! خيرالله خيرالله العرب بريطانيا
يدفع العراق ثمن حلول الميليشيات مكان الدولة. لذلك لم تكن فائدة من إجراء انتخابات تشريعية في الـ12 من مايو الماضي.
الولاء لإيران
العراق في طريق مسدود. ما يؤكد ذلك سؤال في غاية البساطة يطرح نفسه هذه الأيام في وقت امتدت التظاهرات الشعبية التي بدأت في البصرة إلى بغداد. هل هناك من يستطيع التكهن بمستقبل البلد باستثناء أنّه بات من باب المستحيل إعادة تشكيله كدولة موحدة، كما كان عليه قبل العام 2003؟
قررت الولايات المتحدة الانتهاء من العراق وليس من النظام الذي أقامه صدّام حسين. لا يوجد تفسير آخر لما قامت به إدارة جورج بوش الابن في آذار- مارس من العام 2003 عندما باشر الجيش الأميركي عملية اجتياح للعراق. توّجت العملية في التاسع من نيسان- أبريل من ذلك العام بدخول القوات الأميركية إلى بغداد من دون مقاومة تذكر. كان فرار صدّام حسين بعد ذلك من بغداد إلى مسقط رأسه في العوجة، القريبة من تكريت، حيث عثر عليه الأميركيون لاحقا في حفرة اعتقد أنّها ستحميه من الذين يريدون تصفية حساباتهم معه. كان صدّام في انتظار يوم أفضل للخروج من الحفرة. لكنّ هذا اليوم لم يأت. عزاؤه الوحيد الآن أنّ هناك من يترحّم على أيامه على الرغم من كل سوئها ومساوئها.
لم يكن أولئك الذين يريدون تصفية حساباتهم مع صدّام من الأميركيين فقط. كانت هناك إيران التي لديها ثأر قديم عليه وعلى العراق. كان الهدف الأميركي- الإيراني، الذي تختبئ خلفه إسرائيل، العراق نفسه. تبيّن أن الإدارة الأميركية، التي أرادت أن تجعل من العراق نموذجا لما يفترض أن تكون عليه دول المنطقة، كانت في الواقع تجهل كلّ شيء عن البلد.
الخوف كل الخوف في أن يتحقق ما خطط له المحافظون الجدد في واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001. أي الانتهاء من العراق
كان طبيعيا وصول العراق إلى ما وصل إليه. لم يكن في الإمكان في أي لحظة تخيل أن في استطاعة ميليشيات مذهبية تابعة لإيران بناء دولة حديثة في العراق. يدفع العراق حاليا ثمن فكرة جهنّمية امتلكها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة. تقوم هذه الفكرة أساسا على الانتهاء من العراق تحت شعار برّاق هو إقامة نموذج لدولة ديمقراطية في المنطقة، دولة تمتلك في الوقت ذاته أحد أكبر احتياطات النفط في العالم.
لا يختلف عاقلان يمتلكان حدا أدنى من الشعور الإنساني على أن التخلص من نظام صدّام حسين كان ضرورة. لم يمتلك النظام الذي قام على فكرة إلغاء الآخر جسديا، بدءا بإعدام الخصوم من الرفاق البعثيين، في مثل هذه الأيّام من العام 1979، غير لغة القمع في الداخل. على الصعيد الخارجي، لم يمتلك يوما القدرة على استيعاب المعادلات الإقليمية والدولية. هناك أدلّة عدّة تعطي فكرة عن كمية الجهل بما يدور في المنطقة والعالم لدى صدّام والذين استعان بهم. هناك الحرب مع إيران خاضها مجبرا، لكنه اعتقد في البداية أنها ستكون نزهة. وهناك المغامرة المجنونة في الكويت. وهناك الاعتقاد الذي ساد لدى صدّام بأنّ الاتحاد السوفياتي يمكن أن يفعل له شيئا صيف العام 1990 عندما أرسل قواته إلى الكويت من أجل إلغاء دولة عربية مستقلة وعضو في الأمم المتحدة من الوجود. لم يأخذ علما وقتذاك أن الحرب الباردة انتهت، وأن الاتحاد السوفياتي دخل في مرحلة الانهيار الداخلي!
هذا غيض من فيض من ارتكابات صدّام حسين الذي يمكن أن تكون له حسنة واحدة. تكمن هذه الحسنة في أنّه لم يقْض كليا على مؤسسات الدولة العراقية، خصوصا على الجيش العراقي الذي تأسس عام 1921 من القرن الماضي في عهد فيصل الأوّل.
كان حلّ الجيش والأجهزة الأمنية من بين أوّل القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية بعد احتلال العراق. حصل ذلك من دون أي تفكير في البديل ومن دون وعي لخطورة أن يكون جيش العراق مجموعة من الميليشيات التابعة لأحزاب مذهبية قاتلت إلى جانب إيران، من منطلق مذهبي، في حرب 1980-1988. كيف يمكن لهذه الميليشيات بناء دولة عراقية حديثة تكون نموذجا لدول المنطقة الأخرى، في حين أن زعماء هذه الميليشيات الذين يسيطرون على السلطة والمرافق الاقتصادية الحيوية في البلد يعملون في خدمة إيران؟
يدفع العراق حاليا ثمن حلول الميليشيات مكان الدولة ومؤسساتها. لذلك، لم تكن فائدة من إجراء انتخابات تشريعية في الثاني عشر من أيّار- مايو الماضي. كان كافيا ألا تعجب نتائج هذه الانتخابات إيران، كي تتعطل الحياة السياسية في البلد. لدى إيران تفسيرها الخاص للانتخابات. تعتقد، استنادا إلى تفسيرها هذا، أنّ الحكومة العراقية يجب أن تكون بإمرتها بغض النظر عن الانتخابات. لديها تجربة خاصة بها في الماضي عندما استطاعت بعد انتخابات 2010 فرض نوري المالكي رئيسا للوزراء، مكان إياد علاوي، بالتفاهم مع إدارة باراك أوباما. لم ينتفض العراقيون من أجل الكهرباء والقضاء على الفاسدين. انتفضوا عمليا من أجل استعادة بلدهم من إيران التي تسعى إلى فرض حكومة تتلقى أوامرها من طهران يكون على رأسها أحد زعماء الميليشيات المنتمية إلى “الحشد الشعبي” أو ما يشبه ذلك. كان طبيعيا وصول العراق إلى ما وصل إليه. لم يكن في الإمكان في أي لحظة تخيل أن في استطاعة ميليشيات مذهبية تابعة لإيران بناء دولة حديثة في العراق
سقط العراق عمليا عندما قررت الولايات المتحدة الانتهاء من الجيش العراقي. هناك كلام كثير عن إعادة بناء الجيش الذي ظهرت حدود ما هو قادر على عمله عندما سيطر “داعش” على الموصل في حزيران- يونيو من العام 2014. ما يعيشه العراق اليوم هو من تداعيات مرحلة ما بعد الحرب الأميركية- الإيرانية على العراق. في النهاية، لا يمكن الاعتماد على ميليشيات مذهبية في بناء دولة ذات مؤسسات حديثة.
