8 مقالات عن العراق يوم الخميس في الصحف العربية

1 العبادي.. وعود معسولة ولا عسل د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
انتفضت البصرة وربما ستتبعها محافظات أخرى تعيش المرارات نفسها ولا تطعم غير وعود معسولة يطلقها السياسيون.
نظام مثل هذا ماذا بوسعه أن يقدم من مكاسب للناس غير نثر الوعود المعسولة عليهم
يقول الروائي والكاتب المسرحي الألماني إلياس كانيتي، الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام 1981: من لا شكل له لا يمكنه التحول. وليس أكثر من نظام ما بعد الاحتلاليْن الأميركي والإيراني للعراق ما ينطبق عليه مضمون هذه المقولة، فهذا نظام لا شكل له ولا ثوابت ومؤسساته ومرجعياته كلها، بما فيها مجلس نوابه ورئاساته الثلاث، ضعيفة ومرتبكة، تقودها رموز فاسدة وتنظيمات بعناوين حزبية أو ميليشياوية أعظم فسادا. ومادام هذا النظام عاجزا عن تغيير نفسه، فلن يستطيع أن يحقق أي تغيير.
الأزمة التي يعاني منها هذا النظام، والتي تمنعه من تحقيق أدنى تغيير هي أنه ظل منذ 15 عاما يُدار بنظام الحزب الواحد، فلم يأت إلى الحكم طوال تلك السنوات غير حزب الدعوة في ولاية إبراهيم الجعفري وولايتي نوري المالكي وولاية حيدر العبادي، ولو تسلّمَ الحكم أي حزب آخر لشهد العراق شيئا من التغيير. وكيف يحقق التغيير أناس يحرصون على طوائفهم وأحزابهم أكثر مما يحرصون على الوطن.
يقول رئيس مؤسسة الإعلام والعلاقات الدولية صادق الموسوي “قالها لي العبادي شخصيا إذا حاربت الفساد فلن يبقى شيء اسمه حزب الدعوة”.
نظام مثل هذا ماذا بوسعه أن يقدم من مكاسب للناس غير نثر الوعود المعسولة عليهم، ثم يمسح الناس أيديهم بالحائط ويزدادون فقرا وتزداد حياتهم مرارة وقتامة، مقابل إهدار لثروات البلد عمن يسمّيهم المجاهدين، الذين ابتدع لهم ما تسمى الخدمة الجهادية مقابل رواتب بأرقام فلكية، أخذها من السجناء السياسيين مرورا بالذين سكنوا مخيم رفحاء السعودي بعد حرب الخليج الثانية.
ثم إلى تخصيصات الرئاسات الثلاث ونواب البرلمان وغيرهم من منتسبي الأحزاب الحاكمة، بما سمته مرة النائبة السابقة حنان الفتلاوي “تقاسم الكعكة”، وهذه العملية كلها تستنزف من الخزينة المليارات من الدولارات شهريا، فأي شيء بقي للمواطن البسيط وللخدمات التي تقدم إليه وهي حقوقه المشروعة، التي لم يحصل منها حتى على حقه في التوظيف بدوائر الدولة.
وللتدليل على هذا فإن القرارات الأخيرة لرئيس الحكومة التي أصدرها لمواجهة انتفاضة البصرة تضمنت قرار تخصيص 10 آلاف درجة وظيفية توزع على المواطنين من دون محسوبيات، مما يعني أن جميع الدرجات الوظيفية كانت تستحوذ عليها الأحزاب الحاكمة.
مثل هذا النظام يعجز عن تقديم أي منتج لصالح الناس، فعندما انتفض المواطنون في جنوب البلاد وفراتها الأوسط، ولمعالجة مشكلة شح الكهرباء، خفضّت وزارة الكهرباء العراقية حصة الموصل من الطاقة الكهربائية من 750 إلى 400 ميغاواط، لتعويض النقص الحاصل في الكهرباء في المناطق التي تشهد احتجاجات عارمة بسبب سوء الخدمات، في وقت تعاني الموصل من انقطاعات مستمرة وطويلة للكهرباء، ومن شأن هذا القرار أن يعمّق أزمات المدينة المنكوبة، وكذا فعلت الوزارة مع محافظات الغرب والشمال، وهو حل وقتي لن يدوم.
الأحد 15 يوليو الحالي، نفت عضو مجلس محافظة البصرة، زهرة حمزة، وجود أي بوادر من الحكومة لتنفيذ الوعود المتعلقة بتلبية مطالب المحتجين، مؤكدة أن البصرة تموت عطشا بسبب ارتفاع نسبة الملوحة في المياه ما أدى إلى نفوق الكثير من الحيوانات، مبيّنة أنه “لا تتوفر الخدمات ولا فرص العمل، في حين يعمل في البصرة أكثر من 30 ألف شخص من خارج المحافظة”. ولم تر حمزة جدوى للزيارة التي أجراها العبادي إلى البصرة في خضم الحركة الاحتجاجية، وقالت “لو أسهمت الزيارة بحل مطالب المتظاهرين لما استمرت الاحتجاجات حتى الآن”.
نظام لا شكل له لا يأمَن الإنسان العيش في ظله، خصوصا إذا كان الفساد قد ضرب أطنابه في أرجائه، وهو لن يتحول لأنه لن يستطيع إصلاح نفسه ويعجز عن أبسط تغيير، فإذا أرادت هذه الكتلة شيئا فإن الأخرى لا تريدها ويبقى الشعب ينتظر “غودو” الذي لا يأتي بين ما تريد هذه الكتلة وما لا تريده الأخرى، والغريب أن الكتل تتوافق وتصدر القوانين، بنحو عاجل، إذا كان الأمر يحقق لها شخصيا المكاسب.
ولهذا انتفضت البصرة وتبعتها بغداد وذي قار وميسان والنجف، وربما ستتبعها محافظات أخرى تعيش المرارات نفسها، ولا تطعم غير تلك الوعود المعسولة التي يطلقها السياسيون.
