1 العراق.. تشابه الأسماء تهمة د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
وجود 15 ألف سجين بذريعة تشابه الأسماء في المعتقلات لهو تعبير عن اختلال منظومة القيم الإنسانية في العراق ومؤشر واضح على أن هناك سياسة إرهابية تدمر وتخرب المجتمع وتحوله إلى وحوش كاسرة.
الوضع القانوني العراقي يواجه تحديات منذ سنوات
هناك 15 ألف معتقل من أهالي الموصل في سجون الحكومة العراقية والميليشيات الإيرانية بسبب تشابه في الأسماء والدعاوى الكيدية ضدهم، وهناك 350 ألف شخص أغلبهم في الموصل تتشابه أسماؤهم الرباعية مع مطلوبين في قضايا إرهاب، وهؤلاء قد يتم اعتقالهم فور مراجعتهم دائرة أمنية. هذا الخبر ليس للتسقيط السياسي، وإنما هو منشور في صحيفة “المدى” البغدادية.
وواضح جدا أن ثمة استهدافا سياسيا وراء ذلك، وإلا هل يعقل أن يوجد 365 ألف شخص في مدينة واحدة تتشابه أسماؤهم، خذها من القطب المتجمد الشمالي إلى القطب المتجمد الجنوبي من الكرة الأرضية.
لا تفسير لهذا الأمر إلا أن الميليشيات الإيرانية تهدف إلى إجراء تغيير ديموغرافي للسيطرة على الأراضي والممتلكات والمصالح العائدة للسكان، وفتح طريق تلعفر للإيرانيين للوصول إلى البحر المتوسط عبر سوريا.
والحقيقة أن الوضع القانوني العراقي يواجه تحديات منذ سنوات، بسبب الدعاوى الكيدية، وبسبب ضعف الوعي القانوني في المجتمع أو الثغرات القانونية التي يستثمرها ضعاف النفوس للانتقام من الآخرين أو للابتزاز المالي، وللأسف فإن المعالجات القضائية للدعاوى الكيدية تعجز عن الحد من هذه الدعاوى، رغم تعليمات مجلس القضاء الأعلى لقضاة التحقيق بأن يتشدّدوا مع هذه الدعاوى، التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء في السجون والمعتقلات، ومن هنا ينبغي أن يمارس الادعاء العام دوره في التصدي للدعاوى الكيدية والإخبار السري، الذي لا يستند إلى أدلة قانونية.
وإزاء هذه الأرقام الكبيرة من المسجونين بتهمة تشابه الأسماء، يعتقد المواطنون في الموصل أنهم مستهدفون لأسباب سياسية وطائفية، كون الموصل أكبر مدينة سنية في العراق يكرهها الذين تدعمهم إيران ويقودهم جنرالاتها من وراء الكواليس، ويرجعون إلى ذلك أيضا سبب تدمير مدينتهم بالنحو الذي دمرت به تحت ذريعة محاربة داعش.
وموضوع التشابه في الأسماء ليس جديدا، وما يؤكد أنه يتخذ ذريعة لتحقيق مآرب سياسية غير إنسانية وتصفية لحسابات ظاهرها سياسي وفي باطنها الحقد الطائفي الأعمى، أن الآلاف من الشبان العراقيين زجوا في المعتقلات تحت هذه الذريعة نفسها في أيام الاحتقان الطائفي في عامي 2006 و2007، إذ كان على المعتقل أن يمضي مدة لا تقل عن ستة أشهر مهما قدم من إثباتات ووثائق رسمية سليمة تؤكد أنه ليس الشخص المعني، وهذه الشهور الستة لم تكن مجانية فلا يوجد ما هو مجاني في ظل حكم الميليشيات إلا الموت، إذ كان الابتزاز يجري على قدم وساق من أبسط منتسب إلى أعلى سلطة قضائية، فتشابه الأسماء تجارة رابحة ومصدر رزق للفاسدين في الأجهزة الأمنية.
لو كان الأمر يتعلق بسلامة الوطن فكلنا نشد على أيدي الدولة لتحقيق الأمن ونقف معها بإخلاص في كل إجراءاتها، لكن أن يتحول الموضوع إلى صيد ثمين أو غنيمة جاهزة أو تجارة رابحة تدر على القائمين عليها المزيد من السحت الحرام وفرصة لإذلال من تشابه اسمه مع أسماء مطلوبين، فهذه جريمة منظمة بحق كرامة المواطن وإنسانيته.