كان الأكراد على حقّ عندما حاولوا الخروج من دولة الميليشيات المذهبية العراقية. فشلوا في ذلك فشلا ذريعا، أقلّه إلى الآن. هل ينجح الشعب العراقي، الذي لا ينتمي إلى القومية الكردية، حيث فشل مسعود البارزاني في أيلول- سبتمبر من العام الماضي.
توحي كلّ المؤشرات بأن لا أفق سياسيا للتحرك الشعبي الذي بدأ في البصرة. الخوف كل الخوف في أن يتحقق ما خطط له المحافظون الجدد في واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001. أي الانتهاء من العراق. وقتذاك شنت “القاعدة” الهجوميْن الإرهابييْن على نيويورك وواشنطن. لم تكن للعراق علاقة بهذين الهجومين. لم يمنع ذلك إدارة بوش الابن من شن حربها العراقية قبل الانتهاء من القضاء على “طالبان” في أفغانستان. ما الذي حملها على اتخاذ مثل هذا القرار في ذلك التوقيت بالذات؟ الواضح الآن، في ضوء ما نشهده في العراق أن النتيجة المتوخاة تحققت. صار العراق نموذجا لما يفترض أن تكون عليه دول المنطقة. صار بلدا تتحكم به الميليشيات المذهبية التي تتلقى أوامرها من إيران.
في استطاعة الميليشيات أن تبني كلّ شيء باستثناء أن تبني بلدا ودولة. من لديه شكّ في ذلك يستطيع الانتقال من العراق إلى لبنان. هناك تفسير إيراني لنتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية. تريد إيران ترجمة ذلك عبر حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري، شكليا، تكون تابعة لها. لذلك لا حكومة الآن في لبنان. هذا يحدث في عصر الميليشيات المذهبية التي قضت على العراق وأوصلته إلى الطريق المسدود الذي يهدد مصير البلد… إن لم يكن هذا المصير صار محسوما.
2 سامحونا.. نحن قتلة فاروق يوسف العرب بريطانيا
إذا ما كان هناك معسكران للصقور والحمائم يتوزع بينهما الزعماء الشيعة في العراق، فإن العامري لا يحسب على معسكر الصقور فحسب، بل وأيضا يمكن اعتباره الصقر الأشد وحشية وافتراسا وهمجية في مجال تصفية خصومه.
لا يحترم أحدا سوى أسياده في طهران وقم
في لحظة نادرة من تاريخ العراق السياسي تقدّم زعيم ميليشيا بدر هادي العامري بالاعتذار للشعب العراقي. لم يكن ذلك الاعتذار بسبب عمليات القتل والنهب التي مارستها الميليشيا التي دخل العامري نفسه العراق من إيران زعيما لها.
فمنذ أن فتحت الولايات المتحدة الحدود العراقية عام 2003 أمام كل ما يمكن أن تقدّمه إيران من مساهمات فذة في تدمير ذلك البلد المنكوب الذي تعرضت دولته للتحطيم وتم حل جيشه الوطني حرصت تلك الميليشيا على تصفية الأطباء والمهندسين والمفكرين وضبّاط الجيش السابق الكبار وطياريه متّبعة قوائم أعدتها إيران انتقاما من العراقيين الذين هزموها في حرب الثماني سنوات التي لم تنته بعد بالنسبة إليها.
وإذا ما كان هناك معسكران للصقور والحمائم يتوزع بينهما الزعماء الشيعة في العراق فإن العامري لا يحسب على معسكر الصقور فحسب، بل وأيضا يمكن اعتباره الصقر الأشدّ وحشية وافتراسا وهمجية في مجال تصفية خصومه الذين يتحركون في نطاق دائرة نزعته الطائفية المريضة.
العامري الذي لم يكفّ عن التصريح بأنه واحد من جنود خامنئي لا يعنيه في شيء مصير العراق ونوع الحياة التي يعيشها العراقيون. فمَن عاش مثله سنوات طويلة خادما في الحرس الثوري الإيراني لا يمكنه أن يبالي إذا ما تعرّض العراقيون للقتل والخطف والقهر والإذلال أو إذا وقع العراق تحت هيمنة دولة أخرى. وهل يعتبر هذا الجندي الإيراني إيران دولة أخرى؟ سؤال قد لا يزعجه.
طلب العامري من الشعب العراقي أن يسامحه لأنه فاسد. أن يسامحهم لأنهم فاسدون. أسمّي الأشياء هنا بأسمائها وهو ما لم يقله الزعيم الفعلي لميليشيا الحشد الشعبي. لأنه فاسد وليس لأنه قاتل. لأنهم فاسدون وليسوا حفنة من القتلة.
لعبة هي أشد إذلالا للشعب العراقي مما لو بقي تلميذ قاسم سليماني وتابعه المخلص صامتا. القتل من وجهة نظر خادم خامنئي هو ليس ذنبا يتطلب أن يقوم صاحبه بالاعتراف، طلبا للصفح أو سعيا وراء الحصول على عقاب مخفف.
لقد جرت كل عمليات القتل التي شهدها العراق على أساس الهوية الطائفية من وجهة نظره أيضا في إطار حرب عادلة، كان الهدف منها إنجاز ما لم تستطع إيران إنجازه في سنوات حربها ضد العراق.
القتل فعل لا يستحق صاحبه أن يقوم فاعله بالاعتذار. فهو يقوم بمهمته المقدسة وهي مهمة لا يقوى المكلف بها أن يرفض القيام بها، ذلك لأن ذلك الرفض يُخرجه من الخط الذي وضع نفسه في خدمته. خط الإمام الخميني الذي أوصى أتباعه بالاستمرار في إقامة المسيرات الجنائزية.
كانت جنائز العراقيين تحقيقا لنبوءة الزعيم الديني الذي شرع أبواب القتل أمام أتباعه من أجل أن تعلو راية الجمهورية الإسلامية في إيران. ولكن مَن يملك القدرة على مطالبة رجل مسلّح بالاعتراف بالقتل؟
أعداد القتلة في العراق لا تُحصى. كلهم مطلقو السراح، بل إن عددا كبيرا منهم قد تسلّم مناصب كبيرة في الدولة العراقية وصار يقابل زعامات العالم باعتباره ممثلا منتخبا للشعب القتيل.
كما أن لا أحد في العراق يقوى على أن يجرّ لغما مثل هادي العامري إلى المحكمة. أين تقع تلك المحكمة؟ السجون العراقية، العلنية والسرية على حد سواء، غاصة بالمعتقلات والمعتقلين الذين لم يروا قاض ينظر في قضاياهم التي تم تلخيصها بالمادة أربعة إرهاب.
إنهم إرهابيون وإن لم يقتلوا أحدا. أما هادي العامري الذي مارس القتل علنا فهو ليس إرهابيا.
“ليس كل من يَقتل مدنيا سلميا هو إرهابي”، ذلك هو القانون الذي يفض النزاع حول معنى الإرهاب في العراق. القتلة من أمثال العامري هم الذين يشرعون القوانين.
لذلك فإن الفساد هو الآخر ليس تهمة يستحق صاحبها أن يُجر إلى المحاكم. يكفي أن يُعلنها على الملأ لكي يكون شجاعا وتحمله الجماهير المنكوبة على الأكتاف إلى مجلس النواب باعتباره بطلا منقذا.