2 العراقيون غاضبون من حكومتهم واحزابهم ومن وايران أيضا.. أربعة أسباب لانتفاضة الجنوب.. ولا مكان لنظرية المؤامرة محمد الحسيني
راي اليوم بريطانيا
منذ سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003، لعبت معظم الأحزاب العراقية على أوتار الطائفية والمذهبية لتحقيق مكاسب سياسية، وتحول جزء كبير من هذه الأحزاب الى حكومات ظل تسيطر على مناطق جغرافية مستفيدة من امتلاكها للمال والسلاح، وسيطرت هذه الأحزاب على مفاصل ومؤسسات الدولة نتيجة تكريس منهج المحاصصة في تشكيل مؤسسات الدولة العراقية السياسية والمدنية والعسكرية.
ما يحدث الان في محافظات جنوب العراق ليس وليد اللحظة، ولم يأت من العدم، وعلينا ان نتذكر الصراع الدامي في العام 2008 بين أنصار مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي الذي قام بشن عملية عسكرية واسعة في المحافظة بعد ان كانت شبه خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، وعلينا ان نتذكر ان سكان المحافظات الجنوبية قد خرجوا سابقا في مظاهرات واحتجاجات ضد السلطات المحلية والحكومة المركزية اعتراضا على الواقع الاقتصادي والخدمي السيئ الذي يعيشه أبناء هذه المحافظات منذ سنوات.
خلاصة القول ان أسباب الاحتجاج موجودة، وتتمثل باختصار في معاناة سكان هذه المحافظات من الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع معدلات البطالة وتردي الخدمات العامة، ويضاف الى ذلك ما يتم تداوله من قصص وحكايات حول ملفات الفساد التي فاقت التصور، وحول استغلال قيادات حزبية لمواقعها لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية على حساب المواطنين.
عبر سكان المحافظات الجنوبية عن عدم رضاهم على أداء الأحزاب التي طالما انتخبوها وذلك من خلال معاقبتها في الانتخابات الأخيرة اما بالمقاطعة او بالتصويت لصالح تحالف “سائرون” الذي يتزعمه مقتدى الصدر، فحل هذا التحالف أولا في جزء من محافظات الجنوب بما فيها محافظتي كربلاء والنجف كما حل ثانيا في محافظة البصرة، وزاحم بقوة الأحزاب التي سيطرت تاريخيا على باقي محافظات الجنوب، فكانت الرسالة واضحة بأن أبناء هذه المحافظات يرغبون في احداث تغيير سياسي عل وعسى ان يؤدي هذا التغيير الى تحسن في واقعهم الاقتصادي والخدماتي.
اذا يمكننا ان نقول ان المواطنين في محافظات جنوب العراق قد عبروا عن عدم رضاهم على واقعهم بالطريقة الأمثل، أي من خلال صندوق الاقتراع، الا ان التطورات التي حصلت بعد الانتخابات العراقية الأخيرة ولدت لدى الشارع العراقي شعورا بأن هناك محاولات للانقضاض على نتائج الانتخابات، وهو ما ولد حالة من خيبة الأمل والشعور بالخديعة، وتزامن ذلك مع الشرارة التي اشعلت الاحتجاجات في البصرة والتي تمثلت في انقطاع الكهرباء عن المحافظة، ليتحول الشعور بخيبة الأمل الى غضب شعبي عارم ولتنطلق بعدها احتجاجات كبيرة تنادي بمحاسبة المسؤولين المحليين والحكومة المركزية والأحزاب السياسية، ولتمتد هذه الاحتجاجات من البصرة الى محافظات أخرى في الفرات الأوسط والجنوب.
في محاولة قراءة انتفاضة الجنوب العراقي علينا ان نأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل التي قد تساعدنا في فهم ما يجري بعيدا عن نظريات المؤامرة الكبرى التي بدأت تنتشر، واولى هذه العوامل هو ما ذكرناه سابقا بأن هناك غضبا حقيقيا لدى الناس نتيجة الوضع المتردي للخدمات وتفشي البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية في بلد يعتبر من اغنى دول المنطقة والعالم، العامل الثاني ان الناس قد ضاقت ذرعا بتصرفات القوى السياسية العراقية وخاصة ذات الصبغة الدينية، وفي الجنوب نتحدث تحديدا عن الأحزاب الشيعية، هذه الأحزاب التي تحول عدد من قياداتها الى اثرياء واقطاعيين، وتحول بعض منتسبيها الى فارضي اتاوات وزعماء تشكيلات مسلحة ترهب الناس وتضايقهم في ابسط تفاصيل حياتهم اليومية، اما العامل الثالث فهو أن لدى المواطن البسيط شعورا بأن المرجعية الدينية الشيعية ممثلا بالسيد السيستاني غير راضية عن الوضع الحالي وغير راضية عن تصرفات بعض الأحزاب والمليشيات بما فيها تلك المنضوية في الحشد الشعبي، وهو ما يترجمه المواطن البسيط بأنه مباركة من المرجعية للاحتجاجات، أما العامل الرابع فهو ردة الفعل التي صدرت عن الأحزاب والحكومة والتي سارعت الى توجيه الاتهامات الى المتظاهرين بوجود مندسين بينهم بدلا من ان تسارع الى اتخاذ خطوات تهدئ من غضبهم حتى لو كانت رمزية.
وفقا لمصادر متطابقة فأن اغلب المشاركين في الاحتجاجات هم من المواطنين الذين قاطعوا الانتخابات وكذلك من انصار التيار الصدري، وهذا يعني ان الغضب الشعبي موجه بالدرجة الأولى الى الأحزاب والقوى السياسية الأخرى وخاصة حزب الدعوة وبعض قوى الحشد الشعبي ومنها عصائب أهل الحق، ودليل ذلك قيام بعض المتظاهرين بالهجوم على مقرات هذه الأحزاب واحراقها، فيما كان موقف التيار الصدري المعلن مؤيدا لحق الناس في الاحتجاج. وهذا التوصيف ينفي ما اشيع حول أن ما يحدث هو تخطيط إيراني لخلق حالة من الفوضى بعد قرار الإدارة الامريكية باحكام الحصار على صادرات النفط الإيرانية، فالهجوم الشعبي يستهدف بالدرجة الأولى الأحزاب الموالية لإيران، والتي سينتج عن سقوطها تقويض مباشر للتأثير الإيراني في العراق. كما أن تركيبة المتظاهرين تعطي مؤشرا على عدم وجود تدخل من دول أخرى كالسعودية على سبيل المثال، حيث لا تملك الدول العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص مساحات نفوذ في مناطق الجنوب والفرات الأوسط.