إن وجود 15 ألف سجين بذريعة تشابه الأسماء في المعتقلات هو تعبير عن اختلال منظومة القيم الإنسانية في العراق ومؤشر على أن هناك سياسة إرهابية تخرب المجتمع وتحوله إلى وحوش كاسرة، وتعد هذه أعظم حالة لانتهاك حقوق الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية، على حد وصف الإعلامي العراقي الدكتور هيثم نعمان الهيتي.
روى لي الأمين العام لمؤتمر المغتربين العراقيين الدولي عبدالمنعم الملا حادثة تبيّن اتهام الميليشيات الإيرانية لأهل الموصل بالإرهاب مع سبق الإصرار والترصّد، إذ كان تنظيم داعش قد اعتقل الكثير من أبناء الموصل، وقتل منهم من قتل، وكان قسم منهم يقبع في السجون عندما دخلت قوات “التحرير” إلى الموصل وعثرت عليهم الميليشيات الإيرانية، التي كان ينبغي أن تطلق سراحهم لأنهم سجناء داعش، ولكنها بدلا من ذلك قتلت منهم من قتلت ورحّلت من رحّلت إلى مطار المثنى حيث مقر حزب الدعوة، الذي تتخذ منه المخابرات الإيرانية مقرا لها، وبعد أن استقرت الأمور في الموصل بدأت هذه الميليشيات بمتابعة أرامل وأهالي من قتلوا وبدأت ابتزازهم والاعتداء عليهم مقابل أن يعملوا معها كمخبرين ويزودونها بمعلومات، وإن كانت كاذبة أو ملفقة، وقد اهتدت الميليشيات إلى هذه العائلات من خلال قوائم حصلت عليها من مقرات داعش برغم أن الأخير اتبع سياسة التفخيخ والتفجير والحرق لجميع مقراته، لكن الغرابة أنه ترك وراءه قوائم بأسماء جميع سجنائه ومن قتلهم، بالإضافة إلى معلومات عن عائلاتهم، والأغرب من ذلك أن الميليشيات سهّلت الخروج لمن كانوا يعملون مع داعش بأمان إلى خارج الموصل وقسم منهم إلى خارج العراق.
المنظمات الأممية وخاصة المهتمة بحقوق الإنسان مطلوب منها التحرك السريع لإنقاذ أبناء الموصل من تشابه الأسماء الذي أضحى تهمة تقود إلى الاعتقال أو القتل.
2 العراق: احتجاجاتنا واحتجاجات الأوادم! عارف معروف راي اليوم بريطانيا
تعالت منذ الأمس، نغمة جديدة قديمة، نغمة معروفة ومألوفة تاريخيا، فحيثما آلت الازمة الاجتماعية الى طريق مسدود وبانت نذر هياج اجتماعي عنيف، جراء الضغط والاستهتار والتجاهل، وفي كل مكان من عالمنا العربي والإسلامي، لجأت الطبقات الفاسدة المتسلطة وممثلوها السياسيون والامنيون والإعلاميون الى استعارة ذات اللغة فوصفت التحركات او الاحتجاجات او الدعوات التي تصدر بهذا الشأن بانها أفعال جهلة او دعوات تخريب ومخربين او عصيانات حمقى وحرامية او، ربما، مؤامرات من وراء الحدود!
انها ردة فعل تعبر عن امعان في الصلف والتجاهل وهروب الى امام او دفن للرأس في الرمال بدلا من مواجهة المشكل وتفهمه ومحاولة، على الأقل محاولة، معالجته ولا نقول حله، وغالبا ما تسببت، ومن خلال معظم الأمثلة التاريخية، في تعميق السخط الاجتماعي المكبوت ومراكمته باتجاه انفجارات مستقبلية لا يعلم احد مداها!
أتذكر كيف سمّى السادات انتفاضة المصريين عام 1977 بانتفاضة الحرامية، وكيف سمّى صدام حسين انتفاضة العراقيين عام 1991 بتمرد الغوغاء قبل ان تصبح صفحة ” الغدر والخيانة ” لانها ارجعت الى غدر من دولة مجاورة هي ايران وخيانة من الشعب الناكر للجميل!