ليس من الصعب الاستنتاج أن رجلا أمّيا مثل العامري هو شخص فقير الخيال. ولأنه لا يحترم أحدا سوى أسياده في طهران وقم، فإنه لا يحتاج خيالا لكي يبدو محقا في ما يقدمه من تفسير لذلك الخراب الذي ضرب العراق بسبب وجوده وسواه على رأس السلطة هناك.
يمكن تلخيص اعتذار العامري من الشعب العراقي كونه لغما وضعه رجل إيران في طريق زملائه القتلة والفاسدين ولم يكن في ذهنه إلا أن يستعمل الشعب العراقي في حرب من نوع جديدة. فالرجل لم يقل إنه سيتوقف عن القتل بل دعا إلى فساد أقل.
3 الحراك الشعبي هو الرد والبديل عن الإنقلابات العسكرية صباح علي الشاهر
راي اليوم بريطانيا
زمن الإنقلابات العسكرية في العراق ولّى ، هذا كلام لا يطلق على عواهنه ، وإنما تؤكده الوقائع التي تجري على الأرض ، من يمني نفسه بإنقلاب عسكري كمن يحرث في بحر.
إعتباران هامان يتقدمان كل الإعتبارات ، الأول أن ولاء قادة الجيش والمنظومة الأمنية العراقية يتوزع على كل الذين إنخرطوا في العملية السياسية، عرباً وكرداً ، سنة وشيعة ، وحتى داخل هذه الإصطفافات يتوزع الولاء على كتل وحركات وأحزاب ، غالباً متناحرة ، ومتصارعة على المكاسب، وأفراد وعشائر، بالإضافة إلى هذا فثمة قوى توازي القوة العسكرية الرسمية ، وربما تتفوق عليها أحياناً ، وهي قوى مسلحة ومدربة تدريباً عالياً، ومستعدة على الدوام للقتال، ولاؤها المطلق لمن يتبناها وينفق عليها ، وهي تأتمر بأمره ، وطاعتها تصل حد الإنقياد الأعمى .
والإعتبار الثاني أن العراق يخضع لإرادتين أساسيتين ، متناحرتين ، هما على وجه التحديد أمريكا المحتلة ، وإيران التي عرفت كيف تزحزح المحتل وتهمش دوره في الكثير من مواقع السلطة والقرار. صحيح أن المحتل فرض على العسكر الذين قبل إنخراطهم مجددا في السلك العسكري والأمني والمخابراتي الخضوع المطلق لتعليمات حددها هو ، لكنه من جانب آخر سمح بالتوازن الطائفي والأثني في هذه القوات وشجعه ، مما فسح المجال لجعل الولاء الطائفي والأثني هو المقدم ، لأن كل طائفه ومجموعة أثنية كانت هي التي ترشح من سيشغل حصتها . في مرحلة الإحتلال الأولى لم يكن هذا الأمر واضحاً للعيان ، فالمنخرطون في قوام القوات العسكرية والأمنية كانوا تحت التجربة ، لذا كانوا حريصين على إثبات ولاءهم ، خصوصاً وأنهم كانوا يُبتزون بسهولة بسبب كونهم كانوا ضباطاً كبارا في القوات العسكرية والأمنية السابقة ، وهي قوات كانت بعثية بالتمام ، عن رضى أو إكراه ، وكانوا تحت طائلة السيف المسلط عليهم ألا وهو سيف الإجتثاث، بالإضافة إلى كون المقاومة العراقية كانت تعتبرهم خونة وتهدر دمهم ، وكانت تترصدهم ، لذا لم يكن لهم من خيار إلا الطاعة لقوى الإحتلال ، إلا أن هذا الأمر تبدل فيما بعد ، عندما عزز المحتل الإحتراب الطائفي والأثني وفق القاعدة البريطانية المشهورة “ فرق تسد”، فكان إن إستقوى العديد منهم بالطائفة التي ينتمي إليها أو القومية التي ينتسب لها، وضعف تدريجياً إرتباطه بالمحتل ، وبالأخص بعد خروج أغلب قواته من البلد، إثر التفاهمات مع الحكومة السابقة ، وتحت تأثير الخسائر الكبرى التي مني بها، والتي لم تكن متوقعة بالنسبة له .
كانت قوات الإحتلال تواجه عدواً شرساً متمثلاً بالمقاومة المسلحة لذا فقد تساهلت مع الإحزاب والقوى التي تخادمت معها ، وفسحت لها المجال للتغلغل في الأجهزة الأمنية ، وقد ساعد هذا الموقف الذي أضطرت إليه على خلخلة وحدانية سيطرتها على القوات المسلحة بكل صنوفها، لذا فليس من الممكن الآن الزعم بأن ولاء القوات المسلحة للمحتل فقط، بإستثناء العملاء المرتبطين فعلياً به فعلياً ، مع ملاحظة أن ولاء أفراد هذه القوات لم يختبر بعد ، بإستثناء البيشمركة التي عدت نفسها قوات كردية وكردية فحسب مع إسقاط مُتعمد للبعد الوطني العراقي قبل التحولات في الإقليم وإستعادة ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، و عراقية هذه القوات تحتاج إلى تأكيد .
تعزز دور ونفوذ العناصر المسلحة خارج القوات الرسمية بعد مساهمتها الفاعلة في قتال داعش وتحرير كامل الأرض العراقية، وهي أصبحت رقماً صعباً، لا يمكن تجاوزه أو تخطيه، ويترافق هذا مع إنحسار النفوذ الأمريكي في الإقليم، وبالأخص في سوريا، وتبدل موازين القوى في المنطقة عموماً .
من يمتلك القدرة على تحريك قطعات عسكرية بعد السلطة القائمة ، أمريكا وإيران ، وكل منهما يقامر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، قد تأتي على نفوذه أو ما تبقى له من نفوذ ، وبتقديرنا أن إيران سوف لن تلجأ لهذا الخيار إلا إذا حُصرت في الزاوية الضيقة ، أما أمريكا فقد إنتهجت سياسة التلويح بالقوة ، أو إستعمالها بشكل محدود ، لا يؤدي إلى حرب شاملة ستكون عواقبها وخيمة على تواجدها في المنطقة ، وربما تقليص نفوذها بشكل مريع، لذا فإن الخيار العملي الممكن هو التفاهم على حفظ المصالح قدر الإمكان بين المتخاصمين إيران وأمريكا من دون التجاوز على نفوذ أي منهما .
لذا فإن التعويل على إنقلاب عسكري يغير الأوضاع أمر غير ممكن ، لأنه غير عملي وكارثي بكل المقاييس.
أمر واحد فقط يمكن التعويل عليه، ألا وهو إبداع الجماهيرالتي ستجترح طرائق للنضال من أجل حقوقها، وإجبار حكامها على الإنصياع لمطالبها، عبر تشديد النضال، والإنتقال من التظاهر السلمي إلى العصيان المدني، وبهذا فإنها ليس فقط ستجبر الحكومة المستبدة والفاسدة على الإنصياع لإرادتها التي لا تقهر، بل ستشل قدرات القوى الخارجية كائنة من كانت، وسيكون هذا طريقها لتدشين عمليتها السياسية، المستجيبة لمصالحها الوطنية، لا التي وضعها المحتل لتوطيد مصالحة وتكريس نفوذه ، لقد آن الأوان ليقول الشعب كلمته التي لا يعلى عليها ، وليمتلك زمام أمره بنفسه ، وشعب العراق قادر على تحقيق هذا، وهو أهل لإجتراح المعجزات .