الشعارات التي ترتفع في مظاهرات الجنوب لم تتوقف عند المطالبات بالإصلاح وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل ومحاسبة الفاسدين وتقريع الحكومة، بل تجاوزت ذلك الى مطالبات علنية بضرورة انهاء النفوذ الإيراني في البلاد، وتحولت بعض الشعارات من الكلمات الى أفعال رمزية تمثلت في احراق صور لبعض القادة الإيرانيين، وهو ما يعني ان المواطن العراقي في محافظات الجنوب يحمل ايران والأحزاب المرتبطة بها مسؤولية الحالة السيئة التي يعيشها.
في حسابات المواطن العراقي البسيطة والتي تلامس الواقع الى حد كبير فأن الأحزاب التي سيطرت على مقاليد الحكم في عراق ما بعد 2003 وخاصة في محافظات الجنوب هي أحزاب مرتبطة بإيران بشكل او باخر، فالارتباط ان لم يكن ماليا وسياسيا فهو على الأقل ارتباط فكري ومنهجي، وبالتالي يحمل المواطنون العراقيون طهران مسؤولية تردي الأوضاع في العراق، وهو أمر لا يمكن لومهم عليه او اقناعهم بعكسه، فكما تم اعتبار الدور الإيراني أساسيا في محاربة تنظيم داعش الإرهابي وحصلت ايران والأحزاب المتحالفة معها من خلاله على رصيد إيجابي، فأنه من الطبيعي ان تتحمل ايران والأحزاب المرتبطة بها نتائج الأداء الاقتصادي والخدمي السلبي.
بقي أن نقول ان الاحتجاجات التي انطلقت من البصرة وامتدت الى باقي محافظات الجنوب مرشحة ان تصل الى بغداد التي شهدت سابقا مظاهرات واسعة تنادي بمحاسبة الفاسدين، وفي حال وصلت الاحتجاجات بشكلها الحالي الى بغداد فأن ذلك ينذر بانفجار كبير قد يغير شكل الخارطة السياسية الداخلية في العراق اذا لم يتم التعامل مع الاحتجاجات بطريقة سليمة من قبل حكومة السيد العبادي، واذا بقيت الأحزاب مصرة على فكرة ان هذه الاحتجاجات هي مؤامرة ضدها، وانجرفت الى ردود فعل عنيفة ضد المحتجين فان ذلك قد يؤدي الى اعمال عنف كبيرة لا تحمد عواقبها.
3 البطون الخاوية تهز العراق عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية
لا تنحصر هموم أبناء الشعب العراقي في مواجهة المخاطر الأمنية وتصاعد الأعمال الإرهابية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق في شهر مارس من عام 2003 والذي أسفر عن الإطاحة بالنظام الشمولي للرئيس الراحل صدام حسين وإحلال نظام المحاصصة الطائفية مكانه، نقول: لا تنحصر الهموم في هذه الأوضاع، إنما هناك تحديات لا تقل خطورة عن تحديات الإرهاب، وهي انتشار الفساد وهدر الثروة الوطنية عبر دهاليز متشعبة تسببت في تبخر العائدات النفطية العراقية الضخمة، الأمر الذي انعكس بصورة واضحة وجليّة على مستوى الخدمات الضرورة والاحتياجات المعيشية للمواطن العراقي، الأمر الذي أدى الى ارتفاع نسبة البطالة واتساع هوة الفقر بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، وهو ما لا يجب أن يحدث في بلد يسبح على ثروات طبيعية هائلة جدا.
المواطن العراقي تحمّل سنوات طويلة من الكبت السياسي خلال سنوات حكم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تميز بالسلوك الشمولي في علاقاته السياسية مع القوى الأخرى، لكنه لم يكن طائفيا على الاطلاق، ولم تكن تلك السنوات نعيما على الغالبية الساحقة من أبناء العراق، لكن، رغم ذلك، فإن الأوضاع المعيشية والخدمية لم تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه في السنوات التي أعقبت إسقاط النظام السابق، فكانت الحرب على الإرهاب الذي اجتاح العراق بعد الغزو الأمريكي ومن ثم الصعود الخطير والكبير أيضا لما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، شكلت هذه الحرب غطاء على ما تمور به الساحة العراقية من فساد التهم القدرات الاقتصادية والمالية للعراق.
الفساد هو الآفة الأخطر التي تهدد مستقبل العراق بأكمله، فهذه الآفة نخرت مقدرات العراق حتى العظم، فلم تكن انتفاضة محافظات الجنوب، التي تعتبر مهد الثروة الوطنية العراقية، لم تكن هذه الانتفاضة مفاجئة، بل هي النتيجة الطبيعية لما آلت إليه الأوضاع في العراق، مع عدم إيلاء النخب الحاكمة الاهتمام الذي تستحقه هذه الأوضاع، بل كان همّ هذه النخب الأول والأساسي هو المحافظة على الغنائم السياسية التي جلبتها لها جريمة الغزو الأمريكي، واستغلال الأوراق الطائفية تارة، والأوراق العرقية تارة أخرى، فيما آفة الفساد وانعدام آفاق المستقبل تلاحق أبناء الشعب العراقي في جميع أرجاء بلاد الرافدين.