ان الطغاة والفاسدين يرون، كما هو ديدن من سبقهم، ان “دار السيد مامونه” واننا ما نزال بعيدين بعدا مناسبا عن مثل هذه التوقعات لكنهم يحتاطون، من جهة أخرى، للنذر والصواعق الصغيرة التي يمكن ان تتطور الى حرائق، خصوصا في أجواء ملتهبة كل ما فيها يساعد على الاشتعال فيتصدون بالفعل واللغة لما يجري، دون ادنى تفكير بتفكيكه وحله حلا عادلا ومفيدا.
وكجزء من هذه المواجهة، يرد البعض، على مظاهر الاحتجاج القائمة: “لا اعتراض لدينا على التعبير عن الاحتجاج والتظاهر لكن وسائل احتجاجنا وتظاهراتنا غالبا ما لا تلتزم أساليب التعبير الحضارية ويتجاوز المتظاهرون، أحيانا، تعليمات واومر الجهات الأمنية، وهاك صورهم وهم يحملون العصي، هل هذه مظاهر ديمقراطية؟ اين هذه من مظاهرات الاوادم في بلدان العالم المتمدن حيث التعبير الصامت عبر اللافتات والمسير الهاديء المنظم عبر شوارع محددة، والانفضاض في الوقت المحدد بعد أداء الغرض وتبليغ الرسالة. ان مواطنينا لا يعرفون التصرف بعقلانية إزاء الحرية ولذلك فاننا نحتاج الى المزيد من الشدة والعنف لا التسامح والتراخي!”.
وفي الإجابة على هذه “الأفكار العظيمة” لابد من القول:
1- الالتزام بالاساليب “الحضارية” يعكس ثقافة مجتمع، فكيف نكون، تكون طرائق احتجاجنا وأساليب رفضنا، فما هي ثقافة المجتمع التي عملتم على تأسيسها واشاعتها وترسيخها عبر 15 عاما؟ اليست هي ثقافة العنف واللانظام والفوضى والتغالب والبداوة وغير ذلك مما سينعكس على أساليب الناس في التعامل؟ ثم الاّ يرى المواطن ويلمس في كل مطلب وحاجة ان لا احد يسمع اليه ولا رسالة يمكن ان تصل الاّ عبر القوة والتهديد بها وان احتجاجه وصراخه لا يجد اذنا صاغية في معظم الأحوال؟ الاّ يلمس من خلال تجربته اليومية ان الدولة لا تحترم وتسلم بحقوق الاّ من ملك القوة ولوح بها، من السياسيين اللصوص الى الإرهابيين القتلة الذين يُمنحون الفرصة تلو الفرصة بل وغالبا ما تسقط عنهم جرائمهم ويدعون الى المشاركة السياسية لا لسبب الاّ ابتزاز القوة الذي يتقنونه ؟
2- ان الكثير من مظاهرات او احتجاجات الغرب، سواء تلك التي تتعلق بقضايا حيوية تمس مستوى المعيشة او الحريات، مثل التي تتعلق بالأجور او التوظيف او رفض إجراءات التقشف، او التظاهرات ذات الطابع السياسي كرفض الحرب او التدخل، كثيرا ما تتطور الى معارك شوارع حقيقية وغالبا ما تشهد تبادل اللكم والضربات بين المحتجين وقوات البوليس وحفظ النظام التي لا يمكنها، اطلاقا، تجاوز مواجهة ذلك العنف بأكثر من الغاز المسيل للدموع او الهراوات المطاطية في اقصى الحالات، ولم يحصل ان استخدمت الأسلحة ابدا!