4 نتمنى ألا ينزلق العراق إلى كارثة «حرب أهلية» عبدالمنعم ابراهيم اخبار الخليج البحرين
الخوف.. كل الخوف أن تتحول الاحتجاجات الشعبية في العرق إلى (حرب أهلية)، وخصوصًا بعد أن تداولت الأخبار عن وجود عناصر من (الباسيج) الإيراني في المدن العراقية. وفي مدينة (السماوة) قام محتجون غاضبون بإلقاء القبض على عنصرين من (الباسيج) كانا قد تسللا إلى المدينة وأطلقا النار على المتظاهرين لخلق حالة من الشد بين الأجهزة الأمنية والمحتجين بهدف استدراج الطرفين إلى مواجهة دامية قد تترتب عليها نتائج خطيرة -بحسب ما أورده مراسل «أخبار الخليج» في بغداد- أمس، وخصوصًا أن المحتجين في الجنوب العراقي قصدوا الأهداف السياسية والدبلوماسية والرمزية الإيرانية ورفعوا شعارات تدعو إلى التصدي للوجود الإيراني في العراق.
أين تكمن المخاوف من تحول الاحتجاجات الشعبية إلى (حرب أهلية) عراقية؟ كلنا يعرف أن إيران استفادت من فترة الغزل (الأمريكي – الإيراني) في عهد الرئيس (أوباما) وشكلت لها نفوذا سياسيا وعسكريا (ومليشياويا) وحزبيا في العراق.
وأبرز أشكال هذا (النفوذ الإيراني) وجود الجنرال (قاسم سليماني) قائد فيلق القدس خبيرًا في (الحكومة العراقية)!
والشكل الآخر للنفوذ الإيراني تمثل في صناعة (الحشد الشعبي) العراقي، الذي يعتبر الذراع العسكري الإيراني في العراق، وذلك لحجم الدعم والتمويل من قبل الحرس الثوري الإيراني لفصائل موالية لإيران، وحصول قيادات في هذه الفصائل على دعم إيراني (مالي) في الانتخابات النيابية الأخيرة أحرزت بموجبها المركز الثاني في مقاعد البرلمان بعد تيار (مقتدى الصدر)!
وهذا يقودنا إلى محصلة نهائية بأن إيران سوف تستخدم نفوذها السياسي والمليشياوي للمواجهة ضد المحتجين والمظاهرات المطالبة بخروج إيران من العراق.. بمعنى أن توعز إيران إلى (الحشد الشعبي) بقمع التظاهرات.. الأمر الذي سوف يقود حتما إلى (حرب أهلية) عراقية.. تروح ضحيتها دماء وأروح عراقية لا إيرانية.
وربما هذه المخاوف هي التي دفعت برئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) إلى القيام بزيارة مفاجئة لمقر هيئة (الحشد الشعبي) ليطلب من قادة الفصائل المسلحة عدم الاقتراب من ساحات الاحتجاجات، وترك عملية حفظ الأمن للأجهزة الحكومية المخولة فقط.
المتظاهرون لديهم مطالب اقتصادية وسياسية عادلة.. لكن نتمنى حقا ألا ينزلق العراق إلى كارثة (حرب أهلية).
5 دعم الشعب العراقي د. شملان يوسف العيسى الاتحاد الاماراتية
من الأسباب الرئيسية لقيام التحركات الشعبية في محافظة البصرة العراقية، مؤخراً، والتي امتدت إلى مدن الجنوب العراقي الأخرى، هناك فشل الكتل والأحزاب السياسية والبرلمان.. في التوصل إلى صيغة معينة بشأن تشكيل الحكومة، مما ترك الباب مفتوحاً للفوضى وعدم الاستقرار الأمني والسياسي.
إن التحرك الشعبي العراقي في الجنوب لم يأت من فراغ، فقد كانت هناك مؤشرات واضحة على أن شيئاً ما سيحدث في العراق، وكانت المطالبات الشعبية بتحسين الخدمات وبتوفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء وغيرها من الخدمات التعليمية والصحية، قد بدأت مبكراً في عام 2009، واستشهد بعض الشباب العراقي في البصرة، وهم يطالبون بأبسط الاحتياجات الإنسانية، لكن لا أحد من الساسة العراقيين أو الحكومة والبرلمان والأحزاب تحرك لإنقاذ الشعب العراقي وتوفير مطالبه المشروعة.
والمؤشر الآخر لعدم رضا الشعب العراقي عن سياسات حكومته، برز في عزوف الشعب العراقي عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة، أي الانتخابات البرلمانية لعام 2018، والتي شارك فيها 44.52% فقط من مجموع من يحق لهم التصويت، وهذه نسبة متدنية وتدل دلالة قاطعة على أن قطاعاً كبيراً من الشعب العراقي غير راض عن أداء الحكومة والبرلمان والأحزاب الدينية التي تقود العراق منذ عام 2003.
ويبقى السؤال هو: هل هناك أمل في إصلاح الأمور في العراق إذا فقدت أغلبية المواطنين الثقة بقياداتهم بسبب تفشي الفساد ونهب المال العام وتردي الخدمات؟ ليس هناك إجابة واضحة على هذا السؤال، فقد تم حرق صناديق الاقتراع في بغداد.. مما يعني تأخير تشكيل الحكومة العراقية إلى فترة لا يعلم أحد متى تنتهي.. والأمر المؤكد هو أن الشعب العراقي لن يهدأ له بال حتى تتوافر له الخدمات الرئيسية.
لذلك جاءت الخطوة المباركة من قادة دول الخليج، إذ أعلن سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عن استعداد الكويت لتقديم كل دعم ممكن للعراق لتجاوز ما يمر به من أحداث، كذلك بادرت السعودية بتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.. فالمبادرة الخليجية لإنقاذ العراق من محنته الحالية ومساعدته على ترتيب أموره، خطوة مباركة في الطريق الصحيح، فنحن في الخليج ليست لدينا طموحات سياسية أو دينية أو مذهبية في الهيمنة على العراق. والخطوة الخليجية هي ضربة قوية لإيران وللأحزاب الشيعية المؤيدة لها في العراق.
لكن ينبغي لهذه المساعدات الخليجية للعراق أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة، إذ أن كثيرين لا يثقون في القيادات العراقية الحالية ولا في قدرتها على توصيل ما يحتاجه الشعب العراقي من خدمات أساسية. وعلى الأمم المتحدة أن تبادر بإنشاء محطات تحلية مياه في جنوب العراق، يستفيد منها أهل الجنوب جميعاً، وذلك من الأموال التي تبرعت بها دول العالم في مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت العام الماضي.