انتفاضة مدن الجنوب العراقية، وخاصة محافظة البصرة، لا يمكن إلصاقها بما يشهده العراق من أعمال إرهابية، كما لا يمكن إخفاء أو تزوير الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تفجّرها بهذا الزخم الجماهيري، فالفساد وسوء الإدارة بالمناسبة هما آفة لا تأكل فقط ضحاياها، أو من ليس لهم فيها «لا ناقة ولا جمل» وإنما تأتي على من احتضنها وخلق لها مناخ العيش والتكاثر وتسبب في انتشارها، فهذه الآفة وما تخلقه من بطون خاوية عادة ما تكون لها فوائد ومنافع على المتضررين منها، في مقدمة هذه الفوائد والمنافع أنها تساعد على توحيد جهود أصحاب البطون الخاوية، أي الضحايا، في بوتقة عمل واحدة تساعدهم على التخلص من هذه الآفة ومن المنتفعين من استمرار وجودها.
لا ينكر أحد أن الحرب على الارهاب استنزفت الكثير، والكثير جدا، من إمكانيات وطاقات العراق، وعطلت الكثير من الجهود المخلصة التي كانت تسعى لانتشال العراق من الوحل الذي جلبته جريمة الغزو الأمريكي، ولكن في الوقت نفسه فإن تلك الحرب كانت بمثابة سيف ذي حدّين، فهي ساعدت ووفرت الغطاء للفاسدين والمنتفعين ليواصلوا أنشطتهم الضارة بمصالح الشعب العراقي، وفي الوقت نفسه أغمضت هذه الحرب عيون شرائح واسعة من شعب العراق عما يدور في باطن الأرض من ممارسات لا تخدم الشعب العراقي على المدى البعيد، وإنما تتسبب في تكريس شكل من أشكال الاستبداد وعدم المسؤولية الوطنية.
بانتهاء الحرب على الإرهاب، أو لنقل بتقييم أدق، مع الهبوط التدريجي للخطر الذي شكلته الجماعات الإرهابية، وخاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها عمودها الفقري المتمثل في تنظيم «داعش»، ليس في العراق فقط، وإنما في سوريا أيضا، حيث البلدان يشكلان أهم قواعد وقوة هذا التنظيم الإرهابي، نقول إنه مع المستجدات الإيجابية الأخيرة في الحرب على التنظيمات الإرهابية، فإن أعين المواطنين العراقيين لا بد أن تتجه نحو أوضاعهم المعيشية الحياتية الضرورية، فلم يعد المواطن العراقي يتحمل العيش في بلد يعوم فوق ثروات طبيعية هائلة بمثل هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، كما هو الحال مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وعدم حصول المواطن العراقي على ما يحتاج اليه من خدمات ضرورية كالطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب، وغير ذلك من متطلبات الحياة المعيشية الكريمة.
ما تشهده مدن العراق الجنوبية لن ينحصر في نطاق الحدود الجغرافية التي بدأ فيها، فالبطون الخاوية منتشرة في كافة مناطق العراق، وهذه البطون توحد ولا تفرق، وهي لا تعترف بالفوارق العرقية أو الدينية وغيرها من الفوارق الطارئة على حياة الإنسان، لأن آفة الفساد هي الأخرى لا تعترف بأي فوارق ومن أي شكل جاءت، ومن خلال متابعة التطورات التي تجتاح بعض المحافظات العراقية فإن ذلك ينبئ بأن العراق على موعد مع تطورات، لا نقول أمنية، وإنما سياسية واجتماعية سيكون لها تأثيرها على المشهد السياسي في العراق بشكل عام، بما في ذلك نظام المحاصصة الطائفية الذي أضرّ بجميع مكونات الشعب العراقي وشكّل ثغرات خطرة في الجدار الوطني، فليس أمام نظام المحاصصة في العراق سوى مراجعة ما آلت إليه الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق، لأن عجلة المطالب المشروعة قد تدور بوتيرة أسرع وقد تجرف معها ما ليس في الحسبان.
4 وبَطُل السِّحر «المقدس»! رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية

دخلت الاحتجاجات في عمق الجنوب العراقي أسبوعها الثاني، فالوضع وصل إلى حد اليأس، لم يبق من البصرة الزاهرة والمتمدنة سابقاً سوى شبحها، وكذلك بقية المحافظات، أصبحت السلطات المركزية والمحلية دوائرَ للاستحواذ والنهب، والأحوال من سيىء إلى أسوأ.
كانت الاحتجاجات، في ما مضى، ضد معاهدات مع دول أجنبية، مثل معاهدة «بورتسموث» (1948)، وضد أحلاف دولية كحلف بغداد (1955)، والسُّلطة تستجيب وتلغي ما عقدت، على الرغم من قناعتها بفائدة ما رسمت. فليس لديها ما تلوذ به من «السِّحر المقدس»، تحرك الناس أحزاب هيمنت على الشارع بشعاراتها، معتبرة «مجلس الإعمار» العظيم «مجلس الاستعمار»! تخيلوا حجم البطر السياسي قياساً بمجالس النهب والسلب في الوقت الراهن.
أما احتجاجات اليوم، وليس لها أي استجابة، فمن أجل الخُبز والأمن والطب والماء والكهرباء، ووقف النهب من قِبل الجماعات المتنفذة دينياً وعشائرياً. فما قيمة الديمقراطية عندما تُمنح لمن يهدده العطش والمرض والجهل، يزور فيها صندوق الانتخابات ويُحرق، والميليشيات تتحكم بالأصوات؟!
ليس أكثر من «المقدسات» بعراق (2003)، بين حين وآخر تعلو قبةٌ ترفرف فوقها الرايات الخضراء، لم تنته سلسة من عُرفن ببنات الحَسن، كما لم تنته سلسة أبناء موسى الكاظم (ت 183هـ)، ناهيك عن أضرحة المراجع السياسيين، وقد علت قببها على قبة الضريح العلوي بالنجف، بعد الهيمنة على الأرض والمال.
يظهر بين فترة وأُخرى مهدي منتظر، فالفكرة متشبعة بالخيال وقابلة للاستغلال سياسياً، تبناها مهديون بالسودان (1881)، وتبناها جهيمان العتيبي بمكة المكرمة (1979)، وباسمها تأسست دول، كالدولة الفاطمية بمصر (358-567هـ) وهي نفسها العبيدية بتونس، ودولة الموحدين (541- 634هـ) أسسها محمد بن تومرت (ت 524هـ) بمراكش، أعلن نفسه مهدياً معصوماً، ويُذكر أن خليفته عبد المؤمن بن علي (ت 558هـ) قتل القاضي عياض المالكي (544هـ) لأنه لم يقرّ بعصمة ابن تومرت (الذَّهبي، سير أعلام النُّبلاء).