3- ان المواطن في دول العالم المتطور لا يخرج للتظاهر من اجل ضرورات وجودية محضة، مثل عدم توفر الكهرباء مع ان مبالغ اسطورية وتكفي لاعمار دول صُرفت عليها او عدم توفر مياه الشرب او تجاوز حدود ملوحتها كل المستويات بحيث لا تصلح للغسل ويشهد بلدانا مجاورة كانت صحارى قاحلة تتمنى ما لديه من انهار وهي تبيعه اليوم ماء الشرب! او انه لا يجد فرصة عمل له الاّ بعد ان يدفع رشوة تعدل أجور عمل عامين او اكثر (استعباد وسخرة لا يختلف، جوهريا، عن حق الاسياد في عمل العبيد”! او انه، رغم ذلك، يذهب الى المستشفى فيجد أجهزتها عاطلة ودواءها نافذ! او يتسرب أولاده من المدرسة بعد ان تحول التعليم الى وزر ثقيل، ناهيك عن انه كان وما يزال يعيش حياة رثة، مخربة، تفتقر، على الدوام الى ادنى شروط التحضر والمدنية فكيف نتوقع منه سلوكا مدنيا راقيا؟!
اكاد اجزم ان المواطن الياباني او الإنكليزي او الأمريكي كان سيرتكب ما لا يمكن تصوره من العنف والتدمير لو انه واجه فقط جزءا، فقط، من هذه المحن، خصوصا حينما تبدو في دائرة مفرغة ومتفاقمة تعيد انتاج نفسها ولا يبدو ثمة أية بارقة امل بالخلاص منها!
ولذلك، فعلى العكس، تماما من هذه الدعوات، أرى ان المواطن العراقي، اليوم، هو الأكثر مسالمة وانقيادا، وان مظاهراته وطرق احتجاجه، ماتزال هي الاكثر سلمية ومسكنه وهي التي لم تزد في اوج عنفها عن التجمع في ساحة التحرير والهتاف بأقل القليل من المطالب مما يتوفر لمواطن دولة فقيرة بلا إمكانيات وليتفرق بعد ذلك وهو مرتاح لانه تمكن من الهتاف وسيعاود الكرة بعد أسبوع، في ممارسة روتينية لم تعد تثير الكثير من المخاوف لدى طبقة تنعم بكل شيء بطريقة لصوصية سافرة على حساب حرمان هذه الملايين الساكته مقابل فتات يبقيها في حال من العبودية المقنعة.
ان كل مطالب العراقيين ما تزال في اطار الضرورات الوجودية القصوى واسس الحياة الإنسانية والمدنية التي لا يستقيم امر المجتمع مع عدم توفرها، وهي تتوفر حتى في مجتمعات مجاورة محدودة الموارد، لكنها تتحول لدى العراقي الى أحلام بعيدة المنال، بل مستحيلة، حتى ان المواطن في دول مشرقية مجاورة، كتركيا مثلا، تجاوز هذا الامر بقرن او اكثر ولم تعد امنيات او مطالب يتظاهر او يحتج من اجلها وانما ارتفع سقف مطالبه الى افق آخر.
4- ان المواطن يرى ويلمس بالأمثلة الحية، شخوص هذه الطبقة التي يراها سببا في خراب حياته وتهديد امنه ومستقبله واغلاق كل منافذ وامكانيات التقدم نحو الاحسن امامه، ولا يجد فيهم الاّ امثلة منحطة عن الوصولية والتكالب واللصوصية والجهل والتبعية للأجنبي والاستماته في سبيل المصالح الشخصية والفساد الذي لم يسبق ان رأى اشكاله وعرف صوره على هذا النحو، فمن الطبيعي، جدا ان لا يأمل منهم حلا ولا يرتجي منهم اصلاحا ويختزن ضدهم قدرا هائلا من الرفض والاحتقار، قد لا يستطيع التعبير عنه سوى بالكلام او النقد الجارح، في مجالسه الخاصة، اليوم، لكنه قد يتحول الى ممارسات ثأرية مؤسفة، اذا استجدت ظروف تسمح بذلك، بحقهم وبحق الدولة ككل، والتي ستكون بمثابة ملك مشاع مغصوب بنظره، ولدينا في تاريخنا القريب جدا، امثلة طرية يجب ان تكون درسا لكل عاقل، الأولى في “فرهدة الدولة” ابان الغزو الأمريكي والثانية في دخول الجمهور الى المنطقة الخضراء وكيف ان البعض امسك بنواب قد لا يكونوا سيئين الى تلك الدرجة واشبعهم رعبا واهانة!