بعد ذلك مطلوب من كل الدول العربية والأجنبية التحرك لتوفير الخدمات المطلوبة، بالاتفاق مع الحكومة الجديدة التي نأمل أن يتم تشكيلها من قيادات وطنية عراقية حريصة على وحدة الصف العراقي وليس على تفريقه حسب الدين أو المذهب أو القومية.. العراق بلد عربي شقيق وعلينا أن ندعمه حتى يستقر.
6 تنازلات قاسية لضمان العراق مشرق عباس الحياة السعودية
لا يمكن النظر إلى التظاهرات العراقية من زاوية الأحزاب والقوى السياسية التي تحاول الدفاع عن نفسها أمام ما تعتبره «مؤامرة» متعددة الرؤوس للقضاء عليها، كما لا يمكن النظر إلى التظاهرات من زاوية متظاهرين غاضبين من فشل الدولة، وليسوا معنيين في الاساس بأدوات تحليل أسباب هذا الفشل ولا اقتراح حلول وبدائل.
ما يمكن ان يتفق عليه الجميع في هذه اللحظة هو أن الانغلاق السياسي المتفاقم، والعجز الاقتصادي المتراكم، والفساد المستشري، هي نتائج طبيعية لأخطاء تأسيسية في صميم العملية السياسية العراقية التي انطلقت بعد عام 2003، وتمت شرعنتها بدستور العام 2005، وخاضت منذ ذلك الحين أربع تجارب تمثيلية قادت جميعها إلى النتائج نفسها.
المواجهة الضرورية لا يجب أن تحمل طابعاً تبريرياً على ما تريد الأحزاب، ولا انتقامياً على ما يرغب بعض المحتجين، بل هي مواجهة على أساس اتفاق لوضع أسس عقد اجتماعي جديد يتم صوغه لإنقاذ العراق من الفوضى، ويتضمن حلولاً قاسية، وإجراءات مؤلمة، سيقدم الشعب العراقي من أجلها التنازلات، لضمان انتقال سليم من مرحلة إلى أخرى، ولكن ليس قبل أن تقدم الأحزاب تنازلات أكثر قسوة.
لا يمكن التظاهرات التي تبناها أهل جنوب العراق بمسؤولية وإحساس مرتفع بضرورة التغيير العميق والمثمر، أن تؤتي ثمارها من دون الذهاب إلى فرض خريطة طريق تضمن تغيير آليات العملية السياسية الحالية بأخرى أكثر ديناميكية خلال مهل زمنية ووفق آليات ممكنة التطبيق.
ما يمكن تلمسه من طبيعة التظاهرات الحالية، وسلسلة المطالب التي وضعها المتظاهرون، أن ثمة رفضاً شعبياً لاعتبار التظاهرات «مطلبية»، ورفضاً لافتراض أنها «ثورة جياع» كما أن هناك طروحات تسعى لإحداث نقلة سياسية واقتصادية شاملة مثل تغيير قواعد عمل الحكومات المحلية، وتغيير آليات الدولة في مجالات الاقتصاد والاستثمار، وتحديث قوانين إدارة الحياة السياسية، وتعديل الدستور، وتلك المطالب تكاد تكون فريدة من نوعها على مستوى تطور الوعي الشعبي بأسس الأزمة العراقية، ويمكن القول إنها «درة تاج» الحركات الاحتجاجية الشعبية منذ العام 2003، بتنوعاتها الجغرافية والمفاهيمية، وباضطراباتها المختلفة، وحتى بالأخطاء والارتكابات التي صاحبتها.
يجب القول إن الوسط السياسي العراقي الحالي ، كان تورط بأسلوب «الشركات الحزبية» بتسويف كل الفرص المتاحة لضمان التغيير عاماً بعد عام، وأصر على بناء وتحصين مصالحه الحزبية، واستثمر في الارتباك الشعبي، وارتياب أو غياب النخب القائدة، وأهدر ثروة العراق وإمكاناته البشرية وثقله الحضاري، وأنه بذلك وضع نفسه أمام استحقاقات الغضب الشعبي الحالية والمستقبلية، وعليه دفع الثمن المطلوب لتحقيق السلم الاجتماعي عبر ضمان انتقال سلس بين العملية السياسية الميتة سريرياً، وأخرى تفرض نفسها عبر مطالب الناس ووعيهم.
الأمر لم يعد يحتمل اجتماعاً برعاية رئيس الجمهورية لشرب الشاي وتبادل عبارات المجاملة، بل يستدعي اعترافاً سياسياً معلناً وجماعياً بالتغيير الذي طالب به الشعب العراقي، وجدول تطبيق وآليات علمية رصينة، بما يشمل في الدرجة الأساس تغييراً دستورياً واستفتاء شعبياً وانتخابات مبكرة ضمن سقف لا يتجاوز عامين من تاريخ عقد جلسة البرلمان الأولى، يؤسس عملية سياسية بقواعد وآليات وقوانين تتجاوز أخطاء الماضي.
إن أبواب ومديات التغيير مفتوحة وواسعة، وقد تمتد إلى طبيعة النظام السياسي وعجزه عن إنتاج آليات عمل منتجة، والدولة وبنيتها البيروقراطية المترهلة، ونمط الاقتصاد الأحادي الخطر، وإدارة مفهوم المواطنة ومعنى المساواة في الفرص والعلاقة مع الدولة.
نعم . الأمر صعب ومعقد، وقاس على مصالح الأحزاب والقوى الحالية التي صرفت أموالاً للوصول إلى برلمان تأمل بأن يكون منبراً لتقاسم الدولة، وهو مؤلم لشعب عليه انتظار سنوات قادمة لتلمس نتائج التغيير الذي فرضه واقعاً، لكنه ضروري، وبديله المزيد من الفوضى والصدام الدامي والمدمر بين جمهور غاضب وأعزل، وقوى حزبية تحتكر الدولة وسلاحها وقمعها وقوانينها.
جيران العراق والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، والمنظمات الدولية المعنية والشركات العالمية الكبرى، مدعوون جميعاً إلى المساهمة في تدارك الفوضى العراقية، ونأمل بأنها باتت تدرك اليوم يقيناً أن ضعف العراق وفوضاه أكثر خطورة على المنطقة والعالم من قوته وتماسكه.
7 انتفاضة الجوع في العراق خالد غزال الحياة السعودية
دخل العراق منذ فترة مرحلة من الصراع السياسي داخلياً، مختلفة عن سنوات سابقة عاشتها مكوناته الاجتماعية. نشهد اليوم انكفاء الصراع الطائفي والمذهبي الذي هيمن على العراق لسنوات سابقة، والذي أظهر البلد ممزقاً في انقسامات حادة، بين الطوائف، ناهيك بسيادة لغة السلاح لحسم موضوع السلطة. اليوم، المتظاهرون في الشوارع هم خليط الطوائف الذين حُرموا من الخدمات العامة كالكهرباء والمياه… فانتفضوا، واضعين خلافاتهم المذهبية جانبا، لأن الجوع لا يفرق بين مسلم شيعي وآخر سني، أو بين عرقية وأخرى.