ما تقدم كان زمناً خالياً من اختراعات واكتشافات، لكن الكارثة أن العراق، الذي تقدم سراعاً، عاد منكوساً، أخذ يتقبل كل فكرة مغايرة للعقل، فظهر مهديون كثيرون، وكلٌّ يغرف رواياته من «بحار الأنوار»، جماعات ليست أكثر انحطاطاً من زعامات الأحزاب الدينية، احتلوا منابر دور العبادة، ويلقون منها محاضراتهم في كيفية ظهور المهدي، لترويج تجنيد الشباب العراقي للقتال، ضمن الميليشيات بسوريا، أي يستعدون لتلبية الواجب في الحرب، أو حسب نص عبارة الخطيب «المهام الكبرى»، التي سيقودها المنتظر، المرتبط ظهوره بالتفجير النووي، والمقصود قنبلة إيران النووية، فهي جزء من هذا المقدس عنده، وستفجر بأمر المهدي. هذا ما أوحى به الرئيس الإيراني السابق (أحمدي نجاد) من على منبر الأُمم المتحدة. تصوروا أن صاحب هذا المنبر من المتنفذين، سياسةً وسلاحاً، يُلقي خطبه على الجمهور، مستحوذاً على أحد أقدم مساجد بغداد.
ومثل صاحب المنبر ذلك يوجد المئات، يبيعون ويشترون بعقول البسطاء. كم قائمة انتخابية سُميت باسم إمام! وأرض وعقار وجامعة تم الاستحواذ عليها باسم إمام! كم منصب قفز إليه صاحبه باسم إمام! خمسة عشر عاماً من العمى الثقافي، حتى صارت فترة الحصار القاتم (1990-2003)، فترة تنوير ورقي قياساً بما حدث بعدها، ولكم قياس عمق المأساة. لهذا أنجز كُتابٌ وباحثون عراقيون كتاب «الرَّثاثة في العراق: أطلال دولة ورماد مجتمع، نصوص تشريحية للوظيفة الهدامة للإسلام السياسي» (بغداد 2015).
أخذ أصحاب المنابر الدينية، من الأحزاب والميليشيات، يهدمون بسحرهم المقدس ما تبقى من الثقافة، عندما يظهر خطباؤها وينصحون الناس بالسُّكوت على سوء الحال، مقابل حرية اللَّطم والتهديد بالآخر الطائفي. مع ذلك لم يعد الحديث مجدياً عن (الشهداء) و(الجهاد)، لأنهما في ظل الأحوال السقيمة صارا مثاراً للتندر. لم يعد اتهام المحتجين بأنهم بعثيون وإرهابيون نافعاً، ولم تعد «عشائر الإسناد» جاهزة للقضاء على كل تظاهرة واحتجاج، مثلما حدث مع محتجي ساحة التحرير (2011).
تظاهرات اليوم، والتي لا يُعقد عليها أمل، إذا ما قبلت بتأييد الأحزاب لمطالبها بنية إخمادها، والأسوأ أنها بلا قيادة، فقد يتم الالتفاف عليها مثلما حصل مع احتجاجات ساحة التحرير، التي كادت تحطم أسوار الخضراء، فدخلت عليها قوى دينية من مصلحتها الحفاظ على الوضع القائم. إلا أن أهم درس من تظاهرات الجنوب أن السحر المقدس لم يُعد مفيداً، فاسم «الحُسين» لن يظل قابلاً للتوظيف إلى ما لا نهاية.
قال الصافي النجفي (ت 1977) رابطاً بين وجود الثروة النفطية (الأربعينيات والخمسينيات) وما يُنتظر منها من نور وتنوير، وحينها، على قلتها، وجهت لتشييد بُنية تحتية هائلة، إلا أن للشاعر هواجسه حقاً أو باطلاً: «والنفط يجري في العراق ومالنا/ ليلاً سوى ضوء النُّجوم سراج» (عز الدين، الشعر العراقي الحديث). فماذا عن اليوم مع وجود الثروة النفطية الغزيرة، والعراق يشتري كل شيء من الكهرباء إلى الفجل؟ ماذا عن الهالكين في قيظ البصرة اللاهب، أتراهم يعودون خانعين للسحر المقدس، بتقبل الوهم الطائفي؟!
5 ماذا يجري في البصرة؟ فراس الزوبعية الوطن البحريني
لم يعد خافياً على كثير من الناس الأحداث المتسارعة في البصرة وباقي محافظات الجنوب العراقي، بعدما أشغلت الأحداث وسائل الإعلام العربية والعالمية في الأيام الماضية، ومن الناس من يعتقد أن ما يحدث هناك ثورة جياع ستطيح بنظام سياسي دمر العراق وشعبه، ومنهم من يعتقد أنها ثورة شعبية تعبر عن وعي سياسي لشباب وشعب يرفض النظام السياسي الحالي، فما الذي يحدث هناك؟
بداية الوضع في البصرة مختلف عن باقي محافظات العراق لا سيما الجنوبية منها كونها ذات طبيعة ديموغرافية متشابهة مع البصرة عشائرياً ومذهبياً، لكن ما يميز البصرة عن غيرها هو النفوذ الإيراني الذي يتجلى بأقوى صوره فالحرس الثوري الإيراني يسيطر على تفاصيل هذه المحافظة المهمة بالكامل وأهل البصرة وعشائرها يعلمون ذلك جيداً، ولا يستطيعون الحديث عنه خوفاً من التصفية، وبالتالي فالموانئ العراقية وما يدخل إليها ويخرج منها وعمليات تهريب النفط كلها تحت سيطرة إيران، وهذا يقودنا إلى أمر مهم، وهو أن كل ما يحدث في البصرة يحدث تحت أنظار إيران وبموافقتها إن لم تكن هي الفاعل والمحرك لما يحدث، وإذا تركنا العواطف والآمال جانباً وعدنا إلى بداية انطلاقة التظاهرات سيظهر لنا أن مجموعة من المتظاهرين انطلقوا نحو آبار النفط والشركات الأجنبية العاملة فيها واعتصموا أمام أحد الحقول، ثم حاولوا اقتحامه بحجة أنهم عاطلون والشركات لم توفر لهم فرص العمل، وأثناء محاولة الحراس منعهم من الدخول حصل إطلاق الرصاص من قبل أفراد الحماية المسؤولة عن تأمين الحقل النفطي والشركة العاملة فيه، فتطور الموضوع واستمرت التظاهرات وارتفعت وتيرتها.