5- ان القوات الأمنية، ما تزال، في تعاملها مع المواطن، تحمل الكثير من حسها ونظرتها وسلوكها ازاءه وإزاء حقوقه مما تربت عليه طوال العقود السابقة، وما يزال الكثيرون من منتسبيها ينظرون الى مظاهر حرية التعبير او التجمع او التظاهر على انها ” دلال ” زائد وفسحة مبالغ فيها لا يحسن ترك الحبل فيها على الغارب للمواطن، ولذلك فانهم يبدون نافذي الصبر ويتعاملون بتعال وتجبر مع المواطن في مثل هذه المناسبات ويتوقعون انصياعا كاملا لهم فيما يصدرون من أوامر ولذلك ترى ان بعضهم يستسهل اطلاق الرصاص الحي اتجاه المحتجين دون ان يقيده تحريم قانوني عميق وعرف د يمقراطي راسخ.
وأخيرا، فجدير بمن يلقي اللوم على الجماهير وممارساتها “غير الحضارية ” واللاعقلانية ان يتحلى هو بقدر من التحضر والعقلانية والحصافة فيرى ان السلطة مسؤولية لا غنيمة وان الإدارة تكليف لا تشريف وان ينثني عن غيّه ويلتفت الى واقعه وارهاصاته قبل فوات الأوان!
3 سياقة المرأة.. بنجد والبَصْرة رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
ما بين البَصْرة ونجد، في عشرينيات القرن الماضي، بوناً شاسعاً. دخل البريطانيون البَصْرة (1914) وسرعان ما هبت عليها رياح التَّمدن. فبدأت تألف الحياة الجديدة، بينما ظلت نجد حتى ظهور النفط على حالها، وكان لـ«أرامكو» تأثيرٌ كبيرٌ في هبوب رياح جديدة على البلاد، ومعلوم أن مدينة جدة كانت عالماً آخر. مع ذلك ظلت المرأة محرومة من قيادة السيارة بالمدن، بينما كانت قيادة السيارة للمرأة بالبَصْرة مفتوحة من يوم دخول السيارة، لكن ويا للعجب توقفت بعد 2003.
شرعت نجد والمملكة العربية السعودية ككل بقيادة المرأة للسيارة قبل أسبوعين فقط (24 /6 /2018)، أي بعد دخولها بنحو تسعين عاماً، وكان التأخير لمتطلبات العرف الاجتماعي والتشدد الديني. بينما لم تألف البَصْرة مانعاً، فكيف تراجع الزمن القهقرى، وعادت الأوساط المرحبة تحتفل بمشاهدة نساء يقدن سيارتهن، وكان المنع، في ظل الدِّيمقراطية العجيبة، لأسباب عشائرية ودينية وأجواء أمنية، فمِن المعلوم أن أي صعود للقوى المتشددة اجتماعياً تكون المرأة ضحيته.
دخلت السيارة العراق عام 1908، وكان السَّائق أجنبياً «فخرج أهالي بغداد للتفرج عليها، وصار بعضهم ينظرون تحتها لكي يكتشفوا الحصان الكامن في بطنها على زعمهم» (الوردي، لمحات اجتماعية). بالمقابل دخلت السيارة نجداً (1921) مع سائقها الأجنبي أيضاً، و«كانت أثناء سيرها إذا مرَّت بجمع من البدو شخصت نحوها أبصارهم، إذ إن السَّيارة من عمل الشيطان، فيها السحر» (الرفاعي، من ذكرياتي). أرخ هاشم الرفاعي (ت1950) لهذا الحدث، وكان شاهد عيان.
أخذ رجال الدِّين ينصحون ضدها، والظرف لم يكن سهلاً، فكانت لـ«إخوان من طاع الله» اليد الطولى، قبل اندحارهم (1929). فجاءت الفكرة أن اصطحب الملك عبد العزيز (ت1953) رجل دين إلى جانبه في السيارة، ومن يومها بطل السحر (نفسه). في ذلك الوقت دعا الوجيه البصري النجدي عبد اللطيف المنديل (ت1940) بحماس إلى «عقر البعير»، كناية عن مدة المواصلات الحديثة (نفسه).