تعرّض العراق منذ الاحتلال الأميركي لأرضه عام 2003 إلى أبشع عملية نهب لثرواته. فهو من البلاد الغنية بالثروة النفطية والزراعية، لا يضاهيه أي بلد عربي آخر. كانت عملية النهب مثلثة الأطراف، الأول تمثل في الاحتلال الأميركي، الذي كان من أصل أهدافه تدمير العراق ونهب ثرواته النفطية والمعدنية. نفذت عملية نهب منظمة وضخمة عبر القوى العسكرية المسيطرة، وعبر الشركات الأميركية. الطرف الثاني، من بعض أهل العراق نفسه، ومن القوى التي أتت إلى السلطة بعد انهيار النظام البعثي، والتي ساهم الاحتلال بتنصيبها في السلطة. هذه الطبقة السياسية– الطائفية لم توفر قطاعاً إلا وأعملت النهب في موارده. فالحديث عن الفساد ونهب الثروات لم يتوقف مذ سيطرت هذه الفئة على السلطة، والكلام عن مليارات الدولارات التي يملكها هذا الزعيم او غيره توحي بالمدى الذي وصلت اليه حال النهب. اما الطرف الثالث فكان الاحتلال الإيراني وتدخله في تركيب السلطة، ومشاركته في النهب المتواتر للموارد والثروات. لقد نشات علاقة عضوية وتحالف غير مقدس بين الاحتلال الأميركي وقوى السلطة الجديدة والوجود الإيراني في تفريغ العراق من ثرواته وتجفيف موارده المالية، كانت نتائجها مشهداً عراقياً لدولة فقيرة عاجزة عن إطعام أبنائها وتوفير الحد الأدنى من الخدمات لأهلها.
في العودة إلى التظاهرات المتواصلة، كان لافتاً أن المتظاهرين استهدفوا شركات نفطية وموانئ ومطارات ومناطق حدودية، إضافة إلى منازل مسؤولين عراقيين تفوح منهم روائح الفساد، وهي قطاعات أساسية في تهريب الثروات والسيطرة عليها من النافذين في السلطة. كما ذهب بعضهم إلى المطالبة بإسقاط النظام. لكن التظاهرات لم تكتف بتحميل أهل النظام المسؤولية، بل ذهبت إلى المشاركة في نهب العراق، أي إيران. لقد شهدت التظاهرات هتافات ضد الحكام الإيرانيين، ووصلت إلى إحراق صور الخميني والخامنئي، وتوسعت إلى إحراق المقرات التابعة لإيران. لم توفر السلطة مواقع الإنترنت وسائر مواقع التواصل الاجتماعي، فعمدت إلى قطعها في محاولة للتعتيم على حجم الحراك القائم، وهو فعل لم يمنع العراقيين من معرفة مجريات التظاهرات والاعتراضات في كل المناطق. زاد من التوتر لجوء طهران إلى قطع الطاقة المولدة للكهرباء عن العراق، بحجة أن السلطة لم تدفع الكلفة المتوجبة عليها لطهران. تناسى حكام طهران ان ما نهبوه من العراق وما دمروه، وهو من الأسباب التي يعاني العراق منها. كان لافتاً أيضاً أن التعرض لإيران ومؤسساتها وزعمائها، حصل في مناطق شيعية الانتماء، كانت إيران ولا تزال تعتبرها ولايات إيرانية صافية.
على غرار ما واجهته التحركات أو الانتفاضات في الوطن العربي، لجأت السلطة إلى استخدام العنف جواباً على التظاهر. سقط مئات الجرحى وعدد غير قليل من القتلى. في التصدي للتظاهرات، عاد حلف السلطة– طهران ليلعب دوره الأمني، فلم تكتف السلطة بقواتها الأمنية، بل استعانت بقوى الحشد الشعبي، المصنفة ميليشيات إيرانية في العراق. لعبت هذه الميليشيات دوراً في القمع لا يزال مستمراً. مقابل حملة العنف هذه، كان لرجل الدين البارز السيستاني موقف مؤيد للحراك الشعبي، انفرد به عن الكثير من رجال الدين الذي يرتبطون عضوياً بأهل النظام أو بالمرجعيات الإيرانية. لا يخفى أن موقف السيستاني، بمقدار ما يحمل استنكاراً للقمع من أهل السلطة، إلا أنه رسالة إلى الملالي في مدينة قم وطهران تحملهم مسؤولية أساسية في وصول العراق إلى حال البؤس الذي يعاني منه اليوم.
تعطي انتفاضة الجوع في العراق اليوم بعض الأمل بأن يعود الصراع ليستقيم على الأسس الاجتماعية والقومية والوطنية، متجاوزاً مرحلة سيادة الصراعات المذهبية والعرقية التي غرق فيها لمدة عقد ونصف. كان بعث العصبيات الطائفية والمذهبية، الموروثة منذ مئات السنين، أحد العناصر في تدمير العراق، وهو الذي تتشارك فيه القوى المهيمنة والأميركيين والإيرانيين. فهل يشهد العراق اليوم انعطافة جديدة، تضع الصراع الطائفي جانباً لمصلحة القضايا الوطنية والاجتماعية؟ لا تجب الاستهانة بالقوى الرافضة لأي تغيير والتي ترى مصلحتها في الحلف الثلاثي غير المقدس، ولا يمكن استبعاد العودة إلى تسعير الصراع المذهبي، من أجل حرف الحراك الشعبي عن أهدافه الحقيقية.
8 الفساد والعجز يؤجّجان الاحتجاجات في بلاد الرافدين حميد الكفائي الحياة السعودية
الاحتجاجات التي تجتاح العراق حالياً لم تفاجئ المراقبين، وكان يمكن أن تحدث مبكراً، لكن الذي أخَّر حدوثها هو خطر الإرهاب الذي كان يتهدّد العراق إثر سقوط ثلاث محافظات بأيدي الجماعات الإرهابية، فانشغل العراقيون بمحاربتها. وبعد تراجع خطر الإرهاب، وانتعاش أسعار النفط التي تضاعفت خلال عامين، وتزايد الإنتاج إلى ما يقارب ٤ ملايين برميل يومياً، لم يعد هناك مبرر للسكوت على الفساد وتردّي الخدمات وانتشار البطالة.
وما أثار حَنَق الناس هو الاعتقاد السائد بتزوير الانتخابات الأخيرة بسبب «فوز» أحزاب وشخصيات فاسدة فيها. فعودة هذه الأحزاب إلى السلطة عبر تزوير الانتخابات أوصلت الناس إلى حالة من اليأس لا ينفع معها سوى الاحتجاج، لكن مواجهة الحكومة الاحتجاجات بالعنف لن تؤدي إلى إسكاتها، فالاحتجاج حق كفله الدستور، ووقوع ضحايا بين المحتجين سيقود إلى المزيد من الاحتجاجات والاستياء.
وكان كاتب السطور بين من توقعوا هذه الثورة، ولم يكن هذا التنبؤ ضرباً من الخيال، وإنما جاء نتيجة لقراءة موضوعية للأحداث. استغفال الناس وسرقة أموالهم والتمييز بينهم كان سيقود إلى هذا الاستياء الذي لن تنفع معه الحلول الترقيعية.
الطبقة السياسية الحالية لا تنتمي إلى عصرنا الحاضر، ومعظم قادتها لا يستمعون إلا إلى أنفسهم ومن يوافقهم الرأي. إنهم يعتبرون ما ينقله لهم أتباعهم المطيعون حقائق مطلقة، وهذا يشبه تماماً ما كان يسمعه صدام حسين من أتباعه وقادته العسكريين.