قبل الحديث عن نتائج التظاهرة التي تبين لنا سببها أصلاً، لا بد من بيان بعض المعلومات، منها أن شركات النفط وفرت لأهالي البصرة وحدهم 139 ألف فرصة عمل وما يقرب من 30 ألف أخرى للعراقيين من باقي المحافظات، وأن هذه الشركات جاءت بتعهدات من الحكومة العراقية بحفظ أمنها وبعكسه تتحمل الحكومة العراقية الخسائر والتعويضات إضافة لخسارة الحكومة تصدير النفط، أما النتائج التي تحققت منذ بداية التظاهرات فهي قطع الطرق أمام صهاريج نقل النفط وتوقف العمل في الحقول النفطية التي تعمل فيها الشركات الأجنبية التي تولت عملية نقل كبار موظفيها بأربع عشرة مروحية، أما بخصوص المتظاهرين فكان الأولى بهم الثورة ضد النظام الذي سرقهم ودمر مستقبلهم لا ضد شركات أجنبية تعمل بالاتفاق مع الحكومة.
لذلك فقد كان الموضوع ببساطة رسالة من إيران لأمريكا بأنه إذا ما تم معاقبتها بحظر تصدير نفطها فإنها سوف تقطع نفط البصرة أيضاً وتتسبب بعجز أكبر للصادرات، وإمعاناً في تأجيج الوضع أكثر قطعت إيران تجهيز الكهرباء للعراق بدعوى تراكم الديون وعدم تسديد العراق المبالغ المترتبة عليه وأخطرته رسمياً بعدم قدرتها على إعادة الكهرباء، وبذلك تحرق إيران من ادعت حرصها عليهم.
لكن هذه الصورة ليست كافية فإن كانت التظاهرات قد خدمت إيران في بدايتها فهذا لا يعني أن من خرج كان يعرف هذا المخطط، وخرج وهو يعرف أنه يقدم خدماته لإيران، فالواقع يشهد بغير ذلك، وإيران استطاعت صناعة أوضاع في العراق قادت إلى هذه النتائج وربما كان هناك أفراد قلائل وجهوا التظاهرات بهذا الاتجاه، واليوم تطورت هذه التظاهرات بشكل كبير وربما قد تخرج عن السيطرة خصوصاً وأن قسماً من المتظاهرين يعون حقيقة إيران ويرون أنهم شباب بمستقبل معتم لا ملامح له، مصالحهم تضررت والعالم من حولهم يتقدم وهم لا عمل لهم إلا المشاركة في الانتخابات التي تأتي باللصوص كل أربع سنوات.
أما إلى أين ستنتهي هذه التظاهرات، فالواقع إذا أدرك هؤلاء الشباب ألا خلاص لهم ولا مستقبل لهم إلا بالإصرار على التظاهرات والاستمرار فيها وعدم قبول أي حل غير حل تغير النظام السياسي، نظام المحاصصة الطائفية وطرد أحزابه من المشهد السياسي، فستكون النهاية في وضع العراق على الطريق الصحيح وتخليصه من التبعية الإيرانية، وأما إذا انجروا خلف وعود الحكومة والأحزاب وكانوا رهينة للفتاوى الدينية فستنتهي التظاهرات بخسارة الذين قتلوا فيها فقط.
6 حراك البصرة بين تمثالين غانم النجار الجريدة الكويتية
حتى أبريل 2003 كانت هناك تماثيل برونزية اصطفت على ضفاف شط العرب، وفي وسطها انتصب تمثال أضخم من البقية، كان لعدنان خيرالله، وزير الدفاع في زمن الحرب العراقية الإيرانية، وهو ابن خال صدام، خير الله طلفاح، والد زوجته ساجدة. من المعلوم أن خيرالله كان قد مات في حادث سقوط طائرة “بنيران صديقة”، كما يبدو، فكانت ضخامة التمثال تخليداً لذكراه. بدون مقدمات توجهت جموع “السلابة” إلى تلك التماثيل البرونزية، ولم تكن لديهم اعتبارات شخصية أو سياسية، بل كان مرادهم تقطيع البرونز، ومن ثم بيعه “سكراب” أو “خردة”. استعصى تمثال خيرالله على السلابة نظراً لضخامة حجمه، حاولوا جره للأرض بالحبال ووسائل أخرى إلى أن تمكنوا من طرحه أرضاً وتقطيعه، بعد جهد كبير.
في مكان ليس ببعيد عن الشط وقفت دبابة بريطانية قرب فرع لمصرف، وكان هناك تمثال برونزي صغير ظل صامداً. سألني ضابط الدبابة حين مرورنا قرب المكان، لماذا لم يكسروا هذا التمثال؟ أجبته أن التمثال لشاعر عراقي مشهور من بلدة جيكور بابو الخصيب، اسمه بدر شاكر السياب، ربما لهذا السبب. وأعاد السؤال، هل أنت جاد؟ قلت له هذه معلومة، وليست رأياً. أما الرأي فهو لعلك تجد هنا في البصرة ما يحيرك، ربما كم المتناقضات التي لا نهاية لها. من المعلوم أن السياب عندما تدهورت صحته كانت آخر أيامه في المستشفى الأميري بالكويت، حيث ظل فترة علاج طويلة، إلى أن توفي بالمستشفى في 24 ديسمبر 1964.