غير أن تلك القوى التي حاولت منع وجود السيارة نمت أفكارها في المجتمع، وساهمت بتأخير قيادة المرأة لنحو تسعين عاماً، فإذا كان فرض وجود السيارة بقرار رسمي، جاءت قيادة المرأة بقرار رسمي أيضاً، ولم يُكلل هذا بالنجاح لولا تعطيل مَن عرفوا تاريخياً بـ«المطاوعة» (وردت التسمية في تاريخ الطبري)، وتقليم مخالب الصحوة، التي اعتبر رموزها قيادة النساء للسيارات «مفسدة»، ثم تشريع قانون «التحرش».
لا يقبل رجال الدِّين بالجديد، وما قد يُشتت انصياع المجتمع لهم، فقيل إن والي العراق ذهب بسيارته إلى النجف (1914) ولم تعرف السيارة من قبل، فطلب من أحد الوجهاء أن يرافقه بجولة فيها حول سور المدينة، رفض الركوب؛ لأنه «لا يأمن من شرها» (لمحات اجتماعية). غير أن هذا الكائن الشيطاني بنجد والشرير بالعراق، حسب تصنيف رجال الدين آنذاك، صاروا هم يتنعّمون به، وهذا ديدنهم مع كل اختراع يحرِّمونه «سداً للذرائع» ثم يستخدمونه.
اشتريت كتاباً مِن معرض الرياض (2013) تحت عنوان «السادس مِن نوفمبر» (دار جداول)، يحكي قصة خروج نساء بسيارتهن في تظاهرة كانت مثيرة للجدل (6/11/1990)، من تأليف عائشة المانع وحصة آل الشَّيخ، والكاتبتان ضمن السبع والأربعين اللواتي قدن سياراتهنَّ، في وقت كانت حرب الخليح الثَّانية تقرع طبولها، و«الصحوة» في أوجها، فتوجه خطباؤها وشعراؤها ضدهنَّ. قال صحوي: «ولربَّما خدعتكِ علمانيةٌ/ ولربَّما أغراك ذئبٌ أغبرُ». لكن هناك مَن وقف مؤيداً: «سقط الذي قال الحرائر ساقطات/بل شامخات ساميات رائعات» (السادس من نوفمبر). كان ذلك قبل (28) عاماً، ولا أدري ما هي درجة زهو من بقين منهنَّ على قيد الحياة، ويقدرنَ على قيادة السيارات، وهنَّ يشاهدنَ النِّساء يقدنَ سيارتهنَّ، ولم تخسف الأرض تحتهنَّ، مثلما بشر الممانعون.
بعد تلك التظاهرة، صدرت فتوى دينية لتحريم قيادة المرأة، مع أنه في ما مضى لا توجد فتوى ولا قرار رسمي، إنما المنع كان وفق العُرف الاجتماعي، إلى درجة أن النساء أنفسهنَّ مقتنعات بالمنع ويحرضنَ عليه، فالصحوة ليست رجالاً فقط! غير أن تلك القوى، وعلى تبدل الأجيال، ظلت تورث صحوتها من جيل لآخر، فبعد أسبوع من قيادة المرأة للسيارة أُحرقت سيارة إحداهنَّ، وإلقي القبض على الجناة. إنها معركة، لكن هذه المرة جاءت المبادرة من الدولة نفسها.
تتبدل العقول حسب الأزمان، فربَّما المحرضون ضد قيادة المرأة (1990) صاروا يدفعون بناتهم لتعلم القيادة، فالمنفعة تفرض نفسها، والأمر يشبه تماماً بدايات تعليم البنات. كان التخويف من الفجور والانحلال مجرد أوهام، تُحشى بها عقول البسطاء.
إنها مفارقة، أكثر مِن تسعين عاماً أيضاً لم يُفكر البصريون: هل تقود المرأة السيارة أم لا؟! وإذا بالمدنيين منهم يحتفلون ويدبجون التقارير عن عودة النساء لقيادة السيارات وبحذر، وسط مخاوف من المجتمع نفسه، الذي انقلب رأساً على عَقب، في زمن لم يعد النجديون يقصدون البَصْرة لشم نسائم التَّمدن.