قادة العراق يسكنون في مدينة خاصة بهم تُسمى «المنطقة الخضراء»، لا تشبه أياً من مناطق العراق، فلا يدخلها الناس العاديون، إذ إن الدخول إليها يحتاج إلى ترخيص من السلطات العليا، وهذا الترخيص يخضع للتصنيف الطبقي، إذ توجد درجات عدة، فهناك الباج الأزرق، الذي لا يُفتَّش حامله أو من معه، وهو يُمنح لكبار المسؤولين. وهناك الباج الأخضر الذي لا يُفتَّش حامله شخصياً ولكن يُفتَّش من معه وتُحتجز هوياتهم عند نقطة التفتيش إن لم يكونوا مرخّصين، وتسلّم إليهم عند خروجهم، ولا يحق لهم الخروج إلا من المدخل الذي دخلوا منه، وهذا النوع من الباجات يمنح للمسؤولين من الخط الثاني. أما حملة الباجات الأدنى، فيُفتَّشون جميعاً ولا يحق لهم أن يصطحبوا أحداً معهم.
منتسبو الشرطة في المنطقة الخضراء يتمتعون بصلاحيات غير محدودة، وفي إمكانهم أن يفتشوا أو يهينوا حتى المسؤولين (غير المسنودين) ويصادروا مقتنياتهم إن كان لديهم اعتراض عليها، وقد رأيت هذا بعيني وأطلعت رئيس الوزراء عليه. أسعار البضائع والسلع والمنازل والإيجارات في الخضراء مرتفعة عما هي عليه في باقي مناطق بغداد، والكهرباء فيها لا تنقطع طوال اليوم، ويوجد فيها «مستشفى ابن سينا» الذي تضاهي خدماته الطبية ما هو متوافر في الدول المتقدمة. الشوارع فيها أنيقة ونظيفة وتنتشر فيها البحيرات والنافورات والأشجار الجميلة المنسقة.
أما باقي العراقيين، فيعيش معظمهم في ظروف صعبة، وتحديداً ذوي الدخل المحدود الذين يستخدمون الكهرباء (الوطنية) التي تنقطع عادة ١٢ ساعة في اليوم، خصوصاً في أشهر الصيف، أو الخدمات الصحية المتدنية، والذين يعتمدون على المساعدات الغذائية (الحصة التموينية) التي تقلصت بمرور الزمن، أو الذين يدرسون في مدارس الدولة التي يتسع الصف الواحد فيها أحياناً لأكثر من أربعين تلميذاً، بينما تستخدِم كل ثلاث مدارس مبنى واحداً في فترات مختلفة خلال النهار. هناك مئات الآلاف من العائلات التي تسكن بيوتاً مشيّدة من الصفيح أو أكواخاً غير لائقة ببني البشر في هذا العصر، خصوصاً في البصرة التي تنتج أكثر من ٨٠ في المئة من ثروة العراق، ومن هنا نفهم لماذا بدأت الاحتجاجات في البصرة.
البطالة منتشرة، فلا القطاع الخاص قادر على استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب العاطل من العمل، ولا الدولة قادرة على توظيف الجميع، لكنها قادرة على توظيف أتباع الأحزاب السياسية وأقارب المسؤولين في وظائف مجزية. فكل وزير يأتي بالمئات من أتباع حزبه وأقاربه ليعيّنهم في وزارته، وإن لم تكن هناك وظائف رسمية فيوظفهم بعقود موقتة. وبذلك، تحوّلت مؤسسات الدولة إلى تجمعات سياسية تهتف باسم الزعيم السياسي الذي يديرها، بينما بقي اللامنتمون خارج الوظائف ومن دون خدمات حقيقية، يحيون حياة بدائية في بلد يتمتع بثروات هائلة.
المشكلة الكبرى هي كثرة الأحزاب المشاركة في الحكومة، فلكل حزب وزارة أو وزارتان، وهو يستخدمها لتمويل نشاطاته وتوظيف أتباعه، الحاليين والمحتملين، والإنفاق عليهم. وتبرز هنا منافسة من نوع غريب، فالأحزاب التي تشكل عادة «لجاناً اقتصادية» لإدارة إيرادات الوزارات، تحاول الحصول على ما يمكنها من الأموال لأنها كلما زادت ثروتها أصبحت قادرة على كسب المزيد من الأتباع، لذلك تجد أن الأحزاب التي بقيت خارج الحكومة انقرضت كلياً. وهكذا بُدِّدت أموال الدولة الطائلة التي تتجاوز ١٢٠ بليون دولار سنوياً في فترات ارتفاع أسعار النفط، على نشاطات الأحزاب وطموحاتها في إزاحة منافسيها من السلطة.
العراق ليس في حاجة إلى كل هذه الأحزاب، ومعظمها مشكل على أسس طائفية أو مناطقية أو إثنية، ويقود واحدَها شخص واحد أو عائلة، وبعضها مرتبط بدول أخرى. المطلوب الآن تشريع قانون ينظم العمل السياسي، بحيث يقود إلى تشكيل أحزاب كبيرة عابرة للمناطق والطوائف، وقد يكون مناسباً فرض غرامة مالية على المرشح الذي لا يحصل على نسبة محددة من الأصوات تعادل ١٠ في المئة مثلاً من الأصوات المطلوبة للفوز. مثل هذا القانون سيقلص عدد الأحزاب، وبذلك تتقلص كمية الأموال المهدورة على النشاطات الحزبية، وتصبح لدينا حكومة ومعارضة بدلاً من ضياع المسؤولية بين أحزاب كثيرة.
كان العراقيون يأملون بحكومة كفوءة منصفة بعد زوال النظام السابق الذي بدّد أموالهم على التسلّح والحروب والقمع. لسوء حظهم وجدوا أنفسهم بين حيتان سياسية تنهب المال العام من دون أي وازع أخلاقي أو رادع قانوني. كثيرون بنوا آمالا بأن حيدر العبادي سيحسن الأوضاع أو يوقف التردي، لكنه لم يتمكن، فلم يبقَ أمامهم سوى انتزاع حقوقهم عبر الاحتجاج والعصيان المدني.
9 العراق.. انكسارات وطن الشمس مطلق العنزي صحيفة الرياض السعودية
لا أحد يجادل في أن للعبقريات (العلمية والفكرية والموهبة والخبرات والحكمة) أدوارا مهمة في صياغة الحياة وإدارة العلاقات وتشكيل المستقبل. لهذا، الدنيا ممارسات وظروف وتجارب، يضاف إليها عامل آخر مهم هو «الحظ» وأحياناً يسمى القدر.
وينسحب هذا على الدول أولى، وتقريباً الحظوظ تمسك بتلابيب كثير من البلدان وكثير من البلدان العربية بالذات، خاصة التي ابتليت بطواعين الإيديولوجيات الحزبية الضالة المقيتة، على الرغم من أن العرب في كل الأوطان العربية يتسمون بقدرات عبقريات متفوقة.