يعرف أهل البصرة بالطيبة والصبر على الضيم والتحمل ربما أكثر من غيرهم من الأركان العراقية، وكذلك البصرة مركز ثقافي عالي الجودة للشعر والثقافة والفن، وهي منطقة تلاقحت فيها الثقافات بشكل ملحوظ.
يبدو أن صبر أهل البصرة قد طفح، فمطالبهم البسيطة عبر السنين لم يلتفت لها أحد، مثل “معالجة ماء الأسالة، وأن تكون الكهرباء لمدة 24 ساعة، وتقليص البطالة، وتوزيع الأراضي لمن لا يملك قطعة أرض، وتحديد سقف زمني لتنفيذ ذلك”.
المطالب تزايدت مع استشراء حالة فساد غير محتملة، وانعدام ثقة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تحولت الهمهمات إلى حراك شعبي حقيقي، إلا أنه يعاني، عدم وضوح في القيادة القادرة على تحويل تلك المطالب المشروعة إلى نتائج على الأرض.
أما وقد تحركت البصرة والجنوب معها فمن غير المعلوم كيف ومتى ستتوقف؟ صار علينا هنا بالكويت أن ندرك أن مصلحتنا تقتضي العمل على استقرار العراق، وبالتالي هي مصلحة تتوافق مع مصالح عموم جمهور العراق، وهي بالإضافة إلى أنها قيمة إنسانية فضلى فإنها مصلحة استراتيجية من المفيد تطويرها وتوجيهها لخدمة الاستقرار وتقوية مصالحنا المشتركة التجارية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية. السياسة أضاعت فرصاً كثيرة، ولم يعد هناك مزيد من الزمن لإضاعته، فكل شيء يمكن أن ينتظر إلا الوقت، والرهان عليه غير مفيد.
7 نفط العراق عامر ذياب التميمي الشرق الاوسط السعودية
مر يوم 14 تموز (يوليو) من العام الجاري من دون إحتفالية تذكر في أي من المدن العراقية. كما هو معلوم أن هذا العام يعني مرور ستين عاماً على إنقلاب، أو ثورة، 14 تموز عام 1958 عندما إسقط النظام الملكي. منذ ذلك الحين لم تستقر الأوضاع السياسية في العراق بما يمكن من إنجاز مشروع تنموي تستحقه البلاد… العراق من أهم البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، وقد بدأ الإنتاج في كركوك عام 1927، بعد أن تأسست شركة نفط العراق بمساهمة شركة البترول البريطانية BP وشركة شل Shell الهولندية، وشركتي موبل وستاندر أويل أوف نيوجرسي Mobil &Standard Oil Of N.J. تعزز الإنتاج النفطي في العراق على مدى السنوات والعقود اللاحقة بما مكن الحكومة العراقية من تخصيص الأموال للإنفاق على التعليم والخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية.
إن الحكومة في العهد الملكي كانت تخصص إيرادات النفط لمجلس الإعمار من أجل توظيفها في المشاريع الرئيسية. لكن هذه السياسات تبدلت بعد إستيلاء العسكر على السلطة في عام 1958، وانتهاج آليات الإقتصاد الريعي وتأميم البنوك والشركات، وتعطيل دور القطاع الخاص. يضاف إلى ذلك أن القطاع الزراعي الذي إخضع لقانون الإصلاح الزراعي عانى من تدهور الإنتاج وهجرة العمالة الزراعية إلى المدن الكبرى.
إن من أهم المظاهر المتغيرة في العراق منذ عام 1958 تلك المتعلقة بالأوضاع الديموغرافية. قبل ستين عاماً كان عدد سكان العراق لا يتجاوز 7 مليون نسمة، لكن يقارب سكان العراق في الوقت الراهن 39 مليون نسمة. يبلغ متوسط العمر في العراق Medium Age 21 سنة، أي أن 50 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 21 عاماً. كما أن معدل النمو السكاني يصل إلى 2.2 في المئة، وهو من المعدلات العالية، أما معدل الخصوبة فقد قدر بـ4.1 مولود للمرأة في سن الخصوبة.
لاشك أن الهجرة من الريف إلى المدن خفضت أعداد المواطنين في القرى والمناطق الريفية لكن ذلك لم يؤد إلى تمدين المهاجرين إلى المدن، التي أصبحت محاطة بمناطق سكن عشوائية تفتقر للخدمات الأساسية، وأرتفعت فيها أعداد العمالة الرثة والهامشية.
لقد ساهمت الحروب والنزاعات التي مرت بالعراق، ومنها ما يتصل بالحرب على الأكراد والحرب العراقية الإيرانية، ثم غزو وإحتلال الكويت، يضاف إليها الحرب ضد المنظمات الإرهابية بعد سقوط نظام صدام حسين بفعل التدخل الأميركي عام 2003، هذه النزاعات عطلت عملية التنمية البشرية ودهورت التعليم ودنت من مستوياته.
ماذا يحدث الآن في العراق بعد هذه العقود الطويلة؟ ولماذا يخرج العراقيون في مظاهرات مطلبية من أجل تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل؟ ألا يعني ذلك فشل كافة الحكومات والأنظمة المتعاقبة في تنمية الإقتصاد العراقي على مدى هذه السنوات الطويلة؟..
تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي الإسمي «Nominal» نحو 202 بليون دولار في 2018، إذ يكون معدل دخل الفرد 5000 دولار وهو دخل منخفض في بلد يملك إمكانات إقتصادية جيدة.
هناك إمكانات جيدة لتنويع القاعدة الإقتصادية وتحفيز العمل في القطاع الزراعي، ويملك العراق إمكانات لتطوير صناعات تحويلية مهمة، ومنها الصناعات الغذائية والإنشائية، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص لتوفير المساكن وتنمية القطاع السياحي والخدمي في شكل عام. وبعد الإنتهاء من الحرب على الإرهاب يتعين على المجتمع السياسي أن يعزز الإستقرار والأمن وتطوير البنية المؤسسة والقانونية، التي يمكن أن تحفز الإستثمار المحلي والأجنبي، بما يوفر فرص عمل كافية للمتدفقين لسوق العمل، وكذلك توظيف الأموال اللازمة في المشاريع الخدمية والمرافق الكهربائية وتقطير المياه والخدمات العلاجية.