4 تهديدات داعش لمونديال روسيا : إصرار على تشويه الإسلام المحرر السياسي
الراي الاردنية
فيما تتواصل مباريات كأس العالم المنعقدة في ملاعب مدن روسية عديدة ويقترب مونديال روسيا للعام 2018 من نهايته وتندمج شعوب العالم الشغوفة بالكرة المستديرة وفنونها على نحو تجمع هذه اللعبة فائقة الحماسة الجماهيرية، أسرة الشعوب بمودة ومنافسة تعكس حجم الحماسة والروح الرياضية بعيداً عن متاعب والاعيب السياسة التي كثيراً ما تفرّق ولا تجمع، تبدو تهديدات تنظيم داعش الإرهابي بشن عمليات إرهابية تستهدف الجمهور واللاعبين والدولة المضيفة على نحو أكثر بشاعة وظلامية مما عكسه خطاب وممارسات هذا التنظيم الذي ولغ في دماء المسلمين قبل غيرهم وألّب عليهم أمم العالم وشعوبه وأنعكس سلباً على دين الرحمة والمحبة والسلام الذي جسدته الرسالة المحمدية بتكليف رباني هداية للعالمين ورحمة بهم.. هذه التهديدات تهدف للحصول على تغطية إعلامية عالمية، فيما إذا ما نفذت واستهدفت أبرياء ومرافق في الدولة الروسية، الأمر الذي ينعكس سلباً على صورة الإسلام والمسلمين الذين يتبرأون من مثل هذه الأعمال الوحشية.
وإذ تتوالى هزائم هذا التنظيم الظلامي وتزداد انكساراته وخسائره وتتراجع المساحات الجغرافية التي يسيطر عليها بعد أن أخذته العزة بالإثم وظن أن سيطرته على مساحات شاسعة في العراق وسوريا تسمح له بإعلان دولته المسخ التي ألصق بها زوراً صفة الإسلام، فإن الثابت هنا هو أن القائمين على هذا التنظيم الدموي التكفيري وأولئك الذين يقدمون له الدعم المالي والإعلامي واللوجيستي والمعلومات الاستخبارية والصور الجوية لم يستفيدوا ولا يبدو أنهم في صدد الاستفادة مما حصل لهم قبل عام من الآن في العراق بعد تحرير مدينة الموصل العراقية في مثل هذه الأيام من عام 2017 وكيف سقطت دولتهم المزيفة ولحقت بهم هزيمة نكراء كان الأجدى والأجدر بهم أن يتعظوا وأن يستخلصوا الدروس والعبر وأن يتوبوا توبة نصوحة ويقلعوا عن أعمالهم الشريرة التي لا تقرّها الاديان السماوية ولا الأعراف والمعايير الإنسانية والأخلاقية وأن يتخلوا عن خطابهم الظلامي الذي يحتكر الحقيقة ويرفض التعاليم السماوية ويُزهق الأرواح البريئة ولا يتردد في تكفير المسلمين وغير المسلمين مستبيحاً دماءهم ومحلّلاً سبي نسائهم والسيطرة على أملاكهم..
لم يسجل التاريخ دموية واجراماً كالذي أظهره هذا التنظيم الظلامي التكفيري ولم يحدث أن وصلت ارتكابات عصابات خارجة على القوانين والتقاليد والأعراف والأديان المدى الدموي الذي وصله تنظيم داعش، وكان في مقدمة ضحاياه الشعوب الإسلامية والعربية ما أثار حفيظة هذه الشعوب وزاد من تصميمها على مقاومة هذا الشطط والغلو الذي يمارسه خوارج العصر الذين نقلوا اجرامهم ودمويتهم إلى ساحات ومدن ودول غربية وشرقية تحت مزاعم وتبريرات تتخذ من الإسلام قناعاً وذريعة لإلحاق الأذى بالشعوب والأفراد الأبرياء..
ما دأب عليه تنظيم داعش من التلويح بتهديدات والقيام بعمليات ارهابية ضد دول وشعوب عربية وإسلامية وأوروبية وافريقية واسيوية وأميركا وبخاصة في تهديداته ضد الاتحاد الروسي الصديق واستهداف مباريات كأس العالم يعكس إفلاساً سياسياً وعسكرياً وتنظيمياً وأخلاقياً التنظيم المشبوه والذي باتت نهايته قريبة بعد أن تمت محاصرة جيوبه وتجفيف منابع تمويله وتسليحه ولن تفلت خلاياه النائمة من النهاية المؤكدة قتلاً أو اعتقالاً وجلباً أمام العدالة لينالوا عقابهم بعد أن جاوزوا كل الأمدية والخطوط.