وأكثر ما يؤلمني ويثير غضبي، أوضاع العراق، فعلى الرغم من أن هذا البلد أغنى بلد على وجه الأرض، بلا منازع، وفرات الدنيا وشمسها، إذ يملك مقومات الثراء الأساسية، ثاني احتياطي بترول في العالم، وأرضاً زراعية عالية الخصوبة وأنهرا ومهد أكثر حضارات الدنيا وأشهرها، ويمكن تفعليها سياحياً لتدر الثروات، وثروة علمية مميزة، ومواطنين يتمتعون بصفوة الذكاء والعبقرية والإبداع والعطاء، يتشردون الآن في المنافي وأحياناً يذلهم اللئام. لكن الحظ السيئ للعراق، بدلاً من أن يجعله في مقدمة بلدان العالم الناهضة، هوى به لعقود طويلة في ذيل القوائم، تنموياً وأمنياً وإدارياً واقتصادياً. والسبب أن العراق قد ابتلي، منذ الاستقلال عن الاستعمار حتى الآن، بحكومات حزبية كسيحة ضيقة الأفق وسيئة الإدارة، لهذا أهدرت ثروات العراق على الحروب أو مهرجانات تلميع شخصي، أو سلمت للنهابين الذين يهربونها لأسيادهم بالخارج. لهذا تحالف الحظ العراقي السيئ مع سوء الإدارة الحكومية وتخطباتها وميليشيات النهب والجريمة المنظمة، فأنتجت هذه الحال المؤلمة في العراق.
العراق يستجدي الكهرباء الآن ويبتزه ملالي إيران، لأن حكومات العراق، بالذات حكومة نوري المالكي، تركت، لعقود، كل مسؤولياتها وتفرغت لبرنامج التطهير الطائفي العنصري في صفوف المواطنين العراقيين والإنفاق على ميليشيات طهران وعمائمها، حتى أن الموطن العراقي العربي في عهد نوري المالكي يخشى أن يجهر بأنه عربي، بل إن وزراء المالكي يعايرون العرب، وكانوا يتفاخرون بأنهم يعادون المملكة ويبتهلون ببركات الولي الفقيه.
وواضح أن ملالي طهران بدأوا يبتزون العراق بمسألة الكهرباء، بعد أن شعروا أن العراق يبدأ في التحرر من قبضتهم، على الرغم من وجود ميليشيات عراقية كثيرة مسجلة لحساب إيران.
وما كانت الحكومة العراقية تلجأ إلى المملكة لتزويدها بالكهرباء عوضاً عن إيران، إلا لأن طهران بدأت تلوي ذراع العراق وتبتزه.
* وتر
وطن المنصور
ودار السلام وحمورابي وجدايل النخيل
كان ضياء الدنيا..
إذ الرشيد شدو الأناشيد..
وإذ يسرج المعتصم خيله البلق..
قبل أن تهجر البساتين شذاها
ويحجم العراق العظيم عن أن يكون وطن البهاء وتاج التاريخ.
10 الشعوب الحالمة! زهير ماجد صحيفة الوطن العمانية
تلك الإعلامية التي اعتذرت من صدام حسين، في كتابتها، كونها فرحت يوم سقوطه واليوم تحلم بعودته، أليست هي مثل ملايين العراقيين الذين ظنوا الخير في الأميركي، ثم أملوا في أن تكون المعارضة العراقية الخلاص، وهي التي جاءت على ظهر دبابة أميركية، ولدى كل من أفرادها أمل بالحكم من أجل ثراء سريع.
ما زال الفقر يطارد العراقي العائم على ثروة لا يمكن عدها. تحلم الشعوب وتتعب بأحلامها، لكنها دائما من يدفع الثمن، سواء حصل التغيير أو لم يأتِ. كل فكرة التغيير برأي أحدهم “قم لآخذ مكانك” .. من العجيب أن جيوب هؤلاء مطاطة، كلما وضعوا فيها الملايين فهي لا تمتلئ.
الشعوب حالمة دائما، قدرها أن تؤسس لغيرها، أحيانا لعدد لا يفوق أصابع اليدين أو اليد الواحدة. تصوروا الفساد في لبنان، وأصحابه معروفون تماما، ومع ذلك ينزل الشعب لينتخبهم مرة أخرى وثالثة وسابعة وقد يظل طوال العمر منتخبا لهم، مع أنه لا كهرباء ولا ماء في بلد الماء، والزبالة في الشوارع وقرب البيوت، وكما يقول زياد الرحباني الإنسان في لبنان يعيش في القرون الوسطى.
إذا ما مر قادة كبار في التاريخ، فإنهم يتعبون ويصابون بأمراض شتى، قضية الإخلاص لشعوبهم تؤرقهم، كان حلم جمال عبدالناصر الذي كان يعرف أنه لن يعيش طويلا بالنظر للتعب الهائل الملقى على عاتقه، ثم رومانسية جيفارا الذي فكر أن الشعوب التي سيناضل من أجلها ستكون معه ساعة التحدي، فإذا بها تبيعه في إفريقيا ثم في بوليفيا مقابل ثمن بخس.
ما قدمه صدام حسين في العراق يفوق الوصف من حيث استفادة الناس بدءا من التعليم المجاني، وصولا إلى الضمانات الصحية وما رافقها من تأمينات اجتماعية وزراعية وصناعية وتجارية ومنع للطائفية، محاربة الفقر بكل أشكاله وغيره وغيره .. لكن الإعلام المضلل ينتصر دائما، تظن الشعوب أن كلمة الحرية تعني أن تفعل ما يحلو لها دون حسيب أو رقيب، بل هي شبيه بالفوضى إذا صح التعبير، فإذا ما جاءت الضوابط المنطقية من أجل ضبط المحتمع بآلياته الطبيعية، تظن الناس أنه تعدٍّ على “حريتها”.
وما فعله حافظ الأسد كثير في سوريا من تأمينات وضمانات، لكن من أسف القول، إن أكثر من تسعين بالمئة من المسلحين المتمردين على الدولة والحكومة والمخربين لبلدهم هم سوريون.. أهكذا يكافأ من جعل من سوريا دولة مصانة ومحمية وقديرة وقادرة وواعدة دائما؟
ثم هكذا حلم الليبي الذي يموت منه يوميا غرقا وهو يبحث عن ملاذ آمن، في الوقت الذي كانت بلاده بكل مقاييس التجارب ولادة تأمينات لليبي.
إنه الاستفزز اليومي الذي نراه في محيطنا العربي، والجميع يعيش تراجعا وهو نادم على ما كان قبلا .. وماذا ينفع؟ وأنتم من قتل البطل في وقت الحاجة الماسة إليه. غسلوا أدمغتكم بعبارات كاذبة، ووضعوا لكم طريقا وحيدا لا يفضي إلا لتخريب البلاد والعباد. فكم كنا بحاجة لثورة ثقافية تحصد نصف هذا العدد العربي المربك في الجغرافيا ليربك في التاريخ.
والآن لا نملك غير كلمة واحدة، خلصونا، فنسأل، كيف؟ لا أحد يعرف، سوى أن الجميع أمام غربة وطنية، ومن لم تأته سوف تعصف به، فقد صار خائفا على مكانه، وكلنا في اللامكان.