يقترب إنتاج النفط من حاجز الـ4.5 مليون برميل يومياً، وقد بلغت صادرات البلاد 57.5 بليون دولار، ومعلوم أن صادرات النفط تمثل ما يزيد عن 90 في المئة من قيمة هذه الصادرات.
وعندما عقد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت هذا العام، وتقرر توفير أموال تقارب 80 بليون دولار، وتم التعهد بتوفير 30 بليون دولار من دول ومؤسسات وجهات دولية عديدة، فإن ذلك يجب أن يكون مسانداً لما توفره الحكومة العراقية من أموال من إيراداتها النفطية.
ما يجب التأكيد عليه هو أن العراق يجب أن يسعى إلى تحسين الإدارة الإقتصادية وإعتماد الشفافية في تخصيص الموارد، وبذل الجهود من أجل تحفيز الإستثمارات الخاصة، المحلية والأجنبية، بما يمكن من تجاوز المعضلات الإقتصادية الراهنة.
في طبيعة الحال، هناك العديد من العقبات والعراقيل التي تواجه التنمية في بلد مثل العراق تعرض على مدى ستة عقود لمشكلات سياسية وأمنية متنوعة، وتراجعت فيه عمليات التحضر والتنمية البشرية، لكن توفر الإرادة السياسية يمكن أن تنتشل البلاد من محنتها وترفع من مستوى الآمال لدى العراقيين.
8 «غميضة» على هامش الأزمة مشرق عباس | الشرق الاوسط السعودية
ما نوع الإصلاحات التي اقترحها أول من أمس زعماء الكتل السياسية العراقية في اجتماعهم النادر، وتعهدوا بتشكيل لجنة لمتابعتها استجابة لمطالب الاحتجاجات؟ وما هي الآليات لتنفيذها؟
في العودة إلى البيان الصادر عن الاجتماع، فإنه يتحدث عن «حلول عاجلة للمشكلات الخدمية والإدارية وضرب الفساد» لضمان أداء أفضل لمؤسسات الدولة، بعد أن يعلن إجماعه على «حق التظاهر السلمي» ورفضه «التجاوزات التي حصلت على مؤسسات الدولة».
الواضح أن الزعماء أو من مثلهم في الاجتماع وجدوا أنفسهم أمام مشهد مغاير لتوقعاتهم عن الطريقة التي يمكن أن يتطور بها الاستياء الشعبي تجاه الوسط السياسي العراقي برمته، فاضطروا إلى تلبية دعوة العبادي إلى الاجتماع المستعجل، بعد أن كانوا انخرطوا في ممانعات و «دلال زعماء» واستسهلوا لعبة «الغميضة السياسية» طوال الفترة الماضية، واضطروا في نهاية المطاف إلى التوقيع على جمل غامضة ومستعجلة وبصياغة ركيكة، تكشف عن التخبط ولا تؤشر إلى الحلول، كما أنها تتجاوز أصل الأزمة العراقية التي تقع السياسة في جوهرها وليس في هامشها.
لا تريد القوى السياسية العراقية التورط بحلول، ولا ترغب في تحويل الاحتجاج إلى فرصة لمعاينة شكل العملية السياسية ونقاط ضعفها، ولا طبيعة الاحتجاجات الشعبية، ومحركات العنف التي باتت تكتنفها.
يمكن القول أن اجتماع بغداد كشف في جوهره تضامناً سياسياً عاماً على حماية الوضع السياسي القائم، من «هجمة غوغائية الطابع» تحاول النيل منه بدوافع خارجية أو داخلية، وهذا التضامن لا يجد مبرراً للغضب الشعبي، ولا يهتم بتحويله إلى قوة إيجابية لفرض إصلاحات تحمي الجميع: الشعب والسلطة والأحزاب معاً.
نعم، كانت الاحتجاجات عنيفة فعلاً… وحصلت تجاوزات واعتداءات على مرافق عامة وعلى عناصر الشرطة، وقوبلت بعنف مفرط سواء من عناصر مسلحة تابعة لأحزاب كما حدث في النجف والسماوة، أم من القوى الأمنية كما الحال في البصرة وبغداد ومدن أخرى، واستدعت قرارات غير دستورية كما هي الحال بقطع شبكة «الإنترنت».
ذلك واقع، لكن الواقع أيضاً أن الغضب الشعبي لم يكن مصطنعاً… لم يكن نتاج عبقرية «مندسين» مدفوعين بمخططات كبرى، تماماً كما أن فشل الدولة مسؤولية يتحملها كل الوسط السياسي العراقي، لا حزب أو مسؤول بعينه، لأن المشكلة تخص القواعد غير المكتملة للدولة، لا قراراً هنا أو موقفاً هناك.
الحسنة الوحيدة التي فعلتها القوى التي اجتمعت أخيراً هي الإقرار بتلك المسؤولية التضامنية، وتلك خطوة جيدة، كان من الممكن أن تتبعها خطوات كالتعهد بتشكيل حكومة فاعلة لا تحكم بمنطق اقتسام مؤسسات الدولة، وتعطيل إمكاناتها وخدماتها حزبياً.
كان يمكن أن يصوغ اجتماع نادر للزعماء السياسيين شكل دولة قادرة على إرضاء شعبها بعد التخلص من معادلات فشلها، بديلاً من التفنن في صوغ عبارات الاتهام لشباب تظاهروا غضباً قبل أن يموتوا كمداً على وطن يقتل كل يوم أمام أنظارهم.
الخبر الجيد أن يشعر قادة الأحزاب بالخطر، ففي العادة يكون الخطر منطلقاً لتبني بدايات جديدة.
لكن الخبر السيئ أن أي حدث مهما بلغت خطورته لا يمكن أن يدفع زعماء العراق إلى البحث عن بداية جديدة لبلدهم، لم يفعلوها بعد الحرب الأهلية، ولم يأبهوا بها بعد «داعش» ومرارات ما حدث، وبالتأكيد ليسوا بمعرض تبنيها اليوم.